آخر 10 مشاركات
الخبيصه الاماراتيه (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 1 - المشاهدات : 21166 - الوقت: 09:09 PM - التاريخ: 01-13-2024)           »          حلوى المغلي بدقيق الرز (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 0 - المشاهدات : 14891 - الوقت: 03:16 PM - التاريخ: 12-11-2023)           »          دروس اللغة التركية (الكاتـب : عمر نجاتي - مشاركات : 0 - المشاهدات : 21072 - الوقت: 11:25 AM - التاريخ: 08-21-2023)           »          فيتامين يساعد على التئام الجروح وطرق أخرى (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 0 - المشاهدات : 22459 - الوقت: 08:31 PM - التاريخ: 07-15-2023)           »          صناعة العود المعطر في المنزل (الكاتـب : أفاق الفكر - آخر مشاركة : OM_SULTAN - مشاركات : 4 - المشاهدات : 56513 - الوقت: 10:57 PM - التاريخ: 11-06-2022)           »          كحل الصراي وكحل الاثمد وزينت المرأة قديما من التراث (الكاتـب : Omna_Hawaa - آخر مشاركة : OM_SULTAN - مشاركات : 2 - المشاهدات : 51577 - الوقت: 10:46 PM - التاريخ: 11-06-2022)           »          كيفية استخدام البخور السائل(وطريقة البخور السائل) (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 2 - المشاهدات : 43496 - الوقت: 10:36 PM - التاريخ: 11-06-2022)           »          جددي بخورك (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 0 - المشاهدات : 25862 - الوقت: 10:25 PM - التاريخ: 11-06-2022)           »          عطور الإمارات صناعة تراثية (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 0 - المشاهدات : 26253 - الوقت: 10:21 PM - التاريخ: 11-06-2022)           »          خلطات للعطور خاصة (الكاتـب : أفاق : الاداره - آخر مشاركة : OM_SULTAN - مشاركات : 1 - المشاهدات : 32150 - الوقت: 10:12 PM - التاريخ: 11-06-2022)

إضافة رد
 
أدوات الموضوع تقييم الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 10-30-2012, 11:08 PM   رقم المشاركة : 1
الكاتب

أفاق : الاداره

مراقب

مراقب

أفاق : الاداره غير متواجد حالياً


الملف الشخصي









أفاق : الاداره غير متواجد حالياً


الرق وموقف الإسلام منه



الرق وموقف الإسلام منه

نريد هنا أن نوضح موقف الإسلام من الرق ، ولكن يجدر بنا قبل ذلك أن نعطي فكرة عن موقف الأمم المختلفة منه ، فقد كان موقف الإسلام من الرق متأثرا باتجاهات الأمم المختلفة عند ظهور السلام ، كما كان مأثرا في هذه الاتجاهات ، كان الإسلام متأثرا بمعنى أنه وجه الرق - كما سيأتي - نظاما شائعا ، من أهم موارده الأسر في الحروب ، فأجاز الإسلام للمسلمين أن يأسروا من أعدائهم ما استطاعوا حتى تتحقق المعاملة بالمثل ، وبهذا أجل الإسلام إلى حين هدفه الأسمى وهو الحرية ، أو قل وصل إلى الهدف خطوة بعد خطوة .

وكان الإسلام مؤثرا في اتجاهات هذه الأمم لأنه بالتشريع الذي أجراه للرق أبان أنه مشكلة ، ولم يكن أحد قبل السلام يدرك أن الرق مشكلة ، بل كان عملا طبيعيا ، ووضع الإسلام الطرق لحل هذه المشكلة ، وكان ما رسمه الإسلام خطوة واسعة ، ففتح الأعين لتحرير الأرقاء ، حتى تم ذلك في القرنين الأخيرين .

ما اتجاهات الأمم تجاه الرق ؟ هذا ما سنتكلم عنه فيما بلى : الرق في الحضارة الشرقية القديمة : لا يعرف التاريخ بداية لاستعباد الإنسان لأخيه الإنسان ، ومنذ عرفت الحضارات ودون التاريخ نجد الرق موجودا ونجده قاسيا .

ففي مصر القديمة وجدت العبودية ، وعلى أكتاف رقيق الأرض بنيت الأهرام وأقيمت المعابد ونحتت المسلات .

وفي الصين كان الرق منتشرا ، وكان من أسبابه الفقر الذي كثيرا ما كان يدفع بصاحبه إلى أن يبيع نفسه أو أولاده تخلصا من العوز الذي كان واسع الانتشار ( 1 ) . وفي الهند - حيث نظام الطبقات - كان الشودرا ( ) Sudra والمنبوذون ( ) Outcasts يمثلان الغالبية العظمى بين السكان الأصليين للبلاد ، وكانت هاتان الطبقتان تكونان طبقة العبيد ، وكان للبراهمة ( الكهنة ) Brahman الحق في أن يأخذوا من مال الشودرا ما يشاءون ، فهذه الطبقة وأفرادها ملك خالص للبراهمة ، أما طبقة المنبوذين فلم يكن لها حق أن تملك شيئا ، وكان من التفضل على أي من أفرادها أن يمتلكه أحد ، وأن يخرجه من طبقة المنبوذين إلى المجتمع. أما عند الفرس فقد انتشرت نظرية الحق الإلهي وأصبحت عقيدة مرعية عند الجميع ، وبمقتضى هذه النظرية اعتقد الملوك - واعتقد الناس معهم - أن دما من دماء الآلهة تجري في عروقهم ، وأنهم لذلك طبقة أخرى غير طبقة البشر ، أو من سواهم عبيد لهم ، ولا ينال الشعب الرحمة من الآلهة إلا إذا رضى عنه الملوك ، وعلى هذا يمكن القول إن سكان فارس كانوا آلهة وعبيدا .

الرق عند اليونان : وكان استعباد البشر للبشر مطلقا وبكثرة في حضارة اليونان ، وكان قراصنتهم يتخطفون أبناء الأمم الأخرى في مختلف السواحل ويبيعونهم في أسواق أنينا وغيرها ، ولما صارت لليونان مستعمرات في آسيا الصغرى ، صارت لهم فيها أسواق للاتجار بالرقيق ، حتى امتلأت بيوت الإغريق بالإماء والعبيد يستعبدهم اليونان جميعا ، لا فرق بين غني وفقير ، ولم تؤثر في تاريخهم كلمة * ( هامش ) * ( 1 ) أنظر كتاب تاريخ الصين القديم لمؤلفه . ) * ( M . olive واحدة عن أي حكيم من حكمائهم باستنكار استعباد الإنسان لأخيه الإنسان أو للترغيب في تحريره ( 1 ) . وقسم الفلاسفة اليونان الجنس البشري قسمين : حر بالطبع ورقيق بالطبع ، وقالوا إن الثاني ما خلق إلا لخدمة الأول ، وإن عليه أن يقوم بالأعمال الجسمانية ويقوم الجنس اليوناني وهو الحر بالطبع بالأعمال الفكرية والإدارية والمناصب الهامة ( 2 ) .

وبناء على هذه القاعدة التي وضعها فلاسفة اليونان استباح اليونان لأنفسهم أن يتلصصوا في البحار فيخطفوا من يصادفهم ممن يكونون على الشواطئ والسواحل ، فيصبح هؤلاء المخطوفون أرقاء مستعبدين للجنس اليوناني ( 3 ) . ويرى أفلاطون في الجمهورية الفاضلة حرمان العبيد حق المواطنة ، وإجبارهم على الطاعة والخضوع للأحرار من سادتهم ( 4 ) . ويوافقه تلميذه أرسطو على ذلك فهو يجعل كلمة ( المواطن ) مرادفة لكلمة ( حر ) ويرى أن وظيفة العبيد تحصيل الثروة الضرورية للأسرة والقيام على خدمتها ، ذلك لأن ( المواطن ) حبته الطبيعة ذكاء وشجاعة ، فبنى لنفسه مدينة وتفرغ لسياستها وخصص حياته لخدمتها في السلم والحرب ، فلا يتسع وقته للعناية بشئون معاشه ، وتأبى عليه كرامته أن يتنزل للأعمال اليدوية يزاولها فيشوه يديه وخلقته ، ويظهر وضيعا ، فكان لا بد له أن يجد من يتكفل بذلك دونه ، وقد أوجدت الطبيعة شعوبا قليلة الذكاء أقوياء البنية ، فقدمت له منها آلات للحياة ، هي آلات حية ، وأولئك هم العبيد ( 5 ) . * ( هامش ) * ( 1 ) الشيخ محمد الخضر حسين شيخ الأزهر سابقا : مجلة الأزهر صفر سنة 1373 . ( ) أنظر النظم الإسلامية للدكتورين حسن إبراهيم وعلي إبراهيم ص 359 . ( 3 ) أنظر كتاب الرق في الإسلام لشفيق باشا ص 19 . ( 4 ) عباس العقاد : حقائق الإسلام ص 216 . ( 5 ) دكتور إبراهيم مدكور : تاريخ الفلسفة ص 56 . ( * )

الرق عند الرومان : أما عند الرومان فإن النخاسين كانوا يتخذون الحروب الكثيرة التي اعتاد الرومان أن يشعلوها مواسم لتجارتهم ، وكانوا يصحبون الجيوش لا للاصطدام بالعدو ، بل ليشتروا الأسرى والمغلوبين من صبيان وبنات ورجال ونساء بأبخس الأثمان ، حتى لقد كان الغني من النخاسين يشتري ألف إنسان صفقة واحدة عقب نصر كبير تعده الإنسانية خزيا ، ويعده تاريخ الاستعمار الروماني عظمة ومجدا ، وفي مدينة روما كانت للرقيق سوق تعرض فيها هذه البضائع للمزاد العلني على رابية مرتفعة : فيكون الرقيق عريانا من كل ما يستره ، ذكرا كان أو أنثى ، كبيرا أو حدثا ، ولمن شاء من الناس أن يدنو من هذا اللحم الحي المعروض للبيع فيجسه بيده ، ويقلبه كيف يشاء ولو لم يشتره في النهاية ، والقانون الروماني لم يكن يعتبر الرقيق انسانا له شخصية ذات حقوق على الإنسانية ، بل كان يعتبره شيئا من الأشياء كسائر السلع التي يباح الاتجار بها ( 1 ) .

ومن وسائل الرق عند الرومان - بالإضافة إلى الحرب التي سبق ذكرناها - أنهم كانوا يسترقون المدين الذي لم يتيسر له الوفاء بدينه ، فيصبح المدين رقيقا للدائن ( 2 ) . الرق عند اليهود : أما عند بني إسرائيل فقد أباحت التوراة الاسترقاق بطريق الشراء أو سبيا في الحرب ، فجعلت للعبري أن يستعبد العبري إذا افتقر ، فيبيع الفقير نفسه لغني ، أو يقدم المدين نفسه للدائن حتى يوفي له الثمن ، ويبقى عبدا له ست سنين * ( هامش ) * ( 1 ) الشيخ الخضر في المرجع السابق . ( 2 ) أنظر الرق في الإسلام لشفيق باشا ص 23 . ( * ) ثم يتحرر .

ففي سفر الخروج : إذا اشتريت عبدا عبريا فست سنين يخدم وفي السابعة يخرج حرا مجانا ( 1 ) ، وإذا سرق العبري ماشية وذبحها ، أو أي شئ استهلكه ، ولم يكن في يده ما يعوض به صاحبه يباع السارق بسرقته ، وأباحت التوراة للعبري أي يبيع بنته فتكون أمة للعبري الذي يشتريها . أما الاسترقاق سبيا في الحروب فهو أيسر ما ينزله اليهود بأعدائهم ، وقد نص العهد القديم على ما يلي : " حين تقرب من مدينة لكي تحل بها استدعها إلى الصلح ، فإن أجابتك إلى الصلح وفتحت لك ، فكل الشعب الموجود فيها يكون لك للتسخير ويستعبد لك ، وإن لم تسالمك بل عملت معك حربا فحاصرها ، وإذا دفعها الرب إلهك إلى يدك فاضرب جميع ذكورها بحد السيف ، وأما النساء والأطفال والبهائم وكل ما في المدينة ، كل غنيمتها فتغتنمها لنفسك ( 2 ) " .

الرق عند المسيحين : ولما جاءت المسيحية كانت عبودية الإنسان شائعة في كل العالم ، نقل الدكتور جوزيف بوست ، أحد رجال الجامعة الأمريكية الأولين في بيروت ( 3 ) ، أن المسيحية لم تعترض على العبودية من وجهها السياسي ، ولا من وجهها الاقتصادي ، ولم تحرض المؤمنين على منابذة جيلهم في آدابهم من جهة العبودية ، حتى ولا على المباحثة فيها ، ولم تقل شيئا ضد حقوق أصحاب العبيد ، ولا حركت العبيد إلى طلب التحرر ، ولا بخثت عن مضار العبودية ، ولا عن قسوتها ، * ( هامش ) * ( 1 ) سفر الخروج : 21 - 2 . ( 2 ) سفر التثنية ، الأصحاح العشرون : 10 - 14 . ( 3 ) قاموس الكتاب المقدس المجلد الثاني ص 60 - 61 طبع المطبعة الأمريكية في بيروت سنة 1901 . ( * ) ولم تأمر بإطلاق العبيد أصلا ، وبالاجمال لم تغير النسبة الشرعية بين الولي والعبد بشئ ، بل على عكس ذلك أثبتت حقوق السادة وواجبات العبيد .

وأمر بولس الرسول العبيد بإطاعة سادتهم كما يطيعون السيد المسيح ، فقال في رسالته إلى أهل إفسس ( 1 ) . " أيها العبيد ، أطيعوا سادتكم حسب الجسد بخوف ورعدة في بساطة قلوبكم كما للمسيح ، لا بخدمة العين كمن يرضى الناس ، بل كعبيد المسيح ، عاملين مشيئة الله من القلب ، خادمين بنية صالحة كما للرب ليس للناس ، عالمين أن مهما عمل كل واحد من الخير فذلك يناله من الرب عبدا كان أو حرا " .

وأوصى بطرس الرسول بمثل هذه الوصية ، وأوجبها آباء الكنيسة لأن الرق كفارة عن ذنوب البشر يؤديها العبيد لما استحقوه من غضب السيد الأعظم . وأضاف القديس الفيلسوف توماس الأكويني رأي الفلسفة إلى رأي الرؤساء الدينيين ، فلم يعترض على الرق بل زكاة لأنه - على رأي أستاذه أرسطو - حال من الحالات التي خلق عليها بعض الناس بالفطرة الطبيعية ، وليس مما يناقض الإيمان أن يقنع الإنسان من الدنيا بأهون نصيب ( 2 ) .

الرق في أوربا : فيما عدا اليونان والرومان - وقد سبق الكلام عنهما - ليس لأوربا تاريخ قديم يذكر سوى تاريخ الجرمان ، ويقول الأستاذ شفيق ( باشا ) عن موقف الجرمان من الرق ما يلي : وكانت المقامرة تخرج بالمولعين بها إلى حد أنهم يقامرون على نسائهم وأولادهم ، بل وعلى حرياتهم الشخصية ، فكان ذلك عند الجرمان مصدرا من مصادر الرق ( 3 ) . * ( هامش ) * ( 1 ) الأصحاح السادس : 5 - 9 . ( 2 ) الأستاذ العقاد : حقائق الإسلام ص 215 . ( 3 ) الرق في الإسلام : ص 31 . ( * ) ولما بدأ تاريخ أوربا العام يظهر في العصور الوسطى ، ظهر معه نظام الأمراء والاقطاع ، أي نظام السادة من جانب والأرض ورقيق الأرض من جانب آخر ، فقد كان المزارعون عبيدا للملاك يباعون مع الأرض إذا بيعت الأرض ، وليس لواحد منهم الحق في الخروج من أرض إلى أرض أخرى ، لأنه كان كالآلة تابعا للأرض مملوكا لصاحبها ، ولم يلغ الرق في أوربا إلا في القرن التاسع عشر ، وكان في الحقيقة إلغاء لاسترقاق الأوربيين فقط ، وتحويلا لنشاط التسلط تجاه آسيا وإفريقية ، وقد كان الاسترقاق في آسيا منتشرا باسم الاستعمار، أما في إفريقية فكان استرقاقا سافرا وكانت أسواق النخاسين التي فتحها الأوربيون تتمتع برواج عظيم وتفيض بربح وافر على تجارها ، وفي القرن السادس عشر والسابع عشر والثامن عشر والتاسع عشر تحالف تجار الرقيق البيض مع بعض زعماء القبائل الإفريقين وأخذوا يهجمون على مساكن الإفريقيين ويخطفون أطفالهم ويعرضونهم للبيع في أسواق العبيد .

الرق عند العرب : انتشر الرق عند العرب قبل الإسلام انتشارا كبيرا ، وكانت وسيلته الحروب التي لا تنقطع في الجزيرة العربية ، وكان الغالب يأسر من المغلوبين من يستطيع ليصبحوا عبيدا ، ومن وسائل الرق عند العرب القوة فإذا قابلت قبيلة قوية قبيلة ضعيفة استسلمت القبيلة الضعيفة للقوية وخضعت لها وأصبح أفرادها عبيدا . ومن وسائل الرق عند العرب الهجوم السريع ، فالشخص الذي يمشي وحده ، أو الجماعة من الناس التي تمشي دون أن تستطيع حماية نفسها كانت عرضة للخطف نتيجة هجوم سريع ، فيصبحون بذلك عبيدا .

وننتقل الآن إلى نقطة مهمة جديرة بالايضاح ، هي أن الرق عند هذه الأجناس جميعا يشمل الجسم والعقل ، فالرقيق يتبع سيده في دينه وتفكيره كما يعمل له بجسمه ، ولا حق للرقيق أن يفكر أو أن يتبع تفكيرا آخر غير تفكير سيده وللسيد أن ينزل برقيقه من العقاب ما يشاء لأنه يملكه ملكا كاملا . تلك المقدمة القصيرة عن الرق في الدول المختلفة نستطيع بها أن نعرف بوضوح مكانة التفكير الإسلامي في مسألة الرق .

الإسلام والرق : نبدأ حديثنا عن الإسلام والرق بأن نسأل سؤالا هاما هو : ما موقف الإسلام من الرق ؟

وهل ألغاه ؟ أما موقف الإسلام من الرق فيلخصه قوله عليه السلام " شر الناس من باع الناس ( 1 ) " . وأما من ناحية إلغائه فنقرر أن الإسلام - إن كان لم بلغ الرق إلغاء صريحا مباشرا - قد وضع نظاما يكفل إلغاء الرق ، فيمكن القول بأن الإسلام ألغى الرق بطريق غير مباشر .

لماذا لم يلغ الإسلام الرق بطريق مباشر ؟ وما هو هذا النظام الذي وضعه الإسلام ليلغي الرق بطريق غير مباشر ؟

هذا ما سنتكلم عنه فيما بل بتفصيل كاف . أما الإجابة عن السؤال الأول ، وهو لماذا لم يلغ الإسلام الرق بطريق مباشر ، فإنها تنحصر في سببين .

1 - التكافؤ في المعاملة ، فقد كانت هناك حروب بين المسلمين وغير المسلمين وكان غير المسلمين يستحلون استرقاق المسلمين ، فكان لا بد أن يعاملهم المسلمون بالمثل كما سبق القول . * ( هامش ) * ( 1 ) كتاب العلل مخطوط ببرلين رقم 8327 ورقة 206 ج‍ نقلا عن آدم متز : الحضارة الإسلامية ح‍ 1 ص 277 . ( * )

2 - الإسلام فلسفة في معالجة كل مسألة ليست أساسا من أسسه : ففي معالجة هذه الشئون ، تقضي فلسفة الإسلام ، أن تعالج برفق وأناة ، حتى يصل الإسلام إلى هدفه بدون أن يحدث اضطرابا بين معتنقيه ، فشرب الخمر ، والرق ، وتعدد الزوجات ، الإسلام تجاهها هدف ، ولكنه يعمل لكي يصل إلى هدفه بيسر ، وبعدة خطوات أحيانا بدلا من خطوة واحدة ، أما الأمور الرئيسية في الإسلام كتوحيد الله وترك عبادة الأصنام ، فإن الإسلام يواجهها مواجهة صريحة مباشرة ، ليقطع دابرها من أول الشوط . ونجئ بعد ذلك للسؤال الثاني وهو : ما النظام الذي وضعه الإسلام ليلغي الرق بطريق غير مباشر ؟ في الإجابة عن هذا السؤال نقرر أن ذلك النظام ينحصر في مبدأين مهمين :
1 - تضييق المدخل .
2 - توسيع المخرج .

وسنشرح فيما بلى كلا من هذين المبدأين :
1 - تضييق المدخل : جاء الإسلام وللرق وسائل أو مداخل كثيرة سبق أن ذكرناها ، ومنها البيع ، والمقامرة ، والنهب ، والسطو ، ووفاء الديون ، والحروب مهما كانت أنواعها وأسبابها ، والقرصنة ، والطبقية ، . . .

فألغى الإسلام جميع هذه المداخل ، ولم يبق منها إلا مدخلا واحدا ، وضيقه الإسلام حتى لم يعد ينفذ منه إلى الرق إلا القليل النادر أشد الندرة ، وذلك المدخل هو الحرب الدينية ، أي التي يقصد بها الجهاد في سبيل الله لرد اعتداء يقوم به غير المسلمين على المسلمين ، بشرط ألا يكون الأسير وقت أسره مسلما ولو كان في جيش الأعداء ، وأن يضرب الإمام عليه الرق .

يقول الشيخ عبد العزيز جلويش إن الشرع لا ببيح أن يسترق مسلم أصلا ، ثم إنه لا يبيح بعد ذلك إلا استرقاق أسرى حرب شرعية قامت لإعلاء كلمة الله ، مراعى فيها أن تكون مسبوقة باعتداء غير المسلمين عليهم ، وقد سد الإسلام بذلك ، تلك الأبواب التي ذكرناها والتي كانت مصادر للرق في الأمم المختلفة قبل الإسلام وبعده . ومن الأدلة الواضحة على أن الإسلام يضيق مدخل الرق ويميل للتحرير ما ذكره الفقهاء من أنه إذا وجد طفل ادعى رجل نصراني أنه ابنه ، وادعى مسلم أنه عبده ، فإنه يقضى به للنصراني حتى لا يدخل الطفل باب الرق ولو كان في رقه إسلامه ( 1 ) .

ومن تضييق المدخل أن الإسلام وضع تنظيما لأسرى الحرب لم يكن معروفا قبل الإسلام ، فقد كان الأسرى في الأمم المختلفة يعتبرون أرقاء بمجرد وقوعهم في الأسر ، ولكن الإسلام اشترط لاعتبارهم أرقاء أن يضرب الإمام عليهم الرق كما سبق القول ، أما قبل أن يضرب الإمام الرق على الأسرى فيمكن أن تتم نحوهم التصرفات الآتية :

1 - تبادل الأسرى ، وذلك بأن يرد المسلمون من أسراهم عددا إلى الأعداء نظير إطلاق عدد مقابل من أسرى المسلمين الذين وقعوا في أيدي الأعداء .

2 - المن على الأسرى أو على بعضهم وذلك بإطلاقهم من غير مقابل لسبب من الأسباب .

3 - قبول الفداء منهم ، وذلك بإطلاقهم نظير مقابل مادي أو أدبى ، كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم في أسرى بدر ، فقد أطلق بعضهم نظير مقابل مالي ، وجعل للقارئين منهم أن يفتدوا أنفسهم بتعليم القراءة والكتابة * ( هامش ) * ( 1 ) دكتور محمد يوسف موسى . مجلة " المسلمين " العدد الأول ص 8 . ( * ) لعدد بن أبناء المسلمين ( 1 ) وفي المن والفداء جاءت الآية الكريمة : " فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب ، حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق ، فإما منا بعد وإما فداء ( 2 ) " .

ومن الممكن أن يفهم من الآية السابقة أن الأسر شئ مؤقت يزول بطريق المن أو الفداء بعد انتهاء الحرب ، ومقتضى هذا أن عددا كبيرا من أسرى الحرب أو كلهم لن يصلون إطلاقا إلى ساحة الرق ويقرر ابن القيم ( 3 ) أن الرسول لم يسترق رجلا حرا بالغا قط مع جواز ذلك ، وكان استرقاق الرجال مقصورا على الأرقاء الذين يؤثرون البقاء تحت ظل الإسلام على عودتهم لسادتهم . وينبغي أن نذكر أن نصا قرآنيا واحدا تحدث عن حكم الأسرى ، هو الآية السابقة " فإما منا بعد وإما فداء " ويميل أكثر المفكرين إلى اتخاذ هذا النص أساسا للحكم في الأسرى ، وأنه هو الأصل الدائم لهذه القضية ، ويعدون ما وقع بالفعل من قتل بعض الأسرى أو استرقاقهم أحداثا حصلت لمواجهة حالات خاصة ، وهذا نميل إليه ، وبناء على ذلك يكون الرق لا أصل له في الظروف العادية في التفكير الإسلامي. وقد ذكرت لنا المراجع التاريخية صورة جميلة لتبادل الأسرى وافتدائهم مع الروم ، ونحن يوردها فيما بلى : كانت عملية الفداء تتم بصورة منتظمة تقليدية ذات روعة خاصة ، فيقف المسلمون على الضفة الشرقية لنهر اللامس وتقف الروم على ضفته الغربية .


واللامس نهر صغير ضيق كأنه ترعة ويمد جسران من القوارب بين * ( هامش ) * ( 1 ) المبرد : الكامل ص 17 . ( 2 ) سورة محمد الآية الرابعة . ( 3 ) زاد المعاد ج‍ 3 ص 290 وانظر ( الجهاد في التفكير الإسلامي للمؤلف ) . ( * ) الضفتين ، وكلما أطلق الروم أسيرا مسلما أطلق المسلمون أسيرا روميا معادلا له من حيث المكانة والسن وسلامة البدن ، وكلما وصل إلى المسلمين أسير من أسراهم صاحوا : الله أكبر ، وعند ما يصل إلى الروم أحد أسراهم يصيحون صياحا مماثلا ، فإذا بقيت لأحد الجانبين بقية من الأسرى افتديت بالمال ( 1 ) .

وتوضح لنا المراجع التاريخية كذلك أن المسلمين كانوا يتقربون إلى الله بإطلاق الأسرى تبرعا ، وفي الحروب الصليبية نجد صلاح الدين الأيوبي ورجاله يتبارون في هذا المجال ( 2 ) . 2 - توسيع المخرج : أما أولئك الذين يصبحون أرقاء بطريق أو بآخر ، فإن الإسلام يفتح لهم الأبواب ليعيد الحرية لهم أن ليعيدهم إلى الحرية ، إذ أن الإسلام يعتبر الرق عارضا ويعمل على إزالته ، وفيما يلي ذكر لهذه الأبواب : 1 - جعل الإسلام العتق مرغوبا فيه ووعد الثواب العظيم من الله لمن يعتق رقبة ، قال تعالى : " ألم نجعل له عينين ولسانا وشفتين وهديناه النجدين فلا اقتحم العقبة وما أدراك ما العقبة فك رقبة ( 3 ) " . وقال : " ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب ( 4 ) " . * ( هامش ) * ( 1 ) أنظر تاريخ التمدن الإسلامي لجورجي زيدان ج‍ 1 ص 216 ( تعليق الناشر ) . ( 2 ) أنظر سورا من ذلك في الحديث عن الحروب الصليبية في الجزء الخامس من " موسوعة التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية " للمؤلف . ( 3 ) سورة البلد الآية 8 - 14 . ( 4 ) سورة البقرة الآية 172 . ( * ) وقال : " ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة . . . " ( 1 ) . وقال في نفس الآية : " وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة " . وقال : " والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا " ( 2 ) . 3 - مكاتبة العبد ليتحرر بدفع مال يقدمه لسيده ، ويرى بعض الفقهاء أن المكاتبة واجبة إذا طلبها العبد وكان هناك أمل في أن يوفي بما وعد .

والمكاتبة عقد بين السيد والعبد لإعادة الحرية لذلك العبد نظير دفعة ما لا للسيد . وقد اعتمد الفقهاء الذين قالوا بالوجوب ، على قوله تعالى : " والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا " ( 3 ) ، وبعد المكاتبة يعطى العبد حق التجارة والعمل ، كما يعطى حق التملك والحرية ليعمل لنفسه ، فلا يعمل لسيده ، بل يتحرر للكسب لسداد النجوم ( الأقساط ) ، وبالإضافة إلى عمل المكاتب ليحصل على المال اللازم للسداد نجد الإسلام يجعل من حقه نصيبا من الزكاة ليساعده على السداد ، قال تعالى : " إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب ( 4 ) .

كما يلزم الإسلام السيد أن يحط عنه بعض النجوم ، أو أن يساعده بمال ليوفي بما وعد به ، قال تعالى : " وآتوهم من مال الله الذي آتاكم " . 4 - التدبير : وهو أن يوصي السيد بأن يكون عبده حرا بعده موته ، وسمي كذلك لأن السيد تدبر أمر دنياه فأبقى العبد ليعاونه في الدنيا ، وتدبر أمر آخرته فأوصى بعتق العبد عقب موته ليساعده ذلك في الآخرة بتكثير * ( هامش ) * ( 1 ) سورة المجادلة الآية الثالثة . ( 2 ) سورة التوبة الآية السادسة . ( 3 ) سورة النور الآية 58 . ( 4 ) سورة المائدة الآية 89 . ( * ) حسناته ، والتدبير موصى به ويحث الشرع عليه ، ولا يجوز بيع المدبر ولا هبته ولا رهنه في أصح القولين لقوله عليه السلام : " إن المدبر لا يباع ولا يورث ولا يوهب وهو حر من الثلث " . 5 - إذا أصاب السيد أمته فحملت منه ووضعت ما تبين منه شئ من خلق آدمي حرم عليه بيعها وهبتها وعتقت بموته ، وكان ولده منها حرا ، وهذا بخلاف النظام الذي كان متبعا عند العرب قبل الإسلام والذي كان يقضي أن تظل الأمة أمة وإن ولدت لسيدها ، وأن يكون ابنها منه عبدا ، وقد كان عنترة العبسي ابن أمة وكان عبدا لأبيه ، وحدث أو هوجمت عبس ولم يهتم عنترة بالدفاع عنها ، فقال له أبوه : كر يا عنترة ، فأجاب : إن العبد لا يعرف الكر ، وإنما يعرف الحلاب والصر ( الشذ على الناقة ) فقال له أبوه : كر وأنت حر . وهكذا لم ينل عنترة الحرية إلا عندما احتاجت القبيلة إلى كفاحه ، وقبل ذلك كان عبدا لأبيه . 6 - إن من أعتق بعض عبد يملكه ، عتق كله ، فإن كان يملك بعض البعد وله شريك يملك باقيه فأعتق نصيبه عتق العبد كله وقوم عليه ما يملكه الشركاء إن كان موسرا ودع لهم ثمنه ، قال عليه السلام : " من اعتق شركا له في عبد وكان موسرا قوم عليه ثم يعتق كله " .

فإن كان معسرا سعى العبد في قيمة الباقي لأنه هو الذي انتفع بالحرية ، ويرى بعض الفقهاء في هذه الحالة عدم عتق الباقي . 7 - إن ملك واحدا من ولديه أو والديه عتق عليه في الحال . ويتضح من ذلك تمام الوضوح أن الإسلام أنهى الرق من الناحية العملية فالمرأة ينتهي رقها إذا أصابها سيدها وحملت منه ، وهذا يجعل عنصر النساء قريبا جدا من الحرية ، أما الرجال فقد فتحت لهم الأبواب المتعددة التي ذكرناها ، وأبرزها يا - المكاتبة الذي يلتزم السيد أن يقبله وأن يساعد عبده على الوفاء بما التزم .
معاملة الرقيق في الإسلام : على أن الرق إن بقي بعد ذلك فإن الإسلام كفل زوال أثره عمليا ، وذلك بمحو الفوارق والتوصية بالأرقاء حتى وجد من يؤثر الرق على الحرية كما سيأتي عند الحديث عن الرق الصناعي ، وأبرز ألوان المعاملة التي أتاحها الإسلام للأرقاء ، هي أن الرق يتصل بالعمل الجسماني ولا يتصل بالعقل ، فالرقيق يعمل لسيده ويطيعه في حدود هذا العمل ، ولكنه حر في تفكيره يعتنق الدين الذي يرضيه ، وليس ملزما أن يتبع سيده في أفكاره وليس للسيد أن يطلب من عبده أن يرتكب إثما أو يقتل نفسا بغير حق ، وللعبد أن يعارض ذلك وأن يقف في وجه سيده قائلا : لا ، هذا لا يجوز . وقد عد العرب في مطلع الإسلام هذا التفكير الذي يقضي بتحرير عقل الأرقاء ثورة عارمة ، وقتلوا عبيدهم وعذبوهم حينما صاح هؤلاء العبيد في وجوه سادتهم قائلين : لقد اعتنقنا الإسلام وليس لكم سلطان على عقولنا ، وسلطانكم محدود بالأعمال الجسمانية التي لا تنافي الأديان أو الأخلاق ، وفي ذلك يقول ابن القيم ( 1 ) والسيد لا حق له في ذمة العبد ولا في انسانيته ، وإنما حقه في بدنه .

وخطوة أخرى خطاها الإسلام في معاملة الرقيق هي مساواته بالأحرار في أكثر الشئون ، وقد روى الشيخان قوله عليه السلام : من قتل عبده قتلناه ، ومن جوع عبده جوعناه ، ونقل الإسلام التفاضل إلى مقياس جديد هو التقوى ، قال تعالى : " إن أكرمكم عند الله أتقاكم " وبناء على هذا المقياس الجديد زوج الرسول ابنة عمته زينب بنت جحش من مولاه زيد ، وولى زيدا هذا قيادة جيش المسلمين الذاهب لمحاربة الروم في موقعة مؤنة وكان بين * ( هامش ) * ( 1 ) أعلام الموقعين ج‍ 1 ص 351 . ( * ) جنوده كثير من عظماء الإسلام ، وولى بعد ذلك أسامة بن زيد قيادة جيش المسلمين لحرب الروم أيضا وبين جنوده شيوخ المسلمين وعظماؤهم . وقد قرر الإسلام للأرقاء ألا يطلب منهم أن يعملوا ما فوق طاقتهم ، وأن يكون من حقهم أن يأكلوا مما يأكل سادتهم منه ، بل أن يلبسوا من لباسهم ، ولعل هذا أرقى درجات المساواة ، وقد ورد في الحديث : إخوانكم خولكم جعلهم الله تحت أيديكم ، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل ، وليلبسه مما يلبس ، ولا تكلفوهم ما يغلبهم .

وقال : من لاءمكم من خولكم فأطعموه مما تأكلون واكسوه مما تلبسون ، ومن لا يلائمكم فبيعوه ، ولا تعذبوا خلق الله عز وجل . وقال تعالى : واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم ( 1 ) . ورأى رسول الله عبد الله بن مسعود وهو يضرب عبده فصاح به ، يا ابن مسعود ! إن الله أقدر عليك ، منك على هذا . ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ألا أخبركم بشراركم ؟ قالوا : بلى . قال : من أكل وحده ، ومنع رفده ، وضرب عبده ( 2 ) .

ورأى رسول الله رجلا يركب دابة وخلفه عبده يجري فصاح به : يا عبد الله ، احمله خلفك ، إنما هو أخوك ، روحه مثل روحك . ومن نتائج هذه التعليمات ما حصل لابن عمير فقد روي عنه أنه قال : * ( هامش ) * ( 1 ) سورة النساء الآية 35 . ( 2 ) الكامل ج‍ 1 ص 59 . ( * ) كنت في رهط من أسرى بدر ، فكان المسلمون إذا قدموا غذاءهم أو عشاءهم خصوني بالخبز وأكلوا التمر ، لوصية رسول الله إياهم بنا . ويحدثنا التاريخ أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه جاء إلى بيت المقدس ومعه غلامه ، ولم يكن معهما إلا ناقة واحدة ، فكانا يركبانها على التناوب إلى أن اقتربا من تلك المدينة ، وكانت النوبة للغلام ، فأركبه عمر وسعى خلفه ماشيا حتى وصلا ، ولما لأمه أبو عبيدة على ذلك قائلا : إني أراك تصنع أمرا لا يليق ، فالأنظار متجهة إليك .

أجاب ابن الخطاب في قوة وإيمان بالله وبنفسه قائلا : قد كنا أذل الناس ، وأقل الناس ، فأعزنا الله بالاسلام ، ومهما نطلب العزة بغيره يذلنا الله . ومن نتائج هذه التعليمات وتلك الوصايا كذلك أن أصبح الرقيق صديقا لمالكه في كثير من الأحيان ومزاملا له في الدراسة ، بل أحله بعضهم محل الابن يقول سعد بن هاشم الخالدي في وصف غلام له : ما هو عبد لكنه ولد * خولنية المهيمن الصمد شد أزري بحسن خدمته * فهو يدي والذراع والعضد ويرثي كشاجم غلامه مبشرا بقوله : يا ناصحي إذ ليس لي ناصح * ويا أميني إذ يخون الأمين ( 1 ) ولم تكن معاملة الرقيق فضائل يتخلق بها مالك الرقيق بل جعلها الشرع الإسلامي واجبا يلتزم المالك أن يقوم به ، فإذا جار مالك على عبده * ( هامش ) * ( 1 ) أنظر آدم متز : الحضارة الإسلامية ج‍ 1 ص 291 - 292 . ( * ) أو ظلمه ظلما بينا كان جزاؤه أن يعتق الحاكم عليه ذلك العبد ، وقد روى ابن عمر عن الرسول قوله : من لطم مملوكه أو ضربه فكفارته عتقه .

ويروي ابن سعد في الطبقات ( 1 ) أن عبدا روميا اسمه الأزرق خرج مع عبيد آخرين إلى الرسول يوم الطائف وشكوا ظلم سادتهم فأعتقهم رسول الله . وسار المسلمون على هذا في عصور مختلفة ، فقد روي أن زنباغا أبا روح ابن زنباغ الشهير ، عاقب عبدا له على خطأ ارتكبه العبد ، فقسا عليه ، فشكا العبد للرسول فأعتقه الرسول . وأنزل رجل عقابا قاسيا على أمة فأعتقها عمر وأوجعه ضربا ( 2 ) . وعمل بذلك أيضا باي تونس سنة 1262 ه‍ ( 1845 م ) وكان جريئا فيما عمل ، فقد رأى أغلب المالكين لا يحسنون معاملة الأرقاء ، فاتخذ قرارا بتحرير الأرقاء جميعا ووافق رئيس الفتوى في تونس على ذلك ( 3 ) . ونختم هذا البحث بجملة لباحث مسلم تحدث قليلا عن معاملة الإسلام للرقيق ثم قال : على هذا المنوال عالج الإسلام قضية الرق من ناحيتها العملية إلى أن يجد لها حلا من ناحيتها الدولية ، وفي هذا الجانب وحده كانت مراعاة الإسلام لواقع الأمر في البشرية يوم جاءها ، وبعد أن جاءها لم يعد لعهد الرق وجود في الوطن الإسلامي لأن معالم عهد الرق وخصائصه قد بهتت في الحياة الاجتماعية الواقعية بحكم تعاليم الإسلام في معاملة الأرقاء الذين قضت الضرورة * ( هامش ) * ( 1 ) الطبقات الكبرى ج‍ 3 ص 176 . ( 2 ) ابن القيم : أعلام الموقعين عن رب العالمين ج‍ 2 ص 26 والطيب النجار : الموالي في العصر الأموي ص 158 . ( 3 ) الشيخ الخضر : مجلة الأزهر سفر سنة 1373 . ( * ) أن يبقوا على الرق فترة من الوقت حتى يتهيأ عقد ميثاق دولي عام لتحريرهم وللقضاء على الرق قضاء تاما ( 1 ) .


وقريب من هذا ما ذكره ) 2 ( Stanley Laue Poole وهو يتحدث عن الأرقاء بإسبانيا عقب الفتح الإسلامي للأندلس ، قال : أما فرح العبيد بما طرأ على نظام الحكم من التغيير فقد كان عظيما حقا ، بعد أن لاقوا من ضروب العسف والقسوة من القوط والرومان ما تقشعر له الأبدان ، فإن الرق في رأي المسلمين نظام انساني رقيق ، حتى أن النبي صلى الله عليه وسلم حينما لم يجد بدا من الابقاء على هذا النظام العتيق الذي يعارض مبادئ الإسلام بذل كل جهد لتخفيف ويلاته في كثير من الوصايا والأحاديث . ويقول الأستاذ العقاد ( 3 ) : إن العتق هو الذي شرعه الإسلام في أمر الرق ، وأما نظام الرق بأنواعه فقد وجده الإسلام مشروعا فحرمه ، ولم يبح منه إلا ما هو مباح إلى اليوم في نظام الأسرى وتسخيرهم في أعمال من يأسرونهم من المتقاتلين ، وسبق الإسلام القوانين الدولية بتقريره إلزام الدولة واجب السعي في إطلاق أسراها وإعتاقهم بالفداء ، وشفع ذلك بالوسائل الفردية فيما تنتقل به الذمة إلى الأفراد من مالكي الأرقاء بعد وفاء الدولة بذمتها . ولا يقال هنا إنه عمل كثير أو قليل ، بل يقال إنه العمل الوحيد الذي كان ممكنا في محاربة نظام الرق ، ولم تستطع أمم الإنسانية ما هو خير منه في علاج هذه المسألة إلى الآن . الرق الصناعي أو رق لا يقره الإسلام : هناك نوع يسمى الرق وليس في الحقيقة رقا ، وقد انتشر هذا النوع في العالم الإسلامي في فترة من الفترات ، وحسبه الناس رقا إسلاميا والإسلام * ( هامش ) * ( 1 ) أنظر ص 26 - مجلة المسلمون - السنة الثالثة - العدد الخامس . ( 2 )

العرب في إسبانيا ص 40 . ( 3 ) حقائق الإسلام وأباطيل خصومه ص 221 . ( * ) في الحقيقة منه براء ، وهذا النوع من الرق هو انتكاس وعود للهوة التي انتشل الإسلام العالم منها ، إذ وجد من الناس من يستعذبون الرق ويفضلونه على الحرية ، فزجوا بأنفسهم أو بذويهم إلى هذا الرق من باب غير الباب الذي فتحه الإسلام ، واختاروا لذلك وقتا ضعف فيه الوازع الديني فأتيح لهم أن يضمنوا بعض النجاح فيما قصدوا إليه ، فكان ذلك الذي نسميه : " الرق الصناعي " .

وقصة ذلك أن اصطناع الرق أو التظاهر به كان وسيلة لكسب السلطة ، ورغد العيش والنفوذ للرقيق ، وقصور الخلفاء والعظماء هي بطبيعة الحال البيوت المفتوحة لتحقيق ذلك للأرقاء والرقيقات ، فلهؤلاء في هذه القصور سلطان وجاه واستمتاع بنعيم الحياة في ظل ما ضمنه الإسلام للرقيق من حقوق ، وكل هذا جعل بعض الأحرار والحرائر يتوقون لدخول هذه القصور ولو باسم الرق وفي ستر منه ، وكانت هذه القصور ترحب بالعبد الكف ء والقينة الجميلة الماهرة ، ولهذا عمد بعض الآباء إلى تدريب أبنائهم وبناتهم على الحرف التي تعجب أصحاب هذه القصور ، كالموسيقى والغناء والرقص والشعر وغيرها ، وعرض هؤلاء أولادهم للبيع على أنهم أرقاء ورقيقات ، عرضوهم مباشرة أو بواسطة النخاسين الذين تخصصوا في الاتجار بالأرقاء ، ووصل كثيرون من هؤلاء إلى القصور من هذا الطريق ، وهذا هو السر في انتشار هذا النوع في بعض الفترات التي لا حروب فيها ، يقول الأستاذ جميل نخله مدور : إن بيع الرقيقات لم يكن مظهرا من مظاهر العبودية والاسترقاق بالمعنى المألوف ، بل إن كثيرا من الفتيات كن يأتين السوق مختارات ليبعن حتى يتمتعن بحياة الترف والنعيم في بيوت الخلفاء والأمراء ( 1 ) . * ( هامش ) * ( 1 ) حضارة الإسلام في دار السلام ص 98 . ( * ) وطبيعي أن كثيرات من هؤلاء الرقيقات كن يفضلن الرق على الحرية ، ومما يروى في ذلك أن عمر بن عبد العزيز لما ولي الخلافة ، وزهد في متاع الدنيا ، واتجه للقيام بمسؤولياته الكبيرة جمع جواريه وقال لهن : إنه قد نزل بي أمر شغلني عنكن ، فمن اختارت منكن العتق أعتقتها ، ومن أمسكتها لم يكن لها على شئ .

فبكين بكاء شديدا يأسا منه ( 2 ) . ولعل الرق القليل الذي لا يزال موجودا في بعض القصور هو من بقايا هذا النوع من الرق الصناعي . وكان إقبال الشبان على الرقيقات عظيما مما جعل أثمانهن ترتفع ارتفاعا كبيرا فأصبح ثمن الواحدة يعادل مهر عدة من الحرائر ، والسبب في هذا الاقبال أن الشاب يختار الجارية بعد خبرة ، فيرى جسمها ويسمع صوتها ويختبر تجاربها وعلمها وذكائها ، ولكنه حين يختار زوجة لم يكن يتاح له أن يتعرف عليها ، وغاية ما يستطيعه أن يرى وجهها ويديها إن استطاع أن يقابلها مقابلة قصيرة : ومن الرق الصناعي الذي لا يقره الإسلام ما يوجد في بعض القصور من بقايا النخاسة الأوربية التي كانت تلتقط الأطفال والشبان من إفريقية وتدفع بهم إلى مزارع أمريكا ومصانعها ، وتنحرف ببعضهم أحيانا فتلقى بهم في قصور الشرق للخدمة أو الحراسة . وبعد ، لقد وضع الإسلام منذ جاء الأساس المتين لإلغاء الرق وتحرير الأرقاء ، وقد ظل صوت الإسلام يزمجر حتى استجاب له العالم بعد عدة قرون من تشريعه الحكيم ، إن زوال الرق هو أحد الهدايا التي قدمها الإسلام الإنسانية . * ( هامش ) * ( 2 ) ابن عيد الحكم : سيرة عمر بن عبد العزيز ص 147 . ( * )
Cant See Links


رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:25 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.4, Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir