العودة   منتديات أفـــاق دبـــي الثقافيـــة > كليةالشريعة College of Sharia > قسم الماجستيرSection Masters

آخر 10 مشاركات
الخبيصه الاماراتيه (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 1 - المشاهدات : 21123 - الوقت: 09:09 PM - التاريخ: 01-13-2024)           »          حلوى المغلي بدقيق الرز (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 0 - المشاهدات : 14853 - الوقت: 03:16 PM - التاريخ: 12-11-2023)           »          دروس اللغة التركية (الكاتـب : عمر نجاتي - مشاركات : 0 - المشاهدات : 21047 - الوقت: 11:25 AM - التاريخ: 08-21-2023)           »          فيتامين يساعد على التئام الجروح وطرق أخرى (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 0 - المشاهدات : 22429 - الوقت: 08:31 PM - التاريخ: 07-15-2023)           »          صناعة العود المعطر في المنزل (الكاتـب : أفاق الفكر - آخر مشاركة : OM_SULTAN - مشاركات : 4 - المشاهدات : 56490 - الوقت: 10:57 PM - التاريخ: 11-06-2022)           »          كحل الصراي وكحل الاثمد وزينت المرأة قديما من التراث (الكاتـب : Omna_Hawaa - آخر مشاركة : OM_SULTAN - مشاركات : 2 - المشاهدات : 51552 - الوقت: 10:46 PM - التاريخ: 11-06-2022)           »          كيفية استخدام البخور السائل(وطريقة البخور السائل) (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 2 - المشاهدات : 43468 - الوقت: 10:36 PM - التاريخ: 11-06-2022)           »          جددي بخورك (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 0 - المشاهدات : 25843 - الوقت: 10:25 PM - التاريخ: 11-06-2022)           »          عطور الإمارات صناعة تراثية (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 0 - المشاهدات : 26231 - الوقت: 10:21 PM - التاريخ: 11-06-2022)           »          خلطات للعطور خاصة (الكاتـب : أفاق : الاداره - آخر مشاركة : OM_SULTAN - مشاركات : 1 - المشاهدات : 32129 - الوقت: 10:12 PM - التاريخ: 11-06-2022)

 
 
أدوات الموضوع تقييم الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
قديم 09-24-2012, 05:27 AM   رقم المشاركة : 1
الكاتب

OM_SULTAN

المشرف العام

OM_SULTAN غير متواجد حالياً


الملف الشخصي








OM_SULTAN غير متواجد حالياً


مقاصد الشريعة بأبعاد جديدة " الدكتور عبد المجيد عمر النجار


مقاصد الشريعة بأبعاد جديدة " الدكتور عبد المجيد عمر النجار


عرض وحوار الهادي بريك
" مقاصد الشريعة بأبعاد جديدة ".

كتاب من تأليف الدكتور عبد المجيد عمر النجار ( الطبعة الأولى : 06 ـ الطبعة الثانية : 08 ).

من منشورات دار الغرب الإسلامي ( بيروت ـ لبنان ). حوالي : 300 صفحة من الحجم المتوسط. يضم الكتاب بعد التمهيد ستة أبواب لكل باب منها فصلان ويعتمد 49 مرجعا ومصدرا.

وهو أول مؤلف مستقل للدكتور النجار في القضية المقاصدية بعد بحثه القديم في الكشف عن مسالك الكشف عن المقاصد بين الإمامين الشاطبي وإبن عاشور.

نبذة مختصرة جدا عن الدكتور عبد المجيد عمر النجار :

ــ من مواليد 1945 بتونس.
ــ دكتور في العقيدة والفلسفة من جامعة الأزهر عام 1981
ــ عمل أستاذا جامعيا بكليات عربية كثيرة منها ( الجامعة الزيتونية بتونس والجزائر والإمارات العربية وقطر إلخ ..).
ــ يعمل حاليا مديرا لمركز البحوث بالمعهد الأوروبي للعلوم الإنسانية بباريس.
ــ الأمين العام المساعد للمجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث
ــ عضو مؤسس بالإتحاد العالمي للعلماء المسلمين
ــ حائز على جوائز تقديرية علمية كثيرة وله كثير من البحوث والدراسات المنشورة
ــ ألف إلى حد الساعة حوالي 30 كتابا في مواضيع مختلفة.

خطة العرض :

1 ــ تقديم الكتاب.
2 ــ الدعوة إلى الحوار حوله :
... مواضع التجديد في الكتاب.
... مواضع الحوار المقترحة.
أولا : عرض الكتاب.

مدخل إلى مقاصد الشريعة :

أ ــ المقاصد بين العقيدة والشريعة.ينتصر الدكتور النجار إلى تغليب شمول المصطلح " مقاصد الشريعة " ليضم إليه مقاصد الدين كلها عقيدة وشريعة ويرجح ذلك بقوله : " ولهذا السبب فإنه ينبغي على ما نرى أن يكون مصطلح مقاصد الشريعة شاملا لمقاصد الدين عقيدة وشريعة وإن كانت هذه المقاصد أبين في الأحكام الشرعية العملية والحاجة إلى العلم بها أوكد لدوران الإجتهاد عليها وأما العقائد فإن مجال الإجتهاد فيها مجال محدود ضيق ". ص 25 من الكتاب.

ب ــ المقصد بين الغائية والحكمة.

لم يتوقف الدكتور النجار عند الإختلاف المعروف في تعريف المقصد وبذلك قال معرفا : " هو الغاية التي من أجلها وضعت أو الحكمة التي تضمنتها أحكامها ". ص 16 من الكتاب.

ج ــ الإتجاه المقاصدي للشريعة بين النفي والإثبات.

لم يعر الدكتور النجار هذا المبحث ما أعاره آخرون ممن ألف في هذا العلم وإكتفى بتأكيد الإتجاه المقاصدي للشريعة بإعتبار أنه هو الرأي الأغلب والأرجح في الأمة إلا ما كان نشازا من مثل ما أتى به فقيه الإندلس إبن حزم أو أحد علامات الأشاعرة الرازي وممن يندرج في نظمهم بحجة أن: " الشريعة من فعل الله وأفعال الله متعالية على أن تكون لها علل وغايات كما هي أفعال الإنسان ..". ص 17 من الكتاب.

د ــ أهمية العلم بالمقاصد.

توقف الدكتور النجار عند هذا المبحث ليؤكد أهميته فقال : " وتظهر تلك الأهمية في كل من مجالي: فهم الأحكام وتنزيلها على الواقع .. مرجحة لحكم على آخر عند النظر في النصوص الظنية الدلالة .. مفيدة جدا في إستخراج الأحكام بطريق القياس المعتمد على معرفة العلة ..". ص 19 من الكتاب.

توسع الدكتور النجار في هذا المبحث قليلا لينتهي به إلى توصيف صنيع عمر عليه الرضوان في القضية المعروفة بحد السرقة عام الرمادة بالعراق : " وذلك هو صنيع عمر حينما أجل تطبيق حد السرقة عام المجاعة ". ص 20 من الكتاب.

ه ــ مراحل الإهتمام بالمقاصد في التاريخ الإسلامي.

هي ـ بحسب الدكتور النجار ـ مراحل ثلاث : " إمتدت المرحلة الأولى أربعة قرون .. كان الفقهاء والأصوليون فيها يبحثون في مقاصد الشريعة .. بإسم علل الشريعة أو حكمة الشريعة أو أسرار الشريعة .. المرحلة الثانية شهدت ظهور التقسيم الشهير للمقاصد أي مقاصد ضرورية ومقاصد حاجية ومقاصد تحسينية .. ومن أشهر أعلام هذه المرحلة الإمام الجويني الذي يعتبر المؤسس الحقيقي لتميز البحوث المقاصدية عن سائر البحوث الأصولية .. المرحلة الثالثة أصبح فيها هذا العلم يتجه إلى أن يكون فرعا مستقلا بذاته من فروع العلوم الشرعية متولدا من علم أصول الفقه فلما جاء أبو إسحاق الشاطبي طور علم المقاصد تطويرا نوعيا حيث وضع أسسه كعلم مستقل ثم جاء الإمام بن عاشور .. وقد أصبح اليوم علم المقاصد علما مستقلا يدرس في الجامعات ..". ص 22 و23 من الكتاب.

و ــ مسالك العلم بالمقاصد.

تبنى الدكتور النجار مسالك أربعة للكشف عن مقاصد الشريعة مقدما لذلك بقوله : " مشكلة التعرف على مقاصد الشريعة من أخطر المشاكل في هذا الباب مستشهدا بقول الإمام بن عاشور في هذا الباب حين قال : ( على الباحث في مقاصد الشريعة أن يطيل التأمل ويجيد التثبت في إثبات مقصد شرعي وإياه والتساهل والتسرع في ذلك ..) .." ولا يتوقف الدكتور النجار عند التنبيه إلى تلك المشكلة بل يضم إليها مشكلة جديدة : " فإن الأمر يحتاج إلى أن يقع العلم بأيلولة تلك المقاصد في الواقع من تحقق جراء إجراء الأحكام الموضوعة من أجلها أو عدم تحقق .. " كما يثبت الدكتور النجار أن هذه المشكلة ( منهج الكشف عن مسالك الكشف ) التي لم يولها الباحثون الأهمية اللائقة بها لا في القديم ولا في الحديث " إنفرد ـ فيما نعلم ـ الإمامان الشاطبي وبن عاشور بتخصيص مبحث لها لشرح طرق العلم بمقاصد الشريعة " كما يدعو الدكتور النجار إلى مزيد من العمق والتوسع والضبط إجتهادا معاصرا لتطوير تلك الشروح التي قام بها الإمامان.

... مسلك الأمر والنهي. علله الدكتور النجار بقوله : " وحينما يثبت أي حكم شرعي بطلب إلهي فمعنى ذلك أن ذلك الطلب الذي ثبت به الحكم هو طلب وضع لذلك الحكم مقصدا شرعيا من أجله شرع فيكون الطلب إذن مقتضيا للحكم .. " وضرب لذلك مثل طلب ترك السرقة الذي يحقق مقصد حفظ المال. كما يحدد طبيعة هذا المسلك فيقول : " ليس من طبيعته أن يعرف بهذه المقاصد على وجه التعيين فإنه كفيل بأن يعرف بها على وجه الإطلاق .." وعاد بالنعي على تنكب فقه المقاصد بمثل ما وقع فيه المشتطون الذين مرقوا من الشريعة بسبيل صرفهم لبعض آي الكتاب الحكيم مصارف مشينة وضرب لذلك مثل الذين زعموا بلوغ درجة اليقين من قوله سبحانه " وإعبد ربك حتى يأتيك اليقين " فأسقطوا عن أنفسهم تكاليف الشريعة.

... مسلك البيان النصي. مبنى ذلك هو أن بعض الأحكام في الوحي صاحبها ذكر مقصدها بوجه من الوجوه وذلك من مثل قوله سبحانه تعقيبا على قصة قتل أحد إبني آدم لأخيه " من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا .." ومن ذا يحدد الدكتور النجار طبيعة هذا المسلك فيقول : " يعتبر كالموجه المعين على تعيين المقاصد التي لم يرد فيها تعيين بإعتبارها أنموذجا .." ويعتبر المؤلف أن هذا المسلك يتفاوت في درجة الوضوح فأحيانا يكون قطعيا من مثل ما ورد في المثال آنف الذكر وأحيانا يكون أدنى من ذلك من مثل قوله سبحانه : " وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله " كما يبين الدكتور النجار أن هذا المسلك قد يكون بيانا للمقاصد العالية وضرب لذلك مثل اليسر في الشريعة إلى غير ذلك من عطاءات هذا المسلك ولكنه ينبه إلى أن الظنيات في هذا المسلك ـ بإعتباره من أقوى المسالك ـ أكثر من القطعيات فيه بما يستلزم الحذر وإطالة الدرس.

... مسلك الإستقراء. أصل هذا المسلك هو أن أغلب الأحكام غير منصوص على مقاصدها وإن كان معلوما أنها مقصدة معللة " وبما أن الأحكام جزئيات كثيرة مندرجة ضمن أنواع وأنواع مندرجة ضمن أجناس فإن الكثير من الأحكام تلتقي عند المقصد الواحد .." ويضرب للإستقراء مثلا من السنة النبوية ليبين أن الإستقراء هو الذي دل على أن مقصد منع الغرر في البيع جاء نتيجة لتتبع جزئيات كثيرة منها النهي عن بيع الثمار قبل بدو صلاحها ومنها النهي عن بيع ما في بطون الأنعام قبل وضعها وغير ذلك مما لا يحصى.

... مسلك العمل النبوي. أصل هذا المسلك هو أن المقصد قد يكشف عنه من خلال حسن فقه القول ومن خلال حسن فقه العمل حتى لو كان إقرارا منه عليه الصلاة والسلام لعمل بعض صحابته. ولكن المؤلف يقصر ذلك على الأفعال النبوية " إذا كانت مندرجة ضمن ما هو من التصرفات النبوية التبليغية " وضرب لذلك مثالا أبرز فيه أن العمل النبوي مسلك دلنا على مقصد تكريم الذات الإنسانية من خلال عيادته لمريض من مرضى اليهود ومن خلال وقوفه لجنازة يهودي وغير ذلك كما ضرب لهذا المسلك أمثلة أخرى يجدر الرجوع إليها في الكتاب. ص 25 حتى 35 من الكتاب.

زــ تصنيف مقاصد الشريعة.

في هذا الفصل الثاني من الباب الأول يستعرض الدكتور النجار خمسة وجوه لتصنيف المقاصد ثم يشفع ذلك برأيه.
وهذه الوجوه الستة هي :

... المقاصد بحسب قوة الثبوت. يبين هذا الوجه من وجوه التصنيف أن المقاصد منها ما هو منصوص عليها بجلاء وأخرى بخفاء ومنها ما هو غير منصوص عليها بما قد يعرض الباحث المتعجل ـ فضلا عن صاحب الهوى ـ إلى القول على الله بغير علم. ولذلك تكون قطعية أو ظنية أو وهمية أصلا.

أ ــ مقاصد قطعية. بما تحصل من يقين فيها بسبب تواتر أو غير ذلك من مثل مقصد اليسر في الشريعة الذي تظافرت عليه النصوص صحيحة صريحة ومن مثل نوط مقصد الحياة بشريعة القصاص " ولكم في القصاص حياة " ونوط مقصد الإنتهاء عن الفحشاء والمنكر بإقام الصلاة وغير ذلك.

ب ــ مقاصد ظنية. وهي دون درجة القطع وربما يكون أغلبها في مسلك الإستقراء الذي يقتضي بالضرورة جمع الأدلة الجزئية بعضها إلى بعض وقد لا تسلم هذه العملية من خطإ وضرب لذلك مثل عقد النكاح بما يستلزمه من رضا وولاية وإشهاد بما يغلب على الظن بأن المقصد هو تقوية آصرة الزواج وإستدامتها. كما نبه إلى أن الظنية في الأحكام الشرعية وكذا في مقاصدها لا تلغيها ولا تحط من قدرها إذ هي أغلب الشريعة.

ج ــ مقاصد وهمية. ما بدا ظاهرها بادي الرأي مصلحة ولكن عند التحقيق ينجلي العكس حتى لو خالطتها مصلحة وضرب لذلك المثل الذي ضربه القرآن الكريم نفسه في الخمر والميسر إذ شهد لهما بالنفع ولكن ألغيت مصالحهما من الإعتبار جملة وتفصيلا بسبب إجراء فقه الموازنة الذي أثمر غلبة الإثم على النفع.

... المقاصد بحسب المناط. أي بحسب متعلق تلك المقاصد ومجال عملها فيما إذا كان كليا عاما أو نوعيا خاصا أو جزئيا لا يتعدى مجاله المحدد.وذلك بسبب أن المقاصد بمثابة شبكة لولبية واسعة أشبه ما تكون بشبكة الجهاز العصبي أو الشراييني في الجسم البشري يفضي بعضه إلى بعض رغم إختلاف درجاته.

أ ــ مقاصد كلية. أي التي تلتقي فيها كل المقاصد وتفضي إليها من مثل مقصد الخلافة في الأرض ومقصد حفظ نظام الأمة وهي كلية تختلف درجاتها في العلو وأعلاها مطلقا ما أضحى محل إجماع من لدن أهل هذا الفن بمثل ما عبر عنه الإمام الفاسي : " عمارة الأرض وحفظ نظام التعايش فيها وإستمرار صلاحها بصلاح المستخلفين فيها ..".

ب ــ مقاصد نوعية. أي التي تلتقي عند نوع من أنواع العمل في الحياة كالأسرة مثلا. أي أنها خاصة بنوع من أنواع حياة الناس فوق الأرض من مثل الحياة الإقتصادية.

ج ــ مقاصد جزئية. خاصة بجزء محدد من الأحكام من مثل تحصيل الطهارة مقصدا للوضوء بمثل ما عقب به سبحانه على آية الوضوء " ولكن يريد ليطهركم " وهذا الضرب من المقاصد الجزئية عادة ما يعبر عنه بعلة الحكم عند فقهاء الأصول.

كما أكد الدكتور النجار أن هذا التقسيم إعتباري لغرض دراسي ولا ينفي ذلك ترابط هذه الحلقات الثلاث من المقاصد الكلية والنوعية والجزئية ترابطا يخدم المقصد الأسنى من الدين كله وضرب لذلك مثلا يبين أن الإستهانة بمقصد جزئي صغير يفضي إلى الإتيان على المقصد الكلي الأعلى وهو مثل يتعلق بمقصد رواج الطعام بين الناس من حكم النهي عن بيع الطعام قبل قبضه فإن لم يعمل بذاك المقصد الجزئي إنخرم ميزان المقاصد النوعية في مجال التعامل المالي بين الناس وساد الإحتكار بما يفضي بدوره إلى إنخرام المقصد الأسنى العام بما يذهب بالتكافل والتعاون بين الناس ويؤخر مقصد الخلافة والعمارة.

... المقاصد بحسب الشمول. الأصل عموم الشريعة ولكن ذلك لا ينفي وجود مقاصد تتجه إلى نوع محدد من الناس بسبب طروء ظروف خاصة بهم.

أ ــ مقاصد عامة. وهي الأصل الذي يبسط معاني العدل والمساواة والتكافل وغير ذلك مما هو عام بينهم جميعا.

ب ــ مقاصد خاصة. تتجه إلى أصحابها بسبب إنحباسهم في ذلك الوقت في تلك الخصوصية من مثل مقصد درء الحدود بالشبهات فإنه لا يعني سوى مقترفي الذنوب الحدية ( التي فيها حد ) وغير ذلك من الأمثلة. كما يميز الدكتور النجار بين الخصوصية والنوعية في تقسيم المقاصد بقوله بأن الخصوصية تشمل الأفراد ولكن النوعية تشمل الأحكام.

... المقاصد بحسب الأصلية. ككل شيء تقريبا تجد أصلا لكل فرع وفرعا لكل أصل أو مقصدا لكل وسيلة ووسيلة لكل مقصد وبذا تحتم التمييز بين المقاصد الأصلية والمقاصد الوسائلية.

أ ــ مقاصد الأصول. التي جاءت الأحكام تريد تحقيقها بإعتبار ذاتها من مثل مقصد حفظ النفس ومقصد السكن والرحمة في الزواج ومقصد العدل الإجتماعي. فهي مقاصد أصول. وهي أعلى.

ب ــ مقاصد الوسائل. هي مصالح ولكن لغيرها وليس لذاتها وضرب لذلك مثل الإشهاد في النكاح فهو مصلحة ولكن ليس لذاته بل لغيره الذي هو : السكنية والإستقرار في الزواج. كما بين الدكتور النجار أن الإمام الشاطبي نحا نحو آخر في هذا المبحث فقسمها إلى مقاصد أصلية وأخرى تبعية فالأصلي ما لا يكون فيه للمكلف دافع فطري إليه ولكن يغالب نفسه عليه أما التبعي فما يحققه بدافعه الطبيعي من مثل الزواج.

... المقاصد بحسب قوة المصلحة. وذلك بسبب أن المصالح تختلف نسب تأثيراتها في تحقيق المقاصد العليا كما تختلف نسب هذه بدورها في تحقيق المقصد الأسنى من الإسلام وضرب الدكتور النجار لذلك مثل السرقة التي يساهم حكم تحريمها في مقصد حفظ المال بأكثر ما يساهم حكم المغارسة وغيره من التعاملات المالية بين الناس وقد سبق للد. النجار أن وصف هذا الوجه من التصنيف على أنه " العمود الفقري لعلم المقاصد " وبذلك تكون ضرورية أو حاجية أو تحسينية.


أ ــ المقاصد الضرورية. التي لا بد منها لحفظ المقصد الأسنى أي خلافة الإنسان فبقدر حضورها يقوم ذلك المقصد الأسنى والعكس بالعكس. ولقد إستقر عند الأصوليين قديما بأن تلك الضروريات هي خمس : الدين والنفس والعقل والمال والنسل وزاد بعضهم العرض.

ب ــ المقاصد الحاجية. التي لا يتوقف عليها قيام المقصد الأسنى ولكن تصاب حياة الناس بالحرج والعنت لفقدها ولذلك سميت حاجية أي يحتاج إليها الناس بحسب العرف والعادة. وضرب الدكتور النجار لذلك مثل الحاجة إلى الفطر في السفر والحاجة إلى الطلاق عند غلبة العسر والحاجة إلى مزاولة بعض صنوف العمل من مثل الإيجارات.

ج ــ المقاصد التحسينية. التي لا تصاب حياة الناس بغيابها بالتوقف كما هو الشأن في المقاصد الضرورية ولا بالعنت والمشقة كما هو الشأن في المقاصد الحاجية ولكن تغيب مظاهر البهجة والراحة عن المشهد وضرب الدكتور النجار لذلك مثل تخطيط المدن تخطيطا عمرانيا يضفي مسحة من الجمال والبهجة على الناس وغير ذلك من الأمثلة.

وأكد الدكتور النجار بأن " أحكام الشريعة لو تأملناها على إختلاف درجاتها في الأمر والنهي لوجدنا كل واحد منها وضع لتحقيق مقصد ينتمي إلى واحدة من هذه المراتب الثلاث ". ص 36 حتى 48 من الكتاب.

رأي الدكتورالنجار في تصنيف المقاصد.

" هذه التقاسيم لا تعدو أن تكون إصطلاحات مفيدة في الدرس ولكنها غير نهائية ولا هي ملزمة " فعلى سبيل المثال " إقترح الدكتور العلواني أن تصنف مقاصد الشريعة على أساس مقاصد كلية ثلاثة يبنى عليها كل ما تحتها من المقاصد التفصيلية وهي : التوحيد والتزكية والعمران " وأورد الدكتور النجار مقترحات أخرى في هذا الصدد.

كما أكد بأنه " إذا عدنا بالنظر إلى التقسيم الأشهر للمقاصد أي التقسيم بحسب قوة المصلحة فإنا نجد من أنواع المقاصد الضرورية ما قد لا يكون موفيا اليوم بكل الضرورات .. وأن هذه الكليات الخمس الأساسية ليست هي الضرورات التي جاءت الشريعة تقصد إليها على سبيل الحصر ".

وضرب لذلك مثلا بقوله " عصرنا الحديث بما فشا فيه من فلسفات مادية إلحادية قد شهد إنتهاكات كبيرة لمعنى إنسانية الإنسان ولقيمة هذا المعنى وعناصر تكوينه إذ قد إنتهكت فطرته بمذاهب لا ترى فيه فطرة ثابتة وإنما الإنسان هو الذي يصنع هويته بنفسه كما في الفلسفة الوجودية وإنتهكت كرامته فتعرض للظلم والقهر بل للإبادة .. وإذا كان الأمر كذلك فهل لا يكون من الواجب أن يبرز في مقاصد الشريعة هذا المقصد الضروري منها متمثلا في حفظ إنسانية الإنسان بعناصرها المختلفة ..".

كما ضرب الدكتور النجار مثلا آخر بقوله : " فإن الحياة الحضارية الحديثة أسفرت عن أزمة في غاية الخطورة أصبحت تهدد مصير البشرية بأكملها بالدمار وتلكم هي الأزمة البيئية " ثم بين أن ذلك يمكن أن يكون مقصدا قائما بذاته غير مندرج ضمن المقاصد الخمس الضرورية المعروفة وأن في الإسلام ما يؤيد ذلك بقوة وأنه لا تثريب على الأقدمين الذين لم يكن هذا المقصد قد ظهر لهم بمثل ما ظهر لنا اليوم.

كما يستعيد الدكتور النجار هنا ما ذكره مرات في بعض تآليفه الأخرى على عادة أغلب من كتب في المقاصد حديثا وهو أن الصياغة المقاصدية التقليدية القديمة كان بناؤها على الفرد بالأساس وليس على المصلحة الجماعية حتى لو كانت تؤدي إليها بالضرورة كما توحي بذلك الأمثلة التي يسوقها المؤلفون وفق ذلك النحو وهو ما دعا إبن عاشور إلى صياغة مقاصدية جديدة تراعي ذلك البعد الجماعي " إنتظام أمر الأمة ".

وسيتبين للقارئ ـ قارئ الكتاب أصالة ـ بأن الدكتور النجار إهتبل هذا المبحث من رأيه في تصنيف المقاصد لتهيئة طالب العلم إلى حسن التفاعل مع بعض التجديدات الأصولية التي إجتهد في إدراجها بغير سابق مثال ولذلك جاء هذا المبحث مطولا نسبيا.

فمن ذلك مثلا أنه ينعي على بعض السابقين عدم إحكامهم للإنطباق بين مختلف مستويات المقاصد الثلاثة المشهورة وذلك على نحو تكون فيه " المقصدية الضرورية قسيما للحاجية والتحسينية وتكون هذه الثلاثة مندرجة كلها تحت معنى الحفظ " أي حفظ المال الذي ضربه مثالا لذلك. واضح إذن أن الدكتور النجار يؤسس ( أو يذكر ) لضرب جديد من التكامل بين تلك المستويات الثلاثة المشهورة ولكنه تكامل على أساس تظافر المقاصد الضرورية والحاجية والتحسينية معا لخدمة أي مقصد من المقاصد الشرعية الثابتة.

ثم ينتهي الدكتور النجار بعد تلك الجولة المعمقة مع التقسيمات التقليدية السائدة إلى إعتماد تقسيم " يقوم على تصنيفها بناء على معالجتها لقضايا الإنسان في دوائر حياته ". من ص 49 حتى 56 من الكتاب.

شكلت المباحث آنفة الذكر مقدمة الكتاب. وفيما يلي جوهره القائم على باب مخصص لمقاصد حفظ قيمة الحياة الإنسانية ( حفظ الدين وحفظ إنسانية الإنسان ) وباب مخصص لمقاصد حفظ الذات الإنسانية ( حفظ النفس وحفظ العقل ) وباب مخصص لمقاصد حفظ المجتمع ( حفظ النسل وحفظ الكيان الإجتماعي ) وباب مخصص لمقاصد حفظ المحيط المادي ( حفظ المال وحفظ البيئة).

مقاصد الشريعة في حفظ قيمة الحياة الإنسانية.

أمران يثبتهما الدكتور النجار في التمهيد لتأكيد أول مقصدين ( الدين والإنسانية ) يستنبطان من إستقراء الشريعة في إتجاهها لحفظ قيمة الحياة الإنسانية وهما :

... خصوصية التكوين الإنساني المفارق للتكوين الملكي ( نسبة إلى الملك بفتح اللام ) وللتكوين الجني وهي خصوصية الإزدواج بين الصلصال وروح الله سبحانه وهو بذا مكرم مفضل إلى درجة أسجد الله له ملائكته.

... تحديد الإسلام بجلاء رسالة ذلك الإنسان " الخاص " وهي رسالة العبادة.
والمقصود من ذلك هو أن قيمة الحياة البشرية تتحدد بحسب حفظ ذينك المعيارين ( المعيار الفطري و المعيار الرسالي ).

حفظ الدين : مقصد الشريعة الأول.

المقصود بالدين هنا هو الإسلام الذي جاء به محمد عليه الصلاة والسلام من جهة وهو معنى التحمل بالطاعة من جهة أخرى جمعا بين المعنى اللغوي والإصطلاحي وذلك على معنى الشمول طبعا جمعا بين العقيدة وبين التطبيق العملي أي التدين.
ينتهج الدكتور النجار نهجا فيه قدر كبير من الجدة وذلك حين يرسم مقصد حفظ الدين من خلال " تيسير التدين ودفع العوائق عنه .. فكما يحفظ الدين على سبيل المثال بأن يتمكن المسلم من التدين بإقامة الصلاة ودفع العوائق دون ذلك فإنه يحفظ أيضا بأن يتمكن المجتمع من التدين بإقامة حياته الجماعية على أساس من الدين في التعامل الإجتماعي ودفع العوائق دون شك ".

مسالك حفظ الدين :

أ ــ حفظ الدين بتوفير أسبابه.

... سبب التيسير. لا يند هذا السبب عن قارئ للقرآن والسنة أبدا حتى أصبح محل قطع لا خلاف عليه وذلك على أساس أن إنبناء الدين على اليسر يغري النفس دوما بالإقبال عليه وعدم النفور عنه كما أخرج البيهقي أنه عليه الصلاة والسلام قال : " لا تبغض إلى نفسك عبادة الله فإن المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى ". وقال الشاطبي في المعنى ذاته " إعلم أن الحرج مرفوع من المكلف لوجهين : أحدهما الخوف من الإنقطاع من الطريق وبغض العبادة وكراهة التكليف ".

... سبب الإجتهاد. أصل ذلك أن " أحكام الشريعة أكثرها كلي عام وليس جزئيا تفصيليا إلا فيما يتعلق بالعبادات وأحوال الأسرة .. " ومقتضى ذلك هو أن نوازل الحياة لا يسعها ما هو منصوص عليه من تلك الأحكام ولذا وجب الإجتهاد واجبا كفائيا بل هو واجب للفرد حظه منه فيما يليه من حوادث فردية صغيرة من مثل جبر السهو في الصلاة وأكبر أصل لذلك الإجتهاد هو حديث معاذ المعروف عندما بعث إلى اليمن قاضيا فيما أخرجه أبو داود " .. أجتهد رأيي ولا آلو".

... سبب التبليغ. تبليغ الدين إلى الناس كافة واجب كفائي هو الآخر وقد يكون واجبا عينيا في بعض الحالات والأدلة على ذلك من القرآن الكريم نفسه كثيرة وبالتبليغ مظنة للهداية ولتكثير سواد المسلمين وتحصيل نوع من القوة ونوع من الفقه الذي يحفظ للدين شبابه " رب مبلغ أوعى من سامع ".

... سبب السلطان. حاجة الدين للسطان يذب عنه وينشره بسبب شمول الإسلام لكل مناحي الحياة ولذلك جاءت تعاليم الإسلام تحث المسلمين على القوة والمنعة والإمارة وأكثر ما ورد من واجبات عامة إنما تقوم بوازع السلطان من قبيل ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. فلا يتصور أحد مجتمعا لا سلطان فيه يقيم العدل وينتصف للمظلوم.
تلك أسباب أربعة حددها الدكتور النجار لحفظ الدين بتيسيره للناس يسرا وإجتهادا وتبليغا وسلطانا يحميه.

ب ــ حفظ الدين بدفع العوائق.

تعرض للدين عوائق داخلية من نفس الإنسان كما تعرض له عوائق خارجية.

... عائق الهوى. قال الشاطبي " المقصد الشرعي من وضع الشريعة إخراج المكلف من داعية هواه حتى يكون عبدا لله إختيارا كما هو عبد لله إضطرارا ". وذلك بسبب إزدواجية التكوين الإنساني " ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها ". هوى النفس لصيق بالإنسان وهو كفيل بإضلاله لو إتبعه وأكثر ما يجر الناس إلى الإنحراف والظلم إتباع الهوى والشهوات دون رادع ولا زاجر.

... عائق الإستبداد الفكري. " التدين إختيار مبني على حرية الإرادة كما هو مبني على حرية التفكير .. وبما أن الدين كله بعقائده وشرائعه لا يناقض أحكام العقل فإن التفكر بالمنهج الصحيح لا يمكن إلا أن يفضي إلى الإيمان .. ولذلك فإن الفكر الحر هو مسلك أساسي من المسالك إلى التدين ".
وقد تعرض لذلك الفكر الحر عوائق تحيد به عن طريقه فتضله ومنها الإرهاب الفكري بمثل ما قال فرعون " ما أريكم إلا ما أرى " وقد يتخذ ذلك الإرهاب مسالك خفية من مثل بعض العادات والتقاليد وتقفي أثر الأسلاف دون تدبر وبذا يتبين بأن دفع عائق الإستبداد الفكري عن الإنسان يحفظ الدين من جور الأسلاف ومن طغيان الأخلاف سواء بسواء.

... عائق التحريف. أصل ذلك هو أن أحكام الدين ليست منصوصا عليها كلها بحيث تكون بينة لكل متدين زد إلى ذلك أن ما هو منصوص عليه قد يكون ظنيا بل الظني منه أكثر من القطعي وإذا كان المجال أمام الإجتهاد بسبب ذلك فسيحا كما ترى فإن مجال التحريف لأي سبب أمر ممكن وفي التاريخ شاهد بل شواهد ولذلك جاء قوله سبحانه محذرا " هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه إبتغاء الفتنة وإبتغاء تأويله ". وبمثله جاء الحديث الكريم " يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله : ينفون عنه تحريف الغالين وإنتحال المبطلين وتأويل الجاهلين ".

... عائق الإرجاف. إذا كان التحريف قد يعرض للدين في تفاصيله فإن آفة الإرجاف تعرض له في محكماته وقطعياته ( هذه حملة خارجية وتلك داخلية ) والإرجاف عادة ما يحمل لواءه المنافقون " لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلا ". لنغرينك بهم معناها : لنسلطنك عليهم. والردة ـ سيما في بعض وجوهها ومظاهرها ـ ضرب من ضروب الإرجاف ولذلك جاء الوعيد عليها شديدا ومعلوم أن الردة الجماعية إستخدمت في صدر الدعوة الإسلامية سبيلا من سبل تفريق الدين وتفريق شمل أهله " آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار وأكفروا آخره لعلهم يرجعون " ولذلك تكون بعض وجوه الردة في عصرنا بمثابة جريمة الخيانة العظمى في القوانين الوضعية. ويكون حد الردة سواء كان تعزيريا أو غير تعزيري متجها نحو جريمة التخذيل الكيدي لوحدة الصف وليس متجها نحو جريمة الكفر نفسها.

... حفظ الدين بالجهاد. " حينما يتعرض المسلمون لغزو خارجي فإن هذا الغزو سيكون مآله سيطرة الغزاة على الحياة العامة .. ومصداق ذلك في الغزو الإستعماري للأمة الإسلامية .. وتناسبا مع هذا الخطر الجسيم .. فقد جاءت في التشريع الإسلامي أحكام تدفع هذا الإهدار للدين وعلى رأسها الحكم بوجوب الجهاد لمدافعة الغزاة .. فرضا كفائيا فإن لم تف الكفائية كان فرض عين " إنفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ". وما كان سابقا في التاريخ مما سمي جهاد طلب فإنه لم يخرج عن ذلك السياق بسبب أنه إيصال للدعوة الإسلامية إلى شعوب ضرب عليها حصار رهيب من قبل متسلطين مستبدين فإن أمكن تبليغ الدين إلى الناس دون ذلك ( جهاد الطلب ) كما هو الحال اليوم بوسائل الإعلام لم يعد هناك مبرر لذلك الضرب من الجهاد.
تلك هي إذن أهم سبل حفظ الدين من جهة تيسير أسبابه ومن جهة دفع العوائق التي تعرض طريقه.

حفظ إنسانية الإنسان : مقصد الشريعة الثاني.

تختلف الصياغة المقاصدية التقليدية القديمة " حفظ النفس " عما يريد الدكتور النجار تجديده هنا إختلاف بعد أي أنه أضاف إلى ذلك البعد الجماعي " حفظ النفس كما شرحه المقاصديون ينحو منحى النفس الفردية حفاظا عليها من التلف بأنواعه .. ومقصد حفظ إنسانية الإنسان أوسع من ذلك إذ هو يتعلق بحقيقة الإنسانية في كل فرد من أفراد الإنسان ..". ثم يشرح المقومات الكفيلة بحفظ تلك الإنسانية :

... حفظ الفطرة الإنسانية. يعتمد الدكتور النجار السبق الذي أنجزه إبن عاشور في كتابه اليتيم في الموضوع بعد الشاطبي وذلك حين يؤكد الإمام إبن عاشور " إبتناء المقاصد على وصف الشريعة الأعظم وهو الفطرة ". الفطرة هي : " البنية التي خلق عليها الإنسان في بعديها المادي والروحي". وعرفها إبن عاشور بقوله " الفطرة : الخلقة أي النظام الذي أوجده الله في كل مخلوق". والمقصود هنا هو طبعا الخوف من العدوان على تلك الفطرة بتحريفها من خلال العبث بتوازناتها المختلفة كالتوازن بين الروح والجسد مثلا.

مسالك حفظ الفطرة :

أ ـ حفظ الفطرة من التبديل. نبه الوحي إلى ذلك بقوله " فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ". وقد فسر إبن عاشور ذلك بمثل قولك " لا تقتلون أنفسكم". أي لا تبدلوا فطرتكم. وهو في معنى قوله سبحانه " ولآمرنهم فليغيرن خلق الله ". وفي معنى قوله عليه الصلاة والسلام : " لعن الله الواشمات والمستوشمات والنامصات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله " ( البخاري ). وفي معنى قوله عليه الصلاة والسلام :

" ليس منا من تشبه بالرجال من النساء ومن تشبه بالنساء من الرجال ". ( أحمد ). ويؤكد الدكتور النجار ذلك بقوله " فإذا كان الإعتداء على الفطرة الإنسانية في بعدها الجسمي أمرا منهيا عنه على هذا النحو من التغليظ فإن النهي عن الإعتداء على الفطرة النفسية هو أشد غلظة ". ومن مظاهر تبديل الفطرة النفسية للإنسان قوله سبحانه " إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون " أي أنهم تنكبوا العقل فحرموا الفهم والتدبر فكانوا أشبه بالأنعام " بل هم أضل ".

ب ــ حفظ الفطرة بالتوازن. خلق الله الإنسان متوازن الفطرة : جسد وروح وعواطف وأحاسيس وبعد فردي وآخر جماعي إلخ .. وعبر عن ذلك بقوله " ولقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ". ونظير ذلك في السنة قوله عليه الصلاة والسلام لأبي الدرداء : " إن لنفسك عليك حقا ولربك عليك حقا ولضيفك عليك حقا وإن لأهلك عليك حقا فأعط كل ذي حق حقه " ( البخاري ).

ج ــ حفظ الفطرة بالإشباع. قال الدكتور النجار " هذه المطالب ـ من غرائز وعواطف وشهوات وتطلعات ـ إنما تشبه أن تكون غذاء للفطرة به تثبت وتقوى ..". وهي مطالب مشروعة أقرها الوحي الكريم فقال : " زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ". وقوله عليه الصلاة والسلام " وفي بضع أحدكم صدقة " ( مسلم ). ومن ذلك نهي الشارع عن الخصاء وهو نهي يشمل الإنسان والحيوان سواء بسواء. " وليس معنى تلبية مطالب الفطرة أن يكون ذلك بإرسال غير محدود " ويستوي في ذلك الإشباع المسرف في العبادة تلبية لأشواق الروح والإشباع المسرف في الشهوات البدنية تلبية لمطالب البدن وكلاهما غلو يجاوز الإشباع المطلوب ويأتي على التوازن في الفطرة.

... حفظ الكرامة الإنسانية. قرر الإسلام كرامة الإنسان بأعلى توجيه " ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا".

ذلك التكريم الذي إختص به الإنسان هو الذي يميزه عن بقية المخلوقات. المقصود بالكرامة هو ذلك الشعورالفطري الداخلي بالعزة والقوة النفسية ونبذ المذلة والهوان والوهن. وذلك يجرح النفس تماما بمثل ما تجرح السنان بدنه. وتخولت الشريعة إلى حفظ كرامة الإنسان بما لا يحصى من التشريعات من مثل كفالة القريب وتحريم الغيبة والنميمة والهمز واللمز والقذف والمثلة بالأعداء وحرمة الميت إلخ ..

... حفظ غائية الحياة. من أهم ما يميز الإنسان هو أنه " لحياته غاية ولوجوده معنى مستقبلي يتجاوز به لحظته الراهنة إلى أمد مقبل ". ومما جاء يؤكد ذلك من الوحي الكريم قوله سبحانــــــــــــــه " أيحسب الإنسان أن يترك سدى " وقوله " أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا ". وجاء القرآن الكريم ببيان واف يحدد تلك الغاية " وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة" وقوله " وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون " إلخ .. " مضمون الخلافة في الأرض يشتمل على عنصرين إثنين : أولهما ترقية الذات الإنسانية .. وثانيهما التعمير في الأرض علما بقوانينها وإستثمارا لخيراتها ..". وشرع الشارع تعليمات تحفظ تلك الغائية لرسالة الإنسان فوق الأرض ومنها على سبيل الذكر لا الحصر بعث الأمل فيه ونبذ اليأس والقنوط كائنا ما كانت ذنوبه " قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله .." ومنها نبذ الإنتحار " لا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة " وقوله عليه الصلاة والسلام " من قتل نفسه بحديدة عذب بها في نار جهنم " ( البخاري ).

... حفظ الحرية الإنسانية. قال الدكتور النجار " كل الموجودات الكونية خلقت مسوقة إلى مصائرها على سبيل الحتم إلا الإنسان فقد خلق بإرادة حرة يختار بها مصيره وهو معنى قوله " إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان ".

الحرية معناها : أن يكون متصرفا في نفسه بمحض إختياره سواء فيما تعلق بتفكيره أو بأقواله أو بأفعاله .. وحينما تطرأ على النفس عوامل الإستبداد فإنها تفقد قدرتها على الإنطلاق فيما تريد لتبدع في الفكر أو في القول والعمل وتنكمش على ذاتها مترقبة أوامر وتوجيهات المستبد .. وخير تصوير لتلك النفس هو قوله سبحانه " ضرب الله عبدا مملوكا لا يقدر على شيء ". وبذلك تبين أن " حفظ الحرية مقصد شرعي " وقال فيه إبن عاشور الذي كان سباقا في تأكيد ذلك " إن إستواء أفراد الأمة في تصرفهم في أنفسهم مقصد أصلي من مقاصد الشريعة وذلك هو المراد بالحرية ". ومعلوم أن الأصوليين قرروا أن " الإسلام متشوف إلى الحرية " وذلك من خلال إستقراء أدلته جزئية وكلية. كما كان الإسلام سباقا إلى تجفيف منابع الرق في الوجود البشري فوق الأرض ورسم لذلك تشريعات معروفة لكل دارس.

رسم الإسلام حرية المعتقد فقال " لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي " كما رسم حرية التفكير وحرية الرأي فقال " ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير .." ورسم حرية العمل. ووصل الإسلام بتعليماته التحريرية أعلى القمة حين أخبر نبيه عليه الصلاة والسلام أن إمرأة دخلت النار في هرة وأن أخرى دخلت الجنة في كلب إلخ .. ولما تشبع الأصحاب بذلك أعلن الفاروق عليه الرضوان نداءه الذي تجاوبت معه الدنيا " متى إستعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا ".

مقاصد الشريعة في حفظ الذات الإنسانية.

أصل هذه المقاصد هو أن الإنسان مكلف بالخلافة والعبادة والعمارة وبقدر ما يكون سويا من جميع جوانبه يتأهل لتلك التكاليف ومعلوم أن الإنسان مزدوج التكوين على نحو ما أسلف الدكتور النجار في هذه الدراسة.

مقصد حفظ النفس : مقصد الشريعة الثالث.

" حفظ النفس مقصدا من مقاصد الشريعة يتعلق بمجمل الكينونة الإنسانية بعناصرها المختلفة".

أ ــ الحفظ المادي للنفس.

... حفظ النفس بأسباب البقاء والقوة. شرعت لذلك تشريعات من مثل الزواج والنسل ورعاية الطفولة من حمل ورضاع وحضانة وشدد الإسلام فيها حتى قال عليه الصلاة والسلام " أيما أهل عرصة ( حي ) أصبح فيهم إمرؤ جائعا فقد برئت منهم ذمة الله " ( الحاكم ). ومن ذلك الإرشاد إلى تعاطي المآكل النافعة والمشارب والملابس والمساكن وتجنب خبائثها ومن ذلك رعاية البدن بالرياضة البدنية " علموا أبناءكم السباحة والرمي " ودفع السآمة والكسل الذهني " يا حنظلة ساعة بساعة ".

... حفظ النفس بدفع العوادي. من ذلك أن الشارع علم دفع العدوان على النفس وشرع القصاص الذي عده حياة وتحريم العدوان على البدن بأي ضرب من ضروب العدوان وتحريم المآكل والمشارب الخبيثة من مثل الخمر والميتة والخنزير ودفع الأمراض والدعوة إلى التداوي حتى عد الدواء قدرا من أقدار الله سبحانه وفي سبيل دفع العوادي حفظا للنفس رخصت الشريعة في أكل الميتة وما في حكمها عند الضرورة ورخصت في التيمم ورعاية حق الجسم بصفة عامة حتى في العبادة فما بالك في العادة.

ب ــ الحفظ المعنوي للنفس.

" كما للجسم أسباب يكون بها ضعفه ووهنه وهلاكه وأسباب تكون بها نقائض ذلك فإن للروح أيضا أسبابا بها تقوى وأخرى بها تضعف ". ولذلك إمتن سبحانه على عباده بأن " أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف ". ويؤكد الدكتور النجار أن القدامى لم يعطوا هذا الأمر حقه من البحث فكان أكثر عكوفهم على سبل حفظ النفس حفظا ماديا من خلال شريعة القصاص وغير ذلك.

... حفظ النفس بالتزكية. " قد أفلح من تزكى ". التزكية هي " إختيار كمالات النفس ودفع رذائلها".

... حفظ النفس بالأمن النفسي. " لا تكون النفس سوية قوية إلا إذا نعمت بالطمأنينة والأمن ". ولذلك جاءت الشريعة لتضمن الأمن النفسي للإنسان " كل المسلم على المسلم حرام : دمه وعرضه وماله ". وورد التشديد مغلظا في الحديث النبوي على من يروع الإنسان مجرد ترويع. كما غلظ في عقوبة بث الفزع والعدوان على أعراض الناس وأموالهم وأنفسهم " إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ".

مقصد حفظ العقل : مقصد الشريعة الرابع.

العقل هو أحد قوى النفس ولكن أفرده الدكتور النجار لكونه " أعلى قوة من قوى النفس وأرقاها ولكونه مناط التكليف فالإنسان إنما هو إنسان بالعقل ". العقل هو قوة الإدراك والتمييز والحكم وهي قوة فطرية مثل العلم بأن الكل أكبر من الجزء وأن لكل حادث سببا إلخ .. أما الفكر فهو كما قال الجرجاني " ترتيب أمور معلومة للتأدي إلى مجهول " ولكن درج الناس على إطلاق الفكر على العقل وهو من باب إطلاق إسم السبب على المسبب. يكون حفظ العقل ماديا ومعنويا.

... الحفظ المادي للعقل. " يتمثل البعد المادي للعقل في الدماغ وما يتبعه من أعصاب " ولكنه يتأثر بحال الجسم كما قال المثل العربي المشهور " العقل السليم في الجسم السليم ". وقد توضح حفظ العقل ماديا في أثناء الحديث على الحفظ المادي للجسم البشري وما شرع له الإسلام من تشريعات من مثل تحريم الخمر والمخدرات وسائر الخبائث إلخ ..

... الحفظ المعنوي للعقل. لم يهتم الأصوليون كثيرا بهذا الضرب من الحفظ. فإذا كانت وظيفة العقل هي الفكر فإن حفظ العقل معنويا هو تيسير أسباب تنشيط الحركة العقلية في الإنسان.

أ ــ حفظ العقل بتحرير الفكر. تحرير الفكر معناه إطلاق العقل ليعمل دون قيود وحواجز تحد من حركته ليدرك أقصى ما يمكن من الحقائق وشرع الإسلام لذلك أمورا منها التحرر من قيود العادات والتقاليد الفاسدة التي يسلطها المجتمع على أفراده وهو الأمر الذي شنع عليه الوحي تشنيعا فقال " قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون ". ومن ذلك التحرير المطلوب كذلك التحرر من سطوة السلطان السياسي أو الكهنوت الديني أو تأثيرات الشعوذة والعرافة والسحر ومن ذلك أيضا الهروع إلى الهجرة لأمن الفتنة وإلتقاط أنفاس حرية جديدة كما يتحرر الفكر من جانب آخر بمدافعة الهوى ومن الهوى الإقتصار على التقليد الذي قال فيه الإمام الرازي " القول في الدين بمجرد التقليد حرام ". وقد يشغب الهوى على صاحبه فيعدل عن قول الحق وتبني القسط حيال قرابته " يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين ". ومن وجوه تحرير الفكر كذلك نبذ الخرافات والأوهام والتطير والتنجيم.

ب ــ حفظ العقل بالتعلم. " وإنما يكون العقل قادرا بالعلم على أن يقود الإنسان إلى أداء مهمته لأن تلك المهمة هي الخلافة في الأرض وهذه الخلافة تستلزم علما بالأرض ..". وغني عن القول بأن الوحي الكريم مدح العلم وأهله بما لا يحصى من الأدلة حتى غدا ذلك معلوما بالضرورة. وكشف الدكتور النجار عن بعض صور ذلك التعلم :

... التعلم الإستيعابي. " هو التعلم الذي تنكشف به الحقائق الموضوعية سواء كانت متعلقة بالغيب أو بالكون أو بالإنسان بحيث يحصل في العقل جملة من تلك الحقائق تعكس الواقع في تلك المجالات في الوعي العقلي ". وأهم مسالك ذلك العلم الإستيعابي هما : الوحي والحواس ولذلك أمرت الشريعة كثيرا بالنظر والتدبر والتفكر من أجل الإلمام بالعلم الإستيعابي الكفيل بإدارك الحقائق في النفس وفي الآفاق.

... التعلم التفكري. " هو ضرب يتجاوز إستيعاب الحقائق إلى التأمل فيها تأملا عميقا من حيث أسبابها وعللها ومن حيث أبعادها ودلالاتها ومن حيث علاقاتها ببعضها ومن حيث مآلاتها وإستثماراتها ..". وذلك من أجل التفقه الذي هو " التوصل إلى علم غائب بعلم شاهد ".

... التعلم المنهجي. " تمرين العقل على أن تكون حركته الفكرية جارية وفق قواعد منهجية وتراتيب منطقية من شأنها أن تعصمه أكثر ما يمكن من الوقوع في الخطإ وأن توجهه أكثر ما يمكن إلى إصابة الحقيقة ". وقد شرع الوحي صورا لذلك منها قوله سبحانه " يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا " أي ضرورة لزوم التبين لتجنب الضلال. كما شرع مبدأ الواقعية أي أن يكون " منطلق العقل في بحثه عن الحقيقة هو الواقع المشهود من آيات الكون أو من مشاهد التاريخ أو من أوضاع النفوس ". وذلك هو الذي يكسب الناظر الموضوعية المطلوبة.
وبذلك يمر العقل بمرحلة الإستيعاب ثم مرحلة التفكر من خلال ترتيب منهجي يتأدى إلى إصابة الحقيقة وتجنب الخطإ قدر الإمكان وتتحصل لديه الملكية العلمية المنافية للظن والهوى والتقليد.

مقاصد الشريعة في حفظ المجتمع.

تستند مقاصد الشريعة في حفظ المجتمع إلى " كون المجتمع هو المحضن الضروري لقيام الإنسان بمهمة الخلافة التي كلفه بها الدين " وذلك بخلاف الديانات السابقة التي فرضت على أتباعها تكاليف فردية لا علاقة لها بالجماعة.

مستند تلك المقاصد بكلمة : الجماعة في الإسلام وسيلة ومقصد في الآن ذاته لحسن تفعيل التدين يتكامل بعدها مع البعد الفردي حتى يضحى لكل مكانه ودوره.

مقصد حفظ النسل : مقصد الشريعة الخامس.

النسل هو الخلق أو الولادة ويطلق على الولد إطلاق مسبب على سبب. وكعادة الدكتور النجار في هذه الدراسة ينحو إلى التوسع في تعميق وتمديد الأبعاد المقاصدية التفصيلية وفي هذا الصدد فإنه ينعي كالعادة على بعض السابقين حصرهم لهذا المقصد ( النسل ) على الإنجاب وحفظ النسب وفي كل الأحوال فإن ذلك لا يتجاوز التربية وغير ذلك.

ومن تلك الأبعاد المطلوب إثراؤها : ضمان إستمرار النسل الذي به يحفظ المجتمع فينجو من أدواء الإنقراض والتهرم وغير ذلك مما يفصل لاحقا.

أ ــ مسالك حفظ النسل.

... بالإنجاب. تعين ذلك في أوامر الشريعة بالإنجاب دون ترك الأمر لرغبة فطرية قد تغتصبها عوارض توهن عراها وذلك بإعتبار أن الإنجاب في الإسلام بالنسبة للمجتمع حق واجب حتى لو كان في حق الأفراد يتراوح بحسب حالهم بين الأحكام التكليفية الخمسة المعروفة. وجاء ذلك بالحث على الزواج " يا معشر الشباب من إستطاع منكم الباءة فليتزوج " ( البخاري ). وكذلك قوله عليه الصلاة والسلام " تزوجوا الولود الودود فإني مباه بكم الأمم يوم القيامة " ( أبوداود). ومما يؤكد ذلك ويدعمه نهي الإسلام عن التبتل والإخصاء بأي شكل من أشكاله سواء تعلق بالذكر أم بالأنثى كما حرم اللواط وغلظ فيه وإتيان النساء في أدبارهن وكل ما فيه تصريف للشهوة في غير موضعها " الحرث ".

... بحفظ النسب. يقصد منه نسبة الولد ( ذكرا وأنثى ) إلى أبويه ( ذكرا و أنثى ). وقد يبدو لغير المحققين أن حفظ النسب بذلك المعنى لا يساهم في حفظ النسل من حيث إستمراره وتكاثره ولكن ذلك وهم واهم بسبب أن مجهول النسب في هذا المستوى من البحث تحديدا قد يلجأ بسبب ذلك إلى العمل على تدمير نفسه وتدمير المجتمع من حوله كما أكد ذلك علم النفس المعاصر وهو الأمر الذي لم ينتبه إليه بعمق بعض الأصوليين السابقين ومنهم إبن عاشور نفسه الذي عده مقصدا حاجيا رغم أنه رفع من قيمته كثيرا بالمقارنة مع بعض من سبقه. كما عمد الشارع إلى حفظ النسب حفظا للنسل من خلال إقرار أنكحة معروفة وإبطال أخرى وبما وجه الناس إلى أحكام أخرى في النكاح منها الإشهار نبذا لنكاح السر الذي يلبس في صحة هذا النسب أو ذاك ومن ذلك أيضا تعليمات الشارع فيما يخص العدد ( جمع عدة ) إستبراء للرحم كما حرم التبني في صيغة قوية شديدة وخصص لها سورة كاملة وإختار لذلك أشرف الخلق محمدا عليه الصلاة والسلام وواحدا من أشرف الأصحاب الكرام عليهم الرضوان جميعا زيدا إبن حارثة كما حرم الزنا ورتب عليه عقوبة شديدة وهي الجلد والرجم وفي هذا العقاب الغليظ معان غزيرة يمكن إستثمارها للتدليل على أن حفظ النسب يعضد حفظ النسل بقوة ومن ذلك أن الزنى غرضه قضاء الوطر النهم العاجل وليس الذرية فيتلافى الإنجاب إضافة إلى ما تخلفه جهالة النسب في الولد من أضرارا نفسية عميقة غائرة.

مقصد حفظ الكيان الإجتماعي : مقصد الشريعة السادس.

إذا كانت مصالح الإنسان الفرد لا تتحقق بأمثل صورة ممكنة إلا في رحم مجتمع إنساني بسبب طبيعة الإسلام المختلفة عن طبيعة الديانات السابقة فإن حفظ الكيان الإجتماعي يتم عبر أمرين : أولهما المؤسسة الإجتماعية وثانيهما العلاقات السارية بين أعضاء تلك المؤسسة.

1ــ حفظ المؤسسة الإجتماعية. " نعني بالمؤسسة في هذا المقام بناء المجتمع على أساس أن يكون مكونا من كيانات ذات نظام يحكمها في ذاتها ويحكمها في علاقاتها بالكيان الأكبر الذي هو كيان المجتمع ". يؤكد الدكتور النجار أن من يستقرئ أحكام الشريعة يلفاها تفيد على وجه القطع بأن قيام البنية الإجتماعية على المؤسسة هو مقصد يفضي إلى تحقيق مقصد أعلى هو حفظ المجتمع.
وهي مبادئ وأحكام توزعت على مجالات عدة منها الثقافي ومنها السياسي ..

... ثقافة المؤسسة. لعل أبين دليل على شدة إهتمام الإسلام بالجماعة قوله عليه الصلاة والسلام :

" إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم " ( أبو داود ). ومن ذلك أيضا ـ رغم أن الدلائل على ذلك لا تحصى حقا لفرط كثرتها وتشعبها وعمقها ـ ورود حكم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي عده بعض المسلمين فريضة ركنية خامسة إلى جانب الصلاة والصيام والزكاة والحج. ولعل أبلغ شيء في ذلك هو قيام العبادات ذات الطبيعة الشخصية الفردية الخاصة من مثل الصلاة والصيام على قوام الجماعة ( صلاة الجماعة وصلاة الجمعة وغير ذلك ). ووصل الإسلام حدا في ذلك بلغ الأمر بإقامة السلطان لحراسة الدين كما عبر عن ذلك الأصوليون القدامى وحدد لذلك القيام شروطا منها الشورى والحكم بالحق والعدل إلخ ..

... مؤسسة الأسرة. مما يلفت الإنتباه في الشريعة قيامها على التفصيل في قضية الأسرة دليل عناية كبيرة بها بوصفها اللبنة الأساسية الأولى التي يقوم عليها المجتمع البشري فكأنها هي قلب الجسم الإنساني الذي يصلح بصلاحه ويفسد بفساده. وبذا يتبين أن الشريعة جعلت الأسرة شأنا جماعيا لا شأنا فرديا حتى ورد الخطاب فيها ـ وفي الإسلام كله في الحقيقة ـ بصيغة الجماعة لا بصيغة الفرد.

... مؤسسة الدولة. " جاء الأمر بإقامة مؤسسة الدولة ". هما إذن مؤسستان تحفظان المجتمع واحدة من أسفله وهي الأسرة وواحدة من أعلاه وهي الدولة ولم يختلف الأمر بينهما سوى في طبيعة التشريع الذي جاء في اللبنة التحتية تفصيليا بسبب ثباته بينما جاء الآخر عاما بسبب تغيره.

وبمثل ما كانت فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عند بعض المجتهدين المسلمين في السابق واللاحق فريضة تتاخم الفرائض الركنية المعروفة من صلاة وصيام كانت فريضة إقامة الدولة على أساس من الدين الإسلامي فريضة عقدية عند بعضهم الآخر. ولعل من أبلغ ما يبين ذلك فعله عليه الصلاة والسلام لما هاجر من مكة إلى المدينة وهو الأمر الذي أحسن الأصحاب إلتقاطه علما عمليا وثقافة عملية حتى أسندوا أمر القيام على تجهيز دفنه عليه الصلاة والسلام إلى بعضهم بينما عكفوا جميعا على الحوار في سقيفة بني ساعدة على كيفية مواصلة إرث النبوة فيما يتصل بالدولة التي بناها عليه الصلاة والسلام.

ثم يفصل الدكتور النجار في مؤسسة الدولة سبيلا لحفظ المؤسسة التي تصون الكيان الإجتماعي للناس فيثبت قيامها على ما يلي :

أ ــ المجتمع هو مصدر السلطات. يؤكد ذلك بقوله " ومن البين أن الأمة حينما تكون وصية على نفسها ويكون خيارها بيدها فإنها سوف يكون خيارها موافقا لدينها وذلك وعد نبوي قال فيه عليه الصلاة والسلام " إن أمتي لا تجتمع على ضلالة فإن رأيتم إختلافا فعليكم بالسواد الأعظم " ( إبن ماجة ). ولقد أطنب الدكتور النجار في هذا الأمر إطنابا فيه اليسر وفيه العمق ويجدر الرجوع إليه.

ب ــ الشورى آلية الدولة. " وقد جاء مبدأ الشورى في مؤسسة الدولة أمرا صريح الوجوب في القرآن الكريم لا يحتمل تأويلا ..". أنظر قوله " وشاورهم في الأمر " وقوله " وأمرهم شوى بينهم ".

بذينك المبدأين ( سلطة المجتمع والشورى ) يحفظ المجتمع نفسه ( الأمة ) من غوائل داخلية وخارجية.

2 ــ حفظ العلاقات الإجتماعية. " إذا كانت المؤسسية ثقافة وكيانات سببا من أسباب حفظ المجتمع كما بينا فإنها ليست سببا كافيا في ذلك .. ولكي يكون الكيان الإجتماعي محفوظا ينبغي أن يحفظ أيضا بسلامة العلاقات التي تسود بين مكوناته ". ومن تلك العلاقات الحافظة :

أ ــ رابطة الأخوة. يؤكد الدكتور النجار ذلك بقوله " الأمم والشعوب التي لا تربطها روابط عاطفية من أي نوع والتي لا تقوم العلاقات بين أفرادها وجماعاتها إلا على المصلحة فقط لا يكون لها في الغالب دوام بقاء كما لا يكون لها تقدم عمراني مذكور ". ويضرب لذلك مثلا " كما يرتبط الأخوان برابطة الإنتماء إلى ذات الأب والأم ". ولذلك بادر النبي الأكرم عليه الصلاة والسلام منذ فجر هجرته إلى المدينة إلى عقد رباط الأخوة بين المهاجرين والأنصار رباطا عمليا يتقاسمون فيه ما لديهم بالسوية بل بالإيثار العجيب. كما يؤكد الدكتور النجار أن رابط الأخوة لا يقتصر على المؤمنين بل " يمتد ليشمل كل أعضاء المجتمع من مسلمين وغير مسلمين " فهناك رابطة أخوة إيمانية ورابطة أخوة إنسانية رحبة رحابة الإسلام نفسه.

ب ــ ميزان العدل. " المقصود بالعدل : أن يتساوى أفراد المجتمع في التعامل بينهم أو في معاملتهم من قبل غيرهم في ثلاثة أشياء أساسية : وحدة الميزان في تقييمهم وفي المفاضلة بينهم كأن يكون ذلك الميزان هو الكفاءة أو التقوى أو الإخلاص والمساواة في الحقوق والمساواة في الواجبات ..". ولا غرو فالإسلام إنما قوامه على العدل في أجلى وأبلغ صورة " إن الله يأمر بالعدل ". والعدل هو مقصد الرسالات " لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط ". كما أن العدل مطلوب في كل علاقة وكل مستوى وكل لبنة من الأسرة والمجتمع وعلاقة الحاكم بالمحكوم وعلاقة المتخاصمين والمتعادين حتى علاقة الأمة بغيرها فيما جاء من دستور عظيم في سورة الممتحنة في آيتين حددتا ذلك الدستور الخارجي. عدل تميز بالأصالة وقوة التقرير كما تميز بالتفصيل والشمول والأخلاقية.

ج ــ التكافل. " المقصود بعلاقة التكافل أن يقوم أفراد المجتمع وهيئاته ومؤسساته بتلبية حاجات كل من يكون محتاجا ممن يعيش في دائرة ذلك المجتمع وذلك سواء من الناحية المادية أو من الناحية المعنوية ". التكافل الإجتماعي بين الناس كفيل بنسج خيوط المودة والرحمة بينهم جميعا من جهة وبنزع سخائم القلوب وأسباب الشحناء بينهم جميعا كذلك من جهة أخرى.
سنت الشريعة أحكاما لا تحصى في ذلك التكافل من مثل الحض على طعام المسكين بل على سبيل التحاض وليس مجرد الحض وهو الأمر الذي ورد في الخطاب المكي ولم يكن تشريعا مدنيا ورد متأخرا وبلغ الخطاب في ذلك مبلغا عظيما وشأوا متقدما جدا وتلمس ذلك في قوله عليه الصلاة والسلام " ليس المؤمن من يشبع وجاره جائع إلى جنبه " ( البيهقي ). كما صور عليه الصلاة والسلام المجتمع تصويرا فنيا بديعا يسلب الألباب لفرط جمعه بين جمال المبنى البليغ وجمال المعنى العظيم " مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا إشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالحمى والسهر " ( مسلم ). وأوجب الإسلام التكافل في كل الدوائر من الأسرة الصغيرة والكبيرة والضيقة والموسعة ( الأرحام والأقارب ) فضلا عن الجيران وفي دائرة المجتمع وبلغ التشريع في ذلك أدبا رفيعا جدا لا يقف عليه متأمل حتى يمتلأ إعجابا ودهشة ومن ذلك قوله عليه الصلاة والسلام : " من كان معه فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له ومن كان له فضل زاد فليعد به على من زاد له وعدد من أصناف المال ما عدد حتى قال أبو سعيد الخدري : حتى رأينا أنه لا حق لأحدنا في فضل " ( مسلم ).
وليس التكافل في الإسلام حسنة أو صدقة أو شأنا في حياة الأفراد والمجتمعات بل هو شأن حكومي عام قال فيه عليه الصلاة والسلام " من ترك مالا فلورثته ومن ترك كلا فإلينا ". ( البخاري ). وهو توجيه من مقام الإمامة والرياسة موجه إلى كل من يخلفه في ذلك أو في شي من ذلك من المسؤولين والحكام وولاة كل أمر.

مقاصد الشريعة في حفظ المحيط المادي.

مبرر وجود هذا الضرب من المقاصد هو أن " المهمة التي كلف الإنسان بأدائها وهي الخلافة في
الأرض لا يمكن أن يؤديها إلا في محيط مادي يتيسر معه ذلك الأداء متمثلا في بيئة كونية تسمح
بمقدرات أرضها وإعتدال مناخها وإستقرار توازنها بأن يقوم فيها الإنسان بأعمال التعمير ..".
والحقيقة أن الله سبحانه خلق الكون كذلك بدليل قوله سبحانه " وسخر لكم ما في السماوات وما
الأرض جميعا منه " ولكن هذا الإنسان قد تكون له تصرفات " مناقضة لذلك بحيث تفضي إلى
إحداث فساد كبير أو صغير فيما خلقه الله صالحا لممارسة الحياة في سبيل التعمير ". ولذلك أمر

سبحانه بالحفاظ على تلك البيئة صالحة لأداء تلك الرسالة في قوله " ولا تفسدوا في الأرض بعد
إصلاحها ".

المحيط الذي يعيش فيه الإنسان ويزاول فيه رسالته أي الخلافة في الأرض يتكون من عنصرين

إثنين : أولهما المال عينا ونقدا أي " حصيلة ما إستثمره الإنسان من موجودات الكون فأصبح
ينتفع به على سبيل التملك من مزروعات ومصنوعات وعمارات وآلات ..". وثانيهما البيئة
الطبيعية العامة بما فيها من موجودات كمية كالجبال والأنهار والغابات والهواء .

ويكون حفظ المحيط المادي للإنسان بحفظ ذينك العنصرين : رقبة المال ومنفعة المال.

مقصد حفظ المال : مقصد الشريعة السابع.

المال في أصله " ناشئ من المحيط المادي على إعتبار أنه جزء منه إستخرج منه ". ولكن المال
رغم أصله الطبيعي ذاك فإنه " ذو خصوصية ينفرد بها عن سائر المكونات المادية للبيئة
الطبيعية وذلك أنه جزء مادي معالج بالسعي الإنساني على سبيل الكسب فأصبحت علاقته

بالإنسان علاقة تملك ..". وجاءت الشريعة تحفظ المال بذلك المعنى الواسع من خلال تعليمات

وتشريعات كثيرة منها :

... حفظ المال بالكسب والتنمية. جاء الإسلام صريحا يحرض على كسب المال " فإذا قضيت الصلاة فإنتشروا في الأرض وإبتغوا من فضل الله ". ومن معاني كسب المال : تكثيره وتنميته
وذلك بسبب أن تجميد المال يأتي عليه بالنقص ثم بالفناء حتى أن النبي الأكرم عليه الصلاة
والسلام قال " إتجروا في أموال اليتامى لا تأكلها الزكاة " ( مالك ). وذلك بسبب أن المال
وسيلة وغاية في نفس الوقت فهو وسيلة إلى كسب المال وهو غاية من ذلك الكسب. ولا عبرة
بما ورد في بعض وجوه التراث من تهوين من شأن كسب المال الحلال الطيب بإسم الزهد
إذ أن الزهد الإسلامي هو الثقة بما في أيدي الله سبحانه ونبذ الطمع فيما أيدي الناس وهو الزهد
الذي يورث السعي والعمل ونبذ الطمع ( الفقر الحاضر ) والتواكل.

... حفظ المال من التلف. قال عليه الصلاة والسلام " نعم المال الصالح مع العبد الصالح "
( إبن حبان ). وحفظ المال من التلف يشمل معنيين : حفظه أن يتلف دون هدف وحفظه أن
يتلف فيما يضر ولا ينفع. ويأخذ التلف صورا عديدة جاءت الشريعة تنهى عنها :

أ ــ حفظ المال من التلف العبثي. من مثل أن يقتل الإنسان الغنم والنعم ويحرق المزروعات عبثا

أو يبدد المال عينا أو نقدا دون قصد إلا قصد العبث أو تفاخرا وتباهيا أو إحتكارا. وقد نهت
الشريعة عن ذلك بشدة سواء أتلف الإنسان ماله أو أتلف مال غيره وقال عليه الصلاة والسلام
" من أخذ أموال اليتامى يريد أداءها أدى الله عنه ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله " (البخاري)

بل سدت الشريعة السبل التي قد تفضي إلى تلف المال فقال سبحانه " ولا تؤتوا السفهاء أموالكم"

ب ــ حفظ المال من التلف المفسد. من مثل تناول الخمر والتبغ وما شابه ذلك من المحرمات

والخبائث التي تأتي على الجسم بالأذى والضرر وهو أشد من إتلاف المال عبثا دون قصد.
ومنعت الشريعة ذلك في مثل ما ورد في قوله عليه الصلاة والسلام " إن الله كره لكم ثلاثا :
قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال " ( البخاري ). ولك أن تقارن بين هذه الشريعة التي
تنهى عن إضاعة المال ولو إسرافا في الخير ( غير التبذير في الشر ) وبين فلسفات وضعية
تتفاخر بالإستهلاك وتنفق ملايين مملينة من أجل الإعلان عليه والتحريض حتى غدا مؤشر
الإستهلاك علامة من علامات أخرى على التقدم الإقتصادي والرقي الحضاري.

ج ــ حفظ المال من التلف السرفي. أي إنفاقه في المباحات بدون حد ولا قيد. وجاءت الشريعة

تنهى عن ذلك " كلوا وإشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين ". وقوله " ولا تبذر تبذيرا
إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين ". ومعلوم أن الإنسان يسأل يوم القيامة عن ثلاث مرة مرة
ولكن يسأل عن الرابعة أي ماله مرتين : من أين إكتسبه وفيم أنفقه. كما جاءت الشريعة تضع
التعليمات من أجل الحجر على السفهاء أن يتصرفوا في أموالهم بحرية أن يبددوها ثم يصبحوا
عالة على الناس يتكففونهم.

... حفظ المال بحماية الملكية. عد الإسلام الملكية شهوة فطرية " زين للناس حب الشهوات من

النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ".
" وجماع الأحكام التي تحفظ المال الحكم بتحريم أكل أموال الناس بالباطل أي الإستيلاء على
مال الغير بغير وجه حق يرضى به صاحب المال لما فيه من مصلحة لذلك ". وهو تحريم شامل
لكل أنواع الإستيلاء سواء كان غشا أو غصبا أو قمارا أو ربا أو سرقة أو تحايلا ". وجاءت
الشريعة بعقاب مشدد ضد السرقة لأنها أظهر أنواع الإستيلاء على أموال الناس " والسارق
والسارقة فأقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله ". وذلك بقصد حفظ المال وحفظ ملكيته
لأصحابه بما يرغبهم في السعي لكسبه بطريق حلال ويسد الطريق أمام من تسول له نفسه العيش
كما تعيش الطفيليات تقتات من مص الدماء. كما جاءت الشريعة بتعليمات تخص كتابة الدين والإشهاد عليه وأخذ الرهن ضمانا له ودفعت الشريعة أصحاب المال إلى الدفاع عن أموالهم وملكياتهم فقال عليه الصلاة والسلام " من قتل دون ماله فهو شهيد ".( البخاري ).

... حفظ المال بحفظ قيمته. للمال قيمة يعبر عنها الآن بما يناسبها من حظ من معدني الذهب والفضة أي المال النقدي. ذلك هو السبب الطبيعي لقيمة المال. وجماع حفظ قيمة المال أي قيمته الطبيعية قوله سبحانه " ولا تبخسوا الناس أشياءهم ". بل ورد النهي عنه عليه الصلاة والسلام عن سوم الأشياء المعروضة للبيع بأقل من قيمتها التي يقدرها المقتني. كما نهى عليه الصلاة والسلام عن مسالك أخرى تبخس السلعة وتهون من قيمتها الطبيعية ومنها " لا تلقوا السلع حتى يهبط بها إلى السوق " ( البخاري ). وصورة الأمر أن فريقا من السماسرة يعترضون الباعة الذين يأتون من مكان بعيد قبل وصولهم إلى السوق ليشتروا منهم السلعة بأقل من ثمنها ثم يبيعونها بأزيد من ذلك أضعافا مضاعفة. وبخس السلع كما قال إبن عاشور لا يكون بخسا ماديا فحسب ولكن يكون بخسا معنويا كذلك من مثل إشاعة كذبة عن سلعة كذا بأنها معيبة بكذا وما هي كذلك.

... حفظ المال بالتداول والترويج. منعت الشريعة كنز المال وإحتكاره لئلا ينتفع به الناس بدون وجه حق. فقال سبحانه " والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم ". ولذلك فرضت الزكاة والإنفاق الواجب وحرض كثيرا على إتيان ذي القربى والمساكين والفقراء واليتامى والثكالى والأرامل والمحتاجين بصفة عامة وعلل كل تلك المعاملات ما كان منها مفروضا وما كان منها مستحبا بقوله " كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم ". وذلك رغم إختلاف الفقهاء في المال المكنوز بعد أداء زكاته وغير ذلك مما لا يدخل في صلب الموضوع الآن بعدما تبين أن المقصد العام للشريعة هو فتح كل أسباب تداول المال ورواجه بين الناس كافة بيسر بكل الطرق المشروعة.

مقصد حفظ البيئة : مقصد الشريعة الثامن.

البيئة هي " المحضن الطبيعي الذي يعيش فيه الإنسان ". البيئة هي تلك المهاد التي سخرها الله سبحانه للإنسان ليؤدي دور الخلافة فيها بكل موجوداتها ومعطياتها. هي المحيط المادي الطبيعي.ولم يهتم الأصوليون القدامى بهذا الضرب من المقاصد بسبب أنهم لم يكونوا يتصورون أن يحدث الإنسان خللا في الطبيعة التي أودعها الله محضنا دافئا آمنا لحياة الإنسان. ولكن تبين لنا اليوم أن الإنسان قادر على أن يلحق بالبيئة ضررا بل أضرارا. وجماع ذلك هو النهي عن الفساد في الأرض الذي تكرر في القرآن الكريم مرات. ذلك الفساد شامل فهو فساد أخلاقي ومادي وديني ولكنه يشمل الفساد الذي يلحقه الإنسان بالبيئة التي يعيش فيها وعليها وهي ممهدة صالحة لأداء رسالته أي العبادة والخلافة والعمارة كما أحسن إجمال ذلك الراغب عليه الرحمة. بل نبه القرآن الكريم إلى أن سوء تحمل العقيدة الإسلامية مخها التوحيد الصافي الخالص يفضي إلى الفساد في الأرض والكون فقال سبحانه " لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا ".

... حفظ البيئة من التلف. قد يكون التلف هنا تلفا عبثيا وقد يكون تلفا مفسدا يمنع البيئة من ولادة تلك الثمرة التي قطعها الإنسان أن يستفيد بها الإنسان ولو كان ظل سدرة أو نقبها. وذلك بسبب أن الله سبحانه قد خلق كل شيء بقدر مقدر لصالح سعادة الإنسان وتهيئة الظروف الطبيعية لمساعدته على القيام بوظيفته. وصف الله سبحانه عمل المنافقين بأنه إفساد في الأرض ويكفيك ذلك زجرا عن الفساد في الأرض " وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد ". حتى لو قتل الإنسان عصفورا لا يحتاج إلى قتله عد ذلك فسادا في الأرض وعدوانا على البيئة فقال عليه الصلاة والسلام " من قتل عصفورا عبثا عج إلى الله يوم القيامة يقول إن فلانا قتلني عبثا ولم يقتلني منفعة ".( النسائي ). وقوله عليه الصلاة والسلام " من قطع سدرة صوب الله رأسه في النار " ( أبوداود ). ومعلوم أن إمرأة دخلت النار في هرة حسبتها فلا هي أطعمتها ولا هي أرسلتها تأكل من خشاش الأرض. والهرة مفردة من مفردات الطبيعة والبيئة. ومن دقائق وعجائب الإسلام أنه أشار إلى نوح عليه السلام لما جاء ميعاد عقاب قومه بأن يأخذ معه في السفينة من كل زوج إثنين إبتغاء إستئناف الحياة بجمع مكوناتها الزوجية وذلك قبل أن يعمهم الطوفان فيغرقوا وتموت الحياة بموت أسبابها. كما أخبر عليه الصلاة والسلام بأن الكلاب أمة من الأمم ولولا ذلك لأمر بقتلها ولكن لما كانت ضرورية ـ أمة الكلاب ـ لتوازن الكون والبيئة الطبيعية لخلافة الإنسان عدل عن ذلك. وبمثل ذلك جاء النهي عن صيد البر في الحرم لئلا يفنى صيد الحرم الذي يتقاطر عليه الناس من كل فج عميق وفي ذلك عدوان على البيئة وإفساد في الأرض.

... حفظ البيئة من التلوث. تلوث البيئة قضية معاصرة لم تكن معروفة في السابق. ولم تهمل الشريعة هذا الضرب من الحفظ فأمرت بطهارة الثوب واللباس والجسم والفناء والآنية والأماكن العامة ناهيك أن الصلاة ـ أم العبادات ـ شرطت لها شروط منها الطهارة وبذلك تكون الطهارة الشاملة في كل الأبعاد والإتجاهات هي أبين التعليمات لحفظ البيئة من التلوث الذي تحدثه القاذورات والسموم والفوضى في المآكل والمشارب والملابس والمنازل والمراكب .. حتى أن الإسلام منع من أكل ثوما أو بصلا من قربان المساجد التي يغشاها الناس لئلا يؤذيهم بالريح الكريه وجاء قوله عليه الصلاة والسلام في حفظ الأماكن العامة من التلوث " إذا أراد أحدكم أن يبول فليرتد لبوله " ( أبو داود ). وقال في الأمر نفسه " إتقوا الملاعن الثلاث : البراز في الموارد وقارعة الطريق والظل " ( أبو داود ). وأخبرنا عن أن أغلب عذاب القبر يكون من عدم التنزه أو الإستتار من البول " إنهما يعذبان وما يعذبان من كبير : أما هذا فكان لا يستنزه من بوله وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة " ( البخاري). كما ورد عنه عليه الصلاة والسلام أنه سأل عن إمرأة سوداء كانت تقم المسجد ( تنظفه ) فأخبر بأنها ماتت فقال : هلا آذنتموني؟ ثم جاء إلى قبرها وصلى عليها.
ليس التلوث مقصورا على المفهوم التقليدي أي إرسال السموم في بعض مواد البيئة والطبيعة ولكنه يتعدى إلى عدم رعاية التناسق العام الذي أودعه الله الكون وذلك بالعبث ببعض موازين ذلك التناسق وإنخرام مقاديره حتى لو أرسل الإنسان الماء بدون حساب في الأرض بدون قصد.

... حفظ البيئة من فرط الإستهلاك. المعنى من ذلك هو أن الإنسان مطالب بالإستهلاك بمقتضى العدل والقصد أي وسطا بين التقتير والإسراف فضلا عن التبذير. وقد عدت الشريعة الإسراف في التمتع بمرافق البيئة إستهلاكا محرما " وتنحتون من الجبال بيوتا فارهين فأتقوا الله وأطعيون ولا تطيعوا أمر المسرفين الذي يفسدون في الأرض ولا يصلحون ". وليس الأمر متعلقا بالوفرة أو بالقلة ولكنه أدب إسلامي في الحالين ومن ذلك أنه عليه الصلاة والسلام مر بسعد وهو يتوضأ فقال : ما هذا السرف يا سعد؟ فقال : أفي الوضوء يا رسول الله. قال : نعم وإن كنت على نهر جار" ( إبن ماجة ). وليس الماء في هذا السياق إلا رمزا من رموز البيئة. ويكون ترشيد الإستهلاك حتى في الموائد الأرضية المائجة بالمعادن النفيسة لأنها تكون مهددة بالنضوب. وكذا يكون ذلك الترشيد في المساكن وغيرها حتى قال عليه الصلاة والسلام " يؤجر الرجل في نفقته كلها إلا في التراب أو قال البناء " ( البخاري ) وعلق إبن حجر قائلا " ما لا تمس الحاجة إليه مما لا بد منه للتوطن وما يقي البرد والحر".

وبذلك يلتقط المستقرئ للشريعة مقصدا عاما أكيدا في حفظ البيئة من فرط الإستهلاك بقطع النظر عن وفرة الشيء أو فقدانه.

... حفظ البيئة بالتنمية. بعض موارد الطبيعة يجبر إستهلاكها بالنماء وبعضها لا يجبر بذلك. ومن ذلك حث الإسلام على الزراعة والغراسة والعمارة بكل وجوهها في الأرض وفي البحر إستخراجا لذخائرها ونفائسها وبلغ ذلك التحريض درجة يصبح معه كل ما يتناوله إنسان أو عصفور أو دابة من ذلك الغرس وذلك الزرع صدقة على صاحبه حتى لو لم يعلم عن ذلك شيئا.كما دفعت الشريعة إلى إحياء موات الأرض من أجل الإنتفاع بها فقال عليه الصلاة والسلام" من أحيا أرضا مواتا فهي له " ( الترمذي ). وقال " من كانت له أرض فليزرعها أو ليمنحها أخاه " ( البخاري ). ولا يقتصر النماء على الأرض والبحر ولكن يتعدى ذلك إلى الثروة الحيوانية في ألبانها وأصوافها وأوبارها وأشعارها وسائر ما ينتفع به منها بشتى صنوف الإنتفاع.ولذلك نهى عن خصي الحيوان حتى ينتفع به وبولده. وأمر بحماية النعم الصحيح من العليل فقال " لا يورد الممرض على المصح " ( البخاري ). ولعل أبلغ تشريع وتعليم في ذلك هو قوله عليه الصلاة والسلام " إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فإن إستطاع ألا يقوم حتى يغرسها فليغرسها " ( أحمد ).

حفظ البيئة بكل تلك الصور والسبل مقصد من مقاصد الشريعة بسبب أن البيئة هي ذلك المحضن الطبيعي الدافئ الآمن المخصص للإنسان حتى يزاول فيه رسالته عبادة وعمارة وخلافة فبحفظ البيئة تحفظ الرسالة ويفحظ الإنسان وبتدميرها يؤول ذلك إلى الدمار.

تفعيل مقاصد الشريعة :

إلى هنا يكون الدكتور النجار قد أنهى الجزئين الأوليين من دراسته وهما :

أ ــ مقدمات في مقاصد الشريعة ( معالجة مجموعة من البحوث المقاصدية المعروفة إلى جانب قراءة في تصنيفها ).

ب ــ تعيين المقاصد الشرعية الضرورية العليا بحسب دورانها حول الإنسان حفظا لحياته ثم حفظا لذاته ثم حفظا لبعده الجماعي ثم حفظا لمحيطه المادي فكانت تلك المقاصد ثمانية وهي :

ــ حفظ الدين
ــ حفظ إنسانية الإنسان.
ــ حفظ النفس الإنسانية.
ــ حفظ العقل الإنساني.
ــ حفظ النسل الإنساني.
ــ حفظ الكيان الإجتماعي للإنسان.
ــ حفظ المال الإنساني.
ــ حفظ البيئة.


ومعلوم أنه عالج كل ذلك بمنهج يجمع بين الضبط للمفهوم من ناحية وتوسيع مدلوله من ناحية أخرى وبين التفريع والتفصيل فيما يتلعق بتعيين المقاصد الوسائلية الكفيلة بحفظ المقصد الأعلى في كل مجال.
والآن إلى الجزء الثالث الأخير من الدراسة كما هو مثبت في العنوان أعلاه.
يثبت الدكتور النجار في مقدمة هذا البحث الجديد أن العلم بمقاصد الشريعة مهم وضروري في الحالين : أي حال الإجتهاد الفقهي حتى " يوجه الحكم نحو مقصده " بغض النظر عما إذا كان ذلك المقصد منصوصا عليه بشكل جلي أو خفي أو مستنبط بوجه من وجوه الإستنباط. ولكن العلم بالمقصد له دور آخر وهو حال : التنزيل. ذلك أن الحكم الشرعي قد يتقرر مقصده نظريا ولكن لا يكون له تحقق في الواقع بما يقتضيى تأجيلا أو إستثناء أو إستبدالا وضرب المثل المعروف لعمر عليه الرضوان في حد السرقة عام المجاعة.
كما ينعي الدكتور النجار على الذين " يحصل عندهم العلم بالمقاصد الشرعية من الدارسين والمشتغلين بالفقه والمفتين في صورته النظرية ولكن الكثير منهم لا يعملون علمهم المقاصدي في نظرهم الفقهي " أي أن ما علموه لا يكون فاعلا في إجتهاداتهم وفتاويهم. وضرب لذلك مثلا من أحداث العنف والتقتيل الجارية اليوم في أرضنا.
يقول الدكتور النجار " وتفعيل مقاصد الشريعة في النظر الفقهي فعل مركب لا يتحقق إلا بتحقق جملة من العناصر ..". ثم يذكر بأن الشاطبي هو من أكبر من أكد على تحقيق المناط الذي هو إجتهاد لا بد منه إلى كل ناظر وحاكم ومفت بل بالنسبة إلى كل مكلف في نفسه.
نظرية التفعيل لمقاصد الشريعة عند الدكتور النجار تقوم على أمرين : أولهما التحقيق في ذات المقاصد وثانيهما التحقيق في أيلولة تلك المقاصد.

التحقيق في ذات المقاصد.

يتجه ذلك التحقيق إلى جهتين : جهة تكون غايتها " تحديد درجات المقاصد وتنسيبها إلى أنواعها فيعلم إذن ما هو قطعي وما هو ظني وما هو ضروري وما هو حاجي .." وجهة تكون غايتها " أولوية المقاصد التي وقع تحديد درجاتها وذلك بأن تقع المقارنة بين تلك المقاصد في حال تزاحمها فيعلم إذن ما هو أقوى منها وما هو أعم وما هو أقطع ..".

تحديد درجات المقاصد.

يضرب لذلك مثلا " .. فإذا مقصد حفظ العقل الذي يقتضيه حكم تحريم الخمر يدرج ضمن درجة الحاجة أو التحسين وهو في حقيقته ضروري ومقصد الحيلولة دون الخيلاء الذي يقتضيه الحكم بمنع إطالة الثياب وجر الذيول يدرج ضمن الحاجة أو الضرورة وهو في حقيقته تحسيني وذلك ما ينجر عنه خلل كبير وهو ما يقع منه اليوم شيء كبير ".
كما يستند إلى مثال آخر " ومن أمثلة ذلك ما إنتهجته عائشة عليها الرضوان في ردها خبر إبن عمر في أن الميت يعذب ببكاء أهله عليه رادة ظاهر الحكم الذي يتضمنه مرجحة عليه الحكم الذي يتضمنه قوله سبحانه " ولا تزر وازرة وزر أخرى ".

وأورد الدكتور النجار شكوى الإمام إبن عاشور " وهو مبحث مهم لم يف المتقدمون بما يستحقه من التفصيل والتدقيق .. سوى ما ذكر في كتاب القواعد لعزالدين إبن عبد السلام وما زاده شهاب الدين القرافي في الفرق الثامن والخمسين ".
ويضع الدكتور النجار قاعدة لتحديد درجات المقاصد " قياس ما يكون عليه المقصد من درجة القوة في المصلحة التي يتضمنها فبحسب قوة تلك المصلحة يلحق المقصد بنوعه ودرجته وقوة المصلحة قد تقاس بحسب القوة في ذاتها فيما إذا كانت ضرورة لحياة الفرد والمجتمع أو حاجة رافعة للمشقة أو تحسينا وتكميلا للحياة .. وذلك كأن يدرج مقصد تحقيق الكرامة والحرية الإنسانية في درجة الضرورة لقوة المصلحة التي يتضمنها ..".
وقد تقاس قوة المصلحة في تقدير المقصد الشرعي بحسب درجة الوضوح في الدلالة عليه ..
من مثل وضوح دلالة الآيات القرآنية الكريمة على مقصد اليسر.
وقد تقاس قوة المصلحة بحسب ما تصنف به من الكلية والجزئية .. على أن العلم بمدى قوة المصلحة التي تضمنتها المقاصد الشرعية المبتغاة .. ليس بالأمر المنضبط من خلال قواعد معلومة على وجه القطع ولا حتى غالب الظن فنصوص الشريعة لم يرد فيها مثل ذلك الضبط وعلماء المقاصد لم يفصلوا القول في ذلك ...

ثم يذكر بعض القواعد في ذلك من أجل الإستنارة.

الإستدلال بقوة الأمر والنهي. ولذك بسبب أن الأوامر والنواهي مختلفة في درجات قوتها فلا يستوي مثلا الأمر من حيث قوته بترك الزنى بالأمر بوجوب الإشهاد على عقد النكاح ولذلك يعد الأول مقصدا ضروريا ولكن يعد الثاني حاجيا ويورد مقولة ذهبية للإمام الشاطبي " أصول الطاعات وجوامعها إذا تتبعت وجدت راجعة إلى إعتبار المقاصد الأصلية وكبائر الذنوب إذا إعتبرت وجدت في مخالفتها ".

الإستدلال بقوة العقاب. من مثل ذلك أن المخالفات التي عوقب عليها في الدنيا بحدود يترتب عليها إستنباط مقاصد ضرورية من حفظ المال والعقل والنفس ولكن ذلك لا يعني " أن كل المقاصد المبتغاة من الأحكام التي لم تحدد فيها عقوبات هي من المقاصد الدنيا في قوة المصلحة وهي بالتالي الأدنى في السلم المقاصدي " ذلك أنه لم ترد عقوبات على كل المخالفات ومن ذا جاء التعزير الذي قد تكون عقوبته مناسبة لعقوبة الحد نفسه.

الإستدلال بقوة الوعد والوعيد. من ذلك مثلا أن الوعد على فضيلة الجهاد جاء كبيرا " وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما " وجاء الوعيد على الكذب على رسول الله عليه الصلاة والسلام شديدا " من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار " ( البخاري ). يستدل إذن بقوة ذلك الوعد وذاك الوعيد على مصلحة ضرورية هي حفظ الدين. على أنه على الفقيه أن يميز بين درجات ذلك الوعد وذاك الوعيد فيما إذا كان حكما شرعيا لازما أو هو من قبيل الترغيب والترهيب وكمالات الأخلاق والفضائل وغير ذلك وذلك من مثل ما يستفاد من نصوص كثيرة وردت لترتيب وعود كبيرة على الذكر مثلا فإن المقصود منها هو حال الذاكر وتشرب قلبه لتلك الحال بالذكر لينصلح أمره ثم ينطلق مصلحا في الناس بقوله وعمله ومن مثل ما ورد من وعيد على تعذيب بعض الحيوان فإن المقصود هو حال الرحمة التي يجب أن يكون عليها قلب المؤمن وذلك هو ما أراده إبن عاشور حين قال " على العالم المتشبع بالإطلاع على مقاصد الشريعة وتصاريفها أن يفرق بين مقامات خطابها فإن منها مقامات موعظة وترغيب وترهيب ومنها مقام تعليم وتحقيق فيرد كل وارد من نصوص الشريعة إلى مورده اللائق ".

الإستدلال بقوة المنفعة والضرر. يضرب لذلك مثلا بقوله " إن الأفعال التي تلحق بالبيئة ضررا يخل بتوازنها وينتهي بها إلى الدمار فتصبح غير صالحة للحياة هي على سبيل المثال أفعال لا يمكن أن يحكم عليها شرعا إلا بالتحريم والمقصد الشرعي من هذا الحكم لا يكون إلا مقصدا كليا ضروريا وهو حفظ البيئة ". أدرج ذلك كذلك نظرا لقوة الضرر.

تحديد أولويات المقاصد.

إذا تحددت درجات المقاصد بمثل ما أنف ذكره فإن الخطوة اللاحقة هي تحديد أولويات تلك المقاصد بما ييسر تنزيلها ويصيب مقصد الشارع الحكيم. وحدد الدكتور النجار بعض القواعد يستنار بها لتحديد أولويات المقاصد.

الموازنة بحسب قوة الثبوت. ثبوت المقاصد ليس على درجة واحدة فمنه القطعي ومنه الظني ومنه الوهمي وعلى الفقيه حسن تدبر ذلك لوضع كل شيء في موضعه المناسب. وهي موازنة تتم من جهتين :

الموازنة بالتحقق النظري. " معناه أن ينظر الفقيه في المقصد الشرعي الذي بدا له مقصدا للحكم الذي يريد تقريره فيتبين الأدلة الواردة في شأنه إذا ما كانت أدلة منصوصا عليها بصفة مباشرة أو مضمنة في التصرفات الشرعية المطردة ..". ومن أمثلة المقاصد الوهمية التي قد تلتبس على طالب العلم ضرب الدكتور النجار مثل إستحلال بعض المسلمين لأموال أقلية غير مسلمة في بلاد مسلمة وحال الفقيه في مثل هذه الحال لا تعدو أن تكون واحدة من ثلاث فإما أن يتصدى لذلك ويمنعه ومقصده محاربة المنكر ودفع الشوائب عن الإسلام أو أن يمتنع عن التصدي له ومقصده عدم الإلقاء بالأيدي إلى التهلكة وإما أن يمد العون لأولئك اللصوص ومقصده تقوية المسلمين على غيرهم. ولا شك في أن الفقيه البصير سيتجه إلى الحكم الأول والمقصد الأول.

الموازنة بالتحقق العملي. الداعي إلى ذلك هو أن المقاصد إنما تقررت في الإسلام لتكون ذات رصيد عملي ينتفع منه الناس وليس لتبقى في عقول الفقهاء والأصوليين حبيسة الجدالات العلمية. كما يؤكد الدكتور النجار أن الصورة المقاصدية لا تستكمل سوى بعد حسن الإستنباط النظري وتحديد درجات المقاصد ومثله في تتبع أيلولات تلك المقاصد ومدى تحقيقها لمراد الشارع. ويضرب الدكتور النجار لذلك مثل عمر والسرقة فيقول " لقد كان أمام عمر عام الرمادة حكمان شرعيان متزاحمان أحدهما الحكم بتطبيق حد السرقة وثانيهما الحكم بالإمتناع عن تطبيق هذا الحد والمقصد الأول مقصد نظريا قطعي ولكنه في الواقع لن يكون له تحقق في الواقع بسبب المجاعة .. ".

الموازنة بسبب قوة الأثر. كما أن المقاصد مختلفة درجاتها من حيث الثبوت ولذلك يلجأ إلى الموازنة بينها لتحديد أولوياتها فإن تلك المقاصد ذاتها تكون مختلفة الدرجات من حيث قوة الأثر في الواقع بما يعدل في ميزان أولوياتها. ولكن مبنى هذه الموازنة هو ما قرره الشاطبي من ضرورة تلازم المنفعة والضرر في أكثر المقاصد " إن المصالح الدنيوية لا يتخلص كونها مصالح محضة لأن تلك المصالح مشوبة بتكاليف ومشاق قلت أو كثرت كما أن المفاسد ليست بمفاسد محضة ..". وذات الأمر تقريبا ذهب إليه العز .. ومن ذا وجبت الموازنة على أساس قوة الأثر في الواقع وهو ترجيح يعتمد على بعض القواعد منها :

الترجيح بغلبة النفع على الضرر. يبتين ذلك من خلال هذا المثال : إذا ما تعرض إنسان للغرق مثلا فإن في محاولة إنقاذه مصلحة تبرز في ذهن كل أحد بأنها غالبة على ضرر بسبب ما يضيع من جهد ووقت وغير ذلك من المنقذ بسبب أن إحياء النفس له أدلة كثيرة في الوحي الكريم تبلغ درجة القطع والكلية والضرورة.

تغليب درء الضرر على جلب النفع. صاغ الأصوليون ذلك في قاعدة معلومة " درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة " وهي القاعدة المنصوص عليها بالنص في القرآن الكريم بمناسبة تحريم الخمر والميسر بعلة غلبة الضر فيهما على النفع. وعلى ذلك تقاس أحكام أخرى كثيرة.

تغليب أقوى المصلحتين. كما صاغ الأصوليون ذلك بقولهم " متى تعارضت المصلحتان رجحت المصلحة العظمى ". ويضرب الدكتور النجار لذلك مثالا يوازن فيه بين طلب العلم وبين طلب الكسب المادي بالنسبة لوالد يطلب حسنة ولده. كلاهما مصلحة دون شك ولكن مصلحة طلب العلم مقدمة على مصلحة الكسب المادي وذلك بسبب أن حفظ العقل مقدم في الضروريات على حفظ المال.

تغليب درإ أكبر المفسدتين. يضرب لذلك مثل الإقدام على تغيير سلطان جائر يعيث في الأموال والنفوس فسادا فإنها مفسدة دون ريب ولكن يجب توقي المفسدة الأكبر منها التي قد تترتب على محاولة التغيير أي إحلال الفتنة بما يعرض تلك الأموال والنفوس إلى عيثان أكثر وأكبر.

الموازنة بحسب عموم الآثار. أي تقديم المقصد الذي تكون آثاره أعم وأوسع من المقصد التي تكون آثاره أقل عموما وتوسعا. وعادة ما تكون تلك الآثار متضمنة إما في الكمية أو في الزمن.

الموازنة بحسب العموم الكمي. من المقاصد ما هو عموم مطلق من مثل حفظ الدين بالجهاد ومنها ما هو خاص بفئة من مثل توثيق المعاملات فإذا ما وازن الفقيه بين منع إحتكار الطعام وبين إجازته فإنه سينحاز إلى المقصد الأول بسبب عموم ضره للناس بينما تكون المنفعة في المقصد الثاني خاصة بفئة منهم. وكذلك لو تردد بين منع قطع أشجار الغابات لصنع الخشب وبين إجازتها فإنه يجب أن ينظر في مصلحة حفظ البيئة وما يترتب عن ذلك. وهذا المعنى موجود في القرآن الكريم أي إعتبار قوة المقصد بحسب عموم أثره " من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا ".

الموازنة بحسب العموم الزمني. يضرب الدكتور النجار لذلك مثل إنبناء عقد الزواج على الدوام أو على التأقيت ويبين أن الفقيه مطالب بالإنحياز إلى المقصد الأول بسبب قوة العموم الزمني لمقاصد كثيرة في النكاح المؤبد من مثل الود والرحمة والسكن وهي أمور أعم من مقاصد النوع الأول الذي عادة ما يكون مقصورا على اللذة. كما يضرب لذلك مثل فقيه يرد عليه حكمان أحدهما بقتل صنف من الحيوانات التي تغير على نوع آخر من الحيوانات لتفترسها والآخر بمنع ذلك القتل لضمان توازن البيئة ثم يبين بأن الفقيه مطالب بالإنحياز إلى المقصد الذي يضمن توازن البيئة بسبب الحاجة إلى ذلك في عموم الزمان ولكن يمكن إتخاذ إجراءات فيها من الحيطة والحذر وغير ذلك للحيلولة دون تخلف المقصد الأول أي إصابة الحيوانات الأهلية مثلا بالإفتراس وضياع الأموال.

التحقيق في مآلات المقاصد.

تحقيق المقصد المستنبط نظريا لمآلاته الملطوبة منه في الواقع لا يقع بصورة تلقائية في كل الأحوال بسبب التعقيد والتشابك في حياة الناس وفي مصالحهم. يضرب الدكتور النجار لذلك مثلا يقول فيه بأنك لو شاهدت لصا يسرق أموال الناس فإن المقصد المطلوب منك تحقيقه هو التصدي لذلك اللص حفظا لمال الناس ولكن إذا علمت أن ذلك اللص مدجج بسلاح وغلب على ظنك أنه يقتلك إذا هممت بردعه أو نهيه فإنه عليك أن تقدم حفظ النفس ـ نفسك ـ على حفظ المال لأن حفظ النفس مقدم. وبذلك تكون قد قرأت مآل المقصد وعملت بمقتضاه وحققت مراد الشارع منك. وقد عبر الشاطبي عنه بقوله " هو مجال للمجتهد صعب المورد إلا أنه عذب المذاق محمود الغب جار على مقاصد الشريعة ".
ثم أورد الدكتور النجار أمورا تساعد على حسن تفعيل المقاصد بحسن التحقيق في مآلاتها.
العلم بالمؤثرات في أيلولة المقاصد. وهي مؤثرات مختلفة تكون أحيانا خاصة وأخرى ظرفية وثالثة عرفية ورابعة واقعية.

الخصوصية الذاتية. بمثل ما يكون في بعض النفوس من سوء خلق وغلظة فاحشة وكبر بحيث تتأبى عن سماع النصيحة والموعظة لخصوصية ذاتية فيها وذلك هو المعنى الذي إلتقطه الإمام إبن تيمية حين قال " إنما حرم الله الخمر لأنها تصد عن ذكر الله وهؤلاء يصدهم الخمر عن قتل النفوس وسبي الذرية وأخذ الأموال فدعهم ". والقصة معروفة في سيرته رحمه الله.

الخصوصية الظرفية. بمثل ما يكون في بعض الحالات من مثل حالة الحرب مثلا التي تمنع إقامة الحد بسبب ظرف الحرب وما قد يثيره ذلك من مضار أخرى جانبية من مثل إفشاء السر إلى العدو أو اللحاق به أو غير ذلك ( أو ربما كسر معنوياته بما لا يثير فيه الحمية الإسلامية اللازمة).

الخصوصية العرفية. بمثل ما يجب على الداعية تبصره إذا كان في بيئة درجت على مصافحة النساء عرفا معروفا " لا سيما أن هناك إحتمالا بأن النهي النبوي في هذ الشأن هو نهي على سبيل المنع التنزيهي وليس على سبيل المنع التحريمي ".

الخصوصية الواقعية. بمثل ما تصرف عليه الصلاة والسلام مع البائل في المسجد إذ لو منعه في أثناء بوله لتعرض المكان إلى مزيد من التنجس بطبيعة واقعة البول وطبيعة المكان لا سيما أن القاعدة الأصولية تقول بأنه يغتفر في الأنتهاء ما لا يغتفر في الإبتداء.
ومعلوم أن الفقهاء يبحثون كثيرا من ذلك تحت قولهم " تغير الفتوى وإختلافها بحسب تغير الأزمنة والأمكنة والأحوال والبيئات والعوائد ". وكلها مؤثرات تساعد على حسن تنزيل المقصد لمعرفة حسن أيلولته المرادة منه.

مسالك الكشف عن مآلات المقاصد.

هذه قضية لم يقف الدكتور النجار عليها لا قديما ولا حديثا بما يتطلب جهدا كبيرا لمحاولة الكشف عن مسالك الكشف عن مآلات المقاصد. ثم بين الدكتور النجار المسالك التالية :

مسلك الإستقراء الواقعي. ضرب لذلك مثل إفتاء إبن تيمية وإبن القيم بطلقة واحدة لمن طلق ثلاثا بلفظ واحد بخلاف ما كان عليه إجتهاد عمر وذلك لأنهما رأيا بأن ذلك يشيع التحليل بسبب ضائقة في الدين على الناس وبسبب رقة في الدين عندهم وهي مفسدة أكبر عندهما من مفسدة الإستهتار بالطلاق التي بنى عليها عمر فتواه. وفي عصرنا الحاضر " أصبح إستقراء الوقائع علما قائما بذاته يقوم على قوانين وقواعد دقيقة منضبطة في الإحصاء والتصنيف والإستنتاج وأصبحت تبنى على نتائجه الخطط والبرامج والمشاريع ..".
مسلك الإستبصار المستقبلي. " إصبح اليوم إستشراف المستقبل علما قائم الذات ". وهو علم غير قطعي النتائج ولكن تبنى نتائجه بالظن الغالب. وضرب الدكتور النجار لذلك مثل الخليفة الراشد الخامس عليه الرضوان عندما إستعجله ولده في إصلاح الأمر فقال له " أخاف أن أحمل الناس على الحق جملة فيدعوه جملة ويكون من ذا فتنة ".
مسلك الإسترشاد بالعادة الطبيعية. مبنى ذلك هو أن إرتباط المقدمات بالنتائج ترابطا سببيا ينسحب على الكون وعلى الخلق سواء بسواء وهو ما كشف عن كثير منه علم النفس الفردي والإجتماعي وعلم الإجتماع. ويعود الدكتور النجار إلى إجتهاد عمر عام الرمادة ليستنبط منه عادة طبيعية منعت عمر من إنفاذ الحد وهي أن الجوع كافر لا يردعه حد ولا قانون في عام مجاعة كعام الرمادة وهو ما يجعل الفقيه بصيرا بالعوائد الطبيعية للناس والعلوم التي لا بد منها له لمعرفة أحوالهم وما يصلحها وما يفسدها.
مسلك الإسترشاد بالعادة العرفية. أشار القرآن الكريم إلى ذلك حين قال " ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم ". إذ قامت عادة الناس على سب الساب كائنا من كان بما أصبح من عرف متمكن في حياتهم وبما يستوجب على الفقيه معرفة عوائد الناس وما ترجع به عليهم وذلك أيضا نهى عليه الصلاة والسلام أن يسب الرجل أباه فلما قيل له كيف يسب الرجل أباه بين لهم أنه يسب أبا الرجل فيسب أباه. أي إستخدم العادة العرفية المعهودة يومها بأن من سب أبا الرجل فقد تسبب بالضرورة في سب أبيه فيمتنع عن ذلك.
مسلك الإسترشاد بقصد الفاعل. مبنى ذلك أن نية الإنسان تحدد تصرفه فيما يلي من أمره ولذلك منع نكاح المتعة بسبب أن مبناه ظرفي مؤقت يقصد به الفاعل متعة. وذلك بمثل ما أفتى به أحد الأصحاب سائلين عن توبة القاتل فقال لأحدهما له توبة وقال للآخر ليس له توبه وذلك بسبب ما حفت من قرائن بسؤال كل من الرجلين نفذ إليها حس ذلك الصحابي وحدسه فأخبر العازم على القتل بأنه لا توبة له وأخبر الآخر الذي فرغ من القتل بأن له توبة.

وبذلك ينهي الدكتور النجار دراسته عن مقاصد الشريعة على نحو لم يتناوله بهذا الشكل الموسع في أي من كتبه ولا بحوثه ويختتمها كما مر بنا بالبحث الأخير المتعلق بتفعيل مقاصد الشريعة تفعيلا يكون على مستويين إثنين :

مستوى التحقق في ذات المقاصد لكشف درجاتها قوة وضعفا في كل الإتجاهات ثم لترتيب أولوياتها تقديما وتأخيرا.
مستوى التحقق في مآلات تلك المقاصد ليتحقق أثرها في واقع الناس وحياتهم مبينا جملة من المسالك التي تكشف عن تلك المآلات في بحث جديد.
وبذلك ننهي عرض الكتاب لنتفرغ إلى إدارة حوار حوله إن شاء الله تعالى.


Cant See Links


التوقيع :

لااله الا الله محمد رسول الله
laa ilaaha ilaa allaah muhameed rasoolullah

which means
None is Worthy of Worship But Allah and Muhammed is
the Messenger of Allah

قال تعالى:
(إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي
الألْبَابِ *الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي
خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ*)

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( خيركم من تعلم القرآن وعلمه ))

ذكرى الله في الصباح والمساء
remembrance allah at morning and evening
Fortress of the Muslimحصن المسلم باللغة الانجليزية

ONLINE ISLAMIC BOOKS
http://www.kitabosunnah.com/islamibo...he-muslim.html




http://dalil-alhaj.com/en/index.htm









رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:36 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.4, Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
سبق لك تقييم هذا الموضوع: