آخر 10 مشاركات
الخبيصه الاماراتيه (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 1 - المشاهدات : 12585 - الوقت: 09:09 PM - التاريخ: 01-13-2024)           »          حلوى المغلي بدقيق الرز (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 0 - المشاهدات : 7358 - الوقت: 03:16 PM - التاريخ: 12-11-2023)           »          دروس اللغة التركية (الكاتـب : عمر نجاتي - مشاركات : 0 - المشاهدات : 13240 - الوقت: 11:25 AM - التاريخ: 08-21-2023)           »          فيتامين يساعد على التئام الجروح وطرق أخرى (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 0 - المشاهدات : 14614 - الوقت: 08:31 PM - التاريخ: 07-15-2023)           »          صناعة العود المعطر في المنزل (الكاتـب : أفاق الفكر - آخر مشاركة : OM_SULTAN - مشاركات : 4 - المشاهدات : 48744 - الوقت: 10:57 PM - التاريخ: 11-06-2022)           »          كحل الصراي وكحل الاثمد وزينت المرأة قديما من التراث (الكاتـب : Omna_Hawaa - آخر مشاركة : OM_SULTAN - مشاركات : 2 - المشاهدات : 43808 - الوقت: 10:46 PM - التاريخ: 11-06-2022)           »          كيفية استخدام البخور السائل(وطريقة البخور السائل) (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 2 - المشاهدات : 36027 - الوقت: 10:36 PM - التاريخ: 11-06-2022)           »          جددي بخورك (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 0 - المشاهدات : 20839 - الوقت: 10:25 PM - التاريخ: 11-06-2022)           »          عطور الإمارات صناعة تراثية (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 0 - المشاهدات : 21096 - الوقت: 10:21 PM - التاريخ: 11-06-2022)           »          خلطات للعطور خاصة (الكاتـب : أفاق : الاداره - آخر مشاركة : OM_SULTAN - مشاركات : 1 - المشاهدات : 27051 - الوقت: 10:12 PM - التاريخ: 11-06-2022)

إضافة رد
 
أدوات الموضوع تقييم الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 07-09-2012, 10:48 PM   رقم المشاركة : 1
الكاتب

أفاق : الاداره

مراقب

مراقب

أفاق : الاداره غير متواجد حالياً


الملف الشخصي









أفاق : الاداره غير متواجد حالياً


منهج الأنبياء في الدعوة إلى الله

منهج الأنبياء في الدعوة إلى الله


محمد الدويش


المحتويات
مقدمة
لماذا الحديث عن منهج الأنبياء؟
المعلم الأول: دعوة التوحيد
المعلم الثاني: تعبيد الناس لله وحده
المعلم الثالث: لا أسألكم عليه أجراً
المعلم الرابع: الأمة الواحدة
المعلم الخامس: بلسان قومه
المعلم السادس: رعي الغنم
المعلم السابع: الوضوح
المعلم الثامن : كان الأنبياء يعيشون قضية عصرهم
المعلم التاسع: الولاء على أساس الحق
المعلم العاشر: الاستعانة بالله واللجوء له
· المعلم الحادي عشر: حقيقة التمكين


مقدمة
الحمد لله الكريم الوهاب، الرحيم التواب، غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
أما بعد : فهذا الموضوع حول منهج الأنبياء في الدعوة إلى الله .
ولا أظن أن مثلي وفي هذه العجالة يمكن أن يأتي بمنهج الأنبياء في الدعوة إلى الله عز وجل، فنتحدث عن هذا المنهج بفروعه ومعالمه لكنها ومضات وخواطر أملاها الواقع الذي نعيشه.
ثمت ثوابت اتفق عليها أنبياء الله صلوات الله وسلامه عليهم، وهي قضايا ليست بجديدة وكيف تكون جديدة وهي قضايا المنهج التي يجب أن تكون معالم واضحة لا يجهلها أحد، معالم لا يزيغ عنها إلا من ضل وانحرف، وكيف تكون جديدة وهي حديث عن منهج الأنبياء الذي نقرأه في كتاب الله جل وعلا، فكلنا يقرأ القرآن صباح مساء ويردد آيات الله "عز وجل" التي فيها الحديث عن قصص الأنبياء وعن منهج الأنبياء وعن دعوتهم.

ومن ثم فالحديث مع أمثالكم عن منهج الأنبياء لن يكون حديثاً جديداً، إنما هو تذكير بحقائق نعرفها وندركها جميعاً، وهو إعادة لأفراد المسائل والمواقف التي نقفها في الدعوة إلى الله عز وجل إلى أصولها وجذورها.





لماذا الحديث عن منهج الأنبياء؟
يدعونا للحديث عن هذا الموضوع أمور عدة :
أولها: أن الحديث كثير عن المنهج، فيتحدث الكثير اليوم عن التغيير ومناهجه، وتتنوع الأطروحات الإسلامية ونتنافس في طرح برامج التغيير وبرامج الإصلاح، وتنوع الاجتهادات واختلاف المواقف أمر لا غبار عليه بل لا يمكن سواه، لكن المرفوض أن تتحول الجزئيات والاجتهادات إلى ثوابت، وأن تتحول الاقتناعات الشخصية إلى قضايا منهجية عند البعض يوالى ويعادي من أجلها، وينطلق من اقتناعات شخصية أو اجتهادات ليرسم من خلالها منهجاً يرفض الدعوة إلا من خلاله، ويسفه الآراء التي تنطلق من سواه، ويوالي ويعادي عليه، ويستنبط من خلال ذلك معايير لتقويم الناس والبرامج الدعوية.
إن قضية المنهج تهتم بالثوابت والإطار العام، ومع تأكيدنا لضرورة انضباط المسائل الاجتهادية بضوابط الشرع، ورفضنا الشديد للقسمة الضيزى لشرع الله عز وجل إلى لب وقشور - مع رفضنا لذلك كله - فإن الحكم الشرعي قضية لا تقبل النقاش، والنص الشرعي لا يجوز المساومة عليه، لكن مع كل ذلك لا يسوغ أن تتحول المسائل الاجتهادية إلى قضايا يؤثم فيها الناس ويخطئون ويضللون، أو أن تدعى الأمة أن تجتمع على رأي فلان أو اجتهاد علان، ولا يجوز أن تتحول هذه القضايا إلى معيار للولاء والبراء وتقويم الناس ووزنهم.
إن بعض الناس يرسم ثوابت ومنطلقات يمليها عليه اجتهاده، وربما تقليده لفلان من الناس، أو هي انعكاس لوضع عاشه فيرسم هذه الثوابت ثم يسعى بعد ذلك لتحويلها إلى منهج من خلال البحث عن نصوص شرعية تؤيد ذلك، ولو أدى إلى أن يلوي أعناقها ليًّا. أو من خلال اجتهادات لبعض آحاد السلف تتحول هذه الاقتناعات عند صاحبنا إلى منهجٍ من خالفه فهو منحرفٌ ضال أفاك أثيم.
وثمة طوائف لا تزال في عزلة عن النص الشرعي وغربة عن منهج الطائفة المنصورة، فالمنهج لا يعدو أن يكون حسابات مرحلية أو قضايا استراتيجية، ولهذا قد لا تكاد تفرق أحياناً بين حسابات بعض هؤلاء الدعاة وبين حسابات الساسة وأصحاب الأيدلوجيات الأرضية.
لأجل هذا وذاك كان لا بد من الحديث عن منهج الأنبياء حتى لا تتحول القضية إلى فوضى وتسيب وانحراف عن النص الشرعي والثوابت الشرعية، وحتى لا نشتط ونغلو فنحول اجتهاداتنا الشخصية التي لم يرد فيها نص واضح صريح تتعبد الأمة به.
ثانياً: العصمة: فمن مزايا منهج الأنبياء أن الله سبحانه وتعالى قد عصمهم من الانحراف والخطأ والخلل، وعصمهم سبحانه وتعالى من الأهواء والأغراض، ومن ثم فاتباع سبيلهم ضمان بإذن الله للاستقامة على الطريق القويم ، لذا فمن رحمة الله سبحانه وتعالى بعباده أنه جل في علاه لم يتركهم لاجتهادات البشر أو يعبدهم لآراء مثلهم، واقرأ في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فهل أنت واجد دليلاً واحداً يأمر الناس بالتقليد ويحثهم عليه؟ إنك لن تجد الحديث عن التقليد في كتاب الله وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم إلا في مقام الذم والعيب لأولئك الذين عطلوا عقولهم وعطلوا منطق البرهان والحجة ليسيروا وراء رأي فلان أوفلان من الناس؛ فتكون آراؤه حجة ملزمة للناس ودينا لا يسعهم الخروج عليه.
قد يكون البشر أمة، وقد يكونون دعاة، وموجهين وأعلاماً للأمة تستفتيهم وتصدر عن رأيهم وتنتظر أراءهم وتستضيء بقولهم، لكن ذلك أبداً لا يمكن أن يحوِّلهم إلى معصومين، وإلى حجة بين الله عز وجل وخلقه، ينبغي عليهم أن يتبعوهم؛ فمن خالف قولهم واجتهادهم سار ضالاً منحرفاً زائغاً.
ويرسم ابن عباس رضي الله عنه للأمة معالم هذا المنهج فيقول: أقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقولون قال أبو بكر وعمر يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء.
ومن هنا كانت الحاجة ماسة وملحة للحديث عن منهج الأنبياء؛ لأن البديل عن منهج الأنبياء هو أن يتعبد الناس بآراء البشر أمثالهم، والبشر أياً كانوا لا يمكن أن يكونوا محجة بيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، إنها طريق واحدة وسبيل واحدة هي سبيل المعصوم محمد صلى الله عليه وسلم وما عداه فهو عرضة للخلل والخطأ والزيغ والانحراف إلا من عصم الله عز وجل.
ثالثاً: يقول الله سبحانه وتعالى مخاطباً نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم :"أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده قل لا أسألكم عليه أجراً" فيأمر الله سبحانه وتعالى نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم أن يقتدي بمنهج الأنبياء وأن يقتفي أثرهم وأن يسير على سنتهم، والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم خطاب لأمته من بعده إلى قيام الساعة ونتساءل معشر الإخوة الكرام لماذا يُبدئ القرآن ويعيد في الحديث عن منهج الأنبياء والحديث عن قصص الأنبياء وتتكرر الآيات والسور عن هذا المنهج إشارة أو إيماء أو تفصيلاً، فلا يكاد يخلو جزء من القرآن الكريم من قصة دعوة نبي من الأنبياء، أو إشارة إليه وإلى ما جرى بينه وبين قومه، وفي هذا دعوة إلى أولئك الذين يقرؤون ذلك الكتاب ويتعبدون الله بتلاوته إلى أن يسيروا وفق هذا المنهج وأن يرتسموا معالمه ويسلكوا خطاه.
رابعاً: الأنبياء هم قمة النجاح والإنجاز البشري، وقد اعتاد الناس أيًّا كانت اتجاهاتهم ومذاهبهم وطرقهم أن يثنوا على أولئك الذين ينجحون وينجزون ويبدعون، ولا يزال الناس يتحدثون كثيراً عن عوامل نجاح فلان وعن سر إبداع فلان، فأنت ترى الأدباء يعتنون كثيراً بالحديث عن سيرة فلان وفلان من الأدباء الذين قد تحولوا إلى رفات، ويتحدث المؤرخون والساسة أيضاً عن أولئك الناجحين ويقرؤون سيرهم لينهلون منها معالم يقتفونها ويسيرون في إثرها، ولا يزال المصلحون والمجددون والدعاة يحظون بعناية أهل العلم وأهل الفكر والتوجيه: دراسة لأسباب النجاح، وتحليلاً لعوامل النبوغ والارتقاء، وهم يستحقون ذلك بلا شك لكن قمة النجاح وغاية الإبداع هو ما حققه أنبياء الله صلوات الله وسلامه عليهم.
إن الله سبحانه وتعالى قد اختار الأنبياء لهذه الدعوة وهو الخلاق العليم ((ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير)) ((وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة سبحانه وتعالى عما يشركون)) أفليس الدعاة إلى الله أحوج إلى دراسة سير الأنبياء وطريقة دعوتهم وكيف حققوا مقاصدهم ونجحوا فيما يسعون إليه؟
إنهم أولى بأن يُعتنى بسيرهم؛ لأنهم في قمة البشرية والنجاح والإبداع والإنجاز، فكيف وهم مع ذلك معصومون ؟فكيف ونحن مأمورون بالإقتداء بهم متعبدون بالسير على طريقهم؟
هذه عوامل وأسباب تؤكد لنا ضرورة العناية بدراسة منهج الأنبياء، ونحن حينما ندرس منهج الأنبياء فإننا ينبغي أن نأخذه جملة بكل تفاصيله وبكل معالمه، ولا يسوغ أبداً أن نقتطع أجزاء مما دعا إليه الأنبياء فنحتج بها ونتحدث عنها ونخاصم من أجلها وندع ما سواها، ولا يسوغ أن نرسم منهجاً ونقرر ثوابت ثم نبحث بعد ذلك عما يؤيده من منهج الأنبياء، فينبغي أن نتجرد من الأهواء والتبعية والتقليد إلا لكتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وحينها نستطيع أن نرسم معالم هذا المنهج واضحاً جليًّا مشرقاً بعيداً عن الزلل والانحراف، ولهذا فليس كل من تحدث عن منهج الأنبياء يكون حديثه حديثاً كاملاً كافياً مبرءاً من الهوى والمقررات السابقة التي يأتي إليها فيبحث عما يؤيدها.
وأنا حين أقول ذلك لست أدعي العصمة فيما أقول؛ فأنا بشر لا أعدو أن أكون قد دونت بعض ما ظهر لي من خلال تلاوة آيات الله عز وجل فيما قصه سبحانه عن أنبيائه، فسعيت إلى أن أشير إلى بعض المعالم التي اتفق عليها الأنبياء –جميعهم أو معظمهم- وأرى أنها ينبغي أن تكون معالم وثوابت لمنهج الدعوة إلى الله عز وجل، وقد يكون في بعض ما أراه خطأ أو شطط وهذا دليل على سلامة منهج الأنبياء؛ لأن البشر أيًّا كانوا لا يمكن أن يتجردوا عن الأهواء والأخطاء.





المعلم الأول: دعوة التوحيد
فقضية التوحيد هي قضية القضايا في دعوة الأنبياء، وهي الأساس الذي سعى إليه أنبياء الله صلوات الله وسلامه عليهم ،قال الله سبحانه وتعالى: ((و لقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت)) ، ففي كل أمة خلت ومضت بعث الله عز وجل نبيًّا يدعو إلى عبادته والكفر بالطاغوت، وينفي سبحانه وتعالى -وهو عز وجل أعلم برسله- أن يكون أرسل رسولاً بغير شهادة التوحيد ((و ما أرسلنا قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون)).
وفي قصص الأنبياء المتعاقبة يذكر الله سبحانه أن كل نبي قد قال لقومه أول ما قال ((اعبدوا الله ما لكم من إله غيره)) ،فما دام كل نبي أتى وبعث من أجل التوحيد، وأرسل من أجل شهادة ألا إله إلا الله، فمن يسير على منهجهم ويتبع خطاهم ما لم تكن قضية التوحيد هي القضية الأساس لديه، والأول في سلم اهتماماته فليعد النظر في منهجه.
إننا نرى في عصرنا الحاضر صوراً صارخة من العدوان على التوحيد وركوب الشرك والطاغوت، أليس من المناقضة لأصل التوحيد ما نراه من أولئك الذين يمرغون جباههم أمام الأضرحة ساجدين أو متبركين بتربة ضريح وليًّ أو إمام؟ أو أولئك الذين يتوجهون لهم بالدعاء من دون الله عز وجل معتقدين فيهم قضاء الحاجات وتنفيس الكربات؟ كم في بلاد الإسلام من طواغيت تشد إليها الرحال وتعقد عليها الخناصر؟ أفيسوغ أن تقوم دعوة من الدعوات وتجعل هذه الصورة الصارخة من الشرك المناقض للتوحيد قضية هامشية أو جزئية من جزئيات الدعوة؟
ومن صور العدوان على التوحيد ما يعتقده أهل الخرافة أن النبي صلى الله عليه وسلم أو أولياءهم يعلم الغيب أو يملك ضرًّا ونفعاً، أو أولئك الذين يفضلون كلام البشر وما ابتدعوه على كلام الله عز وجل، أتكون تلك الدعوة التي تحمل بين صفوفها بعض هؤلاء أو تلتقي معهم أو تهادنهم وتجاملهم دعوة تسير على منهج الأنبياء؟
و من صور العدوان على التوحيد والولوج في الشرك ما يعتقده البعض من تكفير أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، أبر هذه الأمة وأصدقها لهجة، وما يتعبدون فيه لله بزعمهم من سب خيرة الخلق وعيبهم وتنقصهم، واعتقاد أن أئمةً لا يجاوز عددهم عدد شهور العام هم المعصومون الذين يعلمون الغيب، والناس بهائم لا عقول لهم وليس عليهم إلا أن يسيروا وراءهم وكم يفعل هؤلاء عند البقيع أو عند أضرحة أئمتهم مما يتفطر له قلب كل موحد مخلص، أفتكون تلك الدعوة التي تصور خلافها مع هؤلاء خلافاً جزئيًّا؟ أو تلك التي تداريهم أو تسكت عن شركهم وضلالهم أتكون دعوة على منهاج النبوة؟
و من صور العدوان والجرأة على الشرك اتخاذ طائفة من البشر أنداداً من دون الله يشَّرعون ويُحلُّون ويحرَّمون ويصدرون قانوناً يبيح ما حرم الله عز وجل ويحرم ما أباح الله ويبدل شرع الله سبحانه وتعالى، ويصبح هذا القانون شرعاً مطاعاً عند الناس متبعاً يقاد الناس إليه ويخضعون له ويجرِّمون ويبرَّئون على أساسه. لقد قال الله عز وجل عن أولئك الذين أطاعوا أحبارهم وعبادهم في إباحة بعض ما حرم الله وتحريم ما أباح :((اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله)).
وقال مخاطباً للمؤمنين أنهم لو أطاعوا المشركين في إباحة مسألة من المسائل في إباحة الميتة أنهم مشركون :((و إن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون))، فكيف بمن شرَّع وأحل وحرم وبدَّل شرع الله عز وجل وصيَّر ذلك شرعاً يقاد الناس إليه ويخضعون له؟ أليس هذا أصرخ عدوان وجرأة على مقام الربوبية وعلى مقام الله سبحانه وتعالى؟
إن الدعوة التي تسعى للالتقاء مع هؤلاء في منتصف الطريق أو ترى لها مسوغاً في السكوت عن شركهم وضلالهم دعوة بعيدة كل البعد عن منهج الأنبياء.
إن الذي يدين الله سبحانه وتعالى بالعقيدة الإسلامية ويتخذها منهجاً ونبراساً له ما لم يتخذه موقفاً واضحاً محدداً من أعداء العقيدة سواء أكانوا عباد قبور وأضرحة، أم كانوا سبابة لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أم كانوا باطنيين يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر المحض، أم كانوا من المغضوب عليهم والضالين إخوان القردة وعباد الصليب، إن الذي لا يتخذ من أولئك موقفاً واضحاً محدداً ليس إلا جاهلاً ببدهيات العقيدة مما لا يعذر مسلم بجهله، أو متاجر بدعوى اتباع العقيدة والدعوة إليها ، أليس الأنبياء كلهم جميعاً قد بعثوا لعبادة الله واجتناب الطواغيت؟ فأين اجتناب الطواغيت؟





المعلم الثاني: تعبيد الناس لله وحده
لقد كانت مقولة كل نبي لقومه (اعبدوا الله مالكم من إله غيره) وهي - مع ما فيها من دلالة على التوحيد- دليل على أن دعوة الأنبياء إنما تهدف وتقصد تعبيد الناس لله سبحانه وتعالى، ومن ثم فالداعية السائر على خطى الأنبياء المقتفي آثارهم جدير بأن يتذكر كل حين ويستشعر كل آن أن غاية دعوته ومنتهى مقصده هو تعبيد الناس لله رب العالمين، وأن يعطي سائر أهدافه مكانها الطبيعي وحجمها المعقول؛ حينها لن يصبح داعية لنفسه ولا لتجميع الناس حول شخص أو حتى حول اجتهاداته أو اقتناعاته.






المعلم الثالث: لا أسألكم عليه أجراً
قال سبحانه وبحمده :((كذبت قوم نوح المرسلين إذ قال لهم أخوهم نوحٌ ألا تتقون إني لكم رسولٌ أمين فاتقوا الله وأطيعون * وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين))، وقال سبحانه وبحمده ((كذبت عادٌ المرسلين إذ قال لهم أخوهم هودٌ ألا تتقون)) إلى آخر الآيات، وكل نبي يقول هذه المقولة ((ما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين)).
ويأمر الله سبحانه وتعالى نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم أن يقولها واضحة صريحة ((قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين)) ، ومن ثم فإن السائر على منهج الأنبياء ينبغي أن يقولها صريحة بلسان المقال ((ما أسألكم عليه أجراً)) إنني أدعو إلى قضية واحدة إلى عبادة الله ((اعبدوا الله ما لكم من إله غيره)) عبادة الله بمعناها الشامل ومفهومها الواسع فلست أريد أي أجر كان.
إن أولئك الذين يتاجرون بالكلمة فيقولون كلمة أو يسطرون أخرى ويرجون من ورائها أجراً، لا يفقهون حق الفقه منهج الأنبياء أو هم متاجرون بدعوتهم، وقد يبلغ الأمر أن يقول أحدهم كلمة ويشهد الله على ما في قلبه، وهي كلمة يريد من وراءها أجراً قد يكون مالاً محدداً يقبضه ويتلقاه، وقد يكون شهرة بين الناس أو جاهاً أو غير ذلك.
إن قوله تعالى : ((ما أسألكم عليه من أجر)) نكرة في سياق النفي قد دخلت عليها من الزائدة فهي في أعلى صور العموم، إن أي أجر وأي ثمرة عاجلة يريدها صاحبها في الدنيا كفيلة بأن تبعثر عليه الأوراق، وهي وثيقة اتهام له بانحرافه عن منهج الأنبياء، أما الدعاة الصادقون الذين يقتفون هدي النبوة ويسيرون على منهجها فهم أولئك الذين يقولون ما يعتقدون أنه الحق ويدينون الله عز وجل به دون أن يرجوا من وراء ذلك أجراً في الدار الدنيا أيًّا كان ذلك الأجر مالاً أو جاهاً.




المعلم الرابع: الأمة الواحدة
تبدو هذه قضية واضحة المعالم، يدركها قارئ كتاب الله عز وجل حين يتأمل أي سياق ورد في قصص الأنبياء، بل قد نص الله جل وعلا على ذلك تعقيباً على قصص الأنبياء قائلاً: ((و إن هذه أمتكم أمة واحدة)) ، إن هذا الأمة الواحدة لا ينتهي مداها في دار الدنيا بل يمتد هناك إلى الدار الآخرة حين يقف الناس للحساب والجزاء والمساءلة، عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يدعى نوح يوم القيامة فيقال له هل بلغت؟ فيقول نعم، فيدعى قومه فيقال: لهم هل بلغكم؟ فيقولون: ما أتانا من نذير وما أتانا من أحد فيقال لنوح من يشهد لك؟ فيقول: محمد وأمته ،قال: فذلك قوله "وكذلك جعلناكم أمة وسطا" قال :والوسط العدل فتدعون فتشهدون له بالبلاغ ثم أشهد عليكم" رواه البخاري.
إن هذا يجعل المسلم يتخطى حاجز الزمن؛ ليرى أنه ينتمي إلى جيل واحد وإلى أمة واحدة وحزب واحد ألا وهو حزب الله ((أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون))، فهو يرى أن تاريخه لا يقف عند حدود ستين عاماً عند آبائه وأجداده، أو عند فلان وفلان، بل ليس عند حدود هذه الأمة؛ فهو تاريخ ضارب بأطنابه كله في جذور التاريخ منذ أن هبط آدم عليه السلام؛ فهو يرى أنه ينتمي إلى أمة واحدة.
وتجنى هذه الثمرة وتتم وحدة هذه الأمة يوم القيامة حين تشهد هذه الأمة لأنبياء الله صلوات الله وسلامه عليهم، هناك في المحاكمة والمقاضاة، حينها يتصل الوثاق وهذا الرباط فتأتي هذه الأمة لتشهد يوم يهان الظالمون ويسحبون على وجوههم، لتشهد بأن نوح بلغ الرسالة، وأن هوداً أدى الأمانة، وأن صالحاً قد بلغ ما أمر به، وتشهد لجميع أنبياء الله صلوات الله وسلامه عليهم.
إن من نتاج وحدة الأمة أن اتحدت مواقف أعدائهم منهم، واقرؤوا كتاب الله عز وجل لتروها صورة واحدة كل نبي يعيش صراعاً مع طغاة قومه ((قال الملأ الذين استكبروا من قومه)) وهكذا يتزعم الملأ قضية المواجهة مع أنبياء الله عز وجل، ومن العجيب أن تتحد الأساليب والطرق ولهذا يقول سبحانه وتعالى :((أتوا صوبه بل هم قومٌ طاغون)) فكأن هؤلاء قد تواصوا واتفقوا على أسلوب واحد يواجهون به رسل الله والداعين إلى منهجه، لكنهم قوم طاغون يبدؤون العدوان بالسخرية و الاستهزاء ((وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي وما نرى لكم علينا من فضل بل نظنكم كاذبين)) ((قالوا يا شعيب ما نفقه كثيراً مما تقول وإنا لنراك فينا ضعيفاً ولولا رهطك لرجمناك وما أنت علينا بعزيز)) إنها لهجة واحدة الاستهزاء وتشويه السمعة ((كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحرٌ أو مجنون * أتواصوا به بل هم قوم طاغون)) ثم يتجاوز الأمر إلى التشكيك في النوايا والمقاصد ((قال آمنتم له قبل أن آذن لكم إنه لكبيركم الذي علمكم السحر)) ،((إن هذا لمكر مكرتموه في المدينة لتخرجوا منها أهلها فسوف تعلمون))، فرعون يشكك في نوايا أولئك الذين آمنوا أن إيمانهم كان مؤامرة اتفقوا فيها مع موسى ليبطشوا بفرعون ليخرجوه من أرضه، وهكذا يقول عن موسى ((وقال فرعون ذروني أقتل موسى وليدع ربه إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد)).
وقوم نوح يتهمون أتباعه بأنهم أقوام يسترزقون من وراء هذه الدعوة ويتلقون على ذلك أجراً ولذلك يقول ((وما أنا بطارد المؤمنين)) ، ((ويا قوم من ينصرني من الله إن طردتهم أفلا تذكرون الخ…))، أي مال يملكه نوح عليه السلام حتى ينفقه على أولئك الذين يدعي هؤلاء أنهم إنما اتبعوه لأجل المال، وهكذا يسير هؤلاء وفق هذه الطريقة وهذا الأسلوب القذر في الحديث عن النوايا والمقاصد ويطول هذا الأمر ويشتد ويأبى أنبياء الله الخضوع أمام هذه السخرية أو الاستهزاء أو التشويه أو المساومة والإغراء؛ فيلجأ أولئك إلى الإيذاء البدني والتصفية ((و كان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون قالوا تقاسموا بالله لنبيتنه وأهله ثم لنقولن لوليه ما شهدنا مهلك أهله وإنا لصادقون الخ..))، وقال سبحانه وبحمده :((قالوا لئن لم تنته يا نوح لتكونن من المرجومين)) وفرعون يقول :((لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم في جذوع النخل ولتعلمن أينا أشد عذاباً وأبقى))، ((ذروني أقتل موسى وليدع ربه إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد)).
هذه المواقف وغيرها هي التي ترجمها الشيخ النجدي حين حضر ذلك المؤتمر الغاشم الذي عقده ملأ قريش في مؤامرة تُكاد للنبي صلى الله عليه وسلم، فأثنى ذلك الشيطان على ذاك الاقتراح الذي رأى أن يختار من كل قبيلة شابًّا جلداً فيتفرق دمه بين القبائل، إن هذا المنطق ليس اجتهاداً ولا إبداعاً منه، إنما هو ميراث ورثه من سلفه أولئك الملأ الذين تواصوا بذلك المنطق، وهكذا كانت وتكون مواقف الملأ من كل دعوة صادقة جادة على منهج الأنبياء ولهذا يقولها ورقة -رضي الله عنه- للنبي صلى الله عليه وسلم حين أتاه وهو يرجف فؤاده ليتني حيًّا إذ يخرجك قومك، قال صلى الله عليه وسلم: أو مخرجيًّ هم؟ قال: نعم ما جاء رجل بمثل ما أتيت به إلا عُودِيَ. إنه منهج واحد وطريق واحد إنه العذاب والإيذاء ومن ثم فإن أي دعوة تنتظر أن تهادن أهل الشرك والطغيان والفجور والنفاق، وتنتظر أن تتحاشى اللقاء مع الأعداء فهي دعوة ينبغي لها أن تبحث لها عن منهج أو موقع خارج منهج الأنبياء.




المعلم الخامس: بلسان قومه
قال عز وجل :((وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم فيضل الله من يشاء ويهدي من يشاء)). فقد كان الأنبياء من أقوامهم ويتكلمون بألسنتهم وهذا يحقق مقاصد شتى:
أولها: حتى يفقهوا ما يقول، ويدركوا ما يدعوهم إليه، ومن ثم فالخطاب الدعوي الموجه للناس ينبغي أن يكون واضحاً لا لبس فيه ولا غموض، ولا يسوغ أن تتجاوز الرغبة في جمال العبارة وحسن الأسلوب لتحول الحديث إلى ألغاز يُحتاج في إدراكه إلى خبراء في حل رموزه والبحث عن كوامنه، ولهذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم وهو أفصح الناس يتكلم بكلام فصل لو عدَّه العاد لأحصاه، ولم يكن صلى الله عليه وسلم يسرد كسائر الناس، بل كان يكرر الكلمة ثلاثاً، ولئن دعت الداعية الضرورة بحيث لا يمكنه الإفصاح فيلجأ إلى التلميح والإيماء فإنه لا ينبغي أن يغلو فيبالغ في التعمية فلا يدركها إلا هو فيصبح المعنى في بطن الشاعر، وحينها لا تصبح لدعوته قيمة.
ثانياً: كون النبي يتكلم بلسان قومه يعني أنه منهم يعرفهم ويعرفونه، ويعرف طباعهم وما هم عليه، ومن ثم فالداعية إلى الله عز وجل أحوج ما يكون إلى أن يعرف واقعه، ويعي حال الناس وحال المخاطبين ولهذا اختار الله عز وجل الأنبياء من أقوامهم.
ثالثاً: يفيد هذا أنهم يعرفونه؛ فليس غريباً عليهم، وليس نكرة فيهم، ولهذا قالوا لصالح (قد كنت فينا مرجواً قبل هذا) كنا نعرفك ونؤمل فيك الخير ونرجوه.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم معروفاً عند قومه بالصادق الأمين عليه أفضل الصلاة والسلام، وكان يحمل الكل ويكسب المعدوم ويعين على نوائب الحق، كان يأتيه الضعيف فيعينه، والمحتاج فيسد حاجته، ولهذا فالدعاة إلى الله عز وجل السائرون على منهج الأنبياء حريٌ بهم أن يكونوا أعلاماً شامخة في أقوامهم يعرفهم الجميع القاصي والداني.




المعلم السادس: رعي الغنم
حين سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن رعيه للغنم أجاب بأن هذا شأن الأنبياء، وأن هذا أمر اختاره الله لأنبيائه؛ فما من نبي إلا ورعى الغنم، والسكينة والوقار كما قال صلى الله عليه وسلم في أهل الغنم.
لقد كان الأنبياء رعاة وقادة للبشرية ومن ثم كان رعي الغنم تهيئة وتربية وإعداداً لهم، ولهذا نرى أسلوب الرفق والحكمة يغلب على منهج الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، فيقول الله جل وعلا لموسى وهارون :((اذهبا إلى فرعون إنه طغى * فقولاله قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى))، وإبراهيم عليه السلام يقول مخاطباً لأبيه ناصحاً واداً ((يا أبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني أهدك صراطاً سويًّا)) بلغة الهدوء والمنطق والإشفاق والنصيحة، وأما محمد صلى الله عليه وسلم فما عرفت البشرية أرحم منه صلى الله عليه وسلم :
وإذا رحــــمت فأنت أم أو أب *** هذان في الدنيا هم الرحمـــاء
وإذا غضبت فإنما هي غـــضبة *** لله لا حـــقــدٌ ولا شحنـاء
فما عرفت البشرية أرحم ولا أرق فؤاداً منه صلى الله عليه وسلم ((لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيزٌ عليه ما عنتم جريصٌ عليكم بالمؤمنين رؤوف الرحيم)) فالدعاة إلى الله عز وجل ينبغي أن يكون منطقهم ورائدهم قوله صلى الله عليه وسلم: "ما كان الرفق في شيء إلا زانه وما نزع من شيء إلا شانه".




المعلم السابع: الوضوح
مع ما اتسم به الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، فقد واجهوا قومهم بانحرافاتهم مواجهة صريحة لا لبس فيها ولا غموض، فلوط عليه السلام يقول لقومه :((أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين)) ، وشعيب عليه السلام يقول الله عز وجل عنه: ((وإلى مدين أخاهم شعيباً قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ولا تنقصوا المكيال والميزان إني أراكم بخير وإني أخاف عليكم عذاب يوم محيط)).
وإبراهيم عليه السلام الذي كان رحيماً رقيقاً مع أبيه يعمد إلى أصنام قومه فيكسرها ويحطمها؛ فيعقدون له مجلس المناظرة والمحاكمة فيقولون له: أ أنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم؟ فيقول ساخراً متهكما ((بل فعله كبيرهم هذا فسألوهم إن كانوا ينطقون * فرجعوا إلى أنفسهم فقالوا إنكم أنتم الظالمون ثم نكسوا على رؤوسهم لقد علمت ما هؤلاء ينطقون)) ،قال مخاطباً قومه: ((أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئاً ولا يضركم أفٍ لكم ولما تعبدون من دون الله أفلا تعقلون)) ويقول محاجاً لطاغية عصره :((إن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب)).
وموسى عليه السلام الذي أرسله الله إلى فرعون وأمره أن يقول قولاً ليناً ((قال لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السموات والأرض بصائر وإني لأظنك يا فرعون مثبوراً)) ،((قال فرعون وما رب العالمين قال رب السموات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين)) إنه موسى الذي أمره الله بالقول اللين.
ومن ثم فإن الرفق والقول اللين مع أنه منهج لا يجوز تخطيه ولا المساومة عليه لا يعني السكوت عن قضايا الدعوة، ولا السكوت عن أخطاء الناس وانحرافاتهم وضلالتهم؛ فها هم أنبياء الله يعلنونها صريحة ويواجهون أقوامهم بشركهم وضلالهم مواجهة صريحة.




المعلم الثامن : كان الأنبياء يعيشون قضية عصرهم
لقد كان الأنبياء عليهم السلام يعيشون قضايا عصرهم؛ فلوط عليه السلام دعا إلى التوحيد ثم ندد بالفساد الأخلاقي الذي كان عليه قومه، وشعيب عليه السلام دعا إلى التوحيد وندد بالفساد الاقتصادي والظلم الذي كان عليه قومه، وموسى دعا إلى التوحيد والإيمان وندد بالاستعباد والإهانة للناس ((وتلك نعمة تمنها علي أن عبدت بني إسرائيل)).
وهكذا الدعوة التي تسير على منهج الأنبياء ينبغي أن تقتفي معالم هذا المنهج؛ فتعيش قضية عصرها. إنه لا يسوغ أن يعيش امرؤ في بلد يعج بدعاء غير الله وتقديس الأضرحة، ولا يعرف حينها من يعيش هذا العصر من قضية العقيدة إلا قضية الأسماء والصفات، وأن القرآن منزل غير مخلوق.
وهكذا في أي عصر ينبغي أن يعيش الداعية قضية عصره، بل قد كان الأنبياء عليهم السلام -مع أن أقوامهم لم يستجيبوا بعد لقضية التوحيد- يتحدثون عن الفساد والضلال والانحراف الذي كان في عصرهم، فلا ترى سورة يذكر فيها لوط إلا ويذكر فيها الحديث عن الفساد والشذوذ الذي كان عليه قومه، ولا سورة يذكر فيها شعيب إلا وترى حديثه عن الفساد الاقتصادي وعن بخس الناس أموالهم وحقوقهم.




المعلم التاسع: الولاء على أساس الحق
لقد ضرب الله عز وجل لنا في القرآن مثلاً (امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئاً وقيل ادخلا النار مع الداخلين).
ونوح حين وعده الله عز وجل أن ينجيه وابنه من أهله وكان يراه في معزل فناداه نوح ((يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين قال سآوي إلى جبل يعصمني من الماء قال لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم وحال بينهما الموج فكان من المغرقين)) ،حينما دعا نوح ربه قال الله عز وجل ((يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح فلا تسألن ما ليس لك به علم)) ، وإبراهيم حين شاقه أبوه وعانده قال له ولقومه ((إنا برءاء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً حتى تؤمنوا بالله وحده)) . إنها قضية الولاء والبراء وهي تلك التي يقولها صلى الله عليه وسلم إن آل بني فلان ليسوا بأوليائي إنَّ أوليائي المتقون، فقضية الولاء والبراء قضية من أسس العقيدة لا يجوز الإخلال بها والمساومة عليها وخدشها؛ فهي قضية من قضايا الأمة الواحدة مما اتفق عليها الأنبياء إلى قيام الساعة، ولهذا توعد الله أولئك الذين يوالون أعداء الله ،قال: ((بشر المنافقين بأن لهم عذاباً أليما * الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعاً) (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين * فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على أسروا في أنفسهم نادمين)).
فمن يسير على منهج الأنبياء ينبغي أن يكون ولاؤه على أساس الإيمان وعلى أساس كلمة التوحيد وحدها لا غير.




المعلم العاشر: الاستعانة بالله واللجوء له
قال تعالى :((ونوحاً إذ نادى من قبل) ،(وزكريا إذ نادى ربه رب لا تذرني فرداً وأنت خير الوارثين)) إلى آخر ذلك ، ثم قال الله عز وجل :((إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغباً ورهباً وكانوا لنا خاشعين))، لقد كان أنبياء الله يلجؤون إلى الله سبحانه وتعالى في السراء والضراء، يلجؤون إليه عبادة وخضوعاً وتذللاً له سبحانه وتعالى، ويلجؤون إليه استعانة واستنصاراً به سبحانه وتعالى.
فجدير بمن يقتفي أثر منهج الأنبياء أن تكون له صلة بالله عز وجل دعاءً ورغبة ورهبة ولجؤًا إليه سبحانه وتعالى واستعانة به عز وجل واستمداداً للعون والثبات والتوفيق منه سبحانه وتعالى.




المعلم الحادي عشر: حقيقة التمكين
وعد الله عز وجل -ووعده صادق- بالتمكين للمؤمنين فقال:((و لقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون))، ((و لقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين * إنهم لهم المنصورون وأن جندنا لهم الغالبون)) ،((فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله إن الله عزيز ذو انتقام)).
ومع ذلك فقد نصر الله طائفة من أنبيائه وأهلك أقوامهم وجعلهم الله سبحانه وتعالى عبرة وعظة للمكذبين من بعدهم، لكن هناك من أنبياء الله من يأتي يوم القيامة وليس معه إلا الرجل والرجلان، ومن يأتي يوم القيامة وليس معه أحد، ومنهم أولئك الذين تجرأ عليهم إخوان القردة والخنازير المغضوب عليهم فقتلوهم، فكم عاب الله أولئك الذين يقتلون الأنبياء بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس،؟ أترى أولئك الأنبياء الذين كتب الله لهم أن يقتلوا لم يتحقق فيهم وعد الله سبحانه وتعالى؟ ((ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين إنهم لهم المنصورون وإن جندنا لهم الغالبون)) ،بلى والله لقد تحقق فيهم هذا الوعد، لكن مفهوم النصر مفهوم أشمل، إنه ليس بالضرورة التمكين في دار الدنيا، فقد يقتل أنبياء الله وقد يمضون ولما يتبعهم أحد، لكن الله لن يخلف وعده رسله ((يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات وبرزوا لله الواحد القهار)) ،حينها يحقق الله عز وجل الوعد لأولئك فحقيقة النصر والتمكين ليست قاصرةً أو منتهية في هذه الدار.
هذه بعض معالم منهج الأنبياء ومعالم الأمة الواحدة علنا أن نقتفي أثرهم ونترسم من خلالها منهجاً واضحاً محدداً نسير عليه في دعوتنا؛ فمنهج الأنبياء خير وأزكى وأبر من اجتهادات البشر التي هي ليست معصومة من الهوى والضلال والانحراف، أسأل الله عز وجل أن يوفقنا وإياكم للإقتداء بأنبيائه صلوات الله وسلامه عليهم وأن يحشرنا تحت ضيائهم وفي زمرتهم؛ إنه سميع مجيب.



موقع الدويش


رد مع اقتباس
قديم 07-09-2012, 10:55 PM   رقم المشاركة : 2
الكاتب

أفاق : الاداره

مراقب

مراقب

أفاق : الاداره غير متواجد حالياً


الملف الشخصي









أفاق : الاداره غير متواجد حالياً


رد: منهج الأنبياء في الدعوة إلى الله

( منهج الأنبياء في الدعوة إلى الله ) للشيخ : ( محمد الدويش )

منهج الأنبياء في الدعوة إلى الله


الأنبياء قدوة الأنام لأنهم مؤيدون بالعصمة مصطفون من الله تعالى لتبليغ دينه والدعوة إلى عبادته وتوحيده، وقد ذكر الله قصصهم ومنهجم في الدعوة إلى الله في القرآن الكريم، فيجب على كل داعية الاهتداء بهديهم والاقتداء بسيرهم.

أهمية الحديث عن منهج الأنبياء




الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله. أما بعد: ففي هذه الليلة الطيبة المباركة ليلة الخميس الثالث والعشرين من شهر جمادى الأولى عام 1415 للهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة وأتم التسليم نتحدث حول منهج الأنبياء في الدعوة إلى الله عز وجل، ولا أظن أن مثلي وفي هذه العجالة يمكن أن يأتي على منهج الأنبياء في الدعوة إلى الله عز وجل بفروعه ومعالمه، لكنها إضاءات وخواطر أملاها الواقع الذي نعيشه. ثمة ثوابت -معشر الإخوة الكرام- اتفق عليها أنبياء الله صلوات الله وسلامه عليهم، وهي قضايا ليست جديدة، وكيف تكون جديدة وهي قضايا المنهج؟! وقضايا المنهج ينبغي أن تكون معالم واضحة.. معالم لا يجهلها أحد.. معالم لا يزيغ عنها إلا من ضل وانحرف، وكيف تكون جديدة وهي حديث عن منهج الأنبياء الذي نقرؤه في كتاب الله سبحانه وتعالى؟! كلنا يقرأ القرآن، وكلنا يقرأ ويتلو آيات الله عز وجل التي فيها الحديث عن قصص الأنبياء، وعن منهج الأنبياء، وعن دعوتهم، ومن ثم فالحديث معشر الإخوة الكرام مع أمثالكم عن منهج الأنبياء لن يكون حديثاً جديداً إنما هو تذكير بحقائق نعرفها وندركها جميعاً.. إنما هو إعادة لأفراد المسائل والمواقف التي نقفها في الدعوة إلى الله عز وجل إلى أصولها وجذورها. ولعل أول تساؤل يطرح: لماذا الحديث عن منهج الأنبياء؟. يدعونا معشر الإخوة الكرام للحديث عن منهج الأنبياء أمور عدة........



كثرة الحديث عن مناهج التغيير



أولها: أن الحديث كثير عن المنهج فيتحدث الكثير اليوم عن التغيير ومناهجه، وتتنوع الأطروحات الإسلامية وتتنافس في طرح برامج التغيير ومناهج الإصلاح، وتنوع الاجتهادات واختلاف المواقف أمر لا غبار عليه، لكن المرفوض أن تتحول الجزئيات والاجتهادات إلى ثوابت، وأن تتحول القناعات الشخصية إلى قضايا منهجية عند البعض يوالي ويعادي من أجلها، وينطلق من اقتناعات شخصية أو اجتهادات ليرسم من خلالها منهجاً يرفض الدعوة إلا من خلاله، ويسفه الآراء التي تنطلق من سواه ويوالي ويعادي عليها ويستنبط من خلال ذلك معايير لتقييم الناس والبرامج الدعوية. إن قضية المنهج قضية تهتم بالثوابت والإطار العام، ومع تأكيدنا على ضرورة انضباط المسائل الاجتهادية بضوابط الشرع، ومع رفضنا لتلك القسمة الضيزى لشرع الله عز وجل إلى لب وقشور؛ لكن مع ذلك كله لا يسوغ أن تتحول المسائل الاجتهادية إلى قضايا يؤثم فيها الناس ويخطئون ويضللون، أو أن تدعى الأمة إلى أن تجتمع على رأي فلان أو اجتهاد علان، ولا يجوز أن تتحول هذه القضايا إلى معيار للولاء والبراء. إن البعض من الناس يرسم ثوابت ومنطلقات يمليها عليه اجتهاده وربما تقليده لفلان من الناس، وربما كانت انعكاساً لوضع معين، فيرسم هذه الثوابت ثم يسعى بعد ذلك لتحويلها إلى منهج من خلال البحث عن نصوص شرعية تؤيد ذلك ولو أدى إلى أن يلوي أعناقها لياً، أو من خلال اجتهادات هي لآحاد من السلف تتحول هذه الاقتناعات عند صاحبنا إلى منهج من خالفه فهو منحرف ضال أفاك أثيم. وثمة طوائف لا تزال تعيش في عزلة عن النص الشرعي وغربة عن منهج الطائفة المنصورة، فلا تعدو مصادر المنهج أن تكون حسابات مرحلية، أو قضايا استراتيجية؛ ولهذا قد لا تكاد تفرق أحياناً بين حسابات بعض هؤلاء الدعاة وحسابات الساسة وأصحاب الأيدلوجيات الأرضية. لأجل هذا وذاك كان لا بد من الحديث عن منهج الأنبياء حتى لا تتحول القضية إلى فوضى وتسيب وانحراف عن النص الشرعي والثوابت الشرعية، وحتى أيضاً لا نشطط ونغلو فنحول اجتهاداتنا الشخصية التي لم ينص عليها نص واضح وصريح تتعبد الأمة به.. وربما كانت لا تعدو أن تكون مقولة لفلان، أو أن تكون وضعاً عشناه وألفناه، حتى لا تتحول هذه الاجتهادات إلى منهج وثوابت، ننصر الدعوة من خلالها ونقيم آمال الناس ونزنها من خلال هذا الميزان، إن هذا وذاك مرفوض؛ لهذا كان لا بد من الحديث عن منهج الأنبياء.



أعلى الصفحة



العصمة



من مزايا منهج الأنبياء أن الله سبحانه وتعالى قد عصمهم من الانحراف والخطأ والخلل وعصمهم سبحانه وتعالى من الأهواء، ومن ثم فاتباع سبيلهم ضمان بإذن الله عز وجل في الاستقامة على الطريق والسلوك على الجادة، والأمن من الخلل وبنيات الطريق؛ لذا فمن رحمة الله سبحانه وتعالى بعباده أن لم يتركهم لاجتهادات البشر أو يعبدهم لآراء فكرهم، واقرأ في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، هل تجد دليلاً واحداً يأمر الناس بالتقليد ويحثهم عليه، إنك لن تجد الحديث عن التقليد في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم إلا في مقام الذم والعيب لأولئك الذين عطلوا عقولهم، وعطلوا منطق البرهان والحجة، وساروا وراء وعي فلان وفلان من الناس. إنه مما لا يليق شرعاً وعقلاً أن يعبد الناس أحداً من البشر فتكون آراؤه حجة ملزمة للناس وديناً لا يسعهم الخروج عليه، فهؤلاء البشر قد يكونون أئمة، وقد يكونون دعاة، وقد يكونون موجهين، وقد يكونون أعلاماً للأمة تستفتيهم الأمة، وتصدر عن رأيهم وتستضيء بقولهم، لكن ذلك لا يمكن أن يحولهم إلى معصومين.. إلى حجة بين الله عز وجل وخلقه ينبغي عليهم أن يتبعوهم فمن خالف قولهم واجتهادهم صار ضالاً منحرفاً زائغاً. إن هذا معشر الإخوة الكرام خرق لإجماع السلف، وهو خلل في المنهج.. أترى في الأمة خيراً من أبي بكر و عمر رضي الله عنهما وقد قالا للناس جميعاً: إن أصبنا فأعينونا وإن أخطأنا فقومونا. ويرسم ابن عباس رضي الله عنه للأمة معالم هذا المنهج فيقول: أقول لكم: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقولون: قال أبو بكر و عمر ، يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء! معشر الإخوة الكرام! إن مما أجمع عليه أهل السنة وسلف الأمة قديماً وأتباعهم أنه لا عصمة لبشر بعد الأنبياء، ومما أجمعوا عليه أنه ليس هناك أحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم حجة بين الله وخلقه، دع عنك أولئك الذين يرسمون أئمة بعدد شهور العام ويرون أن سواهم ضالون منحرفون إن لم يعطلوا عقولهم ويصموا آذانهم ويغمضوا أعينهم ويسيروا وراءهم؛ ولهذا تراهم ينادون ويدعون الإمام الغائب قائلين: عجل الله فرجه. أما الطائفة الناجية -أهل السنة والجماعة- فقد عصمهم الله عز وجل من ذلك، نعم لهم أئمة وأعلام وعلماء تصدر الأمة عن رأيهم وقادة يوجهون الأمة ويسيرونها؛ لكنهم مع ذلك يبقون بشراً لا يمكن أن يرتفعوا إلى درجة العصمة، ومن هنا كانت الحاجة ماسة وملحة للحديث عن منهج الأنبياء. البديل عن منهج الأنبياء هو أن يتعبد الناس لآراء البشر أمثالهم، والبشر أياً كانوا لا يمكن أبداً أن يكونوا محجة بيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، إنها طريق واحدة وسبيل واحدة هي سبيل المعصوم صلى الله عليه وسلم وما عداه فهو عرضة للخطأ والخلل والزيغ والانحراف إلا من عصم الله عز وجل.



أعلى الصفحة



أمر الله بالاقتداء بهدي الأنبياء



ثالثاً: يقول الله سبحانه وتعالى مخاطباً نبيه صلى الله عليه وسلم أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا [الأنعام:90] فيأمر الله سبحانه وتعالى نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم أن يقتدي بمنهج الأنبياء، وأن يقتفي أثرهم، وأن يسير على سنتهم، والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم خطاب لأمته من بعده إلى قيام الساعة. ونتساءل معشر الإخوة الكرام: لماذا يبدئ القرآن ويعيد في الحديث عن منهج الأنبياء، والحديث عن قصص الأنبياء، ويتكرر في الآيات والسور الحديث عن هذا المنهج إشارة وإيماء أحياناً، وتفصيلاً واستفاضة أحياناً، فما تكاد تقرأ في جزء من القرآن الكريم إلا وترى قصة دعوة نبي من الأنبياء أو ترى إشارة إليه وإلى ما جرى بينه وبين قومه.. أليست هذه دعوة لأولئك الذين يقرءون هذا الكتاب ويتعبدون الله بتلاوته إلى أن يسيروا وفق هذا المنهج وأن يرتسموا معالمه ويسلكوا خطاه.




أعلى الصفحة



الأنبياء هم أمة النجاح والإنجاز البشري



اعتاد الناس أياً كانت اتجاهاتهم ومذاهبهم وطرقهم على أن يثنوا على أولئك الذين ينجحون.. على أولئك الذين ينجزون.. على أولئك الذين يبدعون.. ولا يزال الناس يتحدثون كثيراً عن عوامل نجاح فلان، وعن سر إبداع فلان.. فهاأنت ترى الأدباء يتغنون كثيراً في الحديث عن سيرة فلان وفلان من الأدباء الذين قد تحولوا إلى رفات.. يتحدثون عن سيرهم ونجاحهم وإنجازهم، ويتحدث المؤرخون والساسة أيضاً عن أولئك الناجحين ويقرءون سيرهم ويأخذون منها معالم يقتفونها ويسيرون في إثرها، ولا يزال المصلحون والمجددون والدعاة يحظون بعناية أهل العلم وأهل الفكر والتوجيه دراسةً لأسباب النجاح وتحليلاً لعوامل النهوض والارتقاء.. لا يزال أولئك يتحدث عنهم الكثير وهم قد يستحقون ذلك. لكن قمة النجاح وغاية الإبداع والإنجاز هو ما حققه أنبياء الله صلوات الله وسلامه عليهم، إن الله سبحانه وتعالى قد اختار الأنبياء للقيام بهذه الدعوة وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ [يس:81] .. أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الملك:14] .. وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ [القصص:68] أفليس الدعاة إلى الله عز وجل أحوج إلى دارسة سير الأنبياء وكيف حققوا مقاصدهم ونجحوا فيما يسعون إليه؟! بلى والله، فإنهم أولى قبل أن يكونوا معصومين وقبل أن يؤمر بالاقتداء بهم؛ لأنهم في قمة النجاح والإبداع والإنجاز، فكيف وهم مع ذلك معصومون.. وكيف ونحن مأمورون بالاقتداء بهم والسير على طريقهم. معشر الإخوة الكرام! هذه عوامل وأسباب تؤكد لنا ضرورة العناية بدارسة منهج الأنبياء، ونحن حين ندرس منهج الأنبياء فإننا ينبغي أن نأخذه جملة.. بكل تفاصيله وكل معالمه.. لا يسوغ أن نقتطع أجزاء من هدي الأنبياء فنحتج بها ونتحدث عنها ونخاصم من أجلها وندع ما سواها. ولا يسوغ أن نرسم منهجاً ونقرر ثوابت ثم نبحث لما قررناه عما يعززه ويعضده من منهج الأنبياء، فينبغي أن نتجرد من الأهواء والتبعية والتقليد إلا لكتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.. وحينها نستطيع أن نترسم معالم هذا المنهج واضحاً جلياً مشرقاً بعيداً عن الزلل والانحراف؛ ولهذا فليس كل من تحدث عن منهج الأنبياء وعن دعوة الأنبياء قد تحدث حديثاً شاملاً كافياً.. وليس مبرأً عن الهوى وعن الخلفية السابقة التي يأتي إليها فيبحث لها عما يؤيدها. وأنا حين أقول ذلك لست أدعي العصمة فيما أقول، فأنا لا أعدو أن أكون قد رصدت نقاطاً ظهرت لي من خلال تلاوة آيات الله عز وجل فيما قصه الله سبحانه وتعالى عن أنبيائه، فسعيت أن أشير إلى بعض المعاني التي اتفق عليها الأنبياء عامتهم أو معظمهم وأرى أنها ينبغي أن تكون معالم وثوابت لمنهج الدعوة إلى الله عز وجل. وقد يكون في بعض ما أراه خطأ أو شطط، وهذا دليل على سلامة منهج الأنبياء أصلاً؛ لأن البشر أياً كانوا لا يمكن أن يتجردوا عن الأهواء والأخطاء.



أعلى الصفحة


التوحيد




إن أول قضية من قضايا المنهج عند الأنبياء: هي قضية التوحيد. فهي قضية القضايا في دعوة الأنبياء، وهي الأساس الذي دعا إليه أنبياء الله صلوات الله وسلامه عليهم، يقول الله سبحانه وتعالى: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل:36] ففي كل أمة خلت ومضت بعث الله عز وجل نبياً يدعو إلى عبادته والكفر بالطاغوت وينفي سبحانه وتعالى -وهو أعلم برسله- أن يكون أرسل رسولاً بغير شهادة التوحيد: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء:25]. وفي قصص الأنبياء المتعاقبة يذكر الله سبحانه وتعالى أن كل نبي قد قال لقومه أول ما قال لهم: اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [الأعراف:59] فما دام كل نبي بعث من أجل التوحيد وأرسل من أجل شهادة أن لا إله إلا الله، فمن يسير على منهجهم ويتبع خطاهم ما لم تكن قضية التوحيد هي القضية الأساس لديه، والأول في سلم اهتماماته فليعد النظر في منهجه، وهانحن نرى في عصرنا الحاضر صوراً صارخة من العدوان على التوحيد وركوب الشرك والطاغوت: أليس من المناقضة لأصل التوحيد ما نراه من أولئك الذين يمرغون جباههم أمام الأضرحة ساجدين أو متبركين بتربة ضريح ولي أو إمام؟! أو أولئك الذين يتوجهون لهم بالدعاء من دون الله عز وجل معتقدين فيهم قضاء الحاجات، وتنفيس الكربات؟! كم في بلاد الإسلام من طواغيت تشد إليها الرحال وتعقد عليها الخناصر، أفيسوغ أن تقوم دعوة من الدعوات وتجعل هذه الصورة الصارخة من الشرك المناقض للتوحيد قضية هامشية أو جزئية من جزئيات الدعوة. ومن صور العدوان على التوحيد: ما يعتقده أهل الخرافة أن النبي صلى الله عليه وسلم، أو أن أوليائه يعلم أحد منهم الغيب أو يملك ضراً ونفعاً، أو أولئك الذين يفضلون كلام البشر وما ابتدعوه على كلام الله عز وجل، أتكون تلك الدعوة التي تحمل بين صفوفها بعض هؤلاء، أو تلتقي معهم أو تهادنهم وتجاملهم.. أتكون دعوة تسير على منهج الأنبياء؟! ومن صور العدوان على التوحيد والولوغ في الشرك: ما يعتقده الرافضة من تكفير أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أبر هذه الأمة قلوباً، وأصدقها لهجة، وما يتعبدون فيه لله بزعمهم من سب خيرة الخلق والتنقص لهم، واعتقاد أن أئمة لا يجاوز عددهم عدد شهور العام هم المعصومون الذين يعلمون الغيب والناس بهائم لا عقول لهم وليس عليهم إلا أن يسيروا ورائهم، وكم يفعل هؤلاء عند البقيع أو عند أضرحة أئمتهم مما يتفطر له قلب كل مخلص.. أفتكون تلك الدعوة التي تصور الخلاف هؤلاء خلافاً جزئياً أو تلك التي تداريهم أو تسكت عن شركهم وضلالهم.. أتكون دعوة على منهاج النبوة؟! ومن صور العدوان على التوحيد والجرأة على الشرك: اتخاذ طائفة من البشر أنداداً من دون الله يشرعون ويحلون ويحرمون فيصدرون قانوناً يبيح ما حرم الله عز وجل ويحرم ما أباح الله، ويبدل شرع الله سبحان وتعالى ويصبح هذا القانون شرعاً مطاعاً عند الناس متبعاً يقاد الناس إليه ويخضعون له ويجرمون ويبرئون على أساسه، فهل عرفت البشرية شركاً ومناقضة للتوحيد ومضاهاة لله سبحانه وتعالى في ربوبيته وأمره جل وعز أكبر وأشنع من هذا الشرك والعدوان على مقام الربوبية؟! لقد قال الله عز وجل عن أولئك الذين أطاعوا أحبارهم ورهبانهم في إباحة بعض ما حرم وتحريم ما أباح: اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ [التوبة:31]. وقال مخاطباً للمؤمنين أنهم لو أطاعوا المشركين في إباحة مسألة من المسائل -أكل الميتة- أنهم مشركون: وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ [الأنعام:121] فكيف بمن شرع وأحل وحرم وبدل شرع الله عز وجل وصير ذلك شرعاً يقاد الناس إليه.. ويخضع الناس له.. أليس هذا أصرخ عدواناً وجرأة على مقام الربوبية وعلى مقام الله سبحانه وتعالى؟! إن الدعوة التي تسعى للالتقاء مع هؤلاء في منتصف الطريق، أو ترى لها مسوغاً في السكوت عن شركهم وضلالهم دعوة بعيدة كل البعد عن منهج الأنبياء. إن الذي يدين الله سبحانه وتعالى بالعقيدة الإسلامية ويتخذها منهجاً ونبراساً له ما لم يتخذ موقفاً واضحاً محدداً من أعداء العقيدة سواءًَ أكانوا عباد قبور وأضرحة، أو كانوا سبابة لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو كانوا باطنيين يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر المحض، أو كانوا من المغضوب عليه والضالين إخوان القردة وعباد الصليب؛ إن الذي لا يتخذ من أولئك موقفاً واضحاً محدداً ليس إلا جاهلاً ببدهيات العقيدة مما لا يعذر مسلم بجهله، أو متاجراً بدعوى اتباع العقيدة والدعوة إليها.. أليس الأنبياء كلهم جميعاً قد بعثوا لعبادة الله واجتناب الطواغيت فأين اجتناب الطوا......


المقصد الأعلى تعبيد الناس لله




المعلم الثاني من معالم منهج الأنبياء: اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [الأعراف:65] . ومقولة الأنبياء المتكررة: (اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ) مع ما فيها من دلالة على التوحيد فهي دليل على قضية أساسة أخرى: ألا وهي أن دعوة الأنبياء دعوة لتعبيد الناس لله سبحانه وتعالى وحده، فالهدف الأساس والمقصد الأعلى هو تعبيد الناس لله رب العالمين. ومن ثم الداعية السائر على خطا الأنبياء المقتفي آثارهم جدير بأن يتذكر كل حين ويستشعر كل آن أن غاية دعوته ومنتهى مقصده هو تعبيد الناس لله رب العالمين، وأن يعطي سائر أهدافه مكانها الطبيعي وحجمها المعقول، حينها لن يصبح داعية إلى نفسه.. لن يصبح داعياً لتجميع الناس حول شخصه أو حتى اجتهاداته أو حول اقتناعاته أو حول ما يرى أنه حق وقد يرى غيره أنه خلاف ذلك. إن غاية الدعوة ينبغي أن تكون: اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [الأعراف:65] .. أن تكون تأليه الناس وتعبيدهم لله سبحانه وتعالى.......


لا أسألكم عليه أجراً




ثالثاً: لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا [الأنعام:90]. كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ* إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلا تَتَّقُونَ* إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ* فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ* وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ [الشعراء:105-109] . كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ* إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلا تَتَّقُونَ [الشعراء:123-124] إلى آخر الآيات، وكل نبي يقول هذه المقولة: وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ [الشعراء:109] ويأمر الله سبحانه وتعالى نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم أن يقولها واضحة صريحة: قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ [ص:86] . ومن ثم فإن السائر على منهج الأنبياء ينبغي أن يقولها صريحة للناس بلسان المقال: ما أسألكم عليه أجراً.. أنا لست أخاصم للدنيا إياكم ليست ترضيني أملي هدف أسمى أعلى نفسي لا ترضى بالدون. إنني أدعو إلى قضية واحدة.. إلى عبادة الله.. اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [الأعراف:59] عبادة الله بمعناها الشامل ومفهومها الواسع ولست أريد أي عجلة، وهذا المنهج ينبغي أن يكون منطق كل داعية لله سبحانه وتعالى بلسان مقاله، وأن يكون منطقه بلسان حاله. معشر الإخوة الكرام! أترون أولئك الذين يتاجرون بالكلمة فيقولون كلمة أو يصوغون أخرى ويرجون من ورائها أجراً.. أترى أولئك يفقهون حق الفقه منهج الأنبياء؟ أم هم منافقون.. أم هم متاجرون.. أم هم متزلفون؟ لست أدري. إن من الناس من يقول أحدهم كلمة ويشهد الله على ما في قلبه وهي كلمة يريد من ورائها أجراً، قد يكون هذا الأجر مالاً محدداً يقبضه ويتلقاه.. وقد يكون شهرة بين الناس.. وقد يكون جاهاً.. فالأجر في قوله: (( وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ )) نكرة في سياق النفي قد دخلت عليها (من) الزائدة فهي من أعلى صور العموم، إن أي أجر.. أي ثمرة عاجلة يريدها صاحبها في الدنيا كفيلة بأن تبعثر عليه الأوراق.. كفيلة بأن تكون هذه الكلمة التي يقولها، أو تلك التي يسطرها أن تكون وثيقة اتهام عليه لبراءته من منهج الأنبياء وانحرافه عن منهجهم، أما الدعاة الصادقون الذين يقتفون هدي النبوة ويسيرون على منهجها فهم أولئك الذين يقولون ما يعتقدون.. يقولون ما يعتقدون أنه الحق، ويدينون الله عز وجل به دون أن يرجوا من وراء ذلك أجراً.. دون أن يرجوا من وراء ذلك أجراً في دار الدنيا أياً كان هذا الأجر مالاً أو جاهاً أو ثراء.......


الأمة الواحدة




القضية الرابعة حول منهج الأنبياء: الأمة الواحدة. وتبدو قضية الأمة الواحدة قضيةً واضحة المعالم وصورةً محددة يدركها قارئ كتاب الله عز وجل حين يتأمل أي سياق ورد في قصص الأنبياء، بل قد نص الله عز وجل على ذلك تعقيباً على قصص الأنبياء قائلاً: إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً [الأنبياء:92]. والأمة والواحدة لا ينتهي مداها في دار الدنيا بل يمتد إلى الدار الآخرة حين يقف الناس للحساب والجزاء والمساءلة، فيقف أنبياء الله عز وجل، إذ جاءوا لنوح عليه السلام فيقول الله سبحانه وتعالى له: هل بلغت؟ فيقول: نعم، فيقال لقومه: هل بلغكم؟ فيقولون: ما جاءنا من نذير وما أتانا من أحد، فيقال له: من يشهد لك؟ فيقول: محمد وأمته، فيشهد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وتشهد هذه الأمة. معشر الإخوة الكرام! إن هذا يجعل المسلم يتخطى حاجز الزمن ويلغي فوارق الزمن فيرى أنه ينتمي إلى جيل واحد وإلى أمة واحدة وحزب واحد هو حزب الله: أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [المجادلة:22] فهو يرى أن تاريخه لا يقف عند حدود ستين عاماً.. ولا عند حدود آبائه وأجداده.. أو حدود فلان وفلان.. بل ليس عند حدود هذه الأمة، فهو ضارب في أطناب وجذور التاريخ منذ أن هبط آدم عليه السلام فهو يرى أنه ينتمي إلى أمة واحدة. وتجنى هذه الثمرة وتتم وحدة هذه الأمة يوم القيامة حين تشهد هذه الأمة لأنبياء الله صلوات الله وسلامه عليهم.. هناك المحاكمة والمقاضاة، وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا* يَا وَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلًا [الفرقان:27-28]. هناك يوم يقول الله عز وجل عن الظالمين: وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ* مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ* وَأَنذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ* وَسَكَنتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الأَمْثَالَ* وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ* فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ* يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ* وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ* سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ [إبراهيم:42-50] . حينها يتصل هذا الوثاق وهذا الرباط فتأتي هذه الأمة لتشهد في هذا المقام بأن نوحاً قد بلغ الرسالة، وأن هوداً قد أدى الأمانة، وأن صالحاً قد بلغ ما اؤتمن عليه، وتشهد لسائر أنبياء الله صلوات الله وسلامه عليهم. إن من نتاج وحدة الأمة وحدة أمة الأنبياء إن اتحدت مواقف أعدائهم منهم، واقرءوا كتاب الله عز وجل لتروها صورة واحدة.. كل نبي يعيش صراعاً مع طغاة قومه..: قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ [الأعراف:75] الملأ الذين كفروا من قومه، وهكذا يتزعم الملأ قضية المواجهة من أنبياء الله عز وجل.. مع كل نبي ورسول يرسله الله إلى خلقه. ومن العجيب أن تتحد الأساليب والطرق ولهذا يقول الله سبحانه وتعالى: أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ [الذاريات:53] فكأن هؤلاء قد تواصوا واتفقوا على أسلوب واحد يواجهون به رسل الله والدعاة إلى منهجه لكنهم قوم طاغون. لا ينبغي العدوان بالسخرية والاستهزاء، وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ [هود:27] . قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ [هود:91] . قَالُوا يَا صَالِحُ قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا [هود:62] . وقالوا لهود: إِنْ نَقُو......


دعوة الناس باللسان التي يفهمون




القضية الخامسة من معالم منهج الأنبياء: بلسان قومه. يقول الله سبحانه وتعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ [إبراهيم:4] .. نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ [يونس:71] .. وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا [الأعراف:65] .. وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا [الأعراف:73] .. وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ [النمل:54] .. وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا [الأعراف:85] وهكذا فقد كان الأنبياء من أقوامهم، ويتكلمون بألسنتهم وهذا يحقق مقاصد ومكاسب ... أولها: حتى يفقه قومه ما يقول ويعون ما يدعوهم إليه، وإلى هذا أشار القرآن في قول الله عز وجل: (لِيُبَيِّنَ لَهُمْ)، ومن ثم الخطاب الدعوي الموجه للناس ينبغي أن يكون واضحاً لا لبس فيه ولا غموض، ولا يسوغ أن تتجاوز الرغبة في جمال العبارة وحسن الأسلوب لتحول الحديث إلى ألغاز تحتاج في إدراكها إلى خبرات لحل رموزه والبحث عن كوامنه؛ ولهذا كان صلى الله عليه وسلم وهو أفصح الناس يتكلم بكلام فصل لو عده العاد لأحصاه، ولم يكن صلى الله عليه وسلم يسرد لسائر الناس بل كان يكرر الكلمة ثلاثاً. ولئن دعت الداعية ضرورة أو وضع لا يمكنه من الإفصاح فليجأ إلى التلميح والإيماء، فإنه لا ينبغي أن يغلو فيحول القضية إلى قضية مبالغة فلا يدركها إلا هو، فيصبح المعنى في بطن الشاعر وحينها لا يعود لدعوته قيمة. ثانياً: كان النبي بلسان قومه، يعني: أنه منهم يعرفهم ويعرفونه، يعرف طباعهم وما هم عليه، ومن ثم فالداعية إلى الله عز وجل أحوج ما يكون إلى أن يعرف واقعه ويعي حال الناس وحال المخاطبون ولهذا اختار الله عز وجل الأنبياء من أقوامهم. ثالثاً: كون النبي بلسان قومه ومنهم يعني أنهم يعرفونه فليس غريباً عنهم وليس مهزلة فيهم؛ ولهذا قالوا لصالح: قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا [هود:62] أي كنا نعرفك قبل هذا ونؤمل فيك الخير، وكان صلى الله عليه وسلم معروفاً بين قومه بالصادق الأمين، وكان يحمل الكل، ويكسب المعدوم، ويعين على نوائب الحق، كان يأتيه الضعيف فيعينه والمحتاج فيسد حاجته. ولهذا فالدعاة إلى الله عز وجل.. السائرون على منهج الأنبياء حري بهم أن يكونوا أعلاماً شامخة في أقوامهم يعرفهم القاصي والداني، وقد كانت قريش وقبلهم الأمم المكذبة لأقوامهم يصفون أنبياءهم بصفات النقص ويلصقون بهم التهم الباطلة وهم يعلمون أنهم مكذبون.. مفترون.. ولكنه الهوى والمكابرة.. أما لو كان أولئك الأنبياء نكرات لا يعرفهم إلا أزواجهم وذرياتهم لاستطاع أولئك أن يقولوا فيهم ما يقولون.......


ما من نبي إلا ورعى الغنم




سادساً: ما من نبي إلا ورعى الغنم. حين سئل صلى الله عليه وسلم عن رعيه للغنم أجاب بأن هذا شأن الأنبياء، وأن هذا أمر اختاره الله سبحانه وتعالى لأنبيائه فما من نبي إلا ورعى الغنم، والسكينة والوقار كما قال صلى الله عليه وسلم في أهل الغنم ورعاة الغنم. لقد كان الأنبياء قادة ورعاة للبشرية، ومن ثم كان رعي الغنم تهيئة وتربية وإعداداً لهم؛ ولهذا نرى أسلوب الرفق والحكمة أمراً يغلب على منهج أنبياء الله صلوات الله وسلامه عليهم، فيقول الله عز وجل لموسى وهارون: اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى [طه:43] أي: إلى فرعون الطاغية الجبار الذي يضرب به المثل .. فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى [طه:44] . وإبراهيم عليه السلام يقول مخاطباً لأبيه: يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا* يَا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا [مريم:43-44] بلغة الهدوء والمنطق والحوار والإشفاق والنصيحة. وأما محمد صلى الله عليه وسلم فما عرفت البشرية أرحم منه صلى الله عليه وسلم: وإذا رحمت فأنت أم أو أب هذان في الدنيا هما الرحماء وإذا غضبت فإنما هي غضبة لله لا حقد ولا شحناء فما عرفت البشرية أرحم ولا أرق فؤاداً منه صلى الله عليه وسلم: لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [التوبة:128] فالدعاة إلى الله عز وجل ينبغي أن يكون الرفق ديدنهم، ورائدهم قوله صلى الله عليه وسلم: (ما كان الرفق بشيء إلا زانه، ولا نزع من شيء إلا شانه).......


المواجهة الصريحة للانحراف




المعلم السابع من معالم منهج الأنبياء: أن الأنبياء ومع ما أوتوا من رفق وحكمة فقد واجهوا قومهم بانحرافاتهم مواجهة صريحة واضحة لا لبس فيها ولا غموض، فلوط عليه السلام يقول لقومه: أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ [الأعراف:80] . وشعيب عليه السلام يقول الله عز وجل عنه: وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلا تَنقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ* وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ [هود:84-85] وفي آية أخرى: وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا وَاذْكُرُوا إِذْ كُنتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ وَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ [الأعراف:86]. وإبراهيم عليه السلام الذي كان رحيماً رقيقاً مع أبيه يعمد إلى أصنامهم فيكسرها ويحطمها ويعقد له مجلس المناظرة والمحاكمة فيقولون له: أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ [الأنبياء:62] فيقول ساخراً متهكماً: قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنطِقُونَ* فَرَجَعُوا إِلَى أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ* ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلاءِ يَنطِقُونَ [الأنبياء:63-65] قال يخاطب قومه: أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنفَعُكُمْ شَيْئًا وَلا يَضُرُّكُمْ* أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ [الأنبياء:66-67]. ويقول محاجاً لطاغية عصره: فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ [البقرة:258] . وموسى عليه السلام الذي أرسله الله إلى فرعون وأمره أن يقول له قولاً ليناً قال له عندما أعرض واستكبر: لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا [الإسراء:102]. قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ* قَالَ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إنْ كُنتُمْ مُوقِنِينَ* قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلا تَسْتَمِعُونَ* قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الأَوَّلِينَ* قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ* قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ [الشعراء:23-28]. وقال لـفرعون : وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ [الشعراء:22]. نعم، إنه موسى الذي أمره الله بالقول اللين، ولو قلنا إن الرفق والقول اللين مع أنه منهج لا يجوز تخطيه ولا المساومة عليه لكنه لا يعني السكوت عن قضايا الدعوة.. لا يعني السكوت عن مواجهة الناس بأخطائهم وانحرافاتهم وضلالهم، فهاهم أنبياء الله يعلنونها صريحة ويواجهون قومهم بشركهم وضلالهم مواجهة صريحة، أولئك الذي يعانون الفساد الأخلاقي يواجههم لوط بانحرافهم وضلالهم وأولئك يعانون الفساد الاقتصادي والاجتماعي وقطع الطريق يواجههم شعيب بذلك، وإبراهيم وموسى وهكذا فهي دعوة واحدة.. ومنهج واحد.. وأمة واحدة.. ومن ثم فالدعوة التي تقوم على منهج الأنبياء ينبغي أن تشعر أن قضايا الدعوة لا مجال فيها للمجاملة ولا مجال فيها للمداهنة، وأن الرفق والحكمة ليست ملازمة للصمت والإغضاء عن كلمة الحق حيث أرسل الله رسله وأخذ الله الأمانة والميثاق على من آتاهم الكتاب أن يبلغوه.......


الاهتمام بقضايا العصر




المعلم الثامن: أن الأنبياء كانوا قضية عصرهم: فلوط عليه السلام دعا إلى التوحيد ثم ندد بالفساد الأخلاقي الذي كان عليه قومه، وشعيب عليه السلام دعا إلى التوحيد وندد بالفساد الاقتصادي والظلم الذي كان عليه قومه، وموسى دعا إلى التوحيد والإيمان وندد بالاستعباد والإهانة للناس: وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ [الشعراء:22] وهكذا فالدعوة التي تسير على منهج الأنبياء ينبغي أن تقتفي معالم هذا المنهج وأن تسير على هذا الطريق فتعيش قضية عصرها. إنه لا يسوغ أن يعيش امرؤ في بلد يعج بدعاء غير الله وتقديس الأضرحة والاطراح بين يديها، ولا يعرف حينها من يعيش هذا العصر من قضية العقيدة إلا قضية الأسماء والصفات وأن القرآن منزل غير مخلوق، نعم هي قضايا من قضايا العقيدة، لكن قضية العصر ينبغي أن يعيشها. وحين يعيش المرء في موطن يحكم فيه بغير شرع الله فمعايشة العصر تعني أن تكون قضية الحكم بشرع الله عز وجل وتوحيده وإفراده قضية من أسس دعوته ونهجه، وهكذا في أي عصر ومصر ينبغي أن يعيش الداعية قضية عصره ومنهجه، بل حتى أولئك الأنبياء مع أن قومهم لم يستجيبوا بعد لقضية التوحيد إلا أنهم تحدثوا عن الفساد والضلال والانحراف الذي كان في عصرهم ونددوا به، فلا ترى سورة يذكر فيها لوط عليه السلام إلا ويذكر فيها تنديده بالفساد والشذوذ الذي كان عليه قومه، أو سورة يذكر فيها شعيب إلا وترى الحديث عن الفساد الاقتصادي وعن بخس الناس أموالهم وحقوقهم.......


الولاء على أساس الحق وحده




المعلم التاسع من معالم منهج الأنبياء: الولاء على أساس الحق وحده، لقد ضرب الله عز وجل لنا في القرآن مثلاً: اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ [التحريم:10] ونوح حين وعده الله عز وجل أن ينجيه وأهله، وكان ابنه يرى أنه من أهله وكان في معزل ناداه نوح: يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ* قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ [هود:42-43] حين دعا نوح ربه قال الله عز وجل له: يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ [هود:46] . وإبراهيم حين شاقه أبوه وعانده قال له ولقومه: إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ [الممتحنة:4]. إنها قضية الولاء والبراء فهي تلك التي يقولها صلى الله عليه وسلم: (إن آل بني فلان ليسوا بأولياء إن أوليائي إلا المتقون)، فقضية الولاء والبراء قضية من أسس قضايا العقيدة لا يجوز الإخلال بها والمساومة عليها وخدشها، فهي قضية من قضايا الأمة الواحدة مما اتفق عليها الأنبياء إلى قيام الساعة؛ ولهذا توعد الله أولئك فقال: بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا* الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا [النساء:138-139] . يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ* فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِم يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ [المائدة:51-52]. فمن يسير على منهج الأنبياء ينبغي أن يكون ولاؤه على أساس الإيمان وعلى أساس كلمة التوحيد وحدها لا غير.......


الاستعانة بالله واللجوء إليه




المعلم العاشر من معالم منهج الأنبياء منهج الأمة الواحدة: الاستعانة بالله سبحانه وتعالى واللجوء إليه: وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ [الأنبياء:89]، ثم قال عز وجل: إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ [الأنبياء:90] فقد كان أنبياء الله يلجئون إلى الله سبحانه وتعالى في السراء والضراء.. يلجئون إليه عبادةً وخضوعاً وتذللاً له سبحانه وتعالى، ويلجئون إليه استعانة واستنصاراً به سبحانه وتعالى؛ ولهذا كان الجواب سريعاً عاجلاً: فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ* فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ* وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ* وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ* تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا [القمر:10-14] . وجدير بمن يكون على هذا المنهج ويقتفي أثره أن تكون له صلة بالله سبحانه وتعالى، دعاءً ورغبة ورهبة ولجوءاً إليه سبحانه وتعالى، واستعانة به عز وجل، واستمداداً للعون والثبات والتوفيق منه سبحانه وتعالى.......


قضية النصر وحقيقته




المعلم الحادي عشر من معالم منهج الأنبياء ومعالم الأمة والواحدة وهو حول قضية النصر وحقيقته: لقد وعد الله عز وجل ووعده صادق: وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ [الأنبياء:105] .. وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ* إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ* وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ [الصافات:171-173] .. فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ [إبراهيم:47] . وقد نصر الله عز وجل طائفة من أنبيائه وأهلك أقوامهم وجعلهم سبحانه وتعالى عبرة وعظة للمكذبين من بعدهم، لكن هناك من أنبياء الله من يأتي يوم القيامة وليس معه إلا الرجل والرجلان، ومن يأتي يوم القيامة وليس معه أحد، ومنهم أولئك الذين تجرأ عليهم إخوان القردة والخنازير المغضوب عليهم فقتلوهم، وقد عاب الله عز وجل في كتابه على أولئك الذين قتلوا الأنبياء وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ [آل عمران:112] .. وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ [آل عمران:21] . أترى أن أولئك الأنبياء الذين كتب الله لهم أن يقتلوا لم يتحقق فيهم وعد الله سبحانه وتعالى: وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ* إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ* وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ [الصافات:171-173] ؟ بلى والله، لقد تحقق فيهم هذا الوعد، لكن مفهوم النصر مفهوم أشمل. إنه ليس بالضرورة التمكين في دار الدنيا فقد يقتل أنبياء الله، وقد يمضون ولما يتبعهم أحد، لكن الله لن يخلف وعده رسله: يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ [إبراهيم:48] حينها يحقق الله عز وجل الوعد لأولئك، فحقيقة النصر والتمكين ليست قاصرة أو منتهية بهذه الدار. معشر الإخوة الكرام! هذه بعض معالم منهج الأنبياء، ومعالم الأمة الواحدة علنا أن نقتفي أثرهم وأن نترسم من خلالها منهجاً واضحاً محدداً نسير عليه في دعوتنا، فوالله إن منهج أنبياء الله خير وأزكى وأبر من اجتهادات البشر بأنفسهم التي هي ليست معصومة من الهوى أو الضلال أو الانحراف. أسأل الله عز وجل أن يوفقنا وإياكم إلى الاقتداء بأنبيائه صلوات الله وسلامه عليهم، وأن يحشرنا تحت لوائهم وفي زمرتهم.......


الأسئلة




......



علاج الفتور الدعوي عند الدعاة



السؤال: الكثير من معاشر الدعاة يدعو إلى الله عز وجل ويجعل همه الأول: هو هداية الناس وتعبيدهم لله عز وعلا، ولكن إذا فتح الله عليه من زهرة الدنيا تقهقر عن طريقه وبدأ يتراجع عن الكثير من الهموم التي كان يحملها، ويحتج بكثير من الحجج والأسباب التي يعلق عليها؛ فضيلة الشيخ! هل من علاج لهذا الأمر وهذه الظاهرة في ضوء منهج الأنبياء؟ الجواب: نعم، فالعلاج في إدمان تلاوة كتاب الله عز وجل وتدبر معانيه ومراجعته فإنه قد ينسى وقد يغفل وقد يأخذه الهوى وتأخذه دواعي الغفلة والخطأ والاجتهاد، لكن مداومته لتلاوة كتاب عز وجل وتدبره كفيلة بإذن الله بإعادته إلى جادة الصواب.



أعلى الصفحة



منهج الأنبياء في الدعوة توقيفي ووسائله اجتهادية



السؤال: هل منهج الأنبياء في الدعوة توقيفي أم هو اجتهادي؟ الجواب: فرق بين المنهج وبين وسائله، فالمنهج من جنس ما ذكرنا لا شك أنه توقيفي ولا بد من السير وفق ما كانوا عليه، لكن الوسائل لا تعدو أن تكون قوالب لإبلاغ المنهج وأدائه، فهي ليست توقيفية، فما دام استخدام الوسيلة جائزاً شرعاً فلا حرج من استخدامها في مجال الدعوة إلى الله عز وجل؛ لأننا لم نتعبد بوسائل محددة لا يجوز الخروج عليها، وإلا فهذا يترتب عليه أن نلغي كل الوسائل المعاصرة الآن مثل وسائل الاتصال وأن لا نستخدمها؛ لأن هذه الوسائل لم تكن مستخدمة من قبل.




أعلى الصفحة



الصبر على البلاء في الدعوة



السؤال: القارئ لكتاب الله والمتأمل لقصص الأنبياء ودعوتهم يجد مدى ما واجه الأنبياء من التبعات والمشاق وصعوبة الطريق وثبتوا عليه عليهم الصلاة والتسليم، لكن الكثير منا إذا واجه أقل القليل مما واجه الأنبياء والمرسلون نكص على عقبيه وارتد عن طريقه نسأل الله الثبات، فهل من توجيه حفظكم الله فالأمر خطب وجلل؟ الجواب: هؤلاء من الذين قال الله عز وجل عنهم: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ [العنكبوت:10]، فالمرء ينبغي أن يعلم أن القضية قضية دين وعبودية لله سبحانه وتعالى، وأن الأمور بيد الله عز وجل أولاً وآخراً، وأن يلجأ إلى الله سبحانه وتعالى ويسأله الثبات، ويستعين به، وأن لا يسأل الله البلاء ولقاء العدو، فإذا واجه الابتلاء فعليه أن يثبت ويصبر. وقد يكون مبتلى ولا يعلم؛ لأن الابتلاء قد يكون في السراء.. وقد يكون في الضراء، ومن أشد صور الابتلاء أن يبتلى المرء وهو لا يعلم أنه مبتلى فيقع في الفتنة والابتلاء ويركب الغواية من حيث لا يشعر.



أعلى الصفحة



عصمة الرسل



السؤال: هل الرسول صلى الله عليه وسلم معصوم من الخطأ؟ الجواب: هنا كلام طويل حول قضية العصمة، لكنهم معصومون من الكبائر ومعصومون من الخطأ في مقام التبليغ والوحي، حتى لو اجتهد أحدهم وخالف اجتهاده النص والوحي فإنه لا يقر على اجتهاده؛ ولهذا فهو كما قال الله سبحانه وتعالى: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى* إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم:3-4] فالأنبياء معصومون عن الكبائر ومعصومون أيضاً في مقام التبليغ والوحي، والنبي صلى الله عليه وسلم صلى على عبد الله بن أبي فلم يقره الله عز وجل على ذلك، وقصته مثلاً مع ابن أم مكتوم وإذنه للمنافقين إلى غير ذلك.



أعلى الصفحة



حكم السكوت عن الشرك



السؤال: يقول: هل على طالب العلم شيء عندما يرى بعض المناظر الشركية ولا يدعوهم إلى الإسلام مثل الشرك الحاصل الآن في البقيع؟ الجواب: لا شك أن الشرك يحصل في كل مكان، لكن لا شك أن عليه إثماً ووزراً، والمسلم العادي لا يسوغ له أن يسكت على منكر يراه فكيف إذا كان طالب علم، فكيف إذا كان المنكر هو من باب الشرك بالله عز وجل.



أعلى الصفحة



البدء في الدعوة بما يحتاجه المدعوين



السؤال: بم تنصح طالب العلم الذي يريد الذهاب إلى الدعوة في الأمصار والقرى، بماذا يبدأ؟ الجواب: يبدأ الناس بما يحتاجون إليه، وأن قد تذهب إلى مناطق تنتشر فيها الخرافة والجهل والاعتقاد بالجن والسحرة، فينبغي أن تركز على هذا الأمر.. وقد تذهب إلى منطقة فيها أناس يجهلون الوضوء والصلاة ونحوها فتركز على هذه القضية، وقد تذهب إلى منطقة فيها فساد اجتماعي وسفور فتركز على هذه القضية، فتبدأ وتركز في الحديث ودعوة الناس على ما تراهم محتاجون إليه، وأن ترفق بالناس ولا تتصور أن الناس سيتركون المنكر سريعاً، فقد يرث هذه الأمور كابر عن كابر فتنقله منها بين عشية وضحاها، فأوصي بأن يتحدث مع الناس بما يحتاجون إليه، وأن يسأل ويعرف ما هم عليه، ثم أيضاً يرفق بالناس ويكون واقعياً فيما يطلبه ويريده من الناس.



أعلى الصفحة



حلاوة الإيمان



السؤال: كيف أستطيع أن أذوق حلاوة الإيمان؟ الجواب: يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار) ويقول: (ذاق طعم الإيمان من رضي بالله رباً وبالإسلام ومحمد صلى الله عليه وسلم نبياً).



أعلى الصفحة



أسباب تعين على قيام الليل



السؤال: أوضح لنا بعض الأمور المعينة على قيام الليل؟ الجواب: من أهم ذلك: العزيمة الصادقة والبعد عن المعاصي واجتنابها، وسلوك الأسباب التي تعين الإنسان مثل التبكير في النوم والقيلولة وغيرها، لكن أهم سبب هو وجود العزيمة، فحين يكون عند الإنسان عزيمة وهمة يستطيع أن يفعل ما يريد، وحين تنقص العزيمة فمهما فعل من أسباب قد لا يستطيع ذلك.



أعلى الصفحة



أحسن كتب السير



السؤال: ما أحسن كتاب في هذه السير مثل سيرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم ويعقوب إلى آخره؟ الجواب: قصص الأنبياء وردت في كتاب الله عز وجل، ومن أفضل شيء أن نقرأها في القرآن فتدبر ونعيد ونراجع، ثم نقرأ في كتب التفسير فإنها توضح الغامض وتجمع المتفرق وتستنبط ما كان خافياً.



أعلى الصفحة



نصيحة لمن يتأثر من النقد



السؤال: ما رأيكم في الشاب الحساس الذي يتأثر من النقد وغيره؟ وبماذا تنصحونه تجاه هذه الحساسية؟ الجواب: الله عز وجل قد نهى عن الظن، فقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ [الحجرات:12]. فقد أمر باجتناب كثير من الظن حتى لا يقع في بعض الظن، بحيث يجعل المرء بينه وبين الظن من حوله سترة فيجتنب الكثير حتى لا يقع في القليل، والمسلم عليه أولاً أن يحسن الظن بإخوانه المسلمين ثم لا يشغل نفسه بما لا طائل وراءه، فالذي يشغل نفسه بأعمال الناس وأقوالهم وسلوكهم، لا يجني من وراء ذلك شيئاً، وقد يجني من وراء ذلك العقوبة العاجلة فيصاب بالهم والغم والتألم بأنه ظن بالناس ما ليسوا عليه.



أعلى الصفحة



معنى النصيحة في الدين



السؤال: حديث: (الدين النصيحة، قيل: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم) هل المقصود بالنصيحة في هذا الحديث الطاعة أم الوعظ والإرشاد والدعوة؟ الجواب: النصيحة: تعني قول كلمة الحق، والإعانة على الحق، والرد على الباطل، وتعني: الطاعة في غير معصية الله عز وجل.



أعلى الصفحة



الدعوة والعوائق التي تعترضها



السؤال: هل الاقتداء بالأنبياء في الدعوة يزيل العوائق التي تعيق الدعوة إلى الله ويخلص الداعية من كثير من العوائق؟ الجواب: لا، وهذه مشكلة، ومن المشكلات التي كنت أريد أن أشير إليها أن من أخطائنا أحياناً في تقويم المنهج أن تعرض الدعوة لعوائق وصعوبات يجعل هذا دليلاً على الخطأ والانحراف فيها، وهذا ليس بصحيح، بل هذا الأمر سنة الأنبياء.. فالأنبياء تعرضوا لعوائق وتعرضوا لصعوبات، بل العكس: قد يتهم الإنسان أحياناً إذا لم ير شيئاً من ذلك؛ لأن من طبيعة الدعوة الابتلاء والعقبات والصعوبات. لا شك أن المسلم يتحاشى ذلك ويبتعد عنه؛ لكن أيضاً لا يسوغ أن يكون هدفنا الابتعاد عن كل عائق وعن كل صعوبة لأجل أن تسلم دعوته، لقد كان إبراهيم عليه السلام حريصاً على أن تبلغ القاصي والداني ومع ذلك قال ما قال لقومه وفعل ما فعل معهم، ونوح ولوط وشعيب وغيرهم من أنبياء الله، ومحمد صلى الله عليه وسلم واجه قومه وسفه أحلامهم وفعل ما فعل وواجه العقبات والصعوبات، فليست العقبات والصعوبات التي يواجهها الدعاة إلى الله عز وجل دليلاً على انحراف منهجهم، وأيضاً ليس مسئولاً عما يصيب المسلمين مما جرى، وإلا فإن ياسر و سمية قتلا لأنهما اتبعا النبي صلى الله عليه وسلم، أكان النبي صلى الله عليه وسلم هو المسئول عن ذلك؟! أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لما أخرجوا من ديارهم وأموالهم أكان صلى الله عليه وسلم هو السبب ودعوته ومنهجه هو السبب في ذلك؟! لا يمكن أن يقال ذلك. فأقول: أنه بالعكس لا بد من العوائق ولا بد من الصعوبات والعقبات وهكذا شأن الدعوة وشأن منهج الحق.



أعلى الصفحة



الدعوة إلى الله من غير حب مع المجتمع



السؤال: إذا كان النقد والمواجهة يستلزم العداوة والأذى، كيف ترون إمكانية إصلاح المجتمع والأخطاء الصغيرة فيه دون أن يتحول المجتمع إلى ساحة قتال؟ الجواب: لا أحد يدعو إلى القتال، وإلى الصراع، لكن أيضاً لا بد منه، ولا يمكن أبداً أن نصحح الأخطاء بدونه، وها هو منهج الأنبياء.. إذا أردت غيره فابحث لك عن بديل.. فإبراهيم عليه السلام عاش صراعاً مع قومه، وموسى عاش صراعاً مع فرعون وقومه، ولوط وشعيب وغيرهم صرحوا بنقدهم لأقوامهم والمنكرات التي كانت شائعة في عصرهم ووقتهم، نعم الإنسان قد يرتب أموره.. قد يسقط بعض الأساليب.. قد يؤخر ويقدم.. لكن هذا كله لا ينبغي أن يكون على حساب المنهج.. لا ينبغي أن يكون على حساب مضمون الدعوة.. لا ينبغي أن يكون على حساب السكوت عن الأخطاء والتربيت على الأكتاف. أسال الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا وإياكم العلم النافع والعمل الصالح، وأن يجعلنا وإياكم من أتباع أنبيائه صلوات الله وسلامه عليهم، وأن يحشرنا تحت لوائهم وفي زمرتهم إنه سبحانه وتعالى سميع قريب مجيب. هذا والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.

Cant See Links


رد مع اقتباس
قديم 07-09-2012, 11:10 PM   رقم المشاركة : 3
الكاتب

أفاق : الاداره

مراقب

مراقب

أفاق : الاداره غير متواجد حالياً


الملف الشخصي









أفاق : الاداره غير متواجد حالياً


رد: منهج الأنبياء في الدعوة إلى الله

أولويات الدعوة في منهج الأنبياء عليهم السلام
د. زيد بن عبدالكريم الزيد
المصدر: مجلة البحوث الإسلامية 1415هـ - العدد 43، رجب شوال.

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً أما بعد:

فبين يدي هذا البحث عن: (أولويات الدعوة في منهج الأنبياء عليهم السلام) أقدم بالنقاط التالية:
1 - أن دعوة الأنبياء دعوة واحدة، من لدن آدم عليه السلام إلى محمد صلى الله عليه وسلم؛ كما يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((والأنبياء إخوة لعلاَّت أمهاتهم شتى ودينهم واحد))[1].

2 - إن هذه الوحدة بين الأنبياء عليهم السلام لم تأت عبثاً، بل هي وحدة تستدعي من الدعاة الاقتداء والتأسي بها فيما بينهم، درءاً للفرقة والخلاف، قال تعالى: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَاْ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ}[2].
3 - أن الخلط بين ما يجوز فيه الاجتهاد، وما لا يجوز فيه الاجتهاد في أولويات الدعوة، أدى إلى الخلاف والشقاق بين الدعاة، وهو ما نرى أثره في تفرق الأمة إلى أحزاب، وفرق، وانتماءات، وولاءات، سببها – في غالب الأحيان – الخلاف حول أولويات الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى.


4 - أن المنهج الذي تلتقي عليه الأمة، لتكون حقاً (أمة واحدة) هو منهج الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، الذين كانوا يتلقون هذا المنهج بوحي من الله سبحانه، لا باجتهاد بشري. ولذلك أُمر محمد صلى الله عليه وسلم بالاقتداء بهم: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقتَدِه}[3]، وقال عن محمد صلى الله عليه وسلم: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى}[4].ولكي نقرر في هذا المبحث نتيجة دعوية، تكون ذات قبول من الجميع، فإننا لن نتجاوز نصوص القرآن الكريم التي روت لنا دعوة الأنبياء عليهم السلام، وبعض الأحاديث الصحيحة الثابتة عن دعوته صلى الله عليه وسلم. وبخاصة وأن القضية ذات أساس مكين في الدعوة، تمس أولوياتها وتنسب إلى الأنبياء عليهم السلام، داعين الإخوة الدعاة في كل مكان، إلى هذه الأولويات؛ لتكون جزءاً رئيساً في منهج الدعوة، الذي لا يتأثر بالزمان ولا بالمكان.

مدخـل:
يقول الله سبحانه وتعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ}[5]، فتحقيق العبودية لله سبحانه؛ هي الغاية من خلق الجن والإنس، وللدلالة على طريق هذه العبودية: بعثت الرسل، وأنزلت الكتب، يقول الله سبحانه وتعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نُوحِى إِلَيهِ أَنَّهُ لاَ إِلَه إِلاَّ أَنَاْ فَاعبُدُونِ}[6].وجاء التركيز على هذه العبودية، لتحرير الإنسان من الارتباط بالشهوات، والأهواء، والآراء، التي تجر صاحبها إلى قيود العبودية البشرية، {أَفَرَءَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلَى عِلْم وَخَتَمَ عَلَى سَمعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللهِ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ}[7].
وإن الحرية الحقيقية هي في العبودية لله سبحانه وتعالى، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: "الحرية: حرية القلب، والعبودية: عبودية القلب"[8].

ويقول: "إنما دين الحق: تحقيق العبودية لله، بكل وجه، وهو تحقيق محبة الله بكل درجة، وبقدر تكميل العبودية؛ تكمل محبة العبد لربه ومحبة الرب لعبده، وبقدر نقص هذا، يكون نقص هذا"[9].
فالمهم هو: تحرير هذا القلب لربه، فلا يصرف أي شيء من العبادة لغير الله، وإذا استقام القلب استقامت الجوارح: ((ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب))[10].

ولن تجتمع قلوب هذه الأمة إلا على التوحيد، وإذا اختل التوحيد فكل له معبود، وكل له هدف، وعندها تتعدد الأودية والشعاب، وكل سيسلك وادياً يهلك فيه، إلا من عصم الله بالبقاء على التوحيد.

ولن تستقر النفوس إلا بالتوحيد: {أَلاَ بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ القُلُوبُ}[11]، ويقول تعالى: {ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَّجُلاً فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً الحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ}[12]. هذا في الدنيا، أما في الآخرة فكل الذنوب وعد الله سبحانه وتعالى بمغفرتها، إلا الشرك، قال تعالى: {إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِك بِاللهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً}[13].

يقول ابن قيم الجوزية، في (مدارج السالكين): "وكلما كان توحيد العبد أعظم كانت مغفرة الله له أتم، فمن لقيه لا يشرك به شيئاً البتّة؛ غفر له ذنوبه كلها، كائنة ما كانت، ولم يعذب بها"[14].
ويقول أيضاً رحمه الله تعالى في زاد المعاد: "ولما كان المشرك خبيث العنصر خبيث الذات؛ لم تطهر النار خبثه، بل لو خرج منها لعاد خبيثاً كما كان، كالكلب إذا دخل البحر، ثم خرج منه، فلذلك حرم الله تعالى على المشرك الجنة"[15].

هذا هو التوحيد؛ يجمع القلوب، ويحرر الإنسان في الدنيا، وصاحبه لديه وعد من الله بالغفران، مهما كانت ذنوبه؛ متى نجا من تلويث الشرك وأدرانه.
ولذلك لم يكن غريباً أن يكون للتوحيد مكانة خاصة، مميزة في منهج دعوة الأنبياء عليهم السلام، اتفقوا عليها في كل دعواتهم، رغم تباعد العصور والأمكنة، وهو ما سنوضحه في الفقرة التالية.

أولويات الدعوة في منهج الأنبياء عليهم السلام
لمعرفة أولويات الدعوة في منهج الأنبياء عليهم السلام؛ لابد من الرجوع إلى تاريخ دعواتهم عليهم السلام، بماذا بدأ كل منهم، وبماذا ثنّى في قضاياه مع أمته التي بعث إليها، وأوثق مرجع وأصدقه هو القرآن الكريم، مع ما يبينه من السنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ولقد تحدث القرآن الكريم في مواضع منه، عن دعوات الأنبياء، منها ما جاء مجملاً، ومنها ما جاء مفصلاً، ولذلك سنتحدث في هذا الموضوع وفق الفقرتين التاليتين:
أولاً: النصوص الإجمالية من القرآن الكريم، عن دعوة الأنبياء إلى الله سبحانه وتعالى.
ثانياً: النصوص التفصيلية من القرآن الكريم، عن بعض الأنبياء في دعوتهم إلى الله سبحانه وتعالى.

أولاً: النصوص الإجمالية من القرآن الكريم:
1 – يقول تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ}[16]، أي: (ولقد بعثنا أيها الناس، في كل أمة سلفت قبلكم رسولاً، كما بعثنا فيكم بأن اعبدوا الله وحده لا شريك له، وأفردوا له بالطاعة، وأخلصوا له العبادة)[17]. و(ما من أمة متقدمة، أو متأخرة، إلا وبعث الله فيها رسولاً، وكلهم متفقون على دعوة واحدة، ودين واحد؛ وهو عبادة الله وحده لا شريك له)[18]، وهذا فيه تقرير منهج شامل، لجميع الأنبياء عليهم السلام، يسعهم ويسع الدعاة من بعدهم.

2 – يقول سبحانه وتعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نُوحِى إِلَيهِ أَنَّهُ لاَ إِلَه إِلاَّ أَنَاْ فَاعبُدُونِ}[19].(فكل الرسل الذين من قبلك مع كتبهم، زبدة رسالتهم وأصلها: الأمر بعبادة الله وحده لا شريك له، وبيان أنه الإله الحق المعبود، وأن عبادة ما سواه باطلة)[20].
رُوي عن قتادة رحمه الله تعالى قال: "أُرْسِلت الرسل بالإخلاص والتوحيد، لا يقبل منهم عمل حتى يقولوه ويقروا به"[21].
فهو الخطوة الأولى، الذي لا يصح تجاوزه إلى غيره، ما دام لا يقبل منهم عمل؛ حتى يتم تقريره والإقرار به.

ثانياً: النصوص التفصيلية من القرآن الكريم عن دعوة بعض الأنبياء:يقول الله سبحانه وتعالى عن دعوة نوح عليه السلام: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ}[22]، وقال سبحانه وتعالى عن دعوة هود عليه السلام: {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُم مِّن إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ}[23]، وقال تعالى عن دعوة صالح عليه السلام: {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ}[24]، وقال تعالى عن دعوة إبراهيم عليه السلام: {وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللهَ وَاتَّقُوهُ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ، إِنَّمَا تَعْبُدُون مِن دُونِ اللهِ أَوْثَاناً وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً إِنَّ الَّذِينَ تَّعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ لاَ يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَابْتَغُواْ عِندَ اللهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدوهُ واشْكُرُواْ لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}[25]، وقال تعالى عن دعوة شعيب عليه السلام: {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ}[26]، وقال سبحانه وتعالى عن دعوة عيسى عليه السلام: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ هُو الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ المَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ}[27]، وقال عن دعوة محمد صلى الله عليه وسلم: {قُلْ تَعَالَواْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً}[28]، عن علقمة عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: "من أراد أن ينظر إلى وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم، التي عليها خاتمه، فليقرأ هؤلاء الآيات: {قُلْ تَعَالَواْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا...}، إلى قوله تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا} الآية"[29].
هذه دعوة الأنبياء، كل منهم يواجه قومه بالدعوة إلى التوحيد، فما بعث نبي إلاّ وبدأ مع قومه بهذه الدعوة[30].

وعلم الرسول صلى الله عليه وسلم هذا المنهج لأصحابه، فإنه لما بعث الرسول صلى الله عليه وسلم معاذاً إلى اليمن قال له: ((إنك تقدم على قوم أهل كتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله، فإذا عرفوا الله؛ فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في يومهم وليلتهم، فإذا فعلوا الصلاة، فأخبرهم أن الله فرض عليهم زكاة من أموالهم، وترد على فقرائهم، فإذا أطاعوا بها فخذ منهم، وتوق كرائم أموال الناس))[31]، يقول ابن حجر رحمه الله تعالى: "ووقعت البداءة بهما – أي بالشهادتين – لأنهما أصل الدين الذي لا يصح شيء غيرهما إلا بهما"[32].

من هذه الآيات والأحاديث التي استعرضت تاريخ دعوة الأنبياء عليهم السلام، نستطيع أن نقرر أن الأنبياء عليهم السلام، متواطئون على دعوة الناس إلى التوحيد أولاً، لا فرق بين رسول ورسول، وأن من كذب رسولاً من رسل الله فهو مكذب بالرسل أجمعين، ألا ترى إلى قول الله تعالى: {كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ المُرْسَلِينَ}[33]، مع أنهم لم يواجهوا بهذا التكذيب إلا رسولاً واحداً، هو نبي الله نوح عليهم السلام، ومثل هذا قيل لقوم هود: {كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ}[34]، وقوم صالح: {كَذَّبَتْ ثَمُودُ المُرْسَلِينَ}[35]، وقوم لوط: {كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ المُرْسَلِينَ}[36]، وأصحاب الأيكة: {كَذَّبَ أَصْحَابُ الأَيْكَةِ المُْرْسَلِينَ}[37]، مما يدل على وحدة الدعوة، وترابطها ترابطاً وثيقاً، يجعل المصدق بواحد من الأنبياء مصدق بالجميع، والمكذب لواحد منهم مكذباً بالجميع.
وعلى هذه الأصول اتفقت دعوتهم عليهم السلام، واجتمعت كلمتهم لتؤكد أن القضية الأولى، في جميع الدعوات، من لدن أول الأنبياء إلى آخرهم، يجب أن تبدأ بالتوحيد، أياً كانت الظروف والأحوال التي يعيشها هذا المجتمع، مهما اختلفت الأزمنة والأمكنة.

ثم إذا سرنا قليلاً في دراسة دعوات الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، سنجد أنهم بعد هذه القضية – قضية تقرير العقيدة في النفوس – وعند الشروع في القضية الثانية، التي يدعون إليها، يختلف الأمر، فنجد أن لكل نبي قضية خاصة يركز عليها، فكل نبي يُعنى عناية خاصة بالأمراض التي توجد في مجتمعه وبين قومه.

فإبراهيم (أبو الأنبياء) عليه السلام اهتم كثيراً بالتوحيد، ومحاربة الشرك، يقول تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ ءَازَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَاماً ءَالِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ}[38]، وقال تعالى: {وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ، إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ}[39]، وقال تعالى: {إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ، إَئِفْكاً ءَالِهةً دُونَ اللهِ تُرِيدُونَ}[40]، وكأنه عليه السلام يرى ما وقع فيه بعض الناس من الضلال؛ بسبب الشرك الذي صرفهم عن الحق، الذي أتى به الرسل: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ ءَامِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنَىَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ، رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}[41]. وإنه ليخيل لمن يقرأ قصص دعوة إبراهيم عليه السلام في القرآن، أنه عليه السلام لم يبعث إلا بالتوحيد؛ وذلك بسبب تفشي الوثنية في مجتمعه، فكان التوحيد هو قضية إبراهيم عليه السلام الأولى والثانية، في حين نرى أن لوطاً عليه السلام مع اتحاد زمان بعثته، لكن اختلف المجتمع[42]، فقد كان قوم لوط مجتمعاً فشت فيه الفاحشة، واعتادوها، حتى أصبح التنزه عنها جرماً يستحق صاحبه الإخراج والطرد، قال تعالى: {أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ العَالَمِينَ، وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَلْ أَنتُم قَومٌ عَادُونَ، قَالُوا لَئِن لَّمْ تَنتَهِ يَا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ المُخْرَجِينَ}[43]، ولذلك نجد لوطاً عليه السلام يركز بعد الدعوة إلى التوحيد على التحذير من هذه الفاحشة، قال تعالى: {وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ العَالَمِينَ، إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ}[44]، وقال تعالى: {وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكم لَتَأْتُونَ الفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ العَالَمِينَ، أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ المُنكَرَ}[45]، وهذا التركيز على هذه القضية، من قبل لوط عليه السلام لا نجد له ما يماثله من قبل الأنبياء الآخرين، مما يعني أن التركيز كان سببه البيئة، وانتشار الفاحشة فيها، وليس لنوعية الفاحشة فقط.


ونجد أنّ نبيّ الله شعيباً عليه السلام يدعو قومه بعد التوحيد إلى أن يوفوا الكيل والميزان؛ وذلك لأن الغش في الكيل والوزن منتشر شائع في قومه، قال تعالى: {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَوفُوا الكَيْلَ والمِيزَانَ وَلاَ تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُم وَلاَ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}[46]، وقال تعالى: {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلاَ تَنقُصُوا المِكْيَالَ وَالمِيزَانَ إِنِّى أَرَاكُم بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيطٍ}[47].

وموسى عليه السلام بعث في قوم قد تسلط عليهم فرعون، وسامهم سوء العذاب؛ يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم، فاهتم عليه السلام – بعد التوحيد الذي أشرنا إلى أدلته في البداية – بإنقاذ بني إسرائيل من الذل الذي نشأوا عليه، وإحباط ظلم وطغيان فرعون، وتربية العزة والكرامة في نفوس القوم، قال تعالى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاءَ وَجَعَلَكُم مُّلُوكاً وَءَاتَاكُم مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِّنَ العَالَمِينَ، يَا قَوْمِ ادخُلُواْ الأَرضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّواْ عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُواْ خَاسِرِينَ}[48]، وكما خاطب موسى قومه بهذه القضية فقد واجه بها فرعون، قال تعالى: {فَأتِيَاهُ فَقُولاَ إِنَّا رَسُولاَ رَبِّكَ فَأَرْسِل مَعَنَا بَنِي إِسرَائِيلَ وَلاَ تُعَذِّبْهُم قَد جِئْنَاكَ بِآَيَةٍ مِّن رَّبِّكَ وَالسَّلاَمُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الهُدَى}[49].
وعلى هذا فالقضية الثانية في الدعوة تختلف اختلافاً كاملاً عن القضية الأولى؛ القضية الأولى محسومة منتهية، لا مجال فيها لاجتهاد بشر، ولا تتأثر بالبيئة، ولا تختلف باختلاف الزمان أو المكان، فلابد من التوحيد؛ لأنه أساس كل دعوة، ومنطلق كل داعية.

أما القضية الثانية فهي بخلاف ذلك، إذ هي تتأثر بالبيئة وبالزمان والمكان، وكل نبي – كما رأينا – له قضية خاصة؛ نشأت من حاجة مجتمعه، فالمجتمع الوثني المنغمس في الوثنية، تستمر معه قضية التوحيد؛ تأثراً بحاجة المجتمع إلى الاستمرار في هذا الأمر، والمجتمع الذي تتفشى فيه الأخلاق السيئة، يكون مواجهة هذا الأمر هو القضية الثانية وهكذا. ولم يؤثر هذا الاختلاف في وحدة الأنبياء، ولم يكن مصدر نزاع أو مشاقة، بل هو مما يؤكد اتجاه غايتهم جميعاً نحو أسلم طريق للإصلاح وتحقيق الهدف المشترك، وأهم أمر يُصْلَح هو إصلاح علاقة العبد بربه، ثم بعد ذلك يصلح ما فسد من أمر المجتمع كل بحسبه.

ويهمنا من هذا أن نقرر أن الداعية إلى الله صلى الله عليه وسلم يبدأ دائماً – وفي كل الأحوال – بإصلاح العقيدة، ثم يصرف همه إلى معالجة الأمراض الموجودة في المجتمع الذي يدعو فيه[50]، وإذا كان هناك أمراض متفاوتة بدأ بأشدها فتكاً وأعمقها ضرراً على المجتمع.
وما دامت دعوة الأنبياء عليهم السلام بهذا المنهج الواضح، وهم القدوة والأسوة لكل داعية، فلا يسع أحداً الخروج عن هذا المنهج، أو تقديم بعض أولوياته المقررة على بعض، وذلك بإصلاح العقيدة أولاً وهي الأساس.

أما القضية الثانية فالدعاة لهم فيها متسع من الاجتهاد، إذ لكل مجتمع مشكلاته وقضاياه التي قد تختلف عن غيره، وبالتالي يتسع الصدر بين الدعاة في هذا الجانب، فالمجتهد في تقدير القضية الثانية مأجور – إن شاء الله تعالى – فإن أصاب الحق فله أجر آخر على الإصابة، وإن كانت الأخرى فلن يعدم من يعذره؛ لكون المجال سائغاً فيه الاجتهاد، وليس لأحد حق اللوم والتثريب أو المشاقة والمنازعة والفرقة.

وبهذا تتلقى آراء الدعاة إلى الله سبحانه وتعالى، وتتآلف القلوب، وينتفي الخلاف، ويحل التعاضد والتآزر، وصلى الله عليه نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
ـــــــــــــــــــــــــــ
[1] صحيح البخاري المطبوع مع فتح الباري، جـ6 ص478 رقم 3443.
[2] سورة الأنبياء، الآية 92.
[3] سورة الأنعام، الآية 90.
[4] سورة النجم، الآيتان 3، 4.
[5] سورة الذاريات، الآية 56.
[6] سورة الأنبياء، الآية 25.
[7] سورة الجاثية، الآية 23.
[8] ابن تيميه، فتاوى شيخ الإسلام، جـ10 ص186.
[9] ابن تيميه، العبودية، ص41.
[10] صحيح البخاري المطبوع مع فتح الباري، جـ1 ص126 حديث رقم 52.
[11] سورة الرعد، من الآية 28.
[12] سورة الزمر، الآية 29.
[13] سورة النساء، الآية 48.
[14] عبدالمنعم العزي، تهذيب مدارج السالكين لابن قيم الجوزية، ص186.
[15] ابن قيم الجوزية، زاد المعاد في هدي خير العباد، جـ1 ص68.
[16] سورة النحل، من الآية 36.
[17] الطبري، جامع البيان في تأويل آي القرآن، جـ14 ص103.
[18] السعدي، تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، جـ2 ص59.
[19] سورة الأنبياء، الآية 25.
[20] السعدي، تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، جـ2 ص59.
[21] انظر، الطبري، جامع البيان، جـ17 ص15.
[22] سورة الأعراف، الآية 59.
[23] سورة الأعراف، الآية 65.
[24] سورة الأعراف، الآية 73.
[25] سورة العنكبوت، الآيتان 16، 17.
[26] سورة هود، الآية 84.
[27] سورة المائدة، الآية 72.
[28] سورة الأنعام الآية 151.
[29] سليمان بن عبدالله بن محمد بن عبدالوهاب، تيسير العزيز الحميد شرح كتاب التوحيد، ص63.
[30] انظر، محمد أحمد العدوي، دعوة الرسل، ص1.
[31] صحيح البخاري المطبوع مع فتح الباري، جـ3 ص322 حديث رقم 1458.
[32] ابن حجر فتح الباري، جـ3 ص358.
[33] سورة الشعراء، الآية 105.
[34] سورة الشعراء، الآية 122.
[35] سورة الشعراء، الآية 141.
[36] سورة الشعراء، الآية 162.
[37] سورة الشعراء، الآية 176.
[38] سورة الأنعام، الآية 74.
[39] سورة الأنبياء، الآيتان 51، 52.
[40] سورة الصافات، الآيتان 85، 86.
[41] سورة إبراهيم، الآيتان 35، 36.
[42] انظر، ابن كثير (البداية والنهاية)، ج1 ص152، وقال قوم لوط عليه السلام: (فنزل بمدينة سدوم وهي أم تلك البلاد في ذلك الزمان وكان أهلها أشراراً كفاراً فجاراً).
[43] سورة الشعراء، الآيات 165 – 167.
[44] سورة الأعراف، الآيتان 80، 81.
[45] سورة العنكبوت، الآيتان 28، 29.
[46] سورة الأعراف، الآية 85.
[47] سورة هود، الآية 84.
[48] سورة المائدة، الآيتان 20، 21.
[49] سورة طه، الآية 47.
[50] انظر محمد العدوي (دعوة الرسل إلى الله) صفحة (ل) في المقدمة.

رابط الموضوع: Cant See Links


رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع تقييم هذا الموضوع
تقييم هذا الموضوع:

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:54 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.4, Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir