آخر 10 مشاركات
الخبيصه الاماراتيه (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 1 - المشاهدات : 36222 - الوقت: 09:09 PM - التاريخ: 01-13-2024)           »          حلوى المغلي بدقيق الرز (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 0 - المشاهدات : 24889 - الوقت: 03:16 PM - التاريخ: 12-11-2023)           »          دروس اللغة التركية (الكاتـب : عمر نجاتي - مشاركات : 0 - المشاهدات : 31300 - الوقت: 11:25 AM - التاريخ: 08-21-2023)           »          فيتامين يساعد على التئام الجروح وطرق أخرى (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 0 - المشاهدات : 32751 - الوقت: 08:31 PM - التاريخ: 07-15-2023)           »          صناعة العود المعطر في المنزل (الكاتـب : أفاق الفكر - آخر مشاركة : OM_SULTAN - مشاركات : 4 - المشاهدات : 66152 - الوقت: 10:57 PM - التاريخ: 11-06-2022)           »          كحل الصراي وكحل الاثمد وزينت المرأة قديما من التراث (الكاتـب : Omna_Hawaa - آخر مشاركة : OM_SULTAN - مشاركات : 2 - المشاهدات : 60308 - الوقت: 10:46 PM - التاريخ: 11-06-2022)           »          كيفية استخدام البخور السائل(وطريقة البخور السائل) (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 2 - المشاهدات : 52127 - الوقت: 10:36 PM - التاريخ: 11-06-2022)           »          جددي بخورك (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 0 - المشاهدات : 34521 - الوقت: 10:25 PM - التاريخ: 11-06-2022)           »          عطور الإمارات صناعة تراثية (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 0 - المشاهدات : 34735 - الوقت: 10:21 PM - التاريخ: 11-06-2022)           »          خلطات للعطور خاصة (الكاتـب : أفاق : الاداره - آخر مشاركة : OM_SULTAN - مشاركات : 1 - المشاهدات : 40661 - الوقت: 10:12 PM - التاريخ: 11-06-2022)

إضافة رد
 
أدوات الموضوع تقييم الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 08-04-2020, 11:40 AM   رقم المشاركة : 1
الكاتب

عمر نجاتي

الاعضاء

عمر نجاتي غير متواجد حالياً


الملف الشخصي









عمر نجاتي غير متواجد حالياً


رد: كتاب آداب المريدين



[باب في صحبة الإخوان والصحبة مع الأجانب وكيف الصحبة مع الأغنياء والفقراء]

أما الصحبة مع الإخوان:


فبالإيثار والفتوة والصفح عنهم والقيام معهم بشرط الخدمة، لا يرى لنفسه على أحد حقًا، ولا يطالب أحدًا بحق، ويرى لكل أحد عليه حقًا، ولا يقصر في القيام بحقهم.

ومن الصحبة معهم إظهار الموافقة لهم في جميع ما يقولون أو يفعلون، ويكون أبدًا معهم على نفسه ويتأول لهم ويعتذر عنهم، ويترك مخالفتهم ومنافرتهم ومجادلتهم ومماراتهم ومشاددتهم، ويتعامى عن عيوبهم، فإن خالفه أحد منهم في شيء سلم له ما يقول في الظاهر، وإن كان الأمر عنده بخلاف ما يقوله.

وينبغي أن يحفظ أبدًا قلوب الإخوان، ويجتنب فعل ما يكرهونه وإ، علم فيه صلاحهم، فلا ينطوى لأحد منهم على حقد وإن خامر قلب واحد منهم كراهة له تخلق معه بشيء حتى يزول ذلك، فإن لم يزل زاد في الإحسان والتخلق حتى يزول، وإن وجد هو في قلبه من أحد منهم استيحاشًا وأذية بغيبة أو غيرها فلا يظهر ذلك من نفسه ويرى من نفسه خلاف ذلك له.

* * *

[(فصل) وأما الصحبة مع الأجانب]

فيحفظ السر عنهم، وينظر إليهم بعين الشفقة والرحمة، وأن يسلم أحوالهم إليهم، ويستر عليهم أحكام الطريقة، ويصبر على سوء أخلاقهم وترك معاشرتهم ما أمكنه، وألا يعتقد لنفسه عليهم فضيلة ويقول: إنهم من أهل السلامة فيتجاوز الله عنهم، ويقول لنفسه: أنت من أهل المضايقة، فتطالبين بالنقير والقطمير والحقير والكبير، وتحاسبين على الكبير والصغير، وأن الله تعالى يتجاوز للجاهل مالا يتجاوز بمثله من العالم، والعوام لا يبالى بهم والخواص على الخطر.
[(فصل) وأما الصحبة مع الأغنياء]

فالتعزز عليهم، وترك الطمع فيهم، وقطع الأمل مما في أيديهم، وإخراج جميعهم من قلبك، وحفظ دينك من التضعضع لهم لنوالهم، كما جاء في الحديث وهو قوله -صلى الله عليه وسلم-: "من تضعضع لعنى لأجل ما في يديه ذهب ثلثا دينه" فتعوذ بالله من فعل ينقص به الدين، وصحبة أقوام ينثلهم بهم الدين، وتنقطع عراه، ويطفئ نور الإيمان شعاع أموالهم وبريق دنياهم كما جاء في الحديث.

غير أنك إذا ابتليت بصحبتهم في سير أو سفر أو مسجد أو رباط أو مجمع فحسن الخلق أولى ما يستعمل، وهو حكم عام شامل في صحبة الأغنياء والفقراء فلا ينبغي لك أن تعتقد لنفسك فضيلة عليهم، بل تعتقد أن جميع الخلق خير منك لتتخلص من الكبر، ولا تطلب لنفسك فضيلة الفقر ولا تعتقد لها خطرًا في الدنيا ولا في الآخرة، ولا ترى لها قدرًا ولا وزنًا كما قيل: من جعل لنفسه قدرًا فلا قدر له ومن جعل له وزنًا فلا وزن له، فأدب الغني بالإحسان إلى الفقير، وهو إخراج المال من كيسه إليه، ويكون فراغًا من ماله مستخلفًا فيه غير متملك له.


وأدب الفقير إخراج الغني من قلبه، ويكون قلبه فارغًا من الغني وماله، بل من الدنيا والآخرة أجمع، ولا يجعل لشيء من الأشياء في قلبه موطنًا ومحلاً ومدخلاً، بل يتصفى من ذلك كله ويخلو منه، ثم يترقب امتلاءه بربه عز وجل، فلا يكون لغيره وجود ولا له حول ولا قوة، فيأتيه عند ذلك فضل الله عز وجل فحينئذ يحصل الغني به عز وجل من غير تعب ولا هم.

* * *

[(فصل) وأما الصحبة مع الفقراء]

فبإيثارهم وتقديمهم على نفسك في المأكول والمشروب والملبوس والمذوذ والمجالس وكل شيء نفيس، وترى نفسك دونهم، ولا ترى لها عليهم فضلاً في شيء من الأشياء البتة.

عن أبي سعيد بن أحمد بن عيسى قال: صحبت الفقراء ثلاثين سنة ولم يجر بيني وبينهم كلام قط تأذوا به، ولا جرى بيني وبينهم منافرة استوحشوا منها، قيل له: كيف
ذلك؟ قال: لأني كنت معهم على نفس أبدًا، وإذا دخلت عليهم أدخلت عليهم سرورًا ورفقًا، واستعملت معهم خلقًا هدية وأدبًا وسببًا من الأسباب، فلا ترى بذلك لك عليهم فضلاً، بل تتقلد منهم منة في قبولهم ذلك منك.

واحذر أن تمن عليهم بذلك أو تراه منك بل اشكر الله عز وجل على ما أولاك من توفيقه على تيسير ذلك، جعله لك أهلاً لخدمة أهله وخاصته وأحبابه، فإن الفقراء الصالحين هم أهل الله وخاصته كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أهل القرآن هم أهل الله وخاصته" فأهل القرآن من يعمل بالقرآن، وأما من يقرأ بلا عمل فليس من أهله، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ما آمن بالقرآن من استحل محارمه". فالمنة لمن يقبل منك العطية لا لك.

* * *

(فصل) ومن آداب الصحبة مع الفقراء:

ألا تحوجهم إلى مسألتك، وإن اتفق فاستقرض الفقير منك شيئًا فتقرضه في الظاهر، ثم تبرئه منه في الباطن، وتخبره عن قريب بذلك، ولا تبدأه بالعطاء على وجه الصلة لئلا يتحشم بحمل المنة منك بذلك.

ومن الأدب معهم: مراعاة قلبه بتعجيل مراده دون تنغيص الوقت عليه بطول الانتظار، لأن الفقير ابن وقته كما ورد: ابن آدم ابن يومه وليس له وقت لانتظار المستقبل.

ومن الأدب معهم: أنك إذا علمت أنه ذو عيال وصبيان فلا تفرده بالإرفاق فحسب، بل تتخلق معه بقدر ما يتسع له ولمن يشتغل به قلبه.

ومن الأدب معهم: الصبر على ما يذكر الفقير من حاله، وأن تتلقاه في حال ما يخاطبك بوجه طلق مستبشر، ولا تلقاه بالعبوس ولا بالنظر الشزر ولا بالكلام النزر، وإذا طالبك بما لا يحضر في الوقت فاصرفه بالوجه الجميل إلى عند مساعدة الإمكان، ولا توحشه بيأس الرد على الجزم لئلا يعود بحشمة الإخفاق وعدم الإصابة بحاجته عندك، والندم على إفشاء سره إليك حسيرًا، وربما يغلب عليه طبعه، وتستولي عليه نفسه، فيظهر عليه الجهل بحاله والسخط عليك والاعتراض على الرب عز وجل فيما قسم له من الفاقة إلى الخلق والتبذل عنهم، فيعمى قلبه وينطفئ نور إيمانه، فكنت أنت مؤاخذًا بذلك كله، إذا كنت سببًا لثوران ذلك من قلبه، بتركك الأدب في رده، وربما حجب أيضًا عن الصواب، والمعارف والعلوم والمصالح المدفونة في سؤاله للخلق، التي لو صبر وأحسن الأدب ظهرت وارتحل السؤال للخلق وحصل غنى اليد والقلب والبيت، وجاءته عساكر فضل الله وآلائه ونعمائه ودللته يد الرأفة والرحمة والراحة والرعاية، وتحقق فيه قوله عز وجل: {وهو يتولى الصالحين} [الأعراف: 196] وجعل مصانًا مغارًا عليه، وله غنى عن الأشياء بخالقها وتأتيه الأشياء وهو لا يأتيها، يقصده القاصدون فينالون من أنواره وسره، ويطيبون بطيبه وهو لا يشعر بهم في غيب عنهم، مشغول بمولاه وجاذبه الذي جذبه إليه، وأنقذه من ظلمات مخالطة الخلق، وموافقة النفس ومتابعة الهوى، والتقيد بإرادة الأشياء دنيا وأخرى {إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون} [يس: 55] أهل الجنة لما باعوا في الدنيا أنفسهم وأموالهم لربهم عز وجل بالجنة، كما قال جل وعلا: {إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة} [التوبة:111] وصبروا على الإفلاس في الدنيا وردوا التصرف في الأنفس والأموال والأولاد إلى ربهم عز وجل، وسلموا الكل إليه جل جلاله سوى الأوامر والنواهي، وامتثلوا الأوامر وانتهوا عن النواهي وسلموا في المقدور، وتحرزوا من الخليقة، وتجوهروا عن الإرادات والأماني، والهمم في الجملة أدخلهم الجنة فشغلهم بما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، كما قال جل وعلا: {إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون} فهكذا الفقير إذا فعل ذلك في الدنيا وتحقق بظاهر القرآن حصول الجنة له، باع حينئذ الجنة بربه عز وجل، وطلب الجار قبل الدار كما قالت رابعة رحمها الله: الجار قبل الدار، وكما قال عز وجل: {يريدون وجهه} [الأنعام: 52، والكهف: 28] وكما قال الله عز وجل في بعض كتبه السالفة: أود الأوداء إلى عبد عبدني بغير نوال ليعطي الربوبية حقها، وقول على رضي الله عنه: لو لم يخلق الله الجنة والنار ما كان أهلاً أن يعبد، قال عز وجل: {هو أهل التقوى وأهل المغفرة} [المدثر: 56] فإذا اتصف الفقير بهذه الصفة، وتحقق إفلاسه عن سوى مولاه، وتنظف قلبه عن التعلق بالأشياء وفنى عنها، وصار مريدًا حقًا، وغاب عما سوى ربه عز وجل، كان حقيقًا على كرم الله أن يتولاه ويدلله وينعمه في الدنيا إلى حين اللقاء، ثم يزيده على ذلك، ويجدد عليه الخلع والأنوار والنعيم والحياة الطيبة، والقرب على ما أعد وأخبر لأوليائه وأحبابه، بقوله عز وجل: {فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون} [السجدة: 11].

وقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "يقول الله عز وجل: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، اقرأوا إن شئتم {فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين}.

فإن رددت الفقير اليد الغني القلب المتمثل لأمر مولاه في إخباره لك عن حاله لأجل عياله أو نفسه طائعًا لربه عز وجل في ذلك خائفًا له، أن لو ترك سؤالك إذ كلفه الله ذلك وابتلاه به، قال الله عز وجل: {وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون} [الفرقان: 20] وهي حالة له لا تدوم، بل تنقضي عن قريب وينقل إلى ما قسم له من الغنى والعز الدائم بقرب مولاه وإعطائه، عاقبك الله يا غني اليد فقير القلب، الجاهل بنفسه وبربه، ومنشئه ومنتهاه، بأن يسلب الغنى عن يدك، فتصير فقير اليد كما كنت فقير القلب، فتكون أبدًا فقيرًا إلى الأشياء، فلا تشبع منها حريصًا عليها، طالبًا لها معذبًا في إرادتها وتحصيلها، وهي غير مقسومة لك، كما قيل: إن من أشد العقوبات طلب ما لا يقسم إلا أن يتغمدك الله برحمته، فينبهك لذنبك فتستغفره، وتتوب إليه من ذلك وتعترف بتفريطك ويتوب عليك ويغفر لك، فذلك إليه وهو أرحم الراحمين غفور رحيم.



.


رد مع اقتباس
قديم 08-04-2020, 11:46 AM   رقم المشاركة : 2
الكاتب

عمر نجاتي

الاعضاء

عمر نجاتي غير متواجد حالياً


الملف الشخصي









عمر نجاتي غير متواجد حالياً


رد: كتاب آداب المريدين



[(فصل: في آداب الفقير في فقره)]

فينبغي للفقير أن تكون شفقته على فقره كشفقة الغني على غناه، فكما أن الغني يفعل كل شيء ويجتهد حتى لا يزول غناه، فكذلك ينبغي للفقير أن يفعل مثل ذلك حتى لا يزول فقره، فيسأل الله عز وجل زوال غناه إلى فقره، أو يتعرض بالمعايش والاكتساب والأسباب للاستغناء، والتكثر بالدنيا للعيال، وعفة النفس عند الضيقة.

ومن شرط الفقير أن يقف مع كفايته، ولا يأخذ فوقها بحال، ويكون أخذه لذلك القدر امتثالاً لأمر الله تعالى، وخوفًا من الوقوع في إثم قتل النفس، قال الله عز وجل: {ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيمًا} [النساء: 29] لأن منعه لنفسه حقها حرام، وهو القوت من الطعام والشراب والكسوة والقدر الذي تقوم به البنية، ولا يضعف عن أداء الأوامر من الاتيان بشرائط الصلاة وأركانها وواجباتها عليه، ويترك ما هو حظها، فإن كانت قسمته إليه من غير أن يكون هو فيه بفعل الله عز وجل، فلا يتعرض للحظ أبدًا إلا أن يكون مريضًا فيوصف له شيء من الحظوظ، فيتناوله على وجه التداوي، فيصير الحظ حينئذ حقًا في حال مرضه، كالقوت في حال صحته.

وينبغي أن يكون استلذاذه بفقره أكثر من استلذاذ الغني بوجود غناه.

وينبغي له أن يؤثر ذله وخموله وعدم قبول الناس له وقصدهم إليه وازدحامهم لديه.

ومن شرطه أن يكون قلبه أقوى بصفاء الحال عند خلو يده من المال، فكلما قل الفتوح كثر طيب قلبه وقوته ونوره، وازداد فرحه بشعار الصالحين، وأما إذا أظلم ذلك قلبه وأوحشه وأسخطه على ربه، فليعلم أنه مفتون قد أحدث في فقره ذنبًا عظيمًا، فليتب إلى الله عز وجل ويستغفره، ويخلد إلى التفتيش والتنقير ولوم النفس، ومن حق الفقير أن يكون كلما كثر عياله كان قلبه في باب أمر الرزق أسكن وبربه أوثق، يتمثل أمر ربه في الكسب لهم في الظاهر، ويسكن إلى وعد ربه في الباطن، ويقطع بأن لهم رزقًا عند الله قد وعد به وقدره، وهو سائقه إليهم على يده أو يد غيره، فليتنح من الوسط ولا يكون فضوليًا، فيدخل بين الخلق وخالقهم، بل يمتثل الأمر فيهم، ولا يعترض ولا يسخط ولا يتهم الرب، ولا يشك في وعده، ولا يشكو إلى أحد، بل يكون شكواه إلى ربه وإنزال حاجته به عز وجل، وكلامه وسؤاله له عز وجل في توفيقه بالصبر وأداء الأمر في حقهم، والرضا بما قضى عليهم بإضافتهم، وإلزامه له مؤنتهم، ويسأله تسهيل رزقهم وتيسيره، فهو قريب مجيب، إنما يبتلى عبده ليرده بالبلية إليه عز وجل، لأنه يحب الملحين له بالسؤال، لأن بالسؤال يتميز الرب من المربوب والسيد من العبد والغنى من الفقير، ويخرج العبد من الكبر والاستنكاف والتعظيم والنخوة إلى التواضع والذلة والافتقار، فإن تحقق ذلك من العبد تحققت الإجابة سريعًا عاجلاً مع ما يدخر له من الثواب في العقبى.


ومن آدابه: ألا يكون له هم الوقت المستقبل، بل يكون بحكم وقته لا يتطلع للوقت الثاني، بل يحفظ الحال وحددها وشرائطها وآدابها مطرقًا غاضًا عما سواها، لا أعلى منها ولا دونها، ولا يشده إلى حال غيره، ربما كان هلاكه فيها وهي لأهلها سلامة ونعمة، كالأغذية فمن الأغذية ما يزيد الشخص عافية ولآخر سقمًا وبلاء، فلا ينبغي للمريض أن يتناول شيئًا منها إلا بأمر الطبيب، فكذلك ينبغي للفقير ألا يختار حالة لنفسه حتى يدخل فيها من غير أن يكون هو فيها، بفعل المولى عز وجل قدرًا محضًا وإرادة مجردة، لا يحل نفسه في شيء من الحالات والمقامات وينزلها به فيضل ويردى، حتى يأتيه أمر الذي أمات وأحيا، وينقله منها فعل الذي منع وأعطى، وأفقر وأغنى، وأضحك وأبكى، لأن ذلك أليق به وإلى ربه أقرب وأدنى، هكذا تقدم ومضى أمر من سلف من أولى العلم من أهل الطريقة، فيما خلا فيهم الاقتداء، وإلى رب الخليقة المنتهى.


ومن أدب الفقير: أن يكون مستعدًا لورود الموت متهيئًا له منتظرًا مترقبًا في الساعات كلها ليكون ذلك عونًا له على الرضا بفقره وحمل ما حل به من الأذى، لأن به يقصر الأمل وتنكسر النفس ويزول منها وهج الشهوات الدنيا، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أكثروا من ذكر هادم اللذات، أعني الموت".

ومن آدابه: أن يخرج من قلبه ذكر المخلوقين.

ومن آدابه: أن يتخلق مع الغني إذا دخل عليه بما تصل يداه إليه من القوت أو فاكهة وإن كان شيئًا يسيرًا، لأنه بقلبه محترز عن الأسباب فهو بالإيثار أولى من الغنى الذي هو في أسر غناه إلا أن يكون ذا عيال في ضيقة، فلا يضيق على عياله بإيثاره ذلك للغنى، إلا أن يكون يعلم من عياله الإيثار وطيب النفس بذلك والموافقة والصبر والرضا والمعرفة واليقين، والأنوار تظهر من قلوبهم على ألسنتهم وجوارحهم وأنفسهم فحينئذ لا يبالي في البذل والمنع والإيثار والإمساك.

ومن أدب الفقير: ألا يترك الاحتياط في الورع في حال ضيق اليد، فلا يخرج إلى ما لا يحل في الشرع لفقره، فيخرج من العزيمة إلى الرخص، لأن الورع ملاك الدين، والطمع هلاكه، وتناول الشبهات فساده، كما قال بعض الصالحين: من لم يصحبه الورع في فقره أكل الحرام وهو لا يدري، فعليه ألا يخلد إلى التأويلات في دينه في حالة فقره، بل يرتكب الأشق والأحوط الذي هو العزيمة.



.


رد مع اقتباس
قديم 08-04-2020, 11:49 AM   رقم المشاركة : 3
الكاتب

عمر نجاتي

الاعضاء

عمر نجاتي غير متواجد حالياً


الملف الشخصي









عمر نجاتي غير متواجد حالياً


رد: كتاب آداب المريدين




[(فصل: في سؤال الفقير)]

فمن أدب الفقير ترك السؤال للخلق ما دام يجد عنه مندوحة، فإن ألجأته الضرورة والحاجة المحقرة، فيسأل بقدر الحاجة فتكون حاجته كفارته، فحينئذ يسلم له السؤال.

وينبغي ألا يسأل لأجل نفسه ما أمكنه بل لعياله على ما قدمناه، فإن كان بيده دانق وهو محتاج إلى درهم لم يسلم له السؤال حتى يصرف الدانق ويخلو عن المعلوم جدًا كما قيل: لا يظهر من الغيب شيء مادام في الجيب شيء.

ومن شروط سؤاله للخلق ألا يراهم بل تكون إشارته إلى الله عز وجل، ويرى الخلق كالولاء والأمناء المتصرف فيهم المفعول فيهم فلا يتخذهم أربابًا من دون الله عز وجل، فيكون معنى سؤاله لهم إخبارًا أو استخبارًا، إخبارًا بحاله وعياله لا شكوى من ربه، واستخبارًا هل وقع لنا إليك شيء هل أجل عليك شيء هل أذن لك يا وكيل يا خازن، يا أمين يا مملوك يا فقير يا من أنا وهو سواء فيما في يديه المالك له غيرنا كلنا في عياله، فإذا سأل على هذا الوجه يسلم له السؤال وإلا فلا، ولا كرامة لكل مشرك دجال مراء عابد الأصنام، خارج عن أهل الطريقة مدع كذاب منافق زنديق، ثم إن أعطى شكر وإن منع صبر، هكذا تكون صفات الفقير الصادق، ولا يستوحش بالرد ولا يتغير فيسخط ويعترض ويذم الراد له فيظلمه، لأنه مأمور ووكيل، والوكيل هو الذي يتصرف فيما في يده بإذن آمره وموكله المعطى، وهو الله عز وجل، بل يرجع إليه عز وجل، فيسأله التيسير والتسهيل، ليسخر له القلوب ويذل له الصعاب، يدر له الأرزاق ويسوق إليه الأقسام، ويرفع عنه الجوع والعذاب والتبذل إلى العبيد والأرباب، ولعله قبض أيدي الخلق عنه بالعطاء ليرده إليه، فيلازم الباب ويرفع بدعائه وتضرعه الحجاب، فيكون هو المعطى له دون العباد.






.


رد مع اقتباس
قديم 08-04-2020, 11:52 AM   رقم المشاركة : 4
الكاتب

عمر نجاتي

الاعضاء

عمر نجاتي غير متواجد حالياً


الملف الشخصي









عمر نجاتي غير متواجد حالياً


رد: كتاب آداب المريدين



[(فصل: في آداب العشرة)]

وينبغي له أن يحسن العشرة مع إخوانه، فيكون منبسط الوجه غير عبوس، ولا مخالفًا لهم فيما يريدون عنه بشرط ألا يكون فيه خرق للشرع ومجاوزة للحد وارتكاب للإثم، بل يكون مما أباحه الشرع وأذن فيه الرب، ولا يكون مماريًا ولا لجوجًا، ويكون أبدًا مساعدًا للإخوان على الشرط الذي ذركنا ومتحملاً عنهم ما يخالفونه فيه، ويكون صبورًا على أذاهم غير حقود، لا ينطوي لأحد منهم على دخلة وغش ومكر، غير مغتاب لهم في حال غيبته، ولا يكون سيء المحضر، ويذب عن أخيه في حال غيبته، ويستر العيوب على إخوانه ما أمكنه، وإن مرض أحد منهم عادة، فإن شغله عن ذلك شاغل مضى إليه فهنأه بالعافية، وإن مرض هو ولم يعده بعض إخوانه اعتذر عنه، فإذا مرض لم يقابله بذلك، بل يعوده ويصل من قطعة، ويعطي من حرمه، ويعفو عمن ظلمه.

وإذا أساء أحدهم إليه اعتذر عنه عند نفسه ويرجع بالملامة على نفسه، ولا يرى ملكه ممنوعًا عن غيره من الإخوان، ولا يتحكم في ملكهم بغير إذنهم، ولا ينسى الورع في جميع حركاته وسكناته، وإن انبسط معه أحد من إخوانه في شيء من ماله أجابه إلى ذلك مسرعًا مستبشرًا فرحًا مسرورًا متقلدًا منه في ذلك منة، حيث جعله أهلاً لمباسطته معه وإنزال حاجته به، ولا يستعير من أحد شيئًا إن أمكنه، وإن استعار أجد منه شيئًا لا يسترده ما أمكنه لأنه ما استعار منه إلا لحاجته، ولا يليق بالفتوة استرداد المعار، كما لا يحسن في الشرع استرجاع الهدية والهبة، فإن لم يقدر على ذلك فليسرع إعارته، ولا يمنعه من ذلك ولو كل يوم، إذ لا يليق بحاله أن ينفرد عن أحد من الناس بما له، لأنه ليس في رق شيء من الأشياء فلا يملكه شيء، فكل من ملك شيئًا فذلك الشيء يملكه، لأن المرء عبد لمن زمامه بيده، بل يرى الأشياء التي في يده ملكًا لله عز وجل وهو وبقية الناس عبيدًا لله عز وجل، والكل متساو في ملكه عز وجل، وأما ما كان في يد الغير فيستعمل فيه حكم الشرع والورع وحفظ الحدود، لئلا يصير في زمرة المباحية الزنادقة.



وينبغي له إذا مسته محنة أو فاقة أن يستر حاله عن إخوانه ما أمكنه، لئلا يشغل قلوبهم بسببه، فيتكلفوا له، وكذلك إن مسه هم أو أصابه حزن لا يظهر ذلك لإخوانه، ولا يشوش عليهم ما هم فيه من الفرح والسرور، والراحة ولذة العيش، وإن رأى إخوانه منزولاً بهم هم وغم وقد أظهروا فرحًا وسرورًا، ساعدهم في الظاهر من إظهار النشاط والاستبشار، ويكتم عنهم ما هم فيه من الاستيحاش والحزن والهم، فلا يقابلهم بما يكرهون، ولا يختلف عنهم في شء من ذلك.

وينبغي له في أدب حسن العشرة إذا استوحش من شيء أن يتكلم في حسن الخلق،



.


رد مع اقتباس
قديم 08-04-2020, 11:54 AM   رقم المشاركة : 5
الكاتب

عمر نجاتي

الاعضاء

عمر نجاتي غير متواجد حالياً


الملف الشخصي









عمر نجاتي غير متواجد حالياً


رد: كتاب آداب المريدين



[(فصل: في آداب الفقراء عند الأكل)]

من ذلك ألا يأكلوا بالشره ولا على الغفلة، بل يذكروا الله عز وجل بقلوبهم عند الأكل ولا ينسونه.

ومن ذلك ألا يمدوا أيديهم عند الطعام قبل من هو فوقهم.


ومن ذلك ألا يقولوا لغيرهم كل، ولا يضعوا مما بين أيديهم شيئًا بين يدي غيرهم، لا على طريق الخدمة ولا على طريق الانبساط إلا صاحب الطعام، فإنه مسلم له ذلك لأنه نوع خدمة منه، ولا يقولوا لصاحب الطعام كل معنا، وإذا أُقعد موضعًا فلا يختار غيره ويقعد حيث يؤمر، ولا يرفع يده من الطعام ما دام يأكل من معه لئلا يحتشم صاحبه فيحمله على الامتناع.

ولاغ ينبغي أن يرفع الطعام من بين يدي الفقير ما دام يأكل وما دام عينه عليه، ويساعد الأصحاب على الأكل بقدر ما لا يكون مخالفة وإن لم يكن به شهوة.

ولا ينبغي أن يلقم على المائدة أحدًا، وإن عرض عليه الماء لا يرد الساقي ولو بقطرة واحدة، ولو قام صاحب الطعام بالخدمة لا يمنع، ولو أراد صب الماء على يده فلا يمنعه.

وينبغي أن يأكل مع الأغنياء بالتعزز، ومع الفقراء بالإيثار، ومع الإخوان بالانبساط، ولا لخطر الأكل بباله إلا إذا حضر، فحينئذ يأكل ولا يساعد نفسه في اشتهاء شهوة، ولعلها لم تكن مقسومة، فلا ينالها فيبقى محجوبًا بها عن الله تعالى، ويشتغل بها عن طاعته ومراقبة حاله، فإذا عرض عن ذلك واشتغل بحاله كان سليمًا، فإن كانت مقسومة ثم حضرت اشتهاها وتناولها وشكر الله تعالى ولا يجعل الأكل همه ويعلق قلبه به ويجعله حديثه، بل يمهد مع نفسه بأنها مريضة، ومن حالها الاحتماء عن الطعام والشراب والشهوات حتى يبرأ المرض فالمرض هواها وإرادتها ومناها، والرب عز وجل طبيبها ومداويها، فإذا بعث الطعام والشراب على يد مملوكه تناولهما وعلم أن دواءها وعافيتها في ذلك دون غيره، واشتغل بحفظ الحال والمراقبة وإخراج الأشياء من القلب والارتكان إلى شيء من الأشياء والطمأنينة إليه أبدًا في جميع حركاته وسكناته.




.


رد مع اقتباس
قديم 08-04-2020, 11:59 AM   رقم المشاركة : 6
الكاتب

عمر نجاتي

الاعضاء

عمر نجاتي غير متواجد حالياً


الملف الشخصي









عمر نجاتي غير متواجد حالياً


رد: كتاب آداب المريدين




[(فصل: في آدابهم فيما بينهم)]

من ذلك ألا يمنع شيئًا يكون له من أصحابهم من ثيابهم وسجاداتهم وركوبهم وما يجري مجراه، ولو وطئ أحد منهم سجادته بقدمه لا يستوحش منه، ولا يضع قدمه على سجادة غيره، ولا يبسط سجادته على سجادة من هو فوقه في الرتبة، ولو مد أحد يده إلى كتفه لا يمنعه، ولا يمد هو يده إلى كتف غيره، ولا يستخدم أحدًا من الفقراء، ويخدم هو بنفسه كل أحد، ويغمز أرجل الفقراء، ولو أراد أحد أن يغمز رجله لا يمنعه، وإن دخلوا الحمام فليس في آداب الفقراء أن يمكنوا القيم من دلكهم، ولو أراد بعضهم ذلك بعض أمكنه منه ولا يمنعه، وإذا نظر فقير إلى شيء من خرقته أو سجادته أو غير ذلك فليدفعه إليه في الوقت وليؤثره به.

ولا ينبغي أن يجعل الفقراء في انتظاره عند الأكل، وكذلك في كل شيء لا يؤذي قلب أحد بأن ينتظره ما أمكنه، فإن المنتظر مستثقل، وإذا أراد أن يقدم إلى فقير طعامًا، فيجب ألا يحبسه في الانتظار، لأن الانتظار الرقة ذل.

ولا ينبغي أن يدخر شيئًا مما يمكنه، وإذا لم يكن الطعام كثيرًا فلا يأكل إلا بعد أن يفضل منهم، ويجتهد في تقديم الطعام إلى الفقراء، أن يكون أنظف ما يمكنه وأوفق لهم، وإن كان في قوم فلا ينبغي أن ينفرد عنهم بأكل شيء ولا يأخذ شيء، فإن فتح له بشيء ينبغي أن يطرحه في الوسط، وإن مرض وهو بين قوم فاحتاج إلى تخصيصه بدواء، فينبغي له أن يستأذن الجماعة في ذلك، وإذا نزل برباطه أو مدرسة وفيها شيخ أو خادم فينبغي أن يكون بحكم ذلك الشيخ، ولا يفعل شيئًا إلا باستطلاع رأيه، وإذا ورد على قوم وهو بحكم فينبغي أني وافقهم على ما هم عليه.


ولا ينبغي أن يرفع صوته بين الفقراء بتسبيحه وقراءته بل يخفي ذلك عنهم ويستتر به أو ينقل ذلك إلى تفكر واعتبار عبادة باطنة، وإن كان من الخواص ذوي الأسرار فلا كلفة عليه في ذلك، لأن ربه يتولاه ويهيئ له ويأمره وينهاه في ذلك، ويسخر له قلوب الجماعة ويعطفها عليه ويملؤها من حبه تارة وهيبته واحترامه أخرى.

وكذلك لا ينبغي أن يرفع صوته بغير ذلك من الكلام بينهم، وإذا كان بين قوم فينبغي ألا يسار أحدًا دونهم، ولا يتكلم بين الفقراء بشيء من حديث الدنيا والمأكولات ما أمكنه.

ومن شرطه أيضًا ألا يكتب بين الفقراء شيئًا ما أمكنه ووجد من ذلك بدًا، بل يشتغل بالعمل المكتوب ومراقبة قلبه وحفظ حاله والتفكر فيهما، ولا يكثر من النوافل بين أيديهم، وإذا صام الجماعة وافقهم في ذلك، وكذلك إذا أفطر وافقهم في ذلك، ولا ينفرد عنهم بالصوم، ولا ينام بين الفقراء وهم أيقاظ، إلا أن يغلب عليه النوم، فيتفرد عنهم ويضطجع بقدر ما تنكسر فورته.

ولا ينبغي له أن يتقدم بمشيئة شيء واختياره على الفقراء إذا أمكنه، وإن طالبه الفقير بشيء فلا يرده ولو بقليل، ولا يؤذي قلبه بطول الانتظار، وإذا شاوره أحد فلا يعجل عليه بالجواب فيقطع عليه كلامه، بل يمهله حتى ينهي جميع ما في قلبه، ولا يجيبه بالرد والإنكار، فإذا فرغ من ذلك ورآه غير صواب قابله أولاً بالموافقة، وقال: هذا وجه، ثم يبين له ما هو أصوب منه عنده برفق لا بمخاشنة ووحشة.

ومن آدابهم ألا يمدحوا الطعام حال الأكل ولا يذموه.



رد مع اقتباس
قديم 08-04-2020, 12:02 PM   رقم المشاركة : 7
الكاتب

عمر نجاتي

الاعضاء

عمر نجاتي غير متواجد حالياً


الملف الشخصي









عمر نجاتي غير متواجد حالياً


رد: كتاب آداب المريدين




[(فصل: في آدابهم مع الأهل والولد)]

من ذلك حسن الخلق والإنفاق عليهم بالمعروف بما أمكنه، وإذا ملك في اليوم ما يكفيه ليومه فلا يحبس شيئًا لغد، وله إلى ذلك القدر حاجة في الحال، فإن فضل من ذلك شيء فليدخره لغد للعيال لا لنفسه، فلا يأكل إلا تبعًا لهم، بل يكون كالوكيل والخادم لعياله والمملوك مع سيده، ويعتقد بخدمته عياله والكد عليهم والقيام بمصالحهم أداء أمر الله وطاعته، وليعزل خدمة نفسه من الوسط، ويؤثر عياله على نفسه، وإذا أكل أكل بشهوتهم، ولا يحملهم على متابعة شهوة نفسه، وإذا كان في ذات يده شيء يصلح لشتائه وهو في الصيف محتاج لثمنه صرفه في وجه حاجته في الصيف، وإن وجد كفاية يومه وكان فيه فضل للكسب في يومه لكفاية غد لعياله لم يشتغل بذلك، بل يقف مع الكفاية في يومه، لأن الوقوف مع الكفايات واجب، وأخر تدبير غد إلى غد، فإن كان له قوة في التوكل وصبر على مقاساة الشدائد والقلة والجوع والضر، وتقصر قوة عياله عن ذلك، فلا يجوز له أن يدعوهم إلى حالة نفسه، بل يتحرك ويكتسب لأجلهم، وإن رأى من أهله الطاعة لله عز وجل وحسن السيرة والعبادة، فعليه بكسب الحلال وإطعامهم الحلال المباح حتى يثمر ذلك الطاعة والصلاع، ولا يطعمهم الحرام فإنه يثمر العصيان والجناح، وليجتهد في ذات نفسه بإصلاح العمل والصدق وطهارة الباطن حتى يصلح الله أمره بينه وبين عياله في حسن الصبر وحسن الطاعة له ولله عز وجل والموافقة له، وتعود بركة صلاحه على عياله، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من أصلح ما بينه وبين الله عز وجل، أصلح الله تعالى ما بينه وبين الناس" وأهله وعياله من جملة الناس.

وإذا نزل به ضيف فيجب أن يطعم عياله مما يطعم الضيف إذا كان بذات يده سعة ومكنة فليوفر ذلك بحيث يعم الجميع ويكفيهم ويفضل عنهم، فإن كان هناك فقر وقلة وضيق يد وعلم من عياله الإيثار والرضا بذلك، فحينئذ يؤثر الضيفان، فإن فضل عنهم شيء تناولوه على وجه التبرك، فإن الله تعالى سيخلف عليهم ويوسع ما لديهم، فإن الضيف ينزل برزقه ويرحل بذنوب أهل البيت، كما جاء في الحديث.


وإذا دعا الفقير إلى دعوة وله عيال وليس له ما يصلح شأنهم فليس من الفتوة أن يضيع عياله ويمضي إلى الدعوة ويؤثر شهوته على فاقة عياله، ولا يستقيم في الطريقة والشريعة أخذ الزلة والخيبة لأجل العيال من الدعوة، فليمتنع من الحضور وليصبر مع أهله، فإن كان في صاحب الدعوة فتوة وعلم بأن للضيف عيالاً، فينبغي له ألا يفرده بالاستحضار، بل يفرغ قلب الضيف عن شغل عياله بأن يكفيه ذلك، ويحمل إليهم ما يحتاجون إليه، ويعلم ضيفه بذلك.

والواجب على الفقير أن يؤدب أهله بملازمة ظاهر العلم والشريعة، ولا يمكنهم من مخالفة العلم في القليل والكثير.

ولا ينبغي له أن يسلم أولاده إلى السوق وتعلم الحرف، بل يعلمهم أحكام الدين ويحملهم على ترك طلب الدنيا، إلا أن يغلب عليه الفقر وقلة الصبر وانكشاف الحال والفضيحة والرجوع إلى الخلق في القوت وما يسد به الخلة، فليشغل أهله وولده ونفسه بالكسب وتحصيل ما يحصل به الغنى عن الناس، فهو أفضل من غيره مع حفظ الحدود، ويعرف أولاده وجوب مراعاة حق الوالدين ومجانبة العقوق، ويعرف أهله مراعاة حقه، وفضيلة الصبر مع وطاعته وغير ذلك على ما بينا في باب آداب النكاح.



رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:37 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.4, Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir