كان خور دبي ولا يزال يمثل الشريان الحي والعميق في جسد المدينة ويقسمها إلى برين كلاهما ذكريات لا ينساها أهلها ولا يمكن أن تتوارى عن بال من مروا في الطريق القديم، أو هكذا قيض له أن يكون مجرى مياه وحيوات بإطلالة تكاد تكون أسطورية وحكايا مبانيه المطلة مثل كتاب مفتوح على الحياة بقلبها التجاري الذي شغل الناس ويملأ في حاضرنا الدنيا. وقتها كانت الدنيا فسيحة وكان الخور جميلا، هادئا.. يفيض دعة، وإذ نجده اليوم أكثر صخبا وجلبة، فهو أشد حيوية بإيقاعه السريع.. إيقاع حياة جديدة بدأت ملامحها تتشكل مع تصاعد النهضة في دبي، وكان الرماد يبرئ البيوت والشمس مشرقة على السكك الضيقة، وكان بيتها ساحة للوله وعطشانة. كذلك ألعاب الكرابي والهول والتبة واليوريد والغميضة والتمر والملح.
على ضفتيه سكنت الشندغة بعبق السنين ومسيرة من حكم الشيخ مكتوم بن حشر آل مكتوم مؤسس البيت منشأ القيادات التي قادت المدينة إلى مطالع الازدهار التجاري والمجتمعي والعمراني، انه بيت الشيخ سعيد حيث يلتقي الحاكم والشعب في طريق مستقيم قاد دبي بنظرة ثاقبة إلى المستقبل الذي تعيشه اليوم بقدر من التفاني والإخلاص في العمل. كان البيت ساحة للحكم والحياة، في بيت الشيخ سعيد حاكم دبي في الفترة من 1912 حتى عام ،1958 وبيت ابنه راشد حاكم دبي في الفترة من 1958 حتى 1990 وأخيه الشيخ خليفة وزوجته والشيخة موزة بنت سعيد وزوجها مكتوم بن جمعة والشيخة فاطمة أم الشيخ أحمد بن سعيد آل مكتوم.. وقد تحول البيت الشامخ هذا اليوم إلى متحف للصور والوثائق التي تحكي قصة دبي. وعلى مقربة منه يقع بيت الشيخ عبيد بن ثاني آل مكتوم الذي شيد في عام ،1916 ومالك البيت هو الشيخ ثاني بن جمعة وآل إلى ابنه الشيخ عبيد بعد وفاته، كما تقع على الخور مساجد صغيرة الحجم مفتوحة على ساحة الأحياء يندر وجود المآذن فيها مثل مساجد بن زايد والمر بن حريز والملا وعبدالقادر في الشندعة ومسجد بن لوتاه في منطقة الراس التي استخدمت المواد التقليدية مثل الأحجار المرجانية والصدفية والجص وأخشاب التشندل والدعون في ترميمها، حيث كانت مكونة من قاعة الصلاة والليوان (الرواق) والصحن ونوافذ من جميع الجهات للسماح بمرور التيارات الهوائية وتلطيف الجو الحار في الصيف، أما الرواق فهو المنطقة المظللة عند مدخل قاعة الصلاة ويقوم على أعمدة، وكانت الميضأة تحتوي على بئر ماء وحوض للوضوء.
على الخور يقع سوقان رئيسيان لدبي، السوق القديم في بر دبي والآخر في بر ديرة، كما كان لظهور ميناء دبي عام كميناء رئيس حر على الساحل - بعد البحرين وقتها -السبب الجوهري في جلب الهنود التجار (البانيان) الذين كانوا يتاجرون في الأقمشة والمنسوجات واتخذوا من سوق سمي باسمهم مقرا لتعاطيهم مع التجارة والتعامل مع المجتمع الأمر الذي ساهم في تطور تجارة الإمارة في مجال اللؤلؤ وتسهيل تقديم القروض للتجار الصغار كما لعب الدور نفسه عدد من التجار الإيرانيين فانتعش سوق اللؤلؤ الأمر الذي ساهم في تطور المجتمع في دبي وانتعاشه اقتصاديا وثقافيا وعمرانيا وأيضا أمنيا وسياسيا.
وقد كان للتجارة مع الهند أثر كبير على إنشاء المدرسة الاحمدية على الضفة الأخرى من الخور في منطقة الراس، وهي المدرسة التي لعبت دورا مفصليا في الحركة التعليمية في الإمارة والساحل.
ووفقا لخريطة عام 1822 فان المدينة المطلة على الخور تبدو ساحلا رمليا خاليا من العمران مفتوحة على رحاب الخليج العربي الممتد إلى المحيط الهندي، تلك هي الشندغة أول منطقة مأهولة بالسكان لتصبح في بعض أيامها جزيرة يحوطها البحر وتملؤها الحياة بالذكريات والغناء.
ويرجع تاريخ واجهة الخور والمباني المطلة عليه إلى أواخر القرن التاسع عشر لتعطي المشاهد الانطباع الأول لتاريخ المدينة تراثها المعماري بازغا في قلب المنطقة التجارية القديمة للإمارة. كانت هناك عبرة “ سرور بن لاحج” على مدخل الخور ترشد السفن التي تروم الدخول إليه، عندما كان البوم يطرح خارجه والسفن ترسو قبالة فندق “ حياة ريجنسي”- حاليا- ممتدة حتى تصل إلى شواطئ جميرا، وتنزل منه “الحمالة” “العبرية” لتقلصه “البسطة” حتى يطرح في “بندر طالب” وقت البحر يكون فيه سجيا - أي منتصف الشهر العربي- لأن الخور وقتها كان ضيقا عما هو عليه الآن، وقبل أن تقوم شركة “النمسا” الألمانية بتوسعته باستخدام الديناميت. هكذا كانت السفن تدخل وتخرج إلى ومن الخور، ويخرج “الدواركة “ و”البسنجر”، وكانت السفن تلك تفرغ بواسطة “ الدوبة” البضائع الصغيرة والركاب من السفن الى “ الفرضة” الميناء القديم لدبي، حيث يتوزع الناس والبضائع في المدينة. فكانت البضائع تنزل بواسطة الحاملة “الكرين” اليدوية الأحمال الثقيلة وكان العمال للبضائع الصغيرة كالخيش والكراتين المحملة من بلاد الهند وإيران والبصرة ولنجة، وبعض الدول الأوروبية مثل بريطانيا وألمانيا وهولندا وفرنسا بعدها اليابان.
العرض العادي
