أفراح البادية الأردنية صفاء الأصل والموقع

6 Feb 2004 20:06:36 GMT
لمي يالمي شديلي مخداتي.. طلعت من البيت ما ودعت خياتي
أفراح البادية الأردنية صفاء الأصل والموقع


البادية الأردنية نسيج متكامل تنصهر فيه القيم الأصيلة في هدوء بعيد عن ضجيج وصخب الحياة التي تتشابك مع سكانها إلى درجة التوحد.. فيها طقوس تعكس صفاء الأصل والموقع، بين صباح عطر ومساء ندي.. الكرم عند أهلها قاعدة صلبة لا يمكن الخروج عنها وعنوان الكرم فنجان من القهوة، من عاداتهم عدم سؤال الضيف عن حاجته أو الغرض من زيارته إلا بعد ثلاثة أيام وثلث من النهار على استضافته.
يطلق على أماكن سكنهم وتجمعاتهم «المضارب» وفي منطقة الشندغة التراثية وتحديداً في قرية التراث شد أهل بادية الأردن رحالهم لينصبوا خيامهم ويقيموا مضاربهم ويجسدوا لزوار القرية لوحة تعبيرية فائقة الابداع والتنظيم تعكس الأصالة والعادات والتقاليد الطيبة التي يحكمها قانون نسجته الطبيعة الصحراوية.
العام الماضي شاركوا بمضارب بادية الشيخ عقاب واليوم يشاركون في حياة البادية العربية بالشندغة بمضارب بادية الريدة حيث دارت أحداث عرس البادية الأردنية وسط حضور كثيف من الجمهور والزوار وخاصة أبناء الجالية الأردنية مما اضفى على العرس جواً غاية في المتعة والفرح.
لم يكن ذلك الحضور غريباً فدائماً ما تحظى مشاركات البادية الأردنية بهذا الاقبال، فحياة البوادي في الأردن موسوعة ضخمة من المعاني لا يمكن استيعابها في عرس واحد، الكل حرص على أن يأتي لينهل من ذلك الكرم وأن يشاهد سفوح الاودية ذات الرمال الملونة الحمراء وهي تعانق الجبال في ارتفاعاتها الشامخة لترسم البهجة وتدخل الفرح على الجميع.

تفاصيل العرس

عند أحد آبار المياه المنتشرة في بادية الريدة حيث جرت العادة ان تذهب البنات و«الواردات» اليه لجلب المياه ويكون مكاناً لالتقاء النساء والفتيات للحديث حيث تبث كل منهن أشجانها للأخرى، يأتي الفتى حمود أحد شباب الديرة العائد من رحلة صيد قاصداً البئر، ليطلب شربة ماء له ولجواده من إحدى الفتيات، فتبادر «نوف» باعطائه الماء وسط مشاعر من الخجل والأدب، ليبادر حمود بسؤال، عن اسمها وعائلتها فتجيبه أنها من عائلة الشيخ فواز.
وينتهي اللقاء ويعود حمود إلى بيته وأهله حاملاً اعجابه بالفتاة التي التقاها على بئر الماء.
ويدخل البيت ويذهب إلى والدته ويخبرها عن لقائه بابنة الشيخ فواز، ويطلب من أمه ان تخبر أباه برغبته بالزواج من تلك الفتاة.
تنتقل الأم ومعها ولدها حمود إلى حيث يجلس الوالد فيقوم حمود بتقبيل يد والده ثم يترك المكان فاسحاً المجال لوالديه للحديث عن موضوع الزواج، ليبدأ حواراً بين الأم والأب الذي يرحب بالأمر ويهنيء ولده ويطلب من الأم ان تذهب إلى العروس للتعرف عليها و«نقدها» فتتجه أم حمود هي ومجموعة من النساء إلى بيت الشيخ فواز لنقد العروس فيما يسمى بـ «النقادات» وهي عادة سميت بهذا الاسم بما يعني تفحص العروس بطريقة ذكية لبيان جمالها وأدبها وأخلاقها.
تصل أم حمود إلى حرم بيت الشيخ فواز حيث تستقبلهن زوجة الشيخ فواز وابنتها نوف بكل حفاوة وترحاب وبالطبع لا يخلو من شرب القهوة. تبدأ أم حمود بالصلاة على النبي وتطلب من نوف الجلوس بجانبها وتقدم لها حبات من العدس أو الحمص وذلك لتفحص قوة أسنانها وتقوم بشد شعرها بطريقة ذكية لترى لونه وقوته ثم تقوم بسؤالها هل هي مخطوبة أم لا؟ وبعد أن تنتهي أم حمود من مهمتها تبدي أعجابها بـ «نوف» وتعود إلى بيتها مبشرة زوجها بجمال وزينة وخلق العروس.
على الفور ينادي الأب على ابنه حمود ويطلب منه ان يبلغ أعمامه وأخواله لزيارة أبيه فيطير حمود فرحاً يدعو الأهل لزيارة خيمة أبيه، ويبدأ رجال العشيرة بالتوافد إلى بيت ابي حمود الذي يحدثهم عن أمر خطوبة ابنه حمود فيهنئوه ويذهبون جميعاً إلى بيت الشيخ فواز فيما يعرف بـ «الجاهة» حيث يتم استقبالهم بحفاوة وترحيب بالجميع.

فنجان القهوة

يتم الترحيب من خلال تقديم القهوة الأصيلة ليتناول أبو حمود الفنجان دون ان يشربه ويضعه أمامه مما يدل على أن لديه طلباً عند الشيخ فواز الذي يقوم بسؤاله عن طلبه فيخبره الشيخ عقاب أنه يريد يد ابنته نوف لابنه حمود فيرحب الشيخ فواز لكنه يطلب ان يستشير أهله فيتوجه إلى المحرم وينادي على بنته نوف ويسألها عن رأيها فتجيب بالموافقة، عندئذ يعود الشيخ فواز للجاهة بعد أن سمع رد نوف ليتم تجديد فنجان القهوة ويتقدم القهوجي بصب القهوة للجميع ويخبرهم بالموافقة فيشربون.
ثم تبدأ الجاهة ببحث أمور المهر فيما يسمى بـ «تفنيد السياق» ويحدد موعد الفرح ويتفق الطرفان على أن يكون الفرح بعد أسبوع، وعادة ما تكون الأفراح في مواسم الصيف في البادية.
ومن ثم تنطلق زغاريد النساء والتراديد والمهاهاة ابتهاجاً بهذه المناسبة، كما يقوم الرجال باطلاق الأعيرة النارية وتستمر أفراح القبيلة على مدار سبعة أيام تكون فيها الرقصات والدبكات والجحة والسامر والدحية والجوفية. وتنطلق هذه الرقصات أمام الجمهور الذي يتمايل ويتراقص معها ابتهاجاً بالعرس.

الحناء

عادة ما تكون الحناء قبل ليلة الزفاف حيث يقوم الشباب بدهن خنصر العريس بالحناء وسط ترديد الأغاني والأهازيج الخاصة بهذه الليلة ومنها

عالمدلل يا قلب اسحن وجيب
خطية العزبان برقبة الخطيب
عالمدلل ياقلب اسحن وهات
خطية العزبان برقبة البنات

وينتقل المشهد إلى حناء العروس حيث تقوم النساء بدهن يدي وقدمي العروس بالحناء وتردد النساء الأغاني والتراديد الخاصة بهذه المناسبة.
فشدت الفنانة الأردنية نهاوند أجمل الكلمات بصوتها العزب الذي تلألأ في فضاء الشندغة فقالت:
بالورد والحنا رشو الوسايد بالورد والحنا

يوخد ويتهنا قولو لحمود ياخد ويتهنا
بالورد والريحة رشو الوسايد.
بالورد والريحة وأخذ المليحة
قولو لحمود واخد المليحة

وطربت نهاوند كذلك:
سبل عيونه ومد ايدو لحنونه
ويش هالغزال اللي راحوا يصيدونه

كما قامت نهاوند بغناء أغاني خاصة للعروسين منها:

لمي يالمي وشديلي مخداتي
طلعت من البيت ما ودعت خياتي
يالهل يالهل يلا محلا لياليكم
يامحلا النوم في فيّه علاليكم
على الهوى على الهوى وأنا رماني الهوى
وايش تقول يا بن العم لما التقينا سوا

وفي يوم الزفاف وهو اليوم السابع من عرس البادية الأردنية جرت العادة ان يقدم الطعام «المنسف الأردني» ويسمى هذا الطعام «القرا» وهذا الطعام يكون قبل ان يزفو الشباب العريس إلى العروس.

وقبل زفة العريس يتم احضار العروس على ظهر الجمل إلى بيت العريس ويكون برفقتها اعمامها واخوالها ونساء العشيرة اللواتي يحملن كسوتها وزينتها.
وبعد ان يتم احضار العروس يحضر الشباب العريس بزفة يقومون فيها بترديد الاهازيج والحداء والرقص ويقوم الشباب باستعراض قوتهم ومهارتهم في ركوب الخيل ورماية البندقية والمبارزة بالسيوف فيما يسمى «الصابية» و«طراد الخيل» وبعد نهاية الزفة يتم احضار العريس للوقوف إلى جانب العروس فيما يسمى بـ «الصمدة» حيث يبدأ الشباب بالغناء والرقص بعد ذلك يأخذ العريس عروسه إلى بيته الجديد وحياته الجديدة المليئة بالفرح والسرور.
وبعد انتهاء العرس، قال ماهر القريوتي رئيس الوفد الأردني أن الأردن حريص من خلال هيئة تنشيط السياحة على المشاركة بمهرجان حياة البادية العربية باعتبارها نافذة مهمة للترويج للتنوع السياحي الذي تزخر به المملكة، مشيراً إلى انه يجرى حالياً التباحث مع المسئولين بدائرة السياحة والتسويق التجاري على تقديم فعاليات جديدة مختلفة الشكل والمضمون في الدورات المقبلة.
وقال ان المشاركة هذا العام في حياة البادية قامت بها فرقة الرمث للفنون الشعبية والفرقة الأردنية للفنون المسرحية بالاضافة إلى المطربة نهاوند، مشيراً إلى أن ذلك يعكس مدى الاهتمام الذي يوليه الأردن على التواجد بهذه الفعالية.
من جانبها قالت المطربة نهاوند أنها سعيدة بالمشاركة في مهرجان هذا العام وخاصة في جانب التراث حيث تهتم بحكاية التراث الأردني وإعادة صياغته وتقديمه في قالب جديد للشباب بطريقة حديثة. وأشارت إلى أن هذه هي المشاركة الأولى لها والزيارة الثانية لدبي وأضافت أنها على وشك اصدار ألبوم جديد يجرى الاعداد له حالياً في القاهرة بالتعاون مع الموسيقار عمار الشريعي ولافتة إلى أنها بصدد تقديم عدد من الحفلات خلال المهرجان.



متابعة: مصطفى عبدالعظيم

الصور المرفقة