من كل حدب وصوب تتكالب علينا الأمم وتفترسنا المحن والمصائب نحن معشر العرب، لكن رد فعلنا ما زال باهتا ضعيفا كجنين ملقى في غابة تحيط به ضباع الأرض ولا يقوى على غير الأنين والبكاء المكتوم.
ما بال الشارع العربي ساكنا اليوم بعد ان كان كموج البحر يقذف كل الزبد وينفض عنه كل خبيث ورديء؟ كل شعوب الأرض تتحرك من الاسكيمو في القطب الشمالي إلى جنوب القارة السمراء ومن المشرق إلى أقصى المغرب فكت هذه الشعوب قيود الذل والاستعمار والتخلف وانطلقت كحصان جامح نحو الأفق البعيد. ألسنا كبقية شعوب الكرة الأرضية؟ ألا نأكل من طعامهم ونشرب مياها كمياههم؟ أم انا خلقنا من طينة أخرى وتبلد إحساسنا وقتل فينا الفرح ؟ إلى متى نبقى نتسول ونستجدي الآخرين في المؤتمرات طلبا لأدنى سبل العيش بدل السعي بقوة نحو القمة والشموخ. أين مصابيح الدجى التي كانت نبراسا لكل حر وشريف وشعلة للحرية يستظل بظلها الأبطال؟
حالنا لا يسر عدواً ولا صديقاً. فحتى المثقفين العرب بعضهم انكفأ على نفسه مهموما مأزوما في زاوية مظلمة أو معتصما بركن قصي يندب حظه العاثر ويناجي ظله إلا من رحم ربي. أين مؤسسات المجتمع المدني والقوى الحية في المجتمع العربي؟ ولماذا لا تتحرك وتتألم لما يصيب الأمتين العربية والإسلامية من مصائب على يد أعدائها من صهيونيين وقوى اليمين المتصهين في واشنطن خاصة وغرب أوروبا عامة؟
لماذا لا نتأثر ونقتدي بالحركات المدافعة عن الحريات والديمقراطية في كثير من دول العالم الحر والتي تصرخ عاليا ضد الظلم وآلة القتل والهمجية الأميركية والغربية في أفغانستان والعراق والصومال وفلسطين ولبنان وغيرها، حيث تخرج المظاهرات المناوئة للعولمة والهيمنة وغطرسة سياسة القوة وفرض أنظمة وحكام امتطوا الدبابات الأميركية للوصول إلى كراسي الحكم تحت مزاعم نشر الديمقراطية ومحاربة الإرهاب، حيث احتج أعضاء منظمة العفو الدولية في ايطاليا ضد القمع الأميركي في سجن غوانتانامو وضد قصف المدنيين وحرقهم في بقاع كثيرة من العالم.
ان ما تقوم به أميركا اليوم ليس بجديد على السياسة الأميركية. فقد أقامت سجونا سرية كثيرة في العديد من دول العالم للتحقيق مع المعتقلين ونزع الاعترافات منهم ولم تتردد في التجسس حتى على شعبها والقيام بأعمال قذرة في مختلف بقاع الأرض. وقد كشفت الوثائق التي أفرج مؤخرا عن بعضها عن تورط جهاز المخابرات المركزية الأميركية «سي آي ايه » في «نشاطات غير مشرفة » حسب ما أعلنه مدير المخابرات المركزية مايكل ايدن نفسه.
كيف وصل اغلبنا إلى هذه الحال ومن على مآذننا يدوي الصوت عاليا الله أكبر وأجراس كنائسنا تقرع مذكرة بالعودة، كما تصرخ فيروز؟ كل الشعوب الحرة انتفضت في وجه جلاديها ومستعمريها في أدغال إفريقيا ومزارع أميركا اللاتينية وأحراش جنوب شرق آسيا ولم تبق غير المنطقة العربية الإسلامية تئن تحت وطأة التخلف والفقر والظلم والاحتلال والاستغلال. لسنا من قوم كان ولا من محبي جلد الذات ونافخي روح اليأس في الأمة فهي الأمة نفسها التي طردت الاستعمار الفرنسي من الجزائر وقدمت على مذبح الحرية أكثر من مليون ونصف المليون شهيد من خيرة أبنائها.
وكذلك الأمر في كل دول المغرب العربي ومشرقه وهي التي هبت مدافعة عن شرف الأمة المسلوب منذ عام 1948 فاسمعت الشعوب العربية صوتها المجلجل في وجه العدوان الثلاثي على مصر وقناة السويس وانخرطت في المقاومة الشعبية واحتضنت الثورة الفلسطينية ودافعت عنها في معركة الكرامة في أغوار الأردن عام 1968 ، وهبت الجماهير العربية مساندة للجيوش العربية التي خاضت حرب عام 1973 وقاطعت البضائع الأميركية والبريطانية ونبذتها بعد ذلك خلال انتفاضة الحجارة وانتفاضة الأقصى أيضاً.
ووقف الشعب العربي في مصر و الأردن وغيرهما ضد التطبيع مع العدو الصهيوني وضد كل مشاريع التسوية المشبوهة وضد تهويد القدس وجدار الفصل العنصري وسياسة الاغتيالات الصهيونية والبطش وتكسير العظام والجماجم وتكميم الأفواه والحصار والتجويع. شعبنا العربي أبي ولا يقبل الظلم او نير العدو المحتل ولا نقول هذا جزافا أو قلبا للحقائق ففي استفتاء أجراه احد المواقع الالكترونية قبل يومين لمعرفة رأيه في سؤال نصه «هل ترى في السلام مع إسرائيل حلا لازمات الشرق الأوسط؟» أجاب بلا 6677 مواطنا بما نسبته 8 ,83% من أصل 7971 شخصا فيما لم يؤيده سوى 1294 بما نسبته 2 ,16%. ومعنى ذلك ان الغالبية الساحقة من الشعب العربي ترى في الكيان الصهيوني عدوا ولا يمكن ان تحل مشاكل المنطقة العربية بالتسوية مع «إسرائيل» .
ما زال الأمل معقودا على الشعب العربي في كل مكان لمقاومة كل ظالم أينما كان والدفاع عن قضاياه العادلة وأولها القضية المركزية في فلسطين ورفع راية الحرية عالية فعلا فوق أسوار القدس ومآذنها وكنائسها تماما كما رفعها صلاح الدين من قبل ودحر الصليبيين بعد سيطرتهم على المنطقة العربية لقرنين من الزمان. فلا بد للقيد أن ينكسر ولا بد للشمس ان تشرق مهما غطتها السحب الداكنة وظلام الليل.
العرض العادي
