آخر 10 مشاركات
الخبيصه الاماراتيه (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 1 - المشاهدات : 35799 - الوقت: 09:09 PM - التاريخ: 01-13-2024)           »          حلوى المغلي بدقيق الرز (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 0 - المشاهدات : 24565 - الوقت: 03:16 PM - التاريخ: 12-11-2023)           »          دروس اللغة التركية (الكاتـب : عمر نجاتي - مشاركات : 0 - المشاهدات : 30973 - الوقت: 11:25 AM - التاريخ: 08-21-2023)           »          فيتامين يساعد على التئام الجروح وطرق أخرى (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 0 - المشاهدات : 32423 - الوقت: 08:31 PM - التاريخ: 07-15-2023)           »          صناعة العود المعطر في المنزل (الكاتـب : أفاق الفكر - آخر مشاركة : OM_SULTAN - مشاركات : 4 - المشاهدات : 65846 - الوقت: 10:57 PM - التاريخ: 11-06-2022)           »          كحل الصراي وكحل الاثمد وزينت المرأة قديما من التراث (الكاتـب : Omna_Hawaa - آخر مشاركة : OM_SULTAN - مشاركات : 2 - المشاهدات : 60054 - الوقت: 10:46 PM - التاريخ: 11-06-2022)           »          كيفية استخدام البخور السائل(وطريقة البخور السائل) (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 2 - المشاهدات : 51875 - الوقت: 10:36 PM - التاريخ: 11-06-2022)           »          جددي بخورك (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 0 - المشاهدات : 34295 - الوقت: 10:25 PM - التاريخ: 11-06-2022)           »          عطور الإمارات صناعة تراثية (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 0 - المشاهدات : 34522 - الوقت: 10:21 PM - التاريخ: 11-06-2022)           »          خلطات للعطور خاصة (الكاتـب : أفاق : الاداره - آخر مشاركة : OM_SULTAN - مشاركات : 1 - المشاهدات : 40427 - الوقت: 10:12 PM - التاريخ: 11-06-2022)

إضافة رد
 
أدوات الموضوع تقييم الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 02-18-2006, 10:16 PM   رقم المشاركة : 1
الكاتب

أفاق : الاداره

مراقب

مراقب

أفاق : الاداره غير متواجد حالياً


الملف الشخصي









أفاق : الاداره غير متواجد حالياً


البداية والنهاية الجزء الرابع عشر

البداية والنهاية الجزء الرابع عشر

*2* ثم دخلت سنة ثمان وتسعين وستمائة

@
استهلت والخليفة الحاكم العباسي وسلطان البلاد المنصور لاجين ونائبه بمصر مملوكه سيف الدين منكوتمر وقاضي الشافعية الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد والحنفي حسام الدين الرازي والمالكي والحنبلي كما تقدم ونائب الشام سيف الدين قبجق المنصوري وقضاة الشام هم المذكورون في التي قبلها والوزير تقي الدين توبة والخطيب بدر الدين بن جماعة
ولما كان في أثناء المحرم رجعت طائفة من الجيش من بلاد سيس بسبب المرض الذي أصاب بعضهم فجاء كتاب السلطان بالعتب الأكيد والوعيد الشديد لهم وأن الجيش يخرج جميعه صحبة نائب السلطنة قبجق إلى هناك ونصب مشانق لمن تأخر بعذر أو غيره فخرج نائب السلطنة الأمير سيف الدين قبجق وصحبته الجيوش وخرج أهل البلد للفرجة على الأطلاب على ما جرت به العادة فبرز نائب السلطنة في ابهة عظيمة فدعت له العامة وكانوا يحبونه واستمر الجيش سائرين قاصدين بلاد سيس فلما وصلوا إلى حمص بلغ الأمير سيف الدين قبجق وجماعة من الأمراء أن السلطان قد تغلث خاطره بسبب سعي منكوتمر فيهم وعلموا ان السلطان لا يخالفه لمحبته له فاتفق جماعة منهم على الدخول الى بلاد التتر والنجاة بأنفسهم فساقوا من حمص فيمن اطاعهم وهم قبجق وبزلي وبكتمر السلحدار والايلي واستمروا ذاهبين فرجع كثير من الجيش إلى دمشق وتخبطت الامور وتأسفت العوام على قبجق لحسن سيرته وذلك في ربيع الآخر من هذه السنة فانا لله وإنا اليه راجعون
ذكر مقتل المنصور لاجين وعود الملك الى محمد بن قلاوون
لما كان يوم السبت التاسع عشر ربيع الاخر وصل جماعة من البريدية وأخبروا بقتل السلطان الملك المنصور لاجين ونائبه سيف الدين منكوتمر وأن ذلك كان ليلة الجمعة حادي عشره على يد الأمير سيف الدين كرجي الاشرفي ومن وافقه من الأمراء وذلك بحضور القاضي حسام الدين الحنفي وهو جالس في خدمته يتحدثان وقبل كانا يلعبان بالشطرنج فلم يشعرا إلا وقد دخلوا عليهم فبادروا الى السلطان بسرعة جهرة ليلة الجمعة فقتلوه وقتل نائبه صبرا صبيحة يوم الجمعة وألقى على مزبلة واتفق الأمراء على إعادة ابن استاذهم الملك الناصر محمد بن قلاوون فارسلوا وراءه وكان بالكرك ونادوا له بالقاهرة وخطب له على المنابر قبل قدومه وجاءت الكتب الى نائب الشام قبجق فوجدوه قد فر خوفا من غائلة لاجين فسارت إليه البريدية فلم يدركوه الا وقد لحق بالمغول عند رأس العين من اعمال ماردين وتفارط الحال ولا قوة الا بالله
وكان الذي شمر العزم وراءهم وساق ليردهم الأمير سيف الدين بلبان وقام باعباء البلد نائب القلعة علم الدين أرجواش والامير سيف الدين جاعان واحتاطوا على ما كان له اختصاص بتلك الدولة وكان منهم جمال الدين يوسف الرومي محتسب البلد وناظر المارستان ثم اطلق بعد مدة وأعيد الى وظائفه واحتيط ايضا على سيف الدين جاعان وحسام الدين لاجين والى البر وأدخلا القلعة وقتل بمصر الامير سيف الدين طغجي وكان قد ناب عن الناصر اربعة ايام وكرجي الذي تولى قتل لاجين فقتلا وألقيا على المزابل وجعل الناس من العامة وغيرهم يتأملون صورة طغجي وكان جميل الصورة ثم بعد الدلال والمال والملك وارتهم هناك قبور فدفن السلطان لاجين وعند رجليه نائبه منكوتمر ودفن الباقون في مضاجعهم هنالك
وجاءت البشائر بدخول الملك الناصر الى مصر يوم السبت رابع جمادي الاولى وكان يوما مشهودا ودقت البشائر ودخل القضاة وأكابر الدولة الى القلعة وبويع بحضرة علم الدين ارجواش وخطب له على المنابر بدمشق وغيرها بحضرة أكابر العلماء والقضاة والأمراء وجاء الخبر بأنه قد ركب وشق القاهرة وعليه خلعة الخليفة والجيش معه مشاة فضربت البشائر أيضا وجاءت مراسيمه فقرئت على السدة وفيها الرفق بالرعايا والأمر بالإحسان اليهم فدعوا له وقدم الأمير جمال الدين آقوش الافرم نائبا على دمشق فدخلها يوم الأربعاء قبل العصر ثاني عشرين جمادي الأولى فنزل بدار السعادة على العادة وفرح الناس بقدومه وأشعلوا له الشموع وكذلك يوم الجمعة أشعلوا له لما جاء إلى صلاة الجمعة بالمقصورة وبعد أيام أفرج عن جاعان ولاجين والى البر وعادا إلى ما كانا عليه واستقر الأمير حسام الدين الاستادار اتابكا للعساكر المصرية والأمير
سيف الدين سلار نائبا بمصر وأخرج الأعسر في رمضان من الحبس وولى الوزارة بمصر واخرج قراسنقر المنصوري من الحبس واعطى نيابة الصبيبة ثم لما مات صاحب حماة الملك المظفر نقل قراسنقر اليهما
وكان قد وقع في اواخر دولة لاجين بعد خروج قبجق من البلد محنة للشيخ تقي الدين بن تيمية قام عليه جماعة من الفقهاء وأرادوا احضاره الى مجلس القاضي جلال الدين الحنفي فلم يحضر فنودي في البلد في العقيدة التي كان قد سأله عنها أهل حماة المسماة بالحموية فانتصر له الأمير سيف الدين جاعان وأرسل يطلب الذين قاموا عنده فاختفى كثير منهم وضرب جماعة ممن نادى على العقيدة فسكت الباقون فلما كان يوم الجمعة عمل الشيخ تقي الدين الميعاد بالجامع على عادته وفسر في قوله تعالى وإنك لعلى خلق عظيم ثم اجتمع بالقاضي امام الدين يوم السبت واجتمع عنده جماعة من الفضلاء وبحثوا في الحموية وناقشوه في اماكن فيها فأجاب عنها بما اسكتهم بعد كلام كثير ثم ذهب الشيخ تقي الدين وقد تمهدت الامور وسكنت الاحوال وكان القاضي امام الدين معتقده حسنا ومقصده صالحا
وفيها وقف علم الدين سنجر الدويدار رواقه داخل باب الفرج مدرسة ودار حديث وولى مشيخته الشيخ علاء الدين بن العطار وحضر عنده القضاة والأعيان وعمل لهم ضيافة وأفرج عن قراسنقر وفي يوم السبت حادي عشر شوال فتح مشهد عثمان الذي جدده ناصر الدين بن عبد السلام ناظر الجامع وأضاف اليه مقصورة الخدم من شماليه وجعل له اماما راتبا وحاكى به مشهد علي بن الحسين زين العابدين وفي العشر الأولى من ذي الحجة عاد القاضي حسام الدين الرازي الى قضاء الشام وعزل عن قضاء مصر وعزل ولده عن قضاء الشام وفيها في ذي القعدة كثرت الاراجيف بقصد التتر بلاد الشام وبالله المستعان وممن توفي فيها من الأعيان
*3* الشيخ نظام الدين
@ احمد بن الشيخ جمال الدين محمود بن احمد بن عبد السلام الحصري الحنفي مدرس النورية ثامن المحرم ودفن في تاسعه يوم الجمعة في مقابر الصوفية كان فضالا ناب في الحكم في وقت ودرس بالنورية بعد ابيه ثم درس بعده الشيخ شمس الدين بن الصدر سليمان بن النقيب
*3* المفسر الشيخ العالم الزاهد
@ جمال الدين عبد الله بن محمد بن سليمان بن حسن بن الحسين البلخي ثم المقدسي الحنفي ولد في النصف من شعبان سنة احدى عشرة وستمائة بالقدس واشتغل بالقاهرة وأقام مدة بالجامع الازهر ودرس في بعض المدارس هناك ثم انتقل الى القدس فاستوطنه الى ان مات في المحرم منها وكان
شيخا فاضلا في التفسير وله فيه مصنف حافل كبير جمع فيه خمسين مصنفا من التفسير وكان الناس يقصدون زيارته بالقدس الشريف ويتبركون به
*3* الشيخ ابو يعقوب المغربي المقيم بالقدس
@ كان الناس يجتمعون به وهو منقطع بالمسجد الأقصى وكان الشيخ تقي الدين بن تيمية يقول فيه هو على طريقة ابن عربي وابن سبعين توفي في المحرم من هذه السنة
*3* التقي توبة الوزير
@ تقي الدين توبة بن علي بن مهاجر بن شجاع بن توبة الربعي التكريتي ولد سنة عشرين وستمائة يوم عرفة بعرفة وتنقل بالخدم الى ان صار وزيرا بدمشق مرات عديدة حتىتوفي ليلة الخيمس ثاني جمادي الآخرة وصلى عليه غدوة بالجامع وسوق الخيل ودفن بتربته تجاه دار الحديث الأشرفية بالسفح وحضر جنازته القضاة والأعيان وباشر بعده نظر الدواوين فخر الدين بن الشيرجي وأخذ امين الدين بن الهلال نظر الخزانة
*3* الأمير الكبير
@ شمس الدين بيسرى كان من أكابر الأمراء المتقدمين في خدمة الملوك من زمن قلاوون وهلم جرا توفي في السجن بقلعة مصر وعمل له عزاء بالجامع الأموي وحضره نائب السلطنة الافرم والقضاة والأعيان
*3* السلطان الملك المظفر
@ تقي الدين محمود بن ناصر الدين محمد بن تقي الدين عمر بن شاهنشاه بن ايوب صاحب حماة وابن ملوكها كابرا عن كابر توفي يوم الخميس الحادي والعشرين من ذي القعدة ودفن ليلة الجمعة
*3* الملك الاوحد
@ نجم الدين يوسف بن الملك داود بن المعظم ناظر القدس توفي به ليلة الثلاثاء رابع ذي القعدة ودفن برباطه عند باب حطة عن سبعين سنة وحضر جنازته خلق كثير وكان من خيار ابناء الملوك دينا وفضيلة وإحسانا الى الضعفاء
*3* القاضي شهاب الدين يوسف
@ ابن الصالح محب الدين بن النحاس احد رؤساء الحنفية ومدرس الزنجانية والظاهرية توفي ببستانه بالمزة ثالث عشر ذي الحجة ودرس بعده بالزنجانية القاضي جلال الدين بن حسام الدين
*3* الصاحب نصر الدين ابو الغنائم
@ سالم بن محمد بن سالم بن هبة الله بن محفوظ بن صصرى التغلبي كان احسن حالا من اخيه القاضي نجم الدين وقد سمع الحديث وأسمعه كان صدرا معظما ولي نظر الدواوين ونظر الخزانة
ثم ترك المناصب وحج وجاور بمكة ثم قدم دمشق فأقام بها دون السنة ومات توفي يوم الجمعة ثامن وعشرين ذي الحجة وصلى عليه بعد الجمعة بالجامع ودفن بتربتهم بسفح قاسيون وعمل عزاؤه بالصاحبية
*3* ياقوت بن عبد الله
@ ابو الدر المستعصمي الكاتب لقبه جمال الدين وأصله رومي كان فاضلا مليح الخط مشهورا بذلك كتب ختما حسانا وكتب الناس عليه ببغداد توفي بها في هذه السنة وله شعر رائق فمنه ما اورده البرزالي في تاريخه عنه
تجدد الشمس شوقي كلما طعلت * الى محياك يا سمعي ويا بصري
وأسهر الليل في انس بلاونس * إذ طيب ذكراك في ظلماته يسرى
وكل يوم مضى لا أراك به * فلست محتسبا ماضيه من عمري
ليلى نهار إذا ما درت في خلدي * لأن ذكرك نور القلب والبصر
*2* ثم دخلت سنة تسع وتسعين وستمائة
@ وفيها كانت وقعة قازان وذلك ان هذه السنة استهلت والخليفة والسطان هما المذكوران في التي قبلها ونائب مصر سلار ونائب الشام اقوش الافرم وسائر الحكام هم المذكورون في التي قبلها وقد تواترت الأخبار بقصد التتار بلاد الشام وقد خاف الناس من ذلك خوفا شديدا وجفل الناس من بلاد حلب وحماة وبلغ كرى الخيل من حماة الى دمشق نحو المائتي درهم فلما كان يوم الثلاثاء ثاني المحرم ضربت البشائر بسبب خروج السلطان من مصر قاصدا الشام فلما كان يوم الجمعة ثامن ربيع الأول دخل السلطان الى دمشق في مطر شديد ووحل كثير ومع هذا خرج الناس لتلقيه وكان قد اقام بغزة قريبا من شهرين وذلك لما بلغه قدوم التتار الى الشام فتهيأ لذلك وجاء فدخل دمشق فنزل بالطارمة وزينت له البلد وكثرت له الأدعية وكان وقتا شديدا وحالا صعبا وامتلأ البلد من الجافلين النازحين عن بلادهم وجلس الأعسر وزير الدولة وطالب العمال واقتضروا اموال الأيتام وأموال الأسرى لأجل تقوية الجيش وخرج السلطان بالجيش من دمشق يوم الأحد سابع عشر ربيع الأول ولم يتخلف احد من الجيوش وخرج معهم خلق كثير من المتطوعة واخذ الناس في الدعاء والقنوت في الصلوات بالجامع وغيره وتضرعوا واستغاثوا وابتهلوا الى الله بالادعية
*3* وقعة قازان
@ لما وصل السلطان الى وادي الخزندار عند وادي سلمية فالتقى التتر هناك يوم الأربعاء السابع والعشرين من ربيع الأول فالتقوا معهم فكسروا المسلمين وولى السلطان هاربا فانا لله وانا اليه راجعون وقتل جماعة من الأمراء وغيرهم ومن العوام خلق كثير وفقد في المعركة قاضي قضاة
الحنفية وقد صبروا وبالوا بلاء حسنا ولكن كان امر الله قدرا مقدورا فولى المسلمون لا يلوى احد على احد ثم كانت العاقبة بعد ذلك للمتقين غير انه رجعت العساكر على اعقابها للديار المصرية واجتاز كثير منهم على دمشق وأهل دمشق في خوف شديد على انفسهم وأهليهم وأموالهم ثم انهم استكانوا واستسلموا للقضاء والقدر وماذا يجدي الحذر اذا نزل القدر ورجع السلطان في طائفة من الجيش على ناحية بعلبك والبقاع وأبواب دمشق مغلقة والقلعة محصنة والغلاء شديد والحال ضيق وفرج الله قريب وقد هرب جماعة من اعيان البلد وغيرهم الى مصر كالقاضي امام الدين الشافعي وقاضي المالكية الزواوي وتاج الدين الشيرازي وعلم الدين الصوابي والى البر وجمال الدين بن النحاس والى المدينة والمحتسب وغيرهم من التجار والعوام وبقي البلد شاغرا ليس فيهم حاكم سوى نائب القلعة
وفي ليلة الأحد ثاني ربيع الأول كسر المحبوسون بحبس باب الصغير الحبس وخرجوا منه على حمية وتفرقوا في البلد وكانوا قريبا من مائتي رجل فنهبوا ما قدروا عليه وجاؤا الى باب الجابية فكسروا اقفال الباب البراني وخرجوا منه الى بر البلد فتفرقوا حيث شاؤا لا يقدر احد على ردهم وعاثت الحرافشة في ظاهر البلد فكسروا ابواب البساتين وقلعوا من الأبواب والشبابيك شيئا كثيرا وباعوا ذلك بأرخص الأثمان هذا وسلطان التتار قد قصد دمشق بعد الوقعة فاجتمع اعيان البلد والشيخ تقي الدين بن تيمية في مشهد على واتفقوا على المسير الى قازان لتلقيه وأخذ الأمان منه لأهل دمشق فتوجهوا يوم الاثنين ثالث ربيع الآخر فاجتمعوا به عند النبك وكلمه الشيخ تقي الدين كلاما قويا شديدا فيه مصلحة عظيمة عاد نفعها على المسلمين ولله الحمد ودخل المسلمون ليلتئذ من جهة قازان فنزلوا بالبدرانية وغلقت ابواب البلد سوى باب توما وخطب الخطيب بالجامع يوم الجمعة ولم يذكر سلطانا في خطبته وبعد الصلاة قدم الامير اسماعيل ومعه جماعة من الرسل فنزلوا ببستان الظاهر عند الطرن وحضر الفرمان بالامان وطيف به في البلد وقرئ يوم السبت ثامن الشهر بمقصورة الخطابة ونثر شيء من الذهب والفضة وفي ثاني يوم من المناداة بالامان طلبت الخيول والسلاح والاموال المخبأة عند الناس من جهة الدولة وجلس ديوان الاستخلاص إذ ذاك بالمدرسة القيمرية وفي يوم الاثنين عاشر الشهر قدم سيف الدين قبجق المنصوري فنزل في الميدان واقترب جيش التتر وكثر العيث في ظاهر البلد وقتل جماعة وغلت الاسعار بالبلد جدا وارسل قبجق الى نائب القلعة ليسلمها الى التتر فامتنع ارجواش من ذلك اشد الامتناع فجمع له قبجق اعيان البلد فكلموه ايضا فلم يجبهم الى ذلك وصمم على ترك تسليمها اليهم وبها عين تطرف فان الشيخ تقي الدين بن تيمية ارسل الى نائب القلعة يقول له ذلك لو لم يبق فيها
الا حجر واحد فلا تسلمهم ذلك ان استطعت وكان في ذلك مصلحة عظيمة لهل الشام فان الله حفظ لهم هذا الحصن والمعقل الذي جعله الله حرزا لاهل الشام التي لا تزال دار ايمان وسنة حتى ينزل بها عيسى ابن مريم وفي يوم دخول قبجق الى دمشق دخل السلطان ونائبه سلار الى مصر كما جاءت البطاقة بذلك الى القعلة ودقت البشائر بها فقوى جأش الناس بعض قوة ولكن الامر كما يقال
كيف السبيل الى سعاد ودونها * قلل الجبال ودونهن حتوف
الرجل حافية ومالي مركب * والكف صفر والطريق مخوف

وفي يوم الجمعة رابع عشر ربيع الآخر خطب لقازان على منبر دمشق بحضور المغول بالمقصورة ودعى له على السدة بعد الصلاة وقرئ عليها مرسوم بنيابة قبجق على الشام وذهب اليه الأعيان فهنؤه بذلك فأظهر الكرامة وأنه في تعب عظيم مع التتر ونزل شيخ المشايخ محمود بن علي الشيباني بالمدرسة العادلية الكبيرة وفي يوم السبت النصف من ربيع الآخر شرعت التتار وصاحب سيس في نهب الصالحية ومسجد الاسدية ومسجد خاتون ودار الحديث الاشرفية بها واحترق جاع التوبة بالعقيبية وكان هذا من جهة الكرج والارمن من النصارى الذين هم مع التتار قبحهم الله وسبوا من اهلها خلقا كثيرا وجما غفيرا وجاء أكثر الناس الى رباط الحنابلة فاحتاطت به التتار فحماه منهم شيخ الشيوخ المذكور وأعطى في الساكن مال له صورة ثم اقحموا عليه فسبوا منه خلقا كثيرا من بنات المشايخ وأولادهم فإنا لله وإنا اليه راجعون
ولما نكب دير الحنابلة في ثاني جمادي الاولى قتلوا خلقا من الرجال وأسروا من النساء كثيرا ونال قاضي القضاة تقي الدين اذى كثير ويقال إنهم قتلوا من أهل الصالحية قريبا من اربعمائة وأسروا نحوا من اربعة آلاف اسير ونهبت كتب كثيرة من الرباط الناصري والضيائية وخزانة ابن البزوري وكانت تباع وهي مكتوب عليها الوقفية وفعلوا بالمزة مثل ما فعلوا بالصالحية وكذلك بداريا وبغيرها وتحصن الناس منهم في الجامع بداريا ففتحوه قسرا وقتلوا منهم خلقا وسبوا نساءهم وأولادهم فإنا لله وإنا اليه راجعون
وخرج الشيخ ابن تيمية في جماعة من أصحابه يوم الخميس العشرين من ربيع الآخر الى ملك التتر وعاد بعد يومين ولم يتفق اجتماعه به حجبه عنه الوزير سعد الدين والرشيد مشير الدولة المسلماني ابن يهودي والتزما له بقضاء الشغل وذكرا له ان التتر لم يحصل لكثير منهم شيء الى الآن ولا بد لهم من شيء واشتهر بالبلد ان التتر يريدون دخول دمشق فانزعج الناس لذلك وخافوا خوفا شديدا وأرادوا الخروج منها والهرب على وجوهم وأين الفرار ولات حين مناص وقد اخذ من البلد فوق العشرة آلاف فرس ثم فرضت اموال كثيرة على البلد موزعة على اهل الاسواق
كل سوق بحسبه من المال فلا قوة إلا بالله وشرع التتر في عمل مجانيق بالجامع ليرموا بها القلعة من صحن الجامع وغلقت ابوابه ونزل التتار في مشاهده يحرسون اخشاب المجانيق وينهبون ما حوله من الأسواق وأحرق ارجوان ما حول القلعة من الابنية كدار الحديث الأشرفية وغير ذلك الى حد العادلية الكبيرة واحرق دار السعادة لئلا يتمكنوا من محاصرة القلعة من اعاليها ولزم الناس منازلهم لئلا يسخروا في طم الخندق وكانت الطرقات لا يرى بها احد الا القليل والجامع لا يصلي فيه احد الا اليسير ويوم الجمعة لا يتكامل فيه الصف الأول وما بعده إلا بجهد جهيد ومن خرج من منزله في ضرورة يخرج بثياب زيهم ثم يعود سريعا ويظن انه لا يعود الى اهله وأهل البلد قد اذاقهم الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون فإنا لله وإنا اليه راجعون
والمصادرات والتراسيم والعقوبات عمالة في أكابر اهل البلد ليلا ونهارا حتى اخذ منهم شيء كثير من الأموال والأوقاف كالجامع وغيره ثم جاء مرسوم بصيانة الجامع وتوفير اوقافه وصرف ما كان يؤخذ بخزائن السلاح والى الحجاز وقرئ ذلك المرسوم بعد صلاة الجمعة بالجامع في تاسع عشر جمادي الأولى وفي ذلك اليوم توجه السلطان قازان وترك نوابه بالشام في ستين الف مقاتل نحو بلاد العراق وجاء كتابه انا قد تركنا نوابنا بالشام في ستين الف مقاتل وفي عزمنا العود اليها في زمن الخريف والدخول الى الديار المصرية وفتحها وقد اعجزتهم القلعة ان يصلوا الى حجر منها وخرج سيف الدين قبجق لتوديع قطلوشاه نائب قازان وسار وراءه وضربت البشائر بالقلعة فرحا لرحيلهم ولم تفتح القلعة وأرسل أرجواش ثاني يوم من خروج قبجق القعلية الى الجامع فكسروا اخشاب المنجنيقات المنصوبة به وعادوا الى القلعة سريع سالمين واستصحبوا معهم جماعة ممن كانوا يلوذون بالتتر قهرا الى القلعة منهم الشريف القمي وهو شمس الدين محمد ابن محمد بن احمد بن ابي القاسم المرتضي العلوي وجاءت الرسل من قبجق الى دمشق فنادوا بها طيبوا أنفوسكم وافتحوا دكاكينكم وتهيئوا غدا لتلقي سلطان الشام سيف الدين قبجق فخرج الناس الى اماكنهم فأشرفوا عليها فرأوا ما بها من الفساد والدمار وانفك رؤساء البلد من التراسيم بعدما ذاقوا شيئا كثيرا
قال الشيخ علم الدين البرزالي ذكر لي الشيخ وجيه الدين بن النجا انه حمل الى خزانة قازان ثلاثة آلاف الف وستمائة الف درهم سوى ما تمحق من التراسيم والبراطيل وما اخذ غيره من الأمراء والوزراء وأن شيخ المشايخ حصل له نحو ستمائة الف درهم والأصيل بن النصير الطوسي مائة الف والصفي السخاوي ثمانون الفا وعاد سيف الدين قبجق الى دمشق يوم الخميس بعد الظهر خامس عشرين جمادي الاولى ومعه الاليكي وجماعة وبين يديه السيوف مسللة وعلى
رأسه عصابة فنزل بالقصر ونودي بالبلد نائبكم قبجق قد جاء فافتحوا دكاكينكم واعملوا معاشكم ولا يغرر احد بنفسه هذا الزمان والاسعار في غاية الغلاء والقلة قد بلغت الغرارة الى اربعمائة واللحم الرطل بنحو العشرة والخبز كل رطل بدرهمين ونصف والعشرة الدقيق بنحو الأربعين والجبن الأوقية بدرهم والبيض كل خمسة بدرهم ثم فرج عنهم في اواخر الشهر ولما كان في أواخر الشهر نادى قبجق بالبلد ان يخرج الناس الى قراهم وأمر جماعة وانضاف اليه خلق من الأجناد وكثرت الأراجيف على بابه وعظم شأنه ودقت البشائر بالقلعة وعلى باب قبجق يوم الجمعة رابع جمادي الآخرة وركب قبجق بالعصائب في البلد والشاويشية بين يديه وجهز نحوا من الف فارس نحو خربة اللصوص ومشى مشى الملوك في الولايات وتأمير الأمراء والمراسيم العالية النافذة وصار كما قال الشاعر
يا لك من قنبرة بمعمري * خلالك الجو فبيضي واصفري
ونقري ماشئت ان تنقري
ثم انه ضمن الخمارات ومواضع الزنا من الحانات وغيرها وجعلت دارا ابن جرادة خارج من باب توما خمارة وحانة أيضا وصار له على ذلك في كل يوم الف درهم وهي التي دمرته ومحقت آثاره وأخذ اموالا آخر من اوقاف المدارس وغيرها ورجع بولاي من جهة الأغوار وقد عاث في الارض فسادا ونهب البلاد وخرب ومعه طائفة من التتر كثيرة وقد خربوا قرى كثيرة وقتلوا من أهلها وسبوا خلقا من أطفالها وجبي لبولاي من دمشق أيضا جباية اخرى وخرج طائفة من القلعة فقتلوا طائفة من التتر ونهبوهم وقتل جماعة من المسلمين في غبون ذلك وأخذوا طائفة ممن كان يلوذ بالتتر ورسم قبجق لخطيب البلد وجماعة من الأعيان ان يدخلوا القلعة فيتكلموا مع نائبها في المصالحة فدخلوا عليه يوم الاثنين ثاني عشر جمادي الآخرة فكلموه وبالغوا معه فلم يجب الى ذلك وقد اجاد وأحسن وأرجل في ذلك بيض الله وجهه
وفي ثامن رجب طلب قبجق القضاة والأعيان فحلفهم على المناصحة للدولة المحمودية يعني قازان فخلفوا له وفي هذا اليوم خرج الشيخ تقي الدين بن تيمية الى مخيم بولاي فاجتمع به في فكاك من كان معه من اسارى المسلمين فاستنقذ كثيرا منهم من ايديهم وأقام عنده ثلاثة ايام ثم عاد ثم راح اليه جماعة من اعيان دمشق ثم عادوا من عنده فشلحوا عند باب شرقي وأخذ ثيابهم وعمائمهم ورجعوا في شر حالة ثم بعث في طلبهم فاختفى اكثرهم وتغيبوا عنه ونودي بالجامع بعد الصلاة ثالث رجب من جهة نائب القلعة بأن العساكر المصرية قادمة الى الشام وفي عشية يوم السبت رحل بولاي وأصحابه من التتر وانشمروا عن دمشق وقد أراح الله منهم وساروا من على عقبة دمر فعاثوا في تلك النواحي فسادا ولم يأت سابع الشهر وفي حواشي البلد منهم احد وقد أزاح الله عز وجل

شرهم عن العباد والبلاد ونادى قبجق في الناس قد أمنت الطرقات ولم يبق بالشام من التتر أحد وصلى قبجق يوم الجمعة عاشر رجب بالمقصورة ومعه جماعة عليهم لأمة الحرب من السيوف والقسى والتراكيش فيها النشاب وأمنت البلاد وخرج الناس للفرجة في غيض السفرجل على عادتهم فعاثت عليهم طائفةمن التتر فلما رأوهم رجعوا الى البلد هاربين مسرعين ونهب بعض الناس بعضا ومنهم من القى نفسه في النهر وإنما كانت هذه الطائفة مجتازين ليس لهم قرار وتقلق قبجق من البلد ثم انه خرج منها في جماعة من رؤسائها واعيانها منهم عز الدين ابن القلانسي ليتلقوا الجيش المصري وذلك ان جيش مصر خرج الى الشام في تاسع رجب وجاءت البريدية بذلك وبقي البلدليس به احد ونادى ارجواش في البلد احفظوا الاسوار وأخرجوا ما كان عندكم من الاسلحة ولا تهملوا الاسوار والابواب ولا يبيتن احد الا على السور ومن بات في داره شنق فاجتمع الناس على الأسوار لحفظ البلاد وكان الشيخ تقي الدين بن تيمية يدور كل ليلة على الأسوار يحرض الناس على الصبر والقتال ويتلو عليهم آيات الجهاد والرباط
وفي يوم الجمعة سابع عشر رجب اعيدت الخطبة بدمشق لصاحب مصر ففرح الناس بذلك وكان يخطب لقازان بدمشق وغيرها من بلاد الشام مائة يوم سواء وفي بكرة يوم الجمعة المذكور دار الشيخ تقي الدين بن تيمية رحمه الله وأصحابه على الخمارات والحانات فكسروا آنية الخمور وشققوا الظروف وأراقوا الخمور وعزروا جماعة من اهل الحانات المتخذة لهذه الفواحش ففرح الناس بذلك ونودي يوم السبت ثامن عشر رجب بأن تزين البلد لقدوم العساكر المصرية وفتح باب الفرج مضافا الى باب النصر يوم الأحد تاسع عشر رجب ففرح الناس بذلك وانفرجوا لأنهم لم يكونوا يدخلون إلا من باب النصر وقدم الجيش الشامي صحبة نائب دمشق جمال الدين آقوش الأفرم يوم السبت عاشر شعبان وثاني يوم دخل بقية العساكر وفيهم الأميران شمس الدين قراسنقر المنصوري وسيف الدين قطلبك في تجمل وفي هذا اليوم فتح باب العريش وفيه درس القاضي جلال الدين القزويني بالأمينية عوضا عن اخيه قاضي القضاة امام الدين توفي بمصر وفي يوم الاثنين والثلاثاء والأربعاء تكامل دخول العساكر صحبة نائب مصر سيف الدين سلار وفي خدمته الملك العادل كتبغا وسيف الدين الطراخي في تجمل باهر ونزلوا في المرج وكان السلطان قد خرج عازما على المجيء فوصل الى الصالحية ثم عاد الى مصر
وفي يوم الخميس النصف من شعبان اعيدالقاضي بدر الدين بن جماعة الى قضاة القضاة بدمشق مع الخطابة بعد إمام الدين ولبس معه في هذا اليوم امين الدين العجمي خلعة الحسبة وفي يوم سابع عشرة لبس خلعة نظر الدواوين تاج الدين الشيرازي عوضا عن فخر الدين بن الشيرجي
ولبس أقبجاشد الدواوين في باب الوزير شمس الدين سنقر الأعسر وباشر الأمير عز الدين ايبك الدويدار النجيبي ولاية البر بعد ما جعل من أمراء الطبلخانة ودرس الشيخ كمال الدين بن الزملكاني بأم الصالح عوضا عن جلال الدين القزويني يوم الأحد الحادي والعشرين من شعبان وفي هذا اليوم ولي قضاء الحنفية شمس الدين بن الصفي الحريري عوضا عن حسام الدين الرومي فقد يوم المعركة في ثاني رمضان ورفعت الستائر عن القعلة في ثالث رمضان وفي مستهل رمضان جلس الأمير سيف الدين سلار بدار العدل في الميدان الأخضر وعنده القضاة والأمراء يوم السبت وفي السبت الآخر خلع على عز الدين القلانسي خلعة سنية وجعل ولده عماد الدين شاهدا في الخزانة وفي هذا اليوم رجع سلار بالعساكر الى مصر وانصرفت العساكر الشامية الى مواضعها وبلدانها وفي يوم الاثنين عاشر رمضان درس على بن الصفي بن ابي القاسم البصراوي الحنفي بالمدينة المقدمية وفي شوال فيها عرفت جماعة ممن كان يلوذ بالتتر ويؤذي المسلمين وشنق منهم طائفة وسمر آخرون وكحل بعضه وقطعت ألسن وجرت امور كثيرة وفي منتصف شوال درس بالدولعية قاضي القضاة جمال الدين الزرعي نائب الحكم عوضا عن جمال الدين بن الباجريقي وفي يوم الجمعة العشرين منه ركب نائب السلطنة جمال الدين آقوش الأفرم في جيش دمشق الى جبال الجرد وكسروان وخرج الشيخ تقي الدين بن تيمية ومعه خلق كثير من المتطوعة والحوارنة لقتال أهل تلك الناحية بسب فسادنيتهم وعقائدهم وكفرهم وضلالهم وما كانوا عاملوا به العساكر لما كسرهم التتر وهربوا حين اجتازوا ببلادهم وثبوا عليهم ونهبوهم واخذوا اسلحتهم وخيولهم وقتلوا كثيرا منهم فلما وصلوا الى بلادهم جاء رؤساؤهم الى الشيخ تقي الدين بن تيمية فاستتابهم وبين للكثير منهم الصواب وحصل بذلك خير كثير وانتصار كبير على اولئك المفسدين والتزموا برد ما كانوا اخذوه من أموال الجيش وقرر عليهم أموالا كثيرة يحملونها الى بيت المال وأقطعت اراضيهم وضياعهم ولم يكونوا قبل ذلك يدخلون في طاعة الجند ولا يلتزمون احكام الملة ولا يدينون دين الحق ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله وعاد نائب السلطنة يوم الأحد ثالث عشر ذي القعدة وتلقاه الناس بالشموع الى طريق بعلبك وسط النهار وفي يوم الأربعاء سادس عشره نودي في البلد ان يعلق الناس الأسلحة بالدكاكين وأن يتعلم الناس الرمي فعملت الأماجات في أماكن كثيرة من البلد وعلقت الأسلحة بالأسواق ورسم قاضي القضاة بعمل الأماجات في المدارس وأن يتعلم الفقهاء الرمي ويستعدوا لقتال العدو ان حضر وبالله المستعان
وفي الحادي والعشرين من ذي القعدة استعرض نائب السلطنة اهل الأسواق بين يديه وجعل على كل سوق مقدما وحوله اهل سوقه وفي الخميس رابع عشرينه عرضت الأشراف مع نقيبهم نظام
الملك الحسيني بالعدد والتجمل الحسن وكان يوما مشهودا ومما كان من الحوادث في هذه السنة أن جدد إمام راتب عند رأس قبر زكريا وهو الفقيه شرف الدين أبو بكر الحموي وحضر عنده يوم عاشوراء القاضي إمام الدين الشافعي وحسام الدين الحنفي وجماعة ولم تطل مدته إلا شهورا ثم عاد الحموي إلى بلده وبطلت هذه الوظيفة الى الان ولله الحمد وممن توفي فيها من الأعيان
*3* القاضي حسام الدين أبو الفضائل
@ الحسن بن القاضي تاج الدين أبي المفاخر أحمد بن الحسن انوشروان الرازي الحنفي ولي قضاء ملطية مدة عشرين سنة ثم قدم دمشق فوليها مدة ثم انتقل الى مصر فوليها مدة وولده جلال الدين بالشام ثم صار الى الشام فعاد الى الحكم بها ثم لما خرج الجيش الى لقاء قازان بوادي الخزندار عند وادي سلمية خرج معهم ففقد من الصف ولم يدر ما خبره وقد قارب السبعين وكان فاضلا بارعا رئيسا له نظم حسن ومولده باقسيس من بلاد الروم في المحرم سنة احدى وثلاثين وستمائة فقد يوم الأربعاء الرابع والعشرين من ربيع الأول منها وقد قتل يومئذ عدة من مشاهير الأمراء ثم ولى بعده القضاء شمس الدين الحريري
*3* القاضي الامام العالي
@ إمام الدين ابو المعالي عمر بن القاضي سعد الدين ابي القاسم عبد الرحمن بن الشيخ امام الدين ابي حفص عمر بن احمد بن محمد القزويني الشافعي قدم دمشق هو وأخوه جلال الدين فقررا في مدارس ثم انتزع امام الدين قضاء القضاة بدمشق من بدر الدين بن جماعة كما تقدم في سنة سبع وسبعين وناب عنه اخوه وكان جميل الأخلاق كثير الاحسان رئيسا قليل الأذى ولما ازف قدوم التتار سافر الى مصر فلما وصل اليها لم يقم بها سوى اسبوع وتوفي ودفن بالقرب من قبة الشافعي عن ست واربعين سنة وصار المنصب الى بدر الدين بن جماعة مضافا الى ما بيده من الخطابة وغيرها ودرس اخوه بعده بالأمينية
*3* المسند المعمر الرحلة
@ شرف الدين احمد بن هبة الله بن الحسن بن هبة الله بن عبد الله بن الحسن بن عساكر الدمشقي ولد سنة اربع عشرة وستمائة وسمع الحديث وروى توفي خامس عشر جمادي الأولى عن خمس وثمانين سنة
*3* الخطيب الإمام العالم
@ موفق الدين ابو المعالي محمد بن محمد بن الفضل النهراواني القضاعي الحموي خطيب حماة ثم خطب بدمشق عوضا عن الفاروثي ودرس بالغزالية ثم عزل بابن جماعة وعاد الى بلده ثم قدم دمشق عام قازان فمات بها
*3* الصدر شمس الدين


التوقيع :


اللهم صل على سيدنا محمد عبدك ونبيك ورسولك
النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم تسليما عدد مااحاط به علمك
وخط به قلمك واحصاه كتابك
وارض اللهم عن سادتنا ابي بكر وعمر وعثمان وعلي
وعن الصحابة أجمعين وعن التابعين وتابعيهم بإحسان الى يوم الدين





آخر تعديل abo _mohammed يوم 09-01-2006 في 07:39 PM.
رد مع اقتباس
قديم 09-01-2006, 03:37 PM   رقم المشاركة : 2
الكاتب

عابدين

Registered User

عابدين غير متواجد حالياً


الملف الشخصي








عابدين غير متواجد حالياً


مشاركة: البداية والنهاية الجزء الرابع عشر

بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على سيّدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين .
وبعد :-
إن الفقه السياسي والفتوى السياسية لها مساحة واسعة في عالم التشريع لكثرة المفردات وتنوعها وابتلاء الشعوب بها نتيجة الغزوات
والحروب الثقافية والعسكرية التي تعيق حركتها الوطنية ، كما إن تخريج الأفكار والطروحات وإخضاعها إلى الممارسة والتطبيق من قبل فقهاء القانون الوضعي والقادة السياسيين وخصوصاً الغربيين وفرضها على الشعوب المستضعفة الإسلامية وغيرها ، تفرض على فقهاء الإسلام التصدي لها ضمن التكليف الشرعي والمسؤولية الكبيرة الملقاة على عاتقهم باعتبارهم الأمناء على هذا الدين بكل ما لهذه الكلمة من معنى، فتبحث هذه المفردات الأبتلائية وغيرها تحت عنوان المستحدثات أو الفقه السياسي ، لبيان نظام الحكم في الإسلام ومفرداته لتكون مساحة حركة السياسيين معلومة في إطارها الشرعي لكي لا يخرجوا مفهوماً وميداناً عنه تحت ذرائع وأسباب بعيدة عن الشرع ، وهذا مما يستدعي تحصيناً للأمة الإسلامية عن طريق نشر الوعي الثقافي والعقائدي وعقد المؤتمرات الدينية في الحوزات العلمية وإبراز صوتها بمنشورات جريئة (واضحة وصريحة) اتجاه كل حدث أو قانون لكي تكون ظهيراً قوياً للمرجعيات الدينية في تغيير المسارات التي يرفضها الشرع ليتم تصحيحها بكل أمانة وشجاعة ، ولتحسين الواقع الإسلامي في قوة التأثير ، وقوة التمثيل السياسي والحركي على الساحة العملية وان كان هذا يحتاج إلى جهد جماعي كما اشرنا ، ومن خلال هذا الفهم كانت لنا محاولات بسيطة مطبوعة لعلها تساهم في بلورة هذا الطموح الإسلامي نذكر بعضها وهي (نقض الحكم ألولائي)( حكومة الفقهاء ودستور الأمّة )
( المرجعية الدينية والمرجعية السياسية ) ( الفدرالية من منظور فقهي )
وهذا الأخير قد نشر مختصره في مجلة ( أنصار الحجة عج) العدد- 14
التي تصدر في بغداد عن مكتب أنصار الحجة عج . ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يتقبل من الأقل العبد الفقير إليه هذه المساهمة المتواضعة لخدمة دينه الحنيف انه سميع الدعاء . ( أبو الحسن)
حميد المقدّس الغريفي
النجف الأشرف
(( المدخل))

ينبغي الأخذ بنظر الاعتبار أن مسيرة العاملين لابد أن ترتكز على مقومات أساسية تنهض بالعاملين إلى المستوى المطلوب من الارتباط والمصداقـية في العمل ، اللذان يمثلان المسار الصحيح والهادف لأداء الرسالة ، لان العمل الإسلامي لا يكون صحيحا ولا موضوعيا منتجا إذا ابتعد العامل فيه عن مقومات العمل الحقيقي التي تعتبر نقاط توصيل فاعلة وصادقة إلى الهدف .
ولذا يتم تقـييم العمل وبيان مدى موضوعيته من خلال مراعاة هذه المقومات والتي منها :
تنقيح موضوع العمل و تشخيصه الذي يعتبر المسار الصحيح والطبيعي للعاملين لأنه يسهل بتحديده اختيار الحكم المناسـب له وفق مقررات الشرع الشريف ، ذلك لان العلاقة وطيدة ومترابطة بين الموضوع والحكم ، وحيث إن فعليّة الحكم كما هو معروف متوقفة على فعليّة الموضوع ،وهذا يعني أن الحكم يأتي متأخراً عن الموضوع ، كما يتأخر كل مسبب عن سببه والذي ربما يكون الموضوع من الأعيان الخارجية كالخمر والخنزير أو من الموضوعات الشرعية كالصلاة والصيام أ و من الموضوعات العقلية أو من الموضوعات العرفية على اختلاف أنواعها . فالموضوع الخارجي كالخمر يترتب عليه حكم شرعي وهو حرمة شربه ، وكذا الخنزير يترتب عليه حكم شرعي وهو حرمة أكله .
أما الموضوعات الشرعية فأنّ (الصلاة واجبة) فالصلاة مفهوم وهي موضوع وحكمها المحمول عليها هو الوجوب، ومتعلق هذا الوجوب هو المصداق الخارجي المشتمل على أفعال خاصة كالقيام والركوع والسجود وقراءات وأذكار معينة ،(والصوم الواجب) يعني أن الصوم الذي له خصوصيات وشرائط هو محكوم عليه بالوجوب . وهنا ينبغي أن يعلم أن فعل الصلاة خارجاً وكذا الصيام هو ما يطلق عليه بمتعلق الوجوب، وفرق ما بين الموضوع والحكم ومتعلق الحكم ،لأنّ الموضوع قد وضع ليحكم عليه بشيء والفعل الخارجي يكون تابعاً ومتعلقاً بالحكم .
وأما الموضوع العقلي فأنّ العقل يدرك بأنّ (النقيضان لا يجتمعان ولا

يرتفعان) فيكون النقيضان موضوعاً يوجد في العقل فقط ، لأنه يستحيل أن يوجدان في الخارج لاستحالة اجتماعهما أو ارتفاعهما إلى شيء ثالث .
وأما الموضوع العرفي فتحديده كما في( الغناء ) الذي حكمه الحرمة حيث يتحدد موضوع الغناء من خلا ل ما يعرفه العرف لتوافقه مع مجالس أهل
اللهو والطرب والفسوق والفجور .
أذن الموضوع تارة يكون من المفاهيم التي وجودها في العقل ، وتارة يكون الموضوع موجوداً في الخارج كالأعيان .
وعلى هذا يجب على العاملين للإسلام أن ينقحوا موضوعات عملهم لكي يتخذ عملهم مساراً شرعياً من خلال تطبيق ما يناسبه من حكم شرعي ، لأن العمل الإسلامي الصادق يجب أن يسير وفق مقتضيات الشرع الشريف ، فلا يكون فيه جهالة وتعدي واغتصاب للحقوق وإفساد في الأرض بذريعة أنه يريد أن يعمل للأسلام جهلاً منه في ذلك أو تجاهلا، قاصراً في ذلك أو مقصراً ، فيخرج بتصرفه هذا عن العمل للإسلام إلى ما يصب في مصلحة الشيطان. فيكون الالتزام بمتابعة تنقيح الموضوعات للعاملين المتدينين له مد خلية كبيرة في تصحيح المسيرة وإصابة الحكم الشرعي الصحيح سواء كان الحكم الواقعي الأولي أو الثانوي وبذلك يحصل العاملون للأسلام على غطاء شرعي وخلق إسلامي يؤدون وظيفتهم الشرعية على أكمل وجه وأحسن صورة لتحفظ بذلك الحقوق وتمنع المظالم ويستقر النظام ونصل به إلى مقاصد الشريعة .
وهذا يعني مسؤولية كبيرة على العاملين في تشخيص الموضوعات بإجادة ومهارة عالية لكي لا يقع اختياره على حكم لا يناسب موضوعه الواقعي.
ومراعاة ذلك من الأمور المطلوبة لوقوعها في دائرة التكاليف الشرعية
والحقوق الإنسانية التي لها تأثيرات شرعية ووضعية على الجميع، ويتطلب هذا أيضا وجوب الابتعاد عن المؤثرات النفسية والمصالح الشخصية والفئوية والعصبية لأنها تعطي طابعاً تخلفياً ورجعياً على العاملين وبالتالي يكون عملهم عقيماً يؤسس لإيجاد أزمات وردود أفعال سلبية ونتيجته الضعف في الاستعداد والأداء والاستجابة . في حين أنً الإسلام يحث ويؤكد بشدّة على ممارسة السلوكيات العادلة ونشر الطروحات الواضحة والأعمال المنتجة التي يعتمد جميعها على غطاء شرعي صحيح .


((الفدرالية))

إذا أردنا بيان بعض الموضوعات كما هو مصطلح عليه في العرف السياسي العالمي هو مصطلح الفدرالية فأنه موضوع مطروح للعمل به على الساحة العراقية اليوم المتفق عليه سابقاً بين معارضة النظام ألصدامي خارج العراق الذي صرًح به السيد جلال الطالباني كما هو مقرر في مؤتمراتهم في لندن وغيرها وكما أذاعته محطات الإذاعة والتلفزة العالمية قبل سقوط نظام صدام وتحت غطاء المجتمع الدولي برئاسة أمريكا وبريطانيا ،في حين أنّ هذا المصطلح لم يكن مطروحاً ولا متداولاً بيننا في أوساط المعارضة للنظام في داخل العراق مع احترامنا واعتزازنا بالجميع لأنهم عراقيون ومعارضون سواء في الداخل أو في الخارج، وهذا الأجراء من طرح الفدرالية وتقسيم البلاد إلى ثلاثة أقسام للأكراد والسنة والشيعة لأسباب ودوافع كثيرة يكون غير ملزم للشعب العراقي لأنّ ما اتفقوا عليه خارج العراق غير خاضع لإرادة الشعب ولم يصوت عليه وما حصل بعد السقوط من الاستفتاء على الدستور أنما هو في ظروف استثنائية طارئة لتقليص مدة بقاء المحتل ودحر الإرهاب (ولكنها مع الأسف لم تغير شيئاً بل أزداد الأمر تعقيداً) وصارت الموافقة على الدستور جملة وليس تفصيلاً باعتبار وجود تحفظات على كثير من مواد الدستور والتي منها الفدرالية والتي ستناقش في جلسات قادمة لمجلس النواب ضمن سلسلة تغيير تلك المواد بحسب ماأتفقوا عليه في الملحق التابع للدستور ،وأما ما أقرّ عليه من قبل السياسيين اليوم ونفّذ بحجم كبير وضخم هو إقليم شمال العراق فأنّه يعتبر خطاءً كبيراً في عالمي السياسة والتشريع وبتقادم الزمن تتضح معالم هذا الخطاء أكثر ، وهذا لايعني أننا لانتمى لهم الخير من الأستقراروالأمان والسعادة والاعتزاز بالقومية ،بل هم جزء من الشعب العراقي الذي طالما تعرض للاضطهاد والظلم والإقصاء ، ولكن لا نريد أن تكون ردود أفعال ذلك سلبية على الشعب العراقي جميعاً ووحدة العراق بأحداث التقسيم والتمايز.وعلى كل حال فالحديث طويل. ولكن ما نرغب في التوصل أليه في هذا الموضوع السياسي ضمن القناعة المبنية على الدليل الفقهي سواء كان بعنوانه الأولي أو الثانوي ويكون هذا بتجرد بعيدا عن المؤثرات الخارجية لكونه بحثاً علمياً ومعرفياً ، وما يمكن أن يحصل فيه اختلاف بوجهات نظر متعددة فانه أمر طبيعي ، والتقييم والحكم فيه هو الشرع والعقل والوجدان الإنساني ومع ذلك فأننا نحترم جميع الآراء الوطنية وأن اختلفت معنا في الرأي لأن هذا يمكن أن يحصل داخل الأسرة الواحدة والمذهب الواحد والدين الواحد والوطن الواحد ، وهذا الاختلاف العلمي لا يفسد للود قضية ، بل هو مما يبلور الأفكاروالطروحات وينضجها إلى ما تصبو إليه من واقعية علمية يمكن تطبيقها على ساحة العمل بسهولة واطمئنان وبلا صرا عات ونزاعات وإرهاب تؤدي إلى الفوضى وعدم الاستقرار وفقدان الأمان .ومن منطلق المساهمة الوطنية والمشاركة في الرأي وطبقاً لأصالة الحرية وتعددية الرأي المبني على أسس علمية وشواهد حسية نقول :-
يجب على العامل الإسلامي والداعية المبلغ قبل أن يرتجل حكماً معيناً أو يتخذ خطوات عملية عليه أن يقوم بعملية تنقيح الموضوع لمعرفة أبعاده وحدوده وفيما نحن فيه هو موضوع (الفدرالية ) ليستكشف بعد ذلك الحكم الشرعي الأولي له ، ثم يتابع بعد ذلك ويدرس ما يحيط الموضوع من ملابسات وقضايا وعناوين ثانوية حرجية أو ضررية تؤثر على المسيرة والنظام بشكل عام أو خاص فأن وجدت فأنها تكون حاكمة شرعاً وعقلاً على العنوان الأولي فيتغير الحكم من الإباحة إلى الحرمة فيما لو فرضنا أنّ العنوان الأولي هو الإباحة بمقتضى أدلة نفي العسر والحرج والضرر، وأن لم تثبت هذه العناوين الثانوية فأنّ الحكم الشرعي الأولي يبقى ساري المفعول . علماً أن (الفدرالية ) كنظام أداري للحياة موجود ومطبق منذ العصور القديمة لضرورة اقتضتها الطبيعة الإنسانية في الأسر والمجتمعات والشعوب التي يتوسع سكانها طبقاً لموازين الحياة وأسبابها الطبيعية في التكاثر والبقاء فيحصل الاضطرار لاختيار مكان آخر بولاية جديدة تابعة ومرتبطة بالمركز الأصل بأحد أنحاء الارتباط الأسري أو الديني أو الوطني أو القومي أو مصالح مشتركة أخرى أو يكون الارتباط قهرياً كما في التوسع الاستعماري للبلدان والشعوب المستضعفة التي تحتل وتقهر وتظلم من قبل المستعمر الذي يفرض عليها طبيعة العلاقة والارتباط والقانون ،أو يكون الارتباط من جهة الفتوحات الإسلامية لتحرير الشعوب المستضعفة ورفع الظلم عنها وتحقيق العدالة لها وفي هذا نظر ، ينبغي دراسته بجدّية وواقعية فيما بعد وفاة الرسول (ص) .
أذن هذه البلدان المستعمرة والمفتوحة التي أخذت جانب التوسع تحتاج إلى حكام وولاة يديرون ويدبرون شؤون البلاد والعباد ويحفظون لهذه الولايات النظام والحقوق بما يحقق المصالح العليا للجهة الحاكمة وهذه الولايات بطبيعة الحال ترتبط بالمركز العاصمة التي لها مقاليد الحكم العام والتي تشكل نظاماً فدرالياً اتحادياً يستوعب جميع الولايات ، وهذه الشكلية للنظام الفدرالي متوارثة وسارية المفعول إلى يومنا هذا . وان كان ينبغي الفصل والتمييز بين ما كان له غطاء شرعي ومشروعية عمل كما في الفتوحات الإسلامية المبنية على التحرير والإصلاح والعدالة وحفظ النظام والتكافل الاجتماعي وعدالة توزيع الثروات المعهودة في زمن الرسول محمد (ص) وتطبيقات علي بن أبي طالب (ع) العادلة وتوصياته (ع) المعروفة لمن يعهد إليه بالولاية ومتابعته لشوؤن الأمة مهما اتسعت رقعتها الجغرافية وطرده لبعض الولاة الفاسدين كما فعل مع والي الشام (معاوية) الذي أقاله الأمام (ع) عن الحكم ولكنه امتنع عن الاستجابة وتمرد على خليفة المسلمين الشرعي الذي بويع بالخلافة بالإجماع أثناء حياة الرسول(ص) وتكرر عليه أجماع المسلمين بالبيعة والخلافة أيضاً بعد مقتل عثمان بن عفان .
وأما إذا كانت النظم الاتحادية الفدرالية مبنية على الاحتلال والتسلط ونهب الخيرات واستضعاف الشعوب كما هو شأن بلاد فارس وبلاد الروم والدولة العثمانية والإتحاد السوفييتي وبريطانيا وألمانيا وفرنسا وأمريكا وغيرها من الدول المستعمرة التي تمتص دماء الشعوب من أجل تحقيق أهدافها الشيطانية الباطلة والتي تمارس صراحة إرهاب دولة كما حصل اليوم في فلسطين والعراق ولبنان وبكل وقاحة يعتبرون سفك دماء الأطفال والنساء والشيوخ وتدمير البنى التحتية (هي آلام مخاض لشرق أوسط جديد ) ويعدون ويبشرون العالم بالقضاء على الإرهاب ونشر الحرية والسلام وعودة الحقوق إلى أهلها والتي تعني جميعها تقسيم البلدان إلى طوائف وقوميات وأقليات تابعة لإرادة المحتل وقتل كل عنصر ممانع ومقاوم لها كما في فلسطين ولبنان، وهذا مما يعجزون عن تحقيقه حتى في الأحلام لفشلهم وزيف دعاواهم .ولأن النصر والخلاص دائماً لا يكون إلا عن طريق المقاومين الممانعين والممهدين لعصر ظهور الأمام (عجل الله فرجه ) لتكون على يديه الكريمتين الدولة العالمية الموعودة التي تعتمد التوسع وليس التقسيم لتحرير الشعوب المستضعفة وتحقق وتطبق الفدرالية العادلة بأصولها المحمدية الصادقة والأمينة لننعم فيها بالأمن والسلام والطمأنينة والعدالة ، وليس ما يعدنا به الاستكبار العالمي في تطبيقاته الدموية الظالمة لإيجاد شرق أوسط جديد والذي هو استعمار واستعباد جديد و صريح للشعوب وللقضاء على الإسلام والمسلمين ونهب خيراتهم وتقسيم أراضيهم كما هو مخطط له ومعهود عنهم في تصرفاتهم .
وعوداً على بدء : ينبغي معرفة أساس النظام الفدرالي الاتحادي في صدر الإسلام كأسلوب عملي شرعي يمكن الاستناد إليه في مسيرة الأمة وحركيتها على الساحة السياسية العالمية والإطلاع على كيفية بناء هيكلية الدولة الإسلامية الفتية في المدينة المنورة والتي توسعت إلى عموم الجزيرة العربية لتشمل مكة المكرمة ثم أخذت بالتوسع المبني على القناعة والأيمان وقبول الجماهير العربية والشعوب الأخرى ورغبتها بالدين الإسلامي ونظامه القائم على العدالة والأنصاف والتشريع الإلهي الذي يستجيب إليه الناس بقناعة عقلائية واطمئنان حتى شمل التوسع الإيماني والإصلاحي اليمن والبحرين والعراق والشام ومصر وغيرها من البلدان التي دخلت ّ إلى الإسلام والتزمت بنظامه ، وبطبيعة الحال والضرورة الفعلية البلدان والولايات تحتاج إلى ممثلين عن القيادة المركزية الواقعية المتمثلة آنذاك بشخص الرسول الأكرم محمد (ص) بما يعرف عنهم بالولاة والأمراء لتدبير شؤون البلاد والعباد بما يخدم المصلحة العامة وتطبيق النظم الإسلامية العادلة ، وهذا التطبيق الفدرالي في نظام الدولة الإسلامية لا يحتاج إلى بحث وتحقيق في من ابتكره وابتدعه بعدما عرفنا انه طبيعة فطرية وحاجة يلجاء إليها الناس في ممارساتهم وسلوكياتهم في مجال التوسع ، على أن تكون شبيهة بنظام المحافظات التابعة للمركز باعتباره عاصمة البلاد الإسلامية الموحدة التي تمتلك مقومات القيادة والقدرة العالية على فهم التشريع والتفريع عليه في إطار النظم الإسلامية . وعلى هذا الأساس فأنّ النظام الاتحادي الفدرالي يتلاءم ويتفاعل طبيعياً وعقلياً وكما هو مكتشف من خلال السيرة العقلائية والمتشرعية مع توسيع الرقعة الجغرافية وانضمام البلدان والولايات إلى المركز العاصمة لاعتبارات إيمانية أو اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية أو عسكرية لإيجاد تحالف مشترك يتحدون مع هذا النظام الإسلامي لتحقيق أهدافهم المشروعة من الوحدة و التطور والتقدم والقوة وزيادة قدرات النظام الاقتصادية والعسكرية والعلمية .
ومن خلال فهم هذا المطلب بالشكل المطروح الآن فأنّ قيام نظام فدرالي بخلاف ما هو ثابت بحسب السيرة أي بصورة معاكسة لها بمعنى تحجيم وتقسيم الرقعة الجغرافية الواحدة إلى ولايات وأقاليم متعددة والأدهى من ذلك نشوء حكومات فيها تتضمن وزارات و مجالس نيابية ولها دستور ومكاتب في السفارات وأنظمة مسلحة ( ميلشيات) تحت عناوين مختلفة وتقاسم للثروات وعلم خاص وجواز سفر خاص وعلاقات خاصة معلنة وغير معلنة مع دول العالم ومنح رخص اقامة للوافدين والمهجّرين من أبناء البلد الواحد ضمن ضوابط وقوانين ذلك الإقليم ، وهذا النظام موجود اليوم في شمال العراق تحت عنوان ( إقليم كردستان ) ، وأشدّ من هذا المطالبة المّلِحَة للأكراد أيضاً (مع احترامنا واعتزازنا بهم كعراقيين ) بضم كركوك النفط إليهم ،مع أنها ملك للعراقيين من أقصى العراق إلى أقصاه ولا يحق للسياسيين وغيرهم المساومة عليها وبيعها ولو بتزوير الأصوات عليها ، ثم ينتقلون إلى مرحلة توسيع الإقليم بأكثر من ذلك كله ليمتد ضمن خارطة أعلن عنها في بداية سقوط صدام المجرم وأثناء قيام مجلس الحكم لتستوعب أجزاء من محافظة ديالى أضف إلى ذلك وعلى لسان الكثير من مسئوليهم يهددون بين الحين والآخر بالانفصال والانعزال عن العراق حينما تحصل الأزمات والتوترات الداخلية أو لم تستجب لهم مطالب ، إضافة إلى بعض السلوكيات والتصريحات المعلنة ، حيث قال مسعود البر زاني رئيس ( إقليم كردستان ) في حديث صحفي ( لا مانع لدينا أن توجد قنصلية لإسرائيل في كردستان إذا ارتأى العراق أن يفتح سفارة في بغداد ) وكأنّ كردستان خارجة عن العراق وندُّ له ولها معه اعتبارات مصلحية ينبغي مراعاتها ،وبمعنى لامانع لديه من اقامة هذه العلاقة في جهة استقلاليته لولا العراق ، كما إن وزير الخارجية العراقي الكردي هوشيار زيباري الذي ألّبَ الدول العربية والإسلامية على شيعة العراق وأنهم يسيطرون على نظام الحكم وبدوافع طائفية وتحالفهم مع إيران وأخذ يعلن تخوفه صراحة ًعلى العراق فأنه وبنفس الوقت يقوم علناً بمصافحة عناصر صهيونية في الأمم المتحدة ، وأيضاً سفير العراق في الأمم المتحدة صلاح عطاوي الكردي أيضاً يحضر الاحتفال الصهيوني حول المحرقة اليهودية" الهولكوست" وهذا نحو من الاعتراف بإسرائيل ولو ضمناً والذي يعد خرقاً فاضحاً لحق العرب والمسلمين في مقاومة هذا الكيان الدموي الغاصب لإرجاع الحقوق المغتصبة في فلسطين وغيرها ، كما أنه يعتبر تأييداً ومواساةً وتطميناً للصهاينة ، وما يشاع بشدة بوجود إسرائيلي في شمال العراق وما خفي كان أعظم ، وكل ما ذكرناه هي مؤشرات واضحة تنبئ بخطر عظيم على وحدة العراق أرضاً وشعباً وعلى علاقاته الخارجية والداخلية ولو مستقبلاً ، ثم أنها مظاهر وتحركات تؤكد على استقلالية الشمال وانفصاله عن العراق في سياساته المبنية على مصلحة الأكراد أولاً و آخراً ، ومع ذلك كله فهم يشاركون باقي العراقيين في حكم العراق بكل تفاصيله ، ولهم صلاحية توظيف أبنائهم في مؤسسات الدولة خارج منطقة إقليمهم ، بينما لا يحق لباقي العراقيين التوظيف في مؤسساتهم داخل إقليم الشمال ،والأنكى من ذلك تكون حكومة المركز ضعيفة اتجاه حكومة الإقليم إذن التقديرات المحسوبة للفدرالية بهذا الحجم وهذه الضخامة هي تقديرات خاطئة ولابد من إعادة النظر فيها جملةً وتفصيلا لأنها تشكل خطراً على مستقبل العراق ،هذا في جانب ، والجانب الآخر فيما لو قامت المحافظات السنّية بإنشاء إقليم( المثلث السني ) كإقليم واحد أو أقاليم متفرقة فأنّه سيتفاقم الخطر أكبر ،لأنها ستكون حاضنة كبيرة للإرهابيين وبقيادة الصداميين والتكفيريين بمعنى تأسيس أمارة (طالبان) كما يطمحون ويعدون بذلك ويأتي التمويل لهم من الدول العربية وغيرها لأسباب طائفية وسياسية وتبدأ تنظيماتهم وضغوطاتهم على إخواننا السنّة المعتدلين من أجل مشاركتهم في إثارة الفتنة الطائفية والغزوات الإرهابية على أبناء الشعب الواحد ،ويكون هذا الإقليم مصدراً للأزمات والتوترات والإرهاب الداخلي والخارجي ، وغير ملتزم بضوابط حكومة المركز ، والكلام في هذا طويل وله أبعاد كثيرة ، وحينئذٍ سنكون أمام خيارات ثلاثة : إما أن نتراجع عن فكرة الأقاليم أو ندخل في حروب دامية بين الأقاليم بذريعة التحرير وإعادة الوطن الموحد كما حصل الأمر في غزو الكويت من قبل الطاغية صدام أو تفرض الهيمنة الأستكبارية حلاً تدعي أنه الوسط بجعل الاستقلال والانفصال لهذه الأقاليم بعضها عن بعض لعدم قدرتها على التعايش السلمي وتضع قوات دولية بينهم وهكذا تستمر مسرحية الاحتلال عبر عقود من الزمان إلى أن تستكمل هذه القوات أهدافها ومصالحها الخاصة في المنطقة وتترك الخراب فيه ولا نعرف متى سيكون رحيلها؟وحينئذٍََ نسأل هل النظام الفدرالي يعتبر نظاماً صالحاً للتطبيق في العراق ؟
ولو سلّمنا جدلاً بهذا الطرح المعكوس (لأنّ الأصل في النظام الفدرالي هو توسيع الرقعة الجغرافية خارج حدود البلد وليس تقسيم البلد الواحد إلى أقاليم) .
وقبلنا بهذا الوضع وقلنا انه نظام إداري مدني والحكم الأولي فيه هو الجواز لخلوه شرعاً وقانوناً مما هو ضار ومحرم شرعاً وتعاملنا معه بحسن النية ، فمن يضمن لنا سلامة تطبيق هذا النظام مما هو محذور وضار ، علماً أنّ الحكومات المتعاقبة بعد سقوط نظام البعث البغيض ولمدة أربع سنوات لم تستطع إنجاز الوعود الكثيرة لقصورها عن ذلك أو تقصيرها ونخشى بقوة وبحذر شديد أن تكون الفدرالية ضمن سلسلة تلك الوعود والتي توقع الشعب في نفق مظلم ونعيش حالة التيه والضياع إلى أمدٍ غير معلوم والشعب لا طاقة له بهذه المخاطرة وهو يعيش يوميا ويشاهد حمامات الدم المستمرة والتهجير ألقسري الجماعي لالآف العوائل من أتباع أهل البيت (ع) ، وهل الفدرالية تضمن عودة ثلاثين ألف عائلة مهجرة إلى محل عملهم وسكناهم بسلامة وأمان ؟ أم أنهم يعيشون مشردين وغرباء في أوطانهم بذريعة الإرهاب وعدم قدرة الحكومة على الوصول إلى تلك الأماكن الساخنة ؟ ! أم هل تستطيع الفدرالية إيقاف نزيف الدم والأحزمة الناسفة والمفخخات ؟ وهل تتمكن من الأعمار والازدهار وتوفير الخدمات وتحسينها ومنح فرص عمل غير مشروطة بالانتماءات والو لاءات الحزبية ؟ وهل تستطيع الفدرالية أن تضمن تعايش الأقاليم فيما بينها بسلام وأمان وتعاون ومودة ؟ وووووووووووووغيرها من الأستفهامات الكثيرة التي تختلج في صدور المواطنين بدون أن تتذرع الحكومة بنفس الذرائع السابقة وغيرها عند التأخير أو البطء في تحقيق الوعود . بل أين هي حقوق الشيعة الذين يمثلون الأكثرية في البلاد . نحن نتمنى وندعوا دائماً للحكومات العراقية النجاح في مساعيها لخدمة الشعب وفي إيجاد مخرج سليم يطمئن الجميع ويبعث على الارتياح والنجاح الدائم وبنفس الوقت نرجو أن لا تحترق صورتها أمام الشعب بسبب القصور أو التقصير مما يؤديان إلى فقدان الثقة بين الحكومة والجماهير والعاقبة تكون وخيمة .
وهنا يمكن دراسة فرص النجاح والفشل للنظام الفدرالي مع الألتفات إلى حجم المخاطر والمكاسب لطبيعة هذا النظام بدراسة موضوعية جادة بعيدة عن المؤثرات الجانبية مع ملاحظة المصلحة العليا للشعب وموافقة الشر ع له .
ولكن نقول واقعاً إذا كان النزاع والقتال والتهجير أحد أسبابه تفعيل الدعوة والسعي الحثيث لإقامة النظام الفدرالي في عموم العراق ووجود ملازمة بينهما فكيف يمكن ترجيح جهة المكاسب على المخاطر بنسبة عالية تؤهل قيام هذا النظام مع أن أحد أسباب الخصومة قائم وموجود إضافة إلى اجتماع عناصر الحقد والفساد من الصدّاميين والتكفيريين والذين لم يُفعَّل في حقهم قانون اجتثاث البعث والإرهاب لضعف القضاء العراقي وانتشار الفساد الإداري وحدوث خر وقات كبيرة وواسعة في جميع مؤسسات الدولة وعلى أعلى المستويات ليشكلوا شبكة حاضنة
ودا عمة ومدافعة عن الإرهاب والإرهابيين بكل صراحة ووقاحة ،والأشدّ من ذلك تسلط الاحتلال وازدواجيته في التعامل مع السياسيين وعموم أبناء الشعب بما يخدم مصالحه الخاصة حتى لو يقتضي الأمر توسيع دائرة الفتن الطائفية وخلق الفوضى والقتال ليعيد ترتيب الوضع العام بما يتوافق مع مصالحه الشيطانية ، بمعنى لا أمان ولا استقرار ولا نظام مع وجود ألصدامي والتكفيري والمحتل ،فيكون التفكير بالفدرالية سابقاً لأوانه ، فكيف يمكن أن نهرب من هذا الواقع إلى واقع يمكن أن يكون أشدّ وأقسى لبقاء نفس الظروف وعناصر التخريب والفساد ؟

ولو سلّمنا بهذا الواقع مع مسايرة تطبيق النظام الفدرالي ، فأنّ الحاجة تكون قد اضطرتنا إلى فرض قوانين قاسية بحق أبنائنا منها مراجعة مكاتب الأقاليم في السفارة أو الجهة المخولة بمتابعة شؤون المواطنين وفرض قانون الفيزة أو الطلبية أو الجواز لمن يريد السفر أو التنقل بين الأقاليم بدعوى وذرائع شتى والتي منها حفظ الإقليم من المخربين والإرهابيين حتى تتوسع الحواجز لسن قوانين مجحفة بحق الشعب تؤدي إلى الحرج ، ثم لتحدث مقاطعة ونزاعات بين الأقاليم ولربما يصير الأمر والعياذ بالله إلى حروب أهلية بين الأقاليم وكوارث غير محسوبة ليتذرع بها من يرغب بالانفصال فيجعله سبباً وحقاً في التقسيم مكرهاً عليه ، والشعب حينئذ يكون هو الضحية ، وعندئذ تتحقق رغبة الاستكبار العالمي في إضعاف وتقسيم العراق وشعبه إلى طوائف وقوميات وأقليات خارجة عن طبيعتها ووطنيتها وبالتالي تنتصر إرادة الاستكبار العالمي وأذنابه في صناعة شرق أوسط جديد كما يحلموا به .
ثم لو أقرّ إقليم الوسط والجنوب وهو محسوب على الشيعة الذين طالما نالتهم يد الغدر والظلم والإقصاء والأبادة عبر التأريخ والى يومنا هذا بسبب ولائهم لأهل بيت النبوة عليهم الصلاة والسلام ويدفعون دائماً ضريبة حبهم وولائهم لهذا البيت الطاهر الذي أمرنا الله تعالى بمودتهم ومحبتهم والولاء لهم بنص القرآن والسنّة ونحمده تعالى على ما انعم علينا بنعمة الولاية ، ونحن صابرون بمشيئة الله تعالى على تحمل هذه المسؤولية ولكن بنفس الوقت الشيعة عموماً يبحثون جادين عن السلام والأمان والاستقرار والاطمئنان والحكومة الوطنية العادلة التي ينعمون في ظلّها بالعدالة والحرية والحياة الكريمة والازدهار ولهم الحق الكبير في ذلك لدوافع وحقوق إنسانية وسيادية في وطنهم ، كما أنه يفترض العمل على توسيع المساحة الجغرافية والقاعدة الجماهيرية الواعية الممهدة لعصر ظهور الأمام (عجل الله فرجه الشريف) ،بحيث لايتم التفريط بشبر من أرض العراق من أقصاه إلى أقصاه وتحت حاكمية وطنية عادلة وقوية دون الانحسار في بقعة جغرافية ضيّقة والحاكمية تكون فيها (قلقة) لأسباب كثيرة ، ومع ذلك فانّ الفدرالية التي يصفها الآخرون بأنها شيعية وسيفرضون عليها ضرائب ظالمة وقاسية ، هل تمتلك خطة استراتيجية لحماية الشيعة في عموم العراق كما في الموصل وكركوك وصلاح الدين وديالى والأنبا ر وبغداد وبعض المدن العراقية ؟ ، ثم هل بالأمكان معالجة ملف المهجرين وإرجاعهم إلى أوطانهم معززين مكرمين محميين ؟ ، أم سنبني لهم مستوطنات في الوسط والجنوب ليزداد ويتضاعف حينئذٍ التهجير وتحت ذرائع شتى كما هو شأن الفلسطينيين ؟ ، أم أننا نقبل بسياسة تغيير خارطة العراق ديمغرافياً لجعل شمال العراق خالصاً للأكراد ، والمثلث السنّي وما يتبعها خالصاً للسنّة ، والوسط والجنوب خالصاً للشيعة ، وبغداد تصبح قاعدة للصراع والبقاء فيها للأقوى ؟ وهذا هو التقسيم بعينه الذي يرفضه الإسلام ويسعى الاحتلال لفرضه ولو بالقوة على المدى المنظور أو غير المنظور ضمن خارطة شرق أوسط جديد . وهذه التساؤلات يستطيع أن يجيب عنها كل عراقي من خلال معايشته ومشاهدته للواقع العراقي وكثرة الوعود فيه ، ولا توجد أي ضمانات واقعية يمكن طرحها والاعتماد عليها وذلك لتسلط الاحتلال على منافذ صنع القرار السياسي والعسكري والاقتصادي ، وتردي الأوضاع الأمنية في عموم العراق ، ولذا فالحكومة واقعة بين خيارين إما أن توصف بكونها قاصرة لما ذكرنا أو مقصرة وكلاهما يعجزان عن إعطاء ضمانات حقيقية للشعب العراقي .

فإذا حصل الأمر بهذا الشكل أو يحتمل حدوثه احتمالاً عقلائياً معتداً به ولو بصورة أقل حدّية مما هو مذكور فانّه سيكون كفيلاً لأن يقلب الحكم الأولي الذي فرضناه وهو الجواز إلى الحرمة ، لحاكمية العناوين الثانوية على الأولية ، وتبعاً لذلك يكون العمل والدعوة إلى النظام الفدرالي محرماً وباطلاً .
ولو لم يكن الأمر بهذه الخطورة ، فانّ التصرف بالبلاد وموارده مما لا يصار إلى غير أهله وحينئذٍ لابد من الرجوع إلى المرجعية الدينية في النجف الأشر ف لحسم الخلاف والقطع به إما بالجواز وإما بعدمه ، لتتضح صورة العاملين تحت غطاء شرعي ومن لا يعمل ، حتى تكون خطوط عمل العاملين واضحة ومفروزة عن الآخرين وكما هو مشهور عن كاشف الغطاء (ره) وهو أحد الشواهد ، انه نصب صريحاً " فتح علي شاه " سلطاناً على إيران وأعطاه الأجازة في تولية هذا المنصب . لأنه كما هو معلوم لا يكون في هذا المنصب في عصر الغيبة إلا فقيه ،أو وكيله الخاص ممن يسترشد برأي الفقيه ، أو غاصب معتدي ولكي تكون التصرفات شرعية للمتصدين لحكم العراق لا بد من تحصيل إجازة المرجعية الدينية وعدم القطع بالقضايا العراقية المصيرية مالم يعلم صراحةً تأييد المرجعية لذلك ، وليس هناك اليوم أخطر من موضوع
( الفدرالية ) والتصرفات المالية .
ثم انّنا جميعاً تضررنا وعانينا من ظلم صدام وزبانيته العبيد بالقهر والحبس والاضطهاد والإعدام والى الآن المعاناة مستمرة وقاسية حتى استشهد والدي الحجة المجاهد السيد كمال الدين المقدس الغر يفي (قدست نفسه الزكية ) بتاريخ 1\ 7\ 2005 م على أيدي التكفيريين والصداميين قاتلهم الله تعالى ،وقد أصابنا لذلك وغيره من المظالم ما لا يعلمه إلا الله وبعض الخيرين ، فكلنا إذن نبحث عن الخلاص والمخرج الصحيح والسليم مما نحن فيه ، ولكن هل الأنجرار والتأييد لتأسيس أقاليم فدرالية لأسباب عاطفية كما هي رغبة بعض العوام أو الساسة أو نتيجة مؤثرات خارجية تكون مسوغاً شرعياً وعقلائياً لقبول هذا العمل بعدما أوضحنا بعض الجوانب السلبية وما سيأتي بيانه .
ثم إن البلد الواحد وفي مثل هذه الظروف العصيبة والأليمة والتدخلات الخارجية من المحتلين وغيرهم حريٌٌِّ بأن يجمع المكونات العراقية بتنوعهم برباط الأخوة الوطنية التي تلغي الفوارق والعصبيات تحت حكومة موحدة قوية قادرة على دحر الإرهاب ، ونظام واحد يستطيع إدارة جميع البلاد ، ودستور أصيل يحفظ الحقوق للجميع .
ويتضح من خلال ما بيّناه إن الفدرالية في وضعنا الراهن لا تحمي الجميع ، وليست بعلاج للتوترات والأزمات والاختناقات مادام الخلل موجوداً وباقياً في الإنسان التكفيري والصدامي والانتهازي النفعي ، والعميل التابع لإرادة المحتل ، ومن يؤمن بانّ التنوع في الشعب العراقي سبباً راجحاً لصنع الفدرالية فانه يقع في الخطأ من جهة المنظور الديني والوطني لأنهما أقوى عنصرين في ربط وتقوية أواصر الشعب الرافضة لتقنين عمليات الفصل والعزلة بين أبناء الشعب الواحد ولو بنحو تدريجي ، بل التنوع والتداخل بين أبناء الشعب الواحد في جميع مناطق العراق يقوي من وحدة العراقيين بنسبة عالية ، بينما الفصل يضعف من هذه الوحدة ويقلل نسبة التلاحم بينهم ، ثم إن المكون الواحد داخل الشعب لا ينحصر في بقعة جغرافية واحدة حتى يمكن أن تتزايد نسبة المنفعة بالفدرالية ولكن أبناء المكون الواحد ينتشرون في عموم العراق فإذا حصل الانعزال في مساحة جغرافية محددة وأعلنوا إقليما لهم فسوف تنفصل هذه الأسر عن بعضها البعض ، وتتضاعف نسبة التهجير ألقسري كما ذكرنا أكثر مما عليه الآن والتي وصلت بحسب إحصائية وزارة الهجرة والمهجرين إلى ثلاثين ألف عائلة ولا يزال التهجير ألقسري مستمراً مع عجز الحكومة العراقية لأ يجاد مخرج ينقذ هذا التشريد الجماعي والذي يعتبر كارثةً إنسانية ، أو الحد منه ، ويزداد هذا الضغط على الشعب داخل الأقاليم بدوافع طائفية أو صدامية وتكفيرية أو عنصرية ليكونوا غرباء في أوطانهم . ولا تستطيع حكومة المركز مواجهة الموقف مباشرة لأنها ضعيفة دستوراً وقانوناً اتجاه حكومة الإقليم ، ولكنها تبدأ مخاطبات بين الحكومتين والتي لا تضر ولا تنفع ، لأنه ربما يكون حكومة الإقليم تمارس بنفسها إرهابا ممنهجاً وهو ما يحتمل قوياً حدوث مثل هذه الجرائم الممولة والمدعومة حتى من جهات خارجية ناهيك عن دور الاحتلال في ممارسة هذه اللعبة ، وبالتالي تضطر باقي الأقاليم لممارسة نفس هذا الأسلوب كرد فعل ، لتتوسع حينئذٍ دائرة التحدي والعناد إلى حروب يكون الشعب ضحية هذه السياسات الخاطئة ،فتزداد مأساة العراقيين وآلامهم .
وعليه ما يحتاجه الشعب العراقي اليوم هو حكومة وطنية أمينة وعادلة وقوية لشعب واحد وأرض واحدة ، وقضاء عادل وشجاع ، وأجهزة أمنية صالحة ونزيهة ومستقلة ، وجيش نظامي وطني مستقل ، ويُفترض ونحن نعيش في العراق (عصر الإرهاب ) أن لا ترفع شعارات غير صالحة للتطبيق كالديمقراطية ونحن أمام الإرهاب ، واستقلال القضاء وهو ضعيف وأمامه فساد كبير من الرشاوى حتى عرفت إحدى المحاكم
( بمحكمة الدفاتر العليا ) ، واستعمال صيغة( التوافق ) وهي تستغل كمحاصَّة ومساومة والتي هي احد أسباب العقم لأي نتاج حكومي ، ومصالحة وطنية يعقبها إفراج عن الإرهابيين ودخول في الحكومة لأجل إرضاء فلان وفلان ، في حين أن هذا وغيره هو اختراق ونخر في بنية الحكومة ، فانّ الإرهاب يستفيد من كل هذه المفردات ويحتمي بها ، لأنّه لا يؤمن بهذه المفاهيم ولديه أهداف ونحن نتحاور معه كحوار الطرشان ،
وبالتالي هذه الحكومة الصالحة العادلة والواعية والقوية هي التي ترعى الحقوق وتجمع المكونات الدينية المختلفة والمتخالفة والقوميات والأقليات برباط مقدّس وهو (الوطن) وتحارب بؤر الإرهاب وحاضنيه أينما حل وتمنع الفساد بكل أشكاله داخل الدولة وخارجها وهذه الحكومة الفعلية التي تحكم جميع العراق حكماً موحداً تكون أقوى وأفضل وأهيب وأقرب إلى الواقع الشرعي من حكومة الأقاليم والتي تكون فيها حكومة المركز صورية ، وعليه ينبغي أن نتمتع بالوعي وبُعد النظر والقوة والشجاعة والصبر ولا نخاف في الله لومة لائم لنبسط حاكميتنا العادلة على جميع ارض العراق ولا نفسح المجال للصداميين والتكفيريين والنفعيين من العبث والإفساد بأرض العراق والسيطرة على أجزاء منه بواسطة القانون والدستور تحت عنوان الفدرالية ، ونكون بعد ذلك قد مكنّاهم وجنينا على أنفسنا ، كالذي أولد سبب شقائه وفنائه.
ولا يخفى على أحد أنّ ما يتأثر بالنظام الفدرالي أيضا هو مرقد الإمامين العسكريين (عليهم السلام) والسيدتين حكيمة ونرجس (رض) ومقام الأمام الحجة بن الحسن (عج) في سامراء ، وكذا مرقد السيد الجليل(سيد محمد) (ع) والمعروف عنه بسبع الدجيل في منطقة بلد ، وما تمتاز هذه الأضرحة من تعظيم وتقديس ورموز طاهرة عند المسلمين وخصوصاً عند أتباع أهل البيت (ع) باعتبار العسكريين(ع) والإمام المهدي (عجل الله فرجه ) أئمة معصومين عندهم يمثلون تسلسل الأئمة – العاشر والحادي عشر والثاني عشر – فنقول حينئذٍ : لمن سيخضع أمر هذه الأضرحة المقدّسة ؟ ولأي إقليم يتبع ؟ وهل نتبرع به إلى الآخرين بمقتضى حاكميتهم للإقليم الذي تكون الأضرحة الطاهرة ضمن حدود جغرافيته ؟ ثم نتسامح ليقوم الإرهابيون بجعلها مرتعاً لهم ويستفيدوا من خيراتها ثمّ يفجروها وقت ما يشاءون بأسلوب بعيد عن الإنسانية والتحضر والأخلاق والتي هي تعبير واضح عن سلوكية المجرمين القتلة الذين يحاربون أولياء الله تعالى وأئمة المسلمين في حياتهم ويحرثون ويفجرون قبورهم المقدسة بعد استشهادهم كما فعل المتوكل العباسي ألناصبي وصدام المجرم وأزلامه والتكفيريون ، وهكذا هم الأحفاد والأتباع اليوم يمارسون نفس الدور في محاربة أتباع أهل البيت (ع) ويستعملون معهم سياسة الإقصاء ومصادرة الحقوق والقتل والتهجير ألقسري . أم تكون هذه المراقد المقدسة موضع نزاع يثير دائما التوتر ويزيد من الاحتقان ؟ أم انه يخضع إلى وزارة الأوقاف الموحدة ؟ أو الوقف الشيعي ؟ بحيث يمكن إن يأخذ طابعه الديني الصحيح في الإدارة والحماية والأذان والصلاة وحماية الزائرين له ضمن حكومة وطنية قوية موحدة . وما يثير العجب والسخرية اليوم هو صيرورة أحد مراقد الأئمة الأطهار (ع) مديوناً بأكثر من مليار دولار أمريكي ، فأين إذن واردات الأمام (ع) وأوقافه ؟ بل أين دور الأوقاف والتي خزينتها تزيد على ميزانية دولة؟
ولكي لا نطيل عليكم فانّ محصل ما ذكرنا هو أنّنا في المرحلة الأولى ،جعلنا النظام الاتحادي الفدرالي بحسب الحكم الأولي وعلى نحو التنزيل الجدلي والفرضي هو الجواز والحلّية بالشكل العام ولكن لمّا كانت العناوين الثانوية متوافرة ومتراكمة لاعتقاد الخطر والضرر البالغين والثابتين بالحس والمشاهدة كما هو واضح ولا أقل من منح وتمكين الإرهاب لأرض وقاعدة وحصانة يستغلوها للغزو والإفساد ، وهذا المنح والعطاء محرم بأقل مراتبه ، ولذا فأنّ هذه العناوين الثانوية كفيلة لئن تقلب الحكم الأولي بالجواز إلى الحكم الثانوي وهي الحرمة .
وأما المرحلة الثانية ، فانّ النظام الاتحادي الفدرالي مبني على الاتساع وليس التقسيم بناءً على ماهو ثابت في السيرة العقلائية والمتشرعية كما أوضحنا ذلك ، والتعدي من الاتساع إلى التضييق والتقسيم خلاف الأصل فيحتاج إلى دليل ،كما أنّ المصلحة العليا تقتضي بالبقاء على الأصل إضافة إلى إن هذا النظام الثابت بأدلة لبِّية فأنّه يقتصر فيه على القدر المتيقن وهو حالة التوسع وخلاف هذا يحتاج إلى دليل كما بيّنا ،وأكثر من هذا أن الفدرالية كنظام يمنح الإرهابيين والصداميين والعلمانيين وعملاء المحتل من استلام زمام الحكم في أقاليمهم وتحت ايِّ ظروف كانت ، آنية أو مستقبلية ، ويتسترون تحت ايِّ غطاء إذا اقتضت الضرورة ذلك فيكون هذا النظام مخالفا لخطوط حاكمية الإسلام على الساحة العالمية لأنّه يمكّن أعداء الإسلام من الحكم على الأرض ، كما انّه يتسامح ويفرط بحقوق الشيعة وهم الأكثرية في عموم العراق ، وهذا ضد مصلحة الإسلام والمسلمين .
وامّا المرحلة الثالثة ، فأنّه إذا استطاع الطرف الآخر إثبات عكس ما ثبت لدينا من حرمة وبطلان هذا النظام ، واثبات العكس احتمال في غاية الضعف ، فأنه سيواجه قضية التصرف بالبلاد والتي منها الفدرالية والتقسيم الجغرافي والأموال العامة وهذا التصرف بطبيعة الحال يحتاج إلى غطاء شرعي صريح من المرجعية الدينية في النجف الاشرف بمقتضى ولاية الفقيه على تلك الأمور ، وهذه الولاية كما بيّناها في كتابنا (نقض الحكم ألولائي) هي ولاية اتساعية تدريجية تتسع تدريجياً بمقتضى الحاجة الضرورية لها ولا تصل إلى مرتبة الولاية الكاملة التي هي لله سبحانه وللرسول (ص) والأئمة (ع) ، والولاية العامّة للفقهاء هي محض ادعاء ومجاز لأن العموم فيها ناقص بمراتب عظيمة ولا يمكن تدارك ذلك النقص والوصول إلى المرتبة الكاملة حتى بمراحل الأتساع والتدرج ، فالخلاف عند الفقهاء في مبانيهم الفقهية بين الولاية الخاصة والعامة هو لفظي ، لأنهم في مقام التطبيق والعمل والحاكمية لا يفرقون بينهما ، حيث لا يبقى الفقيه مكتوف اليد اتجاه المستحدثات من المسائل وتحديد أحكام الموضوعات، وإيجاد حلول ومخارج فقهيه لمعالجة الحوادث والأزمات ، ولا يعطل أو يعلق الفقيه تطبيق الأحكام والحدود في مرحلة بسط اليد (الحاكمية) إلى ظهور الأمام (عج) لأنّ هذا يُعدّ من القصور أو التقصير وحاشا فقهائنا الذين تستجمع فيهم الشرائط أن يصلوا إلى هذه المرحلة مع قدرتهم على التطبيق والتنفيذ ، لما عرف عن الجميع بالتقوى والصلاح فتأملوا هذا بشكل منصف.
وندعوا الله سبحانه وتعالى دائماً الخلاص من الصداميين والتكفيريين وقوى الاحتلال فإنهم رموز الشر والإرهاب في العراق و العالم ، ونبتهل إلى ألعلي القدير أن يحفظ العراق ووحدته أرضاً وشعباً ، وينعم عليه بالسلام والأمان والازدهار وحكومة وطنية عادلة وقوية وشجاعة آمين رب العالمين ، وصلّي اللهم على سيدنا محمد الأكرم وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين وصحبه المنتجين .


أبو الحسن
حميد المقدّس الغريفي
النجف الأشرف
1- جمادى الآخرة- 1427 هجري


آخر تعديل abo _mohammed يوم 09-01-2006 في 07:43 PM.
رد مع اقتباس
قديم 09-01-2006, 07:48 PM   رقم المشاركة : 3
الكاتب

abo _mohammed

المشــرف العــــام

abo _mohammed غير متواجد حالياً


الملف الشخصي









abo _mohammed غير متواجد حالياً


مشاركة: البداية والنهاية الجزء الرابع عشر

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


اهلا وسهلا اخونا عابدين مشكور على المشاركه شكرا

ودائما في انتطار مشاركاتكم


التوقيع :



قال تعالى :
{وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ}
[فصلت:33]






رد مع اقتباس
قديم 09-01-2006, 07:55 PM   رقم المشاركة : 4
الكاتب

أفاق : الاداره

مراقب

مراقب

أفاق : الاداره غير متواجد حالياً


الملف الشخصي









أفاق : الاداره غير متواجد حالياً


مشاركة: البداية والنهاية الجزء الرابع عشر

تتمة الملف البداية والنهاية الجزء الرابع عشر جزءنا الملف لصعوقبة التصفح وسنجزء الباقي


محمد بن سليمان بن حمايل بن علي المقدسي المعروف بابن غانم وكان من اعيان الناس وأكثرهم مروءة ودرس بالعصرونية توفي وقد جاوز الثمانين كان من الكتاب المشهورين المشكورين وهو والد الصدر علاء الدين بن غانم
*3* الشيخ جمال الدين ابو محمد

@ عبد الرحيم بن عمر بن عثمان الباجريقي الشافعي اقام مدة بالموصل يشتغل ويفتى ثم قدم دمشق عام قازان فمات بها وكان قد أقام بها مدة كذلك ودرس بالقليجية والدولعية وناب في الخطابة ودرس بالغزالية نيابة عن الشمس الأيكي وكان قليل الكلام مجموعا عن الناس وهو والد الشمس محمد المنسوب الى الزندقة والانحلال وله اتباع ينسبون الى ما ينسب اليه ويعكفون على ما كان يعكف عليه وقد حدث جمال الدين المذكور بجامع الأصول عن بعض اصحاب مصنفات ابن الأثير وله نظم ونثر حسن والله سبحانه اعلم

*2* ثم دخلت سنة سبعمائة من الهجرة النبوية

@
استهلت والخليفة والسلطان ونواب البلاد والحكام بها هم المذكورون في التي قبلها غير الشافعي والحنفي ولما كان ثالث المحرم جلس المستخرج لاستخلاص اجرة اربعة أشهر عن جميع أملاك الناس وأوقافهم بدمشق فهرب اكثر الناس من البلد وجرت خبطة قوية وشق ذلك على الناس جدا
وفي مستهل صفر وردت الأخبار بقصد التتر بلاد الشام وأنهم عازمون على دخول مصر فانزعج الناس لذلك وازدادوا ضعفا على ضعفهم وطاشت عقولهم وألبابهم وشرع الناس في الهرب الى بلاد مصر والكرك والشوبك والحصون المنيعة فبلغت الحمارة الى مصر خمسمائة وبيع الجمل بألف والحمار بخمسمائة وبيعت الأمتعة والثياب والمغلات بأرخص الأثمان وجلس الشيخ تقي الدين ابن تيمية في ثاني صفر بمجلسه في الجامع وحرض الناس على القتال وساق لهم الآيات والأحاديث الواردة في ذلك ونهى عن الإسراع في الفرار ورغب في إنفاق الاموال في الذب عن المسلمين وبلادهم وأموالهم وأن ما ينفق في اجرة الهرب اذا انفق في سبيل الله كان خيرا واوجب جهاد التتر حتما في هذه الكرة وتابع المجالس في ذلك ونودي في البلاد لا يسافر احد إلا بمرسوم وورقة فتوقف الناس عن السير وسكن جأشهم وتحدث الناس بخروج السلطان من القاهرة بالعساكر ودقت البشائر لخروجه لكن كان قد خرج جماعة من بيوتات دمشق كبيت ابن صصرى وبيت ابن فضل الله وابن منجا وابن سويد وابن الزملكاني وابن جماعة
وفي اول ربيع الآخر قوى الارجاف بأمر التتر وجاء الخبر بأنهم قد وصلوا الى البيرة ونودي
في البلد ان تخرج العامة مع العسكر وجاء مرسوم النائب من المرج بذلك فاستعرضوا في أثناء الشهر فعرض نحو خمسة آلاف من العامة بالعدة والاسلحة على قدر طاقتهم وقنت الخطيب ابن جماعة في الصلوات كلها واتبعه ائمة المساجد وأشاع المرجفون بأن التتر قد وصلوا الى حلب وأن نائب حلب تقهقر الى حماة ونودي في البلد يتطييب قلوب الناس واقبالهم علىمعايشهم وان السلطان والعساكر واصلة وأبطل ديوان المستخرج وأقيموا ولكن كانوا قد استخرجوا أكثر مما أمروا به وبقيت بواقي على الناس الذين قد اختفوا فعفى عما بقي ولم يرد ما سلف لا جرم ان عواقب هذه الأفعال خسر ونكر وأن اصحابها لا يفلحون ثم جاءت الأخبار بان سلطان مصر رجع عائدا الى مصر بعد ان خرج منها قاصدا الشام فكثر الخوف واشتد الحال وكثرت الامطار جدا وصار بالطرقات من الأوحال والسيول ما يحول بين المرء وبين ما يريده من الانتشار في الأرض والذهاب فيها فإنا لله وانا إليه راجعون

وخرج كثير من الناس خفافا وثقالا يتحملون بأهليهم وأولادهم والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون وجعلوا يحملون الصغار في الوحل الشديد والمشقة على الدواب والرقاب وقد ضعفت الدواب من قلة العلف مع كثرة الأمطار والزلق والبرد الشديد والجوع وقلة الشيء فلا حول ولا قوة الا بالله
واستهل جمادي الاولى والناس على خطة صعبة من الخوف وتأخر السلطان واقترب العدو وخرج الشيخ تقي الدين بن يتيمة رحمه الله تعالى في مستهل هذا الشهر وكان يوم السبت الى نائب الشام في المرج فثبتهم وقوى جأشهم وطيب قلوبهم ووعدهم النصر والظفر على الأعداء وتلا قوله تعالى ومن عاقب بمثل ما عوقب به ثم بغى عليه لينصرنه الله إن الله لعفو غفور وبات عند العسكر ليلة الاحد ثم عاد الى دمشق وقد سأله النائب والامراء ان يركب على البريد الى مصر يستحث السلطان على المجيء فساق وراء السلطان وكان السلطان قد وصل الى الساحل فلم يدركه الا وقد دخل القاهرة وتفارط الحال ولكنه استحثهم على تجهيز العساكر الى الشام إن كان لهم به حاجة وقال لهم فيما قال ان كنتم اعرضتم عن الشام وحمايته أقمنا له سلطانا يحوطه ويحميه ويستغله في زمن الأمن ولم يزل بهم حتى جردت العساكر الى الشام ثم قال لهم لو قدر انكم لستم حكام الشام ولا ملوكه واستنصركم أهله وجب عليكم النصر فكيف وأنتم حكامه وسلاطينه وهم رعايتكم وانتم مسؤلون عنهم وقوى جأشهم وضمن لهم النصر هذه الكرة فخرجوا الى الشام فلما تواصلت العساكر الى الشام فرح الناس فرحا شديدا بعد ان كانوا قد يئسوا من أنفسهم وأهليهم وأموالهم ثم قويت الأراجيف بوصول التتر وتحقق عود السلطان الى مصر ونادى ابن النحاس متولي البلد في الناس من قدر على السفر فلا يقعد بدمشق فتصايح النساء والولدان ورهق الناس
ذلة عظيمة وخمدة وزلولوا زلزالا شديدا وغلقت الاسواق وتيقنوا ان لا ناصر لهم الا الله عز وجل وأن نائب الشام لما كان فيه قوة مع السلطان عام اول لم يقو على التقاء جيش التتر فكيف به الآن وقد عزم على الهرب ويقولون ما بقي اهل دمشق الا طعمة العدو ودخل كثير من الناس الى البراري والقفار والمغر بأهليهم من الكبار والصغار ونودي في الناس من كانت نيته الجهاد فليلحق بالجيش فقد اقترب وصول التتر ولم يبق بدمشق من أكابرها الا القليل وسافر ابن جماعة والحريري وابن صصرى وابن منجا وقد سبقهم بيوتهم الى مصر وجاءت الاخبار بوصول التتر الى سرقين وخرج الشيخ زين الدين الفارقي والشيخ إبراهيم الرقي وابن قوام وشرف الدين بن تيمية وابن خبارة الى نائب السلطنة الافرم فقووا عزمه على ملاقاة العدو واجتمعوا بمهنا امير العرب فحرضوه على قتال العدو فأجابهم بالسمع والطاعة وقويت نياتهم على ذلك وخرج طلب سلار من دمشق الى ناحية المرج واستعدوا للحرب والقتال بنيات صادقة
ورجع الشيخ تقي الدين بن تيمية من الديار المصرية في السابع والعشرين من جمادي الأولى على البريد وأقام بقلعة مصر ثمانية أيام يحثهم على الجهاد والخروج الى العدو وقد اجتمع بالسلطان والوزير وأعيان الدولة فأجباوه الى الخروج وقد غلت الاسعار بدمشق جدا حتى بيع خاروفان بخمسمائة درهم واشتد الحال ثم جاءت الاخبار بأن ملك التتار قد خاض الفرات راجعا عامة ذلك لضعف جيشه وقلة عددهم فطابت النفوس لذلك وسكن الناس وعادوا الى منازلهم منشرحين آمنين مستبشرين ولما جاءت الأخبار بعدم وصول التتار الى الشام في جمادي الأخرة تراجعت أنفس الناس اليهم وعاد نائب السلطنة الى دمشق وكان مخيما في المرج من مدة أربعة أشهر متتابعة وهو من اعظم الرباط وتراجع الناس الى أوطانهم وكان الشيخ زين الدين الفارقي قد درس بالناصرية لغيبة مدرسها كمال الدين بن الشريشني بالكرك هاربا ثم عاد اليها في رمضان وفي أواخر الشهر درس ابن الزكي بالدولعية عوضا عن جمال الدين الزرعي لغيبته وفي يوم الاثنين قرئت شروط الذمة على أهل الذمة وألزموا بها واتفقت الكلمة على عزلهم عن الجهات وأخذوا بالصغار ونودي بذلك في البلد وألزم النصارى بالعمائم الزرق واليهود بالصفر والسامرة بالحمر فحصل بذلك خير كثير وتميزوا عن المسلمين وفي عاشر رمضان جاء المرسوم بالمشاركة بين أرجواش والأمير سيف الدين اقبجا في نيابة القلعة وأن يركب كل واحد منهما يوما ويكون الآخر بالقلعة يوما فامتنع ارجواش من ذلك
وفي شوال درس بالاقبالية الشيخ شهاب الدين بن المجد عوضا عن علاء الدين القونوي بحكم إقامته بالقاهرة وفي يوم الجمعة الثالث عشر من ذي القعدة عزل شمس الدين بن الحريري عن قضاء الحنفية بالقاضي جلال الدين بن حسام الدين على قاعدته وقاعدة أبيه وذلك باتفاق من
الوزير شمس الدين سنقر الأعسر ونائب السلطان الأفرم وفيها وصلت رسل ملك التتار الى دمشق فأنزلوا بالقلعة ثم ساروا الى مصر وممن توفي فيها من الاعيان
*3* الشيخ حسن الكردي
@ المقيم بالشاغور في بستان له يأكل من غلته ويطعم من ورد عليه وكان يزار فلما احتضر اغتسل وأخذ من شعره واستقبل القبلة وركع ركعات ثم توفي رحمه الله يوم الاثنين الرابع جمادي الاولى وقد جاوز المائة سنة
*3* الطواشي صفي الدين جوهر التفليسي
@ المحدث اعتنى بسماع الحديث وتحصيل الأجزاء وكان حسن الخلق صالحا لين الجانب رجلا حاميا زكيا ووقف أجزاءه التي ملكها على المحدثين
*3* الأمير عز الدين
@ محمد بن ابي الهيجاء بن محمد الهيدباني الأربلي متولي دمشق كان لديه فضائل كثيرة في التواريخ والشعر وربما جمع شيئا في ذلك وكان يسكن بدرب سعور فعرف به فيقال درب ابن أبي الهيجاء وهو أول منزل نزلناه حين قدمنا دمشق في سنة ست وسبعمائة ختم الله لي بخير في عافية آمين توفي ابن ابي الهيجاء في طريق مصر وله ثمانون سنة وكان مشكور السيرة حسن المحاضرة
*3* الأمير جمال الدين آقوش الشريفي
@ والي الولاة بالبلاد القبلية توفي في شوال وكانت له هيبة وسطوة وحرمة
*2* ثم دخلت سنة إحدى وسبعمائة
@ استهلت والحكام هم المذكورون في التي قبلها والأمير سيف الدين سلار بالشام ونائب دمشق الأفرم وفي أولها عزل الامير قطلبك عن نيابة البلاد الساحلية وتولاها الأمير سيف الدين استدمر وعزل عن وزارة مصر شمس الدين الأعسر وتولي سيف الدين أقجبا المنصوري نيابة غزة وجعل عوضه بالقلعة الامير سيف الدين بهادر السيجري وهو من الرحبة وفي صفر رجعت رسل ملك التتر من مصر الى دمشق فتلقاهم نائب السلطنة والجيش والعامة وفي نصف صفر ولي تدريس النورية الشيخ صدر الدين على البصراوي الحنفي عوضا عن الشيخ ولي الدين السمرقندي وإنما كان وليها ستة أيام ودرس بها أربعة دروس بعد بني الصدر سليمان توفي وكان من كبار الصالحين يصلي كل يوم مائة ركعة وفي يوم الأربعاء تاسع عشر ربيع الأول جلس قاضي القضاة وخطيب الخطباء بدر الدين بن جماعة بالخانقاه الشمساطية شيخ الشيوخ بها عن طلب الصوفية له بذلك ورغبتهم فيه وذلك بعد وفاة الشيخ يوسف بن حمويه الحموي وفرحت الصوفية به وجلس حوله ولم تجتمع هذه المناصب لغيره قبله ولا بلغنا انها اجتمعت الى احد بعده الى زماننا هذا القضاء والخطابة ومشيخة الشيوخ وفي يوم الاثنين الرابع والعشرين من ربيع الأول وقتل الفتح احمد بن الثقفي بالديار المصرية حكم فيه القاضي زين الدين بن مخلوف المالكي بما ثبت عنده من تنقيصه للشريعة واستهزائه بالآيات المحكمات ومعارضة المشتبهات بعضها ببعض يذكر عنه انه كان يحل المحرمات من اللواط والخمر وغير ذلك لمن كان يجتمع فيه من الفسقة من الترك وغيرهم من الجهلة هذا وقد كان له فضيلة وله اشتغال وهيئة جميلة في الظاهر وبزته ولبسته جيدة ولما أوقف عند شباك دار الحديث الكاملية بين القصرين استغاث بالقاضي تقي الدين بن دقيق العيد فقال ما تعرف مني فقال اعرف منك الفضيلة ولكن حكمك الى القاضي زين الدين فأمر القاضي للوالي ان يضرب عنقه فضرب عنقه وطيف برأسه في البلد ونودي عليه هذا جزاء من طعن في الله ورسوله قال البرزالي في تاريخه وفي وسط شهر ربيع الأول ورد كتاب من بلاد حماة من جهة قاضيها يخبر فيه انه وقع في هذه الأيام ببارين من عمل حماة برد كبار على صور حيوانات مختلفة شقى سباع وحيات وعقارب وطيور ومعز ونساء ورجال في أوساطهم حوائص وأن ذلك ثبت بمحضر عند قاضي الناحية ثم نقل ثبوته الى قاضي حماة وفي يوم الثلاثاء عاشر ربيع الأخر شنق الشيخ على الحويرالي بواب الظاهرية على بابها وذلك انه اعترف بقتل الشيخ زين الدين السمرقندي وفي النصف منه حضر القاضي بدر الدين بن جماعة تدريس الناصرية الجوانية عوضا عن كمال الدين ابن الشريشي ودلك انه ثبت محضر انها لقاضي الشافعية بدمشق فانتزعها من يد ابن الشريشي وفي يوم الثلاثاء التاسع والعشرين من جمادي الاولى قدم الصدر علاء الدين بن شرف الدين بن القلانسي على أهله من التتر بعد أسر سنتين وأياما وقد حبس مدة ثم لطف الله به وتلطف حتى تخلص منهم ورجع الى أهله ففرحوا به
وفي سادس جمادي الآخرة قدم البريد من القاهرة وأخبر بوفاة أمير المؤمنين الخليفة الحاكم بأمر الله العباسي وأن ولده ولي الخلافة من بعده وهو أبو الربيع سليمان ولقب بالمستكفي بالله وأنه حضر جنازته الناس كلهم مشاة ودفن بالقرب من الست نفيسة وله اربعون سنة في الخلافة وقدم مع البريد تقليد بالقضاء لشمس الدين الحريري الحنفي ونظر الدواوين لشرف الدين بن مزهر واستمرت الخاتونية الجوانية بيد القاضي جلال الدين بن حسام الدين بإذن نائب السلطنة وفي يوم الجمعة تاسع جمادي الآخرة خطب للخليفة المستكفي بالله وترحم على والده بجامع دمشق واعيدت الناصرية الى ابن الشريشي وعزل عنها ابن جماعة ودرس بها يوم الأربعاء الرابع عشر من جمادي الآخرة وفي شوال قدم الى الشام جراد عظيم اكل الزرع والثمار وجرد الاشجار حتى صارت مثل العصى ولم يعهد مثل هذا وفي هذا الشهر عقد مجلس لليهود الخيابرة وألزموا باداء الجزية أسوة أمثالهم من اليهود فأحضروا كتابا معهم يزعمون انه من رسول الله صلى الله عليه وسلم بوضع الجزية عنهم فلما وقف عليه الفقهاء تبينوا انه مكذوب مفتعل لما فيه من الألفاظ الركيكة والتواريخ المحبطة واللحن الفاحش وحاققهم عليه شيخ الاسلام ابن تيمية وبين لهم خطأهم وكذبهم وأنه مزور مكذوب فأنابوا الى أداء الجزية وخافوا من ان تستعاد منهم الشئون الماضية قلت وقد وقفت انا على هذا الكتاب فرأيت فيه شهادة سعد بن معاذ عام خيبر وقد توفي سعد قبل ذلك بنحو من سنتين وفيه وكتب علي بن طالب وهذا لحن لا يصدر عن أمير المؤمنين علي لأن علم النحو إنما أسند اليه من طريق ابي الاسود الدؤلي عنه وقد جمعت فيه جزءا مفردا وذكرت ما جرى فيه أيام القاضي المارودي وكتاب أصحابنا في ذلك العصر وقد ذكره في الحاوي وصاحب الشامل في كتابه وغير واحد وبينوا خطأه ولله الحمد والمنة
وفي هذا الشهر ثار جماعةمن الحسدة على الشيخ تقي الدين بن تيمية وشكوا منه انه يقيم الحدود ويعزر ويحلق رؤس الصبيان وتكلم هو أيضا فيمن يشكو منه ذلك وبين خطأهم ثم سكنت الأمور وفي ذي القعدة ضربت البشائر بقلعة دمشق أياما بسبب فتح اماكن من بلاد سيس عنوة ففتحها المسلمون ولله الحمد وفيه قدم عز الدين بن ميسر على نظر الدواوين عوضا عن ابن مزهر وفي يوم الثلاثاء رابع ذي الحجة حضر عبدالسيد بن المهذب ديان اليهود الى دار العدل ومعه اولاده فأسلموا كلهم فأركمهم نائب السلطنة وأمر ان يركب بخلعة وخلفه الدبادب تضرب والبوقات الى داره وعمل ليلتئذ ختمة عظيمة حضرها القضاة والعلماء وأسلم على يديه جماعة كبيرة من اليهود وخرجوا يوم العيد كلهم يكبرون مع المسلمين وأكرمهم الناس إكراما زائدا وقدمت رسل ملك التتار في سابع عشر ذي الحجة فنزلوا بالقلعة وسافروا الى القاهرة بعد ثلاثة أيام وبعد مسيرهم بيومين مات ارجواس وبعد موته بيومين قدم الجيش من بلاد سيس وقد فتحوا جانبا منها فخرج نائب السلطنة والجيش لتلقيهم وخرج الناس للفرجة على العادة وفرحوا بقدومهم ونصرهم وممن توفي فيها من الأعيان
*3* أمير المؤمنين الخليفة الحاكم بأمر الله
@ ابو العباس أحمد بن المسترشد بالله الهاشمي العباسي البغدادي المصري بويع بالخلافة بالدولة الظاهرية في أول سنة إحدى وستين وستمائة فاستكمل اربعين سنة في الخلافة وتوفي ليلة الجمعة ثامن عشر جمادي الأولى وصلى عليه وقت صلاة العصر بسوق الخيل وحضر جنازته الاعيان والدولة كلهم مشاة وكان قد عهد بالخلافة الى ولده المذكور ابي الربيع سليمان


التوقيع :


اللهم صل على سيدنا محمد عبدك ونبيك ورسولك
النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم تسليما عدد مااحاط به علمك
وخط به قلمك واحصاه كتابك
وارض اللهم عن سادتنا ابي بكر وعمر وعثمان وعلي
وعن الصحابة أجمعين وعن التابعين وتابعيهم بإحسان الى يوم الدين





رد مع اقتباس
قديم 09-01-2006, 08:19 PM   رقم المشاركة : 5
الكاتب

أفاق : الاداره

مراقب

مراقب

أفاق : الاداره غير متواجد حالياً


الملف الشخصي









أفاق : الاداره غير متواجد حالياً


مشاركة: البداية والنهاية الجزء الرابع عشر

*3* خلافة المستكفي بالله
@
*3* أمير المؤمنين ابن الحاكم بأمر الله العباسي
@ لما عهد اليه كتب تقليده بذلك وقرئ بحضرة السلطان والدولة يوم الأحد العشرين من ذي الحجة من هذه السنة وخطب له على المنابر بالبلاد المصرية والشامية وسارت بذلك البريدية الى جميع البلاد الاسلامية وفي فيها
*3*الأمير عز الدين
@ أيبك بن عبد الله النجيبي الدويدار والي دمشق واحد أمراء الطبلخانة بها وكان مشكور السيرة ولم تطل مدته ودفن بقاسيون توفي يوم الثلاثاء سادس عشر ربيع الأول
*3* الشيخ الإمام العالم شرف الدين أبو الحسن
@ علي بن الشيخ الامام العالم العلامة الحافظ الفقيه تقي الدين ابي عبد الله محمد بن الشيخ ابي الحسن احمد بن عبد الله بن عيسى بن أحمد بن محمد اليونيني البعلبكي وكان أكبر من أخيه الشيخ قطب الدين بن الشيخ الفقيه ولد شرف الدين سنة احدى وعشرين وستمائة فأسمعه ابوه الكثير واشتغل وتفقه وكان عابدا عاملا كثير الخشوع دخل عليه إنسان وهو بخزانة الكتب فجعل يضربه بعصا في رأسه ثم بسكين فبقي متمرضا أياما ثم توفي الى رحمة الله يوم الخميس حادي عشر رمضان ببعلبك ودفن بباب بطحا وتأسف الناس عليه لعلمه وعمله وحفظه الأحاديث وتودده الى الناس وتواضعه وحسن سمته ومرؤءته تغمده الله برحمته
*3* الصدر ضياء الدين
@ احمد بن الحسين بن شيخ السلامية والد القاضي قطب الدين موسى الذي تولى فيها بعد نظر الجيش بالشام وبمصر أيضا توفي يوم الثلاثاء عشرين ذي القعدة ودفن بقاسيون وعمل عزاؤه بالرواحية
*3* الأمير الكبير المرابط المجاهد
@ علم الدين ارجواش بن عبد الله المنصوري نائب القلعة بالشام كان ذا هيبة وهمة وشهامة وقصد صالح قدر الله على يديه حفظ معقل المسلمين لما ملكت التتار الشام أيام قازان وعصت عليهم القلعة ومنعها الله منهم على يدي هذا الرجل فإنه التزم ان لا يسملها اليهم ما دام بها عين تطرف واقتدت بها بقية القلاع الشامية وكانت وفاته بالقلعة ليلة السبت الثاني والعشرين من ذي الحجة وأخرج منها ضحوة يوم السبت فصلى عليه وحضر نائب السلطنة فمن دونه جنازته ثم حمل الى سفح قاسيون ودفن بتربته رحمه الله
*3* الأبرقوهي المسند المعمر المصري
@
هو الشيخ الجليل المسند الرحلة بقية السلف شهاب الدين ابو المعالي أحمد بن إسحاق بن محمد ابن المؤيد بن علي بن إسماعيل بن أبي طالب الأبرقوهي الهمداني ثم المصري ولد بأبرقوه من بلاد شيراز في رجب او شعبان سنة خمس عشرة وستمائة وسمع الكثير من الحديث على المشايخ الكثرين وخرجت له مشيخات وكان شيخا حسنا لطيفا مطيقا توفي بمكة بعد خروج الحجيج بأربعة أيام رحمه الله وفيها توفي
*3* صاحب مكة
@
الشريف ابو نمي محمد بن الأمير ابي سعد حسن بن علي بن قتادة الحسني صاحب مكة منذ اربعين سنة وكان حليما وقورا ذا رأي وسياسة وعقل ومروءة وفيها ولد كاتبه إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي المصري الشافعي عفا الله عنه والله سبحانه اعلم
*2* ثم دخلت سنة اثنتين وسبعمائة من الهجرة
@ استهلت والحكام هم المذكورون في التي قبلها وفي يوم الأربعاء ثاني صفر فتحت جزيرة أرواد بالقرب من أنطرسوس وكانت من أضر الأماكن على أهل السواحل فجاءتها المراكب من الديار المصرية في البحر وأردفها جيوش طرابلس ففتحت ولله الحمد نصف النهار وقتلوا من أهلها قريبا من ألفين وأسروا قريبا من خمسمائة وكان فتحها من تمام فتح السواحل وأراح الله المسلمين من شر أهلها وفي يوم الخميس السابع عشر من شهر صفر وصل البريد الى دمشق فأخبر بوفاة قاضي القضاة ابن دقيق العيد ومعه كتاب من السلطان الى قاضي القضاة ابن جماعة فيه تعظيم له واحترام وإكرام يستدعيه الى قربه ليباشر وظيفة القضاء بمصر على عادته فتهيأ لذلك ولما خرج خرج معه نائب السلطنة الأفرم وأهل الحل والعقد وأعيان الناس ليودعوه وستأتي ترجمة ابن دقيق العيد في الوفيات ولما وصل ابن جماعة الى مصر أكرمه السلطان إكراما زائدا وخلع عليه خلعة صوف وبغلة تساوي ثلاثة آلاف درهم وباشر الحكم بمصر يوم السبت رابع ربيع الأول ووصلت رسل التتار في أواخر ربيع الأول قاصدين بلاد مصر وباشر شرف الدين الفزاري مشيخة دار الحديث الظاهرية يوم الخميس ثامن ربيع الآخر عوضا عن شرف الدين الناسخ وهو أبو حفص عمر بن محمد بن عمر بن حسن بن خواجا إمام الفارسي توفي بها عن سبعين سنة وكان فيه بر ومعروف وأخلاق حسنة رحمه الله
وذكر الشيخ شرف الدين المذكور درسا مفيدا وحضر عنده جماعة من الأعيان وفي يوم الجمعة حادي عشر جمادي الأولى خلع على قاضي القضاة نجم الدين بن صصرى بقضاء الشام عوضا عن ابن جماعة وعلى الفارقي بالخطابة وعلى الأمير ركن الدين بيبرس العلاوي بشد الدواوين وهنأهم الناس وحضر نائب السلطنة والأعيان المقصورة لسماع الخطبة وقرئ تقليد ابن صصرى بعد الصلاة ثم جلس في الشباك الكمالي وقرئ تقليده مرة ثانية وفي جمادي الاولى وقع بيد نائب السلطنة كتاب مزور فيه ان الشيخ تقي الدين بن تيمية والقاضي شمس الدين بن الحريري وجماعة من الأمراء والخواص الذين بباب السلطنة يناصحون التتر ويكاتبوهم ويرويدون تولية قبجق على الشام وأن الشيخ كمال الدين بن الزملكاني يعلمهم بأحوال الأمير جمال الدين الأفرم وكذلك كمال الدين بن العطار فلما وقف عليه نائب السلطنة عرف ان هذا مفتعل ففحص عن واضعه فإذا هو فقير كان مجارا بالبيت الذي كان مجاور محراب الصحابة يقال له اليعفوري وآخر معه يقال له أحمد الغناري وكانا معروفين بالشر والفضول ووجد معهما مسودة هذا الكتاب فتحقق نائب السلطنة ذلك فعزرا تعزيرا عنيفا ثم وسطا بعد ذلك وقطعت يد الكاتب الذي كتب لهما هذا الكتاب وهو التاج المناديلي وفي أواخر جمادي الأولى انتقل الأمير سيف الدين بلبان الجوكندار المنصوري الى نيابة القلعة عوضا عن ارجواش
*3* عجيبة من عجائب البحر
@ قال الشيخ علم الدين البرزالي في تاريخه قرأت في بعض الكتب الواردة من القاهرة أنه لما كان بتاريخ يوم الخميس رابع جمادي الآخرة ظهرت دابة من البحر عجيبة الخلقة من بحر النيل الى أرض المنوفية بين بلاد منية مسعود واصطباري والراهب وهذه صفتها لونها لون الجاموس بلا شعر وآذانها كآذان الجمل وعيناها وفرجها مثل الناقة يغطي فرجها ذنب طوله شبر ونصف كذنب السمكة ورقبتها مثل غلظ التنين المحشو تبنا وفمها وشفتاها مثل الكربال ولها أربعة أنياب اثنان من فوق واثنان من أسفل طول كل واحد دون الشبر في عرض اصبعين وفي فمها ثمان وأربعون ضرسا وسن مثل بيادق الشطرنج وطول يديها من باطنها الى الارض شبران ونصف ومن ركبتها الى حافرها مثل بطن الثعبان اصفر مجعد ودور حافرها مثل السكرجة بأربعة أظافير مثل أظافير الجمل وعرض ظهرها مقدار ذراعين ونصف وطولها من فمها الى ذنبها خمسة عشر قدما وفي بطنها ثلاثة كروش ولحمها أحمر وزفر مثل السمك وطعمه كلحم الجمل وغلظه أربعة أصابع ما تعمل فيه السيوف وحمل جلدها على خمسة جمال في مقدار ساعة من ثقله على جمل بعد جمل وأحضروه الى بين يدي السلطان بالقلعة وحشوه تبنا وأقاموه بين يديه والله أعلم
وفي شهر رجب قويت الأخبار بعزم التتار على دخول بلاد الشام فانزعج الناس لذلك واشتد خوفهم جدا وقنت الخطيب في الصلوات وقرئ البخاري وشرع الناس في الجفل الى الديار المصرية والكرك والحصون المنيعة وتأخر مجيء العساكر المصرية عن إبانها فاشتد لذلك الخوف وفي شهر رجب باشر نجم الدين بن أي الطيب نظر الخزانة عوضا عن أمين الدين سليمان وفي يوم السبت ثالث شعبان باشر مشيخة الشيوخ بعد ابن جماعة القاضي ناصر الدين عبد السلام وكان جمال الدين الزرعي يسد الوظيفة الى هذا التاريخ وفي يوم السبت عاشر شعبان ضربت البشائر بالقلعة وعلى أبواب الأمراء بخروج السلطان بالعساكر من مصر لمناجزة التتار المخذولين وفي هذا اليوم بعينه كانت وقعة غرض وذلك انه التقى جماعة من أمراء الاسلام فيهم استدمرو بها درأخي وكجكن وغرلوا العادلي وكل منهم سيف من سيوف الدين في ألف وخمسمائة فارس وكان التتار في سبعة آلاف فاقتتلوا وصبر المسلمون صبرا جيدا فنصرهم الله وخذل التتر فقتلوا منهم خلقا وأسروا آخرين وولوا عند ذلك مدبرين وغنم المسلمون منهم غنائم وعادوا سالمين لم يفقد منهم الا القليل ممن اكرمه الله بالشهادة ووقعت البطاقة بذلك ثم قدمت الأسارى يوم الخميس نصف شعبان وكان يوم خميس النصارى
*3* اوائل وقعة شقحب
@ وفي ثامن عشر قدمت طائفة كبيرة من جيش المصريين فيهم الامير ركن الدين بيبرس الجاشنكير والامير حسام الدين لاجين المعروف بالاستادار المنصوري والامير سيف الدين كراي المنصوري ثم قدمت بعدهم طائفة اخرى فيهم بدر الدين امير سلاح وأيبك الخزندار فقويت القلوب واطمأن كثير من الناس ولكن الناس في جفل عظيم من بلاد حلب وحماة وحمص وتلك النواحي وتقهقر الجيش الحلبي والحموي الى حمص ثم خافوا ان يدهمهم التتر فجاؤا فنزلوا المرج يوم الاحد خامس شعبان ووصل التتار الى حمص وبعلبك وعاثوا في تلك الاراضي فسادا وقلق الناس قلقا عظيما وخافوا خوفا شديدا واختبط البلد لتأخر قدوم السلطان ببقية الجيش وقال الناس لا طاقة لجيش الشام مع هؤلاء المصريين بلقاء التتار لكثرتهم وإنما سبيلهم ان يتأخروا عنهم مرحلة مرحلة وتحدث الناس بالاراجيف فاجتمع الامراء يوم الاحد المذكور بالميدان وتحالفوا على لقاء العدو وشجعوا أنفسهم ونودي بالبلد أن لا يرحل احد منه فسكن الناس وجلس القضاة بالجامع وحلفوا جماعة من الفقهاء والعامة على القتال وتوجه الشيخ تقي الدين بن تيمية الى العسكر الواصل من حماة فاجتمع بهم في القطيعة فأعلمهم بما تحالف عليه الامراء والناس من لقاء العدو فأجابوا الى ذلك وحلفوا معهم وكان الشيخ تقي الدين بن تيمية يحلف للأمراء والناس إنكم في هذه الكرة منصورون فيقول له الأمراء قل إن شاء الله فيقول إن شاء الله تحقيقا لا تعليقا وكان يتأول في ذلك اشياء من كتاب الله منها قوله تعالى ومن بغى عليه لينصرنه الله

استهلت والخليفة والسلطان ونواب البلاد والحكام بها هم المذكورون في التي قبلها غير الشافعي والحنفي ولما كان ثالث المحرم جلس المستخرج لاستخلاص اجرة اربعة أشهر عن جميع أملاك الناس وأوقافهم بدمشق فهرب اكثر الناس من البلد وجرت خبطة قوية وشق ذلك على الناس جدا
وقد تكلم الناس في كيفية قتال هؤلاء التتر من أي قبيل هو فإنهم يظهرون الاسلام وليسوا بغاة على الامام فإنهم لم يكونوا في طاعته في وقت ثم خالفوه فقال الشيخ تقي الدين هؤلاء من جنس الخوارج الذين خرجوا على علي ومعاوية ورأوا أنهم أحق بالامر منهما وهؤلاء يزعمون أنهم أحق بإقامة الحق من المسلمين ويعيبون على المسلمين ما هم متلبسون به من المعاصي والظلم وهم متلبسون بما هو أعظم منه بأضعاف مضاعفة فتفطن العلماء والناس لذلك وكان يقول للناس إذا رأيتموني من ذلك الجانب وعلى رأسي مصحف فاقتلوني فتشجع الناس في قتال التتار وقويت قلوبهم ونياتهم ولله الحمد
ولما كان يوم الرابع والعشرين من شعبان خرجت العساكر الشامية فخيمت على الجسورة من ناحية الكسوة ومعهم القضاة فصار الناس فيهم فريقين فريق يقولون إنما ساروا ليختاروا موضعا للقتال فإن المرج فيه مياه كثيرة فلا يستطيعون معها القتال وقال فريق إنما ساروا لتلك الجهة ليهربوا وليلحقوا بالسلطان فلما كانت ليلة الخميس ساروا الى ناحية الكسوة فقويت ظنون الناس في هربهم وقد وصلت التتار الى قارة وقيل انهم وصلوا الى القطيعة فانزعج الناس لذلك شديدا ولم يبق حول القرى والحواضر احد وامتلأت القلعة والبلد وازدحمت المنازل والطرقات واضطرب الناس وخرج الشيخ تقي الدين بن تيمية صبيحة يوم الخميس من الشهر المذكور من باب النصر بمشقة كبيرة وصحبته جماعة ليشهد القتال بنفسه ومن معه فظنوا أنه إنما خرج هاربا فحصل اللوم من بعض الناس وقالوا أنت منعتنا من الجفل وها أنت هارب من البلد فلم يرد عليهم وبقي البلد ليس فيه حاكم وجاس اللصوص والحرافيش فيه وفي بساتين الناس يخربون وينتهبون ما قدروا عليه ويقطعون المشمش قبل أوانه والباقلاء والقمح وسائر الخضراوات وحيل بين الناس وبين خبر الجيش وانقطعت الطرق الى الكسوة وظهرت الوحشة على البلد والحواضر وليس للناس شغل غير الصعود إلى المآذن ينظرون يمينا وشمالا وإلى ناحية الكسوة فتارة يقولون رأينا غبرة فيخافون ان تكون من التتر ويتعجبون من الجيش مع كثرتهم وجودة عدتهم وعددهم اين ذهبوا فلا يدرون ما فعل الله بهم فانقطعت الآمال وألح الناس في الدعاء والابتهال وفي الصلوات وفي كل حال وذلك يوم الخميس التاسع والعشرين من شعبان وكان الناس في خوف ورعب لا يعبر عنه لكن كان الفرج من ذلك قريبا ولكن أكثرهم لايفلحون كما جاء في حديث ابي رزين عجب ربك من قنوط عباده وقرب غيره ينظر إليكم ازلين قنطين فيظل يضحك يعلم أن فرجكم قريب
فلما كان آخر هذا اليوم وصل الأمير فخر الدين إياس المرقبي احد أمراء دمشق فبشر الناس بخير هو أن السلطان قد وصل وقت اجتمعت العساكر المصرية والشامية وقد ارسلني أكشف هل طرق البلد احد من التتر فوجد الأمر كما يحب لم يطرقها أحد منهم وذلك أن التتار عرجوا من دمشق الى ناحية العساكر المصرية ولم يشتغلوا بالبلد وقد قالوا إن غلبنا فإن البلد لنا وإن غلبنا فلا حاجة لنا به ونودي بالبلد في تطييب الخواطر وأن السلطان قد وصل فاطمأن الناس وسكنت قلوبهم وأثبت الشهر ليلة الجمعة القاضي تقي الدين الحنبلي فإن السماء كانت مغيمة فعلقت القناديل وصليت التراويح واستبشر الناس بشهر رمضان وبركته وأصبح الناس يوم الجمعة في هم شديد وخوف أكيد للأنهم لا يعلمون ما خبر الناس فبينما هم كذلك إذ جاء الأمير سيف الدين غرلو العادلي فاجتمع بنائب القلعة ثم عاد سريعا إلى العسكر ولم يدر أحد ما أخبر به ووقع الناس في الأراجيف والخوض
*3* صفة وقعة شقحب

@ اصبح الناس يوم السبت على ما كانوا عليه من الخوف وضيق الأمر فرأوا من المآذن سوادا وغبرة من ناحية العسكر والعدو فغلب على الظنون ان الوقعة في هذا اليوم فابتهلوا الى الله عز وجل بالدعاء في المساجد والبلد وطلع النساء والصغار على الأسطحة وكشفوا رءوسهم وضج البلد ضجة عظيمة ووقع في ذلك الوقت مطر عظيم غزير ثم سكن الناس فلما كان بعدالظهر قرئت بطاقة بالجامع تتضمن أن في الساعة الثانية من نهار السبت هذا اجتمعت الجيوش الشامية والمصرية مع السلطان في مرج الصفر وفيها طلب الدعاء من الناس والأمر بحفظ القلعة والتحرز على الأسوار فدعا الناس في المآذن والبلد وانقضى النهار وكان يوما مزعجا هائلا وأصبح الناس يوم الأحد يتحدثون بكسر التتر وخرج الناس الى ناحية الكسوة فرجعوا ومعهم شيء من المكاسب ومعهم رؤس من رؤس التتر وصارت كسرة التتار تقوى وتتزايد قليلا قليلا حتى اتضحت جملة ولكن الناس لما عندهم من شدة الخوف وكثرة التتر لا يصدقون فلما كان بعد الظهر قرئ كتاب السلطان الى متولي القلعة يخبر فيه باجتماع الجيش ظهر يوم السبت بشقحب وبالكسوة ثم جاءت بطاقة بعد العصر من نائب السلطان جمال الدين آقوش الأفرم الى نائب القلعة مضمونها أن الوقعة كانت من العصر يوم السبت الى الساعة الثانية من يوم الاحد وأن السيف كان يعمل في رقاب التتر ليلا ونهارا وأنهم هربوا وفروا واعتصموا بالجبال والتلال وأنه لم يسلم منهم الا القليل فأمسى الناس وقد استقرت خواطرهم وتباشروا لهذا الفتح العظيم والنصر المبارك ودقت البشائر بالقلعة من أول النهار المذكور ونودي بعد الظهر باخراج الجفال من القلعة لأجل نزول السلطان بها وشرعوا في الخروج وفي يوم الاثنين رابع الشهر رجع الناس من الكسوة الى دمشق فبشروا الناس بالنصر وفيه دخل الشيخ تقي الدين بن تيمية البلد ومعه اصحابه من الجهاد ففرح الناس به ودعوا له وهنؤه بما يسر الله على يديه من الخير وذلك أنه ندبه العسكر الشامي أن يسير الى السلطان يستحثه على
السير الى دمشق فسار اليه فحثه على المجيء إلى دمشق بعد ان كاد يرجع الى مصر فجاء هو وإياه جميعا فسأله السلطان ان يقف معه في معركة القتال فقال له الشيخ السنة ان يقف الرجل تحت راية قومه ونحن من جيش الشام لا نقف الا معهم وحرض السلطان على القتال وبشره بالنصر وجعل يحلف بالله الله لا إله إلا هو إنكم منصورون عليهم في هذه المرة فيقول له الأمراء قل إن شاء الله فيقول إن شاء الله تحقيقا لا تعليقا وأفتى الناس بالفطر مدة قتالهم وأفطر هو أيضا وكان يدور على الأجناد والأمراء فيأكل من شيء معه في يده ليعلمهم أن إفطارهم ليتقوا وعلى القتال أفضل فيأكل الناس وكان يتأول في الشاميين قوله صلى الله عليه وسلم إنكم ملاقوا العدو غدا والفطر أقوى لكم فعزم عليهم في الفطر عام الفتح كما في حديث أبي سعيد الخدري وكان الخليفة أبو الربيع سليمان في صحبة السلطان ولما اصطفت العساكر والتحم القتال ثبت السلطان ثباتا عظيما وأمر بجواده فقيد حتى لا يهرب وبايع الله تعالى في ذلك الموقف وجرت خطوب عظيمة وقتل جماعة من سادات الامراء يومئذ منهم الأمير حسام الدين لاجين الرومي استاذ دار السلطان وثمانية من الأمراء المقدمين معه وصلاح الدين بن الملك السعيد الكامل بن السعيد بن الصالح إسماعيل وخلق من كبار الأمراء ثم نزل النصر على المسلمين قريب العصر يومئذ واستظهر المسلمون عليهم ولله الحمد والمنة
فلما جاء الليل لجأ التتر إلى اقتحام التلول والجبال والآكام فأحاط بهم المسلمون يحرسونهم من الهرب ويرمونهم عن قوس واحدة إلى وقت الفجر فقتلوا منهم مالا يعلم عدده إلا الله عز وجل وجعلوا يجيئون بهم في الحبال فتضرب أعناقهم ثم اقتحم منهم جماعة الهزيمة فنجا منهم قليل ثم كانوا يتساقطون في الأودية والمهالك ثم بعد ذلك غرق منهم جماعة في الفرات بسبب الظلام وكشف الله بذلك عن المسلمين غمة عظيمة شديدة ولله الحمد والمنة
ودخل السلطان إلى دمشق يوم الثلاثاء خامس رمضان وبين يديه الخليفة وزينت البلد وفرح كل واحد من أهل الجمعة والسبت والأحد فنزل السلطان في القصر الأبلق والميدان ثم تحول إلى القلعة يوم الخميس وصلى بها الجمعة وخلع على نواب البلاد وأمرهم بالرجوع إلى بلادهم واستقرت الخواطر وذهب اليأس وطابت قلوب الناس وعزل السلطان ابن النحاس عن ولاية المدينة وجعل مكانة الأمير علاء الدين أيدغدي أمير علم وعزل صارم الدين إبراهيم والى الخاص عن ولاية البر وجعل مكانه الأمير حسام الدين لاجين الصغير ثم عاد السلطان إلى الديار المصرية يوم الثلاثاء ثالث شوال بعد ان صام رمضان وعيد بدمشق
وطلب الصوفية من نائب دمشق الافرم ان يولي عليهم مشيخة الشيوخ للشيخ صفي الدين
الهندي فأذن له في المباشرة يوم الجمعة سادس شوال عوضا عن ناصر الدين بن عبدالسلام ودخل السلطان القاهرة يوم الثلاثاء ثالث عشرين شوال وكان يوما مشهودا وزينت القاهرة وفيها جاءت زلزلة عظيمة يوم الخميس بكرة الثالث والعشرين من ذي الحجة من هذه السنة وكان جمهورها بالديار المصرية وتلاطمت بسببها البحار فكسرت المراكب وتهدمت الدور ومات خلق كثير لا يعلمهم إلا الله وشققت الحيطان ولم ير مثلها في هذه الأعصار وكان منها بالشام طائفة لكن كان ذلك أخف من سائر البلاد غيرها وفي ذي الحجة باشر الشيخ أبو الوليد بن الحاج الأشبيلي المالكي إمام محراب الملاكية بجامع دمشق بعد وفاة الشيخ شمس الدين محمد الصنهاجي وممن توفي فيها من الاعيان
*3* ابن دقيق العيد
@ الشيخ الامام العالم العلامة الحافظ قاضي القضاة تقي الدين ابن دقيق العيد القشيري المصري ولد يوم السبت الخامس والعشرين من شعبان سنة خمس وعشرين وستمائة بساحل مدينة ينبع من أرض الحجاز سمع الكثير ورحل في طلب الحديث وخرج وصنف فيه إسنادا ومتنا مصنفات عديدة فريدة مفيدة وانتهت إليه رياسة العلم في زمانه وفاق أقرانه ورحل اليه الطلبة ودرس في أماكن كثيرة ثم ولي قضاء الديار المصرية في سنة خمس وتسعين وستمائة ومشيخة دار الحديث الكاملية وقد اجتمع به الشيخ تقي الدين بن تيمية فقال له تقي الدين بن دقيق العيد لما رأى تلك العلوم منه ما أظن بقي يخلق مثلك وكان وقورا قليل الكلام غزير الفوائد كثير العلوم في ديانة نزاهة وله شعر رائق توفي يوم الجمعة حادي عشر شهر صفر وصلى عليه يوم الجمعة المذكور بسوق الخيل وحضر جنازته نائب السلطنة والأمراء ودفن بالقرافة الصغرى رحمه الله
*3* الشيخ برهان الدين الاسكندري
@ إبراهيم بن فلاح بن محمد بن حاتم سمع الحديث وكان دينا فاضلا ولد سنة ست وثلاثين وستمائة وتوفي يوم الثلاثاء رابع وعشرين شوال عن خمس وستين سنة وبعد شهور بسواء كانت وفاة الصدر جمال الدين بن العطار كاتب الدرج منذ أربعين سنة أبو العباس أحمد بن أبي الفتح محمود بن أبي الوحش أسد بن سلامة بن فتيان الشيباني كان من خيار الناس وأحسنهم تقية ودفن بتربة لهم تحت الكهف بسفح قاسيون وتأسف الناس عليه لاحسانه إليهم رحمه الله
*3* الملك العالد زين الدين كتبغا
@ توفي بجماة نائبا عليها بعد صرخد يوم الجمعة يوم عيد الاضحى ونقل إلى تربته بسفح قاسيون غربي الرباط الناصري يقال لها العادلية وهي تربة مليحة ذات شبابيك وبوابة ومأذنة وله عليها أوقاف دارة على وظائف من قراءة وأذان وإمامة وغير ذلك وكان من كبار الامراء المنصورية وقد ملك البلاد بعد مقتل الاشرف خليل بن المنصور ثم انتزع الملك منه لاجين وجلس في قلعة دمشق ثم تحول إلى صرخد وكان بها إلى أن قتل لاجين وأخذ الملك الناصر بن قلاوون فاستنابه بحماة حتى كانت وفاته كما ذكرنا وكان من خيار الملوك وأعد لهم وأكثرهم برا وكان من خيار الامراء والنواب رحمه الله
*2* ثم دخلت سنة ثلاث وسبعمائة
@ استهلت والحكام هم المذكورون في التي قبلها وفي صفر تولي الشيخ كمال الدين بن الشريشي نظارة الجامع الأموي وخلع عليه وباشره مباشرة مشكورة وساوى بين الناس وعزل نفسه في رجب منها وفي شهر صفر تولى الشيخ شمس الدين الذهبي خطابة كفر بطنا وأقام بها ولما توفي الشيخ زين الدين الفارقي في هذه السنة كان نائب السلطنة في نواحي البلقاء يكشف بعض الامور فلما قدم تكلموا معه في وظائف الفارقي فعين الخطابة لشرف الدين الفزاري وعين الشامية البرانية ودار الحديث للشيخ كمال الدين بن الشريشي وذلك بإشارة الشيخ تقي الدين بن تيمية وأخذ منه النصارية للشيخ كمال الدين بن الزملكاني ورسم بكتابة التواقيع بذلك وباشر الشيخ شرف الدين الامامة والخطابة وفرح الناس به لحسن قراءته وطيب صوته وجودة سيرته فلما كان بكرة يوم الاثنين ثاني عشرين ربيع الأول وصل البريد من مصر صحبة الشيخ صدر الدين بن الوكيل وقد سبقه مرسوم السلطان له بجميع جهات الفارقي مضافا إلى ما بيده من التدريس فاجتمع بنائب السلطنة بالقصر وخرج من عنده إلى الجامع ففتح له باب دار الخطابة فنزلها وجاءه الناس يهنئونه وحضر عنده القراء والمؤذنون وصلى بالناس العصر وباشر الامامة يومين فأظهر الناس التألم من صلاته وخطابته وسعوا فيه إلى نائب السلطنة فمنعه من الخطابة وأقره على التداريس ودار الحديث وجاء توقيع سلطاني للشيخ شرف الدين الفزاري بالخطابة فخطب يوم الجمعة سابع عشر جمادي الأولى وخلع عليه بطرحة وفرح الناس به وأخذ الشيخ كمال الدين بن الزملكاني تدريس الشامية البرانية من يد ابن الوكيل وباشرها في مستهل جمادي الأولى واستقرت دار الحديث بيد ابن الوكيل مع مدرستيه الاوليتين وأظنهما العذاراوية والشامية الجوانية
ووصل البريد في ثاني عشر جمادي الأولى بإعادة السنجري إلى نيابة القلعة وتولية نائبها الأمير سيف الدين الجوكندراني نيابة حمص عوضا عن عز الدين الحموي توفي وفي يوم السبت ثاني عشر رمضان قدمت ثلاثة آلاف فارس من مصر وأضيف إليها ألفان من دمشق وساروا وأخذوا معهم نائب حمص الجوكندراني ووصلوا إلى حماة فصحبهم نائبها الأمير سيف الدين قبجق وجاء إليهم استدمر نائب طرابلس وانضاف إليهم قراسنقر نائب حلب وانفصلوا كلهم عنها وافتقروا فرقتين فرقة سارت صحبة فيجق إلى ناحية ملطية وقلعة الروم والفرقة الأخرى صحبة قراسنقر حتى دخلوا الدربندات وحاصروا تل حمدون فتسلموه عنوة في ثالث ذي القعدة بعد حصار طويل فدقت البشائر بدمشق لذلك ووقع مع صاحب سيس على أن يكون للمسلمين من نهر جيهان إلى حلب وبلاد ما رواء النهر إلى ناحيتهم لهم وأن يعجلوا حمل سنتين ووقعت الهدنة على ذلك وذلك بعد أن قتل خلق من أمراء الأرمن ورؤسائهم وعادت العساكر إلى دمشق مؤيدين منصورين ثم توجهت العساكر المصرية صحبة مقدمهم امير سلاح إلى مصر
وفي أواخر السنة كان موت قازان وتولية اخيه خربندا وهو ملك التتار قازان واسمه محمود بن أرغون بن أبغا وذلك في رابع عشر شوال أو حادي عشرة أو ثالث عشرة بالقرب من همدان ونقل إلى تربته بيبرين بمكان يسمى الشام ويقال إنه مات مسموما وقام في الملك بعده أخوه خربندا محمد بن أرغون ولقبوه الملك غياث الدين وخطب له على منابر العراق وخراسان وتلك البلاد
وحج في هذه السنة الأمير سيف الدين سلار نائب مصر وفي صحبته اربعون أميرا وجميع أولاد الأمراء وحج معهم وزير مصر الأمير عز الدين البغدادي وتولى مكانه بالبركة ناصر الدين محمد الشيخي وخرج سلار في أبهة عظيمة جدا وأمير ركب المصريين الحاج إباق الحسامي وترك الشيخ صفي الدين مشيخة الشيوخ فوليها القاضي عبد الكريم بن قاضي القضاة محي الدين ابن الزكي وحضر الخانقاه يوم الجمعة الحادي عشر من ذي القعدة وحضر عنده ابن صصرى وعز الدين القلانسي والصاحب ابن ميسر والمحتسب وجماعة
وفي ذي القعدة وصل من التتر مقدم كبير قد هرب منهم إلى بلاد الاسلام وهو الأمير بدر الدين جنكي بن البابا وفي صحبته نحو من عشرة فحضروا الجمعة في الجامع وتوجهوا إلى مصر فأكرم وأعطى إمرة ألف وكان مقامه ببلاد آمد وكان يناصح السلطان ويكاتبه ويطلعه على عورات التتر فلهذا عظم شأنه في الدولة الناصرية وممن توفي فيها من الاعيان ملك التتر قازان
*3* الشيخ القدورة العابد أبو إسحاق
@ أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد بن محمد بن معالي بن محمد بن عبدالكريم الرقي الحنبلي كان أصله من بلاد الشرق ومولده بالرقة في سنة سبع وأربعين وستمائة واشتغل وحصل وسمع شيئا من الحديث وقدم دمشق فسكن بالمأذنة الشرقية في أسفلها بأهله إلى جانب الطهارة بالجامع وكان معظما عند الخاص والعام فصيح العبارة كثير العبادة خشن العيش حسن المجالسة لطيف الكلام كثير التلاوة قوي التوجه من أفراد العالم عارفا بالتفسير والحديث والفقه والأصلين وله مصنفات وخطب وله شعر حسن توفي بمنزلة ليلة الجمعة خامس عشر المحرم وصلى عليه عقيب الجمعة ونقل إلى تربة الشيخ ابي عمر بالسفح وكانت جنازته حافلة رحمه الله وأكرم مثواه
وفي هذا الشهر توفي الأمير زين الدين قراجا استاذ دار الأفرم ودفن بتربته بميدان الحصا عند النهر
*3* والشيخ شمس الدين محمد بن إبراهيم بن عبد السلام
@ عرف بابن الحبلى كان من خيار الناس يتردد إلى عكا أياما حين ما كانت في أيدي الفرنج في فكاك أسارى المسلمين جزاه الله خيرا وعتقه من النار وأدخله الجنة برحمته
*3* الخطيب ضياء الدين
@ أبو محمد عبد الرحمن بن الخطيب جمال الدين أبي الفرج عبدا لوهاب بن علي بن أحمد بن عقيل السلمي خطيب بعلبك نحوا من ستين سنة هو ووالده ولد سنة أربع عشرة وستمائة وسمع الكثير وتفرد عن القزويني وكان رجلا جيدا حسن القراءة من كبار العدول توفي ليلة الاثنين ثالث صفر ودفن بباب سطحا

*3* الشيخ زين الدين الفارقي
@ عبد الله بن مروان ابن عبد الله بن فهر بن الحسن أبو محمد الفارقي شيخ الشافعية ولد سنة ثلاث وثلاثين وستمائة وسمع الحديث الكثير واشتغل ودرس بعدة مدارس وأفتى مدة طويلة وكانت له همة وشهامة وصرامة وكان يباشر الاوقاف جيدا وهو الذي عمر دار الحديث بعد خرابها بيد قازان وقد باشرها سبعا وعشرين سنة من بعد النواوي إلى حين وفاته وكانت معه الشامية البرانية وخطابة الجامع الأموي تسعة أشهر باشر به الخطابة قبل وفاته وقد انتقل إلى دار الخطابة وتوفي بها يوم الجمعة بعدالعصر وصلى عليه ضحوة السبت صلى عليه ابن صصرى عند باب الخطابة وبسوق الخيل قاضي الحنفية شمس الدين بن الحريري وعند جامع الصالحية قاضي الحنابلة تقي الدين سليمان ودفن بتربة أهله شمالي تربة الشيخ أبي عمر رحمه الله وباشر بعده الخطابة شرف الدين الفزاري ومشيخه دار الحديث ابن الوكيل والشامية البرانية ابن الزملكاني وقد تقدم ذلك
*3* الأمير الكبير عز الدين ايبك الحموي
@ ناب بدمشق مدة ثم عزل عنها إلى صرخد ثم نقل قبل موته بشهر إلى نيابة حمص وتوفي بها يوم العشرين من ربيع الاخر ونقل إلى تربته بالسفح غربي زاوية ابن قوام وإليه ينسب الحمام بمسجد القصب الذي يقال له حمام الحموي عمره في أيام نيابته
*3* الوزير فتح الدين
@ أبو محمد عبد الله بن محمد بن احمد بن خالد بن محمد بن نصر بن صقر القرشي المخزومي ابن القيسراني كان شيخا جليلا أدبيا شاعرا مجودا من بيت رياسة ووزارة ولي وزارة دمشق مدة ثم أقام بمصر موقعا مدة وكان له اعتناء بعلوم الحديث وسماعه وله مصنف في أسماء الصحابة الذين خرج لهم في الصحيحين وأورد شيئا من أحاديثهم في مجلدين كبيرين موقوفين بالمدرسة الناصرية بدمشق وكان له مذاكرة جيدة محررة باللفظ والمعنى وقد خرج عنه الحافظ الدمياطي وهو آخر من توفي من شيوخه توفي بالقاهرة في يوم الجمعة الحادي والعشرين من ربيع الآخرة وأصلهم من قيسارية الشام وكان جده موفق الدين أبو البقاء خالد وزيرا لنور الدين الشهيد وكان من الكتاب المجيدين المتقنين له كتابة جيدة محررة جدا توفي في أيام صلاح الدين سنة ثمان وثمانين وخمسمائة وأبوه محمد بن نصر بن صقر وله بعكة قبل أخذ الفرنج لها سنة ثمان وسبعين وأربعمائة فلما أخذت بعد السبعين وأربعمائة أنتقل اهلهم إلى حلب وكانوا بها وكان شاعرا مطبقا له ديوان مشهور وكان له معرفة جيدة بالنجوم وعلم الهيئة وغير ذلك
*3* ترجمة والد ابن كثير مؤلف هذا التاريخ
@ وفيها توفي الوالد وهو الخطيب شهاب الدين ابو حفص عمر بن كثير بن ضوبن كثير بن ضوبن درع القرشي من بني حصلة وهم ينتسبون إلى الشرف وبأيديهم نسب وقف على بعضها شيخنا المزي فأعجبه ذلك وابتهج به فصار يكتب في نسبي بسبب ذلك القرشي من قرية يقال لها الشركوين غربي بصرى بينها وبين أذرعات ولد بها في حدود سنة أربعين وستمائة واشتغل بالعلم عند أخواله بني عقبة ببصرى فقرأ البداية في مذهب أبي حنيفة وحفظ جمل الزجاجي وعنى بالنحو والعربية واللغة وحفظ اشعار العرب حتى كان يقول الشعر الجيد الفائق الرائق في المدح والمراثي وقليل من الهجاء وقرر بمدارس بصرى بمنزل الناقة شمالي البلد حيث يزار وهو المبرك المشهور عند الناس والله أعلم بصحة ذلك ثم انتقل إلى خطابة القرية شرقي بصرى وتمذهب للشافعي وأخذ عن النواوي والشيخ تقي الدين الفزاري وكان يكرمه ويحترمه فيما أخبرني شيخنا العلامة ابن الزملكاني فأقام بها نحوا من ثنتي عشرة سنة ثم تحول إلى خطابة مجيدل القرية التي منها الوالدة فأقاما بها مدة طويلة في خير وكفاية وتلاوة كثيرة وكان يخطب جيدا وله مقول عند الناس ولكلامه وقع لديانته وفصاحته وحلاوته وكان يؤثر الاقامة في البلاد لما يرى فيها من الرفق ووجود الحلال له ولعياله وقد ولد له عدة اولاد من الوالدة ومن أخرى قبلها أكبرهم إسماعيل ثم يونس وإدريس ثم من الوالدة عبدالوهاب وعبدالعزيز ومحمد وأخوات عدة ثم أنا أصغرهم وسميت باسم الأخ اسماعيل لأنه كان قد قدم دمشق فاشتغل بها بعد أن حفظ القرآن على والده وقرأ مقدمة في النحو وحفظ التنبيه وشرحه على العلامة تاج الدين الفزاري وحصل المنتخب في أصول الفقة قاله لي شيخنا ابن الزملكاني ثم إنه سقط من سطح الشامية البرانية فمكث اياما ومات فوجد الوالد عليه وجدا كثيرا ورثاه بأبيات كثيرة فلما ولدت له أنا بعد ذلك سماني باسمه فأكبر أولاده اسماعيل وآخرهم وأصغرهم إسماعيل فرحم الله من سلف وختم بخير لمن بقي توفي والدي في شهر جمادي الاولى سنة ثلاث وسبعمائة في قرية مجيدل القرية ودفن بمقبرتها الشمالية عند الزيتون وكنت إذ ذاك صغيرا ابن ثلاث سنين او نحوها لا أدركه إلا كالحلم ثم تحولنا من بعده في سنة سبع وسبعمائة الى دمشق صحبة كمال الدين عبد الوهاب وقد كان لنا شقيقا وبنا رفيقا شفوقا وقد تأخرت وفاته إلى سنة خمسين فاشتغلت على يديه في العلم فيسر الله تعالى منه ما يسر وسهل منه ما تعسر والله أعلم
وقد قال شيخنا الحافظ علم الدين البرازلي في معجمه فيما أخبرني عنه شمس الدين محمد بن سعد المقدسي مخرجه له ومن خط المحدث شمس الدين بن سعد هذا نقلت وكذلك وقفت على خط الحافظ البرزالى مثله في السفينة الثانية من السفن الكبار قال عمر بن كثير القرشي خطيب القرية وهي قرية من أعمال بصرى رجل فاضل له نظم جيد ويحفظ كثيرا من اللغز وله همة وقوة كتبت عنه من شعره بحضور شيخنا تاج الدين الفزاري وتوفي في جمادي الأولى سنة ثلاث وسبعمائة بمجيدل القرية من عمل بصرى أنشدنا الخطيب شهاب الدين أبو حفص عمر بن كثير القرشي خطيب القرية بها لنفسه في منتصف شعبان من سنة سبع وثمانين وستمائة
نأى النوم عن جفني فبت مسهدا * أخا كلف حلف الصبابة موجدا
سمير الثريا والنجوم مدلها * فمن ولهي خلت الكواكب ركدا
طريحا على فرش الصبابة والاسى * فما ضركم لو كنتم لي عودا
تقلبني أيدي الغرام بلوعة * أرى النار من تلقائها لي أبردا
ومزق صبري بعد جيران حاجز * سعير غرام بات في القلب موقدا
فأمطرته دمعي لعل زفيره * يقل فزادته الدموع توقدا
فبت بليل نابغي ولا أرى * على النأي من بعد الاحبة صعدا
فيالك من ليل تباعد فجره * على إلى أن خلته قد تخلدا
غراما ووجدا لا يحد أقله * بأهيف معسول المراشف أغيدا
له طلعة كالبدر زان جمالها * بطرة شعر حالك اللون أسودا
يهز من القدر الرشيق مثقفا * ويشهر من جفنيه سيفا مهندا
وفي ورد خديه وآس عذاره * وضوء ثناياه فنيت تجلدا
غدا كل حسن دونه متقاصرا * وأضحى له رب الجمال موحدا
إذا مارنا واهتز عند لقائه * سباك فلم تملك لسانا ولا يدا
وتسجد إجلالا له وكرامة * وتقسم قد أمسيت في الحسن أوحدا
ورب أخي كفر تأمل حسنه * فأسلم من إجلاله وتشهدا
وأنكر عيسى والصليب ومريما * وأصبح يهوى بعد بغض محمدا
أيا كعية الحسن التي طاف حولها * فؤادي أما للصد عندك من فدا
قنعت بطيف من خيالك طارق * وقد كنت لا أرضى بوصلك سرمدا
فقد شفني شوق تجاوز حده * وحسبك وحسبك من شوق تجاوز واعتدا
سألتك إلا ما مررت بحينا * بفضلك يا رب الملاحة والندا
لعل جفوني أن تغيض دموعها * ويسكن قلب مذ هجرت فما هدا
غلطت بهجراني ولو كنت صابيا * لما صدك الواشون عني ولا العدا
وعدتها ثلاثة وعشرون بيتا والله يغفر له ما صنع من الشعر
*2* ثم دخلت سنة اربع وسبعمائة


التوقيع :


اللهم صل على سيدنا محمد عبدك ونبيك ورسولك
النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم تسليما عدد مااحاط به علمك
وخط به قلمك واحصاه كتابك
وارض اللهم عن سادتنا ابي بكر وعمر وعثمان وعلي
وعن الصحابة أجمعين وعن التابعين وتابعيهم بإحسان الى يوم الدين





رد مع اقتباس
قديم 09-01-2006, 08:23 PM   رقم المشاركة : 6
الكاتب

أفاق : الاداره

مراقب

مراقب

أفاق : الاداره غير متواجد حالياً


الملف الشخصي









أفاق : الاداره غير متواجد حالياً


مشاركة: البداية والنهاية الجزء الرابع عشر

@ استهلت والخليفة والسلطان والحكام والمباشرون هم المذكورون في التي قبلها وفي يوم الأحد ثالث ربيع الأول حضرت الدروس والوظائف التي أنشأها الأمير بيبرس الجاشنكير المنصوري بجامع الحاكم بعد أن جدده من خرابه بالزلزلة التي طرأت على دياره مصرفي آخر سنة ثنتين وسبعمائة وجعل القضاة الاربعة هم المدرسين للمذاهب وشيخ الحديث سعد الدين الحارثي وشيخ النحو أثير الدين أبو حيان وشيخ القراءات السبع الشيخ نور الدين الشطنوفي وشيخ إفادة العلوم الشيخ علاء الدين القونوي وفي جمادي الاخر باشر الأمير ركن الدين بيبرس الحجوبية مع الأمير سيف الدين بكتمر وصارا حاجبين كبيرين في دمشق وفي رجب أحضر الى الشيخ تقي الدين بن تيمية شيخ كان يلبس دلقا كبيرا متسعا جدا يسمى المجاهد إبراهيم القطان فأمر الشيخ بتقطيع ذلك الدلق فتناهبه الناس من كل جانب وقطعوه حتى لم يدعوا فيه شيئا وأمر بحلق رأسه وكان ذا شعر وقلم أظفاره وكانوا طوالا جدا وحف شاربه المسبل على فمه المخالف للسنة واستتابه من كلام الفحش وأكل ما يغير العقل من الحشيشة وما لا يجوز من المحرمات وغيرها وبعده استحضر الشيخ محمد الخباز البلاسي فاستتابه أيضا عن أكل المحرمات ومخالطة أهل الذمة وكتب عليه مكتوبا ان لا يتكلم في تعبير المنامات ولا في غيرها بمالا علم له به وفي هذا الشهر بعينه راح الشيخ تقي الدين بن تيمية الى مسجد التاريخ وأمر أصحابه ومعهم حجارون بقطع صخرة كانت هناك بنهر قلوط تزار وينذر لها فقطعها وأراح المسلمين منها ومن الشرك بها فأزاح عن المسلمين شبهة كان شرها عظيما وبهذا وأمثاله حسدوه وأبرزوا له العداوة وكذلك بكلامه بابن عربي وأتباعه فحسد على ذلك وعودى ومع هذا لم تأخذه في الله لومة لائم ولا بالي ولم يصلوا اليه بمكروه وأكثر ما نالوا منه الحبس مع أنه لم ينقطع في بحث لا بمصر ولا بالشام ولم يتوجه لهم عليه ما يشين وإنما أخذوه وحبسوه بالجاه كما سيأتي وإلى الله إياب الخلق وعليه حسابهم وفي رجب جلس قاضي القضاة نجم الدين بن صصرى بالمدرسة العادلية الكبيرة وعملت التخوت بعدما جددت عمارة المدرسة ولم يكن احد يحكم بها بعد وقعة قازان بسبب خرابها وجاء المرسوم للشيخ برهان الدين الفزاري بوكلة بيت المال فلم يقبل وللشيخ كمال الدين بن الزملكاني بنظر الخزانة فقبل وخلع عليه بطرحة وحضر بها يوم الجمعة وهاتان الوظيفتان كانتا مع نجم الدين بن أبي الطيب توفي إلى رحمة الله وفي شعبان سعى جماعة في تبطيل الوقيد ليلة النصف وأخذوا خطوط العلماء في ذلك وتكلموا مع نائب السلطنة فلم يتفق ذلك بل اشعلوا وصليت صلاة ليلة النصف أيضا وفي خامس رمضان وصل الشيخ كمال الدين بن الشريشي من مصر بوكلة بيت المال ولبس الخلعة سابع رمضان وحضر عند ابن صصرى بالشباك الكمالي وفي سابع شروال عزل وزير مصر ناصر الدين بن الشيخي وقطع إقطاعه ورسم عليه وعوقب إلى أن مات في ذي القعدة وتولى الوزارة سعد الدين محمد بن محمد بن عطاء وخلع عليه وفي يوم الخميس الثاني والعشرين من ذي القعدة حكم قاضي القضاة جمال الدين الزواوي بقتل الشمس محمد بن جمال الدين بن عبد الرحمن الباجريقي وإراقة دمه وإن تاب وان اسلم بعد اثبات محضر عليه يتضمن كفر الباجريقي المذكور وكان ممن شهد فيه عليه الشيخ مجد الدين التونسي النحوي الشافعي فهرب الباجريقي إلى بلاد الشرق فمكث بها مدة سنين ثم جاء بعد موت الحاكم المذك كما سيأتي
وفي ذي القعدة كان نائب السلطنة في الصيد فقصدهم في الليل طائفة من الاعراب فقاتلهم الأمراء فقتلوا من العرب نحو النصف وتوغل في العرب الأمير يقال له سيف الدين بها درتمر احتقارا بالعرب فضربه واحد منهم برمح فقتله فكرت الأمراء عليهم فقتلوا منهم خلقا أيضا وأخذوا واحدا منهم زعموا أنه هو الذي قتله فصلب تحت القلعة ودفن الأمير المذكور بقبر الست وفي ذي القعدة تكلم الشيخ شمس الدين بن النقيب وجماعة من العلماء في الفتاوي الصادرة من الشيخ علاء الدين بن العطار شيخ دار الحديث النورية والقوصية وأنها مخالفة لمذهب الشافعي وفيها تخبيط كثير فتوهم من ذلك وراح إلى الحنفي فحقن دمه وأبقاه على وظائفه ثم بلغ ذلك نائب السلطنة فأنكر على المنكرين عليه ورسم عليهم ثم اصطلحوا ورسم نائب السلطنة ان لا تثار الفتن بين الفقهاء وفي مستهل ذي الحجة ركب الشيخ تقي الدين بن تيمية ومعه جماعة من أصحابه إلى جبل الجرد والكسروانيين ومعه نقيب الأشراف زين الدين بن عدنان فاستتابوا خلقا منهم وألزموهم بشرائع الاسلام ورجع مؤيدا منصورا وممن توفي فيها من الاعيان
*3* الشيخ تاج الدين بن شمس الدين بن الرفاعي
@ شيخ الأحمدية بأم عبيدة من مدة مديدة وعنه تكتب إجازات الفقراء ودفن هناك عند سلفة بالبطائح
*3* الصدر نجم الدين بن عمر
@ ابن ابي القاسم بن عبد المنعم بن محمد بن الحسن بن أبي الكتائب بن محمد بن أبي الطيب وكيل بيت المال وناظر الخزانة وقد ولى في وقت نظر المارستان النوري وغير ذلك وكان مشكور السيرة رجلا جيدا وقد سمع الحديث وروى أيضا توفي ليلة الثلاثاء الخامس عشر من جمادي الآخرة ودفن بتربتهم بباب الصغير
*2* ثم دخلت سنة خمس وسبعمائة
@ استهلت والخليفة المستكفي والسلطان الملك الناصر والمباشرون هم المذكورون فيما مضى وجاء الخبر أن جماعة من التتر كمنوا لجيش حلب وقتلوا منهم خلقا من الأعيان وغيرهم وكثر النوح ببلاد حلب بسبب ذلك وفي مستهل المحرم حكم جلال الدين القزويني أخو قاضي القضاة إمام الدين نيابة عن ابن صصرى وفي ثانيه خرج نائب السلطنة بمن بقي من الجيوش الشامية وقد كان تقدم بين يديه طائفة من الجيش مع ابن تيمية في ثاني المحرم فساروا إلى بلاد الجرد والرفض والتيامنة فخرج نائب السلطنة الأفرم بنفسه بعد خروج الشيخ لغزوهم فنصرهم الله عليهم وأبادوا خلقا كثيرا منهم ومن فرقتهم الضالة ووطئوا أراضي كثيرة من صنع بلادهم وعاد نائب السلطنة إلى دمشق في صحبته الشيخ ابن تيمية والجيش وقد حصل بسبب شهود الشيخ هذه الغزوة خير كثير وأبان الشيخ علما وشجاعة في هذه الغزوة وقد امتلأت قلوب اعدائه حسدا له وغما وفي مستهل جمادي الأولى قدم القاضي امين الدين أبو بكر ابن القاضي وجيه الدين عبد العظيم بن الرفاقي المصري من القاهرة على نظر الدواوين بدمشق عوضا عن عز الدين بن مبشر
*3* ما جرى للشيخ تقي الدين بن تيمية مع الأحمدية وكيف عقدت له المجالس الثلاثة
@ وفي يوم السبت تاسع جمادي الأولى حضر جماعة كثيرة من الفقراء الأحمدية إلى نائب السلطنة بالقصر الأبلق وحضر الشيخ تقي الدين بن تيمية فسألوا من نائب السلطنة بحضرة الأمراء أن يكف الشيخ تقي الدين إمارته عنهم وأن يسلم لهم حالهم فقال لهم الشيخ هذا ما يمكن ولا بد لكل أحد أن يدخل تحت الكتاب والسنة قولا وفعلا ومن خرج عنهما وجب الانكار عليه فأرادوا أن يفعلوا شيئا من أحوالهم الشيطانية التي يتعاطونها في سماعاتهم فقال الشيخ تلك أحوال شيطانية باطلة وأكثر أحوالهم من باب الحيل والبهتان ومن اراد منهم أن يدخل النار فليدخل أولا إلى الحمام وليغسل جسده غسلا جيدا ويدلكه بالخل والأشنان ثم يدخل بعد ذلك إلى النار إن كان صادقا ولو فرض أن أحدا من أهل البدع دخل النار بعد أن يغتسل فإن ذلك لا يدل على صلاحه ولا على كرامته بل حاله من أحوال الدجاجلة المخالفة للشريعة إذا كان صاحبها على السنة فما الظن بخلاف ذلك فابتدر شيخ المنيبع الشيخ صالح وقال نحن أحوالنا إنما تنفق عند التتر ليست تنفق عند الشرع فضبط الحاضرون عليه تلك الكلمة وكثر الانكار عليهم من كل أحد ثم اتفق الحال على أنهم يخلعون الأطواق الحديد من رقابهم وأن من خرج عن الكتاب والسنة ضربت عنقه وصنف الشيخ جزءا في طريقة الأحمدية وبين فيه أحوالهم ومسالكهم وتخيلاتهم وما في طريقتهم من مقبول ومردود بالكتاب وأظهر الله السنة على يديه أخمد بدعتهم ولله الحمد والمنة
وفي العشر الأوسط من هذا الشهر خلع علي جلال الدين بن معبد وعز الدين خطاب وسيف الدين بكتمر مملوك بكتاش الحسامي بالأمرة ولبس التشاريف وركبوا بها وسلموا لهم جبل الجرد والكسروان والبقاع وفي يوم الخميس ثالث رجب خرج الناس للاستسقاء إلى سطح المزة ونصبوا هناك منبرا وخرج نائب السلطنة وجميع الناس من القضاة والعلماء والفقراء وكان مشهدا هائلا وخطبة عظيمة بليغة فاستسقوا فلم يسقوا يومهم ذلك
*3* أول المجالس الثلاثة لشيخ الاسلام ابن تيمية
@ وفي يوم الاثنين ثامن رجب حضر القضاة والعلماء وفيهم الشيخ تقي الدين بن تيمية عندنائب السلطنة بالقصر وقرئت عقيدة الشيخ تقي الدين الواسطية وحصل بحث في أماكن منها وأخرت مواضع إلى المجلس الثاني فاجتمعوا يوم الجمعة بعد الصلاة ثاني عشر الشهر المذكور وحضر الشيخ صفي الدين الهندي وتكلم مع الشيخ تقي الدين كلاما كثيرا ولكن ساقيته لاطمت بحرا ثم اصطلحوا على ان يكون الشيخ كمال الدين بن الزملكاني هو الذي يحاققه من غير مسامحة فتناظرا في
ذلك وشكر الناس من فضائل الشيخ كمال الدين بن الزملكاني وجودة ذهنه وحسن بحثه حيث قاوم ابن تيمية في البحث وتكلم معه ثم انفصل الحال على قبول العقيدة وعاد الشيخ إلى منزله معظما مكرما وبلغني ان العامة حملوا له الشمع من باب النصر إلى القصاعين على جاري عادتهم في أمثال هذه الأشياء وكان الحامل على هذه الاجتماعات كتاب ورد من السلطان في ذلك كان الباعث على إرساله قاضي المالكية ابن مخلوف والشيخ نصر المنبجي شيخ الجاشنكير وغيرهما من أعدائه وذلك أن الشيخ تقي الدين بن تيمية كان يتكلم في المنبجي وينسبه إلى اعتقاد ابن عربي وكان للشيخ تقي الدين من الفقهاء جماعة يحسدونه لتقدمه عند الدولة وانفراده بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وطاعة الناس له ومحبتهم له وكثرة أتباعه وقيامه في الحق وعلمه وعمله ثم وقع بدمشق خبط كثير وتشويش بسبب غيبة نائب السلطنة وطلب القاضي جماعة من أصحاب الشيخ وعزر بعضهم ثم اتفق ان الشيخ جمال الدين المزي الحافظ قرأ فصلا بالرد على الجهمية من كتاب أفعال العباد للبخاري تحت قبة النسر بعد قراءة ميعاد البخاري بسبب الاستسقاء فغضب بعض الفقهاء الحاضرين وشكاه إلى القاضي الشافعي ابن صصرى وكان عدو الشيخ فسجن المزي فبلغ الشيخ تقي الدين فتألم لذلك وذهب إلى السجن فأخرجه منه بنفسه وراح إلى القصر فوجد القاضي هنالك فتقاولا بسبب الشيخ جمال الدين المزي فحلف ابن صصرى لا بد أن يعيده إلى السجن وإلا عزل نفسه فأمر النائب باعادته تطييبا لقلب القاضي فحبسه عنده في القوصية أياما ثم أطلقه ولما قدم نائب السلطنة ذكر له الشيخ تقي الدين ما جرى في حقه وحق اصحابه في غيبته فتألم النائب لذلك ونادى في البلد أن لا يتكلم احد في العقائد ومن عاد إلى تلك حل ماله ودمه ورتبت داره وحانوته فسكنت الامور وقد رأيت فصلا من كلام الشيخ تقي الدين في كيفية ما وقع في هذه المجالس الثلاثة من المناظرات
ثم عقد المجلس الثالث في يوم سابع شعبان بالقصر واجتمع الجماعة على الرضى بالعقيدة المذكورة وفي هذا اليوم عزل ابن صصرى نفسه عن الحكم بسبب كلام سمعه من بعض الحاضرين في المجلس المذكور وهو من الشيخ كمال الدين بن الزملكاني ثم جاء كتاب السلطان في السادس والعشرين من شعبان فيه إعادة ابن صصرى إلى القضاء وذلك بإشارة المنبجي وفي الكتاب إنا كنا سمعنا بعقد مجلس للشيخ تقي الدين بن تيمية وقد بلغنا ما عقد له من المجالس وأنه على مذهب السلف وإنما أردنا بذلك براءة ساحته مما نسب إليه ثم جاء كتاب آخر في خامس رمضان يوم الاثنين وفيه الكشف عن ما كان وقع للشيخ تقي الدين بن تيمية في أيام جاغان والقاضي إمام الدين القزويني وأن يحمل هو والقاضي ابن صصرى إلى مصر فتوجها على البريد نحو مصر وخرج مع الشيخ خلق من اصحابه وبكوا وخافوا عليه من أعدائه وأشار عليه نائب السلطنة ابن الأفرم بترك الذهاب

الى مصر وقال له انا أكاتب السلطان في ذلك وأصلح القضايا فامتنع الشيخ من ذلك وذكر له ان في توجهه لمصر مصلحة كبيرة ومصالح كثيرة فلما توجه لمصر ازدحم الناس لوداعه ورؤيته حتى انتشروا من باب داره إلى قرب الجسورة فيما بين دمشق والكسوة وهم فيما بين باك وحزين ومتفرج ومتنزه ومزاحم متغال فيه فلا كان يوم السبت دخل الشيخ تقي الدين غزة فعمل في جامعها مجلسا عظيما ثم دخلا معا إلى القاهرة والقلوب معه وبه متعلثقة فدخلا مصر يوم الاثنين الثاني والعشرين من رمضان وقيل إنهما دخلاها يوم الخميس فلما كان يوم الجمعة بعد الصلاة عقد للشيخ مجلس بالقلعة اجتمع فيه القضاة وأكابر الدولة وأراد أن يتكلم على عادته فلم يتمكن من البحث والكلام وانتدب له الشمس ابن عدنان خصما احتسابا وادعى عليه عندابن مخلوف المالكي انه يقول ان الله فوق العرش حقيقة وأن الله يتكلم بحرف وصوت فسأله القاضي جوابه فأخذ الشيخ في حمد الله والثناء عليه فقيل له أجب ما جئنا بك لتخطب فقال ومن الحاكم في فقيل له القاضي المالكي فقال له الشيخ كيف تحكم في وأنت خصمي فغضب غضبا شديدا وانزعج وأقيم مرسما عليه وحبس في برج أياما ثم نقل منه ليلة العيد إلى الحبس المعروف بالجب هو واخوه شرف الدين عبد الله وزين الدين عبد الرحمن
وأما ابن صصرى فانه جدد له توقيع بالقضاء باشارة المنبجي شيخ الجاشنكير حاكم مصر وعاد إلى دمشق يوم الجمعة سادس ذي القعدة والقلوب له ماقنة والنفوس منه نافرة وقرئ تقليده بالجامع وبعده قرئ كتاب فيه الحط على الشيخ تقي الدين ومخالفته في العقيدة وأن ينادي بذلك في البلاد الشامية وألزم أهل مذهبه بمخالفته وكذلك وقع بمصر قام عليه جاشنكير وشيخه نصر المنبجي وساعدهم جماعة كثيرة من الفقهاء والفقراء وجرت فتن كثيرة منتشرة نعوذ بالله من الفتن وحصل للحنابلة بالديار المصرية إهانة عظيمة كثيرة وذلك أن قاضيهم كان قليل العلم مزجي البضاعة وهو شرف الدين الحراني فلذلك نال أصحابهم ما نالهم وصارت حالهم حالهم وفي شهر رمضان جاء كتاب من مقدم الخدام بالحرم النبوي يستأذن السلطان في بيع طائفة من قناديل الحرم النبوي لينفق ذلك ببناء مأذنة عند باب السلام الذي عند المطهرة فرسم له بذلك وكان في جملة القناديل قنديلان من ذهب زنتهما ألف دينار فباع ذلك وشرع في بنائها وولى سراج الدين عمر قضاءها مع الخطابة فشق ذلك على الروافض
وفي يوم الخميس ثاني عشر ذي القعدة وصل البريد من مصر بتولية القضاء لشمس الدين محمد بن إبراهيم بن داود الأذرعي الحنفي قضاء الحنفية عوضا عن شمس الدين ابن الحسيني معزولا وبتولية الشيخ برهان الدين ابن الشيخ تاج الدين الفزاري خطابة دمشق عوضا عن عمه الشيخ شرف الدين توفي إلى رحمة الله وخلع عليهما بذلك وباشرا في يوم الجمعة ثالث عشر الشهر وخطب الشيخ برهان الدين خطبة حسنة حضرها الناس والأعيان ثم بعد خمسة أيام عزل نفسه عن الخطابة وآثر بقاءه على تدريس البادرائية حين بلغه أنها طلبت لتؤخذ منه فبقى منصب الخطابة شاغرا ونائب الخطيب يصلي بالناس ويخطب ودخل عيد الأضحى وليس للناس خطيب وقد كاتب نائب السلطنة في ذلك فجاء المرسوم بالزامه بذلك وفيه لعلمنا بأهليته وكفايته واستمراره على ما بيده من تدريس البادرائية فباشرها القيسي جمال الدين ابن الرحبي سعى في البادرائية فأخذها وباشرها في صفر من السنة الآتية بتوقيع سلطاني فعزل الفزاري نفسه عن الخطابة ولزم بيته فراسله نائب السلطنة بذلك فصمم على العزل وأنه لا يعود إليها أبدا وذكر انه عجز عنها فلما تحقق نائب السلطنة ذلك اعاد إليه مدرسته وكتب له بها توقيعا بالعشر الأول من ذي الحجة وخلع على شمس الدين بن الخطيري بنظر الخزانة عوضا عن ابن الزملكاني وحج بالناس الامير شرف الدين حسن بن حيدر وممن توفي فيها من الأعيان :
*3* الشيخ عيسى بن الشيخ سيف الدين الرحبي
@ ابن سابق بن الشيخ يونس القيسي ودفن بزاويتهم التي بالشرق الشمالي بدمشق غربي الوراقة والعزية يوم الثلاثاء سابع المحرم
*3* الملك الاوحد
@ ابن الملك تقي الدين شادي بن الملك الزاهر مجير الدين داود بن الملك المجاهد أسد الدين شيركوه بن ناصر الدين محمد بن أسد الدين شيركوه بن شادي توفي بجبل الجرد في آخر نهار الأربعاء ثاني صفر وله من العمر سبع وخمسون سنة فنقل إلى تربتهم بالسفح وكان من خيار الملوك والدولة معظما عند الملوك والأمراء وكان يحفظ القرآن وله معرفة بعلوم ولديه فضائل
*3* الصدر علاء الدين
@ على بن معالي الانصاري الحراني الحاسب يعرف بابن الزريز وكان فاضلا بارعا في صناعة الحساب انتفع به جماعة توفي في آخر هذه السنة فجأة ودفن بقاسيون وقد أخذت الحساب عن الحاضري عن علاء الدين الطيوري عنه
*3* الخطيب شرف الدين أبو العباس
@ أحمد بن إبراهيم بن سباع بن ضياء الفزاري الشيخ الامام العلامة أخو العلامة شيخ الشافعية تاج الدين عبد الرحمن ولد سنة ثلاثين وسمع الحديث الكثير وانتفع على المشايخ في ذلك العصر كابن الصلاح وابن السخاوي وغيرهما وتفقه وأفتى وناظر وبرع وساد أقرانه وكان استاذا في العربية واللغة والقراءات وإيراد الأحاديث النبوية والتردد إلى المشايخ للقراءة عليهم وكان فصيح العبارة حلو المحاضرة لا تمل مجالسته وقد درس بالطبية وبالرباط الناصري مدة ثم تحول عنه إلى خطابة جامع جراح ثم انتقل إلى خطابة جامع دمشق بعد الفارقي في سنة ثلاث ولم يزل به حتى توفي يوم الأربعاء عشية التاسع من شوال عن خمس وسبعين سنة وصلى عليه صبيحة يوم الخميس على باب الخطابة ودفن عند أبيه وأخيه بباب الصغير رحمهم الله وولى الخطابة ابن اخيه
*3* شيخنا العلامة برهان الدين الحافظ الكبير الدمياطي
@ وهو الشيخ الامام العالم الحافظ شيخ المحدثين شرف الدين أبو محمد عبد المؤمن بن خلف بن ابي الحسن بن شرف بن الخضر بن موسى الدمياطي حامل لواء هذا الفن أعني صناعة الحديث وعلم اللغة في زمانه مع كبر السن والقدر وعلو الاسناد وكثرة الرواية وجودة الدراية وحسن التآليف وإنتشار التصانيف وتردد الطلبة إليه من سائر الآفاق ومولده في آخر سنة ثلاث عشرة وستمائة وقد كان أول سماعه في سنة ثنتين وثلاثين بالاسكندرية سمع الكثير على المشايخ ورحل وطاف وحصل وجمع فأوعى ولكن ما منع ولا بخل بل بذل وصنف ونشر العلم وولي المناصب بالديار المصرية وانتفع الناس به كثيرا وجمع معجما لمشايخه الذين لقيهم بالشام والحجاز والجزيرة والعراق وديار مصر يزيدون على ألف وثلثمائة شيخ وهو مجلدان وله الأربعون المتباينة الاسناد وغيرها وله كتاب في الصلاة الوسطى مفيد جدا ومصنف في صيام ستة أيام من شوال أفاد فيه وأجاد وجمع ما لم يسبق إليه وله كتاب الذكر والتسبيح عقيب الصلوات وكتاب التسلى في الاغتباط بثواب من يقدم من الافراط وغير ذلك من الفوائد الحسان ولم يزل في إسماع الحديث إلى ان أدركته وفاته وهو صائم في مجلس الأمراء غشى عليه فحمل إلى منزله فمات من ساعته يوم الاحد عاشر ذي القعدة بالقاهرة ودفن من الغد بمقابر باب النصر وكانت جنازته حافلة جدا رحمه الله تعالى
*2* ثم دخلت سنة ست وسبعمائة
@ استهلت والحكام هم المذكرون في التي قبلها والشيخ تقي الدين بن تيمية مسجون بالجب من قلعة الجبل وفي يوم الاربعاء جاء البريد بتولية الخطابة للشيخ شمس الدين إمام الكلاسة وذلك في ربيع الاول وهنئ بذلك فأظهر التكره لذلك والضعف عنه ولم يحصل له مباشرة لغيبة نائب السلطنة في الصيد فلما حضر أذن له فباشر يوم الجمعة العشرين من الشهر فأول صلاة صلاها الصبح يوم الجمعة ثم خلع عليه وخطب بها يومئذ وفي يوم الأربعاء ثامن عشر ربيع الأول باشر نيابة الحكم عن القاضي نجم الدين احمد بن عبد المحسن بن حسن المعروف بالدمشقي عوضا عن تاج الدين بن صالح بن تامر بن خان الجعبري وكان معمرا قديم الهجرة كثير الفضائل دينا ورعا جيد المباشرة وكان قد ولي الحكم في سنة سبع وخمسين وستمائة فلما ولى ابن صصرى كره نيابته وفي يوم الأحد العشرين من ربيع الآخر قدم البريد من القاهرة ومعه تجديد توقيع القاضي شمس الدين الأزرعي الحنفي فظن الناس انه بولاية القضاء لابن الحر يرى فذهبوا ليهنئوه مع البريد إلى الظاهرية واجتمع الناس لقراءة التقليد على العادة فشرع الشيخ علم الدين البرزالي في قراءته فلما وصل إلى الاسم تبين له أنه ليس له وأنه للأزرعي فبطل القارئ وقام الناس مع البريدي إلى الأزرعي وحصلت كسرة وخمدة على الحريري والحضارين ووصل مع البريدي أيضا كتاب فيه طلب الشيخ كمال الدين بن الزملكاني إلى القاهرة فتوهم من ذلك وخاف أصحابه عليه سبب انتسابه إلى الشيخ تقي الدين بن تيمية فتلطف به نائب السلطنة ودارى عنه حتى اعفى من الحضور إلى مصر ولله الحمد
وفي يوم الخميس تاسع جمادي الأولى دخل الشيخ ابن براق إلى دمشق وبصحبته مائة فقير كلهم محلقي ذقونهم موفري شواربهم عكس ما وردت به السنة على رؤسهم قرون لبابيد ومعه أجراس وكعاب وجوا كين خشب فنزلوا بالمنيبع وحضروا الجمعة برواق الحنابلة ثم توجهوا نحو القدس فزاروا ثم استأذنوا في الدخول إلى الديار المصرية فلم يؤذن لهم فعادوا إلى دمشق فصاموا بها رمضان ثم انشمروا راجعين إلى بلاد الشرق إذ لم يجدوا بدمشق قبولا وقد كان شيخهم براق روميا من بعض قرى دوقات من أبناء الاربعين وقد كانت له منزلة عند قازان ومكانه وذلك أنه سلط عليه نمرا فزجره فهرب منه وتركه فحظى عنده وأعطاه في يوم واحد ثلاثين ألفا ففرقها كلها فأحبه ومن طريقة أصحابه أنهم لا يقطعون لهم صلاة ومن ترك صلاة ضربوه أربعين جلدة وكان يزعم ان طريقه الذي سلكه إنما سلكه ليخرب على نفسه ويرى أنه زي المسخرة وان هذا هو الذي يليق بالدنيا والمقصود انما هو الباطن والقلب وعمارة ذلك ونحن إنما نحكم بالظاهر والله أعلم بالسرائر
وفي يوم الأربعاء سادس جمادي الآخرة حضر مدرس النجيبية بهاء الدين يوسف بن كمال الدين أحمد بن عبد العزيز العجمي الحلبي عوضا عن الشيخ ضياء الدين الطوسي توفي وحضر عنده ابن صصرى وجماعة من الفضلاء وفي هذه السنة صليت صلاة الرغائب في النصف بجامع دمشق بعد أن كانت قد أبطلها ابن تيمية منذ أربع سنين ولما كانت ليلة النصف حضر الحاجب ركن الدين بيبرس العلائي ومنع الناس من الوصول إلى الجامع ليلتئذ وغلقت أبوابه فبات كثير من الناس في الطرقات وحصل للناس أذى كثير وإنما أراد صيانة الجامع من اللغو والرفث والتخليط وفي سابع عشر رمضان حكم القاضي تقي الدين الحنبلي بحقن دم محمد الباجريقي وأثبت عنده محضرا بعداوة ما بينه وبين الشهود الستة الذين شهدوا عليه عند المالكي حين حكم بإراقة دمه وممن شهد بهذه العداوة ناصر الدين بن عبد السلام وزين الدين بن الشريف عدنان وقطب الدين بن شيخ السلامية وغيرهم وفيها باشر كمال الدين بن الزملكاني نظر ديوان ملك الأمراء عوضا عن شهاب الدين الحنفي وذلك في آخر رمضان وخلع عليه بطيلسان وخلعة وحضر بها دار العدل وفي ليلة عيد الفطر أحضر الامير سيف الدين سلار نائب مصر القضاة الثلاثة وجماعة من الفقهاء فالقضاة الشافعي والمالكي والحنفي والفقهاء الباجي والجزري والنمراوي وتكلموا في إخراج الشيخ تقي الدين بن تيمية من الحبس فاشترط بعض الحاضرين عليه شروطا بذلك منها أنه يلتزم بالرجوع عن بعض العقيدة وأرسلوا اليه ليحضر ليتكلموا معه في ذلك فامتنع من الحضور وصمم وتكررت الرسل إليه ست مرات فصمم على عدم الحضور ولم يلتفت إليهم ولم يعدهم شيئا فطال عليهم المجلس فتفرقوا وانصرفوا غير مأجورين وفي يوم الأربعاء ثاني شوال أذن نائب السلطنة الأفرم للقاضي جلال الدين القزويني أن يصلى بالناس ويخطب بجامع دمشق عوضا عن الشيخ شمس الدين إمام الكلاسة توفي فصلى الظهر يومئذ وخطب الجمعة واستمر بالامامة والخطابة حتى وصل توقيعه بذلك من القاهرة وفي مستهل ذي القعدة حضر نائب السلطنة والقضاة والأمراء والاعيان وشكرت خطبته وفي مستهل ذي القعدة كمل بناء الجامع الذي ابتناه وعمره الأمير جمال الدين نائب السلطنة الأفرم عند الرباط الناصري بالصالحية ورتب فيه خطيبا يخطب يوم الجمعة وهو القاضي شمس الدين محمد بن العز الحنفي وحضر نائب السلطنة والقضاة وشكرت خطبة الخطيب به ومد الصاحب شهاب الدين الحنفي سماطا بعد الصلاة بالجامع المذكور وهو الذي كان الساعي في عمارته والمستحث عليها فجاء في غاية الاتقان والحسن تقبل الله منهم
وفي ثالث ذي القعدة استناب ابن صصرى القاضي صدر الدين سليمان بن هلال بن شبل الجعبري خطيب داريا في الحكم عوضا عن جلال الدين القزويني بسبب اشتغاله بالخطابة عن الحكم وفي يوم الجمعة التاسع والعشرين من ذي القعدة قدم قاضي القضاة صدر الدين ابو الحسن على بن الشيخ صفي الدين الحنفي البصراوي إلى دمشق من القاهرة متوليا قضاء الحنفية عوضا عن الأزرعي مع ما بيده من تدريس النورية والمقدمية وخرج الناس لتلقيه وهنؤه وحكم بالنورية وقرئ تقليده بالمقصورة الكندية في الزاوية الشرقية من جامع بني امية وفي ذي الحجة ولي الأمير عز الدين بن صبرة على البلاد القبلية والي الولاة عوضا عن الأمير جمال الدين آقوش الرستمي بحكم ولايته شد الدواوين بدمشق وجاء كتاب من السلطان بولاية وكالته للرئيس عز الدين بن حمزة القلانسي عوضا عن ابن عمه شرف الدين فكره ذلك
وفي اليوم الثامن والعشرين من ذي الحجة أخبر نائب السلطنة بوصول كتاب من الشيخ تقي الدين من الحبس الذي يقال له الجب فأرسل في طلبه فجيء به فقرئ على الناس فجعل يشكر الشيخ ويثني عليه وعلى علمه وديانته وشجاعته وزهده وقال ما رأيت مثله وإذا هو كتاب مشتمل على ما هو عليه في السجن من التوجه إلى الله وأنه لم يقبل من أحد شيئا لا من النفقات السلطانية ولا من الكسوة ولا من الادرارات ولا غيرها ولا تدنس بشيء من ذلك
وفي هذا الشهر يوم الخميس السابع والعشرين منه طلب اخوا الشيخ تقي الدين شرف الدين وزين الدين من الحبس إلى مجلس نائب السلطان سلار وحضر ابن مخلوف المالكي وطال بينهم كلام كثير فظهر شرف الدين بالحجة على القاضي المالكي بالنقل والدليل والمعرفة وخطأه في مواضع ادعى فيها دعاوي باطلة وكان الكلام في مسألة العرش ومسألة الكلام وفي مسألة النزول
وفي يوم الجمعة ثاني عشرين ذي الحجة وصل على البريد من مصر نصر الدين محمد بن الشيخ فخر الدين بن أخي قاضي القضاة البصراوي وزوج ابنته على الحسبة بدمشق عوضا عن جمال الدين يوسف العجمي وخلع عليه بطيلسان ولبس الخلعة ودار بها في البلد في مستهل سنة سبع وسبعمائة وفي هذه السنة عمر في حرم مكة بنحو مائة ألف وحج بالناس من الشام الأمير ركن الدين بيبرس المجنون وممن توفي فيها من الأعيان :
*3*القاضي تاج الدين
@ صالح بن أحمد بن حامد بن علي الجعدي الشافعي نائب الحكم بدمشق ومفيد الناصرية كان ثقة دينا عدلا مرضيا زاهدا حكم من سنة سبع وخمسين وستمائة له فضائل وعلوم وكان حسن الشكل والهيئة توفي في ربيع الأول عن ست وسبعين سنة ودفن بالسفح وناب في الحكم بعده نجم الدين الدمشقي
*3* الشيخ ضياء الدين الطوسي
@ أبو محمد عبدالعزيز بن محمد بن علي الشافعي مدرس النجيبية شارح الحاوي ومختصر ابن الحاجب كان شيخا فاضلا بارعا وأعاد في الناصرية أيضا توفي يوم الاربعاء بعد مرجعه من الحمام تاسع عشر من جمادي الاولى وصلى عليه يوم الخميس ظاهر باب النصر وحضر نائب السلطنة وجماعة من الأمراء والأعيان ودفن بالصوفية ودرس بعده بالمدرسة بهاء الدين بن العجمي
*3* الشيخ جمال الدين إبراهيم بن محمد بن سعدالطيبي
@ المعروف بابن السوابلي والسوابل الطاسات كان معظما ببلاد الشرق جدا كان تاجرا كبيرا توفي في هذا الشهر المذكور
*3* الشيخ الجليل سيف الدين الرجيحي
@ ابن سابق بن هلال بن يونس شيخ اليونسية بمقامهم صلى عليه سادس رجب بالجامع ثم أعيد إلى داره التي سكنها داخل باب توما وتعرف بدار أمين الدولة فدفن بها وحضر جنازته خلق كثير من الأعيان والقضاة والأمراء وكانت له حرمة كبيرة عند الدولة وعند طائفته وكان ضخم الهامة جدا محلوق الشعر وخلف أموالا وأولادا
*3* الأمير فارس الدين الروادي
@ توفي في العشر الأخير من رمضان وكان قد رأى النبي قبل وفاته بأيام وهو يقول له أنت مغفور لك او نحو هذا وهو من أمراء حسام الدين لاجين
*3* الشيخ العابد خطيب دمشق شمس الدين
@ شمس الدين محمد بن الشيخ أحمد بن عثمان الخلاطي إمام الكلاسة كان شيخا حسنا بهى المنظر كثير العبادة عليه سكون ووقار باشر إمامة الكلاسة قريبا من أربعين سنة ثم طلب إلى أن يكون خطيبا بدمشق بالجامع من غير سؤال منه ولا طلب فباشرها ستة أشهر ونصف أحسن مباشرة وكان حسن الصوت طيب النغمة عارفا بصناعة الموسيقا مع ديانة وعبادة وقد سمع الحديث توفي فجأة بدار الخطابة يوم الاربعاء ثامن شوال عن ثنتين وستين سنة وصلى عليه بالجامع وقد امتلأ بالناس ثم صلى عليه بسوق الخيل وحضر نائب السلطنة والأمراء والعامة وقد غلقت الأسواق ثم حمل إلى سفح قاسيون رحمه الله
*2* ثم دخلت سنة سبع وسبعمائة
@ استهلت والحكام هم المذكورون في التي قبلها والشيخ تقي الدين بن تيمية معتقل في قلعة الجبل بمصر وفي أوائل المحرم أظهر السلطان الملك الناصر الغضب على الامير ابن سلار والجاشنكير وامتنع من العلامة وأغلق القلعة وتحصن فيها ولزم الأميران بيوتهما واجتمع عليهما جماعة من الأمراء وحوصرت القعلة وجرت خبطة عظيمة وغلقت الأسواق ثم راسلوا السلطان فتأطدت الأمور وسكنت الشرور على دخن وتنافر قلوب وقوى الأميران أكثر مما كانا قبل ذلك وركب السلطان ووقع الصلح على دخن وفي المحرم وقعت الحرب بين التتر وبين أهل كيلان وذلك أن ملك التتر طلب منهم أن يجعلوا في بلادهم طريقا إلى عسكره فامتنعوا من ذلك فأرسل ملك التتر خربندا جيشا كثيفا ستين ألفا من المقاتلة أربعين ألفا مع قطلوشاه وعشرني ألفا مع جوبان فأمهلهم أهل كيلان حتى توسطوا بلادهم ثم ارسلوا عليهم خليجا من البحر ورموهم بالنفط فغرق كثير منهم واحترق آخرون وقتلوا بأيديهم طائفة كثيرة فلم يفلت منهم إلا القليل وكان فيمن
قتل امير التتر الكبير قطلوشاه فاشتد غضب خربندا على أهل كيلان ولكنه فرح بقتل قطلوشاه فإنه كان يريد قتل خربندا فكفى امره عنهم ثم قتل بعده بولاي ثم إن ملك التتر ارسل الشيخ براق الذي قدم الشام فيما تقدم إلى أهل كيلان يبلغهم عنه رسالة فقتلوه وأراحوا الناس منه وبلادهم من أحصن البلاد وأطيبها لا تستطاع وهم أهل سنة وأكثرهم حنابلة لا يستطيع مبتدع أن يسكن بين أظهرهم
وفي يوم الجمعة رابع عشر صفر اجتمع قاضي القضاة بدر الدين بن جماعة بالشيخ تقي الدين ابن تيمية في دار الأوحدي من قلعة الجبل وطال بينهما الكلام ثم تفرقا قبل الصلاة والشيخ تقي الدين مصمم على عدم الخروج من السجن فلما كان يوم الجمعة الثالث والعشرين من ربيع الأول جاء الأمير حسام الدين مهنا بن عيسى ملك العرب إلى السجن بنفسه وأقسم على الشيخ تقي الدين ليخرجن اليه فلما خرج اقسم عليه ليأتين معه إلى دار سلار فاجتمع به بعض الفقهاء بدار سلار وجرت بينهم بحوث كثيرة ثم فرقت بينهم الصلاة ثم اجتمعوا إلى المغرب وبات الشيخ تقي الدين عند سلار ثم اجتمعوا يوم الأحد بمرسوم السلطان جميع النهار ولم يحضر احد من القضاة بل اجتمع من الفقهاء خلق كثير أكثر من كل يوم منهم الفقيه نجم الدين بن رفع وعلاء الدين التاجي وفخر الدين بن بنت أبي سعد وعز الدين النمراوي وشمس الدين بن عدنان وجماعة من الفقهاء وطلبوا القضاة فاعتذروا بأعذار بعضهم بالمرض وبعضهم بغيره لمعرفتهم بما ابن تيمية منطوي عليه من العلوم والادلة وأن احدا من الحاضرين لا يطيقه فقبل عذرهم نائب السلطنة ولم يكلفهم الحضور بعد أن رسم السلطان بحضورهم أو بفصل المجلس على خير وبات الشيخ عند نائب السلطنة وجاء الأمير حسام الدين مهنا يريد أن يستصحب الشيخ تقي الدين معه إلى دمشق فأشار سلار باقامة الشيخ بمصر عنده ليرى الناس فضله وعلمه وينتفع الناس به ويشتغلوا عليه وكتب الشيخ كتابا إلى الشام يتضمن ما وقع له من الأمور قال البرزالي وفي شوال منها شكى الصوفية بالقاهرة على الشيخ تقي الدين وكلموه في ابن عربي وغيره إلى الدولة فردوا الأمر في ذلك إلى القاضي الشافعي فعقد له مجلس وادعى عليه ابن عطاء بأشياء فلم يثبت عليه منها شيء لكنه قال لا يستغاث إلا بالله لا يستغاث بالنبي استغاثة بمعنى العبارة ولكن يتوسل به ويتشفع به إلى الله فبعض الحاضرين قال ليس عليه في هذا شيء ورأى القاضي بدر الدين بن جماعة أن هذا فيه قلة أدب فحضرت رسالة الى القاضي أن يعمل معه ما تقتضيه الشريعة فقال القاضي قد قلت له ما يقال لمثله ثم إن الدولة خيروه بين أشياء إما أن يسير إلى دمشق او الاسكندرية بشروط أو الحبس فاختار الحبس فدخل عليه جماعة في السفر إلى دمشق ملتزما ما شرط فأجاب أصحابه إلى ما اختاروا جبرا لخواطرهم فركب خيل البريد ليلة الثامن عشر من شوال ثم ارسلوا خلفه من الغد بريدا آخر فردوه وحضر عند قاضي القضاة ابن جماعة وعنده جماعة من الفقهاء فقال له بعضهم إن الدولة ما ترضى إلا بالحبس فقال القاضي وفيه مصلحة له واستتاب شمس الدين التونسي المالكي وأذن له ان يحكم عليه بالحبس فامتنع وقال ما ثبت عليه شيء فأذن لنور الدين الزواوي المالكي فتحير فلما رأى الشيخ توقفهم في حبسه قال انا امضي إلى الحبس وأتبع ما تقتضيه المصلحة فقال نور الدين الزواوي يكون في موضع يصلح لمثله فقيل له الدولة ما ترضى إلا بمسمى الحبس فأرسل إلى حبس القضاة في المكان الذي كان فيه تقي الدين ابن بنت الأعز حين سجن واذن له ان يكون عنده من يخدمه كان ذلك كله بإشارة نصر المنبجي لوجاهته في الدولة فإنه كان قد استحوذ على عقل الجاشنكير الذي تسلطن فيما بعد وغيره من الدولة والسلطان مقهور معه واستمر الشيخ في الحبس يستفتي ويقصده الناس ويزورونه وتأتيه الفتاوي المشكلة التي لا يستطيعها الفقهاء من الأمراء وأعيان الناس فيكتب عليها بما يحير العقول من الكتاب والسنة ثم عقد للشيخ مجلس بالصالحية بعد ذلك كله ونزل الشيخ بالقاهرة بدار ابن شقير وأكب الناس على الاجتماع به ليلا ونهارا وفي سادس رجب باشر الشيخ كمال الدين بن الزملكاني نظر ديوان المارستان عوضا عن يوسف العجمي توفي وكان محتسبا بدمشق مدة فأخذها منه نجم الدين بن البصراوي قبل هذا بستة أشهر وكان العجمي موصوفا بالامانة وفي ليلة النصف من شعبان أبطلت صلاة ليلة النصف لكونها بدعة وصين الجامع من الغوغاء والرعاع وحصل بذلك خير كثير ولله الحمد والمنة

وفي رمضان قدم الصدر نجم الدين البصراوي ومعه توقيع بنظر الخزانة عوضا عن شمس الدين الخطيري مضافا إلى ما بيده من الحسبة ووقع في أواخر رمضان مطر قوي شديد وكان الناس لهم مدة لم يمطروا فاستبشروا بذلك ورخصت الاسعار ولم يمكن الناس الخروج إلى المصلى من كثرة المطر فصلوا بالجامع وحضر نائب السلطنة فصلى بالمقصورة وخرج المحمل وأمير الحج عامئذ سيف الدين بلبان البدري التتري وفيها حج القاضي شرف الدين البارزي من حماة وفي ذي الحجة وقع حريق عظيم بالقرب من الظاهرية مبدؤه من الفرن تجاهها الذي يقال له فرن العوتية ثم لطف الله وكف شرها وشررها
قلت وفي هذه السنة كان قدومنا من بصرى إلى دمشق بعد وفاة الوالد وكان أول ما سكنا بدرب سعور الذي يقال له درب ابن ابي الهيجاء بالصاغة العتيقة عند الطوريين ونسأل الله حسن العاقبة والخاتمة آمين
وممن توفي فيها من الاعيان :
*3* الامير ركن الدين بيبرس
@ العجمي الصالحي المعروف بالجالق كان رأس الجمدارية في أيام الملك الصالح نجم الدين أيوب وامره الملك الظاهر كان من أكابر الدولة كثير الاموال توفي بالرملة لأنه كان في قسم اقطاعه في نصف جمادي الأولى ونقل إلى القدس فدفن به
*3* الشيخ صالح الاحمدي الرفاعي
@ شيخ المينبع كان التتر يكرمونه لما قدموا دمشق ولما جاء قطلوشاه نائب التتر نزل عنده وهو الذي قال للشيخ تقي الدين بن تيمية بالقصر نحن ما ينفق حالنا إلا عند التتر وأما عند الشرع فلا
*2* ثم دخلت سنة ثمان وسبعمائة
@ استهلت والحكام هم المذكورون في التي قبلها والشيخ تقي الدين قد أخرج من الحبس والناس قد عكفوا عليه زيارة وتعلما وإستفتاء وغير ذلك وفي مستهل ربيع الاول أفرج عن الامير نجم الدين خضر بن الملك الظاهر فأخرج من البرج وسكن دار الافرم بالقاهرة ثم كانت وفاته في خامس رجب من هذه السنة وفي أواخر جمادي الاولى تولى نظر ديوان ملك الامراء زين الدين الشريف ابن عدنان عوضا عن ابن الزملكاني ثم اضيف اليه نظر الجامع أيضا عوضا عن ابن الخطيري وتولى نجم الدين بن الدمشقي نظر الأيتام عوضا عن نجم الدين بن هلال وفي رمضان عزل الصاحب امين الدين الرفاقي عن نظر الدواوين بدمشق وسافر إلى مصر وفيها عزل كمال الدين ابن الشريشي نفسه عن وكالة بيت المال وصمم على الاستمرار على العزل وعرض عليه العود فلم يقبل وحملت اليه الخلعة لما خلع على المباشرين فلم يلبسها واستمر معزولا الى يوم عاشوراء من السنة الاتية فجدد تقليده وخلع عليه في الدولة الجديدة
وفهيا خرج الملك الناصر محمد بن قلاوون من الديار المصرية قاصدا الحج وذلك في السادس والعشرين من رمضان وخرج معه جماعة من الامراء لتوديعه فردهم ولما اجتاز بالكرك عدل اليها فنصب له الجسر فلما توسطه كسر به فسلم من كان أمامه وقفز به الفرس فسلم وسقط من كان وراءه وكانوا خمسين فمات منهم أربعة وتهشم أكثرهم في الوادي الذي تحت الجسر وبقي نائب الكرك الامير جمال الدين آقوش خجلا يتوهم أن يكون هذا يظنه السلطان عن قصد وكان قد عمل للسلطان ضيافة غرم عليها أربعة عشر ألفا فلم يقع الموقع لاشتغال السلطان بهم وما جرى له ولأصحابه ثم خلع على النائب وأذن له في الانصراف إلى مصر فاسفر واشتغل السلطان بتدبير المملكة في الكرك وحدها كان يحضر دار العدل ويباشر الامور بنفسه وقدمت عليه زوجته من مصر فذكرت له ما كانوا فيه من ضيق الحال وقلة النفقات
ذكر سلطنة الملك المظفر ركن الدين بيبرس الجاشنكير بشيخ المنبجي عدو ابن تيمية لما استقر الملك النصار بالكرك وعزم على الاقامة بها كتب كتابا إلى الديار المصرية يتضمن عزل نفسه عن المملكة فأثبت ذلك على القضاة بمصر ثم نفذ على قضاة الشام وبويع الامير ركن الدين بيبرس الجاشنكير في السلطنة في الثالث والعشرين من شوال يوم السبت بعد العصر بدار الامير سيف الدين سلار اجتمع بها اعيان الدولة من الامراء وغيرهم وبايعوه وخاطبوه بالملك المظفر وركب إلى القلعة ومشوا بين يديه وجلس على سرير الملكة بالقلعة ودقت البشائر وسارت البريدية بذلك إلى سائر البلدان وفي مستهل ذي القعدة وصل الامير عز الدين البغدادي الى دمشق فاجتمع بنائب السلطنة والقضاة والأمراء والاعيان بالقصر الابلق فقرأ عليهم كتاب الناصر إلى أهل مصر وأنه قد نزل عن الملك وأعرض عنه فأثبته القضاة وامتنع الحنبلي من إثباته وقال ليس أحد يترك الملك مختارا ولولا أنه مضطهد ما تركه فعزل وأقيم غيره واستحلفهم للسلطان الملك المظفر وكتبت العلامة على القلعة وألقابه على محال المملكة ودقت البشائر وزينت البلد ولما قرئ كتاب الملك الناصر على الامراء بالقصر وفيه إني قد صحبت الناس عشر سنين ثم اخترت المقام بالكرك تباكى جماعة من الامراء وبايعوا كالمكرهين وتولى مكان الامير ركن الدين بيبرس الجاشنكير الامير سيف الدين بن علي ومكان ترعكي سيف الدين بنخاص ومكان بنخاص الامير جمال الدين آقوش الذي كان نائب الكرك وخطب للمظفر يوم الجمعة على المنابر بدمشق وغيرها وحضر نائب السلطنة الافرم والقضاة وجاءت الخلع وتقليد نائب السلطنة في تاسع عشر ذي القعدة وقرأ تقليد النائب كاتب السر القاضي محيي الدين بن فضل الله بالقصر بحضرة الأمراء وعليهم الخلع كلهم وركب المظفر بالخلعة السوداء الخليفية والعمامة المدورة والدولة بين يديه عليهم الخلع يوم السبت سابع ذي القعدة والصاحب ضياء الدين ! النسائي حامل تقليد السلطان من جهة الخليفة في كيس أطلس أسود وأوله إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم ويقال إنه خلع في القاهرة قريب ألف خلعة ومائتي خلعة وكان يوما مشهودا وفرح بنفسه أياما يسيرة وكذا شيخه المنبجي ثم أزال الله عنهما نعمته سريعا
وفيها خطب ابن جماعة بالقلعة وباشر الشيخ علاء الدين القونوي تدريس الشريفية وممن توفي فيها من الاعيان :
*3* الشيخ الصالح عثمان الحلبوني
@ اصله من صعيد مصر فاقام مدة بقرية حلبون وغيرها من تلك الناحية ومكث مدة لا يأكل الخبز واجتمع عليه جماعة من المريدين وتوفي بقرية برارة في أواخر المحرم ودفن بها وحضر جنازته نائب الشام والقضاة وجماعة من الاعيان
*3* الشيخ الصالح
@ أبو الحسن علي بن محمد بن كثير الحراني الحنبلي إمام مسجد عطية ويعرف بابن المقري روى الحديث وكان فقيها بمدارس الحنابلة ولد بحران سنة أربع وثلاثين وستمائة وتوفي بدمشق في العشر الاخير من رمضان ودفن بسفح قاسيون وتوفي قبله الشيخ زين الدين الحراني بغزة وعمل عزاؤه بدمشق رحمهما الله
*3* السيد الشريف زين الدين
@ أبو علي الحسن بن محمد بن عدنان الحسيني نقيب الاشراف كان فاضلا بارعا فصيحا متكلما يعرف طريقة الاعتزال ويباحث الامامية ويناظر على ذلك بحضرة القضاة وغيرهم وقد باشر قبل وفاته بقليل نظر الجامع ونظر ديوان الأفرم توفي يوم الخامس من ذي القعدة عن خمس وخمسين سنة ودفن بتربتهم بباب الصغير
*3* الشيخ الجليل ظهير الدين
@ أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن أبي الفضل بن منعة البغدادي شيخ الحرم الشريف بمكة بعد عمه عفيف الدين منصور بن منعة وقد سمع الحديث واقام ببغداد مدة طويلة ثم سار إلى مكة بعد وفاة عمه فتولى مشيخة الحرم إلى أن توفي


التوقيع :


اللهم صل على سيدنا محمد عبدك ونبيك ورسولك
النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم تسليما عدد مااحاط به علمك
وخط به قلمك واحصاه كتابك
وارض اللهم عن سادتنا ابي بكر وعمر وعثمان وعلي
وعن الصحابة أجمعين وعن التابعين وتابعيهم بإحسان الى يوم الدين





رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:35 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.4, Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir