أصيب علاء الدين إبن ملك مرقوان و ولي عهده ، بمرض عضال استغرق أربعين يوما بلياليها ، فكان كل من في القصر قلقاً عليه ، و لكن في اليوم الحادي و الأربعين بدت عليه ملامح العافية ، فأقيمت في القصر الأفراح و الليالي الملاح ، و عندما تماثل علاء الدين للشفاء تماما ، أمر والده بشق ساقينين إحداهما أجرى فيها سمناً و الثانية أجرى فيها عسلاً .
فتهافت الناس من البلدة المجاورة للقصر نحو الساقيتين ، و بدؤوا يملؤون جرارهم بأطيب أنواع السمن و أجود أنواع العسل .
أم شريف ، سيدة عجوز ، لم تسمع بالخبر إلا بعد أن جفت الساقيتان ، و لكنها لم تيأس فحملت جرة على رأسها و حضنت الأخرى بين ذراعيها ، ثم اتجهت نحو الساقيتين ، و بالاستعانة بقطعة من القماش أخذت تجمع ما بقي في بعض الحفر الصغيرة هنا و هناك ، حتى كادت تملأ جرتيها .
كان علاء الدين أثناء ذلك يتنزه فوق فرسه برفقة إثنين من حراسه ، فلمح العجوز تجاهد لتملأ جرتيها ، فضحك ساخرا و التفت نحو أحد حارسيه قائلا و هو ما يزال ممعنا في ضحكه : " يا لها من عجوز جشعة ، لم يكفها ما أخذته من قبل ، فجاءت تستنفذ الحثالة " ثم طلب من حارسه قوسا و سهما ، صوبه نحو إحدى الجرتين فأصابها في الحال فتفتت و سال منها ما جمعته العجوز من سمن ، و لم تكد ترفع رأسها لترى من المعتدي حتى عاجل سهم آخر جرتها الثانية فتفتت بدورها و سال منها العسل فوق ثياب العجوز المسكينة .
عندما أفاقت من حسرتها ، أذهلها أن علاء الدين إبن الملك و ولي عهده هو الفاعل ، نظرت نحوه بعينين دامعتين ثم قالت بصوت كسير : (( روح يا علاء الدين ، الله يبليك بهوى الثلاث كبادات* ! .. ))
*****
بعد أسبوع من التفكير و التمحيص و مجافاة النوم و الشرود الدائم ، حتى كأن المرض عاد لينقض عليه ، و إذ تنبه لحالته والداه ، توسلا إليه أن يبوح بما يسوؤه دون أن يتمكن من إجابتهما ، ثم قرر أمرا : " أريد أن أقوم بجولة في أنحاء المملكة ، هل تأذن لي " سأل والده ، الذي أجابه على الفور : " إفعل ما شئت ، و خذ ما تحتاجه من الذهب و الخدم ، و إذا أردت جيشا كاملا لمرافقتك ، أضعه تحت أمرك ، المهم أن تعود إبتسامتك إلى فمك و الحمرة إلى خديك "
و هكذا مضى علاء الدين يضرب في الفيافي و الوهاد ، و لايرافقه سوى حارساه ، إلى أن ساقته قدماه إلى بستان ، و بينما كان يتجول بين أشجاره المثمرة بشتى أنواع الفواكه ، لفتت نظره على حين غرة شجرة كباد عملاقة يتدلى منها فقط ثلاث كبادات .
فضحك متذكرا دعوة العجوز ، ثم أمر أحد حارسيه أن يتسلق فيقطف الكبادات الثلاث !..
وضعها الحارس بين يديه ، فأخرج علاء الدين خنجره من حزامه و بدأ يشق قشرة الكبادة الأولى ، و أمام ذهوله الشديد خرجت منها فتاة كانت متكورة ثم ما لبثت أن انتصبت واقفة ( صبية لبية تقول للقمر غيب ، لأقعد مكانك قاضي و مفتي و نقيب ) و لكن ما لبثت أن فاجأتهاا نوبة من السعال ، فصاحت مستغيثة : " ارجوك أيها الشهم أدركني بقطرة ماء... " . و لم يكد الحارس يخرج مطارة الماء من خرجه ، حتى سقطت الصبية أرضا بلا حراك .
أسف الأمير علاء الدين عليها كثيرا ، و لكنه قرر أن يشق الكبادة الثانية ، و لذهوله الشديد برزت منها صبية أجمل من الأولى ، و ما لبثت أن صاحت طالبة بعض الماء ثم سقطت ميتة .
قبل أن يفتح الكبادة الثالثة ، أمسك بيده مطّارة الماء و فتح غطاءها ، استعدادا ، ثم شق الكبادة بعناية فائقة ، لتبرز له صبية أجمل من ألأخريين و قبل أن تطلب ، قدم لها الماء ، فشربت و ارتويت ، ثم طلبت منه دثارا تستتر به ، إلتفت به ، ثم قالت له بصوت رقيق : " سيدي أنا جاريتك و خادمتك ، و سأكون طوع بنانك " ؛ ابتسم لها علاء الدين ثم أركبها خلفه فوق فرسه ، و قفل عائدا مع حارسيه نحو بلدته و قصر أبويه .
قبيل بلوغ القصر بمسافة يومين ، أمر علاء الدين أحد حارسيه أن يسبقهم ليبشر والديه بقدومه و بأنه عثر على العروس التي تناسبه و التي طالما حلم بها .
قبل مسافة يوم واحد من بلوغ القصر ، فوجئ علاء الدين بالغبار يتصاعد عن بعد ليتكشف عن موكب كبير يتألف من لفيف من الأمراء و أفراد الحاشية و في مقدمتهم والده ، جاؤوا جميعا لإستقباله و عروسه .
و قبيل فرسخ أو يزيد من بوابة القصر ، إصطف أهل البلدة نساء و رجالا و أطفالا ، يهزجون و يزغردون و يهتفون بحياته و حياة عروسه .
و أقيمت الأفراح و الليالي الملاح سبعة أيام بلياليها .
أما علاء الدين فلم يترك عروسه التي إفتن بها لحظة واحدة إلى أن تذكر أمرا .
نادى أحد عبيده آمرا أن يملأ جرتين إحداهما بأفضل أنواع السمن و الأخرى بأطيب أنواع العسل الجبلي ، ثم توجه مع عبده و عروسه ، إلى بيت العجوز أم شريف ، فقدم لها الجرتين و انحنى فقبل يدها معتذرا ثم عرَّفها على كبادته الأثيرة .