آخر 10 مشاركات
الخبيصه الاماراتيه (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 1 - المشاهدات : 12604 - الوقت: 09:09 PM - التاريخ: 01-13-2024)           »          حلوى المغلي بدقيق الرز (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 0 - المشاهدات : 7377 - الوقت: 03:16 PM - التاريخ: 12-11-2023)           »          دروس اللغة التركية (الكاتـب : عمر نجاتي - مشاركات : 0 - المشاهدات : 13256 - الوقت: 11:25 AM - التاريخ: 08-21-2023)           »          فيتامين يساعد على التئام الجروح وطرق أخرى (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 0 - المشاهدات : 14629 - الوقت: 08:31 PM - التاريخ: 07-15-2023)           »          صناعة العود المعطر في المنزل (الكاتـب : أفاق الفكر - آخر مشاركة : OM_SULTAN - مشاركات : 4 - المشاهدات : 48769 - الوقت: 10:57 PM - التاريخ: 11-06-2022)           »          كحل الصراي وكحل الاثمد وزينت المرأة قديما من التراث (الكاتـب : Omna_Hawaa - آخر مشاركة : OM_SULTAN - مشاركات : 2 - المشاهدات : 43826 - الوقت: 10:46 PM - التاريخ: 11-06-2022)           »          كيفية استخدام البخور السائل(وطريقة البخور السائل) (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 2 - المشاهدات : 36037 - الوقت: 10:36 PM - التاريخ: 11-06-2022)           »          جددي بخورك (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 0 - المشاهدات : 20851 - الوقت: 10:25 PM - التاريخ: 11-06-2022)           »          عطور الإمارات صناعة تراثية (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 0 - المشاهدات : 21109 - الوقت: 10:21 PM - التاريخ: 11-06-2022)           »          خلطات للعطور خاصة (الكاتـب : أفاق : الاداره - آخر مشاركة : OM_SULTAN - مشاركات : 1 - المشاهدات : 27056 - الوقت: 10:12 PM - التاريخ: 11-06-2022)

إضافة رد
 
أدوات الموضوع تقييم الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 05-27-2010, 03:28 PM   رقم المشاركة : 1
الكاتب

OM_SULTAN

المشرف العام

OM_SULTAN غير متواجد حالياً


الملف الشخصي








OM_SULTAN غير متواجد حالياً


ٍاصول الفقه في سؤال وجواب




بسم الله الرحمن الرحيم

ٍاصول الفقه في سؤال وجواب


المقدمة

ٍاصول الفقه في سؤال وجواب الجزء الأول

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادى له واشهد أن لا اله ألا الله وحده لا شريك له واشهد أن محمداً عبده ورسوله.
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُون}َ
{يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي َتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}


أما بعد

فإن اصدق الحديث كتاب الله , واحسن الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم , وشر الأمور محدثاتها , وكل محدثة بدعة , وكل بدعة ضلالة , وكل ضلالة في النار

ثم أما بعد

فهذا جزء بسيط من علم أصول الفقه جمعتها من كتب أهل العلم ورتبتها على هيئة سؤال وجواب ليسهل معرفتها

واسأل الله جل وعلا أن يجعل هذا العمل خالصا لوجهه الكريم

محتويات الكتاب

الجزء الاول

الدس الأول :- تعريف أصول الفقه .
الدرس الثاني :- الأحكام الشرعية وأقسامها .
الفصل الأول :- تعريف الأحكام الشرعية .
الفصل الثاني :- أقسام الأحكام الشرعية :-
القسم الأول :- تكليفية .
القسم الثاني :- وضعية .
تقسم الأحكام الشرعية باعتباره على وفق الدليل أو خلافه .
القسم الأول :- الرخصة .
القسم الثاني:- العزيمة .
الدرس الثالث :- مصادر الاستدلال .
الفصل الأول :-أدلة متفق عليها
القسم الأول :- الكتاب .
القسم الثاني :- السنة .
القسم الثالث :- الإجماع .
القسم الرابع :- القياس .
الفصل الثاني :- أدلة مختلف فيها .
القسم الأول :- قول الصحابي .
القسم الثاني :- شرع من قبلنا .
القسم الثالث :- العرف .
القسم الرابع :- الاستحسان .
القسم الخامس :- المصالح المرسلة .
تعريف أصول الفقه

س1)- عرف أصول الفقه ؟
نظر علماء الأصول إلى أصول الفقه بنظرتين وعلى ضوء هاذين النظرتين يمكن تعريف أصول الفقه .
النظرة الأولى )- نظرة باعتباره مفرديه (( أي باعتبار كلمة أصول وكلمة فقه)) ويعرف بما يأتي :-
فالأصول جمع ومفردها اصل وهو ما يبنى عليه غيره مثل اصل الشجرة الذي يتفرع منه أغصانها قال الله تعالى { أَلَمْ تَرَى كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ}
والفقه لغة الفهم قال الله تعالى { وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي } . أي يفهموا .
أما اصطلاحاً :- فهو معرفة الأحكام الشرعية العملية بأدلتها التفصيلية .
فالمراد بالمعرفة هي (( العلم والظن )) لان إدراك الأشياء إم أن تكون :-
اولاً)- العلم :- وهو إدراك الشيء على ما هو عليه إدراكاً جازماً .
ثانياً )- الظن :- وهو إدراك الشيء مع احتمال ضد مرجوح .
ثالثاً )- الشك :- وهو إدراك الشيء مع احتمال ضد مساو .
رابعاً)- الوهم :- وهو إدراك الشيء مع احتمال ضد راجح
خامساً )- الجهل :- وهو عدم الإدراك بالكلية .
سادساً )- الجهل المركب :- وهو إدراك الشيء على وجه يخالف ما هو عليه في الواقع .
والأحكام الشرعية هي الأحكام المتلقاة من الشرع كالوجوب والتحريم , و الأحكام ثلاثة أنواع :-
ا]- عقليه :- مثل الواحد نصف الاثنين .
ب]- حسية :- مثل النار محرقة .
ج] - شرعية :- مثل الصلاة واجبة .

والشرعية وهى ما تتوقف معرفتها من الشرع ولا تدرك إلا عن طريقه , وتقييد
الأحكام بكونها شرعية يخرج الغير شرعية كالأحكام الحسية و العقلية .



والعملية وهو ما يصدر عن المكلف من الأفعال , لان الأحكام الشرعية بحسب متعلقاتها تنقسم إلى :-
أ]- الاعتقادية :- وهى ما يتعلق باعتقاد الناس وتسمى أحكام اعتقاديه مثل الإيمان بالله وملائكته .
ب]- العملية :- وهى ما يتعلق بأفعال الناس التي تصدر عنهم وتسمى أحكاما عملية مثل وجوب الصلاة
ج]- الأخلاقية :- وهى ما تتعلق بتهذيب النفوس وتزكيتها وتسمى الأحكام الأخلاقية مثل وجوب الصدق وتحريم الكذب .
وتقييد الأحكام الشرعية بالعملية يخرج غير العملية وهى الاعتقادية والأخلاقية .
والمراد بقول بأدلتها التفصيلية أي أدلة الفقه المقرونة بمسائل الفقه التفصيلية , فيخرج به أصول الفقه لأن البحث فيه إنما يكون في أدلة الفقه الإجمالية .

النظرة الثانية )- نظرة باعتبار كونه لقباً لهذا الفن المعين فعرفه (( الأصوليين )) بعدة تعريفات نذكر منها ما يأتي :-


التعريف الأول )- هي القواعد التي يتوصل بها المجتهد إلى استنباط الأحكام الشرعية العملية من الأدلة التفصيلية .
شرح التعريف
1)- القواعد :- والقواعد جمع مفرده قاعدة و القاعدة عبارة عن قضية كلية تشمل جزئيات كثيرة كقاعدة (( الأمر للوجوب )) و (( النهى للتحريم )) وغيرها من القواعد . وبأخذ القاعدة في التعريف يخرج الأمور الجزئية .
2)- التي يتوصل بها المجتهد :- أي أن المجتهد يستطيع بواسطة هذه القواعد الأصولية أن يأخذ الأحكام الفقهية من الدليل التفصيلي .
3)- الأحكام :- جمع مفرده حكم والحكم إثبات أمر لاخر أو نفيه عنه
, والأحكام بحسب طريق إثباتها ثلاثة أنواع .
النوع الأول )- عقلي مثل الواحد نصف الاثنين .
النوع الثاني )- حسي مثل النار محرقة .
النوع الثالث )- شرعي مثل الصلاة واجبة .

4)- الشرعية )- وهى ما تتوقف معرفتها على الشرع . وتقييد الأحكام بكونها شرعية يخرج الأحكام الغير شرعية وهى الأحكام العقلية والحسية
5)- العملية )- وهو ما يصدر عن المكلف من الأفعال , لان الأحكام الشرعية بحسب متعلقاتها تنقسم إلى الاعتقادية والعملية والأخلاقية , وتقييد الأحكام الشرعية بالعملية يخرج غير العملية وهى الاعتقادية والأخلاقية .

6)- من الأدلة التفصيلية , والمراد الأدلة التفصيلية الأدلة الجزئية , وهى التي يتعلق كل دليل منها بمسألة مخصوصة , ويدل كل واحد منها على حكم معين , كقوله تعالى { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ } فإنه دليل تفصيلي تعلق بمسألة معينة وهى الزواج بأمهات , وتفيد حكماً معيناً وهو حرمة الزواج بالأم .

التعريف الثاني )- هو علم يبحث عن أدلة الفقه الإجمالية وكيفية الاستفادة منها وحال المستفيد .

شرح التعريف
فبقول الإجمالية (( وهى القواعد العامة )) مثل الأمر للوجوب و النهى للتحريم , فيخرج به أدلة الفقه التفصيلية فلا تذكر في أصول الفقه إلا على سبيل التمثيل للقاعدة .
وبقول وكيفية الاستفادة منها أي أن المجتهد يستطيع بواسطة هذه القواعد الأصولية أن يأخذ الحكم , وبتقييد الاستفادة منها يخرج القواعد التي لا يوصل البحث فيها إلى شئ بأن تكون مقصودة لذاتها مثل قاعدة (( العدل أساس الملك )) , والقواعد يجب أن تكون شرعية وكونها شرعية تخرج القواعد التي ليست شرعية كقواعد النحو مثلاً .
وبقول وحال المستفيد , والمستفيد هو المجتهد لأنه يستفيد بنفسه من الأحكام , فمعرفة المجتهد وشروط الاجتهاد وحكمه يبحث في أصول الفقه .

س2) - ما الفرق بين الأصولي والفقيه ؟
الأصولي يبحث عن القواعد الكلية , والنظر في الأدلة الإجمالية من حيث دلالتها على الحكم فهو ينظر في كيفيات هذه الأدلة وأحوالها من حيث كونها عامة أو خاصة , مطلقة أو مقيدة , أمراً أو نهياً , ويضع القواعد التي تبين الحكم لكل منها , فيبحث مثلاً في الأوامر فيجد قاعدة كلية وهى ((كل أمر - إذا تجرد من قرينة - يفيد الوجوب)) وهكذا النواهي يجد (( كل نهى - إذا تجرد من قرينة - يفيد التحريم )) , ويبحث في العام فيجد أن (( العام يتناول أفراده قطعاً )) .
أما الفقيه فهو يبحث في أدلة الفقه الجزئية ليصل من خلال ذلك إلى معرفة حكم من الأحكام الشرعية العملية , فإذا ما أراد مثلاً معرفة حكم الصلاة , فإنه يبحث في الأدلة التفصيلية المتعلقة بالصلاة فيجد فيما يجد قول الله تعالى { وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ } , فينظر في هذا الدليل الجزئي فيجد فيه الأمر بالصلاة .


س3)- ما فائدة أصول الفقه ؟
من فوائد أصول الفقه :-
1)- ضبط أصول الاستدلال وذلك ببيان الأدلة الصحيحة من الزائفة .
2)- التمكن من الحصول على قدرة يستطيع بها استخراج الأحكام الشرعية من أدلتها على أساس سليم .
3)- تيسير عملية الاجتهاد واعطاء الحوادث الجديدة ما يناسبها من الحكم .
4)- معرفة الأسباب التي أدت إلى وقوع الخلاف بين العلماء والتماس الأعذار لهم .
5)- بيان ضوابط الفتوى وشروط المفتى وآدابه .
6)- الوقوف على سماحة الشريعة ويسرها , والابتعاد عن الجمود المترتب على دعوى إغلاق باب الاجتهاد.

س4)- ما سبب وضع العلماء لعلم أصول الفقه ومن أول من وضعه ؟
إن سبب حمل العلماء على إنشاء هذا العلم إنه عندما كثرة الفتوحات الإسلامية واتسعت رقعة الإسلام أدى ذلك إلى اختلاط الأمة العربية بغيرها من الأمم فدخل في اللغة العربية الكثير من المفردات غير العربية فكثر تبعاً لذلك الاشتباه والاحتمال في فهم النصوص , كما أدت كثرة الفتوحات إلى وجود الكثير من الحوادث التي لم تكن موجودة من قبل والتي لم يرد ما يبين حكمها .
أما أول من وضع هذا العلم فهو الأمام الشافعي رحمه الله تعالى في أواخر القرن الثاني الهجري ثم توالت جهود العلماء فكانت المرحلة الثانية على يد إمامين جليلين هما الخطيب البغدادي وابن عبد البر ثم كانت مرحلة برز فيها جانب الإصلاح وتقويم الاعوجاج لهذا العلم على يد شيخ الإسلام ابن تيميه وتلميذه ابن القيم .

الأحكام الشرعية وأقسامها

تعريف الأحكام الشرعية

س1)- ما معنى الحكم الشرعي ؟
لغة )-
المنع ومنه قيل للقضاء حكم لأنه يمنع من غير المقتضى به .
اصطلاحاً ) -
هو خطاب الله المتعلق بأفعال المكلفين على جهة الطلب أو التخيير أو على جهة الوضع .
شرح التعريف
1)- خطاب :- والخطاب يشمل خطاب الله وخطاب غيره من الأنس والجن والملائكة , وبإضافة لفظ الجلالة قيد يخرج خطاب غير الله سبحانه وتعالى .
2)- المتعلق بأفعال المكلفين :- والمكلفين جمع مفرده مكلف , والمكلف هو كل بالغ عاقل بلغته الدعوة وكان أهلاً للخطاب , ولم يمنعه من التكليف مانع .وتقييد بالمتعلق بأفعال المكلفين قيد يخرج الخطاب المتعلق بغير أفعال المكلفين كالتعلق بذات الله عز وجل في مثل قوله تعالى { شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ } ومثل المتعلق بالجمادات كقوله تعالى { وَقِيلَ يَاأَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَاسَمَاءُ أَقْلِعِي } .
3)- على جهة الطلب أو التخيير أو الوضع :- يعنى أن خطاب الشرع تارة يقتضى الطلب وتارة يقتضى التخيير وتارة يكون شيئاً موضوعاً للدلالة على شئ .
فالطلب يدخل فيه الأمر والنهى (( الأمر طلب فعل والنهى طلب ترك )) وقد يكون الطلب على سبيل الإلزام وهو الواجب أو على سبيل الأفضلية وهو المندوب , وكذلك النهى قد يكون على سبيل الإلزام وهو الحرام وقد يكون على سبيل الأفضلية وهو المكروه , أما على سبيل التخيير فهو المباح .
وأما على جهة الوضع فهو وضع الشرع شيئاً للدلالة على شئ آخر مثل الشرط والسبب والمنع والصحيح والفاسد .

أقسام الأحكام الشرعية

س2)- ما هي أقسام الأحكام الشرعية ؟

تنقسم الأحكام الشرعية إلى قسمين هما :-
أ)- التكليفي :-
وهو خطاب الله المتعلق بأفعال المكلفين على جهة الطلب أو التخيير .
ب)- الوضعي :-وهو جعل الشيء سبباً لشيء آخر أو شرطاً أو منعاً أو صحيحاً أو فاسداً .

س3)- اذكر أمثلة لكل من الحكم التكليفى والحكم الوضعي ؟
يمكن أن يجتمع الحكم التكليفى والحكم الوضعي في نص واحد ويمكن أن يفترقا , وسنذكر أمثلة يجتمع فيهما الحكم التكليفى والحكم الوضعي وأمثلة أخرى ينفرد فيها كل من الحكم التكليفى والحكم الوضعي .
أولا )- أمثلة يجتمع فيهما كلاً من الحكم التكليفى والحكم الوضعي .
المثال الأول :-
قول الله تعالى { وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا } , فإن في هذا المثال وجوب قطع اليد وهو حكماً تكليفياً وفيه جعل السرقة سبباً في قطع اليد وهو حكماً وضعياً .
المثال الثاني :-
قول الله تعالى { وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا } , فالحكم التكليفى هو إباحة الصيد بعد التحلل من الإحرام , والحكم الوضعي هو جعل هذا التحلل سبباً في الإباحة .
ثانياً )- مثال ينفرد فيه الحكم التكليفى
مثل قول الله تعالى { وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ } , فإن هذه الآية تتضمن حكماً تكليفاً فقط وهو وجوب الصلاة والزكاة .
ثالثاً )- مثال ينفرد فيه الحكم الوضعي
المثال الأول :- كقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ{ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةً بِغَيْرِ طُهُورٍ } , فإن هذا الحديث متضمن حكماً وضعياً فقط وهو جعل الطهارة شرطاً لصحة الصلاة .
المثال الثاني :- وهو قوله صلى الله عليه وسلم { الْقَاتِلُ لَا يَرِثُ } , فإن هذا الحديث يشمل على حكم وضعي , وهو جعل القتل مانعاً من الميراث .

س4)- ما هي أقسام الأحكام التكليفيه ؟
ينقسم الحكم التكليفى إلى خمسة أقسام هي :-
القسم الأول )- الواجب ويسمى ((فرضاً - فريضة - حتماً - لازماً ))
القسم الثاني )- المندوب ويسمى (( سنة - مسنوناً - مستحباً - نفلاً ))
القسم الثالث )- المحرم
القسم الرابع )- المكروه
القسم الخامس )- المباح ويسمى (( حلالاً - جائزاً ))

س5)- عرف الواجب ؟

الواجب هو ما أمر به الشرع على وجه الإلزام (( ويثاب فاعله امتثالاً ويستحق العقاب تاركه )).
شرح التعريف
1)- ما أمر به الشرع :- يخرج ما نهى عنه الشرع وأباحه فيخرج من هذا القيد كلاً من المحرم والمكروه والمباح .
2)- على وجه الإلزام :- يخرج ما أمر به الشرع لا على وجه الإلزام وهو المندوب .
3)- ويثاب فاعله امتثالاً :- يخرج به من فعله لا امتثالاً للأمر فلا ثواب له .
4)- ويستحق العقاب تاركه :- أي إن تاركه يستحق العقاب ولكن قد يعفو الله عنه فقد يعاقب وقد لا.

س6)- ما هي أقسام الواجب ؟
يمكن تقسيم الواجب باعتبارين :-
1)- باعتبار المكلف :- وينقسم إلى واجب عين وواجب على الكفاية .
فالواجب العيني :- هو ما وجب على كل شخص بعينه كالصلاة والصيام .
وواجب الكفاية :- هو ماكان الفرض فيه مقصوداً به قصد الكفاية فيما ينوبه فإذا قام به البعض سقط على الآخرين كصلاة الجنازة .
2)- باعتبار وقت أدائه :- وينقسم إلى قسمين مطلق ومقيد .
مطلق :- وهو ما طلب الشرع فعله ولم يعين وقتاً لادائه مثل الكفارات فإن وجبت كفارة اليمين على شخص فإن له أن يؤديها متى شاء .
مقيد :- ما طلب الشارع أدائه وعين لهذا الأداء وقتاً محدداً كالصلوات الخمس وصيام رمضان .

س7)- ما هو الفرق بين الواجب والفرض ؟
ذهب جمهور الفقهاء إلى أن لافرق بين الفرض والواجب وقالوا إن هذين اللفظين مترادفين , وذهب فريق آخر من العلماء إلى أن الفرض غير الواجب فلفرض ما ثبت بدليل قطعي , والواجب ما ثبت بدليل ظني .
وعلى هذا يكون من ترك قراءة شئ من القرآن في الصلاة تكون صلاته باطلة , لأن القراءة فرض لثبوتها بدليل قطعي وهو قول الله تعالى {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْ الْقُرْآنِ } وأما من ترك قراءة الفاتحة فقط فإن صلاته تكون صحيحة لأن قراءتها ليست فرضاً وإنما هي واجبة فقط , لأنها ثابتة بدليل ظني وهو قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {َ لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ }

س8)- عرف المندوب ؟
المندوب هو ما أمر به الشارع لا على وجه الإلزام (( ويثاب فاعله امتثالاً ولا يعاقب تاركه )).
شرح التعريف
1)- ما أمر به الشرع :- يخرج ما نهى عنه الشرع وأباحه فيخرج من هذا القيد كلاً من المحرم والمكروه والمباح .
2)- لا على وجه الإلزام :- يخرج ما أمر به الشارع على وجه الإلزام وهو الواجب .
3)- ويثاب فاعله امتثالاً :- يخرج به من فعله لا امتثالاً للأمر فلا ثواب له .
4)- ولا يعاقب تاركه :- أي إن تارك المندوب لا يعاقب على تركه له .

س9)- عرف المحرم ؟
المحرم ما نهى عنه الشارع على وجه الإلزام (( يثاب تاركه امتثالاً ويستحق العقاب فاعله)) .
شرح التعريف
1)- ما نهى عنه الشارع :- يخرج ما أمر عنه الشارع وأباحه وهو الواجب والمندوب والمباح .
2)- على وجه الإلزام :- يخرج ما نهى عنه الشارع لا على وجه الإلزام وهو المكروه .
3)- يثاب تاركه امتثالاً :- يخرج به من تركه لا امتثالاً للأمر فلا ثواب له .
4)- ويستحق العقاب فاعله :- أي إن فاعله يستحق العقاب ولكن قد يعفو الله عنه فقد يعاقب وقد لا.

س10)- عرف المكروه ؟
المكروه ما نهى عنه الشارع لا على وجه الإلزام (( يثاب تاركه امتثالاً ولا يعاقب فاعله )) .
شرح التعريف
1)- ما نهى عنه الشارع :- يخرج ما أمر به الشارع وأباحه وهو الواجب والمندوب والمباح .
2)- لا على وجه الإلزام :-يخرج ما نهى عنه الشارع على وجه الإلزام وهو المحرم .
3)- يثاب تاركه امتثالاً :- يخرج به من تركه لا امتثالاً للأمر فلا ثواب له .
4)- ولا يعاقب فاعله :- أي إن فاعل المكروه لا يعاقب ولكن هذا لايعنى أن نتهاون بالمكروه لأنه يخشى
أن يكون هذا المكروه سلماً إلى المحرم كما أن المعاصي الصغار وسيلة للكبائر والكبائر وسيلة
إلى الكفر ولهذا يقولون المعاصي بريد الكفر أي موصلة للكفر .

س11)- عرف المباح ؟
هو ما لا يتعلق به أمر ولانهى لذاته (( لا يترتب عليه ثواب ولا عقاب ))
شرح التعريف
1)- ما لا يتعلق به أمر :- خرج به الواجب والمندوب .
2)- ولا نهى :- خرج به المحرم والمكروه .
3)- لذاته :- يخرج ما لو تعلق به أمر لكونه وسيلة لمأمور به أو نهى لكونه وسيلة لمنهي عنه فإن له حكم ما كان وسيلة له من مأمور أو منهي وهذا لا يخرج عن كونه مباح في الأصل (( مثل شراء الماء الأصل فيه الإباحة لكن إذا كان يتوقف على الوضوء للصلاة صار شراؤه واجباً فإذا أمر الشرع بشيء فهو أمر به و أمر بما لا يتم إلا به )) .
4)- لا يترتب عليه ثواب ولا عقاب :- أي إن فعله وتركه لا يترتب عليه عقوبة ولا ثواب .

س12)- ما هي أقسام الأحكام الوضعية ؟
ينقسم الحكم الوضعي إلى خمسة أقسام هي :-

القسم الأول )- السبب .
القسم الثاني )- الشرط .
القسم الثالث )-المانع .
القسم الرابع )- الصحة .
القسم الخامس )- الفساد .

س13)- عرف السبب ؟
السبب هو ما يلزم من وجوده الوجود ويلزم من عدمه العدم .(( أي إنه الوصف الظاهر الذي يلزم من وجوده وجود الحكم ومن عدمه عدم الحكم , مثل دخول وقت الصلاة فإنه سبب في وجوبها فيلزم من دخول الوقت وجوب الصلاة متى ما توفرت الشروط وانتفت الموانع , ويلزم من عدم دخول الوقت عدم الوجوب)) .

س14)- عرف الشرط ؟
الشرط هو ما يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم وكان خارجاً عن الماهية (( أي إنه الوصف الظاهر المنضبط الذي يلزم من عدمه عدم الحكم ولا يلزم من وجوده وجود الحكم ولا عدمه كالطهارة بالنسبة للصلاة فإنه يلزم من عدم الطهارة عدم صحة الصلاة ولا يلزم من وجودها وجود الصحة إذ قد توجد الطهارة وتكون الصلاة باطلة كما لو صلى مستدبراً القبلة مثلاً فهاهنا الشرط موجود وهو الطهارة لكن الحكم غير موجود , كما لا يلزم من وجود الشرط وجود الحكم فلا يلزم من وجود الطهارة وجود الصلاة إذ قد يتوضأ لقراءة القران مثلاً)) .


س15)- عرف المانع ؟
المانع هو ما يلزم من وجوده العدم ولا يلزم من عدمه وجود ولا عدم (( أي إنه الوصف الظاهر الذي يلزم من وجوده عدم الحكم ولا يلزم من عدمه وجود الحكم ولا عدمه , مثل الحيض فإنه يلزم من وجوده عدم صحة الصلاة ولا يلزم من عدمه صحة الصلاة ولا عدمها )).
وعلى هذا فلا بد في وجود الحكم الشرعي من توفر ثلاثة أمور وهى :-
(1)- وجود السبب .(2)- وجود الشرط .(3)- انتفاء الموانع .
فإذا تخلف أمر من هذه الأمور انتفى الحكم الشرعي ولا بد .
ومثال لذلك وجوب الزكاة :-
السبب :- بلوغ النصاب .
الشرط :- حولان الحول .
المانع :- وجود الدين .
فإذا وجد النصاب وحال الحول وانتفى الدين وجب أداء الزكاة .

س16)- عرف الصحة ؟
هو الفعل الذي يترتب عليه أثره المقصود منه سواء أكان عبادة أو معاملة .
فالصحيح من العبادات ما برئت به الذمة وسقط به المطلب , مثل ذلك أن رجلاً صلى الصلاة على إنه طاهر من الحدث والنجاسة واستقبل القبلة وأتى بكل شئ وبكل ما يلزم فهذه الصلاة صحيحة .
والصحيح من المعاملات هو ما ترتب أثاره على وجوده كترتب الملك على عقد البيع مثلاً.

س17)- عرف الفساد ؟
الفساد ما لا تترتب آثار فعله عبادة كان أو معاملة .
فالفاسد من العبادات :- ما لا تبرأ به الذمة ولا يسقط به الطلب كالصلاة قبل وقتها .
والفاسد من العقود :- ما لا تترتب آثاره عليه كبيع المجهول .

س18)- ما الفرق بين الباطل والفاسد ؟
يرى جمهور العلماء إنه لا فرق بينهما , ويذهب فريقاً آخر إلى أن بينهما فرق وهو :-
إن الباطل :- ما لم يشرع أصلا لا بأصله ولا بوصفه كصلاة الحائض وصومها فإنهما لم يشرع لها أصلا .
أما الفاسد :- ما شرع بأصل دون وصف مثل الصيام يوم النحر , فإن الصيام مشروع بأصله لكنه
ليس مشروعاً بوصفه وهو كونه في يوم النحر .
ومن ثمرت هذا التفريق - عند القائلين بذلك - في إن الباطل لا يعتد به أصلا ولا يترتب عليه أي
أثر بل يفسخ متى اطلع عليه , وأما الفاسد تترتب عليه آثار مع الإثم مثل بيع الربا يفيد الملك
للزيادة بالقبض مع الإثم فإن ألغيت الزيادة فلا إثم .

أقسام الحكم باعتباره على وفق الدليل أو خلافه

س19 )- تكلم عن أقسام الحكم باعتباره على وفق الدليل أو على خلافه ؟
يمكن تقسيم الحكم باعتباره على وفق الدليل أو على خلافه إلى قسمين هما :-


القسم الأول: الرخصة
هي الحكم الثابت بدليل على خلاف دليل آخر لعذر .
شرح التعريف
1)

- الحكم :- المراد به الحكم الشرعي .
2)- الثابت بدليل :- أي أن الرخصة لا بد لها من دليل فإذا لم تثبت بدليل فلا تجوز الأقدام عليها .
3)- على خلاف دليل آخر :- قيداً تخرج به الأحكام الثابتة على وفق الدليل مثل إباحة الأكل والشرب والنوم إذ لا يوجد دليل يقتضي منع هذه الأشياء حتى تكون إباحتها على خلافه بل هي موافقة للأصل إذ الأصل في الأشياء الإباحة .
4)- لعذر :- والمراد بالعذر ما تتحقق معه مشروعية الحكم ,مثل المشقة والحاجة والضرورة , وعليه فلا يدخل المانع في العذر كالحيض مثلاً لأن إسقاط الصلاة عن الحائض لا يسمى رخصة لأن الحيض مانع .
ويخرج بهذا القيد - لعذر- بعض أنواع العزيمة كوجوب الصلاة والزكاة مثلاً فإن هذه الأحكام ثابتة على خلاف الدليل وهو الأصل إذ الأصل عدم التكليف ومع ذلك فلا تسمى رخصة .
وتنقسم الرخصة إلى أربعة أقسام وهى :-
(1)- الإيجاب .(2)- الندب .(3)- الإباحة .(4)- خلاف الأولى .
فالإيجاب مثالها أكل الميتة للمضطر إذا خاف على نفسه الهلاك , فإن هذا الحكم ثابت بدليل وهو قول الله تعالى {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ } , مع قوله تعالى {فَمَنْ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } وهذا الدليل يخالف الدليل على حرمة أكل الميتة وهو قول الله تعالى { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ } فوجوب أكل الميتة للمضطر رخصة لأنه ثابت بدليل على خلاف دليل آخر لعذر وهو الاضطرار.
وأما الندب والإباحة فيكون الكلام فيه كما في الكلام على الإيجاب ولكن مع اختلاف حكم الرخصة فقد تكون الرخصة للاستحباب أو تكون للإباحة .
وأما خلاف الأولى فمثاله الفطر في نهار رمضان للمسافر الذي لا يتضرر بالصوم ,فإن جواز الفطر - والحال هذه - ثابت بقوله تعالى { فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } , فهذا الدليل مخالف لدليل آخر وهو قوله تعالى { فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ } , وهذا مخالف لعذر وهو مشقة السفر , وإنما كان الفطر لمن لا يتضرر بالسفر خلاف الأولى لقوله تعالى {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } .

القسم الثاني العزيمة

وهى الحكم الثابت على وفق الدليل أو خلاف الدليل .
وتنقسم العزيمة إلى نوعين :-
النوع الأول )- أحكام ثابتة على وفق الدليل :- مثل إباحة الأكل والشرب والنوم فإن هذه الأحكام ونحوها جاءت على وفق الدليل , وهو الأصل في الأشياء الإباحة .
النوع الثاني )- أحكام ثابتة على خلاف الدليل ولكن لغير عذر :- ومثال ذلك وجوب الصلاة والزكاة والصوم وغيرها من التكاليف الأخرى فإن هذه الأحكام جاءت على خلاف الدليل وهو أن الأصل عدم التكليف , ولكن هذه المخالفة كانت للابتلاء ولم تكن لعذر المشقة ونحوها .

مصادر الاستدلال

تمهيد

اتفق أهل السنة على أن الأدلة المعتبرة شرعاً هي الكتاب , والسنة , والإجماع , والقياس , وهذه الأدلة الأربعة متفقة لا تختلف إذ يوافق بعضها بعضاً ويصدق بعضها بعضاً لأن الجميع حق , والحق لا يتناقض , كما أن جميع هذه الأدلة ترجع إلى الكتاب .
فالكتاب دل على حجية السنة , والكتاب والسنة دلا على حجية الإجماع , وهذه الأدلة الثلاثة دلت على حجية القياس , لذلك يصح أن يقال إن مصدر هذه الأدلة هو القرآن , باعتبار أنه ماعداه بيان له وفرع عنه ومستند إليه .
وهناك أدلة اختلف العلماء عليها وهى, قول الصحابي , و شرع من قبلنا ,والعرف ,والاستحسان , و المصالح المرسلة .
وسوف نقوم إن شاء الله ببيان هذه الأدلة وما هو الدليل على أنها من مصادر الاستدلال , وما هي أقسامها وشروط الاستدلال بها .

الأدلة المتفق عليها

الكتاب - السنة - الإجماع - القياس


أولا:الكتاب

س1)- ما هو تعريف الكتاب ؟
الكتاب هو القرآن لقوله تعالى { وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنْ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ قَالُوا يَاقَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ } ,ويمكن تعريف القرآن بأنه كلام الله عز وجل حقيقة حروفه ومعانيه , ليس كلامه الحروف دون المعانى ولا المعانى دون الحروف , تكلم الله به قولاًوأنزله على نبيه وحياً وآمن به المؤمنون حقاً, وهو كتاب الله تعالى الذى جعله آية باهرة,ومعجزة قاهرة , وحجة باقية إلى قيام الساعة , وقد تكفل الله سبحانه وتعالى القرآن من التبديل و التحريف فقال جل شأنه {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}الحجر9, نزل به الروح ا لأمين جبريل عليه السلام على النبى الأمى محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم بلفظه ومعناه.
وقد انعقد الإجماع على أن القرآن نزل على النبى صلى الله عليه وسلم بواسطة جبريل عليه السلام فى اليقظة ولم ينزل منه شى فى المنام, وهذا لا يعنى أن طرق الوحى الأخرى يعتريها اللبس أو يلحقها الشك , فالوحى بجميع أنواعه فى اليقظة أو فى المنام يصاحبها علم يقينى بأنه من عند الله سبحانه وتعالى .
ومن هذا التعريف نستنتج الآتي :-
1)- أن القرآن كلام الله حقيقة هو اللفظ والمعنى جميعاً قال الله تعالى { وَإِنْ أَحَدٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ } .
2)- أن القرآن منزل من عند الله نزل به جبريل عليه السلام على محمد صلى الله عليه وسلام قال تعالى { نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنْ الْمُنذِرِينَ } .
3)- القرآن معجزاً أي أن القرآن معجزته من عند الله تعالى أما الحديث النبوي والحديث القدسي فهو ليس كذلك .

س2)- هل القرآن كله نزل باللغة العربية ؟
يمتاز القرآن الكريم عن بقية الكتب السماوية الأخرى (( التوراة و الإنجيل وغيرهما )) بأنه نزل باللغة العربية قال الله تعالى { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ } وقوله تعالى { وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنْ الْمُنذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ } وقوله تعالى { وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا } .وبمقتضى هذه الخاصية فإن ما ترجم من القرآن إلى غير اللغة العربية لا يسمى قرآناً وبالتالي لا يصح الاعتماد عليه في استنباط الأحكام الشرعية سواء كانت الترجمة حرفية أو غير حرفية .

س3)- هناك بعض الكلمات الأعجمية في القرآن مثل المشكاة و غيرها من الألفاظ الأعجمية فما جوابكم على ذلك ؟
أن وجود بعض الكلمات الأعجمية في القرآن مثل كلمة ((مِشْكَاةٍ )) في قوله تعالى {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ } , وكلمة ((الْقِسْطَاسِ )) في قوله تعالى {وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ } , وكلمة ((قَسْوَرَةٍ )) في قول الله تعالى {فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ } .
يمكن الجواب عنها بعدة وجوه :-
1)- أن هذه الألفاظ إنما هي عربية ولكن قد يجهل بعض الناس كونها ألفاظا عربية , وذلك إن لسان العرب أوسع الألسنة مذهباً و أكثرها ألفاظا ولا يحيط بجميع ألفاظها إنسان غير نبي .
2)- إنه لا يمتنع أن تكون هذه الألفاظ أعجمية وعربية وإن لها معنى في كل لغة فمن نسبها إلى العربية فهو محق ومن نسبها إلى غيرها فهو محقاً كذلك .
3)- ويمكن أن يقال إن هذه الألفاظ اصلها غير عربي ثم عربتها العرب واستعملتها فصارت من لسانها وإن كان اصلها أعجميا .

س4)- ما معنى المحكم والمتشابه في القرآن الكريم ؟
لقد ورد وصف القرآن إنه كله محكم فقال تعالى { الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ } , بمعنى أنه متقن غاية الإتقان في أحكامه وألفاظه ومعانيه , فهو غاية في الفصاحة والأعجاز .
كما ورد وصفه أنه متشابه قال تعالى { اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا } , بمعنى أن آياته تشبه بعضها بعضاً في الأعجاز والصدق والعدل .
وورد أيضا من أن القرآن منه ما هو محكم ومنه ما هو متشابه قال الله تعالى { هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُوْلُوا الْأَلْبَابِ } , وقد ذهب بعض السلف إلى أن المحكم هو ما لم يحتمل من التأويل غير وجه واحد والمتشابه ما احتمل من التأويل أكثر من وجه , وذهب بعضهم إلى أن المحكم ما اتضح معناه والمتشابه ما لم يتضح معناه وغيرها من الأقوال . ولكن كانت طريقتهم في التعامل مع المحكم والمتشابه متفقه وقالوا الواجب أن يرد المتشابه إلى المحكم ,كما قالوا إن القرآن ليس فيه ما لا معنى له , كما اتفقوا على أن جميع ما في القرآن يفهم معناه ويمكن تدبره وإنه ليس في القرآن مالا يمكن أن يعلم معناه أحد .

س5)- ما هي دلالة القرآن على الأحكام ؟
للقرآن الكريم جانبان :- جانب ثبوت وجانب الدلالة .
إما من حيث الثبوت فقد اتضح مما سبق أن القرآن كله متواتر ثابت , وإما من حيث دلالة على الأحكام فإنه قد يكون إما قطعي الدلالة , وإما ظني الدلالة .

س6)- ما معنى أن يكون القرآن قطعي الدلالة وما معنى أن يكون ظني الدلالة ؟ قد يكون القرآن قطعي الدلالة , وقد يكون ظني الدلالة .
ومعنى قطعي الدلالة أن لا يحتمل اللفظ إلا معنى واحداً فيتعين حمله عليه ومن أمثلة ذلك .
1)- آيات المواريث
ومنها قوله تعالى { وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمْ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوْ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ }
فإن النصف والربع والثمن والثلث و السدس مقادير محدودة لا تحتمل أكثر من معنى واحد ولا مجال فيها للرأي والاجتهاد .
2)- آيات الحدود
ومنها قوله تعالى { الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ } , وقوله تعالى { وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ } .
فإن المائة والثمانين ومثلهما ليس لها سوى معنى واحد وليس للاجتهاد فيها مجال .
ومعنى أن يكون ظني الدلالة هو أن يحتمل هذا الحكم ويحتمل غيره ( أي أن اللفظ يحتمل عدة معاني) ومن أمثلة ذلك , قول الله تعالى { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمْ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنْ الرَّضَاعَةِ } ,فإن الإرضاع يحتمل أن يكون المرة الواحدة , ويحتمل المرات المتعددة , ولذلك اختلف الفقهاء في القدر المحرم من الرضاع فدلالة الآية على أن الرضاع مرة واحده محرم دلالة ظنية .
هذا وقد يكون النص الواحد من القرآن قطعي الدلالة باعتبار وظني باعتبار آخر .
ومثال ذلك قوله تعالى { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ } , فإن دلالة هذه الآية على أصل المسح قطعية , ودلالتها على القدر المطلوب مسحه من الرأس ظنية , ولذلك اتفق الفقهاء على أن مسح الرأس في الوضوء مطلوب واختلفوا في القدر المطلوب مسحه .

س7)- هل في القرآن مجاز ؟
المجاز هو اللفظ المستعمل في غير موضوعه على وجه يصح , كاستعمال لفظ (( أسد )) في الرجل الشجاع.
وقد اختلف العلماء في المجاز في القرآن .
فقال فريق من العلماء لا مجاز في القرآن , قال ابن القيم المجاز طاغوت .
وقال فريق آخر بان المجاز جائز في القران ولكن على النحو الآتي :-
يقع المجاز في القرآن كما في قوله تعالى { وَاسْأَلْهُمْ عَنْ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ }
فبداء الأمر بمسألتهم عن القرية الحاضرة البحر إنما أراد به أهل القرية , لأن القرية لا تكون عادية ولا فاسقة بالعدوان في السبت ولا غيره , وإنه إنما أراد بالعدوان أهل القرية الذين بلاهم بما كانوا يفسقون .
وعلى هذا يجب من وجود قرينة من إثبات المجاز .
أما في آيات الصفات فلا مجاز ويجب حملها على حقيقتها .

ثانياً:السنة

س1)- عرف السنة ؟
السنة في اللغة هي الطريقة والسيرة , حميدة كانت أو ذميمة , قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ كُتِبَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا وَلَا يَنْقُصُ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ كُتِبَ عَلَيْهِ مِثْلُ وِزْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا وَلَا يَنْقُصُ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ } مسلم
أما في الاصطلاح , هي ماصدر عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غير القرآن , وهذا يشمل قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفعله وتقريره وكتابته وإشارته وهمه وتركه .
مثال للسنة القولية قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ} البخاري .
ومثال السنة الفعلية , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَالِكٍ ابْنِ بُحَيْنَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { كَانَ إِذَا صَلَّى فَرَّجَ بَيْنَ يَدَيْهِ حَتَّى يَبْدُوَ بَيَاضُ إِبْطَيْهِ} البخاري .
ومثال السنة التقريرية , قوله صلى الله عليه وسلم للجارية { أَيْنَ اللَّهُ قَالَتْ فِي السَّمَاءِ قَالَ مَنْ أَنَا قَالَتْ أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ قَالَ أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ} مسلم , فأقرها الرسول صلى الله عليه وسلم على ذلك .
ومثال كتابته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , عن عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَخْبَرَهُ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إِلَى قَيْصَرَ وَقَالَ فَإِنْ تَوَلَّيْتَ فَإِنَّ عَلَيْكَ إِثْمَ الْأَرِيسِيِّينَ } البخاري .
ومثال إشارته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ { صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِهِ وَهُوَ شَاكٍ فَصَلَّى جَالِسًا وَصَلَّى وَرَاءَهُ قَوْمٌ قِيَامًا فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ أَنْ اجْلِسُوا فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا} البخاري
ومثال همه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِالصَّلَاةِ فَتُقَامَ ثُمَّ أُخَالِفَ إِلَى مَنَازِلِ قَوْمٍ لَا يَشْهَدُونَ الصَّلَاةَ فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ} البخاري .
والمقصود بالترك , هو تركه صلى الله عليه وسلم فعل أمر من الأمور , وهى أنواع .
منها التصريح من الصحابة بأنه صلى الله عليه وسلم ترك كذا , أو لم يفعل كذا , كقول الصحابي في صلاة الْعِيدَ , عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { صَلَّى الْعِيدَ بِلَا أَذَانٍ وَلَا إِقَامَةٍ } .
ومنها عدم نقل الصحابة للفعل الذي لو فعله صلى الله عليه وسلم لنقلوه إلينا , مثال ترك النبي صلى الله عليه وسلم التلفظ بالنية عند دخوله في الصلاة .
وهذه الأنواع السابقة (( القولية , والفعلية , والتقريرية , والكتابية , والإشارية , والهمية , والتركية)) قد يدخل بعضها في بعض , فيدخل كل من الكتابة و الإشارة والهم والترك في الفعل .

س2)- ما الذي يدل عليه فعل النبي صلى الله عليه وسلم ؟
يمكن تصنيف أفعال النبي صلى الله عليه وسلم على النحو الآتي :-
1)- أفعال جبليه تصدر عنه بحكم الطبيعة كإنسان , وذلك مثل المشي والأكل والشرب والنوم ونحو ذلك وهذا القسم مباح , لأن ذلك لم يقصد به التشريع , لكن لو تأسى به متأسي فلا باس من ذلك ويثاب على قصد التأسي , كما ورد عَنْ عُبَيْدِ بْنِ جُرَيْجٍ أَنَّهُ قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا رَأَيْتُكَ تَصْنَعُ أَرْبَعًا لَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِكَ يَصْنَعُهَا قَالَ مَا هِيَ يَا ابْنَ جُرَيْجٍ قَالَ { رَأَيْتُكَ لَا تَمَسُّ مِنْ الْأَرْكَانِ إِلَّا الْيَمَانِيَيْنِ وَرَأَيْتُكَ تَلْبَسُ النِّعَالَ السِّبْتِيَّةَ وَرَأَيْتُكَ تَصْبُغُ بِالصُّفْرَةِ وَرَأَيْتُكَ إِذَا كُنْتَ بِمَكَّةَ أَهَلَّ النَّاسُ إِذَا رَأَوْا الْهِلَالَ وَلَمْ تُهِلَّ أَنْتَ حَتَّى كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ أَمَّا الْأَرْكَانُ فَإِنِّي لَمْ أَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمَسُّ إِلَّا الْيَمَانِيَيْنِ وَأَمَّا النِّعَالُ السِّبْتِيَّةُ فَإِنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلْبَسُ النِّعَالَ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا شَعَرٌ وَيَتَوَضَّأُ فِيهَا فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَلْبَسَهَا وَأَمَّا الصُّفْرَةُ فَإِنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْبُغُ بِهَا فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَصْبُغَ بِهَا وَأَمَّا الْإِهْلَالُ فَإِنِّي لَمْ أَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُهِلُّ حَتَّى تَنْبَعِثَ بِهِ رَاحِلَتُهُ } البخاري.
كما ورد عن الإمام أحمد أنه اختفى ثلاثة أيام ثم انتقل إلى موضع آخر اقتداء بفعل النبي صلى الله عليه وسلم في اختفائه في الغار ثلاثة أيام وقال : ما بلغني حديث إلا عملت به حتى أعطي الحجام ديناراً .
2)- أفعال خاصة به صلى الله عليه وسلم , واختصاصيتها ثابت بدليل , كالجمع بين تسع نسوة وهذا القسم يحرم فيه التأسي به .
3)- أفعال يقصد بها لبيان التشريع كأفعال الصلاة والحج وغيرهما , وحكم هذا القسم تابع لما بينه فإن كان المبين واجباً كان الفعل المبين له واجباً وإن كان مندوباً فمندوب .

س3)- ما هي الأدلة على وجوب اتباع السنة ؟
أولاً )- القرآن :-
•الأمر بطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى { قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ } .
•ترتب الوعيد على من يخالف أمر النبي صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى { فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }
•الأمر بالرد إلى الرسول صلى الله عليه وسلم { فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا } , وغيرها من الأدلة على وجوب اتباع السنة .
ثانياً )- السنة :-
َقولهَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ{ أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإِنْ كَانَ عَبْدًا حَبَشِيًّا فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسَنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ وَإِيَّاكُمْ وَالْمُحْدَثَاتِ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ و قَالَ أَبُو عَاصِمٍ مَرَّةً وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ فَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ } , وقَولهَِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { دَعُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِسُؤَالِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ فَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ }البخاري.

س4)- ما هي علاقة السنة بالقرآن الكريم ؟
1)- التأكيد :- وتسمى السنة المؤكدة وهى الموافقة للقرآن من كل وجه , ومن أمثلة ذلك قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {ُ لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ إِلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ } , فإن الحديث يؤكد النهى في قوله جل وعلا { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ } .

2)- البيان :- وتسمى السنة المبينة أو المفسرة لما أجمل في القرآن , كما هو الحال في الصلاة فإن القرآن أمر بها على وجه الإجمال ثم جاءت السنة لبيان أوقاتها وشروطها وموانعها , وكذلك الحال في الزكاة والصيام والحج وغير ذلك من كل ما جاء مجملاً في القرآن ثم تولت السنة شرحه وإيضاحه , ومنها (( السنة البيانية)) تخصيص ما ورد عاماً في القرآن وتقييد ما أطلق في القرآن .
3)- السنة الاستقلالية :- أو الزائدة على ما في القرآن , ومن أمثلة ذلك تحريم الجمع بين المرأة وعمتها أو
خالتها في عصمة واحدة فإن ذلك الحكم لم ينص عليه في القرآن وإنما بينة ذلك السنة وذلك لما يترتب عليه من العداوة والبغضاء بين ذوى الأرحام , وغير ذلك من الأحكام التي استقلت بها السنة عن القرآن .

ثالثاً : الإجماع

س1)- عرف الإجماع ؟
يعرف الإجماع اصطلاحاً بأنه اتفاق مجتهدي هذه الأمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم على حكم شرعي.
شرح التعريف
1)- اتفاق :- خرج به الاختلاف ولو من واحد فإذا خلاف ولو واحد فلا ينعقد الإجماع .
2)- مجتهدى :- خرج به العوام والمقلدون فلا يعتبر وفاقهم ولا خلافهم .
3)- هذه الأمة :- خرج به إجماع غير هذه الأمة فلا عبرة بإجماعهم .
4)- بعد النبي صلى الله عليه وسلم :- خرج به اتفاقهم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فلا يعتبر إجماعا لأن قول الصحابي كنا نفعل أو كانوا يفعلون كذا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم يكون مرفوع حكماً لا نقلاً للإجماع .
5)- على حكم شرعي :- خرج به اتفاقهم على حكم غير شرعي فلا دخل له هنا .





رد مع اقتباس
قديم 05-27-2010, 03:30 PM   رقم المشاركة : 2
الكاتب

OM_SULTAN

المشرف العام

OM_SULTAN غير متواجد حالياً


الملف الشخصي








OM_SULTAN غير متواجد حالياً


رد: ٍاصول الفقه في سؤال وجواب

س2)- ما هي أنواع الإجماع ؟


يمكن تقسيم الإجماع باعتبارين هما :-

أولاً باعتبار ذاته

وينقسم إلى :-
1)- الإجماع القولى :- وهو أن يتفق قول الجميع على حكم , بأن يقول الجميع مثلاً (( هذا حرام , أو هذا حلال )) .
2)- الإجماع العملي :- وهو أن يتعامل المجتهدون جميعاً في عصر ما بنوع من المعاملة كأن يتعاملوا بالتجارة مثلاً فإن عملهم هذا يدل على أن ما عملوه مشروع ويفيد جوازه .
3)- إجماع السكوت :- وهو أن يشتهر القول أو الفعل من البعض فيسكت الباقون عن إنكاره .
وقد اختلف العلماء على حجية إجماع السكوت فبعضهم اعتبره حجة والبعض الآخر لم يعتبره حجة وسبب الخلاف هو أن السكوت محتمل للرضا وعدمه ,
فمن رجح جانب الرضا وجزم به قال إنه حجة , ومن رجح جانب المخالفة وجزم به قال إنه لا يكون حجة .
لذلك لا يمكن إطلاق الحكم على إجماع السكوت بل لا بد من النظر في القرائن وأحوال الساكتين وملابسات المقام .

ثانياً باعتبار قوته

وينقسم إلى :-
1)- القطعي :- وهو ما يعلم وقوعه من الأمة بالضرورة كالإجماع على وجوب الصلوات الخمس وتحريم الزنى , وهذا النوع لا أحد ينكر ثبوته ولا كونه حجة , ويكفر مخالفة إذا كان ممن لا يجهله .
2)- الظني :- وهو ما لا يعلم إلا بالتبليغ والاستقراء وقد اختلف العلماء في إمكانية ثبوته , وأصح الأقوال ما قاله شيخ الإسلام ابن تيميه وهو أن الإجماع الذي ينضبط هو إجماع السلف الصالح وهم الصحابة والتابعون وتابع التابعون (( أي القرون الثلاثة المفضلة )) إذ بعدهم كثرت الاختلافات وانتشرت الأمة .

س3)- ما هي الأدلة على وحجية الإجماع ؟
قول الله تعالى { وَمَنْ يُشَاقِقْ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا } , ووجه الدلالة بهذه الآية أن الله توعد من يتبع غير سبيل المؤمنين بالعذاب الشديد , ولا يكون هذا الوعيد إلا على شيء محرم , فيكون اتباع سبيل غير المؤمنين محرماً , ويلزم من وجوب اتباع سبيل المؤمنين حجية الإجماع إذ المراد بسبيل المؤمنين ما يختارونه من قول أو فعل أو اعتقاد .
وقوله تعالى {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا }
ووجه دلالة هذه الآية أن الله امتدح هذه الأمة بأن جعلها خياراً , ولا يحسن هذا المدح إلا إذا كانوا على صواب , والصواب يجب اتباعه , وهو يدل على حجية الإجماع .
وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمََ { لَا يَجْمَعَ أُمَّتِي عَلَى ضَلَالَةٍ }
رابعاً : القياس وأنواعه

تعريف القياس

س1)- عرف القياس ؟
القياس هو حمل فرع على أصل في حكم لعلة جامعة بينهما .
ومن هذا التعريف نستنتج أن للقياس أربعة أركان هي :-
الركن الأول الأصل
وهو المحل الذي ثبت فيه الحكم , ويسمى المقيس عليه , والمشبه به , والملحق به
الركن الثاني الفرع
وهو المحل الذي لم يرد فيه نص , ويراد معرفة حكمه , ويسمى المقيس , والمشبه , والملحق .
الركن الثالث حكم الأصل
وهو الحكم الشرعي الثابت للأصل بالكتاب أو السنة أو إجماع , أما حكم الفرع فلا يعتبر ركناً لأن حكم الفرع ليس جزءاً من ماهية القياس , وإنما هو ثمرة القياس ونتجته , لأن ظهوره للمجتهد متأخر عن حكم الأصل , فهو لم يظهر له إلا بعد عملية القياس , والركن لا يتأخر عن الماهية .
الركن الرابع العلة
وهى الوصف الذي شرع الله من أجله حكم الأصل ووجده المجتهد في الفرع أيضا .
واليكم هذا المثال الذي يبين هذه الأركان الأربعة :-
وهو قوله صلى الله عليه وسلم { الْقَاتِلُ لَا يَرِثُ } فهذا الحديث يدل دلالة واضحة على أن الوارث إذا قتل موروثه ظلماً وعدواناً فإنه لا يرثه , فحرمان الوارث القاتل من الميراث حكم شرعي , فإذا بحث المجتهد عن علة هذا الحكم فإنه يجد إنها القتل المحرم , وحيثما وجدت هذه العلة غلب على ظنه وجود الحكم معها , لأن الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً .
ولذلك إذا قتل الموصى له الموصى فانه يمنع من اخذ الوصية لوجود العلة وهى (( القتل غير المشروع )) .
•فقتل الوارث موروثه : هو الأصل المنصوص على حكمه .
•ومنع القاتل من الميراث : هو حكم الأصل .
•والقتل المحرم : هو علة الحكم .
•وقتل الموصى له الموصى : هو الفرع .

س2)- ما معنى كل من (( تنقيح المناط - تخريج المناط - تحقيق المناط )) عند الأصوليين ؟

تنقيح المناط

معنى تنقيح المناط تخليصه من كل ما ليس له دخل في العلية , ويكون ذلك عندما تكون العلة منصوصاً عليها وتكون مشتملة على أوصاف متعددة ولم يوجد ما يعين أحد هذه الأوصاف للعلية .
واليكم هذا المثال الذي يبين هذا :-
قصة الأعرابي الذي جاء فزعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم واخبره بأنه جامع زوجته في نهار رمضان عمداً فأوجب عليه النبي صلى الله عليه وسلم الكفارة .
فإيجاب الكفارة حكم شرعي على الأعرابي , والذي وقع فيه الأعرابي أمور متعددة هي :-
(1)- الوقاع . (2)- كونه من الأعراب . (3)- كونه في زوجته . (4)- كونه في رمضان معين . (5)- كونه في نهار رمضان متعمداً .
فلكي يصل المجتهد إلى معرفة العلة التي أنيط بها هذا الحكم عليه أن ينقح هذه الأوصاف ويخلصها من كل مالا يصلح لأن يكون علة .
وبالبحث يتضح له أنه لا يصح واحد من تلك الأوصاف أن تكون علة لوجوب الكفارة سوى واحد , وهى الوقاع في نهار رمضان عمداً , وبذلك يتعين أن يكون هذا الوصف هو مناط الحكم الذي هو إيجاب الكفارة , غير أن الفقهاء اختلفوا في أن علة إيجاب الوقاع عمداً في نهار رمضان للكفارة , هل هو لخصوصية فيه فلا يجب في غيره بالأكل ونحوه عمداً ؟ أم إنه إنما كان علة لما فيه من انتهاك حرمة الشهر وعليه فإن الكفارة تجب في ما وجد الانتهاك ؟

تخريج المناط

هو الاجتهاد في استخراج علة الحكم المنصوص عليه , ولم تثبت علته بنص ولا إجماع , ويتم تخريج المناط بأي مسلك من مسالك العلة عدا النص والإجماع .
واليكم هذا المثال الذي يبين هذا :-
إذا ورد نص بتحريم الخمر , ولم تثبت علته بنص ولا إجماع , فإن المجتهد سيبحث عن علة التحريم , وهذا البحث يسمى تخريج المناط .
فتخريج المناط إذاً هو استنباط علة لحكم شرعي ورد به النص ولم يكن هناك نص ولا إجماع يثبت علته .

تحقيق المناط

هو البحث لغرض إثبات علة الحكم المنصوص عليه في واقعة لم ينص على حكمها .
واليكم هذه الأمثلة:-
المثال الأول )- ورد النص بان علة اعتزال النساء في المحيض هو الأذى بقوله تعالى { وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ } , فينظر المجتهد في تحقيق الأذى في النفاس , فإذا ما تحقق ثبت الحكم المنصوص عليه .
المثال الثاني )- ثبت أن علة تحريم الخمر هي الإسكار , فإذا ما أرد المجتهد أن يعرف حكم شرب النبيذ , فعليه أن يثبت أنه مسكر , فمتى ما اثبت هذه العلة ظهر الحكم .

س3)- لقد دل الكتاب والسنة وأقوال الصحابة على أن القياس أحد الأدلة التي تثبت
بها الأحكام الشرعية . اذكر هذه الأدلة ؟


الكتاب

•قوله تعالى { اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ } , والميزان ما توزن به الأمور ويقاس به بينها .
•وقوله تعالى { كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ } , فشبه الله تعالى إعادة الخلق بابتدائه .
•وقوله { وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ } , فشبه إحياء الأموات بإحياء الأرض وهذا هو القياس .

السنة

•عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ جَاءَتْ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ نَذْرٍ أَفَأَصُومُ عَنْهَا قَالَ { أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْنٌ فَقَضَيْتِيهِ أَكَانَ يُؤَدِّي ذَلِكِ عَنْهَا قَالَتْ نَعَمْ قَالَ فَصُومِي عَنْ أُمِّكِ } مسلم , ووجه الدلالة هي أن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قاس دين الله تعالى على دين الآدمي .
•عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَهُ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ امْرَأَتِي وَلَدَتْ غُلَامًا أَسْوَدَ فَقَالَ { هَلْ لَكَ مِنْ إِبِلٍ قَالَ نَعَمْ قَالَ مَا أَلْوَانُهَا قَالَ حُمْرٌ قَالَ هَلْ فِيهَا مِنْ أَوْرَقَ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَأَنَّى كَانَ ذَلِكَ قَالَ أُرَاهُ عِرْقٌ نَزَعَهُ قَالَ فَلَعَلَّ ابْنَكَ هَذَا نَزَعَهُ عِرْقٌ } البخاري , فهذا قياس مقنع لان البشر كالإبل في هذه الناحية فلا فرق .
وقد استعمل الصحابة القياس ومنها ما ذكر عن عمر بن الخطاب في كتابه إلى موسى الأشعري في القضاء .

أنواع القياس

س4)- ما هي أنواع القياس ؟
يمكن تقسيم القياس إلى ثلاثة أقسام بثلاثة اعتبارات وهى :-


باعتبار قوته وضعفه

ينقسم القياس باعتبار قوته وضعفه إلى قسمين هما :-

1)- قياس جلي :- وهو ما ثبتت علته بنص أو إجماع أو كان مقطوعاً فيه بنفي الفارق بين الأصل والفرع
من هذا التعريف يتضح أن العلة يجب أن تكون ثابتة بأحد الأمور الآتية :-
•النص وهو الكتاب والسنة .
•إجماع العلماء على أن هذه هي العلة , لأن الإجماع سبقا لنا أنه حجة ودليل شرعي فإذا اجمع العلماء على أن هذه العلة لهذا الحكم صارت كالعلة التي نص عليها الشارع .
•ما يقطع فيه (( أي يعلم علم اليقين أنه لا فرق بين الأصل والفرع )) .
واليكم هذا الأمثلة لهذه الأنواع الثلاثة :-
أولاً )- ما ثبتت علته بالنص :- وهو قياس المنع من الاستجمار بالدم النجس إلحاقاً على المنع من الاستجمار بالروثة , فإن علة حكم الأصل ثابتة بنص الدليل وهو حديث عبدا لله رضي الله عنه قال {أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يتبرز فقال ائتني بثلاثة أحجار فوجدت له حجرين وروثه حمار فامسك الحجرين وطرح الروثه وقال :-هي رجس }صححه الألباني , والرجس هي النجس .
ثانياً )- ما ثبتت علته بالإجماع :- وهو نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يقضى القاضي وهو غضبان , فإن قياس منع الحاقن من القضاء على منع الغضبان ثبتت علته بالإجماع وهي تشويش الفكر وانشغال القلب
ثالثاً )- ما كان مقطوع فيه بنفي الفارق بين الأصل والفرع :- ومثاله قياس تحريم إتلاف مال اليتيم بالبس على تحريم إتلافه بالأكل للقطع بنفي الفارق بينهما .
2)- القياس الخفي :- وهو ما ثبتت علته باستنباط ولم يقطع فيه بنفي الفارق بين الأصل والفرع .
ومثال ذلك قياس الأشنان على البر في تحريم الربا بجامع الكيل فإن التعليل بالكيل لم يثبت بنص ولا إجماع ولم يقطع فيه بنفي الفارق بين الأصل والفرع إذ من الجائز أن يفرق بينهما بأن البر مطعوم بخلاف الأشنان .

باعتبار إثبات أو نفي الحكم

ينقسم القياس باعتبار إثبات أو نفي الحكم إلى قسمين هما :-

1)- القياس الطردي :- وهو ما اقتضى إثبات الحكم في الفرع لثبوت علة الأصل فيه .
ومثال ذلك قوله صلى الله عليه وسلم { الْقَاتِلُ لَا يَرِثُ } فهذا الحديث يدل دلالة واضحة على أن الوارث إذا قتل موروثه ظلمـاً وعدواناً فإنه لا يرثه ولذلك إذا قتل الموصي له الموصي فإنه يمنع من أخذ الوصية لوجود العلة وهى (( القتل غير المشروع )) .
2)- القياس العكسي :- وهو إثبات نقيض حكم الأصل للفرع لوجود نقيض علة حكم الأصل فيه .
ومثال ذلك قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { وَفِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيَأتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكُونُ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ قَالَ أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي حَرَامٍ أَكَانَ عَلَيْهِ فِيهَا وِزْرٌ فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلَالِ كَانَ لَهُ أَجْرًا } مسلم .
فاثبت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للفرع وهو الوطء الحلال نقيض علة الأصل وهو الوطء الحرام لوجود نقيض علة حكم الأصل فيه , وإثبات للفرع أجراً لأنه وطء حلال كما أن الأصل وزراً لأنه وطء حرام .

باعتبار صحته وبطلانه

ينقسم القياس باعتبار صحته وفساده إلى ثلاثة أقسام هي :-

1)- القياس الصحيح :- وهو ما جاءت به الشريعة في الكتاب والسنة وهو الجمع بين المتماثلين ((أن تكون العلة موجودة في الفرع من غير معارض يمنع حكمها)) .
2)- القياس الفاسد :- وهو كل قياس دل النص على فساده , وكل من الحق منصوصاً بمنصوص يخالف حكمه فقياسه فاسد .
3)- قياس الشبه (( القياس المتردد فيه بين الصحة والفساد )):- وهو أن يتردد فرع بين أصلين مختلفي الحكم وفيه شبه بكل منهما , فيلحق بأكثرهما شبهاً به .
ومثال ذلك العبد هل يملك بالتمليك قياساً على الحر أو لا يملك قياساً على البهيمة ؟
إذا نظرنا إلى هذين الأصلين (( الحر والبهيمة )) وجدنا أن العبد متردد بينهما , فمن حيث أنه إنسان عاقل يثاب ويعاقب وينكح ويطلق يشبه الحر , ومن حيث أنه يباع ويرهن ويوقف ويوهب ويورث ويضمن بالقيمة ويتصرف فيه يشبه البهيمة , وقد وجد أنه من حيث التصرف المالي أكثر شبهاً بالبهيمة فالحق بها .


شروط الاستدلال بالأدلة المتفق عليها

س1)- ما هي شروط الاستدلال بالكتاب والسنة والإجماع والقياس ؟
سبق وأن عرفنا أن الكتاب والسنة والإجماع والقياس من الأدلة المتفق عليها , ولكن هناك شروطاً يجب مراعاتها عند الاستدلال بكل منها وهذه الشروط هي :-

شروط الاستدلال بالكتاب

صحت الاستدلال :- إن المستدل بالقرآن الكريم يحتاج إلى ثبوت دلالته على الحكم لأنه قد يستدل به مستدل ويكون هذا الدليل لا دلالة فيه على ما زعم .

شروط الاستدلال بالسنة
1)- صحت الدليل :-
وهى ثبوت سندها إلي النبي صلى الله عليه وسلم , لأن الأحاديث منها ما هو صحيح ومنها ما هو ضعيف .
2)- صحت الاستدلال :- لأن المستدل بالسنة يحتاج إلى ثبوت دلالته على الحكم كما هو الحال في القرآن الكريم .

شروط الاستدلال بالإجماع


1)- أن يثبت بطريق صحيح :- بأن يكون إما مشهوراً بين العلماء , أو ناقله ثقة واسع الاطلاع .
2)- ألا يسبقه خلاف مستقر :- فإن سبقه خلاف ولم يتراجع المخالف عن قوله فلا إجماع لأن الأقوال لا تبطل بموت قائليها , أما إن تراجع المخالف عن قوله ووفق ما اجمع عليه يكون إجماعاً لأن الخلاف لم يستقر .

شروط الاستدلال بالقياس

1)- أن لا يصادم دليلاً أقوى منه :- فلا اعتبار بقياس يصادم النص (( الكتاب والسنة )) أو الإجماع , ويسمى هذا القياس (( فاسد الاعتبار )) .
2)- أن يكون حكم الأصل ثابتاً بنص أو إجماع :- فإن كان ثابتاً بقياس لم يصح القياس عليه .
3)- أن يكون لحكم الأصل علة معلومة ليمكن الجمع بين الأصل والفرع فيها :- فإن كان حكم الأصل تعبدياً محضاً لم يصح القياس عليه .
4)- أن تكون العلة مشتملة على معنى مناسب للحكم يعلم من قواعد الشرع اعتباره :- ومثاله ما ثبتت علة بنص أو إجماع أو ما كان مقطوع فيه بنفي الفارق بين الأصل والفرع .
5)- أن تكون العلة موجودة في الفرع كوجودها في الأصل :- ومثال ذلك قوله صلى الله عليه وسلم { الْقَاتِلُ لَا يَرِثُ } فهذا الحديث يدل دلالة واضحة على أن الوارث إذا قتل موروثـه ظلمـاً وعدواناً فإنه لا يرثه ولذلك إذا قتل الموصي له الموصي فإنه يمنع من اخذ الوصية لوجود العلة في كلاً من الأصل والفرع وهى (( القتل غير المشروع )) .

الأدلة المختلف فيها

قول الصحابي - شرع من قبلنا- العرف - الاستحسان - المصالح المرسلة

أولا:قول الصحابي

س1)- عرف الصحابى ؟
الصحابي:- هو من اجتمع بالنبي صلى الله عليه وسلم أو راه مؤمناً به ومات على ذلك فيدخل فيه من ارتد ثم رجع إلى الإسلام .

س2)- هل قول الصحابي حجة ؟
اتفق العلماء على أن :-
1]

- قول الصحابى (( الذى لم يعرف بالأخذ عن أهل الكتاب )) قولاً لا مجال للاجتهاد فيه ولا يتعلق ببيان لغةأو شرح غريب.
2]- فعل الصحابى إذ لم يكن من قبيل الرأي .
له حكم الرفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم ويعتبر من السنة التى يجب اتباعها .
واختلفوا في قول الصحابي الذي ليس له حكم الرفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم هل هو حجة أم لا على قولين فمنهم من قال إنه حجة وعلل ذلك بأن الصحابة أقرب إلى الصواب , لكونهم شاهدوا النبي صلى الله عليه وسلم وعرفوا من أقواله وأفعاله وأحواله ما لم يعرفه أحد , ولأنهم أخلص لله نية وأبعد عن الهوى , ولأنهم خير هذه الأمة بشهادة النبي صلى الله عليه وسلم لقوله {خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ } البخاري . ولأنهم مقدمون على غيرهم في كتاب الله تعالى قال تعالى{ وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ } , وهذا يدل على أن لهم قولاً متبوعاً , فهذه الوجوه تدل على أن قول الصحابة حجة .
وقال البعض إنه لا حجة إلا فيما قاله الله ورسوله صلى الله عليه وسلم لأن الله تعالى قال {لِأَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ } , وقال تعالى {مَنْ يُطِعْ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا } , وقال تعالى { وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا } , ومعلوم أننا لو اتبعاً الصحابة لكنا أطعنا غير الرسول صلى الله عليه وسلم , أخذنا بغير ما قال الرسول صلى الله عليه وسلم , وهذا لادليل على وجوبه , وما ذكر من الأوصاف السابقة في الصحابة فنحن نؤمن بها لكن هذا لا يقتضي أن يكون ما قالوه مما لم يرد به نص حجة يجب اتباعها .
س3)- ما هو القول الراجح في حجية قول الصحابي ؟
يمكن تقسيم حجية أقوال الصحابة إلى ثلاثة أقسام حسب اختلاف أحوالهم :-
القسم الأول :- من نص الشرع على أن أقوالهم حجة فهذا واضح في أن قولهم حجة بنص الشرع .
ومثل ذلك :-
•قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { اقْتَدُوا بِاللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ } .فهذا نص في أن قولهما حجة لأنه قال اقْتَدُوا بِاللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي , وهذا لايعني أن الاقتداء بهما فيما فعلاه من سنته صلى الله عليه وسلم , إذ لو كان هذا هو المعنى لكان الحديث عديم الفائدة , لأن الاقتداء بمن أخذ بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم أمر مأمور به ولو كان الذي اقتدى به من القرن السابع أو العاشر .
•وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { َإِنْ يُطِيعُوا أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ يَرْشُدُوا } البخاري .وهذا الحديث صريح في الاقتداء بهما .
•وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسَنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ} , فهذا الحديث يدل على اتباع سنة الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واتباع سنة الخلفاء الراشدين من بعده .
القسم الثاني )- من عرفوا بالإمامة في الدين والفقه في العلم , فهؤلاء أيضا يعتبر قولهم حجة ولكن ليس مثل من نص الشرع على الاقتداء بهم.
القسم الثالث :- من لم يتصفوا بهذه الأوصاف السابقة (( القسم الأول والثاني )) . فقول هذا القسم من الصحابة ليس بحجة على القول الراجح .
وقول الصحابي الذي ذهب الأئمة إلى الاحتجاج به لا يكون مخالفاً للنص , فإذا خالف النص أخذ بالنص وترك قول الصحابي .
وهذا المثال يوضح ذلك :- كان على بن أبى طالب (( من القسم الأول )) , وابن عباس (( من القسم الثاني )) رضى الله عنهما يريان أن المرأة الحامل إذا توفى عنها زوجها اعتدت بأطول الأجلين (( الأشهر أو وضع الحمل )) فيقولان : إن وضعت قبل أربعة أشهر وعشرة أيام انتظرت حتى تتم أربعة أشهر وعشرة أيام , إن تم لها أربعة أشهر وعشرة أيام ولم تضع انتظرت حتى تضع. وقد خالف قولهما هذا النص وهو : {إن سبيعة الأسلمية نفست بعد موت زوجها بليال , فأذن لها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تتزوج}
أما إذا خالف قول الصحابي قول صحابي آخر نأخذ بالراجح منهما والراجح هو الأقرب إلى النص .

ثانياً:شرع من قبلنا

س1)- ما المراد بشرع من قبلنا ؟

المراد بشرع من قبلنا تلك الأحكام التي شرعها الله تعالى للأمم السابقة على لسان الأنبياء الذين أرسلهم الله إلى تلك الأمم , مثل سيدنا نوح وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم وعلى نبينا افضل الصلاة والتسليم .
ملاحظة :- إن المقصود من الأحكام الواردة فيما سبق هي تلك الأحكام التي قصها علينا القرآن الكريم أو جاءت على لسان الرسول صلى الله عليه وسلم , أما ماعدا ذلك من أحكام الشرائع السابقة فالإجماع منعقد على عدم العمل بها , ولذلك فلا يعمل بحكم ثبت بالتوراة أو الإنجيل ولم يرد ذكره في الكتاب ولا في السنة لأن كلاً من التوراة والإنجيل قد تعرضا للتحريف والتغيير .

س2)- هل يعتبر شرع من قبلنا شرعاً لنا أم لا ؟
للإجابة على هذا السؤال نقول إن أحكام من قبلنا تتنوع إلى ثلاثة أنواع :-
النوع الأول )- أحكام ورد في القرآن الكريم أو في السنة النبوية الشريفة ما يفيد إنها منسوخة بالنسبة لأمة محمد صلى الله عليه وسلم وهذه لا تعتبر شرعاً لنا باتفاق العلماء .
ومثال ذلك :- كان العاصي في شريعة موسى عليه السلام لا يكفر ذنبه إلا أن يقتل نفسه قال تعالى { وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمْ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ } , أما العاصي من أمة محمد صلى الله عليه وسلم فتكفيه التوبة الصادقة إلى الله تعالى ليكفر عن ذنبه .

النوع الثاني )- أحكام أقرتها الشريعة الإسلامية , ووافقت فيها الشرائع السابقة وإن اختلفت معها أحيانا في الشكل والكيفية , وقد اتفق العلماء على إنها شرعاً لنا .
مثل الصيام فإنه كان واجباً في الشرائع السابقة وقد أبقت الشريعة الإسلامية على هذا الحكم ,قال تعالى { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } , ولا شك إن كيفية أداة هذا الحكم تختلف في الشريعة الإسلامية عن الشرائع السابقة .
ومثال آخر وهو الأضحية فقد كانت مشروعة في ملة إبراهيم عليه السلام وقد أقرها الإسلام .
النوع الثالث )- أحكام قصها الله علينا في كتابه العزيز أو جاءت على لسان نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ولم يوجد في سياق النص أو في نص آخر ما يفيد أنها منسوخة عنا ولا ما يفيد أنها مقررة علينا .
وقد اختلف العلماء في الاحتجاج بها , فذهب الأكثر إلى أنها شرعاً لنا وهذا هو القول الراجح .

ثالثاً:العرف وأنواعه

س1)- ما المراد بالعرف ؟
يطلق العرف لغة على كل ما تعرفه النفس من الخير وتطمئن إليه , ويطلق أيضا على المعروف , وهو الخير والرفق والإحسان .
أما اصطلاحاً فهو ما اعتاد جمهور الناس وألفوه من فعل شاع بينهم أو لفظ تعارفوا إطلاقه على معنى خاص , بحيث لا يتبادر غيره عند سماعه .

س2)- ما الفرق بين العرف والعادة ؟
ذهب بعض الفقهاء إلى أنه لا فرق بين العادة والعرف , فهما لفظان مترادفان , وذهب المحققون منهم إلى أن العادة أعم من العرف لأنها تكون من الفرد ومن الجماعة , أما العرف فلا يكون إلا من جميع الناس أو أغلبهم .

س3)- ما الفرق بين العرف والإجماع ؟
قد يتبادر إلى الذهن أن العرف والإجماع شئ واحد , لأن كلاً منهما يتمثل في قول أو فعل طائفة من الناس , ولكن بشيء من التأمل في حقيقة كل واحد منهما ونوع الحكم المترتب عليه ومدى صلاحيته يتضح أن بينهما عدة فروق سواء من حيث الماهية أو من حيث قوة الحكم الثابت بهما , أو من حيث بقاء ذلك الحكم واستمراره .
ومن هذه الفروق ما يلي :-
1)- إن العرف يتحقق باتفاق أغلب الناس على قول أو فعل بغض النظر عن صفتهم , فهو يتحقق باتفاق المجتهدين وباتفاق غيرهم من الأميين والعوام .
أما الإجماع فلا يتحقق إلا باتفاق المجتهدين خاصة على حكم شرعي عملي , ولاعتداد باتفاق من سواهم
2)- إن العرف يتحقق باتفاق أغلب الناس ولا يتأثر بمخالفة بعضهم له .
أما الإجماع فلا يتحقق إلا باتفاق جميع المجتهدين , فإذا خالف مجتهد واحد في المسألة فإنه لا ينعقد .
3)- إن الحكم الثابت بالإجماع الصريح يكون كالحكم الثابت بالنص , فلا مجال فيه للاجتهاد , ولا يقبل التغيير بحال .
أما الحكم الثابت بالعرف فهو على خلاف ذلك .

أنواع العرف

س4)- ما هي أنواع العرف ؟
يمكن تقسيم العرف إلى ثلاثة أنواع بثلاثة اعتبارات وهى :-


النوع الأول )- القولي والعملي .
1)- العرف القولي :- وهو أن يتعارف جمهور الناس على إطلاق لفظ معين خاص بحيث إذا أطلق هذا اللفظ انصرف الذهن إلى ذلك المعنى المتعارف عليه دون حاجة إلى قرينة .
مثال ذلك :-
أ]- إطلاق لفظ الولد على الذكر دون الأنثى مع إنه في اللغة يشملهما معاً قال الله تعالى { يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ } .
ب]- إطلاق لفظ اللحم على ما عدا السمك مع إنه يسمى في اللغة لحماً يشهد لذلك قوله تعالى { وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا } , فقد سماه لحماً .
2)- العرف العملي :- وهو ما اعتاده جمهور الناس في تصرفاتهم , وساروا عليه في معاملاتهم .
مثال ذلك :-
تعارفهم على البيع بالتعاطي من غير صيغة لفظية بالإيجاب و القبول , وذلك بأن يدفع المشترى الثمن للبائع في السلع المعلومة الثمن , ويأخذ السلعة دون أن يقع منهما صيغة لفظية .
النوع الثاني )- العام والخاص .
1)- العرف العام :- وهو الذي يتعارفه أهل البلاد جميعاً في زمن من الأزمنة .
ومثال ذلك :-
تعارفهم على أن أجرة دخول الحمام لا تتعلق بمدة المكث فيه , ولا مقدار الماء المستهلك .
2)- العرف الخاص :- وهو ما كان سارياً في بعض البلدان دون باقيها , أو طائفة دون غيرها من الطوائف .
ومثال ذلك :-
تعارف أهل العراق على إطلاق لفظ الدابة على الفرس فقط .
النوع الثالث )- الصحيح والفاسد .
1)- العرف الصحيح :- وهو ما تعارف عليه الناس , وليس فيه مخلفة لنص ولا تفويت لمصلحة , ولا جلب لمفسدة .
ومثال ذلك :-
تعارف الناس على أن ما يقدمه الخاطب إلى خطيبته من ملابس ونحوها إنما هو هدية فقط وليس له علاقة بالمهر .
2)- العرف الفاسد :- وهو ما خالف نصاً شرعياً أو فوت مصلحة أو جلب مفسدة .
مثال ذلك :-
تعارف الناس على بعض العقود الربوية , وعلى بعض العادات المستنكرة التي تفعل في الأفراح والمآتم , ولا شك إن هذا النوع من العرف لا يلتفت إليه ولا يعول عليه , بل يجب محاربته والقضاء عليه .

س5)- هل يعتبر العرف حجة أم لا ؟
لا خلاف بين الفقهاء في أن العرف إذا كان مخالفاً لأدلة الشرع مناقضاً لحكمة وأهدافه , لا يعتد به بل يجب إلغاؤه , لأنه في بقائه من المفاسد ما يعلمها إلا الله , ولذلك فإن الشرع الحكيم قد ألغى جميع الأعراف الفاسدة الموجودة عند العرب قبل الإسلام مثل الطواف بالبيت عراة , ودفن البنات أحياءً , وحرمان النساء من الميراث , ونكاح الرهط , ونحو ذلك من الأعراف التي كانت قبل مجيء الإسلام .
ولا خلاف أيضا بينهم في أن العرف إذا كان صحيحاً بأن كان لا يخالف دليلاً من الأدلة الشرعية ولا قاعدة من قواعد الدين فإنه يجب الاعتداد به واعتباره .
أما إذا كان خاصاً فإنه محل خلاف بينهم , فقد ذهب فريق منهم إلى عدم الاعتداد به , وذهب فريق آخر إلى القول بوجوب الاعتماد عليه , وهذا هو القول الراجح الذي يدل عليه فعل النبي صلى الله عليه وسلم وفعل أصحابه من بعده .

س6)- ما هي شروط العمل بالعرف ؟

للعمل بالعرف شروطاً ثلاث يجب مراعاتها وهى :-
1)- أن يكون سابقاً أو مقروناً لإنشاء التصرف , فإذا حصل نزاع بين شخصين مثلاً في أي تصرف من التصرفات فإن العرف الذي يحكم به في هذا النزاع هو الموجود وقت النزاع , وبناءً على ذلك فلا يعتد بأي عرف طرأ بعد النزاع .
مثال ذلك :-
لو حلف شخص أن لا يأكل لحماً وكان عرف أهل البلد أن اللحم كل لحماً سوى السمك , فإذا ما تغير هذا العرف في هذه البلدة بعد ذلك واصبح يطلق على السمك لحماً , فإن هذا العرف المتغير لا يؤثر على هذا الشخص لأن اليمين سبق هذا العرف , وإنما يؤثر فيما يحدث بعده .
2)- أن لا يكون مخالفاً لشرط صريح , فإذا خالف العرف شرطاً صريحاً لا يعمل به .
مثال ذلك :-
إذا كان عرف أهل البلد تعجيل نصف الصداق وتأجيل النصف الآخر , واشترطت الزوجة على الزوج تعجيله كله وقبل هو هذا الشرط وجب عليه تعجيله كله , ولا يلتفت إلى العرف في هذه الحالة .
3)- أن لا يكون معطلاً لنص ولا مناقضاً لأصل شرعي فإذا كان هناك نص يمنع من فعل الشيء المتعارف عليه فإنه لا يعمل بهذا العرف .
ملاحظة :- إن السيمة المميزة للأحكام المستندة إلى العرف إنها غير ثابتة بل إنها تتغير بتغير العرف , وعلى هذا قد يتغير رأى الفقيه في القضية الواحدة بتغير العرف ويعبر الفقهاء عن هذا الاختلاف بأنه (( اختلاف عصر وزمان لا اختلاف حجة وبرهان )) .
ومثال ذلك :-
ما فعله الإمام الشافعي رحمة الله حينما جاء إلى مصر فإنه قد غير رأيه في كثير من الأحكام التي بناها على عرف أهل بغداد , وكان هذا التغير نتيجة حتمية لاعتبار عرف أهل مصر المخالف لعرف أهل بغداد .

رابعاً: الاستحسان

س1)- ما هو الاستحسان ؟
الاستحسان هو العدول بالمسألة عن حكم نظائرها إلى حكم آخر أقوى يقتضي هذا العدول .
شرح التعريف
من هذا التعريف يتضح أنه يوجد في المسألة دليلان إحداهما عام أو ظاهر والآخر خاص أو خفي وكان مقتضى هذا الظاهر إن هذه المسألة تأخذ حكم نظائرها بما دل عليه الدليل الظاهر , ولكن بعد التأمل وجد المجتهد أن الدليل الآخر أقوى و أوضح فعدل بها عن حكم نظائرها إلى حكم آخر , فهذا العدول هو المسمى بالاستحسان .

س2)- هل الاستحسان حجة أم لا ؟
ينسب إلى طائفة من الفقهاء القول بحجية الاستحسان والاعتماد عليه في إثبات الأحكام الشرعية , وينسب إلى طائفة أخر منهم القول بعدم الاحتجاج به , بل والتشنيع على من يحتج به .
ومن يقف على هذه الأقوال يتبادر إلى ذهنه أن مسألة الاستدلال بالاستحسان مسألة خلافية , ولكن بعد التدقيق يتضح أن للاستحسان نوعان هما :-
النوع الأول وهو الاستحسان الصحيح باتفاق العلماء .
وهو ترجيح دليل على دليل أو هو العمل بالدليل الأقوى أو الأبين , وهذا ما يعبر عنه الفقهاء ((العدول بحكم المسألة عن نظائرها لدليل خاص من الكتاب أو السنة )) .
النوع الثاني وهو الاستحسان الباطل باتفاق العلماء .
وهو ما استحسنه المجتهد بعقله دون استناد إلى شيء من أدلة الشريعة المعتبرة .
ومما سبق يتضح أن لفظ الاستحسان من الألفاظ المجملة فلا يصح الحكم عليها بالصحة أو الفساد إلا بعد معرفته من أي الأنواع .

س3)- ما هي أنواع الاستحسان الصحيح؟
يمكن تقسيم الاستحسان باعتبار نوع الدليل الذي ثبت به إلى :-
1)- استحسان ثبت بالنص (( القران أو السنة )) :-
مثال ما ثبت بالقرآن :-
عقد الإجارة :- فإن مقتضى القياس الظاهر أن هذا العقد لا يجوز لأن المعقود عليه غير موجود , والعقد على المعدوم يؤدى إلى الغور فيكون باطلاً , ولكن جاز استحساناً وسند هذا الاستحسان النص القرآني الكريم وذلك في قوله تعالى {عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَةَ حِجَجٍ } .
مثال ما ثبت بالس
نة :-


الأكل والشرب نسياناً في نهار رمضان :- فإن ظاهر القياس يقتضي فساد الصوم , لأن الإمساك عن المفطرات من أركان الصوم , ولكن صح الصوم استحساناً وسند هذا الاستحسان قول النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ أَكَلَ نَاسِيًا وَهُوَ صَائِمٌ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ} البخاري , فقد عدل الفقهاء عن ظاهر القياس إلى النص وهذا العدول يسمى استحسان , والنص المعدول إليه هو وجه الاستحسان ودليله .
2)- استحسان ثبت بالإجماع .ومثال ذلك :- لو اتفق شخص مع آخر على أن يصنع له شيئاً ما فإن مقتضى القياس الجلي أن هذا العقد باطلاً لأنه عقد على شيء غير موجود , وقد عدل عن مقتضى هذا القياس إلى القول بجوازه استحساناً , فقد جرى التعامل به في جميع الأعصار والأمصار دون أن ينكر أحد .
3)- استحسان ثبت بالعرف .
ومثال ذلك :- لو حلف شخص أن لا يأكل لحماً واكل سمكاً , فان مقتضى اللفظ انه يحنث لان القران سمى السمك لحماً قال تعالى { وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا } , ولكن الفقهاء نصوا على أنه لا يحنث (( إذا كان عرف أهل البلد لا يسمي السمك لحماً )) , فالعدول إلى عدم الحنث هو الاستحسان ودليله العرف .

خامساً: المصالح المرسلة

س1)- ما هي أقسام مطلق المصلحة ؟
تتنوع المصلحة من حيث اعتبار الشارع لها وعدم اعتباره إلى ثلاثة أنواع هي :-

النوع الأولى:المصلحة المعتبرة

وهي التي ورد دليل شرعي من الكتاب أو السنة أو الإجماع يفيد أن الشارع قد رعاها , فشرع من الأحكام ما يحقق تلك المصلحة .
وهذا النوع يدخل في عموم القياس , ولذلك يتفق جميع القائلين بحجية القياس على جواز التعليل به وبناء الحكم عليه .
ومثال ذلك :- ما يسمى بالضروريات الخمس وهى :-
1)- حفظ الديـن .
2)- حفظ النفس .
3)- حفظ العقل .
4)- حفظ النسب .
5)- حفظ المـال .
فمن أجل مثلاً حفظ المال وحمايته حرمت السرقة , وشرع حد قطع يد السارق .
ومن أجل حفظ النفس شرع القصاص , وحرم الاعتداء عليها .
ومن أجل حفظ العقول حرم شرب الخمر وغيرها من المسكرات وواجب الحد على شاربها .
إلى غير ذلك من المصالح التي اعتبرها الشارع وشرعت الأحكام لتحقيقها .

النوع الثاني: المصلحة الملغاة

هي المصلحة التي يرها العبد (( بنظرة القاصر )) مصلحة ولكن الشرع ألغاها و أهدرها ولم يلتفت إليها , بل جاءت الأدلة الشرعية بمنعها والنهي عنها من الكتاب أو السنة أو الإجماع أو القياس .
وإليكم هذه الأمثلة:-
1)- الاستسلام للعدو :- فقد يظهر لأول مرة أن فيه مصلحة وهى حفظ النفس من القتل , ولكن هذه المصلحة لم يعتبرها الشارع , لأن هناك مصلحة أرجح منها , وهي احتفاظ الأمة الإسلامية بالعزة والكرامة فشرع الله القتال لتحقيق هذه المصلحة العظيمة ودفعاً للمفاسد المترتبة على الخضوع والاستسلام للعدو .
2)- تعدد الزوجات :- قد يبدو لأول وهلة أن في منع تعدد الزوجات مصلحة وهي تلافي ما يحدث بين الضرائر من منازعات وخصومات قد تؤدى إلى حل الروابط بين أفراد الأسرة الواحدة , ولكن الشارع الحكيم لم يعتبر هذه المصلحة ولم يعتد بها حيث أباح التعدد , واكتفى باشتراط العدل بين الزوجات فقال تعالى { فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً } , وذلك لما يترتب على التعدد من المصالح التي لا تكاد تحصى والتي من أهمها :-
1)- كثرة النسل والتوالد الذي هو المقصود الأول من تشريع الزواج
2)- صون أصحاب الشهوات الحادة من الوقوع في رذيلة الزنا واتخاذ الخليلات .
3) - علاجاً اجتماعياً عندما يعرض للأمة نقص في رجالها وبخاصة في أعقاب الحروب .
وبهذا يدرك أن الشارع لم يلغ أية مصلحة من المصالح إلا إذا ترتب على اعتبارها ضياع مصلحة ارجح منها

النوع الثالث: المصلحة المسكوت عنها

وهى المصلحة آتى لم يرد من الشارع ما يفيد اعتبارها ولا إلغاءها .
وتسمى المصلحة المرسلة , فلمصلحة المرسلة إذ هي التي لم يشرع حكم لتحقيقها ولم يشهد لها أصل خاص بالاعتبار أو الإلغاء .
فإن شهد لها اصل خاص باعتبار دخلت في عموم القياس , وأن شهد لها بعدم الاعتبار كانت باطلة .
وإليكم هذا المثال :-
قتل الجماعة بالواحد :- فلم يرد دليل خاص باعتباره ولا بإلغائه , ولكن في قتلهم من المصلحة ما هو واضح , إذ لو لم يقتل الجماعة بالواحد عند اشتراكهم في القتل لأدى ذلك إلى إهدار الدماء , وفيه من المفاسد ما لا يخفى .


س2)- ما هي أنواع المصلحة المرسلة ؟
يمكن تقسيم المصلحة المرسلة إلى ثلاثة أقسام وذلك حسب قوتها :-
1)- المصلحة الضرورية (( درء المفاسد )) :- وهي ما كانت المصلحة فيها في محل الضرورة بحيث يترتب على تفويت هذه المصلحة تفويت شيء من الضروريات أو كلها , وهذه أعلى المصالح .
2)- المصلحة الحاجية (( جلب المصالح )) :- وهى ما كانت المصلحة فيها في محل الحاجة لا الضرورة فيحصل بتحقيق هذه المصلحة التسهيل وتحصيل المنافع , ولا يترتب على فواتها فوات شيء من الضروريات
3)- المصلحة التحسينية (( التتميمات )) :- وهي ما ليس ضروريا ولا حاجيا , ولكن من باب الجري على مكارم الأخلاق واتباع أحسن المناهج .

س3)- ما هي الأدلة على اعتبار المصلحة المرسلة ؟
من الأدلة على اعتبار المصلحة المرسلة :-
1)- عمل الصحابة رضي الله عنهم بها في وقائع كثيرة مشهورة مثل :-
أ]- استخلاف أبي بكر رضي الله عنه لعمر رضي الله عنه بعد أن أحس بدنو أجله , فلا يوجد في القرآن ولا في السنة ما يفيد ذلك , ولكن أبا بكر رضي الله عنه راعى في هذا الاستخلاف مصلحة الناس المتمثلة في حفظ كلمتهم من التفرق واختلافهم في اختيار الخليفة .
ب]- جمع القرآن في مصحف واحد في عهد أبي بكر رضي الله عنه , وليس في القرآن ولا في السنة ما يدل على ذلك , وإنما هو عمل مبني على المصلحة , وهي لمحافظة على القرآن من الضياع .

س4) - ما هي شروط العمل بالمصلحة المرسلة ؟
إن العمل بالمصلحة المرسلة أمر يجب فيه من التحفظ والحذر حتى يتحقق صحة المصلحة , ومن شروط العمل بالمصلحة المرسلة مايلي :-
1)- ألا تكون المصلحة مصادمة لنص أو إجماع .
2)- أن تعود على مقاصد بالحفظ والصيانة .
3)- ألا تكون المصلحة في الأحكام التي لا تتغير كوجوب الواجبات وتحريم المحرمات والحدود والمقدرات الشرعية .
4)- ألا تعارضها مصلحة ارجح منها أو مساوية لها , وألا يستلزم من العمل بها مفسدة أرجح منها أو مساوية لها .


رد مع اقتباس
قديم 06-11-2010, 08:46 AM   رقم المشاركة : 3
الكاتب

أفاق الفكر

مراقب

مراقب

أفاق الفكر غير متواجد حالياً


الملف الشخصي








أفاق الفكر غير متواجد حالياً


رد: ٍاصول الفقه في سؤال وجواب

بسم الله الرحمن الرحيم

- مستفاد من كتاب العلامة عيسى منون شيخ رواق المغاربة بالجامع الأزهر " نبراس العقول في تحقيق القياس عند علماء الأصول " رحمه الله ورضي عنه

القياس لغةً: مصدر قاس، ومثله قَيْس، وفي معناه اللغوي أقوال:
الأول: التقدير؛ قست كذا بكذا أي قدرته به، واستخدامه في معنى المساواة مجاز، من باب إطلاق اسم الملزوم على اللازم، إذ يلزم التقدير نوع مساواة؛ حيث تقول فلان لا يقاس بفلان أي لا يساويه. (الآمدي)
أو أن استخدامه في المساواة حقيقة عرفية (البهاري صاحب مسلم الثبوت "حنفي")
الثاني: مشترك لفظي بين التقدير والمساواة والمعنى الجامع بينهما؛ تقول قست الثواب بالذراع أي قدرته به، وفلان لا يقاس بفلان أي لا يساويه، وقست النعل بالنعل أي قدرته به فساواه.(العضد)
الثالث: مشترك معنوي بين التقدير والمساواة، فهو " كلي " تحته فردان: التقدير، والتسوية، والمتواطئ أولى من المجاز أولى من المشترك اللفظي (الكمال بن الهمام صاحب التحرير "حنفي")
الرابع: الاعتبار؛ تقول قست الشيء أي اعتبرته، وقيس الرأي أي رأي معتبر (الزركشي)
الخامس: التمثيل والتشبيه (ابن مقلة)
السادس: المماثلة؛ تقول: هذا قياس هذا أي مثله (الماوردي والروياني)
السابع: مأخوذ من الإصابة؛ تقول قست الشيء أي أصبته، والقياس يصاب به الحكم (ابن السمعاني)

ولكل قول توجيه ارتباطه بالمعنى الاصطلاحي يرد الحديث عنه في حينه.
هذا ولم تذكر أكثر معاجم اللغة من هذه التعريفات سوى التقدير، ولا حرج؛ فللاصوليون بحوث في اللغة لم يتطرف اليها اهل اللغة أصلا كما قال السبكي رحمه الله في مقدمة الإبهاج شرح المنهاج.

القياس اصطلاحا،وأدق من عرف القياس ثلاثة:
البيضاوي، وابن الحاجب، والسبكي

ويلاحظ أن البيضاوي استفاد كتابه كتلخيص لكتابين لخصا محصول الفخر الرازي، وابن الحاجب دون مختصره كتلخيص لملخص وضعه لإحكام الآمدي، فما بين الكتابين - أعني منهاج البيضاوي ومختصر ابن الحاجب - من فروق أكثره يرجع لما بين الرازي والآمدي من اختلاف، وأما السبكي فقد جمع كتابه من زهاء مئة مصنف

1- تعريف القاضي البيضاوي في المنهاج للقياس وما حول التعريف من كلام:
" اثبات مثل حكم معلوم في معلوم آخر لمشاركته له في علة حكمه عند المثبت"


الشرح:
اثبات: أي الإخبار بالاثبات لا الثبوت؛ فقد يكون الاخبار متعلق بثبوت الحكم: كدخول الربا في التفاح قياسا على البر بجامع الطعم، وقد يكون الاخبار متعلق بعدم كعدم صحة بيع الكلب قياسا على الخمر بجامع النجاسة !!
والاثبات كالجنس في التعريف، تليه قيود تعمل عمل الفصل في الحد الحقيقي، ونقول كالجنس وكالفصل لما سيظهر من أن التعريف هنا رسم لا حد.

مثل: المثلية مفهوم بديهي لا يُعرّف، وفائدة هذا القيد دفع استحالة قيام الواحد بمحلين، فأشار إلى ان الحكم الثابت للأصل ليس عين الثابت للفرع
واعترض الكمال بن الهمام بأن الحكم واحد، والتعد اعتباري اضافي
ويصح اعتراضه إن قطع النظر عن الاضافة، والا فلا.

حكم: أي الحكم الشرعي المعرف بأنه " خطاب الله المتعلق بأفعال المكلفين ...الخ"
ومعنى اثباته لمعلوم أي ادراك ثبوته له، لا نسبة الثبوت نفسها
فالأول كالوجوب والحرمة .. وهذا المراد
والثاني كالايجاب والتحريم

معلوم: المراد المتصور .. والتصور المفرد المقابل للتصديق الخالي اصلا عن العلم او الظن - اي الاعتقاد الجازم او غير الجازم -
والتعبير بالمعلوم اولى من الشيء ليدخل المعدوم فهو ليس بشيء عند أهل السنة !
ودخول المعدوم لا مانع منه لان القياس كما يتعلق بافعال العباد يتعلق بالشروط والاسباب والموانع وبعضها عدمي
ولم يعبر بالاصل والفرع لان معرفة وصف المعلومين بهذا الوصف بتاتى بعد معرفة القياس

في معلوم آخر: لأن القياس لا يعقل الا بين امرين، ولولا الاصل لكان اثباتا للشرع بالتحكم،... نعوذ بالله منه

لاشتراكهما في علة الحكم: لان القياس لا يتحقق بغير علة، ولانه مغاير لما يثبت الحكم فيه بدلالة النص او بالاجماع
والعلة هي الكلي الجامع بين الامرين تكون هي هي ما بالاصل ما بالفرع، لانتزاعها عن الاضافة ولان وجود الكلي ذهني فقط
والتعبير بالمشاركة اولى من المساواة لشموله قياس الاولى والادنى
وقيل التعبير بالمساواة اولى لمناسبتها للمعنى اللغوي ولانها احد معنيي المشاركة في اللغة وهي المراد منها فكان استخدامها اقرب كما ان المشاركة قد توجد ويوجد فرق في الحكم
واجيب بان شرط اجراء القياس اصلا انتفاء الفارق

عند المثبت: متعلق بقوله لاشتراكهما ليشمل الصحيح والفاسد بزعم القائس
ويعود فساد القياس الى عدم الجامع، وان كان ظاهره وجود النص او قيام الاجماع على خلافه
وعبر بالمثبت دون المجتهد ليدخله قياسات المقلدين اليوم ومجتهدي الفتوى والمذاهب


اعتراضات اشكلت على التعريف:
الأول: اثبات حكم الفرع ثمرة القياس فدخوله في التعريف دور

الجواب:

يكون ذلك دورا اذا ادعينا ان التعريف حد بالجنس والفصل الذاتيين، أما هذا فتعريف بالرسم فقط
ووجه حل الاشكال باعتبار التعريف رسما ان الرسم يفيد تمييز المعرَّف عما عداه فأجزاؤه ليست جزءا من المعرَّف، فيكون تقدم الحكم في التعريف بحسب التصور وتاخره في الثمرة بحسب الوجود فتنفك جهة الدور
ثم يبقى ان القياس إما لا حد له كما قال امام الحرمين او حده ما سيذكره المعترضون

جواب آخر:
باعتبار القياس هو في ذاته الدليل الذي يستنبط منه المجتهد الحكم، فنم لا يصح حمل الاثبات عليه ويلزم تقدير " ذو " بحيث يكون القياس هو المساواة بين الفرع والاصل ذات اثبات مثل حكم ........الخ
وان اعتبر القياس فعل المجتهد فيمكن حمل الاثبات عليه ولا يكون حينئذ ثمرة القياس بل عينه
وفي اعتباريه ترجيح وتفصيل ياتي في رد الاعتراض الثاني

الثاني: القياس دليل شرعي كالكتاب والسنة ثابت في نفسه سواء وجد مثبتا ام لا، فتعريفه بالاثبات الذي هو عمل المثبت غير صحيح.
توجيه الاعتراض بعبارة اخرى: القياس دليل يستند اليه القائس فكيف يكون فعله هو هو الدليل !

الجواب:
أكثر الاصوليين عرفه فعلا بانه فعل المجتهد رغم ان الدليل في الحقيقة هو المساواة بين الاصل والفرع في العلة لا فعله، غير ان السر في ذلك هو انه باعتبار فعل المجتهد يكون محلا للأخذ والرد بخلاف ما اذا نظر اليه باعتبار المساواة مع قطع النظر عن فعل المجتهد فانه لا فائدة فيه ولا اعتداد به لذا فقد عرفه البيضاوي والسبكي تعريفا ضم المعنيين
فهو اثبات ....... لاشتراكهما ...
فيعللون الاثبات بما هو الدليل في الحقيقة وهو المساواة في العلة فيطلقون القياس على فكرة المستنبط المستند الى الدليل الحقيقي وهو المساواة
وغيرهم - كابن الحاجب - يطلقه على الحقيقة بقطع النظر عن استعمالاته
يقول الزركشي: واختلفوا في وضع القياس على قولين:
- استدلال المجتهد وفكرة المستنبط
- المعنى الذي يدل على الحكم في اصل الشيء وفرعه

ومن هنا كان تعريف البيضاوي رسما، وابن الحاجب حدا

الثالث: هذ التعريف غير جامع؛ إذ لا يشمل قياس العكس، والدلالة، والذي في معنى الأصل، والشبه، والمنطقي بنوعيه - الاقتراني، والاستثنائي -
وتقرير ذلك أن:
قياس العكس هو: اثبات نقيض حكم الأصل في الفرع لوجود نقيض علته فيه
كاشتراط الصوم في الاعتكاف المطلق قياسا على عدم شرط الصلاة في الاعتكاف المنذور
وتقرير هذا القياس: أن الصلاة لا تشرط في الاعتكاف المطلق والمنذور، والصيام شرط في المنذور، فصار شرطا في المطلق
فالحكم في الاصل: عدم وجوب الصلاة في الاعتكاف المطلق
والحكم في الفرع وجوب الصيام
وعلة الاصل عدم الوجوب حال النذر
وعلة الفرع الوجوب حال النذر
ولا يعقل في قياس العكس جامع !

وقياس الدلالة: الجامع فيه لازم العلة أو اثرها او حكمها
فمثال لازمها: قياس النبيذ على الخمر بجامع الرائحة المشتدة فهي لازم للاسكار
ومثال اثرها: قياس القتل بمثقل على القتل بمحدد بجامع الاثم فهو اثر العلة التي هي العدوان
ومثال حكمها: قياس القطع على القتل في الجماعة تصيب الواحد بجامع الدية وهي حكم العلة التي هي الخطأ

والقياس في معنى الأصل: الجامع فيه نفي الفارق لا علة ثابتة
كقياس صب البول في الماء على التبول فيه بنفي الفارق بينهما في مقصود المنع

وقياس الشبه: الجامع فيه الوصف الشبهي لا العلة
كقياس التفاح على البر بجامع الطعم


والقياس المنطقي قول مؤلف من قضايا متى سلمت لزم عنها لذاتها قول آخر
وهو اقتراني يختص بالقضايا الحملية، واستثنائي - شرطي - يفتتح بقضية شرطية
ووجه مخالفته للقياس المعرَّف ظاهر

الجواب:
أولا: يجاب بجواب عام مفاده أن هذا تعريف لقياس العلة المقابل لكل ما ذكر، فلا يرد شيء منها عليه

ثانيا: يفصل الأمر في بعض ما ذكر:
- فليس الجامع في قياس الدلالة غير العلة، بل بها وإن لم يصرح اكتفاء بما يدل عليها
- ومثلها القياس في معنى الأصل

- وقياس الشبه الجامع فيه علة دلت على مطلق التعريف، وليس مطلوبا أكثر من ذلك

- وقياس العكس فيه أجوبة أربعة:
أجلها الأول فهو عام في كل صوره:
قياس العكس مركب من قياس شرطي متصل وقياس أصولي
ففي مثال الصوم الذي ذكر فيه يكون تقرير القياس فيه كالاتي:
لو لم يكن الصوم شرطا للاعتكاف مطلقا لما شرط للنذر
ووجه الملازمة القياس على الصلاة فانها لما لم تكن شرطا على الاطلاق لم تكن شرطا في النذر
فالمقيس الصوم، والمقيس عليه الصلاة، والجامع عدم الشرط للعتكاف والحكم عدم الوجوب على الاطلاق
والعلة والحكم تقديريان ... بمعنى اننا في الحقيقة لا نقول الصوم كالصلاة، فالعكس واضح، وانما نقول لو كان الصيام كالصلاة لما كان شرطا في النذر
لكنه شرط في النذر بالفعل، فينعكس الامر ويصير شرطا على الاطلاق

والجواب الثاني:
قياس العكس يرجع الى القياس بمعنى الاصل
فنقول المقيس عليه الاعتكاف المنذور، والمقيس الاعتكاف المطلق
ولم يؤت بالصلاة الا لنفي الفارق بين المنذور وغيره .. فباتفاق: حكم الصلاة واحد في الاعتكاف المنذور والمطلق

والجوابين الثالث والرابع يعودان الى صورة المثال، ويصعب اطرادهما في اكثر امثلة قياس العكس

فالثالث يقال قياس الصيام على الصلاة في عدم تاثير النذر في الوجوب بجامع العبادة فيعود لقياس العلة

والرابع قياس الصيام على الصلاة في التساوي بين حالي النذر وعدمه والجامع العبادة ايضا، فيعود للعلة

والفارق بينهما: ان الاول عدمي والاخر وجودي

- واطلاق لفظ " القياس " على المنطقي بنوعيه فيه تسامح وتجوز أصلا، وإلا فهو استدلال بقانون كلي، على افراد جزئية، بخلاف قياسات الاصوليين القائمة على الاستدلال بجزئي على جزئي آخر "تمثيل" او الاستدلال بجزئي على كلي " استقراء "


التوقيع :




لا اله الا الله رب السموات السبع ورب العرش العظيم








رد مع اقتباس
قديم 06-11-2010, 12:59 PM   رقم المشاركة : 4
الكاتب

أفاق الفكر

مراقب

مراقب

أفاق الفكر غير متواجد حالياً


الملف الشخصي








أفاق الفكر غير متواجد حالياً


رد: ٍاصول الفقه في سؤال وجواب

تعريف القياس

س1)- عرف القياس ؟
تعريف القياس العام

القياس هو حمل فرع على أصل في حكم لعلة جامعة بينهما .
ومن هذا التعريف نستنتج
أن للقياس أربعة أركان هي :-
الركن الأول الأصل
وهو المحل الذي ثبت فيه الحكم , ويسمى المقيس عليه , والمشبه به , والملحق به
الركن الثاني الفرع
وهو المحل الذي لم يرد فيه نص , ويراد معرفة حكمه , ويسمى المقيس , والمشبه , والملحق .
الركن الثالث حكم الأصل
وهو الحكم الشرعي الثابت للأصل بالكتاب أو السنة أو إجماع , أما حكم الفرع
فلا يعتبر ركناً لأن حكم الفرع ليس جزءاً من ماهية القياس , وإنما هو ثمرة القياس ونتجته ,
لأن ظهوره للمجتهد متأخر عن حكم الأصل , فهو لم يظهر له إلا بعد عملية القياس , والركن لا يتأخر عن الماهية .
الركن الرابع العلة
وهى الوصف الذي شرع الله من أجله حكم الأصل ووجده المجتهد في الفرع أيضا .
واليكم هذا المثال الذي يبين هذه الأركان الأربعة :-
وهو قوله صلى الله عليه وسلم { الْقَاتِلُ لَا يَرِثُ } فهذا الحديث يدل دلالة واضحة على أن الوارث إذا قتل موروثه ظلماً وعدواناً فإنه لا يرثه , فحرمان الوارث القاتل من الميراث حكم شرعي , فإذا بحث المجتهد عن علة هذا الحكم فإنه يجد إنها القتلالمحرم , وحيثما وجدت هذه العلة غلب على ظنه وجود الحكم معها , لأن الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً .

1

ولذلك إذا قتل الموصى له الموصى فانه يمنع من اخذ الوصية لوجود العلة
وهى (( القتل غير المشروع )) .
•فقتل الوارث موروثه : هو الأصل المنصوص على حكمه .
•ومنع القاتل من الميراث : هو حكم الأصل .
•والقتل المحرم : هو علة الحكم .
•وقتل الموصى له الموصى : هو الفرع .

س2)- ما معنى كل من (( تنقيح المناط - تخريج المناط - تحقيق المناط )) عند الأصوليين ؟

تنقيح المناط
معنى تنقيح المناط تخليصه من كل ما ليس له دخل في العلية , ويكون ذلك
عندما تكون العلة منصوصاً عليها وتكون مشتملة على أوصاف متعددة ولم يوجد ما يعين أحد هذه الأوصاف للعلية .
واليكم هذا المثال الذي يبين هذا :-
قصة الأعرابي الذي جاء فزعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم واخبره بأنه جامع زوجته في نهار رمضان عمداً فأوجب عليه النبي صلى الله عليه وسلم الكفارة .
فإيجاب الكفارة حكم شرعي على الأعرابي
, والذي وقع فيه الأعرابي أمور متعددة هي :-
(1)- الوقاع . (2)- كونه من الأعراب . (3)- كونه في زوجته . (4)- كونه في رمضان معين . (5)- كونه في نهار رمضان متعمداً .
فلكي يصل المجتهد إلى معرفة العلة التي أنيط بها هذا الحكم عليه أن ينقح هذه الأوصاف ويخلصها من كل مالا يصلح لأن يكون علة .
وبالبحث يتضح له أنه لا يصح واحد من تلك الأوصاف أن تكون علة لوجوب الكفارة سوى واحد , وهى الوقاع في نهار رمضان عمداً , وبذلك يتعين أن يكون هذا الوصف هو مناط الحكم الذي هو إيجاب الكفارة , غير أن الفقهاء اختلفوا في أن علة إيجاب الوقاع عمداً في نهار رمضان للكفارة

2

2, هل هو لخصوصية فيه فلا يجب في غيره بالأكل ونحوه عمداً ؟ أم إنه إنما كان علة لما فيه من انتهاك حرمة الشهر وعليه فإن الكفارة تجب في ما وجد الانتهاك ؟

تخريج المناط
هو الاجتهاد في استخراج علة الحكم المنصوص عليه , ولم تثبت علته بنص ولا إجماع , ويتم تخريج المناط بأي مسلك من مسالك العلة عدا النص والإجماع .
واليكم هذا المثال الذي يبين هذا :-
إذا ورد نص بتحريم الخمر , ولم تثبت علته بنص ولا إجماع , فإن المجتهد سيبحث عن علة التحريم , وهذا البحث يسمى تخريج المناط .
فتخريج المناط إذاً هو استنباط علة لحكم شرعي ورد به النص ولم يكن هناك نص ولا إجماع يثبت علته .

تحقيق المناط
هو البحث لغرض إثبات علة الحكم المنصوص عليه في واقعة لم ينص على حكمها .
واليكم هذه الأمثلة:-
المثال الأول )- ورد النص بان علة اعتزال النساء في المحيض هو الأذى بقوله تعالى
{ وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ}, فينظر المجتهد في تحقيق الأذى
في النفاس , فإذا ما تحقق ثبت الحكم المنصوص عليه .
المثال الثاني )- ثبت أن علة تحريم الخمر هي الإسكار , فإذا ما أرد المجتهد
أن يعرف حكم شرب النبيذ , فعليه أن يثبت أنه مسكر , فمتى ما اثبت هذه العلة ظهر الحكم .

3

س3)- لقد دل الكتاب والسنة وأقوال الصحابة على أن القياس أحد الأدلة التي تثبتبها الأحكام الشرعية . اذكر هذه الأدلة ؟

الكتاب
•قوله تعالى { اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ } , والميزان ما توزن به الأمور ويقاس به بينها .
•وقوله تعالى { كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ } , فشبه الله تعالى إعادة الخلق بابتدائه .
•وقوله { وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ }
, فشبه إحياء الأموات بإحياء الأرض وهذا هو القياس .

السنة

•عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ جَاءَتْ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ نَذْرٍ أَفَأَصُومُ عَنْهَا قَالَ
{ أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْنٌ فَقَضَيْتِيهِ أَكَانَ يُؤَدِّي ذَلِكِ عَنْهَا قَالَتْ نَعَمْ قَالَ فَصُومِي عَنْ أُمِّكِ } مسلم ,
ووجه الدلالة هي أن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قاس دين الله تعالى على دين الآدمي .
•عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَهُ
أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ امْرَأَتِي وَلَدَتْ غُلَامًا أَسْوَدَ فَقَالَ
{ هَلْ لَكَ مِنْ إِبِلٍ قَالَ نَعَمْ قَالَ مَا أَلْوَانُهَا قَالَ حُمْرٌ قَالَ هَلْ فِيهَا مِنْ أَوْرَقَ قَالَ نَعَمْ قَالَ
فَأَنَّى كَانَ ذَلِكَ قَالَ أُرَاهُ عِرْقٌ نَزَعَهُ قَالَ فَلَعَلَّ ابْنَكَ هَذَا نَزَعَهُ عِرْقٌ } البخاري
, فهذا قياس مقنع لان البشر كالإبل في هذه الناحية فلا فرق
وقد استعمل الصحابة القياس ومنها ما ذكر عن عمر بن الخطاب في كتابه إلى موسى الأشعري في القضاء .

4

أنواع القياس
س4)- ما هي أنواع القياس ؟
يمكن تقسيم القياس إلى ثلاثة أقسام بثلاثة اعتبارات وهى :-
باعتبار قوته وضعفه
ينقسم القياس باعتبار قوته وضعفه إلى قسمين هما :-
1)- قياس جلي :- وهو ما ثبتت علته بنص أو إجماع أو كان مقطوعاً فيه بنفي الفارق بين الأصل والفرع
من هذا التعريف يتضح أن العلة يجب أن تكون ثابتة بأحد الأمور الآتية :-
•النص وهو الكتاب والسنة .
•إجماع العلماء على أن هذه هي العلة , لأن الإجماع سبقا لنا أنه حجة ودليل شرعي
فإذا اجمع العلماء على أن هذه العلة لهذا الحكم صارت كالعلة التي نص عليها الشارع .
•ما يقطع فيه (( أي يعلم علم اليقين أنه لا فرق بين الأصل والفرع )) .
واليكم هذا الأمثلة لهذه الأنواع الثلاثة :-
أولاً )- ما ثبتت علته بالنص :-
وهو قياس المنع من الاستجمار بالدم النجس
إلحاقاً على المنع من الاستجمار بالروثة , فإن علة حكم الأصل ثابتة بنص
الدليل وهو حديث عبدا لله رضي الله عنه قال {أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يتبرز
فقال ائتني بثلاثة أحجار فوجدت له حجرين وروثه حمار فامسك الحجرين وطرح
الروثه وقال :-هي رجس }صححه الألباني , والرجس هي النجس .
ثانياً )- ما ثبتت علته بالإجماع :-
وهو نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يقضى القاضي وهو غضبان ,
فإن قياس منع الحاقن من القضاء على منع الغضبان ثبتت علته بالإجماع وهي تشويش الفكر وانشغال القلب

5

ثالثاً )- ما كان مقطوع فيه بنفي الفارق بين الأصل والفرع :-
ومثاله قياس تحريم إتلاف مال اليتيم بالبس على تحريم إتلافه بالأكل للقطع بنفي الفارق بينهما
2)- القياس الخفي :- وهو ما ثبتت علته باستنباط ولم يقطع فيه بنفي الفارق بين الأصل والفرع .
ومثال ذلك قياس الأشنان على البر في تحريم الربا بجامع الكيل فإن التعليل بالكيل لم يثبت بنص ولا إجماع ولم يقطع فيه بنفي الفارق بين الأصل والفرع إذ من الجائز أن يفرق بينهما بأن البر مطعوم بخلاف الأشنان .

باعتبار إثبات أو نفي الحكم
ينقسم القياس باعتبار إثبات أو نفي الحكم إلى قسمين هما :-
1)- القياس الطردي :- وهو ما اقتضى إثبات الحكم في الفرع لثبوت علة الأصل فيه .
ومثال ذلك قوله صلى الله عليه وسلم { الْقَاتِلُ لَا يَرِثُ } فهذا الحديث يدل دلالة واضحة
على أن الوارث إذا قتل موروثه ظلمـاً وعدواناً فإنه لا يرثه ولذلك إذا قتل
الموصي له الموصي فإنه يمنع من أخذ الوصية لوجود العلة وهى (( القتل غير المشروع )) .
2)- القياس العكسي :- وهو إثبات نقيض حكم الأصل للفرع لوجود نقيض علة حكم الأصل فيه .
ومثال ذلك قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
{ وَفِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيَأتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكُونُ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ
قَالَ أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي حَرَامٍ أَكَانَ عَلَيْهِ فِيهَا وِزْرٌ فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلَالِ كَانَ لَهُ أَجْرًا } مسلم .
فاثبت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للفرع وهو الوطء الحلال نقيض علة الأصل
وهو الوطء الحرام لوجود نقيض علة حكم الأصل فيه , وإثبات للفرع
أجراً لأنه وطء حلال كما أن الأصل وزراً لأنه وطء حرام .

6

باعتبار صحته وبطلانه
ينقسم القياس باعتبار صحته وفساده إلى ثلاثة أقسام هي :-
1)- القياس الصحيح :- وهو ما جاءت به الشريعة في الكتاب والسنة وهو الجمع بين المتماثلين ((أن تكون العلة موجودة في الفرع من غير معارض يمنع حكمها)) .
2)- القياس الفاسد :- وهو كل قياس دل النص على فساده , وكل من
الحق منصوصاً بمنصوص يخالف حكمه فقياسه فاسد .
3)- قياس الشبه (( القياس المتردد فيه بين الصحة والفساد )):-
وهو أن يتردد فرع بين أصلين مختلفي الحكم وفيه شبه بكل منهما , فيلحق بأكثرهما شبهاً به .
ومثال ذلك العبد هل يملك بالتمليك قياساً على الحر أو لا يملك قياساً على البهيمة ؟
إذا نظرنا إلى هذين الأصلين (( الحر والبهيمة )) وجدنا أن العبد متردد بينهما , فمن حيث أنه إنسان عاقل يثاب ويعاقب وينكح ويطلق يشبه الحر , ومن حيث أنه يباع ويرهن ويوقف ويوهب ويورث ويضمن بالقيمة ويتصرف فيه يشبه البهيمة , وقد وجد أنه من حيث التصرف المالي أكثر شبهاً بالبهيمة فالحق بها .

7

بسم الله الرحمن الرحيم
- مستفاد من كتاب العلامة عيسى منون شيخ رواق المغاربة بالجامع الأزهر
" نبراس العقول في تحقيق القياس عند علماء الأصول "
رحمه الله ورضي عنه

القياس لغةً: مصدر قاس، ومثله قَيْس، وفي معناه اللغوي أقوال:
الأول: التقدير؛ قست كذا بكذا أي قدرته به، واستخدامه في معنى المساواة مجاز،من باب إطلاق اسم الملزوم على اللازم، إذ يلزم التقدير نوع مساواة؛
حيث تقول فلان لا يقاس بفلان أي لا يساويه. (الآمدي)أو أن استخدامه في المساواة حقيقة عرفية (البهاري صاحب مسلم الثبوت "حنفي")
الثاني: مشترك لفظي بين التقدير والمساواة والمعنى الجامع بينهما؛ تقول قست الثواب بالذراع أي قدرته به، وفلان لا يقاس بفلان أي لا يساويه،
وقست النعل بالنعل أي قدرته به فساواه.(العضد)
الثالث: مشترك معنوي بين التقدير والمساواة، فهو " كلي " تحته فردان: التقدير،والتسوية، والمتواطئ أولى من المجاز أولى من المشترك اللفظي (الكمال بن الهمام صاحب التحرير "حنفي")
الرابع: الاعتبار؛ تقول قست الشيء أي اعتبرته، وقيس الرأي أي رأي معتبر (الزركشي)
الخامس: التمثيل والتشبيه (ابن مقلة)
السادس: المماثلة؛ تقول: هذا قياس هذا أي مثله (الماوردي والروياني)
السابع: مأخوذ من الإصابة؛ تقول قست الشيء أي أصبته، والقياس يصاب به الحكم (ابن السمعاني)ولكل قول توجيه ارتباطه بالمعنى الاصطلاحي يرد الحديث عنه في حينه.هذا ولم تذكر أكثر معاجم اللغة من هذه التعريفات سوى التقدير، ولا حرج؛فللاصوليون بحوث في اللغة لم يتطرف اليها اهل اللغة أصلا كما قال السبكي رحمه الله في مقدمة الإبهاج شرح المنهاج.

8

القياس اصطلاحا،وأدق من عرف القياس ثلاثة:
البيضاوي، وابن الحاجب، والسبكي
ويلاحظ أن البيضاوي استفاد كتابه كتلخيص لكتابين لخصا محصول الفخر الرازي،وابن الحاجب دون مختصره كتلخيص لملخص وضعه لإحكام الآمدي، فما بين الكتابين - أعني منهاج البيضاوي ومختصر ابن الحاجب - من فروق أكثره يرجع لما بين الرازي والآمدي من اختلاف، وأما السبكي فقد جمع كتابه من زهاء مئة مصنف

1- تعريف القاضي البيضاوي في المنهاج للقياس وما حول التعريف من كلام:
وهو تعريف البيضاوي للقياس
" اثبات مثل حكم معلوم في معلوم آخر لمشاركته له في علة حكمه عند المثبت"

الشرح:
اثبات: أي الإخبار بالاثبات لا الثبوت؛ فقد يكون الاخبار متعلق بثبوت الحكم:
كدخول الربا في التفاح قياسا على البر بجامع الطعم، وقد يكون الاخبار
متعلق بعدم كعدم صحة بيع الكلب قياسا على الخمر بجامع النجاسة !!
والاثبات كالجنس في التعريف، تليه قيود تعمل عمل الفصل في الحدالحقيقي،
ونقول كالجنس وكالفصل لما سيظهرمن أن التعريف هنا رسم لا حد.
مثل: المثلية مفهوم بديهي لا يُعرّف، وفائدة هذا القيد دفع استحالة قيام الواحد بمحلين، فأشار إلى ان الحكم الثابت للأصل ليس عين الثابت للفرع
واعترض الكمال بن الهمام بأن الحكم واحد، والتعد اعتباري اضافي
ويصح اعتراضه إن قطع النظر عن الاضافة، والا فلا.
حكم: أي الحكم الشرعي المعرف بأنه " خطاب الله المتعلق بأفعال المكلفين ...الخ"

9

ومعنى اثباته لمعلوم أي ادراك ثبوته له، لا نسبة الثبوت نفسها
فالأول كالوجوب والحرمة .. وهذا المرادوالثاني كالايجاب والتحريم
معلوم: المراد المتصور .. والتصور المفرد المقابل للتصديق الخالي اصلا

عن العلم او الظن - اي الاعتقاد الجازم او غير الجازم -
والتعبير بالمعلوم اولى من الشيء ليدخل المعدوم فهو ليس بشيء عند أهل السنة !ودخول المعدوم لا مانع منه لان القياس كما يتعلق بافعال العباد يتعلق بالشروط والاسباب والموانع وبعضها عدمي
ولم يعبر بالاصل والفرع لان معرفة وصف المعلومين بهذا الوصف بتاتى بعد معرفة القياس

في معلوم آخر: لأن القياس لا يعقل الا بين امرين، ولولا الاصل لكان اثباتا للشرع بالتحكم،... نعوذ بالله منه
لاشتراكهما في علة الحكم: لان القياس لا يتحقق بغير علة، ولانه مغاير لما يثبت الحكم فيه بدلالة النص او بالاجماع
والعلة هي الكلي الجامع بين الامرين تكون هي هي ما بالاصل ما بالفرع، لانتزاعها عن الاضافة ولان وجود الكلي ذهني فقط
والتعبير بالمشاركة اولى من المساواة لشموله قياس الاولى والادنى
وقيل التعبير بالمساواة اولى لمناسبتها للمعنى اللغوي ولانها احد معنيي المشاركة
في اللغة وهي المراد منها فكان استخدامها اقرب كما ان المشاركة قد توجد ويوجد فرق في الحكم
واجيب بان شرط اجراء القياس اصلا انتفاء الفارق

عند المثبت: متعلق بقوله لاشتراكهما ليشمل الصحيح والفاسد بزعم القائس
ويعود فساد القياس الى عدم الجامع، وان كان ظاهره وجود النص او قيام الاجماع على خلافه
وعبر بالمثبت دون المجتهد ليدخله قياسات المقلدين اليوم ومجتهدي الفتوى والمذاهب

10

اعتراضات اشكلت على التعريف:
الأول: اثبات حكم الفرع ثمرة القياس فدخوله في التعريف دور

الجواب:
يكون ذلك دورا اذا ادعينا ان التعريف حد بالجنس والفصل الذاتيين، أما هذا فتعريف بالرسم فقطووجه حل الاشكال باعتبار التعريف رسما ان الرسم يفيد تمييز المعرَّف عماعداه فأجزاؤه ليست جزءا من المعرَّف، فيكون تقدم الحكم في التعريف بحسب التصور وتاخره في الثمرة بحسب الوجود فتنفك جهة الدورثم يبقى ان القياس إما لا حد له كما قال امام الحرمين او حده ما سيذكره المعترضون

جواب آخر:
باعتبار القياس هو في ذاته الدليل الذي يستنبط منه المجتهد الحكم، فنم لا يصح
حمل الاثبات عليه ويلزم تقدير " ذو " بحيث يكون القياس
هو المساواة بين الفرع والاصل ذات اثبات مثل حكم ........الخ
وان اعتبر القياس فعل المجتهد فيمكن حمل الاثبات عليه ولا يكون حينئذ ثمرة القياس بل عينه
وفي اعتباريه ترجيح وتفصيل ياتي في رد الاعتراض الثاني

الثاني: القياس دليل شرعي كالكتاب والسنة
ثابت في نفسه سواء وجد مثبتا ام لا، فتعريفه بالاثبات الذي هو عمل المثبت غير صحيح.
توجيه الاعتراض بعبارة اخرى: القياس دليل يستند اليه القائس فكيف يكون فعله هو هو الدليل !

11

الجواب:
أكثر الاصوليين عرفه فعلا بانه فعل المجتهد رغم ان الدليل في الحقيقة
هو المساواة بين الاصل والفرع في العلة لا فعله، غير ان السر في ذلك هو
انه باعتبار فعل المجتهد يكون محلا للأخذ والرد بخلاف ما اذا نظر اليه
باعتبارالمساواة مع قطع النظرعن فعل المجتهد فانه لا فائدة فيه
ولا اعتداد به لذا فقد عرفه البيضاوي والسبكي تعريفا ضم المعنيين
فهو اثبات ....... لاشتراكهما ...فيعللون الاثبات بما هو الدليل في الحقيقة وهو المساواة في العلة فيطلقون القياس على فكرة المستنبط المستند الى الدليل الحقيقي وهو المساواةوغيرهم - كابن الحاجب - يطلقه على الحقيقة بقطع النظر عن استعمالاتهيقول الزركشي: واختلفوا في وضع القياس على قولين:
- استدلال المجتهد وفكرة المستنبط
- المعنى الذي يدل على الحكم في اصل الشيء وفرعه

ومن هنا كان تعريف البيضاوي رسما، وابن الحاجب حدا

الثالث: هذ التعريف غير جامع؛ إذ لا يشمل قياس العكس، والدلالة، والذي في معنى
الأصل، والشبه، والمنطقي بنوعيه - الاقتراني، والاستثنائي -
وتقرير ذلك أن:
قياس العكس هو: اثبات نقيض حكم الأصل في الفرع لوجود نقيض علته فيه
كاشتراط الصوم في الاعتكاف المطلق قياسا على عدم شرط الصلاة في الاعتكاف المنذور
وتقرير هذا القياس: أن الصلاة لا تشرط في الاعتكاف المطلق والمنذور، والصيام شرط في المنذور، فصار شرطا في المطلق
فالحكم في الاصل: عدم وجوب الصلاة في الاعتكاف المطلق

12
والحكم في الفرع وجوب الصيام
وعلة الاصل عدم الوجوب حال النذر
وعلة الفرع الوجوب حال النذر
ولا يعقل في قياس العكس جامع !

وقياس الدلالة: الجامع فيه لازم العلة أو اثرها او حكمها
فمثال لازمها: قياس النبيذ على الخمر بجامع الرائحة المشتدة فهي لازم للاسكار
ومثال اثرها: قياس القتل بمثقل على القتل بمحدد بجامع الاثم فهو اثر العلة التي هي العدوان
ومثال حكمها: قياس القطع على القتل في الجماعة تصيب الواحد بجامع الدية وهي حكم العلة التي هي الخطأ

والقياس في معنى الأصل: الجامع فيه نفي الفارق لا علة ثابتة
كقياس صب البول في الماء على التبول فيه بنفي الفارق بينهما في مقصود المنع

وقياس الشبه: الجامع فيه الوصف الشبهي لا العلة
كقياس التفاح على البر بجامع الطعم
والقياس المنطقي قول مؤلف من قضايا متى سلمت لزم عنها لذاتها قول آخر
وهو اقتراني يختص بالقضايا الحملية، واستثنائي - شرطي - يفتتح بقضية شرطية
ووجه مخالفته للقياس المعرَّف ظاهر

الجواب:
أولا: يجاب بجواب عام مفاده أن هذا تعريف لقياس العلة المقابل لكل ما ذكر، فلا يرد شيء منها عليه

13
ثانيا: يفصل الأمر في بعض ما ذكر:
- فليس الجامع في قياس الدلالة غير العلة، بل بها وإن لم يصرح اكتفاء بما يدل عليها
- ومثلها القياس في معنى الأصل
- وقياس الشبه الجامع فيه علة دلت على مطلق التعريف، وليس مطلوبا أكثر من ذلك

- وقياس العكس فيه أجوبة أربعة:
أجلها الأول فهو عام في كل صوره:
قياس العكس مركب من قياس شرطي متصل وقياس أصولي
ففي مثال الصوم الذي ذكر فيه يكون تقرير القياس فيه كالاتي:
لو لم يكن الصوم شرطا للاعتكاف مطلقا لما شرط للنذر
ووجه الملازمة القياس على الصلاة فانها لما لم تكن شرطا على الاطلاق لم تكن شرطا في النذر
فالمقيس الصوم، والمقيس عليه الصلاة، والجامع عدم الشرط للعتكاف والحكم عدم الوجوب على الاطلاق
والعلة والحكم تقديريان ... بمعنى اننا في الحقيقة لا نقول الصوم كالصلاة،
فالعكس واضح، وانما نقول لو كان الصيام كالصلاة لما كان شرطا في النذر
لكنه شرط في النذر بالفعل، فينعكس الامر ويصير شرطا على الاطلاق

والجواب الثاني:
قياس العكس يرجع الى القياس بمعنى الاصل
فنقول المقيس عليه الاعتكاف المنذور، والمقيس الاعتكاف المطلق
ولم يؤت بالصلاة الا لنفي الفارق بين المنذور وغيره .. فباتفاق: حكم الصلاة واحد في الاعتكاف المنذور والمطلق
والجوابين الثالث والرابع يعودان الى صورة المثال، ويصعب اطرادهما في اكثر امثلة قياس العكس

14

فالثالث يقال قياس الصيام على الصلاة في عدم تاثير النذر في الوجوب بجامع العبادة فيعود لقياس العلة
والرابع قياس الصيام على الصلاة في التساوي بين حالي النذر وعدمه والجامع العبادة ايضا، فيعود للعلة

والفارق بينهما: ان الاول عدمي والاخر وجودي

- واطلاق لفظ " القياس " على المنطقي بنوعيه فيه تسامح وتجوز أصلا، وإلا فهو
استدلال بقانون كلي، على افراد جزئية، بخلاف قياسات الاصوليين القائمة
على الاستدلال بجزئي على جزئي آخر "تمثيل" او الاستدلال بجزئي على كلي " استقرا

15



التوقيع :




لا اله الا الله رب السموات السبع ورب العرش العظيم








رد مع اقتباس
قديم 06-11-2010, 05:06 PM   رقم المشاركة : 5
الكاتب

أفاق الفكر

مراقب

مراقب

أفاق الفكر غير متواجد حالياً


الملف الشخصي








أفاق الفكر غير متواجد حالياً


رد: ٍاصول الفقه في سؤال وجواب


تعريف العلة لغة واصطلاحاً

تعريف العلة لغة :


عَلَّ - بلام مشددة مفتوحة -: فعل متعدٍ و لازمٌ ، نقول فيهما : عَلَّ يَعُِلّ – بضم العين وكسرها - و مصدرهما: عَلاًّ وعَلَلاً .

وأَعلَّهُ اللهُ : أي : أصابه بعلة .

والعلة : المرض ، عَلَّ واعتلّ ، أي مرض ، وصاحبها مُعتَلّ ، فهو عليل ، وهي حدث يشغل صاحبه عن وجهه ، كأنَّ تلك العلة صارت شُغلاً ثانياً ، منعه عن شغله الأول .

وعَلَّلَهُ بالشيء تعليلاً ، أي: لهّاه به ، كما يُعلَّل الصبيُّ بشيء من الطعام عن اللبن ، والتعليل : سقيٌ بعد سقي ، وجنيُ الثمرة مرة بعد أخرى ، والتعليل : تبيين عِلة الشيء ، وأيضاً ما يستدل به من العلة على المعلول ، وعَلَّلَ الشيءَ : بَيّن علتَهُ وأَثبتَهُ بالدليل ، فهو مُعلَّل(1) .

قال الخطَّابي : (( والعُلالة مأخوذة من العَلّ ، وهو الشرب الثاني بعد الأول ، ومنه سُميت المرأة عَلّة ؛ وذلك أنها تَعُلّ بعد صاحبتها ، أي ينتقل الزوج إليها بعد الأخرى ))(2) .

وذكر ابن فارس في عل : ثلاثة أصول صحيحة :
(( أحدها : تكرار أو تكرير ، و الثاني : عائق يعوق ، و الثالث : ضعف في الشيء .
فالأول : العلل ، و هو الشربة الثانية ، و يقال : علل بعد نهل ، ويقال : أعل القوم ، إذا شربت إبلهم عللاً .
قال ابن الأعرابي في المثل : ما زيارتك إيانا إلا سوم عالة ، أي : مثل الإبل التي تعل . وإنَّما قيل هذا ؛ لأنها إذا كرر عليها الشرب ، كان أقل لشربها الثاني .

والثاني :العائق يعوق ، قال الخليل : العلة : حدث يشغل صاحبه عن وجهه ، و يقال : اعتله كذا ، أي اعتاقه ، قال : فاعتله الدهر وللدهر علل .

والثالث : العلة المرض ، وصاحبها معتل ، قال ابن الأعرابي : عل المريض يعل ، فهو عليل ))(3)
وزاد صاحب كتاب : " العلة وأجناسها عند المحدّثين " معنى رابعاً ، هو التشاغل بالشيء والتلهي به ، ويمكن أنْ يضم تحت الأصل الثاني .

والمعل : اسم مفعول من أعله : أنزل به علة فهو مُعَلٌّ ، يقولون : لا أَعَلَّكَ اللهُ ، أي لا أصابك بعلة ، والحديث الذي اكْتُشِفَتْ فيه علةٌ قادحة هو مُعَلٌّ ؛ لأنَّه ظهر أنَّه مصاب بتلك العلة (4) .
وبهذا يتضح أنَّ أقرب المعاني اللغوية لمعنى العلة في اصطلاح المحدّثين هو المرض ؛ وذلك لأنَّ الحديث الذي ظاهره الصحة ، إذا اكتشف الناقد فيه علة قادحة ، فإنَّ ذلك يمنع من الحكم بصحته .

تعريف العلة اصطلاحاً :

عرفها الحافظ ابن الصلاح بقوله : (( هي عبارة عن أسباب خفية ، غامضة ، قادحة ، فيه )) (5) .
وعرفها النووي بقوله: (( عبارة عن سبب غامض ، قادح ، مع أنَّ الظاهر السلامة منه )) (6) .

فللعلة ركنان :

1- سبب خفي غامض .
2- قادح في السند أو المتن أو كليهما .

ولا يكون الحديث مُعَلاً إذا فقد أحد شرطيه .

الاصطلاح الذي يطلق على الحديث المصاب بعلة :

خاض(7) العلماء - قدامى ومُحْدَثينَ - في الاستعمال الصحيح لاسم المفعول للحديث الذي أصابته علة ، والحقيقة أنَّ اسم المفعول يكون اشتقاقه من الأفعال الثلاثية وغيرها .

فمن الفعل الثلاثي يكون على زنة ( مفعول ) ويشتق من الفعل المبني للمجهول أو لما لم يُسمَّ فاعله ، نحو : حُمِدَ فهو محمود ، وعُلَّ فهو معلول .

أما من الفعل غير الثلاثي وهو الرباعي والخماسي وغيرهما ، فيكون على وزن مضارعه مع إبدال حرف المضارعة ميماً مضمومة ، وفتح ما قبل الآخر ، نحو : أَعَلَّ فعل رباعي ، وزن مضارعه يَعِلُّ ، واسم المفعول منه مُعَلّ ، والفعل عَلّل رباعي أيضاً ، وزن مضارعه يعلل ، واسم المفعول منه مُعَلَّل ، والفعل اعتلّ خماسي ، وزن مضارعه يَعْتَلّ ، واسم المفعول منه مُعْتَلّ .

وتتفاوت نسبة استعمال العلماء لهذه التسميات ، فالمعلول تسمية للحديث الذي أصابته علة استعمله المحدّثون واللغويون ، فمن المحدّثين : البخاري ، والترمذي ، وابن عدي ، والدارقطني ، والحاكم وغيرهم ، ومن اللغويين : الزجّاج ، وابن القوطية ، وقطرب ، والجوهري ، والمطرزي ، وابن هشام وغيرهم .. ومن منكري هذه الصيغة ابن الصلاح فقد أنكرها بقوله : (( مرذول عند أهل العربية واللغة ))(8) ، وقال النووي : (( هو لحن ))(9) ، وقال العراقي في " ألفيته " : (( وسم ما بعلة مشمول معللاً ولا تقل معلول ))(10).

وأنكره الفيروزأبادي بقوله : (( ولا تقل : معلول )) (11) .
وتابع السيوطيُّ النوويَّ في تلحينه له ... (12) ، وحكاية بعض أهل اللغة له ، غير مخرج له عن كونه ضعيفاً ، ولا سيما قد أنكره غير واحد من اللغويين كابن سيده ، والحريري ، وغيرهما .

ثم اعترض العراقي على التسمية بـ (( معلل )) فقال : (( والأحسن أنْ يقال فيه : (( معل )) بلام واحدة لا معلل ؛ فإنَّ الذي بلامين يستعمله أهل اللغة بمعنى : ألهاه بالشيء و شغله به ، من تعليل الصبي بالطعام ، وأما بلام واحدة ، فهو الأكثر في كلام أهل اللغة ، وفي عبارة أهل الحديث أيضاً(13) )) .
وهاتان الصيغتان : ( معلول ) و ( معلل ) هما اللتان كثر الاعتراض عليهما ، أما باقي الصيغ فصحيحة أفصحها ( مُعَلّ ) .

ــــــــــــــــــــــ
(1) انظر : " العين " ، و " المعجم الوسيط " مادة ( عل ) ، و " الصحاح " ، و " اللسان " مادة ( علل ) .
(2) " غريب الحديث " للخطَّابي 1/75 .
(3) " معجم مقاييس اللغة " مادة ( عل ) .
(4) "لسان العرب " مادة ( علل ) .
(5) " معرفة أنواع علم الحديث " : 187 بتحقيقي .
(6) " التقريب " المطبوع مع " التدريب " 1/252 .
(7) أي : مشى وهذا من تشبيه المعقول بالمحسوس للإشارة إلى أنَّ المتكلم في ذلك كالخائض في الماء الماشي في غير مظنة المشي ، وهذا إيذان وتنبيه على أنَّ الناس مضطربون في هذا التعريف ، وانظر التعليق على " النكت الوفية " 1/92 .
(8) " معرفة أنواع علم الحديث " : 186 بتحقيقي .
(9) " التقريب " المطبوع مع " تدريب الراوي " 1/251 .
(10) " شرح التبصرة والتذكرة " 1/272 بتحقيقي .
(11) " القاموس المحيط " مادة ( علل ) .
(12) انظر : " تدريب الراوي " 1/251 .
(13) " التقييد والإيضاح " : 117 ، وعبارته في " شرح التبصرة والتذكرة " 1/273 بتحقيقي : (( والأجود في تسميته : المعل )) وقد عقب البقاعي على ذلك ، فقال في " النكت الوفية " 1/499 بتحقيقي : (( يفهم أنَّ في استعمال معلل جودةً ما ، وليس كذلك ؛ فإنَّه لا يجوز أصلاً ، فيحمل على أنَّ مراد الشيخ أنَّه أجود من المعلول )) .


سألة: الجزء الثاني التحليل الموضوعي
[ ص: 774 ] [ ص: 775 ] المقصد السابع

من مقاصد هذا الكتاب

في التعادل والترجيح

وفيه ثلاثة مباحث

المبحث الأول : في معناهما وفي العمل بالترجيح وفي شروطه .

المبحث الثاني : في التعارض بين دليلين قطعيين .

المبحث الثالث : في وجوه الترجيح بين المتعارضين لا في نفس الأمر بل في الظاهر .

[ ص: 776 ] [ ص: 777 ] ( المبحث الأول )

في معناهما ، وفي العمل بالترجيح ، وفي شروطه

أما التعادل : فهو التساوي ، وفي الشرع استواء الأمارتين .

وأما الترجيح : فهو إثبات الفضل في أحد جانبي المتقابلين ، أو جعل الشيء راجحا ويقال مجازا لاعتقاد الرجحان .

وفي الاصطلاح : اقتران الأمارة بما تقوى بها على معارضتها .

قال في المحصول : الترجيح تقوية أحد الطرفين على الآخر فيعلم الأقوى فيعمل به ، ويطرح الآخر ، وإنما قلنا طرفين ؛ لأنه لا يصح الترجيح بين الأمرين إلا بعد تكامل كونهما ( طريقين لو ) انفرد كل واحد منهما فإنه لا يصح ترجيح الطرف على ما ليس بطرف . انتهى .

والقصد منه تصحيح الصحيح ، وإبطال الباطل .

قال الزركشي في البحر : اعلم أن الله لم ينصب على جميع الأحكام الشرعية أدلة قاطعة ، بل جعلها ظنية ؛ قصدا للتوسع على المكلفين ، لئلا ينحصروا في مذهب واحد ، لقيام الدليل القاطع عليه ، وإذا ثبت أن المعتبر في الأحكام الشرعية الأدلة الظنية ، فقد تتعارض في الظاهر بحسب جلائها وخفائها ، فوجب الترجيح بينهما ، والعمل بالأقوى ، والدليل على تعيين الأقوى أنه إذا تعارض دليلان أو أمارتان ، فإما أن يعملا جميعا ، أو ( يلغيا جميعا أو ) يعمل بالمرجوح ، أو الراجح وهذا متعين .

قال : أما حقيقته ، يعني التعارض فهو تفاعل ، من العرض ، بضم العين ، وهو الناحية والجهة ، كأن الكلام المتعارض يقف بعضه في عرض بعض ، أي ناحيته وجهته ، [ ص: 778 ] فيمنعه من النفوذ إلى حيث وجه .

وفي الاصطلاح : تقابل الدليلين على سبيل الممانعة .

وللترجيح شروط :

( الأول ) : التساوي في الثبوت ، فلا تعارض بين الكتاب وخبر الواحد ، إلا من حيث الدلالة .

( الثاني ) : التساوي في القوة ، فلا تعارض بين المتواتر والآحاد ، بل يقدم المتواتر بالاتفاق ، كما نقله إمام الحرمين .

( الثالث ) : اتفاقهما في الحكم ، مع اتحاد الوقت والمحل والجهة ، فلا تعارض بين النهي عن البيع مثلا في وقت النداء ، مع الإذن به في غيره .

وحكى إمام الحرمين في تعارض الظاهرين في الكتاب والسنة مذاهب :

( أحدها ) : يقدم الكتاب لخبر معاذ .

( وثانيهما ) : تقدم السنة ؛ لأنها المفسرة للكتاب ، والمبينة له .


( وثالثها ) : التعارض ، وصححه ، واحتج عليه بالاتفاق ، وزيف الثاني بأنه ليس الخلاف في السنة المفسرة للكتاب ، بل المعارضة له .

وأقسام التعادل والترجيح بحسب القسمة العقلية عشرة ؛ لأن الأدلة أربعة : الكتاب ، والسنة ، والإجماع ، والقياس .

فيقع التعارض بين الكتاب والكتاب ، وبين الكتاب والسنة ، وبين الكتاب والإجماع ، وبين الكتاب والقياس ؛ فهذه أربعة .

ويقع بين السنة والسنة ، وبين السنة والإجماع ، وبين السنة والقياس ، فهذه ثلاثة .

ويقع بين الإجماع والإجماع ، وبين الإجماع والقياس ، وبين القياسين ، فهذه ثلاثة ، الجميع عشرة .

قال الرازي في المحصول : الأكثرون اتفقوا على جواز التمسك بالترجيح ، وأنكره [ ص: 779 ] بعضهم ، وقال : عند التعارض يلزم التخيير ، أو التوقف ، لنا وجوه :

( الأول ) : إجماع الصحابة على العمل بالترجيح ، فإنهم قدموا خبر عائشة بوجوب الغسل عند التقاء الختانين ، على خبر الماء من الماء وقدموا خبر من روى من أزواجه أنه كان - صلى الله عليه وآله وسلم - يصبح جنبا على ما روى أبو هريرة أنه من يصبح جنبا فلا صوم له .

وقبل علي خبر أبي بكر ولم يحلفه ، وكان لا يقبل من غيره إلا بعد تحليفه ، وقبل أبو بكر خبر المغيرة في ميراث الجدة لموافقة محمد بن مسلمة له .

وقبل عمر خبر أبي موسى في الاستئذان لموافقة أبي سعيد الخدري له .

[ ص: 780 ] ( الثاني ) : أن الظنين إذا تعارضا ، ثم ترجح أحدهما على الآخر ، كان العمل بالراجح متعينا عرفا ، فيجب شرعا ؛ لقوله - صلى الله عليه وآله وسلم - : ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن .

( الثالث ) : أنه لو لم يعمل بالراجح ؛ لزم العمل بالمرجوح على الراجح ، وترجيح المرجوح على الراجح ممتنع في بداهة العقل .

واحتج المنكر بأمرين :

( أحدهما ) : أن الترجيح لو اعتبر في الأمارات لاعتبر في البينات والحكومات ؛ لأنه لو اعتبر لكانت العلة في اعتباره ترجيح الأظهر على الظاهر ، وهذا المعنى قائم هنا .

( الثاني ) : أن قوله - تعالى - : فاعتبروا يا أولي الأبصار وقوله - صلى الله عليه وآله وسلم - نحن نحكم بالظاهر . يقتضي إلغاء زيادة الظن .

والجواب عن الأول والثاني : أن ما ذكرتموه دليل ظني ، وما ذكرناه قطعي ، والظني لا يعارض القطعي انتهى .

وما ذكره من الأحاديث هاهنا صحيح ، إلا حديث : ما رآه المسلمون حسنا وحديث " نحن نحكم بالظاهر " فلا أصل لهما ، لكن معناهما صحيح ، وقد ورد في أحاديث أخر ما يفيد ذلك كما في قوله - صلى الله عليه وآله وسلم - : للعباس لما قال له إنه خرج يوم بدر مكرها ، فقال : كان ظاهرك علينا وكما في قوله - صلى الله عليه [ ص: 781 ] وآله وسلم - : إنما أقضي بما أسمع وكما في أمره - صلى الله عليه وآله وسلم - بلزوم الجماعة ، وذم من خرج عنها وأمره بلزوم السواد الأعظم .


ويجاب عما ذكره المنكرون بجواب أحسن مما ذكره ، أما عن الأول : فيقال : نحن نقول بموجب ما ذكرتم فإذا ظهر الترجيح لإحدى البينتين على الأخرى ، أو لأحد الحكمين على الآخر ، كان العمل على الراجح .

وأما عن الثاني فيقال : لا دلالة على محل النزاع في الآية ، بوجه من الوجوه ، وأما قوله : نحن نحكم بالظاهر ( فلم يبق ) الظاهر ظاهرا بعد وجود ما هو أرجح منه .

إظهار التشكيل | إخفاء التشكيل
مسألة: الجزء الثاني التحليل الموضوعي
أنه لا يمكن التعارض بين دليلين قطعيين اتفاقا ، سواء كانا عقليين ، أو نقليين ، هكذا حكى الاتفاق الزركشي في البحر .

قال الرازي في المحصول : الترجيح لا يجوز في الأدلة اليقينية ؛ لوجهين :

( الأول ) : أن شرط اليقيني أن يكون مركبا من مقدمات ضرورية ، أو لازمة عنها لزوما ضروريا ، إما بواسطة واحدة ، أو وسائط ، شأن كل واحدة منها ذلك ، وهذا لا يتأتى إلا عند اجتماع علوم أربعة :

( الأول ) : العلم الضروري بحقية المقدمات ، إما ابتداء أو انتهاء .

( والثاني ) : العلم الضروري ( بصحة تركيبها .

( والثالث ) : العلم الضروري بلزوم النتيجة عنها .

( والرابع ) : العلم الضروري ) بأن ما يلزم عن الضروري لزوما ضروريا فهو ضروري .

فهذه العلوم الأربعة يستحيل حصولها في النقيضين معا ، وإلا لزم القدح في الضروريات ، وهو سفسطة ، وإذا علم ثبوتها امتنع التعارض .

[ ص: 782 ] ( الثاني ) الترجيح عبارة عن التقوية ، والعلم اليقيني لا يقبل التقوية ؛ لأنه إن قارنه احتمال النقيض ، ولو على أبعد الوجوه ، كان ظنا لا علما ، وإن لم يقارنه ذلك لم يقبل التقوية . انتهى .

وقد جعل أهل المنطق شروط التناقض في القضايا الشخصية ثمانية : اتحاد الموضوع ، والمحمول والإضافة والكل ، والجزء ، في القوة والفعل ، وفي الزمان ، والمكان .

وزاد بعض المتأخرين ( تاسعا ) وهو : اتحادهما في الحقيقة والمجاز ، نحو قوله - تعالى - : وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ورد هذا بعضهم بأنه راجع إلى وحدة الإضافة ، أي تراهم بالإضافة إلى أهوال يوم القيامة سكارى ، مجازا ، وما هم بسكارى ، بالإضافة إلى الخمر .

ومنهم من رد الثمانية إلى ثلاثة : الاتحاد في الموضوع والمحمول والزمان .

ومنهم من ردها إلى اثنين : الاتحاد في الموضوع ، والمحمول ، ولاندراج وحدة الزمان تحت وحدة المحمول .

ومنهم من ردها إلى أمر واحد ، وهو الاتحاد في النسبة .

وهذه الشروط على هذا الاختلاف فيها لا يخص الضروريات ، وإنما ذكرناها هاهنا لمزيد الفائدة بها .

ومما لا يصح التعارض فيه إذا كان أحد المتناقضين قطعيا ، والآخر ظنيا ؛ لأن الظن ينتفي بالقطع بالنقيض ، وإنما يتعارض الظنيان ، سواء كان المتعارضان نقليين ، أو عقليين ، أو كان أحدهما نقليا ، والآخر عقليا ، ويكون الترجيح بينهما بما سيأتي .

وقد منع جماعة وجود دليلين ينصبهما الله - تعالى - في مسألة ، متكافئين في نفس الأمر ، بحيث لا يكون لأحدهما مرجح ، وقالوا : لا بد أن يكون أحدهما أرجح من الآخر في نفس الأمر ، وإن جاز خفاؤه على بعض المجتهدين ، ولا يجوز تعارضهما في نفس الأمر ، من كل وجه .

قال إلكيا وهو الظاهر من مذهب عامة الفقهاء ، وبه قال العنبري .

[ ص: 783 ] وقال ابن السمعاني : وهو مذهب الفقهاء ونصره ، وحكاه الآمدي عن أحمد بن حنبل عن أحمد القاضي وأبو الخطاب من أصحابه ، وإليه ذهب أبو علي ، وأبو هاشم عن القاضي أبي بكر الباقلاني .

قال إلكيا وهو المنقول عن الشافعي ، وقرره الصيرفي في شرح الرسالة فقال قد صرح الشافعي بأنه لا يصح عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أبدا حديثان صحيحان متضادان ينفي أحدهما ما يثبته الآخر من غير جهة الخصوص ، والعموم والإجمال والتفسير إلا على وجه النسخ ، وإن لم يجده ، انتهى . وفصل القاضي من الحنابلة بين مسائل الأصول فيمتنع ، وبين مسائل الفروع فيجوز .

وحكى الماوردي والروياني عن الأكثرين أن التعارض على جهة التكافؤ ، في نفس الأمر ، بحيث لا يكون أحدهما أرجح من الآخر جائز وواقع .

وقال القاضي أبو بكر ، والأستاذ أبو منصور ، والغزالي ، وابن الصباغ : الترجيح بين الظواهر المتعارضة إنما يصح على قول من قال : إن المصيب في الفروع واحد ، وأما القائلون : بأن كل مجتهد مصيب ، فلا معنى لترجيح ظاهر على ظاهر ؛ لأن الكل صواب عنده .

واختار الفخر الرازي ، وأتباعه ، أن تعادل الأمارتين على حكم واحد في فعلين متباينين جائز وواقع ، وأما تعارضهما متباينين في فعل واحد ، كالإباحة والتحريم ، فإنه جائز عقلا ممتنع شرعا .

ص: 785 ] المبحث الثالث

في وجوه الترجيح بين المتعارضين

لا في نفس الأمر ، بل في الظاهر

وقد قدمنا في المبحث الأول أنه متفق عليه ، ولم يخالف في ذلك إلا من لا يعتد به .

ومن نظر في أحوال الصحابة والتابعين وتابعيهم ومن بعدهم ، وجدهم متفقين على العمل بالراجح وترك المرجوح ، وقد سمى بعضهم هذا المخالف في العمل بالترجيح فقال هو البصري الملقب بـ " جعل " كما حكاه القاضي ، واستبعد الإبياري وقوع ذلك من مثله ، وعلى كل حال فهو مسبوق بالإجماع على استعمال الترجيح في كل طبقة من طبقات أهل الإسلام .

وشرط القاضي في الترجيح شرطا غير ما قد ذكرناه في المبحث الأول ، فقال : لا يجوز العمل بالترجيح المظنون ؛ لأن الأصل امتناع العمل بشيء من الظنون ، وخرج من ذلك الظنون المستقلة بأنفسها ؛ لانعقاد إجماع الصحابة عليها ، وما وراء ذلك يبقى على الأصل ، والترجيح عمل بظن لا يستقل بنفسه دليلا .

وأجيب عنه : بأن الإجماع انعقد على وجوب العمل بالظن الذي لا يستقل كما انعقد على المستقل .

ومن شروط الترجيح التي لا بد من اعتبارها أن لا يمكن الجمع بين المتعارضين بوجه مقبول ، فإن أمكن ذلك تعين المصير ، ولم يجز المصير إلى الترجيح .

قال في المحصول : العمل بكل منهما من وجه أولى من العمل بالراجح من كل وجه ، وترك الآخر . انتهى .

وبه قال الفقهاء جميعا .

[ ص: 786 ] واعلم أن الترجيح قد يكون باعتبار الإسناد ، وقد يكون باعتبار المتن ، وقد يكون باعتبار المدلول ، وقد يكون باعتبار أمر خارج ، فهذه أربعة أنواع .

والنوع الخامس : الترجيح بين الأقيسة .

والنوع السادس : الترجيح بين الحدود السمعية .

( النوع الأول ) : الترجيح باعتبار الإسناد وله صور :

( الصورة الأولى ) : الترجيح بكثرة الرواة ، فيرجع ما رواته أكثر على رواته أقل ؛ لقوة الظن به ، وإليه ذهب الجمهور .

وذهب الشافعي في القديم إلى أنهما سواء ، وشبهه بالشهادات ، وبه قال الكرخي .

قال إمام الحرمين : إن لم يمكن الرجوع إلى دليل آخر قطع باتباع الأكثر ، فإنه أولى من الإلغاء ؛ لأنا نعلم أن الصحابة لو تعارض لهم خبران هذه صفتهما لم يعطلوا الواقعة ، بل كانوا يقدمون هذا .

قال : وأما إذا كان في المسألة قياس ، وخبران متعارضان ، كثرت رواة أحدهما ، فالمسألة ظنية ، والاعتماد على ما يؤدي إليه اجتهاد الناظر .

وفي المسألة قول رابع صار إليه القاضي ، والغزالي ، وهو أن الاعتماد على ما غلب ظن المجتهد ، فرب عدل أقوى في النفس من عدلين ؛ لشدة يقظته وضبطه انتهى .

وهذا صحيح ، لكن المفروض في الترجيح بالكثرة ، وهو كون الأكثر من الرواة مثل الأقل في وصف العدالة ونحوها .

قال ابن دقيق العيد : وهو مرجح من أقوى المرجحات ، فإن الظن يتأكد عند ترادف الروايات ؛ ولهذا يقوى الظن إلى أن يصير العلم به متواترا . انتهى .

أما لو تعارضت الكثرة من جانب ، والعدالة من الجانب الآخر ، ففيه قولان :

( أحدهما ) : ترجيح الكثرة .

[ ص: 787 ] ( وثانيهما ) ترجيح العدالة ، فإنه رب عدل يعدل ألف رجل في الثقة ، كما قيل : إن شعبة بن الحجاج كان يعدل مائتين وقد كان الصحابة يقدمون رواية الصديق على رواية غيره .

( النوع الثاني ) : أنه يرجح ما كانت الوسائط فيه قليلة ، وذلك بأن يكون إسناده عاليا ؛ لأن الخطأ والغلط فيما كانت وسائطه أقل ، دون ما كانت وسائطه أكثر .

( النوع الثالث ) : أنها ترجح رواية الكبير على رواية الصغير ؛ لأنه أقرب إلى الضبط ، إلا أن يعلم أن الصغير مثله في الضبط ، أو أكثر ضبطا منه .

( النوع الرابع ) : أنها ترجح رواية من كان فقيها على من لم يكن كذلك ؛ لأنه أعرف بمدلولات الألفاظ .

( النوع الخامس ) : أنها ترجح رواية من كان عالما باللغة العربية ؛ لأنه أعرف بالمعنى ممن لم يكن كذلك .

( النوع السادس ) : أن يكون أحدهما أوثق من الآخر .

( النوع السابع ) : أن يكون أحدهما أحفظ من الآخر .

( النوع الثامن ) : أن يكون أحدهما من الخلفاء الأربعة دون الآخر .

( النوع التاسع ) : أن يكون أحدهما متبعا والآخر مبتدعا .

( النوع العاشر ) : أن يكون أحدهما صاحب الواقعة ؛ لأنه أعرف بالقصة .

( النوع الحادي عشر ) : أن يكون أحدهما مباشرا لما رواه دون الآخر .

( النوع الثاني عشر ) : أن يكون أحدهما كثير المخالطة للنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - دون الآخر ؛ لأن المخالطة تقتضي زيادة في الاطلاع .

( النوع الثالث عشر ) : أن يكون أحدهما أكثر ملازمة للمحدثين من الآخر .

( النوع الرابع عشر ) : أن يكون أحدهما قد طالت صحبته للنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - دون الآخر .

( النوع الخامس عشر ) : أن يكون أحدهما قد ثبتت عدالته بالتزكية ، والآخر بمجرد الظاهر .

[ ص: 788 ] ( النوع السادس عشر ) أن يكون أحدهما قد ثبتت عدالته بالممارسة والاختبار ، والآخر بمجرد التزكية ، فإنه ليس الخبر كالمعاينة .

( النوع السابع عشر ) : أن يكون أحدهما قد وقع الحكم بعدالته دون الآخر .

( النوع الثامن عشر ) : أن يكون أحدهما قد عدل مع ذكر أسباب التعديل ، والآخر عدل بدونها .

( النوع التاسع عشر ) : أن يكون المزكون لأحدهما أكثر من المزكين للآخر .

( النوع العشرون ) : أن يكون المزكون لأحدهما أكثر بحثا عن أحوال الناس من المزكين للآخر .

( النوع الحادي والعشرون ) : أن يكون المزكون لأحدهما أعلم من المزكين للآخر ؛ لأن مزيد العلم له مدخل في الإصابة .

( النوع الثاني والعشرون ) : أن يكون أحدهما قد حفظ اللفظ ، فهو أرجح ممن روى المعنى ، أو اعتمد على الكتابة ، وقيل : إن رواية من اعتمد على الكتابة أرجح من رواية من اعتمد على الحفظ .

( النوع الثالث والعشرون ) : أن يكون أحدهما أسرع حفظا من الآخر ، وأبطأ نسيانا منه ، فإنه أرجح ، أما لو كان أحدهما أسرع حفظا ، وأسرع نسيانا ، والآخر أبطأ حفظا ، وأبطأ نسيانا ، فالظاهر أن الآخر أرجح من الأول ؛ لأنه يوثق بما حفظه ورواه وثوقا زائدا على ما رواه الأول .

( النوع الرابع والعشرون ) : أنها ترجح رواية من يوافق الحفاظ على رواية من يتفرد عنهم في كثير من رواياته .

( النوع الخامس والعشرون ) : أنها ترجح رواية من دام حفظه وعقله ، ولم يختلط على من اختلط في آخر عمره ، ولم يعرف هل روى الخبر حال سلامته أو حال اختلاطه .

( النوع السادس والعشرون ) : أنها ترجح رواية من كان أشهر بالعدالة والثقة من الآخر ؛ لأن ذلك يمنعه من الكذب .

( النوع السابع والعشرون ) : أنها ترجح رواية من كان مشهور النسب على من لم [ ص: 789 ] يكن مشهورا ؛ لأن احتراز المشهور عن الكذب أكثر .

( النوع الثامن والعشرون ) : أن يكون أحدهما معروف الاسم ، ولم يلتبس اسمه باسم أحد من الضعفاء على من يلتبس اسمه باسم ضعيف .

( النوع التاسع والعشرون ) : أنها ترجح رواية من ( تحمل بعد البلوغ على رواية من تحمل قبل البلوغ .

( النوع الثلاثون ) : أنها ترجح رواية من ) تأخر إسلامه على من تقدم إسلامه ؛ لاحتمال أن يكون ما رواه من تقدم إسلامه منسوخا ، هكذا قال الشيخ أبو إسحاق الشيرازي ، وابن برهان ، والبيضاوي ، وقال الآمدي بعكس ذلك .

( النوع الحادي والثلاثون ) : أنها ترجح رواية الذكر على الأنثى ؛ لأن الذكور أقوى فهما ، وأثبت حفظا ، وقيل : لا تقدم .

( النوع الثاني والثلاثون ) : أنها تقدم رواية الحر على العبد ؛ لأن تحرزه عن الكذب أكثر وقيل : لا تقدم .

( النوع الثالث والثلاثون ) : أنها تقدم رواية من ذكر سبب الحديث على من لم يذكر سببه .

( النوع الرابع والثلاثون ) : أنها تقدم رواية من لم يختلف الرواة عليه على من اختلفوا عليه .

( النوع الخامس والثلاثون ) : أن يكون أحدهما أحسن استيفاء للحديث من الآخر ، فإنها ترجح روايته .

( النوع السادس والثلاثون ) : أنها تقدم رواية من سمع شفاها على من سمع من وراء حجاب .

( النوع السابع والثلاثون ) : أن يكون أحد الخبرين بلفظ " حدثنا " أو أخبرنا فإنه أرجح من لفظ " أنبأنا " ونحوه ، قيل : ويرجح لفظ " حدثنا " على لفظ " أخبرنا " .

( النوع الثامن والثلاثون ) : أنها تقدم رواية من سمع من لفظ الشيخ على رواية من [ ص: 790 ] سمع بالقراءة عليه .

( النوع التاسع والثلاثون ) : أنها تقدم رواية من روى بالسماع على رواية من روى بالإجازة .

( النوع الأربعون ) : أنها تقدم رواية من روى المسند على رواية من روى المرسل .

( النوع الحادي والأربعون ) : أنها تقدم الأحاديث التي في الصحيحين على الأحاديث الخارجة عنهما .

( النوع الثاني والأربعون ) : أنها تقدم رواية من لم ينكر عليه على رواية من أنكر عليه .

( واعلم ) : أن وجوه الترجيح كثيرة ، وحاصلها أن ما كان أكثر إفادة للظن فهو راجح ، فإن وقع التعارض في بعض هذه المرجحات ، فعلى المجتهد أن يرجح بين ما تعارض منها .

وأما المرجحات باعتبار المتن فهي أنواع :

( النوع الأول ) : أن يقدم الخاص على العام ، كذا قيل ، ولا يخفاك أن تقديم الخاص على العام بمعنى العمل به فيما تناوله ، والعمل بالعام فيما بقي ليس من باب الترجيح ، بل من باب الجمع ، وهو مقدم على الترجيح .

( النوع الثاني ) : أنه يقدم الأفصح على الفصيح ؛ لأن الظن بأنه لفظ النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أقوى .

وقيل : لا يرجح بهذا ؛ لأن البليغ يتكلم بالأفصح والفصيح .

( النوع الثالث ) : أنه يقدم العام الذي لم يخصص على العام الذي قد خصص ، كذا نقله إمام الحرمين عن المحققين ، وجزم به سليم الرازي ، وعللوا ذلك بأن دخول التخصيص يضعف اللفظ ، ويصير به مجازا ، قال الفخر الرازي : لأن الذي قد خصص قد أزيل عن تمام مسماه .

واعترض على ذلك الصفي الهندي : بأن المخصص راجح ، من حيث كونه خاصا بالنسبة إلى العام ، الذي لم يخصص ( واختار ابن المنير تقديم العام المخصوص على [ ص: 791 ] العام الذي لم يخصص ) ؛ لأن المخصوص قد قلت أفراده ، حتى قارب النص ، إذ كل عام لا بد أن يكون نصا في أقل متناولاته .

( النوع الرابع ) : أنه يقدم العام الذي لم يرد على سبب على العام الوارد على سبب ، كذا قال إمام الحرمين في البرهان ، وإلكيا ، والشيخ أبو إسحاق الشيرازي في اللمع وسليم الرازي في التقريب والرازي في المحصول قالوا : لأن الوارد على غير سبب متفق على عمومه ، والوارد على سبب مختلف في عمومه .

قال الصفي الهندي : ومن المعلوم أن هذا الترجيح إنما يتأتى بالنسبة إلى ذلك السبب ، وأما بالنسبة إلى سائر الأفراد المندرجة تحت العامين . فلا انتهى .

وفيه نظر ، لأن الخلاف في عموم الوارد على سبب هو كائن في سائر الأفراد .

( النوع الخامس ) : أنها تقدم الحقيقة على المجاز ؛ لتبادرها إلى الذهن ، هذا إذا لم يغلب المجاز .

( النوع السادس ) : أنه يقدم المجاز الذي هو أشبه بالحقيقة على المجاز الذي لم يكن كذلك .

( النوع السابع ) : أنه يقدم ما كان حقيقة شرعية ، أو عرفية على ما كان حقيقة لغوية ، قال في المحصول : وهذا ظاهر في اللفظ الذي قد صار شرعيا ، لا فيما لم يكن كذلك ، كذا قال ، ولا يخفى أن الكلام فيما صار شرعيا ، لا فيما لا يثبت كونه شرعيا ، فإنه خارج عن هذا .

( النوع الثامن ) : أنه يقدم ما كان مستغنيا عن الإضمار في دلالته على ما هو مفتقر إليه .

( النوع التاسع ) : أنه يقدم الدال على المراد من وجهين على ما كان دالا على المراد من وجه واحد .

( النوع العاشر ) : أنه يقدم ما دل على المراد بغير واسطة على ما دل عليه بواسطة .

( النوع الحادي عشر ) : أنه يقدم ما كان فيه الإيماء إلى علة الحكم على ما لم يكن [ ص: 792 ] كذلك ؛ لأن دلالة المعلل أوضح من دلالة ما لم يكن معللا .

( النوع الثاني عشر ) : أنه يقدم ما ذكرت فيه العلة متقدمة على ما ذكرت فيه العلة متأخرة ، وقيل : العكس .

( النوع الثالث عشر ) : أنه يقدم ما ذكر فيه معارضة على ما لم يذكر ، كقوله : كنت نهيتكم عن زيارة القبور ، فزوروها على الدال على تحريم الزيارة مطلقا .

( النوع الرابع عشر ) : أنه يقدم المقرون بالتهديد على ما لم يقرن به .

( النوع الخامس عشر ) : أن يقدم المقرون بالتأكيد على ما لم يقرن به .

( النوع السادس عشر ) : أنه يقدم ما كان مقصودا به البيان على ما لم يقصد به .

( النوع السابع عشر ) : أن يقدم مفهوم الموافقة على مفهوم المخالفة ، وقيل : بالعكس ، وقيل : لا يرجح أحدهما على الآخر والأول أولى .

( النوع الثامن عشر ) : أنه يقدم النهي على الأمر .

( النوع التاسع عشر ) : أنه يقدم النهي على الإباحة .

( النوع العشرون ) : أنه يقدم الأمر على الإباحة .

( النوع الحادي والعشرون ) : أنه يقدم الأقل احتمالا على الأكثر احتمالا .

( النوع الثاني والعشرون ) : أنه يقدم المجاز على المشترك .

( النوع الثالث والعشرون ) : أنه يقدم الأشهر في الشرع ، أو اللغة ، أو العرف على غير الأشهر فيها .

( النوع الرابع والعشرون ) : أنه يقدم ما يدل بالاقتضاء على ما يدل بالإشارة وعلى ما يدل بالإيماء وعلى ما يدل بالمفهوم ، موافقة ومخالفة .

( النوع الخامس والعشرون ) : أنه يقدم ما يتضمن تخصيص العام على ما يتضمن تأويل الخاص ؛ لأنه أكثر .

( النوع السادس والعشرون ) : أنه يقدم المقيد على المطلق .

[ ص: 793 ] ( النوع السابع والعشرون ) : أنه يقدم ما كانت صيغة عمومه بالشرط الصريح ، على ما كان صيغة عمومه بكونه نكرة في سياق النفي ، أو جمعا معرفا ، أو مضافا ونحوهما .

( النوع الثامن والعشرون ) : أنه يقدم الجمع المحلى ، والاسم الموصول على اسم الجنس المعرف باللام ، لكثرة استعماله في المعهود ، فتصير دلالته أضعف ، على خلاف معروف في هذا ، وفي الذي قبله .

Cant See Links





رد مع اقتباس
قديم 06-11-2010, 06:14 PM   رقم المشاركة : 6
الكاتب

أفاق الفكر

مراقب

مراقب

أفاق الفكر غير متواجد حالياً


الملف الشخصي








أفاق الفكر غير متواجد حالياً


رد: ٍاصول الفقه في سؤال وجواب


بِـسمِ اللهِ الرَّحَمنِ الرَّحِيمِ

أصول الفقه

" وَيسأَلونَكَ عَـنْ الـرُّوحِ قُـل الـرُّوحُ مِـن أَمـرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُـم مِـنْ الـعِلمِ إِلا قَليلاً "

الآية رقم 85 سورة الإسراء

أهمية البحث :-

ترجع أهمية البحث في دراسة أصول الفقه الديني للوقوف على كيفية تحليل وإخراج الحكم الشرعي للأمور الدينية التي تهم المرء المسلم ليحاسب نفسه قبل أن يحاسب .

هدف البحث :-

وضع خطة البحث على مرحلتين هامتين إحداهما: تمهيدية وهي ما تسمى بمرحلة السطح. والأخرى: المرحلة العالية وهي ما تسمى بمرحلة الخارج.

مصادر البحث :-

اعتمدت في كتابه البحث عن عدة كتب استعرتها من المكتبة وبعض المقالات المأخوذة من الانترنت لدراسة علم الأصول من أكثر من جانب وبيان أهميته لنا كمجتمع إسلامي .

منهجية البحث :-

اتبعت في دراسة علم الأصول على منهج الوصف والتحليل وبداية نتعرف على تعريف علم الأصول وموضوعه ومنطق الفقه واللغة فيه وأهميته ، ثم بدأت في تقسيم الحكم الشرعي ثم الحديث عن بحوث علم الأصول .

فرضيات الدراسة والتساؤلات :-

هناك عدة أسئلة ستطرح في هذا البحث :-

حينما يتناول الفقيه مسألة كمسألة الإقامة للصلاة ، ويحاول استنباط حكمها يتساءل في البداية: ما هو نوع الحكم الشرعي المتعلق بالإقامة؟ فإن حصل على دليل يكشف عن نوع الحكم الشرعي للإقامة كان عليه أن يحدد موقفه العملي واستنباطه على أساسه، فيكون استنباطا قائما على أساس الدليل. وإن لم يحصل الفقيه على دليل يعين نوع الحكم الشرعي المتعلق بالإقامة فسوف يظل الحكم الشرعي مجهولا للفقيه وفي هذه الحالة يستبدل الفقيه سؤاله الأول الذي طرحه في البداية سؤال جديد كما يلي: ما هي القواعد التي تحدد الموقف العملي تجاه الحكم الشرعي المجهول؟ وهذه القواعد تسمى بالأصول العملية، ومثالها أصالة البراء‌ة، وهي القاعدة القائلة أن كل إيجاب أو تحريم مجهول لم يقم عليه دليل فلا أثر له على سلوك الإنسان وليس الإنسان ملزما بالاحتياط من ناحيته والتقييد به، ويقوم الاستنباط في هذه الحالة على أساس الأصل العملي بدلا عن الدليل والفرق بين الأصل والدليل أن الأصل لا يحرز الواقع وإنما يحدد الوظيفة العملية تجاهه وهو نحو من الاستنباط ولأجل هذا يمكننا تنويع عملية الاستنباط إلى نوعين: أحدهما الاستنباط القائم على أساس الدليل، كالاستنباط المستمد من نص دال على الحكم الشرعي، والآخر الاستنباط القائم على أساس الأصل العملي كالاستنباط المستمد من أصالة البراء‌ة.

المقدمة : -
إن الحمد لله نحمده ولا نجحده ونشكره ولا نكفره ونستعين به ونستنصره ونستهديه ونستغفره وصلاة وسلامًا على المبعوث رحمة للعالمين محمد e ورضوان الله على أصحابه والتابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد:

فإن الدراسات العلمية لعلم أصول الفقه تمر في مناهج الحوزة عادة بمرحلتين، أحداهما: تمهيدية وهي ما تسمى بمرحلة السطح. والأخرى: المرحلة العالية وهي ما تسمى بمرحلة الخارج.

وتتخذ هذه الدراسة في مرحلتها التمهيدية أسلوب البحث في كتب معينة مؤلفة في ذلك العلم يدرسها الطالب على يد الأساتذة الأكفاء ليتهيأ من خلال ذلك لحضور أبحاث الخارج. وقد جرى العرف العام على اختيار المعالم والقوانين والرسائل والكفاية كتبا دراسية للمرحلة المذكورة، وهذا عرف جرت عليه مناهج الحوزة منذ أكثر من نصف قرن ولم يطرأ تغيير ملحوظ باستثناء تضاؤل دور كتاب القوانين من بين هذه الكتب الأربعة ككتاب دراسي بالتدريج، وانصراف عدد كبير من الطلبة في الفترة الأخيرة عن دراسته، واستبداله بكتاب أصول الفقه كحلقة وسيطة بين المعالم وكتابي الرسائل والكفاية.

والحقيقة أن الكتب الأربعة لها مقامها العلمي، وهي على العموم تعتبر حسب مراحلها التاريخية كتبا تجديدية ساهمت إلى درجة كبيرة في تطوير الفكر العلمي الأصولي على اختلاف درجاتها في هذه المساهمة، وقد يكون اختيار هذه الكتب الأربعة كتبا دراسية نتيجة عامل مشترك وهو ما أثاره كل واحد منها عند صدوره من شعور عميق لدى العلماء بأهميته العلمية وما اشتمل عليه من أفكار ونكات، هذا إضافة إلى ما تميزت به بعض تلك الكتب من إيجاز للمطالب وضغط في العبارة كالكفاية مثلا.

وقد أدت هذه الكتب الأربعة دورا جليلا في هذا المضمار، وتخرج من حلقاتها الدراسية خلال نصف قرن الآلاف من الطلبة الذين وجدوا فيها سلمهم إلى أبحاث الخارج. ولا يسعنا في هذا المجال إلا أن نستشعر - بعمق - بما لأصحاب هذه الكتب الأبرار قدس الله أسرارهم الزكية من فضل عظيم على الحوزة ومسيرتها العلمية.

هذا ونسأل المولى سبحانه وتعالى أن يتقبل هذا البحث بلطفه وينفع به إخواننا الطلاب الأعزاء في الحوزات العلمية وأن ينفعنا به يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم والحمد لله رب العالمين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.


تعريف علم الأصول:

وعلى هذا الأساس نرى أن يعرف علم الأصول بأنه " العلم بالعناصر المشتركة في عملية استنباط الحكم الشرعي ".

ولكي نستوعب هذا التعريف يجب أن نعرف ما هي العناصر المشتركة في عملية الاستنباط. ولنذكر - لأجل ذلك - نماذج بدائية من هذه العملية في صيغ مختصرة

لكي نصل عن طريق دراسة هذه النماذج والمقارنة بينها إلى فكرة العناصر المشتركة في عملية الاستنباط.

افرضوا أن فقيها واجه هذه الأسئلة:

1 - هل يحرم على الصائم أن يرتمس في الماء؟

2 - هل يجب على الشخص إذا ورث مالا من أبيه أن يؤدي خمسه؟

3 - هل تبطل الصلاة بالقهقهة في أثنائها؟

فإذا أراد الفقيه أن يجيب على هذه الأسئلة فإنه سوف يجيب على السؤال الأول مثلا بالإيجاب وأنه يحرم الارتماس على الصائم ويستنبط ذلك بالطريقة التالية: قد دلت رواية يعقوب بن شعيب عن الإمام الصادق (عليه السلام) على حرمة الارتماس على الصائم فقد جاء فيها أنه قال: لا يرتمس المحرم في الماء ولا الصائم.

والجملة بهذا التركيب تدل في العرف العام على الحرمة وراوي النص يعقوب بن شعيب ثقة والثقة وإن كان قد يخطى أو يشذ أحيانا ولكن الشارع أمرنا بعدم اتهام الثقة بالخطأ أو الكذب واعتبره حجة، والنتيجة هي أن الارتماس حرام.

ويجيب الفقيه على السؤال الثاني بالنفي لان رواية علي بن مهزيار جاء‌ت في مقام تحديد الأموال التي يجب فيها الخمس وورد فيها أن الخمس ثابت في الميراث الذي لا يحتسب من غير أب ولا ابن، والعرف العام يفهم من هذه الجملة أن الشارع لم يجعل خمسا على الميراث الذي ينتقل من الأب إلى ابنه، والراوي ثقة وخبر الثقة حجة، والنتيجة هي أن الخمس في تركة الأب غير واجب.

ويجيب الفقيه على السؤال الثالث بالإيجاب بدليل رواية زرارة عن الإمام الصادق أنه قال: " القهقهة لا تنقض الوضوء وتنقض الصلاة " والعرف العام يفهم من النقض أن الصلاة تبطل بها وزرارة ثقة وخبر الثقة حجة، فالصلاة مع القهقهة باطلة إذن.

وبملاحظة هذه المواقف الفقهية الثلاثة نجد أن الأحكام التي استنبطها الفقيه كانت من أبواب شتى من الفقه، وأن الأدلة التي استند إليها الفقيه مختلفة، فبالنسبة إلى الحكم الأول استند إلى رواية يعقوب بن شعيب، وبالنسبة إلى الحكم الثاني استند إلى رواية علي ابن مهزيار، وبالنسبة إلى الحكم الثالث استند إلى رواية زرارة ولكل من الروايات الثلاث متنها وتركيبها اللفظي الخاص الذي يجب أن يدرس بدقة ويحدد معناه، ولكن توجد في مقابل هذا التنوع وهذه والاختلافات بين المواقف الثلاثة عناصر مشتركة أدخلها الفقيه في عمليه الاستنباط في المواقف الثلاثة جميعا.

فمن تلك العناصر المشتركة الرجوع إلى العرف العام في فهم الكلام الصادر عن المعصوم، وهو ما يعبر عنه بحجية الظهور العرفي فحجية الظهور إذن عنصر مشترك في عمليات الاستنباط الثلاث، وكذلك يوجد عنصر مشترك آخر وهو حجية خبر الثقة. وهكذا نستنتج أن عمليات الاستنباط تشتمل على عناصر مشتركة كما تشتمل على عناصر خاصة، ونعني بالعناصر الخاصة تلك العناصر التي تتغير من مسألة إلى أخرى فرواية يعقوب بن شعيب عنصر خاص في عملية استنباط حرمة الارتماس لأنها لم تدخل في عمليات الاستنابط الأخرى بل دخلت بدلا عنها عناصر خاصة أخرى كرواية علي بن مهزيار ورواية زرارة.

ونعني بالعناصر المشتركة القواعد العامة التي تدخل في عمليات استنباط أحكام عديدة في أبواب مختلفة. وفي علم الأصول تدرس العناصر المشتركة وفي علم الفقه تدرس العناصر الخاصة في كل مسألة. وهكذا يترك للفقيه في كل مسألة أن يفحص بدقة الروايات والمدارك الخاصة التي ترتبط بتلك المسألة ويدرس قيمة تلك الروايات ويحاول فهم ألفاظها وظهورها العرفي وأسانيدها بينما يتناول الأصول البحث عن حجية الظهور وحجية الخبر وهكذا.

وعلم الأصول لا يحدد العناصر المشتركة فحسب بل يحدد أيضا درجات استعمالها والعلاقة بينها .

موضوع علم الأصول:

لكل علم - عادة - موضوع أساسي ترتكز جميع بحوثه عليه وتدور حوله وتستهدف الكشف عما يرتبط بذلك الموضوع من خصائص وحالات وقوانين، فالفيزياء مثلا موضوعها الطبيعة وبحوث الفيزياء ترتبط كلها بالطبيعة وتحاول الكشف عن حالاتها وقوانينها العامة. والنحو موضوعه الكلمة لأنه يبحث عن حالات إعرابها وبنائها رفعها ونصبها.

فما هو موضوع علم الأصول الذي تدور حوله بحوثه؟.

ونحن إذا لاحظنا التعريف الذي قدمناه لعلم الأصول استطعنا أن نعرف أن علم الأصول يدرس في الحقيقة الأدلة المشتركة في علم الفقه لإثبات دليلها، وبهذا صح القول بأن موضوع علم الأصول هو الأدلة المشتركة في عملية الاستنباط.

أهمية علم الأصول في عملية الاستنباط :

ولسنا بعد ذلك بحاجة إلى التأكيد على أهمية علم الأصول وخطورة دوره في عالم الاستنباط لأنه ما دام يقدم لعملية الاستنباط عناصرها المشتركة ويضع لها نظامها العام فهو عصب الحياة فيها، وبدون علم الأصول يواجه الشخص في الفقه ركاما متناثرا من النصوص والأدلة دون أن يستطيع استخدامها والاستفادة منها في الاستنباط، كإنسان يواجه أدوات النجارة ويعطى منشارا وفأسا وما إليها من أدوات دون أن يملك أفكارا عامة عن عملية النجارة وطريقة استخدام تلك الأدوات.

وكما أن العناصر المشتركة ضرورية لعملية الاستنباط فكذلك العناصر الخاصة التي تختلف من مسألة إلى أخرى كمفردات الآيات والروايات المتناثرة فإنها الجزء الضروري الآخر فيها، فلا يكفي مجرد الإطلاع على العناصر المشتركة التي يمثلها علم الأصول ومن يحاول الاستنباط على أساس الإطلاع الأصولي فحسب نظير من يملك معلومات نظرية عامة عن عملية النجارة ولا يوجد لديه فأس ولا منشار وما إليهما من أدوات النجارة فكما يعجز هذا عن صنع سرير خشبي مثلا كذلك يعجز الأصولي عن الاستنباط إذ لم يفحص بدقة العناصر الخاصة المتغيرة من مسألة إلى أخرى.

فالعناصر المشتركة والعناصر الخاصة قطبان مندمجان في عملية الاستنباط ولا غنى للعملية عنهما معا.

جواز عملية الاستنباط :

ما دام علم الأصول يرتبط بعملية الاستنباط ويحدد عناصرها المشتركة فيجب أن نعرف قبل كل شيء موقف الشريعة من هذه العملية، فهل سمح الشارع لأحد بممارستها لكي يوجد مجال لوضع علم لدراسة عناصرها المشتركة؟

يجيب الجواب على البداهة بالإيجاب، لان عملية الاستنباط كما تقدم عبارة عن تحديد الموقف العملي تجاه الشريعة تحديدا استدلاليا، ومن البديهي أن الإنسان بحكم تبعيته للشريعة ملزم بتحديد موقفه العملي منها، ولما لم تكن أحكام الشريعة غالبا في البداهة والوضوح بدرجة تغني عن إقامة الدليل، فليس من المعقول أن يحرم على الناس جميعا تحديد الموقف العملي تحديدا استدلاليا.

الحكم الشرعي وتقسيمه:

عرفنا أن علم الأصول يدرس العناصر المشتركة في عملية استنباط الحكم الشرعي، ولأجل ذلك يجب أن نكون فكرة عامة منذ البدء عن الحكم الشرعي الذي يقوم علم الأصول بتحديد العناصر المشتركة في عملية استنباطه.

الحكم الشرعي هو: التشريع الصادر من الله تعالى لتنظيم حياة الإنسان. والخطابات الشرعية في الكتاب والسنة مبرزة للحكم وكاشفة عنه، وليست هي الحكم الشرعي نفسه.

وعلى هذا الضوء يكون من الخطأ تعريف الحكم الشرعي بالصيغة المشهورة بين قدماء الأصوليين، إذ يعرفونه بأنه الخطاب الشرعي المتعلق بأفعال المكلفين، فإن الخطاب كاشف عن الحكم والحكم هو مدلول الخطاب.

أضف إلى ذلك أن الحكم الشرعي لا يتعلق بأفعال المكلفين دائما، بل قد يتعلق بذواتهم أو بأشياء أخرى ترتبط بهم، لان الهدف من الحكم الشرعي تنظيم حياة الإنسان، وهذا الهدف كما يحصل بخطاب متعلق بأفعال المكلفين كخطاب " صل " و " صم " و " لا تشرب الخمر " كذلك يحصل بخطاب متعلق بذواتهم أو بأشياء أخرى تدخل في حياتهم من قبيل الأحكام والخطابات التي تنظم علاقة الزوجية وتعتبر المرأة زوجة للرجل في ظل شروط معينة، أو تنظيم علاقة الملكية وتعتبر الشخص مالكا للمال في ظل شروط معينه، فإن هذه الأحكام ليست متعلقة بأفعال المكلفين بل الزوجية حكم شرعي متعلق بذواتهم والملكية حكم شرعي متعلق بالمال. فالأفضل إذن استبدال الصيغة المشهور بما قلناه من أن الحكم الشرعي هو التشريع الصادر من الله لتنظيم حياة الإنسان سواء كان متعلقا بأفعال أو بذاته أو بأشياء أخرى داخلة في حياته.

تقسيم الحكم إلى تكليفي ووضعي:

وعلى ضوء ما سبق يمكننا تقسيم الحكم إلى قسمين:

أحدهما: الحكم الشرعي المتعلق بأفعال الإنسان والموجه لسلوكه مباشرة في مختلف جوانب حياته الشخصية والعبادية والعائلية والاجتماعية التي عالجتها الشريعة ونظمتها جميعا، كحرمة شرب الخمر ووجوب الصلاة ووجوب الإنفاق على بعض الأقارب، وإباحة إحياء الأرض، ووجوب العدل على الحاكم.

والآخر: الحكم الشرعي الذي لا يكون موجها مباشرا للإنسان في أفعاله وسلوكه، وهو كل حكم يشرع وضعا معينا يكون له تأثير غير مباشر في سلوك الإنسان، من قبيل الأحكام التي تنظم علاقات الزوجية، فإنها تشرع بصورة مباشرة علاقة معينة بين الرجل والمرأة وتؤثر بصورة غير مباشرة في السلوك وتوجهه لان المرأة بعد أن تصبح زوجة مثلا تلزم بسلوك معين تجاه زوجها، ويسمى هذا النوع من الأحكام بالأحكام الوضعية.

والارتباط بين الأحكام الوضعية والأحكام التكليفية وثيق، إذ لا يوجد حكم وضعي إلا ويوجد إلى جانبه حكم تكليفي، فالزوجية حكم شرعي وضعي توجد إلى جانبه أحكام تكليفية وهي وجوب إنفاق الزوج على زوجته ووجوب التمكين على الزوجة، والملكية حكم شرعي وضعي توجد إلى جانبه أحكام تكليفية من قبيل حرمة تصرف غير المالك في المال إلا بإذنه، وهكذا.

بحوث علم الأصول : تنويع البحث

حينما يتناول الفقيه مسألة كمسألة الإقامة للصلاة، ويحاول استنباط حكمها يتساءل في البداية: ما هو نوع الحكم الشرعي المتعلق بالإقامة؟

فإن حصل على دليل يكشف عن نوع الحكم الشرعي للإقامة كان عليه أن يحدد موقفه العملي واستنباطه على أساسه، فيكون استنباطا قائما على أساس الدليل. وإن لم يحصل الفقيه على دليل يعين نوع الحكم الشرعي المتعلق بالإقامة فسوف يظل الحكم الشرعي مجهولا للفقيه وفي هذه الحالة يستبدل الفقيه سؤاله الأول الذي طرحه في البداية سؤال جديد كما يلي:

ما هي القواعد التي تحدد الموقف العملي تجاه الحكم الشرعي المجهول؟

وهذه القواعد تسمى بالأصول العملية، ومثالها أصالة البراء‌ة، وهي القاعدة القائلة أن كل إيجاب أو تحريم مجهول لم يقم عليه دليل فلا أثر له على سلوك الإنسان وليس الإنسان ملزما بالاحتياط من ناحيته والتقييد به، ويقوم الاستنباط في هذه الحالة على أساس الأصل العملي بدلا عن الدليل والفرق بين الأصل والدليل أن الأصل لا يحرز الواقع وإنما يحدد الوظيفة العملية تجاهه وهو نحو من الاستنباط ولأجل هذا يمكننا تنويع عملية الاستنباط إلى نوعين: احدهما الاستنباط القائم على أساس الدليل، كالاستنباط المستمد من نص دال على الحكم الشرعي، والآخر الاستنباط القائم على أساس الأصل العملي كالاستنباط المستمد من أصالة البراء‌ة.

ولما كان علم الأصول هو العلم بالعناصر المشتركة في عملية الاستنباط فهو يزود كلا النوعين بعناصره المشتركة، وعلى هذا الأساس ننوع البحوث الأصولية إلى نوعين نتكلم في النوع الأول عن العناصر المشتركة في عملية الاستنباط التي تتمثل في أدلة محرزة للحكم، ونتكلم في النوع الثاني عن العناصر المشتركة في عملية الاستنباط التي تتمثل في أصول عملية.

1 - الدليل الشرعي:

أ - الدليل الشرعي اللفظي (الدلالة):


لما كانت دلالة الدليل اللفظي ترتبط بالنظام اللغوي العام للدلالة نجد من الراجح أن نمهد للبحث في دلالات الأدلة اللفظية بدراسة إجمالية لطبيعة الدلالة اللغوية وكيفية تكونها ونظرة عامة فيها.

ما هو الوضع والعلاقة اللغوية:

في كل لغة تقوم علاقات بين مجموعة من الألفاظ ومجموعة من المعاني، ويرتبط كل لفظ بمعنى خاص ارتباطا يجعلنا كلما تصورنا اللفظ انتقل ذهننا فورا إلى تصور المعنى وهذا الاقتران بين تصور اللفظ وتصور المعنى وانتقال الذهن من أحدهما إلى الآخر هو ما نطلق عليه اسم " الدلالة " فحين نقول: " كلمة الماء تدل على السائل الخاص " نريد بذلك أن تصور كلمة الماء يؤدي إلى تصور ذلك السائل الخاص، ويسمى اللفظ " دالا " والمعنى " مدلولا " وعلى هذا الأساس نعرف أن العلاقة بين تصور اللفظ وتصور المعنى تشابه إلى درجة ما العلاقة التي نشاهدها في حياتنا الاعتيادية بين النار والحرارة أو بين طلوع الشمس والضوء، فكما أن النار تؤدي إلى الحرارة وطلوع الشمس يؤدي إلى الضوء، كذلك تصور اللفظ يؤدي إلى تصور المعنى ولأجل هذا يمكن القول بأن تصور اللفظ سبب لتصور المعنى كما تكون النار سببا للحرارة وطلوع الشمس سببا للضوء، غير أن علاقة السببية بين تصور اللفظ وتصور والسؤال الأساسي بشأن هذه العلاقة التي توجد في اللغة بين اللفظ والمعنى هو السؤال عن مصدر هذه العلاقة وكيفية تكونها، فكيف تكونت علاقة السببية بين اللفظ والمعنى؟ وكيف أصبح تصور اللفظ سببا لتصور المعنى مع أن اللفظ والمعنى شيئان مختلفان كل الاختلاف؟ ويذكر في علم الأصول عادة اتجاهان في الجواب على هذا السؤال الأساسي، يقوم الاتجاه الأول على أساس الاعتقاد بأن علاقة اللفظ بالمعنى نابعة من طبيعة اللفظ ذاته كما نبعث علاقة النار بالحرارة من طبيعة النار ذاتها، فلفظ " الماء " مثلا له بحكم طبيعته علاقة بالمعنى الخاص الذي نفهمه منه، ولأجل هذا يؤكد هذا الاتجاه أن دلالة اللفظ على المعنى ذاتية وليست مكتسبة من أي سبب خارجي.

ويعجز هذا الاتجاه عن تفسير الموقف تفسيرا شاملا، لان دلالة اللفظ على المعنى وعلاقاته به إذا كانت ذاتية وغير نابعة من أي سبب خارجي وكان اللفظ بطبيعته يدفع الذهن البشري إلى تصور معناه فلماذا يعجز غير العربي عن الانتقال إلى تصور معنى كلمة " الماء " عند تصوره للكلمة؟ ولماذا يحتاج إلى تعلم اللغة العربية لكي ينتقل ذهنه إلى المعنى عند سماع الكلمة العربية وتصورها؟ إن هذا دليل على أن العلاقة التي تقوم في ذهننا بين تصور اللفظ وتصور المعنى ليست نابعة من طبيعة اللفظ بل من سبب آخر يتطلب الحصول عليه إلى تعلم اللغة، فالدلالة إذن ليست ذاتية.

وأما الاتجاه الآخر فينكر بحق الدلالة الذاتية، ويفترض أن العلاقات اللغوية بين اللفظ والمعنى نشأت في كل لغة على يد الشخص الأول أو الأشخاص الأوائل الذين استحدثوا تلك اللغة وتكلموا بها، فإن هؤلاء خصصوا ألفاظا معينة لمعان خاصة، فاكتسبت الألفاظ نتيجة لذلك التخصيص علاقة بتلك المعاني وأصبح كل لفظ يدل على معناه الخاص، وذلك التخصيص الذي مارسه أولئك الأوائل ونتجت عنه الدلالة يسمى ب‍ (الوضع)، ويسمى الممارس له (واضعا)، واللفظ (موضوعا)، والمعنى (موضوعا له).

والحقيقة أن هذا الاتجاه وإن كان على حق في إنكاره للدلالة الذاتية ولكنه لم يتقدم إلا خطوة قصيرة في حل المشكلة الأساسية التي لا تزال قائمة حتى بعد الفرضية التي يفترضها أصحاب هذا الاتجاه فنحن إذا افترضنا معهم أن علاقة السببية نشأت نتيجة لعمل قام به مؤسسو اللغة إذ خصصوا كل لفظ لمعنى خاص فلنا أن نتساءل منا هو نوع هذا العمل الذي قام به هؤلاء المؤسسون؟ وسوف نجد أن المشكلة لا تزال قائمة لان اللفظ والمعنى ما دام لا يوجد بينهما علاقة ذاتية ولا أي ارتباط مسبق فكيف استطاع مؤسس اللغة أن يوجد علاقة السببية بين شيئين لا علاقة بينهما؟ وهل يكفي مجرد تخصيص المؤسس للفظ وتعيينه له سببا لتصور المعنى لكي يصبح سببا لتصور المعنى حقيقة؟ وكلنا نعلم أن المؤسس وأي شخص آخر يعجز أن يعجل من حمرة الحبر الذي يكتب به سببا لحرارة الماء، ولو كرر المحاولة مائة مرة قائلا خصصت حمرة الحبر الذي أكتب به لكي تكون سببا لحرارة الماء، فكيف استطاع أن ينجح في جعل اللفظ سببا لتصور المعنى بمجرد تخصيصه لذلك دون أي علاقة سابقة بين اللفظ والمعنى؟.

وهكذا نواجه المشكلة كما كنا نواجهها، فليس يكفي لحلها أن نفسر علاقة اللفظ بالمعنى على أساس عملية يقوم بها مؤسس اللغة، بل يجب أن نفهم محتوى هذه العملية لكي نعرف كيف قامت علاقة السببية بين شيئين لم تكن بينهما علاقة. والصحيح في حل المشكلة أن علاقة السببية التي تقوم في اللغة بين اللفظ والمعنى توجد وفقا لقانون عام من قوانين الذهن البشري.

والقانون العام هو أن كل شيئين إذا اقترن تصور أحدهما مع تصور الآخر في ذهن الإنسان مرارا عديدة ولو على سبيل الصدفة قامت بينهما علاقة وأصبح أحد التصورين سببا لانتقال الذهن إلى تصور الآخر.


ومثال ذلك في حياتنا الاعتيادية أن نعيش مع صديقين لا يفترقان في مختلف شؤون حياتهما نجدهما دائما معا، فإذا رأينا بعد ذلك أحد هذين الصديقين منفردا أو سمعنا باسمه أسرع ذهننا إلى تصور الصديق الآخر، لان رؤيتهما معا مرارا كثيرا أوجد علاقة في تصورنا وهذه العلاقة تجعل تصورنا لأحدهما سببا لتصور الآخر.

وقد يكفي أن تقترن فكرة أحد الشيئيين بفكرة الآخر مرة واحدة لكي تقوم بينهما علاقة، وذلك إذا أقرنت الفكرتان في ظرف مؤثر، ومثاله إذا سافر شخص إلى بلد ومني هناك بالملاريا الشديدة ثم شفي منها ورجع فقد ينتج ذلك الاقتران بين الملاريا والسفر إلى ذلك البلد علاقة بينهما، فمتى تصور ذلك البلد انتقل ذهنه إلى تصور الملاريا.

وإذا درسنا على هذا الأساس علاقة السببية بين اللفظ والمعنى زالت المشكلة، إذا نستطيع أن نفسر هذه العلاقة بوصفها نتيجة لاقتران تصور المعنى بتصور اللفظ بصورة متكررة أو في ظرف مؤثر، الأمر الذي أدى إلى قيام علاقة بينهما كما وقع في الحالات المشار إليها.

ويبقى علينا بعد هذا أن نتساءل: كيف اقترن تصور اللفظ بمعنى خاص موارد كثيرة أو في ظرف مؤثر فأنتج قيام العلاقة اللغوية بينهما؟.

والجواب على هذا السؤال: أن بعض الألفاظ اقترنت بمعان معينة مرارا عديدة بصورة تلقائية فنشأت بينهما العلاقة اللغوية. وقد يكون من هذا القبيل كلمة (آه) إذا كانت تخرج من فم الإنسان بطبيعته كلما أحس بالألم، فارتبطت كلمة (آه) في ذهنه بفكرة الألم، فأصبح كلما سمع كلمة (آه) انتقل ذهنه إلى فكرة الألم.

ومن المحتمل أن الإنسان قبل أن توجد لديه أي لغة قد استرعي انتباهه هذه العلاقات التي قامت بين الألفاظ من قبيل (آه) ومعانيها نتيجة لاقتران تلقائي بينهما، وأخذ ينشئ على منوالها علاقات جديدة بين الألفاظ والمعاني.

وبعض الألفاظ قرنت بالمعنى في عملية واعية مقصودة لكي تقوم بينهما علاقة سببية. وأحسن نموذج لذلك الأعلام الشخصية فأنت حين تريد أن تسمي ابنك عليا تقرن اسم على بالوليد الجديد لكي تنشئ بينها علاقة لغوية ويصبح اسم علي دالا على وليدك. ويسمى عملك هذا " وضعا " فالوضع هو عملية تقرن بها لفظا بمعنى نتيجتها أن يقفز الذهن إلى المعنى عند تصور اللفظ دائما. ونستطيع أن نشبه الوضع على هذا الأساس بما تصنه حين تسأل عن طبيب العيون فيقال لك: هو (جابر) فتريد أن تركز اسمه في ذاكرتك وتجعل نفسك تستحضره متى أردت فتحاول أن تقرن بينه وبين شيء قريب من ذهنك فتقول مثلا: أنا بالأمس قرأت كتابا أخذ من نفسي مأخذا كبيرا اسم مؤلفه جابر فلا تذكر دائما أن اسم طبيب العيون هو اسم صاحب ذلك الكتاب.

وهكذا توجد عن هذا الطريق ارتباطا خاصا بين صاحب الكتاب والطبيب جابر، وبعد ذلك تصبح قادرا على استذكار اسم الطبيب متى تصورت ذلك الكتاب. وهذه الطريقة في إيجاد الارتباط لا تختلف جوهريا عن اتخاذ الوضع كوسيلة لإيجاد العلاقة اللغوية. وعلى هذا الأساس نعرف أن من نتائج الوضع إنسباق المعنى الموضوع له وتبادره إلى الذهن بمجرد سماع اللفظ بسبب تلك العلاقة التي يحققها الوضع ومن هنا يمكن الاستدلال على الوضع بالتبادر وجعله علامة على أن المعنى المتبادر هو المعنى الموضوع له لان المعلول يكشف عن العلة كشفا أنيا ولهذا عد التبادر من علامات الحقيقة.

ب - الدليل الشرعي غير اللفظي :

الدليل الشرعي غير اللفظي كل ما يصدر من المعصوم مما له دلالة على الحكم الشرعي وليس من نوع الكلام. ويدخل ضمن ذلك فعل المعصوم، فإن أتى المعصوم بفعل دل على جوازه، وأن تركه، دل على عدم وجوبه، وأن أوقعه بعنوان كونه طاعة لله تعالى دل على المطلوبية، ويثبت لدينا صدور هذه الإنحاء من التصرف عن المعصوم بنفس الطرق المتقدمة التي يثبت بها صدور الدليل الشرعي اللفظي. ويدخل ضمن ذلك تقرير المعصوم، وهو السكوت منه عن تصرف يواجهه، فإنه يدل على الإمضاء وإلا لكان على المعصوم أن يردع عنه فيستكشف من عدم الردع الإمضاء والارتضاء.

والتصرف تارة يكون شخصيا في واقعة معينة كما إذا توضأ إنسان أمام الإمام فمسح منكوسا وسكت الإمام عنه، وأخرى يكون نوعيا كالسيرة العقلائية، وهي عبارة عن ميل عام عند العقلاء نحو سلوك معين دون أن يكون للشرع دور إيجابي في تكوين هذا الميل، ومثال ذلك الميل العام لدى العقلاء نحو الأخذ بظهور كلام المتكلم أو خبر الثقة أو باعتبار الحيازة سببا لتملك المباحات الأولية، والسيرة العقلائية بهذا المعنى تختلف عن سيرة المشترعة التي تقدم أنها إحدى الطرق لكشف صدور الدليل الشرعي، فإن سيرة المشترعة بما هم كذلك تكون عادة وليدة البيان الشرعي، ولهذا تعتبر كاشفة عنه كشف المعلول عن العلة.

وأما السيرة العقلائية فمردها كما عرفنا إلى ميل عام يوجد عند العقلاء نحو سلوك معين، لا كنتيجة لبيان شرعي بل نتيجة العوامل والمؤثرات الأخرى التي تتكيف وفقا، لها، ميول العقلاء وتصرفاتهم، ولأجل هذا لا يقتصر الميل العام الذي تعبر عنه السيرة العقلائية على نطاق المتدينين خاصة، لان الدين لم يكن من عوامل تكوين هذا الميل.

2 - الدليل العقلي: دراسة العلاقات العقلية:

حينما يدرس العقل العلاقات بين الأشياء يتوصل إلى معرفة أنواع عديدة من العلاقة، فهو يدرك مثلا علاقة التضاد بين السواد والبياض، وهي تعني استحالة اجتماعهما في جسم واحد، ويدرك علاقة التلازم بين السبب والمسبب، فإن كل مسبب في نظر العقل ملازم لسببه ويستحيل إنفكاكه عنه، نظير الحرارة بالنسبة إلى النار، ويدرك علاقة التقدم والتأخر في الدرجة بين السبب والمسبب.

ومثاله: إذا أمسكت مفتاحا بيدك وحركت يدك فيتحرك المفتاح بسبب ذلك، وبالرغم من أن المفتاح في هذا المثال يتحرك في نفس اللحظة التي تتحرك فيها يدك، فإن العقل يدرك أن حركة اليد متقدمة على حركة المفتاح، وحركة المفتاح متأخرة عن حركة اليد لا من ناحية زمنية؟ من ناحية تسلسل الوجود، ولهذا نقول حين نريد أن نتحدث عن ذلك: " حركت يدي فتحرك المفتاح " فالفاء هنا تدل على تأخر حركة المفتاح عن حركة اليد، مع أنهما وقعا في زمان واحد. فهناك إذن تأخر لا يمت إلى الزمان بصلة، وإنما ينشأ عن تسلسل الوجود في نظر العقل، بمعنى أن العقل حين يلحظ حركة اليد وحركة المفتاح، ويدرك أن هذه نابعة من تلك، يرى أن حركة المفتاح متأخرة عن حركة اليد بوصفها نابغة منها، ويرمز إلى هذا التأخر بالفاء فيقول: " تحركت يدي فتحرك المفتاح "، ويطلق على هذا التأخر اسم " التأخر الرتبي ".

وبعد أن يدرك العقل تلك العلاقات يستطيع أن يستفيد منها في اكتشاف وجود الشيء أو عدمه، فهو عن طريق علاقة التضاد بين السواد والبياض، يستطيع أن يثبت عدم السواد في جسم إذا عرف أنه أبيض نظرا إلى استحالة

اجتماع البياض والسواد في جسم واحد، وعن طريق علاقة التلازم بين المسبب وسببه، يستطيع العقل أن يثبت وجود المسبب إذا عرف وجود السبب نظرا إلى استحالة الانفكاك بينهما. وعن طريق علاقة التقدم والتأخر يستطيع العقل أن يكتشف عدم وجود المتأخر قبل الشئ المتقدم، لان ذلك يناقض كونه متأخرا، فإذا كانت حركة المفتاح متأخرة عن حركة اليد في تسلسل الوجود، فمن المستحيل أن تكون حركة المفتاح - والحالة هذه - موجودة بصورة متقدمة على حركة اليد في تسلسل الوجود.

وكما يدرك العقل هذه العلاقات بين الأشياء ويستفيد منها في الكشف عن وجود شيء أو عدمه، كذلك يردك العلاقات القائمة بين الأحكام، ويستفيد من تلك العلاقات في الكشف عن وجود حكم أو عدمه، فهو يدرك مثلا التضاد بين الوجوب والحرمة، كما كان يدرك التضاد بين السواد والبياض، وكما كان يستخدم هذه العلاقة في نفي السواد إذا عرف وجود البياض كذلك يستخدم علاقة التضاد بين الوجوب والحرمة لنفي الوجوب عن الفعل إذا عرف أنه حرام. فهناك إذن أشياء تقوم بينها علاقات في نظر العقل، وهناك أحكام تقوم بينها علاقات في نظر العقل أيضا. ونطلق على الأشياء اسم " العالم التكويني " وعلى الأحكام اسم " العالم التشريعي ". وكما يمكن للعقل أن يكشف وجود الشيء أو عدمه في العالم التكويني عن طريق تلك العلاقات كذلك يمكن للعقل أن يكشف وجود الحكم أو عدمه في العالم التشريعي عن طريق تلك العلاقات.

ومن أجل ذلك كان من وظيفة علم الأصول أن يدرس تلك العلاقات في عالم الأحكام بوصفها قضايا عقلية صالحة لان تكون عناصر مشتركة في عملية الاستنباط .

فائدة علم الأصول:

اتضح مما سبق أن لعلم الأصول فائدة كبيرة للاستدلال الفقهي، وذلك أن الفقيه في كل مسألة فقهية يعتمد على نمطين من المقدمات في استدلاله الفقهي: أحدهما: عناصر خاصة بتلك المسألة من قبيل الرواية التي وردت في حكمها، وظهورها في إثبات الحكم المقصود، وعدم وجود معارض لها ونحو ذلك.

والآخر: عناصر مشتركة تدخل في الاستدلال على حكم تلك المسألة وفي الاستدلال على حكم مسائل أخرى كثيرة في مختلف أبواب الفقه، من قبيل أن خبر الواحد الثقة حجة وان ظهور الكلام حجة.

والنمط الأول من المقدمات يستوعبه الفقيه بحثا في نفس تلك المسألة، لان ذلك النمط من المقدمات مرتبط بها خاصة. وأما النمط الثاني فهو بحكم عدم اختصاصه بمسألة دون أخرى، أنيط ببحث آخر خارج نطاق البحث الفقهي في هذه المسألة وتلك، وهذا البحث الآخر هو الذي يعبر عنه علم الأصول، وبقدر ما اتسع الالتفات تدريجا من خلال البحث الفقهي إلى العناصر المشتركة، اتسع علم الأصول وازداد أهمية، وبذلك صح القول: بأن دور علم الأصول بالنسبة إلى الاستدلال الفقهي يشابه دور علم المنطق بالنسبة إلى الاستدلال بوجه عام، حيث إن علم المنطق يزود الاستدلال بوجه عام بالعناصر المشتركة التي لا تختص بباب من أبواب التكفير دون باب، وعلم الأصول يزود الاستدلال الفقهي خاصة بالعناصر المشتركة التي لا تختص بباب من أبواب الفقه دون باب.

الاستقراء والقياس :

عرفنا سابقا أن الأحكام الشرعية تابعة للمصالح والمفاسد والملكات التي يقدرها المولى وفق حكمته ورعايته لعباده، وليست جزافا أو تشهيا. وعليه فإذا حرم الشارع شيئا، كالخمر مثلا، ولم ينص على الملاك والمناط في تحريمه، فقد يستنتجه العقل ويحدس به، وفي حالة الحدس به يحدس حينئذ بثبوت الحكم في كل الحالات التي يشملها ذلك الملاك، لان الملاك بمثابة العلة لحكم الشارع وإدراك العلة يستوجب إدراك المعلول. وأما كيف يحدس العقل بملاك الحكم ويعينه في صفة محددة، فهذا ما قد يكون عن طريق الاستقراء تارة وعن طريق القياس أخرى.

والمراد بالاستقراء أن يلاحظ الفقيه عددا كبيرا من الأحكام يجدها جميعا تشترك في حالة واحدة من قبيل أن يحصي عددا كبيرا من الحالات التي يعذر فيها الجاهل فيجد أن الجهل هو الصفة المشتركة بين كل تلك المعذريات، فيستنتج أن المناط والملاك في المعذرية هو الجهل، فيعمم الحكم إلى سائر حالات الجهل.

والمراد بالقياس أن نحصي الحالات والصفات التي من المحتمل أن تكون مناطا للحكم وبالتأمل والحدس والاستناد إلى ذوق الشريعة يغلب على الظن أن واحدا منها هو المناط، فيعمم الحكم إلى كل حالة يوجد فيها ذلك المناط.

والاستنتاج القائم على أساس الاستقراء ظني غالبا، لان الاستقراء ناقص عادة، ولا يصل عادة إلى درجة اليقين.

والقياس ظني دائما لأنه مبني على استنباط حدسي للمناط، وكلما كان الحكم العقلي ظنيا، احتاج التعويل عليه إلى دليل على حجيته، كما هو واضح.



الخاتمة

وفي النهاية أطلب من الله سبحانه وتعالى أن أكون قد وفقت في الحديث عن علم الأصول وفائدته وأهميته والمنهج المتبع في دراسته وإن كان فيه نقص فمني ومن الشيطان وإن كان غير ذلك فأطلب من الله العلي العظيم أن يجعله في ميزان حسناتي ، وأخيرًا يقول سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه : ليس شدة السلطان قتلاً بالسيف ولا ضربًا بالسوط ولكن قضاء بالحق وأخذًا بالعدل "

{ دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنْ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

المراجع

1- صالح بن فوزان بن عبد الله آل فوزان ، الملخص الفقهي ، قسم المعاملات وغيرها ،ط1 ، دار ابن الجوزي ، الدمام 1415هـ ، 1994م .

2- د . سالم علي الثقفي ، مصطلحات الفقه الحنبلي وطرق استفادة الأحكام من ألفاظه ، ط2 ، دار النصر للطباعة الإسلامية ، شبرا 1401هـ ، 1981م .

3- السيد سابق ، فقه السنة ، ط3 ، دار الكتاب العربي المجلد الثاني ، 1397هـ ، 1977م .

4- د . محمد سيد طنطاوي ، أصول الفقه الإسلامي ، ط1 دار النصر ، الفجالة ، 1410هـ ، 1990م .

5- د. سيد قطب ، أصول الفقه المعاصر ، ط2 دار الشروق ، أسيوط ، 1402هـ ، 1982م .

6- د. منصور ناصر قموح ، الفقه وأصوله ، ط3 دار الغد ، الفجالة 1415هـ ، 1996م .


رد مع اقتباس
قديم 06-11-2010, 06:24 PM   رقم المشاركة : 7
الكاتب

أفاق الفكر

مراقب

مراقب

أفاق الفكر غير متواجد حالياً


الملف الشخصي








أفاق الفكر غير متواجد حالياً


رد: ٍاصول الفقه في سؤال وجواب


بِـسمِ اللهِ الرَّحَمنِ الرَّحِيمِ

أصول الفقه

" وَيسأَلونَكَ عَـنْ الـرُّوحِ قُـل الـرُّوحُ مِـن أَمـرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُـم مِـنْ الـعِلمِ إِلا قَليلاً "

الآية رقم 85 سورة الإسراء

أهمية البحث :-

ترجع أهمية البحث في دراسة أصول الفقه الديني للوقوف على كيفية تحليل وإخراج الحكم الشرعي للأمور الدينية التي تهم المرء المسلم ليحاسب نفسه قبل أن يحاسب .

هدف البحث :-

وضع خطة البحث على مرحلتين هامتين إحداهما: تمهيدية وهي ما تسمى بمرحلة السطح. والأخرى: المرحلة العالية وهي ما تسمى بمرحلة الخارج.

مصادر البحث :-

اعتمدت في كتابه البحث عن عدة كتب استعرتها من المكتبة وبعض المقالات المأخوذة من الانترنت لدراسة علم الأصول من أكثر من جانب وبيان أهميته لنا كمجتمع إسلامي .

منهجية البحث :-

اتبعت في دراسة علم الأصول على منهج الوصف والتحليل وبداية نتعرف على تعريف علم الأصول وموضوعه ومنطق الفقه واللغة فيه وأهميته ، ثم بدأت في تقسيم الحكم الشرعي ثم الحديث عن بحوث علم الأصول .

فرضيات الدراسة والتساؤلات :-

هناك عدة أسئلة ستطرح في هذا البحث :-

حينما يتناول الفقيه مسألة كمسألة الإقامة للصلاة ، ويحاول استنباط حكمها يتساءل في البداية: ما هو نوع الحكم الشرعي المتعلق بالإقامة؟ فإن حصل على دليل يكشف عن نوع الحكم الشرعي للإقامة كان عليه أن يحدد موقفه العملي واستنباطه على أساسه، فيكون استنباطا قائما على أساس الدليل. وإن لم يحصل الفقيه على دليل يعين نوع الحكم الشرعي المتعلق بالإقامة فسوف يظل الحكم الشرعي مجهولا للفقيه وفي هذه الحالة يستبدل الفقيه سؤاله الأول الذي طرحه في البداية سؤال جديد كما يلي: ما هي القواعد التي تحدد الموقف العملي تجاه الحكم الشرعي المجهول؟ وهذه القواعد تسمى بالأصول العملية، ومثالها أصالة البراء‌ة، وهي القاعدة القائلة أن كل إيجاب أو تحريم مجهول لم يقم عليه دليل فلا أثر له على سلوك الإنسان وليس الإنسان ملزما بالاحتياط من ناحيته والتقييد به، ويقوم الاستنباط في هذه الحالة على أساس الأصل العملي بدلا عن الدليل والفرق بين الأصل والدليل أن الأصل لا يحرز الواقع وإنما يحدد الوظيفة العملية تجاهه وهو نحو من الاستنباط ولأجل هذا يمكننا تنويع عملية الاستنباط إلى نوعين: أحدهما الاستنباط القائم على أساس الدليل، كالاستنباط المستمد من نص دال على الحكم الشرعي، والآخر الاستنباط القائم على أساس الأصل العملي كالاستنباط المستمد من أصالة البراء‌ة.

المقدمة : -
إن الحمد لله نحمده ولا نجحده ونشكره ولا نكفره ونستعين به ونستنصره ونستهديه ونستغفره وصلاة وسلامًا على المبعوث رحمة للعالمين محمد e ورضوان الله على أصحابه والتابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد:

فإن الدراسات العلمية لعلم أصول الفقه تمر في مناهج الحوزة عادة بمرحلتين، أحداهما: تمهيدية وهي ما تسمى بمرحلة السطح. والأخرى: المرحلة العالية وهي ما تسمى بمرحلة الخارج.

وتتخذ هذه الدراسة في مرحلتها التمهيدية أسلوب البحث في كتب معينة مؤلفة في ذلك العلم يدرسها الطالب على يد الأساتذة الأكفاء ليتهيأ من خلال ذلك لحضور أبحاث الخارج. وقد جرى العرف العام على اختيار المعالم والقوانين والرسائل والكفاية كتبا دراسية للمرحلة المذكورة، وهذا عرف جرت عليه مناهج الحوزة منذ أكثر من نصف قرن ولم يطرأ تغيير ملحوظ باستثناء تضاؤل دور كتاب القوانين من بين هذه الكتب الأربعة ككتاب دراسي بالتدريج، وانصراف عدد كبير من الطلبة في الفترة الأخيرة عن دراسته، واستبداله بكتاب أصول الفقه كحلقة وسيطة بين المعالم وكتابي الرسائل والكفاية.

والحقيقة أن الكتب الأربعة لها مقامها العلمي، وهي على العموم تعتبر حسب مراحلها التاريخية كتبا تجديدية ساهمت إلى درجة كبيرة في تطوير الفكر العلمي الأصولي على اختلاف درجاتها في هذه المساهمة، وقد يكون اختيار هذه الكتب الأربعة كتبا دراسية نتيجة عامل مشترك وهو ما أثاره كل واحد منها عند صدوره من شعور عميق لدى العلماء بأهميته العلمية وما اشتمل عليه من أفكار ونكات، هذا إضافة إلى ما تميزت به بعض تلك الكتب من إيجاز للمطالب وضغط في العبارة كالكفاية مثلا.

وقد أدت هذه الكتب الأربعة دورا جليلا في هذا المضمار، وتخرج من حلقاتها الدراسية خلال نصف قرن الآلاف من الطلبة الذين وجدوا فيها سلمهم إلى أبحاث الخارج. ولا يسعنا في هذا المجال إلا أن نستشعر - بعمق - بما لأصحاب هذه الكتب الأبرار قدس الله أسرارهم الزكية من فضل عظيم على الحوزة ومسيرتها العلمية.

هذا ونسأل المولى سبحانه وتعالى أن يتقبل هذا البحث بلطفه وينفع به إخواننا الطلاب الأعزاء في الحوزات العلمية وأن ينفعنا به يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم والحمد لله رب العالمين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.


تعريف علم الأصول:

وعلى هذا الأساس نرى أن يعرف علم الأصول بأنه " العلم بالعناصر المشتركة في عملية استنباط الحكم الشرعي ".

ولكي نستوعب هذا التعريف يجب أن نعرف ما هي العناصر المشتركة في عملية الاستنباط. ولنذكر - لأجل ذلك - نماذج بدائية من هذه العملية في صيغ مختصرة

لكي نصل عن طريق دراسة هذه النماذج والمقارنة بينها إلى فكرة العناصر المشتركة في عملية الاستنباط.

افرضوا أن فقيها واجه هذه الأسئلة:

1 - هل يحرم على الصائم أن يرتمس في الماء؟

2 - هل يجب على الشخص إذا ورث مالا من أبيه أن يؤدي خمسه؟

3 - هل تبطل الصلاة بالقهقهة في أثنائها؟

فإذا أراد الفقيه أن يجيب على هذه الأسئلة فإنه سوف يجيب على السؤال الأول مثلا بالإيجاب وأنه يحرم الارتماس على الصائم ويستنبط ذلك بالطريقة التالية: قد دلت رواية يعقوب بن شعيب عن الإمام الصادق (عليه السلام) على حرمة الارتماس على الصائم فقد جاء فيها أنه قال: لا يرتمس المحرم في الماء ولا الصائم.

والجملة بهذا التركيب تدل في العرف العام على الحرمة وراوي النص يعقوب بن شعيب ثقة والثقة وإن كان قد يخطى أو يشذ أحيانا ولكن الشارع أمرنا بعدم اتهام الثقة بالخطأ أو الكذب واعتبره حجة، والنتيجة هي أن الارتماس حرام.

ويجيب الفقيه على السؤال الثاني بالنفي لان رواية علي بن مهزيار جاء‌ت في مقام تحديد الأموال التي يجب فيها الخمس وورد فيها أن الخمس ثابت في الميراث الذي لا يحتسب من غير أب ولا ابن، والعرف العام يفهم من هذه الجملة أن الشارع لم يجعل خمسا على الميراث الذي ينتقل من الأب إلى ابنه، والراوي ثقة وخبر الثقة حجة، والنتيجة هي أن الخمس في تركة الأب غير واجب.

ويجيب الفقيه على السؤال الثالث بالإيجاب بدليل رواية زرارة عن الإمام الصادق أنه قال: " القهقهة لا تنقض الوضوء وتنقض الصلاة " والعرف العام يفهم من النقض أن الصلاة تبطل بها وزرارة ثقة وخبر الثقة حجة، فالصلاة مع القهقهة باطلة إذن.

وبملاحظة هذه المواقف الفقهية الثلاثة نجد أن الأحكام التي استنبطها الفقيه كانت من أبواب شتى من الفقه، وأن الأدلة التي استند إليها الفقيه مختلفة، فبالنسبة إلى الحكم الأول استند إلى رواية يعقوب بن شعيب، وبالنسبة إلى الحكم الثاني استند إلى رواية علي ابن مهزيار، وبالنسبة إلى الحكم الثالث استند إلى رواية زرارة ولكل من الروايات الثلاث متنها وتركيبها اللفظي الخاص الذي يجب أن يدرس بدقة ويحدد معناه، ولكن توجد في مقابل هذا التنوع وهذه والاختلافات بين المواقف الثلاثة عناصر مشتركة أدخلها الفقيه في عمليه الاستنباط في المواقف الثلاثة جميعا.

فمن تلك العناصر المشتركة الرجوع إلى العرف العام في فهم الكلام الصادر عن المعصوم، وهو ما يعبر عنه بحجية الظهور العرفي فحجية الظهور إذن عنصر مشترك في عمليات الاستنباط الثلاث، وكذلك يوجد عنصر مشترك آخر وهو حجية خبر الثقة. وهكذا نستنتج أن عمليات الاستنباط تشتمل على عناصر مشتركة كما تشتمل على عناصر خاصة، ونعني بالعناصر الخاصة تلك العناصر التي تتغير من مسألة إلى أخرى فرواية يعقوب بن شعيب عنصر خاص في عملية استنباط حرمة الارتماس لأنها لم تدخل في عمليات الاستنابط الأخرى بل دخلت بدلا عنها عناصر خاصة أخرى كرواية علي بن مهزيار ورواية زرارة.

ونعني بالعناصر المشتركة القواعد العامة التي تدخل في عمليات استنباط أحكام عديدة في أبواب مختلفة. وفي علم الأصول تدرس العناصر المشتركة وفي علم الفقه تدرس العناصر الخاصة في كل مسألة. وهكذا يترك للفقيه في كل مسألة أن يفحص بدقة الروايات والمدارك الخاصة التي ترتبط بتلك المسألة ويدرس قيمة تلك الروايات ويحاول فهم ألفاظها وظهورها العرفي وأسانيدها بينما يتناول الأصول البحث عن حجية الظهور وحجية الخبر وهكذا.

وعلم الأصول لا يحدد العناصر المشتركة فحسب بل يحدد أيضا درجات استعمالها والعلاقة بينها .

موضوع علم الأصول:

لكل علم - عادة - موضوع أساسي ترتكز جميع بحوثه عليه وتدور حوله وتستهدف الكشف عما يرتبط بذلك الموضوع من خصائص وحالات وقوانين، فالفيزياء مثلا موضوعها الطبيعة وبحوث الفيزياء ترتبط كلها بالطبيعة وتحاول الكشف عن حالاتها وقوانينها العامة. والنحو موضوعه الكلمة لأنه يبحث عن حالات إعرابها وبنائها رفعها ونصبها.

فما هو موضوع علم الأصول الذي تدور حوله بحوثه؟.

ونحن إذا لاحظنا التعريف الذي قدمناه لعلم الأصول استطعنا أن نعرف أن علم الأصول يدرس في الحقيقة الأدلة المشتركة في علم الفقه لإثبات دليلها، وبهذا صح القول بأن موضوع علم الأصول هو الأدلة المشتركة في عملية الاستنباط.

أهمية علم الأصول في عملية الاستنباط :

ولسنا بعد ذلك بحاجة إلى التأكيد على أهمية علم الأصول وخطورة دوره في عالم الاستنباط لأنه ما دام يقدم لعملية الاستنباط عناصرها المشتركة ويضع لها نظامها العام فهو عصب الحياة فيها، وبدون علم الأصول يواجه الشخص في الفقه ركاما متناثرا من النصوص والأدلة دون أن يستطيع استخدامها والاستفادة منها في الاستنباط، كإنسان يواجه أدوات النجارة ويعطى منشارا وفأسا وما إليها من أدوات دون أن يملك أفكارا عامة عن عملية النجارة وطريقة استخدام تلك الأدوات.

وكما أن العناصر المشتركة ضرورية لعملية الاستنباط فكذلك العناصر الخاصة التي تختلف من مسألة إلى أخرى كمفردات الآيات والروايات المتناثرة فإنها الجزء الضروري الآخر فيها، فلا يكفي مجرد الإطلاع على العناصر المشتركة التي يمثلها علم الأصول ومن يحاول الاستنباط على أساس الإطلاع الأصولي فحسب نظير من يملك معلومات نظرية عامة عن عملية النجارة ولا يوجد لديه فأس ولا منشار وما إليهما من أدوات النجارة فكما يعجز هذا عن صنع سرير خشبي مثلا كذلك يعجز الأصولي عن الاستنباط إذ لم يفحص بدقة العناصر الخاصة المتغيرة من مسألة إلى أخرى.

فالعناصر المشتركة والعناصر الخاصة قطبان مندمجان في عملية الاستنباط ولا غنى للعملية عنهما معا.

جواز عملية الاستنباط :

ما دام علم الأصول يرتبط بعملية الاستنباط ويحدد عناصرها المشتركة فيجب أن نعرف قبل كل شيء موقف الشريعة من هذه العملية، فهل سمح الشارع لأحد بممارستها لكي يوجد مجال لوضع علم لدراسة عناصرها المشتركة؟

يجيب الجواب على البداهة بالإيجاب، لان عملية الاستنباط كما تقدم عبارة عن تحديد الموقف العملي تجاه الشريعة تحديدا استدلاليا، ومن البديهي أن الإنسان بحكم تبعيته للشريعة ملزم بتحديد موقفه العملي منها، ولما لم تكن أحكام الشريعة غالبا في البداهة والوضوح بدرجة تغني عن إقامة الدليل، فليس من المعقول أن يحرم على الناس جميعا تحديد الموقف العملي تحديدا استدلاليا.

الحكم الشرعي وتقسيمه:

عرفنا أن علم الأصول يدرس العناصر المشتركة في عملية استنباط الحكم الشرعي، ولأجل ذلك يجب أن نكون فكرة عامة منذ البدء عن الحكم الشرعي الذي يقوم علم الأصول بتحديد العناصر المشتركة في عملية استنباطه.

الحكم الشرعي هو: التشريع الصادر من الله تعالى لتنظيم حياة الإنسان. والخطابات الشرعية في الكتاب والسنة مبرزة للحكم وكاشفة عنه، وليست هي الحكم الشرعي نفسه.

وعلى هذا الضوء يكون من الخطأ تعريف الحكم الشرعي بالصيغة المشهورة بين قدماء الأصوليين، إذ يعرفونه بأنه الخطاب الشرعي المتعلق بأفعال المكلفين، فإن الخطاب كاشف عن الحكم والحكم هو مدلول الخطاب.

أضف إلى ذلك أن الحكم الشرعي لا يتعلق بأفعال المكلفين دائما، بل قد يتعلق بذواتهم أو بأشياء أخرى ترتبط بهم، لان الهدف من الحكم الشرعي تنظيم حياة الإنسان، وهذا الهدف كما يحصل بخطاب متعلق بأفعال المكلفين كخطاب " صل " و " صم " و " لا تشرب الخمر " كذلك يحصل بخطاب متعلق بذواتهم أو بأشياء أخرى تدخل في حياتهم من قبيل الأحكام والخطابات التي تنظم علاقة الزوجية وتعتبر المرأة زوجة للرجل في ظل شروط معينة، أو تنظيم علاقة الملكية وتعتبر الشخص مالكا للمال في ظل شروط معينه، فإن هذه الأحكام ليست متعلقة بأفعال المكلفين بل الزوجية حكم شرعي متعلق بذواتهم والملكية حكم شرعي متعلق بالمال. فالأفضل إذن استبدال الصيغة المشهور بما قلناه من أن الحكم الشرعي هو التشريع الصادر من الله لتنظيم حياة الإنسان سواء كان متعلقا بأفعال أو بذاته أو بأشياء أخرى داخلة في حياته.


تقسيم الحكم إلى تكليفي ووضعي:

وعلى ضوء ما سبق يمكننا تقسيم الحكم إلى قسمين:

أحدهما: الحكم الشرعي المتعلق بأفعال الإنسان والموجه لسلوكه مباشرة في مختلف جوانب حياته الشخصية والعبادية والعائلية والاجتماعية التي عالجتها الشريعة ونظمتها جميعا، كحرمة شرب الخمر ووجوب الصلاة ووجوب الإنفاق على بعض الأقارب، وإباحة إحياء الأرض، ووجوب العدل على الحاكم.

والآخر: الحكم الشرعي الذي لا يكون موجها مباشرا للإنسان في أفعاله وسلوكه، وهو كل حكم يشرع وضعا معينا يكون له تأثير غير مباشر في سلوك الإنسان، من قبيل الأحكام التي تنظم علاقات الزوجية، فإنها تشرع بصورة مباشرة علاقة معينة بين الرجل والمرأة وتؤثر بصورة غير مباشرة في السلوك وتوجهه لان المرأة بعد أن تصبح زوجة مثلا تلزم بسلوك معين تجاه زوجها، ويسمى هذا النوع من الأحكام بالأحكام الوضعية.

والارتباط بين الأحكام الوضعية والأحكام التكليفية وثيق، إذ لا يوجد حكم وضعي إلا ويوجد إلى جانبه حكم تكليفي، فالزوجية حكم شرعي وضعي توجد إلى جانبه أحكام تكليفية وهي وجوب إنفاق الزوج على زوجته ووجوب التمكين على الزوجة، والملكية حكم شرعي وضعي توجد إلى جانبه أحكام تكليفية من قبيل حرمة تصرف غير المالك في المال إلا بإذنه، وهكذا.

بحوث علم الأصول : تنويع البحث

حينما يتناول الفقيه مسألة كمسألة الإقامة للصلاة، ويحاول استنباط حكمها يتساءل في البداية: ما هو نوع الحكم الشرعي المتعلق بالإقامة؟

فإن حصل على دليل يكشف عن نوع الحكم الشرعي للإقامة كان عليه أن يحدد موقفه العملي واستنباطه على أساسه، فيكون استنباطا قائما على أساس الدليل. وإن لم يحصل الفقيه على دليل يعين نوع الحكم الشرعي المتعلق بالإقامة فسوف يظل الحكم الشرعي مجهولا للفقيه وفي هذه الحالة يستبدل الفقيه سؤاله الأول الذي طرحه في البداية سؤال جديد كما يلي:

ما هي القواعد التي تحدد الموقف العملي تجاه الحكم الشرعي المجهول؟

وهذه القواعد تسمى بالأصول العملية، ومثالها أصالة البراء‌ة، وهي القاعدة القائلة أن كل إيجاب أو تحريم مجهول لم يقم عليه دليل فلا أثر له على سلوك الإنسان وليس الإنسان ملزما بالاحتياط من ناحيته والتقييد به، ويقوم الاستنباط في هذه الحالة على أساس الأصل العملي بدلا عن الدليل والفرق بين الأصل والدليل أن الأصل لا يحرز الواقع وإنما يحدد الوظيفة العملية تجاهه وهو نحو من الاستنباط ولأجل هذا يمكننا تنويع عملية الاستنباط إلى نوعين: احدهما الاستنباط القائم على أساس الدليل، كالاستنباط المستمد من نص دال على الحكم الشرعي، والآخر الاستنباط القائم على أساس الأصل العملي كالاستنباط المستمد من أصالة البراء‌ة.

ولما كان علم الأصول هو العلم بالعناصر المشتركة في عملية الاستنباط فهو يزود كلا النوعين بعناصره المشتركة، وعلى هذا الأساس ننوع البحوث الأصولية إلى نوعين نتكلم في النوع الأول عن العناصر المشتركة في عملية الاستنباط التي تتمثل في أدلة محرزة للحكم، ونتكلم في النوع الثاني عن العناصر المشتركة في عملية الاستنباط التي تتمثل في أصول عملية.

1 - الدليل الشرعي:

أ - الدليل الشرعي اللفظي (الدلالة):

لما كانت دلالة الدليل اللفظي ترتبط بالنظام اللغوي العام للدلالة نجد من الراجح أن نمهد للبحث في دلالات الأدلة اللفظية بدراسة إجمالية لطبيعة الدلالة اللغوية وكيفية تكونها ونظرة عامة فيها.

ما هو الوضع والعلاقة اللغوية:

في كل لغة تقوم علاقات بين مجموعة من الألفاظ ومجموعة من المعاني، ويرتبط كل لفظ بمعنى خاص ارتباطا يجعلنا كلما تصورنا اللفظ انتقل ذهننا فورا إلى تصور المعنى وهذا الاقتران بين تصور اللفظ وتصور المعنى وانتقال الذهن من أحدهما إلى الآخر هو ما نطلق عليه اسم " الدلالة " فحين نقول: " كلمة الماء تدل على السائل الخاص " نريد بذلك أن تصور كلمة الماء يؤدي إلى تصور ذلك السائل الخاص، ويسمى اللفظ " دالا " والمعنى " مدلولا " وعلى هذا الأساس نعرف أن العلاقة بين تصور اللفظ وتصور المعنى تشابه إلى درجة ما العلاقة التي نشاهدها في حياتنا الاعتيادية بين النار والحرارة أو بين طلوع الشمس والضوء، فكما أن النار تؤدي إلى الحرارة وطلوع الشمس يؤدي إلى الضوء، كذلك تصور اللفظ يؤدي إلى تصور المعنى ولأجل هذا يمكن القول بأن تصور اللفظ سبب لتصور المعنى كما تكون النار سببا للحرارة وطلوع الشمس سببا للضوء، غير أن علاقة السببية بين تصور اللفظ وتصور والسؤال الأساسي بشأن هذه العلاقة التي توجد في اللغة بين اللفظ والمعنى هو السؤال عن مصدر هذه العلاقة وكيفية تكونها، فكيف تكونت علاقة السببية بين اللفظ والمعنى؟ وكيف أصبح تصور اللفظ سببا لتصور المعنى مع أن اللفظ والمعنى شيئان مختلفان كل الاختلاف؟ ويذكر في علم الأصول عادة اتجاهان في الجواب على هذا السؤال الأساسي، يقوم الاتجاه الأول على أساس الاعتقاد بأن علاقة اللفظ بالمعنى نابعة من طبيعة اللفظ ذاته كما نبعث علاقة النار بالحرارة من طبيعة النار ذاتها، فلفظ " الماء " مثلا له بحكم طبيعته علاقة بالمعنى الخاص الذي نفهمه منه، ولأجل هذا يؤكد هذا الاتجاه أن دلالة اللفظ على المعنى ذاتية وليست مكتسبة من أي سبب خارجي.

ويعجز هذا الاتجاه عن تفسير الموقف تفسيرا شاملا، لان دلالة اللفظ على المعنى وعلاقاته به إذا كانت ذاتية وغير نابعة من أي سبب خارجي وكان اللفظ بطبيعته يدفع الذهن البشري إلى تصور معناه فلماذا يعجز غير العربي عن الانتقال إلى تصور معنى كلمة " الماء " عند تصوره للكلمة؟ ولماذا يحتاج إلى تعلم اللغة العربية لكي ينتقل ذهنه إلى المعنى عند سماع الكلمة العربية وتصورها؟ إن هذا دليل على أن العلاقة التي تقوم في ذهننا بين تصور اللفظ وتصور المعنى ليست نابعة من طبيعة اللفظ بل من سبب آخر يتطلب الحصول عليه إلى تعلم اللغة، فالدلالة إذن ليست ذاتية.

وأما الاتجاه الآخر فينكر بحق الدلالة الذاتية، ويفترض أن العلاقات اللغوية بين اللفظ والمعنى نشأت في كل لغة على يد الشخص الأول أو الأشخاص الأوائل الذين استحدثوا تلك اللغة وتكلموا بها، فإن هؤلاء خصصوا ألفاظا معينة لمعان خاصة، فاكتسبت الألفاظ نتيجة لذلك التخصيص علاقة بتلك المعاني وأصبح كل لفظ يدل على معناه الخاص، وذلك التخصيص الذي مارسه أولئك الأوائل ونتجت عنه الدلالة يسمى ب‍ (الوضع)، ويسمى الممارس له (واضعا)، واللفظ (موضوعا)، والمعنى (موضوعا له).

والحقيقة أن هذا الاتجاه وإن كان على حق في إنكاره للدلالة الذاتية ولكنه لم يتقدم إلا خطوة قصيرة في حل المشكلة الأساسية التي لا تزال قائمة حتى بعد الفرضية التي يفترضها أصحاب هذا الاتجاه فنحن إذا افترضنا معهم أن علاقة السببية نشأت نتيجة لعمل قام به مؤسسو اللغة إذ خصصوا كل لفظ لمعنى خاص فلنا أن نتساءل منا هو نوع هذا العمل الذي قام به هؤلاء المؤسسون؟ وسوف نجد أن المشكلة لا تزال قائمة لان اللفظ والمعنى ما دام لا يوجد بينهما علاقة ذاتية ولا أي ارتباط مسبق فكيف استطاع مؤسس اللغة أن يوجد علاقة السببية بين شيئين لا علاقة بينهما؟ وهل يكفي مجرد تخصيص المؤسس للفظ وتعيينه له سببا لتصور المعنى لكي يصبح سببا لتصور المعنى حقيقة؟ وكلنا نعلم أن المؤسس وأي شخص آخر يعجز أن يعجل من حمرة الحبر الذي يكتب به سببا لحرارة الماء، ولو كرر المحاولة مائة مرة قائلا خصصت حمرة الحبر الذي أكتب به لكي تكون سببا لحرارة الماء، فكيف استطاع أن ينجح في جعل اللفظ سببا لتصور المعنى بمجرد تخصيصه لذلك دون أي علاقة سابقة بين اللفظ والمعنى؟.

وهكذا نواجه المشكلة كما كنا نواجهها، فليس يكفي لحلها أن نفسر علاقة اللفظ بالمعنى على أساس عملية يقوم بها مؤسس اللغة، بل يجب أن نفهم محتوى هذه العملية لكي نعرف كيف قامت علاقة السببية بين شيئين لم تكن بينهما علاقة. والصحيح في حل المشكلة أن علاقة السببية التي تقوم في اللغة بين اللفظ والمعنى توجد وفقا لقانون عام من قوانين الذهن البشري.

والقانون العام هو أن كل شيئين إذا اقترن تصور أحدهما مع تصور الآخر في ذهن الإنسان مرارا عديدة ولو على سبيل الصدفة قامت بينهما علاقة وأصبح أحد التصورين سببا لانتقال الذهن إلى تصور الآخر.

ومثال ذلك في حياتنا الاعتيادية أن نعيش مع صديقين لا يفترقان في مختلف شؤون حياتهما نجدهما دائما معا، فإذا رأينا بعد ذلك أحد هذين الصديقين منفردا أو سمعنا باسمه أسرع ذهننا إلى تصور الصديق الآخر، لان رؤيتهما معا مرارا كثيرا أوجد علاقة في تصورنا وهذه العلاقة تجعل تصورنا لأحدهما سببا لتصور الآخر.

وقد يكفي أن تقترن فكرة أحد الشيئيين بفكرة الآخر مرة واحدة لكي تقوم بينهما علاقة، وذلك إذا أقرنت الفكرتان في ظرف مؤثر، ومثاله إذا سافر شخص إلى بلد ومني هناك بالملاريا الشديدة ثم شفي منها ورجع فقد ينتج ذلك الاقتران بين الملاريا والسفر إلى ذلك البلد علاقة بينهما، فمتى تصور ذلك البلد انتقل ذهنه إلى تصور الملاريا.

وإذا درسنا على هذا الأساس علاقة السببية بين اللفظ والمعنى زالت المشكلة، إذا نستطيع أن نفسر هذه العلاقة بوصفها نتيجة لاقتران تصور المعنى بتصور اللفظ بصورة متكررة أو في ظرف مؤثر، الأمر الذي أدى إلى قيام علاقة بينهما كما وقع في الحالات المشار إليها.

ويبقى علينا بعد هذا أن نتساءل: كيف اقترن تصور اللفظ بمعنى خاص موارد كثيرة أو في ظرف مؤثر فأنتج قيام العلاقة اللغوية بينهما؟.

والجواب على هذا السؤال: أن بعض الألفاظ اقترنت بمعان معينة مرارا عديدة بصورة تلقائية فنشأت بينهما العلاقة اللغوية. وقد يكون من هذا القبيل كلمة (آه) إذا كانت تخرج من فم الإنسان بطبيعته كلما أحس بالألم، فارتبطت كلمة (آه) في ذهنه بفكرة الألم، فأصبح كلما سمع كلمة (آه) انتقل ذهنه إلى فكرة الألم.

ومن المحتمل أن الإنسان قبل أن توجد لديه أي لغة قد استرعي انتباهه هذه العلاقات التي قامت بين الألفاظ من قبيل (آه) ومعانيها نتيجة لاقتران تلقائي بينهما، وأخذ ينشئ على منوالها علاقات جديدة بين الألفاظ والمعاني.

وبعض الألفاظ قرنت بالمعنى في عملية واعية مقصودة لكي تقوم بينهما علاقة سببية. وأحسن نموذج لذلك الأعلام الشخصية فأنت حين تريد أن تسمي ابنك عليا تقرن اسم على بالوليد الجديد لكي تنشئ بينها علاقة لغوية ويصبح اسم علي دالا على وليدك. ويسمى عملك هذا " وضعا " فالوضع هو عملية تقرن بها لفظا بمعنى نتيجتها أن يقفز الذهن إلى المعنى عند تصور اللفظ دائما. ونستطيع أن نشبه الوضع على هذا الأساس بما تصنه حين تسأل عن طبيب العيون فيقال لك: هو (جابر) فتريد أن تركز اسمه في ذاكرتك وتجعل نفسك تستحضره متى أردت فتحاول أن تقرن بينه وبين شيء قريب من ذهنك فتقول مثلا: أنا بالأمس قرأت كتابا أخذ من نفسي مأخذا كبيرا اسم مؤلفه جابر فلا تذكر دائما أن اسم طبيب العيون هو اسم صاحب ذلك الكتاب.

وهكذا توجد عن هذا الطريق ارتباطا خاصا بين صاحب الكتاب والطبيب جابر، وبعد ذلك تصبح قادرا على استذكار اسم الطبيب متى تصورت ذلك الكتاب. وهذه الطريقة في إيجاد الارتباط لا تختلف جوهريا عن اتخاذ الوضع كوسيلة لإيجاد العلاقة اللغوية. وعلى هذا الأساس نعرف أن من نتائج الوضع إنسباق المعنى الموضوع له وتبادره إلى الذهن بمجرد سماع اللفظ بسبب تلك العلاقة التي يحققها الوضع ومن هنا يمكن الاستدلال على الوضع بالتبادر وجعله علامة على أن المعنى المتبادر هو المعنى الموضوع له لان المعلول يكشف عن العلة كشفا أنيا ولهذا عد التبادر من علامات الحقيقة.

ب - الدليل الشرعي غير اللفظي :

الدليل الشرعي غير اللفظي كل ما يصدر من المعصوم مما له دلالة على الحكم الشرعي وليس من نوع الكلام. ويدخل ضمن ذلك فعل المعصوم، فإن أتى المعصوم بفعل دل على جوازه، وأن تركه، دل على عدم وجوبه، وأن أوقعه بعنوان كونه طاعة لله تعالى دل على المطلوبية، ويثبت لدينا صدور هذه الإنحاء من التصرف عن المعصوم بنفس الطرق المتقدمة التي يثبت بها صدور الدليل الشرعي اللفظي. ويدخل ضمن ذلك تقرير المعصوم، وهو السكوت منه عن تصرف يواجهه، فإنه يدل على الإمضاء وإلا لكان على المعصوم أن يردع عنه فيستكشف من عدم الردع الإمضاء والارتضاء.

والتصرف تارة يكون شخصيا في واقعة معينة كما إذا توضأ إنسان أمام الإمام فمسح منكوسا وسكت الإمام عنه، وأخرى يكون نوعيا كالسيرة العقلائية، وهي عبارة عن ميل عام عند العقلاء نحو سلوك معين دون أن يكون للشرع دور إيجابي في تكوين هذا الميل، ومثال ذلك الميل العام لدى العقلاء نحو الأخذ بظهور كلام المتكلم أو خبر الثقة أو باعتبار الحيازة سببا لتملك المباحات الأولية، والسيرة العقلائية بهذا المعنى تختلف عن سيرة المشترعة التي تقدم أنها إحدى الطرق لكشف صدور الدليل الشرعي، فإن سيرة المشترعة بما هم كذلك تكون عادة وليدة البيان الشرعي، ولهذا تعتبر كاشفة عنه كشف المعلول عن العلة.

وأما السيرة العقلائية فمردها كما عرفنا إلى ميل عام يوجد عند العقلاء نحو سلوك معين، لا كنتيجة لبيان شرعي بل نتيجة العوامل والمؤثرات الأخرى التي تتكيف وفقا، لها، ميول العقلاء وتصرفاتهم، ولأجل هذا لا يقتصر الميل العام الذي تعبر عنه السيرة العقلائية على نطاق المتدينين خاصة، لان الدين لم يكن من عوامل تكوين هذا الميل.

2 - الدليل العقلي: دراسة العلاقات العقلية:

حينما يدرس العقل العلاقات بين الأشياء يتوصل إلى معرفة أنواع عديدة من العلاقة، فهو يدرك مثلا علاقة التضاد بين السواد والبياض، وهي تعني استحالة اجتماعهما في جسم واحد، ويدرك علاقة التلازم بين السبب والمسبب، فإن كل مسبب في نظر العقل ملازم لسببه ويستحيل إنفكاكه عنه، نظير الحرارة بالنسبة إلى النار، ويدرك علاقة التقدم والتأخر في الدرجة بين السبب والمسبب.

ومثاله: إذا أمسكت مفتاحا بيدك وحركت يدك فيتحرك المفتاح بسبب ذلك، وبالرغم من أن المفتاح في هذا المثال يتحرك في نفس اللحظة التي تتحرك فيها يدك، فإن العقل يدرك أن حركة اليد متقدمة على حركة المفتاح، وحركة المفتاح متأخرة عن حركة اليد لا من ناحية زمنية؟ من ناحية تسلسل الوجود، ولهذا نقول حين نريد أن نتحدث عن ذلك: " حركت يدي فتحرك المفتاح " فالفاء هنا تدل على تأخر حركة المفتاح عن حركة اليد، مع أنهما وقعا في زمان واحد. فهناك إذن تأخر لا يمت إلى الزمان بصلة، وإنما ينشأ عن تسلسل الوجود في نظر العقل، بمعنى أن العقل حين يلحظ حركة اليد وحركة المفتاح، ويدرك أن هذه نابعة من تلك، يرى أن حركة المفتاح متأخرة عن حركة اليد بوصفها نابغة منها، ويرمز إلى هذا التأخر بالفاء فيقول: " تحركت يدي فتحرك المفتاح "، ويطلق على هذا التأخر اسم " التأخر الرتبي ".

وبعد أن يدرك العقل تلك العلاقات يستطيع أن يستفيد منها في اكتشاف وجود الشيء أو عدمه، فهو عن طريق علاقة التضاد بين السواد والبياض، يستطيع أن يثبت عدم السواد في جسم إذا عرف أنه أبيض نظرا إلى استحالة

اجتماع البياض والسواد في جسم واحد، وعن طريق علاقة التلازم بين المسبب وسببه، يستطيع العقل أن يثبت وجود المسبب إذا عرف وجود السبب نظرا إلى استحالة الانفكاك بينهما. وعن طريق علاقة التقدم والتأخر يستطيع العقل أن يكتشف عدم وجود المتأخر قبل الشئ المتقدم، لان ذلك يناقض كونه متأخرا، فإذا كانت حركة المفتاح متأخرة عن حركة اليد في تسلسل الوجود، فمن المستحيل أن تكون حركة المفتاح - والحالة هذه - موجودة بصورة متقدمة على حركة اليد في تسلسل الوجود.

وكما يدرك العقل هذه العلاقات بين الأشياء ويستفيد منها في الكشف عن وجود شيء أو عدمه، كذلك يردك العلاقات القائمة بين الأحكام، ويستفيد من تلك العلاقات في الكشف عن وجود حكم أو عدمه، فهو يدرك مثلا التضاد بين الوجوب والحرمة، كما كان يدرك التضاد بين السواد والبياض، وكما كان يستخدم هذه العلاقة في نفي السواد إذا عرف وجود البياض كذلك يستخدم علاقة التضاد بين الوجوب والحرمة لنفي الوجوب عن الفعل إذا عرف أنه حرام. فهناك إذن أشياء تقوم بينها علاقات في نظر العقل، وهناك أحكام تقوم بينها علاقات في نظر العقل أيضا. ونطلق على الأشياء اسم " العالم التكويني " وعلى الأحكام اسم " العالم التشريعي ". وكما يمكن للعقل أن يكشف وجود الشيء أو عدمه في العالم التكويني عن طريق تلك العلاقات كذلك يمكن للعقل أن يكشف وجود الحكم أو عدمه في العالم التشريعي عن طريق تلك العلاقات.

ومن أجل ذلك كان من وظيفة علم الأصول أن يدرس تلك العلاقات في عالم الأحكام بوصفها قضايا عقلية صالحة لان تكون عناصر مشتركة في عملية الاستنباط .

فائدة علم الأصول:

اتضح مما سبق أن لعلم الأصول فائدة كبيرة للاستدلال الفقهي، وذلك أن الفقيه في كل مسألة فقهية يعتمد على نمطين من المقدمات في استدلاله الفقهي: أحدهما: عناصر خاصة بتلك المسألة من قبيل الرواية التي وردت في حكمها، وظهورها في إثبات الحكم المقصود، وعدم وجود معارض لها ونحو ذلك.

والآخر: عناصر مشتركة تدخل في الاستدلال على حكم تلك المسألة وفي الاستدلال على حكم مسائل أخرى كثيرة في مختلف أبواب الفقه، من قبيل أن خبر الواحد الثقة حجة وان ظهور الكلام حجة.

والنمط الأول من المقدمات يستوعبه الفقيه بحثا في نفس تلك المسألة، لان ذلك النمط من المقدمات مرتبط بها خاصة. وأما النمط الثاني فهو بحكم عدم اختصاصه بمسألة دون أخرى، أنيط ببحث آخر خارج نطاق البحث الفقهي في هذه المسألة وتلك، وهذا البحث الآخر هو الذي يعبر عنه علم الأصول، وبقدر ما اتسع الالتفات تدريجا من خلال البحث الفقهي إلى العناصر المشتركة، اتسع علم الأصول وازداد أهمية، وبذلك صح القول: بأن دور علم الأصول بالنسبة إلى الاستدلال الفقهي يشابه دور علم المنطق بالنسبة إلى الاستدلال بوجه عام، حيث إن علم المنطق يزود الاستدلال بوجه عام بالعناصر المشتركة التي لا تختص بباب من أبواب التكفير دون باب، وعلم الأصول يزود الاستدلال الفقهي خاصة بالعناصر المشتركة التي لا تختص بباب من أبواب الفقه دون باب.


الاستقراء والقياس :

عرفنا سابقا أن الأحكام الشرعية تابعة للمصالح والمفاسد والملكات التي يقدرها المولى وفق حكمته ورعايته لعباده، وليست جزافا أو تشهيا. وعليه فإذا حرم الشارع شيئا، كالخمر مثلا، ولم ينص على الملاك والمناط في تحريمه، فقد يستنتجه العقل ويحدس به، وفي حالة الحدس به يحدس حينئذ بثبوت الحكم في كل الحالات التي يشملها ذلك الملاك، لان الملاك بمثابة العلة لحكم الشارع وإدراك العلة يستوجب إدراك المعلول. وأما كيف يحدس العقل بملاك الحكم ويعينه في صفة محددة، فهذا ما قد يكون عن طريق الاستقراء تارة وعن طريق القياس أخرى.

والمراد بالاستقراء أن يلاحظ الفقيه عددا كبيرا من الأحكام يجدها جميعا تشترك في حالة واحدة من قبيل أن يحصي عددا كبيرا من الحالات التي يعذر فيها الجاهل فيجد أن الجهل هو الصفة المشتركة بين كل تلك المعذريات، فيستنتج أن المناط والملاك في المعذرية هو الجهل، فيعمم الحكم إلى سائر حالات الجهل.

والمراد بالقياس أن نحصي الحالات والصفات التي من المحتمل أن تكون مناطا للحكم وبالتأمل والحدس والاستناد إلى ذوق الشريعة يغلب على الظن أن واحدا منها هو المناط، فيعمم الحكم إلى كل حالة يوجد فيها ذلك المناط.

والاستنتاج القائم على أساس الاستقراء ظني غالبا، لان الاستقراء ناقص عادة، ولا يصل عادة إلى درجة اليقين.

والقياس ظني دائما لأنه مبني على استنباط حدسي للمناط، وكلما كان الحكم العقلي ظنيا، احتاج التعويل عليه إلى دليل على حجيته، كما هو واضح.



الخاتمة

وفي النهاية أطلب من الله سبحانه وتعالى أن أكون قد وفقت في الحديث عن علم الأصول وفائدته وأهميته والمنهج المتبع في دراسته وإن كان فيه نقص فمني ومن الشيطان وإن كان غير ذلك فأطلب من الله العلي العظيم أن يجعله في ميزان حسناتي ، وأخيرًا يقول سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه : ليس شدة السلطان قتلاً بالسيف ولا ضربًا بالسوط ولكن قضاء بالحق وأخذًا بالعدل "

{ دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنْ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

المراجع

1- صالح بن فوزان بن عبد الله آل فوزان ، الملخص الفقهي ، قسم المعاملات وغيرها ،ط1 ، دار ابن الجوزي ، الدمام 1415هـ ، 1994م .

2- د . سالم علي الثقفي ، مصطلحات الفقه الحنبلي وطرق استفادة الأحكام من ألفاظه ، ط2 ، دار النصر للطباعة الإسلامية ، شبرا 1401هـ ، 1981م .

3- السيد سابق ، فقه السنة ، ط3 ، دار الكتاب العربي المجلد الثاني ، 1397هـ ، 1977م .

4- د . محمد سيد طنطاوي ، أصول الفقه الإسلامي ، ط1 دار النصر ، الفجالة ، 1410هـ ، 1990م .

5- د. سيد قطب ، أصول الفقه المعاصر ، ط2 دار الشروق ، أسيوط ، 1402هـ ، 1982م .

6- د. منصور ناصر قموح ، الفقه وأصوله ، ط3 دار الغد ، الفجالة 1415هـ ، 1996م .


رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع تقييم هذا الموضوع
تقييم هذا الموضوع:

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:11 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.4, Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
سبق لك تقييم هذا الموضوع: