لأول مرة أسرة تنظم يوماً ترفيهياً خاصاً للمسنين

[ماما حواء]

13 Feb 2004 20:06:40 GMT
لأول مرة أسرة تنظم يوماً ترفيهياً خاصاً للمسنين

احتفال خاص بـ «الشواب» في ربوع المزارع بحتا

في زمن العولمة وطغيان الماديات وتراجع القيم والعادات وانهيار جدار الاخلاقيات نسي الآباء أبناءهم وأصبح المسنون يعانون ألم الوحدة وقسوة الأبناء، فقد حرمت تلك الفئة من الفرحة بعدما ظلت تكدح لسنوات في أيام عجاف من أجل رفعة أبنائها، إلا ان كدها هذا قوبل بالنسيان والتجاهل من فلذات الأكباد ولم يكن الأمر بأحسن حال من المستوى الرسمي بالنسبة للمسنين، حيث انصب أغلب الاهتمام على العناية بالطفل والأم والمعاق وسقط المسنون عن الحسابات باستثناء الدور التي أقيمت منذ فترة لايوائهم ولم تعد قادرة على استيعابهم.

إلا ان عائلة «الشواب» بدبي كان لها رأي آخر فأرادت ان تعيد الآباء والأمهات الى زمنهم الجميل وترسم البسمة على وجوههم خلال أيام العيد فقررت اصطحاب جميع المسنين المقيمين باستراحة الشواب بدبي الى مزرعة العائلة بمنطقة حتا واقامة حفل ترفيهي لهم امتد على مدار يوم كامل تضمن العديد من الفقرات الفنية والعروض المسرحية واستعراضات متنوعة لفرقة أم القيوين التراثية بالاضافة الى مجموعة من الاشعار الغزلية والوطنية والطرب والموسيقى التي رقص المسنون على ايقاعاتها الجميلة.


«البيان» حضرت الاحتفال وشاهدت دموع الفرح ورقصات الطفولة تداعب قلوب الكبار وسط أهازيج فواحة بعبق الماضي الممتليء بالقيم والمعاني التي تم استحضارها في ذلك اليوم، وبدت تلك الفرحة واضحة ايضاً في عيون اصحاب المكان، حيث يقول حسين الشواب أحد أفراد العائلة ان فكرة قيام العائلة بتنظيم يوم ترفيهي في المزرعة للمسنين تأتي انطلاقاً من العادات الاجتماعية النبيلة التي مازالت الأسرة تحرص عليها.

فقد اعتادت الاسرة منذ أمد طويل على الاجتماع مع الوالد البالغ من العمر 80 عاماً مرتين اسبوعياً لمناقشة كافة القضايا التي تهم العائلة والتي يصل عددها الى 45 شخصاً، مشيراً الى ان تلك الاجتماعات الاسبوعية أصبحت عرفاً لا يمكن تجاهله ولا يستطيع أحد ان يتغيب عن ذلك الاجتماع سواء من الرجال أو النساء والاطفال.

وأكد حسين الشواب ان تلك الاجتماعات تجعل العائلة أكثر تماسكاً ومحافظة على القيم والعادات التي حرص الآباء على تأصيلها وزرعها في نفوس أبنائهم، ويعتبر الاهتمام بالكبار ورعايتهم احد المباديء التي تحرص عليها الاسرة، لذا قررت اقامة يوم خاص لجميع المسنين بإمارة دبي المقيمين باستراحة الشواب والمقيمين بمنازلهم لرسم البسمة على وجوههم واعلامهم انهم ليسوا منسيين وإنما هم على رأس اهتمامات الكثير من الابناء تقديراً لهم وايماناً بدورهم وعرفاناً لما قدموه من جهد وعطاء على مدار السنوات الماضية.

وأشار إلى أن أخاه توجه إلى إدارة الاستراحة وطلب منهم الموافقة على قيام عائلة الشواب بتنظيم يوم ترفيهي لجميع المسنين المقيمين بالدار وعلى الفور رحبت ادارة الاستراحة بالطلب، فقد جاء بمثابة المفاجأة لها حيث ظلت الاستراحة تنادي لسنوات طويلة بضرورة قيام الابناء أو أفراد المجتمع بزيارة المسنين لتخفيف كاهل الزمان عنهم، فإذا هي تجد احدى الاسر المواطنة تطلب الاحتفال ولمدة يوم كامل بالمسنين في أجواء بعيدة عن الاستراحة، مشيراً الى انه تم الاتفاق مع ادارة الاستراحة على كافة الترتيبات التي ستقوم بها الاسرة خلال ذلك اليوم.

وأضاف ان الأسرة سوف تعمل على تكرار هذه الفكرة بشكل دائم حرصاً منها على التواصل مع المسنين ورسم البسمة دائماً على وجوههم كما ستعمل الأسرة على مشاركة المسنين من الإمارات الأخرى في المرات المقبلة نظراً لأن هناك الكثير من المسنين يعانون من الوحدة ولا يسأل عنهم أحد، لذا فإن مشاركتهم في يوم ترفيهي كل فترة سوف تخفف عنهم ألم الزمان وقسوة الابناء.

لافتاً الى أن الاسرة تعتزم اقامة يوم ترفيهي مماثل للمعاقين من خلال التنسيق مع وزارة العمل والشئون الاجتماعية في اطار حرصها على القيام بواجبها الانساني تجاه كافة الأفراد والمجتمع الذين يستحقون مد يد العطاء لهم.

بدأ الحفل بتلاوة من القرآن الكريم ثم كلمة لعماد الشواب أحد أفراد العائلة رحب فيها بالآباء، ومتمنياً لهم قضاء وقت ممتع مع أبنائهم مع عائلة الشواب التي تكن لهم كل تقدير واحترام.

ثم ألقى الشاعر محمد بن ذيبان مجموعة من القصائد الوطنية والغزلية بناء على طلب المسنين بالاضافة الى مجموعة اخرى من الأشعار التي يستحضر فيها المهن القديمة كالغوص وصيد اللآلئ التي كان الكثير من المسنين يعملون بها حيث كان البحر مصدر الرزق الأساسي في ذاك الوقت.

وقدمت فرقة أم القيوين التراثية مجموعة من العروض الفنية المبهرة المصحوبة بالموسيقى التي تمايل على ايقاعاتها المسنون وعاشوا عبرها ذكريات شبابهم كما قدمت عرضاً مسرحياً كوميدياً لرسم البسمة والضحكة على الحضور وخاصة المسنين.

عمل يستحق التقدير

وأثنى جميع الحضور من المدعوين على فكرة الأسرة حيث يقول احمد الزرعوني موظف ببلدية دبي اننا قمنا بتنظيم عدة حفلات ترفيهية في أماكن مماثلة للمسنين ولكنها جميعا كانت تتم بشكل رسمي عن طريق الدوائر والمؤسسات الحكومية ولكن الجديد في هذه المرة ان تقوم عائلة بهذا الجهد مما يؤكد على تأصل القيم والعادات الاجتماعية والنبيلة بين أبناء المجتمع الاماراتي مشيرا الى أنها فكرة جديدة ومثيرة وتستحق التقدير والثناء نظرا لهدفها الانساني النبيل الذي تجاهله كل الابناء اليوم في ظل سيطرة الحياة المادية على الغالبية العظمى من افراد المجتمع.


وذكر الزرعوني أن هذه الفكرة سوف تكون بمثابة الحافز والدافع لباقي العائلات الاماراتية التي تتمتع بالخير الوفير لاقامة ايام ترفيهية اخرى في ربوع الوطن بعيدا عن استراحات المسنين تقديرا لهم وضرورة اندماجهم في المجتمع بعدما أصبح الكثير منهم يعانون من الوحدة.

ومن جانبه دعا الشاعر محمد بن ذيبان الاسر المواطنة الى تكرار هذا الحدث الذي يعبر عن القيم الجميلة التي قام بتأصيلها هؤلاء الاجداد مؤكدا ان ذلك الاحتفال يعبر عن العادات التي يتمتع بها مجتمع الامارات وقدرة أبنائه في الحفاظ على تقاليدهم الجميلة رغم المؤثرات الخارجية التي تسعى للقضاء على تلك التقاليد لتحل محلها عادات ليست من شيم العرب وخصالهم الحميدة لافتا الى أن هذا الحفل يعتبر مصدر الهام وعطاء لقريحة الشاعر حيث سوف يكون باعثا على كتابة عدة قصائد عن الشواب وتربية الابناء تفاعلا مع ذلك الحدث.

واشار ذيبان الى ان احتفال أسرة مواطنة بالمسنين يدل على تفاعل المجتمع وقيام ابنائه بواجباتهم الاجتماعية متوقعا تكرار التجربة من قبل أبناء الامارات الغيورين على خصالهم وعاداتهم الجميلة.

غياب التوعية بالمسنين

اما معصومة احمد رئيسة قسم الخدمات الاجتماعية باستراحة الشواب فأكدت انها المرة الاولى التي تقوم فيها اسرة بهذا النوع من العمل حيث فوجئنا في الاستراحة بهذا الطلب بعدما فقدنا الامل من فرط النداءات التي طلبنا من خلالها ضرورة الاهتمام بالمسنين وخاصة المقيمين بشكل دائم في الاستراحة لدمجهم في المجتمع من خلال مثل هذه اللقاءات والزيارات من قبل افراد المجتمع لاحساس المسنين بأنهم مازالوا مرغوباً فيهم وليسوا منبوذين.

مؤكدة أن هذا الاحتفال بين احضان الطبيعة بعيدا عن جو الاستراحة له أثر طيب في نفوس المسنين وانتشالهم من الحالة التي يعيشونها وخاصة الذين انقطعت عنهم الزيارات لقسوة الابناء وانشغالهم بحياتهم الخاصة على حساب آبائهم الذين اودعوهم الاستراحة دون ان يسألوا عنهم.

وأوضحت ان الاستراحة تقدم للمسنين كافة الخدمات التي يحتاجونها سواء كانت اجتماعية أو تمريضية أو تأهيلية ولكن المسن يظل في حاجة الى الاحتفال والتواصل مع أفراد المجتمع حتى يشعر بالألفة والمحبة وأنه ليس مكروهاً وان المجتمع حريص على وجوده وتقديره ولا يرغب في التخلص منه.

مشيرة الى أن المجتمع يعاني من غياب الجوانب التوعوية الخاصة برعاية المسنين لذا نأمل أن يكون هذا الاحتفال الذي اقامته عائلة الشواب بمثابة المبادرة الاولى والانطلاق نحو المزيد من مثل هذه اللقاءات نظرا لدورها الهام في رسم البسمة والفرحة على وجه المسنين فقد عاش المسنون يوما هاما في حياتهم التي يعانون فيها من هجر الابناء مما يستوجب مساعدتهم من خلال التواصل معهم.

ودعت معصومة الاسر الاماراتية الى القيام بدورها تجاه المسنين والا يلقى العبء على الدوائر الرسمية فقط نظرا للتأثيرات الايجابية التي تحدثها الجهود الأسرية فهي أكثر تقديرا من قبل المسنين وفيها تأكيد على حب المجتمع لهم وتقديره لدورهم.

اعادونا للزمن الجميل

اما المسنون الذين اقيم هذا الحفل خصيصا من أجلهم فأبدوا اعجابهم الشديد بالمكان واستشعروا لأول مرة انهم عادوا الى زمنهم الجميل بعدما ظلوا منسيين سنوات طويلة داخل دور المسنين حيث يقول سليمان راشد مقيم باستراحة الشواب منذ سنتين ان مبادرة عائلة الشواب بالاحتفال بالمسنين في اجواء مختلفة وغير معهودة بالنسبة للمسنين خففت عنهم الكثير من الألم حيث اتاحت لنا هذه الاجواء اللقاء مع بعض الاهل والاصدقاء وجعلتنا نشعر بأننا محل اهتمام الكثير من الابناء وطالب بتكرار مثل هذه الاحتفالات ودعوة أهل المسنين لحضورها حتى تعم الفرحة على الجميع.

بينما يقول عبيد سالم مسن اننا نكن لهذه العائلة كل التقدير والاحترام بعدما تذكرتنا واقامت لنا هذا الحفل وقامت بتقديم الهدايا لنا والتي جاءت بمثابة التكريم لجميع المسنين على ما قدموه من عطايا لمجتمعهم وأبنائهم لافتا الى أن ذلك الاحتفال كان بمثابة رحلة علاجية حيث خفت عنا المعاناة متمنيا لعائلة الشواب مزيد من الخير في ظل الدور الذي تقوم به لخدمة المسنين والمحافظة على العادات والتقاليد التي هجرها الكثيرمن الابناء في هذا الزمان.


متابعة: رمضان العباسي

الصور المرفقة

 

التوقيع :

رضيت بالله ربا وبالاسلام دينا
وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا