زعم اليهود أن الاسم الأقدم لخليل الله كان (أبرام) حتى بلغ من العمر 99 عاماً، ولعلهم أرادوا بأبرام [(أب رائم)]، وقد يكون مثله (مريم)، [اللسان: رَيَّمَ فلان على فلان إذا زاد عليه. والرَّيْمُ: الزيادة والفضل. يقال: لها رَيمٌْ على هذا أي فضل؛ والرَّيْمُ: الدَّرجة، يمانية] ، ثم غيّره الله بعد ذلك إلى إبراهيم [لعلهم أرادوا بإبراهيم : أب أمم]، [تكوين 17: وَعِنْدَمَا كَانَ أَبْرَامُ فِي التَّاسِعَةِ وَالتِّسْعِينَ مِنْ عُمْرِهِ، .. فَخَاطَبَهُ اللهُ قَائِلاً: 4«هَا أَنَا أَقْطَعُ لَكَ عَهْدِي، فَتَكُونُ أَباً لأُمَمٍ كَثِيرَةٍ. 5وَلَنْ يُدْعَى اسْمُكَ بَعْدَ الآنَ أَبْرَامَ (وَمَعْنَاهُ الأَبُ الرَّفِيعُ) بَلْ يَكُونُ اسْمُكَ إِبْرَاهِيمَ (وَمَعْنَاهُ أَبٌ لِجُمْهُورٍ) لأَنِّي أَجْعَلُكَ أَباً لِجُمْهُورٍ مِنَ الأُمَمِ ]. وقد ورد بنصوص إيبلا ،اسم [اب را مو]، وبنصوص أوغاريت [ابي رامو]، من كتاب (إيبلا-عبلاء، الصخرة البيضاء،دراسات أثرية ولغوية وتاريخية، تأليف: باولو ماتييه). وأحد ملك إيبلا قيل اسمه (ابيريوم ). ومن كتاب العرب واليهود في التاريخ، د. أحمد سوسه:تنقيبات سلالة بابل الأولى (بين بابل وبورسيبا)، وردت اسماء: [اباراما، ابام راما،ومن عهد أسرحدون: ابرامو ]. ولكن تعليل التوراة لاسم إبراهيم ضعيف [يَكُونُ اسْمُكَ إِبْرَاهِيمَ (وَمَعْنَاهُ أَبٌ لِجُمْهُورٍ) لأَنِّي أَجْعَلُكَ (أَباً) لِجُمْهُورٍ مِنَ الأُمَمِ] ،لأن مقطع (أب) (الذي يفيد الأبوة)،قد لا نجده في اسم إبراهيم ،ولكن نجد مقطع (إب) الذي يُرجّح أصل الياء (يبرأ/يبره)، [اللسان: بَرِهَ الرجل إِذا ثابَ جسمُه بعد تغيُّر من علَّة.وأَبْرَهَ الرجلُ: غلب الناس وأَتى بالعجائب. والبُرهانُ: بيانُ الحجة واتِّضاحُها] . فلعل اليهود قد خلطوا اسم إبراهيم بأسماء قريبة من لهجات أخرى، ولكن آي القرآن المحفوظ قد لا يؤيد ،على الأقل ظاهرها،ما كتبه اليهود:
فالأرجح أن اسم (إبراهيم) ،كما هو بصيغته القرآنية،قد عُرف به خليل الله وهو مازال فتىً صغيراً . واسم إبراهيم أو مثله معروف بنقوش الجزيرة بلفظه أو قريباً منه، فبالمسند لفظ (برهمو) :[برهمو بن جدن]،نقوش مسندية، إرياني ، النقش الحادي عشر،ص466. ولفظ (ذبرهم) : [ذخ.لْ (ذي خليل؟) بن ألقوم ذبرهم (ذي إبراهيم؟)]، بافقيه 35 .وقد فضّلت اليمن بنقوشها (سبأ وحمير) إبدال الهمز بالهاء ،ومثله لدى العديد من نقوش الشام. ولعل اسم نبي الله إبراهيم من أصل جذر :بره/برأ /يبرأ [ولعل مثله أسماء بنيه: إسماعيل (يسمع، حيث جاء كثيراً بنقوش الجزيرة مكتوباً بالياء: يسمعال) ،وإسحاق (يسحق)]، ولعل إبراهيم لغة قديمة في أسماء مثل: (براء) ، (البراء) فقد يكون من معنى البَرْء (الخَلْق) والميم فيه زائدة (كتعريف/ نسبة)، ولعل قريباً من لهجته (إبدال الهمز هاء) اسم (أبرهه).
وقد يكون اسم إبراهيم من اعتناقه كلمة (لا إله إلا الله) ،فلعله اسم اُشتُهِر به منذ صغره بمعنى الذي هو (براء) من عبادة غير الله،لأنه (تبرأ) من آلهة قومه وعاداها :
ويخطىء النسّابة العرب إذ صدّقوا الأنساب التي وضعها اليهود،وكذلك بجعلهم تحدر أكثر العرب العرقي أو شطرهم من إبراهيم عليه السلام، وهذا وهم ،ولايجوز إلا لقريش وقلّة من العرب ،أما غالبهم فليسوا من نسله، لمؤشرات عدّة منها:
فإبراهيم قد أذّن في الناس (ولابد أن منهم أو أكثرهم أهل الجزيرة). وقد استوطنت الجزيرة ، من قبل إبراهيم، شعوب كثيرة لا يعلمها إلا الله،منها عاد وثمود وربما قوم نوح [ولا ينبغي قبول ما تتضمنه التوراة من معاصرة إبراهيم لنوح، لأن من بعد نوح أتت أقوام كثيرة (كعاد وثمود)،بينما عصر إبراهيم حول (2000 ق.م)]:
ومنهم من رحل من قبله صوب العراق والشام (كالأكد والأشور حوالي 3000 ق.م، والعمور والكنعان حوالي 2500 ق.م) ومصر (من جنوبها وشمالها حوالي 3500 ق.م)، وأسسوا أعظم دولها وحضاراتها، ونقوشهم وآثارهم معروفة،ويكاد يُجمع المختصون أن الجزيرة هي الموطن الأم والأصل الأول لجميع شعوب المنطقة، وبالجزيرة نفسها من قبل إبراهيم ،قد وجد الكثير من الآثار والأدوات والرسوم والعروش العادية والمستوطنات البالغة القدم، والمنتشرة في جميع مناطقها وأرجائها بلا استثناء.
وإبراهيم كان إماماً للناس وليس أعلى منه في زمانه ،لأنه كان نبي الله العظيم وخليله:
بل أنه لم يكن عليه السلام إماماً فحسب،بل هو (الإمامة) نفسها:
إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً {120} النحل
ولعله كما نقول اليوم عن مدرس: هو مدْرَسَة،أو عن معلم : هو مَعْلَمَة. فكلمة (أمّة) قد يكون لها معنى متعلق بالإمامة، والسبب أن كل الأئمة من بعده (الأنبياء) يتبعون إمامته (ملّة إبراهيم)، كما قد تعني لفظة (أُمَّةً) غاية الاستقامة،وغاية التقوى ودقّة التقيّد بشرع الله وحكمه :
وإبراهيم هو خليل الله ،ليس من معنى الصحبة ،كما قالت النصارى (Friend of God ) ولكن من الاصطفاء والاختصاص والاجتباء، [اللسان: خَلَّ في دعائه وخَلَّل، كلاهما: خَصَّص؛.. وخلَّل، بالتشديد، أَي خَصَّص؛ .. تَخَلَّل المطرُ إِذا خَصَّ ولم يكن عامّاً]. و قال تعالى عن مُخلصه موسى عليه السلام :
وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي {41} طه
وقال تعالى عن مخلصه يوسف عليه السلام :
إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ {24} يوسف
وقد جاء بالمسند لفظ خليل (كبر خلل سدثن) جام 615، بمعنى : كبير خليل سادسٍ .
والقول أن إبراهيم من جنوب العراق (أور الكلدان) أو أعالي الفرات والخابور (حاران)،كما جاء بالتوراة، ضعيف وبعيد، [تكوين11: 31 (وَأَخَذَ تَارَحُ ابْنَهُ أَبْرَامَ وَحَفِيدَهُ لُوطاً بْنَ هَارَانَ، وَسَارَايَ كَنَّتَهُ زَوْجَةَ ابْنِهِ أَبْرَامَ، وَارْتَحَلَ بِهِمْ مِنْ (أُورِ الْكَلْدَانِيِّينَ) لِيَذْهَبُوا إِلَى أَرْضِ كَنْعَانَ.32 لَكِنَّهُمْ وَصَلُوا إِلَى (حَارَانَ) وَاسْتَقَرُّوا فِيهَا). تكوين 12: 5 (وَأَخَذَ أَبْرَامُ سَارَايَ زَوْجَتَهُ وَلُوطاً ابْنَ أَخِيهِ وَكُلَّ مَا جَمَعَاهُ مِنْ مُقْتَنَيَاتٍ وَكُلَّ مَا امْتَلَكَاهُ مِنْ نُفُوسٍ فِي (حَارَانَ)، وَانْطَلَقُوا جَمِيعاً إِلَى أَرْضِ (كَنْعَانَ) إِلَى أَنْ وَصَلُوهَا).تكوين 15: 7 (وَقَالَ لَهُ: أَنَا هُوَ الرَّبُّ الَّذِي أَتَي بِكَ مِنْ أُورِ الْكَلْدَانِيِّينَ لأُعْطِيَكَ هَذِهِ الأَرْضَ مِيرَاثاً )]،لأن الكِلْدان لم يظهروا في التاريخ إلا بعد موسى بزمن يقدّر ببضعة قرون (منذ قرن 9-6 ق.م) ،فيستبعد ظهور اسمهم بزمن إبراهيم (حوالي 2000 ق.م) المتقدّم عليهم بما يقارب الألف عام. فلعل أصل خبر هجرة إبراهيم من العراق إلى كنعان (فلسطين) هو سماح قورش الفارسي (ذي القرنين؟) لليهود في زمنه بالعودة لفلسطين في ( 538 ق.م) بعد أن حرّرهم من سبي كِلْدان العراق لهم إلى بابل (597 ق.م)، ويؤيد ذلك وجود كلمة (الْكَلْدَانِيِّينَ) التي تدلّ على عصر الكتبة اليهود المتأخر. وقد تأثّر بقولهم المفسّرون، فبالدر المنثور، للسيوطي : [أقبل إبراهيم من أرمينية .. ، عن ابن عباس قال: لما هرب إبراهيم من كوثي ..، ولسانه يومئذ سرياني، فلما عبر الفرات من حران .. حيث عبر الفرات،.. وأخرج ابن أبي حاتم عن كعب رضي الله عنه في قوله {وقال اني مهاجر إلى ربي} قال: إلى حران. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج مثله]، وبالجامع لأحكام القرآن للقرطبي [قال قتاده هاجر من كوثا وهي قرية من سواد الكوفة إلى حران ثم إلى الشام ومعه ابن أخيه لوط بن هاران بن تارخ وامرأته سارة]، وفي قصص الأنبياء لابن كثير [وصحح ذلك الحافظ ابن عساكر .. عن ابن عباس: ولد إبراهيم بغوطة دمشق .. ثم قال والصحيح أنه ولد ببابل]،والأقرب أنه من منطقة الحجاز الكبير، بين مكة وفلسطين، وربما نحو شمال الحجاز كمدين وثمود.
وإبراهيم حسب التوراة وما جاء بالتفسير [لم يسكن بمكة (ولكن بأور/الكوفة وحرّان وفلسطين) وعندما جاءها شيخاً كبيراً لا ليبني البيت الحرام ولكن ليصرف هاجر ورضيعها،ولم يُبن البيت إلا بعد تزوّج إسماعيل للمرة الثانية،ولم يبق بمكة ،ولكن مات بفلسطين]، فكيف والنبي لا يكون إلاّ بلسان قومه، ونعلم أن إبراهيم قد أذّن في الناس (مكة وماحولها من العرب)،وهذا يُرجّح أن لسانه لسانهم، وأنه غير بعيد عن منطقة مكّة، أو من منطقة الحجاز الكبير :
ولا يرُجّح دفن إبراهيم وإقامته بفلسطين كما زعمت اليهود وصدقتهم التفاسير، [القرطبي، الجامع لأحكام القرآن: وكان إبراهيم عليه السلام يحجه كل سنة على البراق ..]،وبالدر المنثور [وأخرج ابن أبي حاتم وابن عساكر عن قتادة: .. ومات إبراهيم وآدم وإسحق ويوسف بأرض فلسطين] وبقصص الأنبياء ،لأبن كثير [ثم مرض إبراهيم عليه السلام ومات عن 175 سنة .. ودفن في المغارة المذكورة التي كانت بحبرون الحيثي عند امرأته سارة التي في مزرعة عفرون الحيثي وتولى دفنه إسماعيل وإسحاق ..فقبره وقبر ولده إسحاق وقبر ولد ولده يعقوب في المربعة التي بناها سليمان بن داوود عليه السلام ببلد حبرون (ملاحظة:تبدو تحريف عفرون) وهو البلد المعروف بالخليل اليوم]، وذلك يكاد يكون نقلاً حرفياً عن التوراة [تكوين 25 : 7 وَعَاشَ إِبْرَاهِيمُ مِئَةً وَخَمْساً وَسَبْعِينَ سَنَةً. 8ثُمَّ مَاتَ بِشَيْبَةٍ صَالِحَةٍ وَانْضَمَّ إِلَى أَسْلاَفِهِ، 9فَدَفَنَهُ ابْنَاهُ إِسْحقُ وَإِسْمَاعِيلُ فِي مَغَارَةِ الْمَكْفِيلَةِ، فِي حَقْلِ عِفْرُونَ بْنِ صُوحَرَ الْحِثِّيِّ مُقَابِلَ مَمْرَا، 10وَهُوَ الْحَقْلُ الَّذِي اشْتَرَاهُ إِبْرَاهِيمُ مِنَ الْحِثِّيِّينَ، وَفِيهِ دُفِنَ إِبْرَاهِيمُ وَزَوْجَتُهُ سَارَةُ]. والأرجح موته ودفنه بمكة عند البيت، لأن مقام إبراهيم بمكة ولأن الله عهد إليه بخدمة البيت الحرام كما نص القرآن:
فِيهِ آيَاتٌ بَيِّـنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ {97} آل عمران
وإذن لا يُفترض أن ينسى إبراهيم عهد الله إليه بخدمة البيت الحرام وأن يهجر مقامه فيه ، ليذهب بعد هذا العهد والمقام والتكليف ،إلى فلسطين ثم يموت ويُدفن فيها.
حامد العولقي
Cant See Links
كتاب نشوء البيان
Cant See Links
العرض العادي
