الشرط لغة : العلامة , وشرعا : ما يلزم من عدمه العدم , ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم لذاته , وشروط الصلاة ما تتوقف صحتها عليها مع الإمكان . وللصلاة شرائط لا تصح إلا بها , إذا عدمت أو بعضها ; لم تصح الصلاة , ومنها :
أولا : دخول وقتها : قال تعالى : [ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا ] أي :
مفروضا في أوقات محددة , فالتوقيت هو التحديد , وقد وقت الله الصلاة ; بمعنى أنه سبحانه حدد لها وقتا من الزمان , وقد أجمع المسلمون على أن للصلوات الخمس أوقاتا مخصوصة محدودة لا تجزئ قبلها . قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه : " الصلاة لها وقت شرطه الله لها لا تصح إلا به " . فالصلاة تجب بدخول وقتها ; لقوله تعالى : [ أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ ] وقد أجمع العلماء على فضيلة الإتيان بالصلاة في أول وقتها في الجملة ; لهذه الآية , ولقوله تعالى : [ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ] وقوله تعالى : [ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ ] وقال تعالى : [ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ] وفي " الصحيحين " أنه صلى الله عليه وسلم سئل : أي العمل أحب إلى الله ؟ قال : { الصلاة على وقتها } وقال تعالى : [ حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ ] ومن المحافظة عليها الإتيان بها أول وقتها .
والصلوات المفروضات خمس في اليوم والليلة , لكل صلاة منها وقت مناسب اختاره الله لها , يتناسب مع أحوال العباد , بحيث يؤدون هذه الصلوات في هذه الأوقات , ولا تحبسهم عن أعمالهم الأخرى , بل تعينهم عليها , وتكفر عنهم خطاياهم التي يصيبونها ; فقد شبهها النبي صلى الله عليه وسلم بالنهر الجاري , الذي يغتسل منه الإنسان خمس مرات , فلا يبقى من درنه شيء . وهذه المواقيت كما يلي :
1 - صلاة الظهر : ويبدأ وقتها بزوال الشمس ; أي : ميلها إلى المغرب عن خط المسامتة , وهو الدلوك المذكور في قوله تعالى : [ أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ ] ويعرف الزوال بحدوث الظل في جانب المشرق بعد انعدامه من جانب المغرب , ويمتد وقت الظهر إلى أن يصير ظل الشيء مثله في الطول , ثم ينتهي بذلك ; لقوله صلى الله عليه وسلم : { وقت الظهر إذا زالت الشمس وكان ظل الرجل كطوله } رواه مسلم . ويستحب تعجيلها في أول الوقت ; إلا في شدة الحر ; فيستحب تأخيرها إلى أن ينكسر الحر ; لقوله صلى الله عليه وسلم : { إذا اشتد الحر , فأبردوا بالصلاة , فإن شدة الحر من فيح جهنم }
2- صلاة العصر : يبدأ وقتها من نهاية وقت الظهر , أي : من مصير ظل كل شيء مثله , ويمتد إلى اصفرار الشمس على الصحيح من قولي العلماء . ويسن تعجيلها في أول الوقت , وهي الصلاة الوسطى التي نص الله عليها لفضلها , قال تعالى : [ حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى ] وقد ثبت في الأحاديث أنها صلاة العصر .
3- وصلاة المغرب : يبدأ وقتها بغروب الشمس ; أي : غروب قرصها جميعه ; بحيث لا يرى منه شيء ; لا من سهل ولا من جبل , ويعرف غروب الشمس أيضا بإقبال ظلمة الليل من المشرق ; لقوله صلى الله عليه وسلم : { إذا أقبل الليل من ها هنا , وأدبر النهار من ها هنا ; فقد أفطر الصائم } ثم يمتد وقت المغرب إلى مغيب الشفق الأحمر , والشفق : بياض تخالطه حمرة , ثم تذهب الحمرة ويبقى بياض خالص ثم يغيب , فيستدل بغيبوبة البياض على مغيب الحمرة . ويسن تعجيل صلاة المغرب في أول وقتها ; لما روى الترمذي وصححه عن سلمة ; أن النبي صلى الله عليه وسلم { كان يصلي المغرب إذا غربت الشمس وتوارت بالحجاب } قال : وهو قول أهل العلم من الصحابة ومن بعدهم .
4- وصلاة العشاء : يبدأ وقتها بانتهاء وقت المغرب ; أي : بمغيب الشفق الأحمر , ويمتد إلى طلوع الفجر الثاني , وينقسم إلى قسمين : وقت اختيار يمتد إلى ثلث الليل , ووقت اضطرار من ثلث الليل إلى طلوع الفجر الثاني . وتأخير الصلاة إلى آخر الوقت المختار ( إلى ثلث الليل ) أفضل إن سهل , فإن شق على المأمومين ; فالمستحب تعجيلها في أول وقتها ; دفعا للمشقة . ويكره النوم قبل صلاة العشاء ; لئلا يستغرق النائم فتفوته , ويكره الحديث بعدها , وهو التحادث مع الناس ; لأن ذلك يمنعه من المبادرة بالنوم حتى يستيقظ مبكرا ; فينبغي النوم بعد صلاة العشاء مباشرة , ليقوم في آخر الليل , فيتهجد , ويصلي الفجر بنشاط ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكره النوم قبلها والحديث بعدها . وهذا إذا كان سهره بعد العشاء من غير فائدة , أما إذا كان لغرض صحيح وحاجة مفيدة ; فلا بأس .
5- وصلاة الفجر يبدأ وقتها بطلوع الفجر الثاني , ويمتد إلى طلوع الشمس , ويستحب تعجيلها إذا تحقق طلوع الفجر . هذه مواقيت الصلوات الخمسة التي فرضها الله فيها ; فعليك بالتقيد بها ; بحيث لا تصليها قبل وقتها , ولا تؤخرها عنه ; فقد قال الله تعالى : [ فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ ] أي : الذين يؤخرون الصلاة عن أوقاتها , وقال تعالى : [ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا إِلَّا مَنْ تَابَ ] ومعنى أضاعوها : أخروها عن وقتها ; فالذي يؤخر الصلاة عن وقتها سماه الله ساهيا عنها ومضيعا لها , وتوعده بالويل والغي , وهو واد في جهنم , ومن نسيها أو نام عنها ; تجب عليه المبادرة إلى فضائها ; قال صلى الله عليه وسلم : { من نسي صلاة أو نام عنها , فليصلها إذا ذكرها , لا كفارة لها إلا ذلك } فتجب المبادرة لقضاء الصلاة الفائتة على الفور , ولا ينتظر إلى دخول وقت الصلاة التي تشابهها كما يظن بعض العوام , ولا يؤخرها إلى خروج وقت النهي , بل يصليها في الحال . ..
أحكام شروط الصلاة
ثانيا: ستر العورة
ومن شروط الصلاة ستر العورة وهي ما يجب تغطيته , ويقبح ظهوره , ويستحيى منه , قال الله تعالى : [ يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ ] أي : عند كل صلاة , وقال النبي صلى الله عليه وسلم : { لا يقبل الله صلاة حائض ( أي : بالغ ) ; إلا بخمار } رواه أبو داود والترمذي وحسنه . قال ابن عبد البر : " أجمعوا على فساد صلاة من ترك ثوبه وهو قادر على الاستتار به وصلى عريانا ; فلا خلاف في وجوب ستر العورة في الصلاة وبحضرة الناس " وفي الخلوة على الصحيح , قال النبي صلى الله عليه وسلم : { احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك } قلت : فإذا كان القوم بعضهم في بعض ؟ قال : { فإن استطعت أن لا يراها أحد ; فلا يرينها } قال : فإذا كان أحدنا خاليا ؟ قال : { الله أحق أن يستحى منه } رواه أبو داود وغيره .
وقد سمى الله كشف العورة فاحشة في قوله عن الكفار : [ وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ ] وكانوا يطوفون بالبيت عراة , ويزعمون أن ذلك من الدين ; فكشف العورة والنظر إليها يجر إلى شر خطير , ووسيلة إلى الوقوع في الفاحشة وهدم الأخلاق ; كما هو مشاهد في المجتمعات المتحللة التي ضاعت كرامتها وهدمت أخلاقياتها ; فانتشرت فيها الرذيلة , وعدمت فيها الفضيلة . فستر العورة إبقاء على الفضيلة والأخلاق , ولهذا يحرص الشيطان على إغراء بني آدم بكشف عوراتهم , وقد حذرنا الله منه في قوله : [ يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا ] فكشف العورات مكيدة شيطانية قد وقع فيها كثير من المجتمعات البشرية اليوم , وربما يسمون ذلك رقيا وتفننا ; فتكونت نوادي العراة , وتفشى السفور في النساء , فعرضت أجسادها أمام الرجال ; بلا حياء ولا خجل .
أيها المسلم ! إنه يجب ستر العورة بما لا يصف بشرتها , قال تعالى : [ يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ ] فمواراة العورة باللباس الساتر أمر مطلوب وواجب , وحد عورة الرجل الذكر من السرة إلى الركبة ; لحديث علي رضي الله عنه :
{ لا تبرز فخذك , ولا تنظر إلى فخذ حي أو ميت } رواه أبو داود وابن ماجه , وفي الحديث الآخر : { غط فخذك ; فإن الفخذ عورة } رواه مالك وأحمد والترمذي وحسنه , ومع هذا كله ; نرى مع الأسف الشديد كثيرا من الرجال عندما يزاولون الألعاب يكشفون أفخاذهم ولا يغطون إلا العورة المغلظة , وهذه مخالفة صريحة لهذه النصوص ; فالواجب عليهم التنبه لذلك , والتقيد بأحكام دينهم , وعدم الالتفات لما يخالفها .
والمرأة كلها عورة ; لقوله صلى الله عليه وسلم : { والمرأة عورة } صححه الترمذي , ولحديث أم سلمة : أتصلي المرأة في درع وخمار وليست عليها إزار ؟ قال : { إذا كان الدرع سابغا يغطي ظهور قدميها } رواه أبو داود , ولأبي داود والترمذي وابن ماجه من حديث عائشة : { لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار } قال الترمذي : والعمل عليه عند أهل العلم ; أن المرأة إذا أدركت فصلت وشيء من عورتها مكشوف ; لا تجوز صلاتها .
هذه الأحاديث , مع قوله تعالى : [ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ ] الآية , وقوله : [ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ] وقوله تعالى : [ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ ] وقول عائشة : { كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم محرمات , فإذا مر بنا الرجال ; سدلت إحدانا خمارها على وجهها , فإذا جاوزونا : كشفناه } هذه النصوص وما جاء بمعناها من الكتاب والسنة , وهي كثيرة شهيرة , تدل على أن المرأة كلها عورة أمام الرجال الأجانب , لا يجوز أن يظهر من بدنها شيء بحضرتهم في الصلاة وغيرها , أما إذا صلت في مكان خال من الرجال الأجانب ; فإنها تكشف وجهها في الصلاة ; فهو ليس بعورة في الصلاة , لكنه عورة عند الرجال غير المحارم ; فلا يجوز نظرهم إليه .
وإنه لمن المؤسف المحزن ما وصل إليه كثير من نساء العصر المسلمات من تهتك وتساهل في الستر , وتسابق إلى إبراز مفاتنهن , واتخاذ اللباس الذي لا يستر ; تقليدا لنساء الكفرة والمرتدين ; فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم . إن الله تعالى قد أمر بقدر زائد على ستر العورة في الصلاة , وهو أخذ الزينة ; فقال تعالى : [ يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ ] فأمر بأخذ الزينة لا بستر العورة فقط , مما يدل على أن المسلم ينبغي له أن يلبس أحسن ثيابه وأجملها في الصلاة للوقوف بين يدي الله تبارك وتعالى , فيكون المصلي في هذا الموقف على أكمل هيئة ظاهرا وباطنا . ..