آخر 10 مشاركات
الخبيصه الاماراتيه (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 1 - المشاهدات : 12608 - الوقت: 09:09 PM - التاريخ: 01-13-2024)           »          حلوى المغلي بدقيق الرز (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 0 - المشاهدات : 7379 - الوقت: 03:16 PM - التاريخ: 12-11-2023)           »          دروس اللغة التركية (الكاتـب : عمر نجاتي - مشاركات : 0 - المشاهدات : 13258 - الوقت: 11:25 AM - التاريخ: 08-21-2023)           »          فيتامين يساعد على التئام الجروح وطرق أخرى (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 0 - المشاهدات : 14631 - الوقت: 08:31 PM - التاريخ: 07-15-2023)           »          صناعة العود المعطر في المنزل (الكاتـب : أفاق الفكر - آخر مشاركة : OM_SULTAN - مشاركات : 4 - المشاهدات : 48770 - الوقت: 10:57 PM - التاريخ: 11-06-2022)           »          كحل الصراي وكحل الاثمد وزينت المرأة قديما من التراث (الكاتـب : Omna_Hawaa - آخر مشاركة : OM_SULTAN - مشاركات : 2 - المشاهدات : 43827 - الوقت: 10:46 PM - التاريخ: 11-06-2022)           »          كيفية استخدام البخور السائل(وطريقة البخور السائل) (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 2 - المشاهدات : 36038 - الوقت: 10:36 PM - التاريخ: 11-06-2022)           »          جددي بخورك (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 0 - المشاهدات : 20851 - الوقت: 10:25 PM - التاريخ: 11-06-2022)           »          عطور الإمارات صناعة تراثية (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 0 - المشاهدات : 21110 - الوقت: 10:21 PM - التاريخ: 11-06-2022)           »          خلطات للعطور خاصة (الكاتـب : أفاق : الاداره - آخر مشاركة : OM_SULTAN - مشاركات : 1 - المشاهدات : 27059 - الوقت: 10:12 PM - التاريخ: 11-06-2022)

إضافة رد
 
أدوات الموضوع تقييم الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 04-02-2010, 07:43 PM   رقم المشاركة : 1
الكاتب

أفاق : الاداره

مراقب

مراقب

أفاق : الاداره غير متواجد حالياً


الملف الشخصي









أفاق : الاداره غير متواجد حالياً


التراث الشعبي هي الحصيلة الانسانية لكافة الشعوب

التراث الشعبي هي الحصيلة الانسانية لكافة الشعوب

المادة :: تعريف التراث الشعبي


تمهيد

يشكل تراث الشعوب الإطار التاريخي الذي تنطلق منه حضارة أي شعب، فهو بمثابة الوعاء الذي يجمع بين جنباته الحصيلة الإنسانية لكافة جوانب تطور هذه الشعوب ونموها .. من هذا المنطلق يهدف الباب الاول من هذا الكتاب إلى صياغة إطار نظري عام حول تفسير مصطلح التراث بشكل عام والتراث الشعبي بشكل خاص باعتباره يمثل مدخلا لرصد الحياة الشعبية في دولة الإمارات التي ما زلنا نحيا كثيراً من مظاهرها، كما سيتطرق لتفسير بعض المصطلحات التي لها علاقة بوجه أو آخر بالتراث الشعبي كالفلكلور أو الموروثات الشعبية أو المأثورات الشعبية، وسنرى هل بالإمكان استخدامها كبديل لمصطلح التراث الشعبي أم إنه يوجد اختلاف بينها؟....
كما سنتعرف على أهم مجالات التراث الشعبي، وذلك بتقديم عرض موجز عن كل مجال وأهم العناصر التي يحتويها متخذين من تراث دولة الإمارات حالة تطبيقية على ذلك وهذا ما سيرد في الفصل الاول، أما بالنسبة للفصل الثاني من هذا الباب فهو معني بتتبع أهم الجهود الذي بذلت في المحافظة على التراث في دولة الإمارات سواء على المستوى الرسمي أو المستوى الشعبي.


المادة :: أولاً : ما المقصود بالتراث والتراث الشعبي بشكل خاص ....؟


تعد كلمة تراث من الكلمات الشائعة الاستخدام في اللغة العربية الفصحى وفي لهجاتها المختلفة فالتراث في اللغة هو كل ما يخلفه الرجل لورثته أي لأبنائه وأهله من بعده وهو متوارث وقابل للإيراث من بعده بحكم التقادم والانتقال. كما وردت كلمة تراث في القرآن الكريم وذلك في قوله سبحانه وتعالى  وتأكلون التراث أكلا لما وتحبون المال حباً جما ، كما وردت في قوله سبحانه وتعالى  ثم أورثنا الكتاب .. ذلك هو الفضل الكبير  ويتبين لنا من كلا الآيتين ان للتراث شقين شق مادي كما ورد في الآية الاولى وشق روحي فكري كما ورد في الآية الثانية، كما أتت كلمة تراث في أقوال الرسول صلى الله عليه وسلم وفي أقوال الصحابه والمحدثين، إضافة إلى ورودها في الشعر الجاهلي، يتضح من هذه الامثلة ان كلمة تراث كلمة أصيلة مستمدة من ينبوع الحضارة العربية والاسلامية، هذا على الصعيد اللغوي، اما على الصعيد الثقافي والحضاري فالتراث كما يعرفه محمد أركون بأنه سنة الآباء، وإطار من الاحكام والشرائع، ومعلومات عملية تجريبية شعبية، ومجموعات أدبية فكرية علمية مكتوبة .. من هذا التعريف يتبين لنا ان التراث يحمل بين طياته موروثات مادية ملموسة نلتمسها في أسلوب الحياة وأدوات وأساليب الانتاج وفي غيرها من الاشياء المحسوسة، وموروثات فكرية وجدانية متجسدة في القيم والعادات والتقاليد ... الخ.
اما التراث الشعبي على وجه التحديد، فليس هناك اتفاق واحد على تفسيره، وذلك شأنه شأن معظم مصطلحات العلوم الاجتماعية التي تتأثر بالخلفيات العلمية والسياسية والحضارية للعلماء القائمين عليها. ولكن هذا لا يمنع من عدم وجود اتفاق عام حول أهم موضوعات التراث الشعبي، فهناك شبه إجماع أكاديمي على أهم ملامح وأسس وموضوعات التراث الشعبي، ويعرف التراث الشعبي بصفة عامة بأنه (العادات والتقاليد والقيم والفنون والحرف والمهارات وشتى المعارف الشعبية التي أبدعها وصاغها المجتمع عبر تجاربه الطويلة والتي يتداولها افراده ويتعلمونها بطريقة عفوية، ويلتزمون بها في سلوكهم وتعاملهم حيث إنها تمثل أنماطا ثقافية مميزة تربط الفرد بالجماعة كما تصل الحاضر بالماضي).
والملاحظة الجديرة بالذكر في هذا المقام، هو انه في أحيان كثيرة ترد إلى مسامعنا مصطلحات تراثية كالفلكلور، والمأثورات الشعبية، والموروثات الشعبية، والسؤال هنا هل هذه المصطلحات مرادفة لمصطلح التراث الشعبي؟، وهل بالإمكان استخدامها كبديل لمصطلح التراث الشعبي ....؟



المادة :: (أ) الفولكلور


الفلكلور يعد من المصطلحات التي دخلت حديثا إلى اللغة العربية، فهو في الواقع ترجمة لمصطلح انجليزي ظهر في القرن التاسع عشر، ويعني بالعربية الفصحى (حكمة الشعب)، حيث يشير الشق الاول من الكلمة (فلك) إلى الشعب، بينما يشير الشق الثاني من الكلمة (لور) إلى مجموعة المعارف والتقاليد المكتسبة عن طريق الخبرة، ويستخدم المصطلح في بعض الاحيان وبالتحديد في الثقافة الفرنسية للتعبير عن أشياء غير جادة أو استهزائية – عندما يقال على سبيل المثال هذا من باب الفلكلور أي من باب الطرافة.


المادة :: (ب) المأثورات الشعبية


المأثور لغة هو المنقول قرنا عن قرن، وقد استحدث هذا المصطلح من قبل المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، كما أقره مجمع اللغة العربية، وهو في الواقع استحدث كترجمة لمصطلح الفلكلور، ولكن يؤخذ على هذا المصطلح انه يركز بشكل ملحوظ على الآداب الشفاهية ويغفل جوانب أخرى من التراث سنذكرها لاحقا.


المادة :: (ج) الموروثات الشعبية


تتمثل الموروثات في كل ما خلفه لنا الآباء والاجداد من تراث سواء المتمثل في جانبه الفكري ام المادي وهي بذلك تتفق لغوياً مع مصطلح التراث. ولكن الفرق يكمن في ان التراث لا زال يؤدي دوره الوظيفي في يومنا هذا بعكس الموروثات الشعبية التي يفترض انها فقدت دورها الوظيفي.


المادة :: من خلال العرض السابق ( أ ، ب ، ج )


يعتبر مصطلح التراث الشعبي أجدر بالاستخدام في ادبيات التراث من المصطلحات التراثية الأخرى، وهذا ما توصل إليه أ.د. سيد حامد حريز في إحدى أبحاثه المعنية بدراسة التراث الشعبي. حيث أكد على أهمية استخدام مصطلح التراث الشعبي عن بقية المصطلحات التراثية الأخرى وذلك لعدة أسباب، كما أوضحها سيد حريز فهو مستمد من اللغة العربية الفصحى كما أنه مرتبط بالحضارة العربية والإسلامية فهي قد وردت في الشعر الجاهلي، وفي بعض آيات القرآن الكريم، كالآيات التي تطرقت لذكرها سابقا، كما وردت في بعض اقوال الرسول صلى الله عليه وسلم. أضف إلى ذلك اشتمالها على مجلات التراث المختلفة سواء المتمثلة في جانبها المادي ام المعنوي بعكس عبارة الفنون الشعبية التي تقتصر على الجانب المعنوي فقط.


المادة :: مجالات التراث الشعبي


لم يتفق الباحثون بعد على تصنيف موحد لمجالات التراث الشعبي ولا تكاد تجمعهم وجهة نظر واحدة في هذا المجال ... وقد آثرنا في هذا البحث ان نعتمد التصنيف الذي استحدثه الدكتور محمد الجوهري فقد رأى ان يقسم موضوعات التراث إلى أربعة اقسام جاءت على النحو التالي :

1. الادب الشعبي.
2. العادات والتقاليد.
3. المعتقدات والمعارف الشعبية.
4. الثقافة المادية والفنون الشعبية



المادة :: أولا : الأدب الشعبي


في الواقع لا يزال تحديد الأدب الشعبي أمراً يختلف عليه النقاد ودارسو الأدب. ففريق منهم يرى أن الادب الشعبي لأي أمة هو أدب عاميتها التقليدي وبالتالي هو الأدب الذي يوصف بالأدب الشفاهي، المتوارث، المجهول المؤلف، وفريق منهم يرى الأدب الشعبي بأنه هو نفسه ادب العامية سواء أكان شفاهياً أو مكتوباً مجهولاً ام معروف المؤلف، حديثاً أم متوارثاً، ولكن من الملاحظ في مراجع الأدب الشعبي ان معظم هذه المراجع تتفق على ان الادب الشعبي تدخل ضمنه كل فنون القول التي توارثت مشافهة : اللغة المحلية وعلوم صناعتها، الأشعار، الأزجال، الأحاجي، الخرافات، السير، الملاحم والحكايات، ثم الأمثال .. وسنعرض من خلال الأسطر التالية بعض فنون الأدب الشعبي.

1- الشعر

لقد ذكرنا الشعر في المقام الاول وذلك لتأثيره الجلي في نفوس الناس فالشعر يصل للعامة والخاصة من الناس وهو بذلك يعتبر من أكثر عناصر الأدب الشعبي انتشارا، وتداولا بين أفراد المجتمع، سواء أكان في الماضي أم في الحاضر حيث استطاع هذا الشعر بالفعل ان يفجر إبداعات أدبية رائدة في المنطقة ساهمت في إثراء التراث الشعبي. أضف إلى ذلك نفسية العربي وتكوينه الحضاري الذي يضع الشعر في مرتبة سامية، ومن أهم أغراض الشعر وموضوعاته. الشعر الاجتماعي، البداوة، الغوص، البحر، النصائح، الحكمة، الفخر، الذم، شكوى الزمان، الوصف، الغزل وغيرها من المواضيع المهمة التي ساهمت في الواقع في خلق اتجاهات فكرية جديدة في المنطقة، ونحن بهذا الحديث عن الشعر نكون قد فتحنا المجال للشعر النبطي وتأتي الابيات التالية كمثال على هذا النوع من الشعر :

إذا بغيت إنك تصاحب صاحب لا تصاحب إلا جيد الاطباع
حتى إذا ضاق المجال ايثيبك بمـدافـع ومنـافـع وأفـــزاع

أما بالنسبة لتصنيف الشعر النبطي، فقد كثرت الاجتهادات وتنوعت حول تصنيفه، ومن بين هذه الاجتهادات رأي الدكتور (أحمد امين المدني) الذي ضمنه كتابه (الشعر النبطي)، حيث يرى ان هناك ستة أنواع للشعر النبطي وهي على التوالي : القصيدة، المربوع، التغرودة، الرزحة، العازي، العيدان.
وللشعر نوع آخر وهو المتمثل في الشعر التقليدي أو المقفى وهو ما درج العرب على نظمه قبل الاسلام واستمر حتى يومنا هذا، ومنه قول الشاعر زهير بن ابي سلمى :

ومن لم يذد عن حوضه بسلاحه يهدم ومن لا يظلم الناس يظلم
ومن يغترب يحسب عدوا صديقه ومن لا يكرم نفسه لا يكرم

2- الأهازيج الشعبية

تعتبر الأهازيج سجلا حافلا للاغاني التي كانت تردد على ضفاف الخليج العربي في شتى المناسبات، فإذا رجعنا لاصل كلمة هزج نرى ان المراجع بينت لنا ان الهزج قديم في الادب العربي (وهو في معظم معانيه يعني الغناء) الفرح، لكننا لو أمعنا النظر في هذا الضرب من الفنون في الخليج نلاحظ أنه متنوع لدرجة كبيرة، وهذا نتيجة طبيعية فرضته طبيعة البيئة التي امتزجت فيها فنون البحر والغوص بفنون الزراعة والرعي فلكل بيئة ضرب معين من الأهازيج ولكل مناسبة كذلك.
أما عن أهم الوظائف التي تقوم بها الاهزوجة في حياة الفرد في تلك الفترة، فقد كانت في الواقع تقوم بوظيفة نفسية بالدرجة الأولى، فالفرد كان يرددها للترويح عن النفس وعن ضغط الحياة لهذا نلاحظ ان الأهازيج شغلت حيزاً مهما في الأدب الشعبي. أما عن وظيفتها في يومنا هذا فيمكننا القول ان الأهازيج الشعبية تعتبر المرآة التي تعكس لنا واقع الشعب في تلك الفترة، وهذا ما تدل عليه نصوص تلك الاهازيج فقد تنوعت هذه النصوص ما بين نصوص معاناة من الحياة اليومية أو نصوص أماني ومنها تلك النصوص التي كانت ترددها الأم على أطفالها، ومن بين هذه النصوص تلك الأهزوجة التي تقول :

لإ إلـــــــــــــه إلا الـــــــــلــــــــه
لإ إلــــه إلا الــــلــــه أتحــرســــك
فـي منــامـــك أو لـيـلـة عــرســــك
وابعون الله لا شر لا سو يقدر عليك

أما في الفترات التي يعم فيه الرخاء فينعكس مسار الاهزوجة فتختلف النصوص من حيث المقصد والخلجات النفسية وهذا ما يثبت صحة حديثنا الذي ورد سابقا، في اعتبار ان الاهزوجة هي الصورة الحقيقية لحياة الناس في تلك الحقبة من الزمن.
ويعد كتاب على إبراهيم الدرورة بمثابة الدليل لجمع ما تشتت من الاهازيج في الخليج ومن الامثلة على الأهزوجة الشعبية ما كان يردده آباؤنا أثناء الغوص..

اللهم صلي وسلم عليه .. بيت الرسول مكة
يا مدينة مكة .. يا مدينة بيت رسول الله .. هو لو يالله هولو يا هولو.

3- الأمثال الشعبية

ما ينبغي توضيحه أولا في هذا المقام، ان المثل الشعبي يرتبط بالكلام العادي أو اللغة المحلية الدارجة وهذا ما جعله أكثر أنواع الأدب الشعبي انتشارا بين الناس، فالمثل الشعبي هو التعبير اللفظي المختصر والمتداول بغير تبديل أو تغيير في لفظه الحرفي، وعادة ما يتضمن حكمة أو موعظة أو نصيحة فهو في كثير من الاحيان يكون مستخلصاً من الحكم والتجارب في الحياة كالمثل الذي يقول (إذا فات الفوت ما ينفع الصوت) فهذا المثل على سبيل المثال يضرب في الندم على شيء فات، والأمثال عادة ما تكون ذات ارتباط قوي بالبيئة وبالإنسان، فهي في الواقع انعكاس للبيئة الطبيعية والاجتماعية والاقتصادية المعاشة وهذا ما يكشفه لنا اختلاف صياغة بعض الامثال عن بعضها بعضاً على الرغم من أنها تؤدي إلى نفس المعنى كالمثل الذي يقول (اللي ما يعرف الصقر يشويه) هذا ما أفرزته لنا البيئة البدوية، نلاحظ في المقابل في البيئة الزراعية المثل القائل (اللي ما يشوف من لغربال يبقى أعمى).
أما عن الدور الذي تعلبه الامثال في الحياة اليومية للفرد، فهي بمثابة الدليل لرصد أحداث الحياة، كما أنها تلعب دوراً كبيراً في حياة الأفراد عن طريق تأثيرها النفسي عليهم، فهي كفيلة بخلق اتجاهات فردية إيجابية وذلك بما تحمله الأمثال الشعبية المحلية من قيم اجتماعية سامية كالمثل الذي يقول (من زرع في غير بلاده لا له ولا لولاده) فهذا المثل ينمي روح الوطنية في قلوب الناس.
من هذا تعد الأمثال الشعبية من أهم وأفضل المصادر والوثائق التاريخية الحقيقية الهامة والضرورية لمعرفة نفسية أي شعب في أي رقعة على خارطة الأرض، وليس هذا فحسب بل هي تساعدنا على معرفة تطوره الفكري والذهني والحضاري والأخلاقي على مر العصور.
باختصار يمكن القول عن المثل كما ورد على لسان ابن عبد ربه، بأنه هو وشي الكلام وجوهر اللفظ في كل زمان ومكان وعلى كل لسان فهو أبقى من الشعر وأشرف من الخطابة لم يسر شيء سيرها ولا عم عمومها (فقيل أسير من مثل).

4- القصص المنثور :

ويشتمل هذا القصص المنثور على ثلاثة أنواع هامة هي الأساطير الشعبية، الحكايات الشعبية، السير الشعبية. وفي بحثنا هذا سنتناول بالشرح فقط الحكايات الشعبية والسير الشعبية، أما بالنسبة للأساطير الشعبية فهي على الرغم من انها تحتل مكانة متميزة في الادب الشعبي العالمي إلا انه في تراث دولة الإمارات نلاحظ أن هذا النوع من الادب لا يحتل هذه المكانة لذلك سنستبعد ذكره في هذا المقام.

(أ) الحكايات الشعبية :

قبل ان نوضح الأهمية التي تعلبها الحكاية الشعبية، لا بد لنا أولا ان نتطرق لتحديد مسمى الحكاية، فالحكاية مشتقة من الحكي، ويعرف الحكي بأنه الطريقة التي تتحول بها تجربة ما إلى إفادة كلامية، ومن ثم فإن الحكاية هي وسيط لتوصيل التجربة، وهي أعلى مرحلة من (الجملة) فبينما تصل الجملة الكلمات بعضها ببعض نجد الحكاية تربط وتصل أفعالا وأحداثا، وفي دولة الإمارات نلاحظ أن الحكاية تسمى (سالفة) وهذه التسمية تؤكد معنى الحدث الذي وقع في سالف الزمن .. ومن ملاحظة سجل الحكايات، يتبين لنا ان الحكايات الشعبية أو القصص الشعبي ينقسم إلى عدة أنواع، وان كل نوع له شكل ومحتوى يختلف فيهما عن أي نوع آخر، ولكن ما يهمنا في هذا المقام، ان نعدد أهم أنواع القصص الشعبي، وهي تنقسم إلى سبعة أقسام كما صنفتها. نبيلة ابراهيم :
1. الحكاية الخرافية لا سيما تلك التي تتضمن الحكايات السحرية حكايات الجان كحكاية (أم الدويس) في مجتمع الإمارات، وملخص هذه الحكاية ان ام الدويس تصور على انها إمرأة قبيحة يدها على شكل المنجل تقتل بها ضحاياها من الذكور بعد ما تظهر لهم في شكل إمرأة جميلة جذابة تغريهم وتخدعهم ثم تقتلهم.
2. حكاية المعتقدات وهي معتقدات ترتبط بالقوى الخارقة كالخالق عز وجل، وبالملائكة وبأنهم رمز للخير والنقاء، وكذلك المعتقدات المرتبطة بالشياطين وبأنهم رمز للشر والفساد، وكذلك هناك المعتقدات المرتبطة بالقوى الطبيعية كالشمس والقمر والنجوم بأسمائها ودلالات ظهورها وارتباطها بالأحوال الجوية.
3. حكايات التجارب اليومية وهي حكايا مستمدة من حياة الناس وما فيها من حوادث تدعو لأخذ العبرة والدرس.
4. الحكايات التاريخية وهي تحكي لنا أحداثا تاريخية وقعت في زمن أجدادنا.
5. قصص الحيوان وهو قصص رمزي، يقصد به الكشف عن عيوب الإنسان، من خلال حديث الحيوان أو الطير مثل الغراب، ومكر الثعلب، وعن النسور ... الخ.
6. الحكايات الهزلية وتهدف إلى إشاعة روح النكتة والفكاهة وتأخذ أحياناً طابع النقد.
7. القصص الديني وهي القصص الواردة في القرآن الكريم، وقصص الصحابة والتابعين والأولياء الصالحين.

ومن خلال دراسة بعض الحكايات التي اطلعنا عليها نلاحظ ان الحكاية الشعبية كانت ولا تزال تلعب دوراً هاماً وحيوياً في التنشئة الاجتماعية، كما تساهم بدور جلي في العملية التربوية، وذلك كون هذه الحكاية تعتبر مصدرا من مصادر نقل المعرفة والخبرة والتجربة الإنسانية والقيم والمعتقدات السائدة في المجتمع الشعبي، وذلك كله في إطار زمني يجمع ما بين الترفيه والتعليم. ولابد لنا ان نذكر في هذه المقام جهود مركز التراث الشعبي لمجلس التعاون حيث قام هذا المركز مشكورا بجمع أهم الحكايات الشعبية المنتشرة في الخليج العربي وإصدارها في مجلدين وهو ما زال يتابع نشاطه إضافة إلى قيام المجمع الثقافي بإصدار كتاب بعنوان (حصاة الصبر) لأحمد راشد ثاني، وهو بمثابة الجزء الاول من ضمن مشروع جمع الحكايات الشعبية في الإمارات، ولابد من التنويه بجهد مركز زايد للتراث والتاريخ الذي أعد دورة تدريبية لجمع الحكاية الشعبية وطرق نقلها وتدوينها.

(ب) السيرة الشعبية :

تعد السيرة من أكثر فنون الادب الشعبي العربي انتشارا، وتشكل السيرة الشعبية قسما قائما بذاته من الادب الشعبي، الذي يطلق عليه في وقتنا الحاضر اسم (الادب العامي).
أما بالنسبة لموضوعاتها فهي تدور في كثير من الأحيان حول البطولات والفروسية كما ترتبط عادة بسيرة بطل معروف أو فارس مغوار كسيرة عنترة بن شداد وسيرة أبو زيد الهلالي، أما عن الأسلوب المستخدم في السيرة فهي تجمع ما بين أسلوب النثر والشعر. كما أنها في أحيان كثيرة تبدأ وتنتهي بأبيات شعرية أو جمل غنائية موسيقية تجعلها مألوفة لدى المستمع .. وقد أفرز لنا الأدب الشعبي العربي من تاريخه العريق ست سير شعبية وكل هذه السير تدور حول البطولات وأنماط من الفروسية العربية الأصيلة وموضوعات اجتماعية وأخلاقية مختلفة، ومن أهم هذه السير سيرة سيف بن ذي يزن، وسيرة الظاهر بيبرس، وسيرة الأميرة ذات الهمة، وسيرة حمزة العرب أضف إلى ذلك سيرة عنترة بن شداد وسيرة الهلالي.

5- الألغاز الشعبية :

اللغز في اللغة هو الكلام المعمى أو الخفي، فاللغز من ألغز الكلام وألغز فيه عمي مراده وأضمره على خلاف ما اظهره. ومن بين التعريفات الموضوعية التي وردت في هذا الشأن، تعريف ابن رشيق فقد عرف اللغز فقال (أن يكون للكلام ظاهر عجب غير ممكن أو باطن ممكن غير عجب). أما عبدالله الطابور في كتابه الألغاز الشعبية في الإمارات فقد عرف اللغز بأنه هو جنس من الادب الشعبي يتكون من مجموعة من الألفاظ والكلمات الجميلة التي تحمل معنيين في آن واحد، معنى مضمر أو خفي، يبحث عنه السامع، ومعنى آخر ظاهر يورد في حيثيات الكلام وألفاظه البائنة المعرفة.
وتختلف مسميات الألغاز من دولة لأخرى ففي الإمارات يطلق عليه اسم لغز، بينما في دولة الكويت تسمى (الغطاوي)، بمعنى ان الجواب في اللغز مغطى أو مخفي. بينما في السعودية نلاحظ انه يطلق عليه اسم (الحجايا) أو (الغبايا). أما في العراق فتسمى (حزورات) أو (أحازير). إلا أن الملاحظة المهمة أنه ولو اختلفت التسميات في الالفاظ والمعاني فإنها جميعا تعبر عن مفهوم واحد وهو الإغماض والإخفاء والسؤال.
وتقوم الألغاز الشعبية بعدة وظائف منها على سبيل المثال الوظيفة الترفيهية، فالألغاز وسيلة مبسطة محببة في وسائل التسلية والترفيه والترويح عن النفس خاصة بعد عناء يوم طويل شاق من العمل. كما تقوم بوظيفة تربوية وتعليمية وذلك لما تتطلبه من جهد عقلي متمثل في التأمل ودقة الملاحظة وإدراك العلاقات والمقارنة بين الأشياء. إضافة لهذه الوظائف تقوم كذلك الألغاز بوظائف اجتماعية ونفسية، فالمباريات اللغزية تتيح لأفراد الجماعة على اختلاف أعمارهم وطبقاتهم الاجتماعية فرصة للتخاطب الجماعي بينهم، فهي من هذه الناحية ذات وظيفة اجتماعية، أما بالنسبة للوظيفة النفسية، فهذه المباريات اللغزية تتيح الفرصة لتقوية الإحساس بالتفوق والرضا عن الذات (عند النجاح في معرفة الحلول).
والألغاز على نوعين منها العامي أو الشعبي ومنها الألغاز الخاصة التي ارتبطت بالشعر والموال في صياغتها اللفظية وتداولها، أما عن طريقة صياغة الألغاز فهي تتخذ طابع التركيز الشديد.
من خلال العرض السابق لأهم مجالات الأدب الشعبي، عرضنا لأهم هذه المجالات ولم نعرض لمجالات اخرى، لان مجالات الادب الشعبي مختلفة ومتنوعة من بيئة لأخرى، وهذا ما يفسر لنا اختلاف تصنيفات الادباء في هذا المجال، فكل كاتب يعكس واقع بيئته المعاش، ولكننا على كل حال تطرقنا لعرض أكثر أنواع الادب الشعبي شيوعاً ولربما يتفق معظم الكتاب على هذا التصنيف ... من الملاحظ كذلك بعد عرض عناصر الأدب الشعبي ان هذه العناصر تلتقي في بعض النقاط فلاحظنا ان مؤلفي هذه العناصر سواء أكانت الأهازيج أم الامثال ام القصص ام الالغاز .. الخ، مجهولة المؤلف وبما أنها لم تنتج عن طريق شخص معين فهي بالتالي إنتاج شعبي مشترك، وبما أنها أنتجت من قبل جماعات شعبية بسيطة غير ملمة بالقراءة والكتابة فهي نتيجة طبيعية انها ستعتمد على التعبير الشفاهي أو القولي، إضافة إلى ذلك تداول هذه العناصر وانتشارها بين مختلف الأجيال.



المادة :: ثانياً : العادات والتقاليد


قبل ان نوضح ما المقصود بهذا المصطلح وما هي محتوياته لابد أن نبين أولا ما انتهى إليه الدكتور محمد الجوهري بانه لا يوجد ميدان من ميادين التراث الشعبي بعد - الادب الشعبي – حظي بمثل ما حظي به ميدان العادات الشعبية من العناية والاهتمام وما يثبت لنا صحة كلام الدكتور الجوهري ذلك الكم الهائل من الدراسات الفلكلورية والسيولوجية من ناحية، وفي عمليات الجمع والتسجيل من ناحية أخرى لدرجة انه بات من المستحيل على باحث واحد ان يلم بهذا المجال إلماماً كاملا، ولا غرو في ذلك فالعادات والتقاليد الشعبية تقدم لنا صورة متكاملة عن حياة أي مجتمع فمن خلالها يمكن لنا فهم ثقافة المجتمع وواقعه المعاش.
أما عن ماذا نعنيه بالعادة الشعبية فهناك العديد من التعريفات في هذا الموضوع إلا أن معظم هذه التعريفات أجمعت على ان العادة هي نمط السلوك الذي يرتضيه الفرد
أو الجماعة لأنفسهم فيميل إلى الثبات بمرور الوقت بل وللانتقال الوراثي فمن خلال هذا الانتقال بين عدة أجيال تتوسع العادات والتقاليد وتنمو ومن ثم تكتسب سلطانا في المجتمع. ومن خلال خلاصة هذه التعريفات المقدمة لمصطلح العادة الشعبية نستطيع ان نستنج أهم خصائص العادة الشعبية.
(1) نلاحظ أن العادة هي فعل اجتماعي بالمقام الاول حيث إنها تظهر للوجود حينما يرتبط الفرد بآخرين ويأتي أفعالا تتطلبها منه الجماعة.
(2) نلاحظ كذلك أن العادة لا بد لها من ينبوع تراثي يدعمها ويغذيها عبر عدة أجيال ومن هنا فهي تاريخية الطابع.
(3) تمتلك العادة قوة معيارية وظاهرة تتطلب الامتثال الاجتماعي بل الطاعة الصارمة في معظم الأحيان، والفرد الخارج عن العادة هو شاذ اجتماعي يستحق العقاب.
(4) ترتبط العادة في معظم الاحيان بمواقف واحداث الحياة فهي لابد لها من وجود موقف حتى تظهر للوجود كالزواج مثلا.
(5) تتخذ العادة صورا عديدة تظهر في تلك التنويعات اللانهائية من العادات في كافة مجالات الحياة وتزداد تنوعا تبعا لتباين السن والنوع والمهنة وما إلى ذلك من أمور.
أما بالنسبة لتصنيف العادات والتقاليد الشعبية فهي في الواقع خضعت لمجموعة من التصنيفات كتصنيف الكسندر كراب وتصنيف دورسون، والتصنيف الذي قام به محمد الجوهري وزملاؤه، ولكننا في هذا المقام سنأخذ بتصنيف الدكتور الجوهري لأنه قام بالفصل بين العادات والتقاليد وما بين المعتقدات.
فقد ضم التصنيف الموضوعات التالية :
(1) عادات دور الحياة البشرية وهي تنقسم بدورها إلى مجموعة من المراحل :
(أ) الميلاد : الحمل، الوضع، الوليد وكيفية الاهتمام به، السابعة، تنشئة الطفل، الختان.
(ب) الزواج : الخطوبة، الزواج في المدن، زواج أهل البادية، زواج أهل القرى.
(ج) الوفاة : طقوس الدفن، العزاء، زيارة القبور.
(2) الأعياد والمواسم والشهور الدينية وهي متعددة وتختلف من منطقة لأخرى إلا أنه من ابرزها ...
(أ) الأعياد الدينية : مثل رأس السنة الهجرية، وشهري رجب وشعبان، وشهر رمضان المبارك، والعيد، والحج.
(ب) المناسبات الوطنية: ذكرى تأسيس الاتحاد، وذكرى جلوس صاحب السمو رئيس الدولة.
(ج) المواسم الزراعية: كمواسم التلقيح والتبشير للنخلة وغرسها وما يصاحب ذلك من اشعار وأناشيد جماعية وقد اختفى اغلبها مع اساليب الزراعة الحديثة ودخول الميكنة.
(3) الفرد في المجتمع المحلي وتشمل :
(أ) المراسيم الاجتماعية كمراسيم استقبال الضيف والعلاقات بين الكبير والصغير، وبين الغني والفقير ... الخ.
(ب) العلاقات الأسرية، وفيها يوضح مركز الأب والابناء والام والعلاقة بين الاكبر والاصغر.
(ج) العادات المتعلقة بالطعام : سواء بالمجتمع العائلي لتناول الوجبات الرئيسية الثلاث وما يتبعها من عادة شرب الشاي والقهوة، كذلك ولائم الضيوف التي تقام في حفلات الختان والافراح والولادة، وفي المآتم كل حسب البيئة التي يعيشها، حيث تختلف بعض العادات في البيئة الصحراوية عن البيئة الساحلية.



المادة :: ثالثاً : المعتقدات والمعارف الشعبية

قبل كشف النقاب عن أهم المعتقدات السائدة في المجتمع الإماراتي لابد لنا أولا ان نتطرق لتفسير مصطلح المعتقد ... ما هو المعتقد الشعبي؟ وما هي أهم موضوعاته؟
تعتبر المعتقدات الشعبية ظاهرة طبيعية لكل شعوب العالم، وتتعدد أشكال وصور وطبيعة هذه المعتقدات من بيئة لأخرى، فمنها ما يسرد على شكل حكايات وقصص وأساطير ومنها ما يقام له الطقوس والاحتفالات، وفي أحيان كثيرة تصبح المعتقدات على شكل أعراف تتوارثها الأجيال جيلاً بعد جيل وتصبح جزءاً من عقيدة هذه الاجيال. والسؤال الآن ما هو المعتقد؟ يعرف المعتقد بأنه (مجموع المعلومات والمعارف المتراكمة في أذهان الناس عن حياتهم والبيئة المحيطة بهم وعلاقاتهم بعضهم ببعض، والتي تشكل الإطار المرجعي لكل مظاهر سلوكهم..). أما محمد الجوهري فيرى المعتقدات والمعارف الشعبية بأنها (مجموعة المعتقدات التي يؤمن بها الشعب فيما يتعلق بالعالم الخارجي والعالم فوق الطبيعي).
نستشف من هذا التعريف ان هناك معتقدات مترسخة في أذهان الناس ومن الصعب جداً التخلص منها وذلك لتسليمهم بصدق ويقين هذه المعتقدات، ومن أهم الموضوعات التي يمكن أن تندرج تحت هذا الميدان، نجد تلك المعتقدات الدائرة حول الطب الشعبي، والكائنات فوق الطبيعية، والقوى الطبيعية كالمعتقدات المتعلقة بالأجرام السماوية، والأرواح وغيرها من المعتقدات التي سنحاول من خلال الأسطر التالية إعطاء نبذة عنها.

1- الطب الشعبي :

يعرف الطب الشعبي بأنه التطبيب من الامراض أو الاعراض الصحية والنفسية عن طريق الأعشاب والأدوية الشعبية أو الممارسات التقليدية والتي امكن التعرف عليها منذ القدم بواسطة مطببين محليين أو شيوخ دين .. وفي الواقع هناك عدة مسميات للطب الشعبي مثل الطب المحلي أو التقليدي أو البديل .. ونلاحظ أنه في دولة الإمارات وعلى الرغم من التحسن الكبير في الخدمات الصحية إلا أن الطب الشعبي لا يزال يستخدم عند قطاع واسع من الناس، وهذا ما أثبتته إحدى الدراسات العلمية.
أما عن مجالات الطب الشعبي كما حددها الطابور، هي كالآتي :
(أ) العمليات الطبية (الكي، الحجامة، الختان، التجبير، علاج الجروح، الولادة ..).
(ب) الطرق والوسائل العلاجية (المسح والترفيع، الخويه، التخبي، التقميع، العزل عزل المريض، العلاج بالماء).
(ج) الوصفات الدينية (المحو، علاج العين، علاج المس).
(د) الأدوية الشعبية (أدوية نباتية، خلطات ومركبات، أشربة وأوراق).

2- القوى الطبيعية :

وهي المتعلقة بالأجرام السماوية سواء أكانت الكواكب أو النجوم أو الشمس أو القمر بأسمائها ودلالات ظهورها، وارتباطها بالأحوال والتغيرات الجوية وحساب المواقيت والمناسبات الدينية وغيرها.

3- معتقدات لها طبيعة وظروف خاصة :

هذه النوعية من المعتقدات لها صور وأشكال مختلفة، وأصبحت متوارثة بين افراد المجتمع جيلا بعد جيل، وفيما يلي نماذج منها :
(أ) المعتقدات الخاصة بسقوط الأسنان، فكانت عندما تسقط الأسنان اللبنية للأطفال، كان الأهالي يخافون على أبنائهم من العبث بها أو بلعبها، فنتيجة لذلك ابتكر الأهالي عرفاً وهو ان يقوم الأطفال بالتخلص من اسنانهم التي سقطت بحذفها نحو قرص الشمس ويقولون (هاج ياعين الشمس ضرس الحمار وعطيني ضرس الغزال).
(ب) التحذير من التصفير ليلا لأن ذلك سيخرج الثعبان، وهذا أيضاً اعتقاد خاطئ ليس له أساس من الصحة.
(ج) المعتقدات والسلوكيات التي أوجدتها النساء فيما يختص بعملية الإنجاب، كالإعداد لمقدم الطفل، ورعاية الحامل من التعب والإرهاق والحسد، كذلك الولادة وما تتضمنه من استعدادات خاصة وأدعية تتعلق بتسهيل الطلق على المرأة ومساعدتها على الوضع، وإعداد بعض الوصفات الغذائية لرد العافية للنساء بعد الولادة، كما تتضمن هذه المعتقدات الحفاظ على صحة المولود وبقائه، والاحتفاء بمقدمه مثل أهمية التكبير في أذن الطفل اليمنى حال ولادته، وإقامة الصلاة في اليسرى وذلك لينشأ مسلما واعتقادهن في ذات الوقت ان الآذان والإقامة تحميه من الحسد والجن، كذلك وضع المصحف والحرز تحت رأسه، وغيرها الكثير من المعتقدات.


رد مع اقتباس
قديم 04-02-2010, 08:08 PM   رقم المشاركة : 2
الكاتب

أفاق : الاداره

مراقب

مراقب

أفاق : الاداره غير متواجد حالياً


الملف الشخصي









أفاق : الاداره غير متواجد حالياً


رد: التراث الشعبي هي الحصيلة الانسانية لكافة الشعوب



المادة :: رابعاً : الثقافة المادية والفنون الشعبية

أولاً : الثقافة المادية

نستطيع القول ان التراث المادي يعتبر من أهم مجالات التراث الشعبي والسبب يرجع في ذلك كون هذا المجال مرتبطاً ارتباطاً مباشرا بالاحتياجات اليومية في الحياة العامة ولكن وعلى الرغم من أهميته إلا إنه لم يحظ كثيراً باهتمام الأكاديميين مقارنة ببعض ميادين التراث الشعبي الأخرى كالأدب الشعبي والعادات والتقاليد .. ولكننا وقبل أن نحدد ما المقصود بالثقافة المادية، لابد أن نتطرق اولا لتحديد مفهوم الثقافة، فالثقافة بشكل عام هي (مجمل الموروثات الإنسانية المادية منها وغير المادية محكومة بالبيئة الاقتصادية والاجتماعية والجغرافية المحيطة بها وتدخل فيها كذلك الممارسات اليومية التي تكيف الحياة عامة والسلوك على وجه الخصوص). من خلال هذا التعريف نلاحظ ان الثقافة المادية ما هي إلا جزء من الثقافة العامة وتعرف الثقافة المادية بأنها (الشيء الملموس والمحسوس بوجه عام أو بمعنى آخر هو تحويل المادة الخام إلى شكل محدد يخدم غرضا لدى الإنسان)، يتضح لنا من خلال هذا التعريف ان محور الثقافة المادية يعتبر محوراً أساسياً في الفلكلور الإماراتي وذلك لأنه يشكل جانب الإبداع في هذه الثقافة الشعبية، فهو يغطي جميع إبداعات الفنون التشكيلية والتطبيقية التي منها على سبيل المثال الصناعات اليدوية بمختلف أنواعها والتي سنحاول ان نتطرق لتقديم شرح مبسط عن أهم أنواعها ...
(1) الصناعات اليدوية
(أ) المصنوعات الجلدية : وهي التي تعتمد على جلود بعض الحيوانات مثل البقر والغنم ومن أهم هذه الصناعات صناعة قرب الماء وقرب الحليب وصناعة النعال والحقائب وجلود الطبول.
(ب) الصناعات الصوفية : مثل صناعة الخيام والبشوت وبعض الملابس الشتوية والسجاد وغيرها.

(ج) الصناعات الخشبية : مثل الصناديق والأسرة وبقية أثاث البيت الخشبي وصناعة السفن.
(د) صناعة الفخار : وقد مارسها غالبا أهالي الجبال لتوفير الطين ومنها أواني الشرب والصحون وغيرها.
(هـ) الصناعات الحديدية : مثل صناعة السيوف والخناجر وصناعة قضبان النوافذ والأدوات والأواني المنزلية وأدوات العمل وغيرها.
(و) صناعة السعف : مثل صناعة المهفه (مروحة يدوية)، وصناعة الحصير، السرود (يفرش تحت مائدة الأكل)، المغطى (يستخدم غطاء للمائدة)، المكناس .... الخ.
(2) الخياطة والتطريز وأدوات الزينة :
(أ) الخياطة والتطريز : وتشمل نقوش الملابس النسائية وخياطتها مثل (المخور والمزراي والتلي) وغيرها كما تشمل ملابس الرجال والصغار.
(ب) أدوات الزينة : وهي التي تهتم بها المرأة سواء في يومها العادي أو عند خطوبتها أو زواجها أو زياراتها العائلية أو في المناسبات كالأعياد والافراح .. ومن أنواع الزينة الحناء وصناعة صبغة الشعر وصناعة الكحل العربي .. وغيرها ..

وبعد هذا العرض السريع لأهم الصناعات التقليدية التي يزخر بها التراث الإماراتي لا بد لنا من إيضاح نتيجة مهمة في هذا المضمار كشفت عنها إحدى الدراسات التي قام بها مركز التراث الشعبي لدول الخليج العربية فقد بينت هذه الدراسة عن وجود 23 حرفة شعبية يدوية ما زالت تمارس داخل مجتمع الإمارات وتمثل مورد رزق للعديد من الناس، وفي دراسة أخرى كشفت عن وجود 30 حرفة من الحرف النسائية التقليدية لا زالت تمارس في الدولة، وبهذه النتائج التي توصلت لها هذه الدراسات نتوصل إلى ان دولة الإمارات تعد اليوم في طليعة الدول الخليجية من حيث الاهتمام بالحرف والصناعات التقليدية الشعبية. كذلك مما يكشف لنا عن وجود الثقافة المادية في دولة الإمارات تلك الحصون والقلاع والبيوت القديمة أضف إلى ذلك الافلاج التي شقت المياه.

ثانياً : الفنون الشعبية

تعد فنون الاداء الشعبي من الميادين الأساسية المؤلفة للتراث الشعبي، فقد احتلت مكانة خاصة في حياة الآباء والأجداد وفي حياتنا كذلك نحن اليوم، فهي لا زالت تواكب مسيرة النمو الوجداني والعاطفي للإنسان في الإمارات وتعبر كذلك عن شجونه وأحاسيسه، إضافة إلى ذلك فإن محور الفنون الشعبية يعد من أوسع محاور التراث الشعبي وذلك لاشتماله عل ثلاثة فنون يعد كل منها عالماً قائماً بذاته (فن الموسيقى الشعبية، فن الغناء، فن الرقص)، إضافة إلى فن الألعاب الشعبية .. وسنتطرق أولاً لتحليل الفنون الشعبية في الإمارات ومن ثم سننتقل لمناقشة محور الألعاب الشعبية.

1. الفنون الشعبية

وتشمل هذه الفنون (فن الرقص وفن الموسيقى والغناء) ولقد تعمدنا جمع هذه الفنون في نقطة واحدة وذلك لكونها لا تأتي إلا مجتمعة، فيؤدى الرقص بمصاحبة الغناء على أنغام الموسيقى، وتنقسم هذه الفنون في دولة الإمارات في الواقع إلى قسمين رئيسين فنون أصلية وفنون وافدة للمنطقة.
(أ) الفنون الأصلية.
وهي التي بدأت أولا كنوع من الهواية وذلك للتعبير عن السعادة والفرحة أو التنفيس عن صعوبات الحياة وكذلك لشغل وقت الفراغ فقد كان الأفراد يمارسونها في المناسبات المختلفة، كالأعراس والختان والاعياد وغيرها من المواسم الاجتماعية والدينية، لكنها في وقتنا الحاضر نلاحظ أنها اقتصرت على حفلات الأعراس والمناسبات الوطنية فقط .. وهي كذلك تختلف باختلاف البيئة في دولة الإمارات فنلاحظ ان فنون أهل البحر تختلف عن فنون أهل البادية .. فمن أهم الفنون البحرية (العيالة، المالد، الأهل، العرضة، الدان، تقصيرة، هولو، العرضة على السفينة، النهمة، الخطيفة).
أما بالنسبة لأهل البادية (الونة، الرزيف، الحربية، الطازج، العازي، التغرودة، السامري، الردحة، ورقصة المناهيل).
(ب) الفنون الشعبية الوافدة
وهي التي وفدت للمنطقة نتيجة للاتصال التجاري مع الدول المجاورة لا سيما مع افريقيا وايران والهند وغيرها من الدول فقد ذابت هذه الفنون في الفولكلور المحلي بعد أن لاقت استحسان أهل المنطقة، وتعتمد هذه الفنون الوافدة على الآلات الموسيقية الوترية وآلات النفخ التي لم تكن معروفة في الفنون العربية الأصيلة، ومن أهم هذه الفنون الوافدة فن ( الليوه، الهبان، النوبان الفجرى، مكوارة سومة .. وغيرها).
ومن الملاحظ في دولة الإمارات حالياً ان الفنون الشعبية تحظى باهتمام بالغ من قبل المؤسسات التراثية سواء الرسمية منها أو الأهلية وذلك كون هذا الجانب من أكثر جوانب التراث حيوية، ولن نتتطرق في هذا المقام لمناقشة أهم الجهود المبذولة في هذا المضمار وذلك لانفراد الفصل الثاني بمناقشة هذا الموضوع.

2. الألعاب الشعبية :

يعتبر اللعب غريزة انسانية لدى الاطفال فهو ذو أهمية لا تقل عن الغذاء والهواء، وذلك لما تتمتع به الالعاب من مزايا إيجابية فهي تعد أهم الوسائل الترفيهية المتوفرة في ذلك العصر، وبجانب هذه الوظيفة الترفيهية تبرز وظائف أخرى لا تقل عنها أهمية، فهناك الوظائف الاجتماعية والنفسية والتربوية التي تقدمها الالعاب ليس للأطفال فحسب وإنما للكبار ايضا. وفي دولة الإمارات العربية يوجد الكثير من الألعاب الشعبية التي ابتدعها الشعب وحافظ عليها حتى أصبحت تشكل جزءا من ثقافته الشعبية، وقد كان يمارسها الأفراد على اختلاف مستوياتهم وطبقاتهم الاجتماعية.
أما عن أهم الألعاب الشعبية التي كانت تمارس في السابق، فكانت متنوعة ومختلفة وذلك بحسب اختلاف عمر الإنسان حيث كان لكل فئة عمرية نوعية من الألعاب التي تناسبها، فألعاب الاطفال كانت تختلف عن العاب الكبار التي كان يغلب عليها طابع الهدوء والاتزان والتفكير كما في لعبة الشطرنج على سبيل المثال. كما يمكننا تصنيف الالعاب حسب الجنس فألعاب الصبية التي تعتد على القوة الجسمية والعضلية كانت تختلف عن ألعاب الفتيات، كما يمكن تصنيف الألعاب الشعبية من حيث عدد لاعبيها إلى ألعاب فردية وأخرى جماعية. ولن نتطرق لتفصيل هذه الألعاب وذلك لانفراد فصل مستقل في الكتاب لمناقشتها.


رؤية تقييمية :

من خلال التحليل السابق لأهم مجالات التراث الشعبي، تتضح الأهمية الكبيرة التي يعلبها التراث الشعبي في حياة الشعوب، فكل عنصر من عناصر التراث الشعبي، بل كل قطعة أدبية شعبية أو معتقد شعبي أو مثل أو حكاية أو أهزوجة لها وظيفتها المعينة، فهذه العناصر كما بينا سابقاً تسعى لترسيخ القيم والمعارف الثقافية من خلال الأمثال والحكم والشعر، كما تساهم هذه العناصر التراثية بالتعبير عن أحوال شعوبها النفسية والعاطفية سواء في المناسبات السعيدة أو الحزينة وذلك من خلال الموسيقى والأغاني الشعبية والتقاليد والعادات المختلفة التي ترافق كل حالة من حالات الإنسان النفسية والعاطفية. كما يقوم التراث بوظيفة نقدية تربوية فالمجتمع أحياناً يوظف بعضاً من عناصر تراثه الشعبي في نقد السلوكيات التي تتعارض مع فلسفة المجتمع وكل ذلك يتم بطريقة غير مباشرة عن طريق النادرة والنكتة والحكاية.
ومما يجدر لفت الانتباه إليه أن موضوعات عناصر التراث الشعبي تشكل فيما بينها وحدة متآلفة ومتداخلة وعليه فإنه من الصعب الفصل بينها في عالم الواقع، وإنما قصد من التحليل والتصنيف الذي ورد في ثنايا الفصل، إبراز كل مجال على حدة وتوضيح أبعاده المختلفة وذلك تسهيلاً للقارئ أو المطلع ... ولنأخذ مثالا على ذلك إحدى المهن الشعبية المنتشرة بكثرة آنذاك في مجتمع الإمارات ألا وهي مهنة الغوص، فإذا حللنا مهنة الغوص ولاحظنا مدى انطباق صحة الشرط الذي افترضناه في تكامل لوحة عناصر التراث الشعبي، نلاحظ الآتي ... مهنة الغوص من المهن العريقة في التراث الإماراتي، كان ممارسوها يرددون أثناء عملية الغوص العديد من الأهازيج الشعبية، ومنها على سبيل المثال الأهزوجة التي يخاطب فيها الغواصون النوخذة :

والله يخليك، نوخذه بيت مكة يوديك. نوخذه

نلاحظ أن هذه الأهزوجة مستمدة من الادب الشعبي، كما ترتبط بهذه المهنة العديد من الفنون الشعبية البحرية كفن الأهل والعرضة والدان والتقصيرة والهولو ففي فن الهولو على سبيل المثال يبدأ النهام الغناء قائلا :

هولو .. يا سيد المرسلينا
هـولــو .. واشـفــع لــنـا
هـولــو .. فـي كـل حينـا

كما ترتبط بمهنة الغوص بعض من مظاهر الثقافة المادية كصناعة السفن وأدوات الغوص والصيد كالشباك (القرقور، الليخ، السنارة، البلاوة ... الخ). يتبين مما سبق أن جميع مجالات التراث الشعبي تشكل فيما بينها مجموعة من الحلقات المترابطة التي تشكل لنا في النهاية صورة عن واقع الحياة الشعبية في المجتمعات التقليدية والتي من بينها مجتمع الإمارات.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه الآِن هو كيف وصلت لنا هذه المفردات التراثية اليوم ولقد مرت عليها أحقاب من الزمن، هذا ما يقودنا للحديث عن حملة التراث وهم الذين يحفظون لنا التراث ويروونه، وبعض أدبيات التراث اعتبرت حملة التراث أحد مجالات التراث الشعبي .. أما بالنسبة للسؤال عن من هم حملة التراث، ففي الواقع يأتي على رأس هؤلاء : المعمرون وكبار السن (الشواب) والشعراء والمطاوعة ورجال البحر والغوص .. فهؤلاء يعتبرون في الواقع هم حفظة التراث الذين يتولون نشره ونقله فهم بمثابة مرجع للتراث، ولكن لا بد أن نضع في الاعتبار عند تعاملنا مع هؤلاء الرواة عوامل الأمزجة المختلفة لهذه الأجيال المتعاقبة فالأفراد عادة يميلون للانتقاء فيما يسمعونه أو يبصرونه من ممارسات وهذا ما يفسر لنا التباين بين التراث الذي يحمله أبناء الجيل الواحد، كذلك للوسط المحلي وللبيئة تاثيرها الجلي على حملة التراث.



المادة :: خاتمة الفصل الأول

ناقش هذا الفصل الذي يعد مدخلا لدراسة التراث الشعبي موضوعين رئيسين :

الموضوع الاول متمثل في تقديم تعريف لمصطلح التراث الشعبي، ولماذا آثرنا استخدامه على بقية المصطلحات التراثية الاخرى كالفلكلور والمأثورات الشعبية.

أما الموضوع الثاني فهو متمثل في مناقشة مجالات التراث الشعبي، وقد بينا ان الدارسين لم يتفقوا بعد على تقسيم معين لهذه المجالات، إلا أننا في هذه الدراسة اعتمدنا التقسيم الذي استحدثه الدكتور الجوهري والذي تأخذ به معظم الدراسات التراثية وقد ناقشنا هذه المجالات مع تقديم أمثلة تطبيقية عليها من التراث الإماراتي، وذلك مساهمة منا في إحياء تراث هذه الدولة وحث الاجيال الصاعدة على استيعابه وفهمه وممارسته في بعض أوجه الحياة.



المادة :: الفصل الثاني - مظاهر الاهتمام الرسمي والشعبي بالتراث الشعبي في دولة الإمارات


تمهيــد :

تركز البحث في الفصل السابق على تحديد مفهوم التراث والتراث الشعبي على وجه التحديد، فعرفنا ان التراث الشعبي هو كل ما ورثناه عن الآباء والأجداد، من عادات وتقاليد وقيم آداب وفنون وحرف وشتى المعارف الشعبية التي أبدعها وصاغها المجتمع عبر تجاربه الطويلة والتي يتداولها أفراده ويتعلمونها بطريقة عفوية، فهي في الأخيرة تعد أنماطاً ثقافية مميزة تصل الحاضر بالماضي. وبمعنى أدق نستطيع القول ان التراث الشعبي يساهم بشكل أو بآخر في صياغة هوية المجتمع وشخصيته الحضارية.
ونلاحظ في عالم اليوم تزايد الاهتمام العالمي بالتراث الشعبي سواء على مستوى كل دولة على حدة أو على المستوى الإقليمي أو على مستوى دول العالم مجتمعة، ويتبين لنا هذا من خلال المؤتمرات والندوات التي تعقد بين الحين والآخر، وكذلك من خلال الدوريات المتخصصة في هذا المجال، كذلك نستشف هذا الاهتمام من خلال وجود المؤسسات الرسمية والشعبية من منظمات ومجالس ومراكز متخصصة في الشؤون التراثية، فإذا أخذنا دولة الإمارات على سبيل المثال نلاحظ أن هناك مجموعة من المؤسسات الرسمية والجمعيات الشعبية التي تهتم بحفظ التراث وتدوينه ويأتي على رأسها مركز زايد للتراث والتاريخ ومركز الدراسات والوثائق التابع للمجمع الثقافي ومركز جمعة الماجد للثقافة والتراث، وإذا وسعنا من نطاق الدائرة قليلا لنضم دولة مجلس التعاون الخليجي يأتي مركز التراث الشعبي لدول الخليج العربية والذي يتخذ من الدوحة مقراً له، كذلك دارة الملك عبد العزيز في المملكة العربية السعودية، وفي الكويت مركز الوثائق التاريخية، وفي البحرين فهناك مركز الوثائق والدراسات، ودائرة التراث في سلطنة عمان، أما على المستوى العربي فهناك المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم التابعة لجامعة الدول العربية (أليكسو)، وعلى مستوى الدول الإسلامية تطالعنا المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (ايسيسكو) التي تتخذ من الرباط مقرا لها وكذلك مركز الأبحاث للتاريخ والفنون والثقافة الإسلامية (إيرسيكا) الذي يتخذ من استانبول مقراً له، أما على المستوى العالمي فتبرز لن المنظمة العالمية للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو) التي تنتهج خطة عمل تتلخص في ان الثقافة والتراث مقتنيات عالمية وعلى دول العالم مجتمعة حفظها وصيانتها والاهتمام بها .. وهذه الأمثلة التي أوردناها هي على سبيل المثال وليس على سبيل الحصر، وكذلك لا نستطيع ان نفصل عمل هذه المنظمات عن بعضها حيث ان الجهود تأتي في كثير من الاحيان مشتركة فتراث أي قطر لا يمكن ان ينشأ بمعزل عن تراث الإقليم الموجود فيه وكذلك هذا التراث الذي يعتبر في النهاية جزءا من التراث العالمي.



المادة :: لماذا الاهتمام بالتراث الشعبي ....؟


لماذا هذا الاهتمام بالتراث الشعبي؟ والسعي لتدوينه وحفظه وإقامة المراكز المتخصصة لهذا الغرض، وقيام المؤتمرات وتقديم الابحاث العلمية المتخصصة لذلك. ما هي الاهمية التي ينطوي عليها حفظ التراث الشعبي في حياة الأمم في وقتنا الحاضرة؟ وما هو دوره كذلك مستقبلا؟، وما هي الأسباب التي تقف وراء ازدياد اهتمام دول العالم في يومنا هذا بحفظ تراثها وتدوينه؟
تنطلق أهمية التراث من كونه يشكل الهوية الثقافية التي تميز أي شعب عن غيره، فالهوية ما هي إلا تراكمات تفاعل الإنسان مع المتغيرات البيئية الاجتماعية والثقافية التي تشكل لنا في الأخيرة ما يسمى بالتراث. إضافة إلى ذلك يعد التراث الشعبي مصدراً مهماً لمعرفة العصور السابقة ودليلا حيويا على مراحل تطورها، كما يوضح لنا تركيب الامة الاجتماعي والاقتصادي ومؤشر تقدمها الحضاري، بل ان أهمية التراث تمتد إلى أكثر من ذلك، حيث يعتبر ذاكرة التاريخ الحية، وحلقة الوصل بين الماضي والحاضر، وهذا ما يؤكد لنا بأن فهم التاريخ وأحداثه لن يكتمل بدون دراسة التراث والتاريخ، فإذا كان التاريخ هو ذاكرة الامة، فالتراث روحها، فإذا حدث ان فقد شعب من الشعوب شيئاً من تاريخه المكتوب، فيكون الاعتماد في هذه الحالة على الممارسات التراثية السائدة في المنطقة للكشف عن التاريخ الاجتماعي والاقتصادي والفكري والسياسي لذلك الشعب، وهذه النقطة الاخيرة تصدق كثيرا على الحالة في دولة الإمارات العربية المتحدة بشكل خاص والخليج العربي بشكل عام.
كما للتراث أهمية أخرى لا تقل أهمية عما ذكرناه، فقد دلت دراسات تراثية أجريت في العديد من الأقطار العربية على أن التراث الشعبي تظهر أهميته في أوقات الأزمات التي تمر بها الدول كوجود خطر خارجي – على سبيل المثال – يهدد كيان الدولة وفي هذه الحالة يمتلك التراث الشعبي من القدرة على تمكنه من استنفار وحشد طاقات الشعب وتأمين تكاتفها لمواجهة مثل هذه الأخطار، فالمجتمع شأنه شأن الكائن الحي الذي يتأثر سلبا وينتفض لدخول أي جسم غريب عليه، وعندئذ يسعى لحماية نفسه بالانكماش والاتجاه إلى داخله، وتجميع قواه استعدادا للدفاع.
ولكن التساؤل المهم الآن الذي يطرح نفسه، لماذا ارتفعت اصوات المنادين بحفظ التراث وتدوينه خاصة في السنوات الأخيرة من عمر الدولة؟ في الواقع ثمة أسباب مهمة توجب الاسراع بتدوين وتوثيق التراث، فمن خلال قراءة نقدية لأوضاع الدولة بعد ظهور النفط خاصة في خلال الثلاثة عقود الأخيرة، نلحظ جملة من المتغيرات التي طالت معظم جوانب الحياة، وإن كان التغير ضرورياً ولابد منه، إلا أنه يجب ان لا ينال من هوية وشخصية المجتمع، كما قال أحد الفلاسفة، (سأفتح نافذتي مشرعة أمام كل هواء نقي، ولكن لن اسمح للريح في أن تبعثر أوراقي الخاصة) ... والمتتبع للعوامل التي يخشى من نتائجها تشويه شخصية وملامح المجتمع، سوف يلاحظ انها تشمل متغيرات كثيرة، إلا أن من أبرزها وأكثرها وضوحاً :
1- الانفتاح العشوائي على أساليب حياة مختلفة وعلى مجتمعات وثقافات أخرى، فلم تشهد دولة في حجم الإمارات انفتاحا اقتصاديا واجتماعيا مذهلا كالذي هو قائم الآن على ارضها والذي كان من نتائجه، إفراز واقع سكاني جديد معقد وصعب أصبح فيه أبناء الإمارات يمثلون أقلية في مجتمعهم، إضافة إلى إفراز واقع ثقافي جديد ايضا نلمس فيه ابتعاده نوعا ما عن الموروث الشعبي الذي يعد في الواقع أحد أوعية الثقافة الجادة، ورافد التنمية الثقافية في المجتمع.
2- النزعة الاستهلاكية التي بدأت تجتاح مجتمع الإمارات خلا الثلاثين سنة الأخيرة، هذا التغير السريع على المستوى المادي لم يستطع أن يواكبه تغير على المستوى الفكري والقيمي، وكان من نتيجة ذلك بروز هوة ثقافية واضحة قد تؤدي أو قد أدت بالأحرى إلى قدر من الاضطراب في القيم وحدوث تباعد بين الأجيال المختلفة حتى بين أفراد الاسرة الواحدة.
3- التدفق الحر للمعلومات في اتجاه واحد وهيمنة وسائل الإعلام والتثقيف والترفيه الحديثة على حساب الوسائل التقليدية، الأمر الذي يؤثر على صياغة وجدان الاجيال الناشئة في المجتمع رجال المستقبل، بل من الممكن ان يتخطى ذلك فيسهم في تشكيل الرأي العام للراشدين من أفراد المجتمع.
4- فكرة النظام العالمي الجديد أو ما يسمى (بالعولمة) وهو تحويل العالم إلى قرية كونية صغيرة تذوب فيها ثقافات الشعوب، وتضمحل لغات أمم، وتنصهر موروثات ومعالم دول، لتظهر معالم المجتمع الكوني بثقافاته وموروثاته الجديدة، وبمفاهيمه ونظرياته الحديثة.
إن جملة هذه العوامل وغيرها الكثير افضت – بلا شك – إلى المزيد من ضمور الثقافة الشعبية عموما، والتراث الشعبي على نحو خاص، لكن ما يدعو للتفاؤل في مجتمع الإمارات، الموقف الرسمي والشعبي في التعامل مع كل ما يمت إلى التراث بصلة.



المادة :: الموقف الرسمي


يتمثل الموقف الرسمي للقيادة السياسية في دولة الإمارات والتي يأتي على رأسها صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس الدولة – حفظه الله – الذي يحرص بشكل دائم على الحفاظ على التراث الشعبي، ودعم الجهات والأنشطة التي تعنى بإحيائه وذلك من منطلق المحافظة على أصالة المنطقة وإبراز هويتها وخلق شخصية وطنية متميزة لابن الإمارات .. ونلمس هذا الاهتمام من سموه من خلال الأقوال التي يرددها دائما، ومنها على سبيل المثال ... (لقد ترك لنا الأسلاف من أجدادنا الكثير من التراث الشعبي الذي يحق لنا ان نفخر به ونحافظ عليه ونطوره، ليكون ذخرا لهذا الوطن وللأجيال القادمة).
وهذا ليس بغريب على شخص سموه، فهو عامل نشط فعال في إحياء التراث الشعبي وذلك بحكم نشأته البدوية وتبنيه شخصيا لأسلوب الحياة التقليدية الأصيلة وإلمام سموه بالمعارف الشعبية المتصلة بالحياة البدوية كرياضة تربية الصقور على سبيل المثال والتي يقول عنها .. (إن هذه الرياضة وسيلة للتخلص من هموم العمل اليومية وجلي النفس، فضلا عن أهميتها في اكتساب مهارات بدنية واجتماعية). والأمر لا يقتصر فقط على هذه الرياضة بل يمتد ليشمل رياضة تراثية أخرى كالفروسية وسباقات الهجن والسباقات البحرية.
إن هذا الاهتمام من قبل سمو الشيخ زايد بالتراث الشعبي وكذلك إخوانه حكام الإمارات قد ترجم إلى واقع عملي ملموس من خلال الشروع في إنشاء الهيئات والمؤسسات والاندية والقرى العاملة في مجال التراث، والأمر لا يقتصر فقط على ذلك بلد أمتد هذا الاهتمام ليشمل الناحية البحثية وذلك من منطلق تأصيل المنهج العلمي في مجال موضوعات التراث الشعبي، كإنشاء العديد من المراكز البحثية – سيرد ذكرها لاحقاً – التي سعت لإصدار العديد من الأبحاث والدوريات المحكمة، وتنظيم العديد من الندوات والمؤتمرات العلمية كالمؤتمرات التي احتضنها مركز زايد للتراث والتاريخ والتي كان من اهمها مؤتمر مناهج توثيق التراث الشعبي في دولة الإمارات.
ومما ينبغي الإشارة إليه في هذا الصدد ان الاهتمام بالتراث الشعبي من قبل القيادة العليا لم يقتصر فقط على النطاق المحلي بل سعت هذه القيادة لنشره على النطاق العالمي وذلك من خلال المشاركة في أجنحة المعارض الدولية، إضافة لتنظيم بعض الرياضات التراثية في عدد من عواصم العالم كسباق الهجن الذي تم تنظيمه في خلال الأعوام 1998، 1999، 2000 في كل من ألمانيا واستراليا وكان ذلك برعاية اتحاد سباقات الهجن، وكذلك سباقات الخيول التي يتم تنظيمها بشكل دوري في كل من باريس ولندن وامستردام بهدف التعريف بالحصان العربي ودوره في التاريخ والحضارة العربية.
مما تقدم يتبين مدى اهتمام القيادة السياسة في دولة الإمارات برعاية التراث الشعبي والعمل على إحيائه ونشره لأهميته في الحفاظ على الشخصية الثقافية والحضارية المتميزة لمجتمع الإمارات.



المادة :: الموقف الشعبي


يتمثل الموقف الشعبي في الإسهامات التي تصدر من قبل جمعيات الفنون الشعبية المنتشرة في أرجاء الدولة، ويحسب لهذه الجمعيات بأنها تعتبر أول مبادرة جادة لعرض التراث الشعبي. وسنتعرض لدورها أكثر من موضع آخر من البحث.
وقبل ان نرصد مظاهر الاهتمام بتدوين التراث والجهات القائمة على ذلك، لابد ان نتعرف على المراحل التي مر بها تدوين التراث الشعبي .. في دولة الإمارات، وهو كما نعتقد مر بثلاث مراحل رئيسية :
1- مرحلة السبعينات : وهي مرحلة تأسيس وبداية ظهور بعض المؤسسات الرسمية مثل الدوائر واللجان وافتتاح بعض المتاحف كمتحف العين ودبي، كما ظهرت بعض فرق وجمعيات الفنون الشعبية الأهلية كالفرقة الشعبية التي تأسست في الشارقة عام 1974، ويلاحظ على هذه الفترة أنها مرت على نفس الوتيرة حتى نهايتها، كما غلب على هذه الفترة كذلك اختفاء الدراسات والبحوث والدورات الدراسية فقد كانت شبه معدومة.
2- مرحلة الثمانينات : الملاحظ على هذه المرحلة كذلك متابعة ما بدئ به في المرحلة الاولى من حيث الاستمرار في إنشاء المؤسسات الرسمية وزيادة عدد ظهور الفرق الشعبية وظهور جمعيات مهتمة بإحياء التراث الشعبي، وازدياد عدد المتاحف التراثية، وفي هذه المرحلة بدأت الإرهاصات الاولى لظهور المراكز البحثية المتخصصة في مجال التراث، وبدأ الاهتمام بإعداد البحوث والدراسات المتخصصة في هذا المجال من قبل عدد من الباحثين من المواطنين والوافدين ويذكر في هذا الصدد الباحث فالح حنظل.
3- مرحلة التسعينات : وتعتبر هذه الفترة بحق فترة الاهتمام الرسمي والشعبي بالتراث في مجتمع الإمارات، ويرجع السبب في ذلك إلى ازدياد جملة التحديات التي تعرضت وما زالت تتعرض لها الدولة سواء أكانت تحديات اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية كما أشرنا إليها في مطلع هذا الفصل، مما أدى إلى ازدياد دعم الدولة مادياً ومعنوياً للجهود الشعبية في هذا المضمار للحفاظ على الهوية الثقافية والحضارية لمجتمعنا، ويغلب على أنشطة هذه الفترة الطابع العلمي وهو الذي يميزها عن الفترات السابقة، ومن أبرز نشاطات هذه الفترة إنشاء المراكز البحثية المتخصصة التي اعتبرت نشاطاتها تتويجاً لتأصيل البحث العلمي في الأعمال التراثية، فعلى سبيل المثال مركز زايد للتراث والتاريخ، ومركز الدراسات والوثائق التابع للمجمع الثقافي، كما شهدت هذه الفترة كذلك نشر العشرات من الكتب والدراسات التي تتناول شتى جوانب التراث الشعبي لمجتمع الإمارات، إضافة إلى إصدار العديد من الدوريات المتخصصة في الشؤون التراثية وكمثال على ذلك مجلة تراث التي تصدر عن نادي تراث الإمارات، وكذلك مجلة آفاق الثقافة والتراث التي تصدر عن مركز جمعة الماجد، كذلك مجلة الفن والتراث الشعبي التي تصدر عن جمعية النخيل للفنون الشعبية، وغيرها العديد من المجلات التراثية. كما تميز هذا العهد بعقد العديد من المؤتمرات والندوات والحلقات التدريبية الخاصة بالتراث الشعبي. أضف إلى ذلك إقامة القرى التراثية التي تعد شكلا من أشكال المتاحف المفتوحة، والاهتمام بالمتاحف وعمل الترميمات وأعمال الصيانة للمباني التقليدية وهذا كله يصب في إطار الاهتمام بتدوين التراث المادي الذي يعد أحد الأفرع الرئيسة للتراث الشعبي.
وفي إطار إبراز دور الأفراد والمؤسسات في هذا المجال، سنعتمد التقسيم الذي أورده الأستاذ ناصر العبودي في الورقة التي طرحها في ندوة التاريخ والتراث الشعبي في دولة الإمارات حيث حدد المهتمين بحفظ التراث وتدوينه في ثلاث مجموعات هم كالآتي :
1. على مستوى الافراد.
2. على مستوى المؤسسات الشعبية.
3. على مستوى المؤسسات الرسمية وهي تنقسم بدورها إلى :
أ- مؤسسات خدمية.
ب- مؤسسات بحثية.



المادة :: أولاً : على مستوى الأفراد


ظهرت في بادئ الأمر فكرة تدوين التراث وحفظه من الضياع على أيدي مجموعة من الأفراد، لذلك نستطيع القول ان الافراد هم أول من نادى بضرورة الاهتمام بالتراث الشعبي، ويمكن لنا ان ندرج اربعة فئات رئيسية تحت مستوى الافراد المعنيين بحفظ التراث وهم كالآتي : فئة كبار السن المخضرمين ممن عاصروا فترة ما قبل النفط، وفئة المتعلمين وخريجي الجامعات، وفئة الهواة، وفئة المثقفين العرب الذي كان لهم دور جلي في هذا الميدان.
بالنسبة لفئة كبار السن وهم في الواقع شخصيات من اصحاب الخبرة الحياتية لاقت إصداراتهم قبولا من قبل أفراد المجتمع، والسبب يرجع في ذلك، إلى ان معظم هؤلاء الافراد عاصروا جانباً من الحياة الماضية، فكتبوا من خلال معايشة ورؤية مباشرة، ويطالعنا في هذا الصدد الوالد محمد الجروان صاحب كتاب (أميرة الصحراء) وايضاً الشاعر المعروف الراحل حمد بوشهاب صاحب المساهمات والجهود الحافلة والجلية في جمع وتوثيق تراثنا من الشعر الشعبي وأيضاً معالي الشيخ محمد بن أحمد الخزرجي صاحب كتاب (العادات والتقاليد في دولة الإمارات العربية المتحدة).
أما بالنسبة للفئة للفئة الثانية وهي فئة المتعلمين فإن مساهماتهم تتمثل معظمها في الجمع والتوثيق والبحث الوصفي الميداني، وتبرز لنا في هذا الصدد مجموعة من الأعمال للأستاذ محمد ناصر العبودي وكذلك أعمال أخرى مثل (الإمارات في سفينة الماضي) للأستاذ نجيب الشامسي وأيضاً كتاب (الألعاب الشعبية) لعبدالله الطابور وغيرهم العديد من الباحثين.
أما بالنسبة للفئة الثالثة وهي المتمثلة في فئة الهواة سواء في جمع أو حفظ بعض القطع الأثرية المحلية المتوارثة وذلك من خلال إقامة معارض ودور خاصة لهذه الأعمال القيمة، وعادة ما يتجه لهذه الهواية من فئة الموسرين ماديا وذلك لما تتطلبه من نفقات خاصة ويبرز لنا في هذا المجال مجموعة من أبناء الإمارات فهناك الوالد المرحوم محمد بن مطر السويدي صاحب أكبر متحف نموذجي شامل وحافل في دبي، وكذلك السيد جمعة الماجد الذي قام بتأسيس مركز بحثي علمي متخصص يبحث في علم المخطوطات والشؤون التراثية والذي يعتبر أحد المراكز البحثية المتخصصة في الدولة، وسيأتي ذكره لاحقاً. أما من جيل الشباب المهتمين بهذا المجال يبرز لنا سعادة احمد بن حسين لوتاه ورجل الأعمال محمد بن عبد الجليل الفهيم الذي اقام في أبوظبي معرضا للمقتنيات النادرة.
أما بالنسبة لجهود الباحثين العرب، فلهم كل التقدير والامتنان لاهتمامهم وحرصهم بتدوين جزء من تراث المنطقة ومأثوراتها الشعبية، وذلك لأنهم أيقنوا ان هذا التراث المحلي جزء لا يتجزأ من التراث العربي الإسلامي ومن هؤلاء الدكتور فالح حنظل الذي صدر له أكثر من عشرين مؤلفا عن تراث وتاريخ الإمارات ويبرز لنا على قائمة هذه الأعمال (معجم الألفاظ العامية في دولة الإمارات) الذي جاء في حوالي 700 صفحة والذي استغرق من المؤلف مدة ست سنوات من العمل والجمع والتدوين، وتبرز أهميه هذا المعجم في كونه يثبت ان لهجة أهل الإمارات تحتوي على الكثير من الفصيح، كما يعتبر هذا المعجم بوابة لمن يريد أن يخوض غمار جمع مواد التراث الشعبي، وهناك أعمال لباحثين آخرين مثل الدكتور غسان الحسن الذي ألف (الشعر النبطي في منطقة الخليج والجزيرة العربية) وغيرهم، أما بالنسبة لجهود الأكاديميين فتبرز لنا أعمال الدكتور السيد حريز الذي قام بدراسة نقدية لتراث الإمارات خلال العقد الأخير من القرن العشرين وهي بمثابة مرجع مهم لتقييم مسيرة تدوين التراث في الإمارات خلال العشر سنوات الأخيرة، إضافة لأعمال آخرين من الأكاديميين العرب.
مما تقدم تعرفنا على أهم الفئات التي تشكل الاهتمام الفردي بحفظ التراث وتدوينه، وسنناقش في الفقرة التالية أهم أشكال هذا الاهتمام، وفي الواقع فقد اختلفت تلك الجهود من فئة لأخرى كما لاحظنا سابقاً، ولكن تدور معظم هذه الجهود حول إصدار الكتب والنشرات والكتيبات التراثية وإعداد الأبحاث العلمية ولكن هذا الجانب اقتصر على الأكاديميين كما رأينا سابقا، كما يترجم هذا الاهتمام أحيانا إلى إعداد برامج إذاعية وتلفزيونية على سبيل المثال البرامج التي يقدمها عبيد راشد صندل، وأحيانا نرى المعارض والقرى التراثية المختلفة، وأحياناً نلاحظ الاهتمام بالتراث عن طريق القيام بتسجيل المرويات على أشرطة كاسيت وفيديو بهدف حفظها.



المادة :: ثانيـاً : على مستوى المؤسسات الشعبية


يمكن لنا ان نذكر في هذا الإطار، جمعيات الفنون الشعبية المنتشرة في معظم أرجاء الدولة إضافة إلى ذلك جمعيات النهضة النسائية وبعض المراكز التنمية الاجتماعية. أما بالنسبة لسير عمل هذه الجمعيات فهي في الواقع تخضع لإشراف وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، كما أنها تلقى بعض الاهتمام والتوجيهات من وزارة الإعلام والثقافة.
وتضطلع جمعيات الفنون الشعبية بأنشطة عديدة منها على سبيل المثال المشاركة في الاحتفالات الوطنية كما تشارك في فعاليات الرياضات التراثية الأصيلة كسباق الهجن وفي السباقات البحرية، كما نرى دورها يبرز بفاعلية في أسابيع الترويج السياحي وفي الأسابيع الثقافية والمهرجانات الفنية المختلفة سواء التي تقام داخل الدولة ام خارجها، كما تقوم هذه الجمعيات بإقامة بعض المتاحف الفنية التراثية، ويمتد نشاط بعضها في أحيان كثيرة لإصدار الكتيبات التراثية، إضافة لتنظيم بعض الدورات التدريبية لطلبة المدارس وعقد المحاضرات ودعوة كبار المهتمين بالتراث الشعبي.
وتعتبر جمعية الشارقة للفنون الشعبية أول جمعية أهلية تأسست لإحياء التراث والفلكلور الشعبي وكان ذلك في عام 1974 وبعد ذلك توالى تأسيس مثل هذه الجمعيات في مختلف أرجاء الدولة إلى ان بلغ عددها في الوقت الحالي 29 جمعية متوزعة في مختلف إمارات الدولة، وتصدرت إمارة رأس الخيمة باقي الإمارات في عدد الجمعيات حيث بلغ عددها تسع جمعيات وقد كانت أول جمعية تأسست في رأس الخيمة جمعية شمل للفنون والتراث والمسرح وكان ذلك في عام 1981، وتأتي إمارة الشارقة وإمارة أبوظبي في المرتبة الثانية وذلك برصيد خمس جمعيات لكل منهما، وقد كانت جمعية الشارقة للفنون الشعبية أول جمعية تأسست – كما سبق الإشارة إليها – أما في إمارة ابوظبي فقد كانت جمعية ابوظبي للفنون الشعبية أول جمعية تأسست وكان ذلك في عام 1978، وبالنسبة لإمارة دبي فقد تبوأت المركز الثالث وذلك بواقع أربع جمعيات، وقد تأسست فيها أول جمعية عام 1977 وكانت جمعية دبي للفنون الشعبية، أما عجمان وأم القيوين والفجيرة ففي كل منها جمعيتان، وقد كانت جمعية عجمان للفنون الشعبية أول جمعية تأسست وكان ذلك في عام 1976، أما في إمارة أم القيوين فقد كانت جمعية الفنون الشعبية في عام 1977، وجمعية الفجيرة للفنون الشعبية في إمارة الفجيرة ف ي عام 1978.
وسنأخذ نادي تراث الإمارات كمثال على هذه الجمعيات الشعبية لنتناوله بشيء من الشرح والتفصيل وذلك لنبين دور مثل هذه الجمعيات الشعبية في خدمة التراث.



المادة :: نادي تراث الإمارت


يعود إنشاء نادي تراث الإمارات إلى عام 1993 بفضل توجيهات صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان – رئيس الدولة حفظه الله – وقد تم إشهاره عام 1997 بمرسوم أميري، كهيئة مستقلة تابعة لحكومة أبوظبي، برئاسة سمو الشيخ سلطان بن زايد، نائب رئيس مجلس الوزراء.
وفي الواقع وقع اختيارنا على نادي تراث الامارات بالذات وذلك لضخامة هذه المؤسسة الشعبية حيث تتبعها لوحدها عشر إدارات مختلفة كلها تصب جميعا في حماية التراث ونشره خاصة بين جيل الشباب وتشمل هذه الإدارات :
 إدارة الأنشطة والفروع : وهي المسؤولة عن قيام وتنظيم البرامج والمناشط والدورات المختلفة للطلبة والاعضاء لممارسة هواياتهم التراثية.
 إدارة العلاقات العامة والإعلام : وهي الإدارة التي تتولى كافة مهام العلاقات العامة اللازمة للإعداد والتنسيق لمختلف أنشطة النادي إضافة للاتصال بالعديد من الجهات ذات العلاقة وذلك كله بقصد بناء العلاقات والترويج للنادي وأنشطته. كما تصدر عن هذه الإدارة مجلة (تراث) وهي مجلة شهرية تعنى بتراث الإمارات والتراث بصفة عامة.
 مركز زايد للتراث والتاريخ : وسيأتي ذكره لاحقا.
 وحدة التنمية الإدارية : وهي الإدارة التي تسعى لتطوير ورفع كفاءة الموظفين وذلك من خلال عقد البرامج والدورات المطلوبة.
 إدارة الشؤون المالية والإدارية.
 مدرسة الإمارات للشراع.
 إدارة الجزر والقرى التراثية : إيمانا من نادي تراث الإمارات بأهمية مزاولة الأنشطة الرياضية والتراثية وتعليمها للشباب، فقد قام بتأسيس محمية طبيعية وهي المتمثلة بجزيرة السمالية، فهذه الجزيرة التي تبلغ مساحتها 35 كم مربع، والتي تقع على بعد 12 كم شمال شرق مدينة أبوظبي، تعد المقر الرئيسي لمزاولة الانشطة التراثية. وقد تم تأهيلها لهذا الغرض عن طريق تزويدها بكافة الملاعب الرياضية على اختلاف أنواعها، إضافة لميادين الرماية مع ملحقاتها، كما تم كذلك إضافة عدد من الرياضات المختلفة مثل القوارب الشراعية والقوارب الرملية.
وقد توجت هذه الإدارة أعمالها التراثية مؤخرا بافتتاح القرية التراثية على كورنيش ابوظبي التي تعتبر شكلا من أشكال المتاحف المفتوحة التي تتوافق مع طبيعة الحياة التقليدية في هذه المنطقة.
 لجنة البحوث البيئية في جزيرة السمالية : وقد انشئت في عام 1996 وذلك بهدف المحافظة على الحياة الفطرية والنباتية والحيوانية في جزيرة السمالية، والعمل على المحافظة على التوازن البيئي فيها، وقد امتد نشاط هذه اللجنة ليشمل إعداد مجموعة من الدراسات والأبحاث عن الحياة الطبيعية في الجزيرة، وذلك المساهمة في إنشاء المشاريع البيئية والحيوية، كما امتد نشاط هذه اللجنة للمشاركة في المحافل والفعاليات البيئية المحلية والدولية.
 إدارة السباقات والأنشطة البحرية : وهي الإدارة التي تشرف على تنظيم السباقات البحرية وقد نظمت هذه الإدارة ما يقارب (11) سباقا بحريا، شارك فيها (919) قاربا متنوعا ما بين القوارب التراثية وقوارب التجديف والقوارب الشراعية.
 رابطة هواة الفلك : تأسست هذه الرابطة عام 1998 وذلك بهدف ربط علوم الفلك التراثية بعلوم الفضاء الحديثة، كما تهدف هذه الرابطة إلى تعريف الطلاب بالدور المتميز الذي لعبه العرب في هذا الميدان، كما تهدف إلى تعريفهم بمواسم الزراعة والحصاد ومواعيد سقوط الامطار وهبوب الرياح، وتملك الرابطة في سبيل تحقيق هذه الاهداف العديد من الأجهزة الفلكية المتطورة والمواد الإعلامية وكتب الفلك.

هذا بالنسبة للإدارات التي تتبع النادي، كما يتبع هذه المؤسسة الشعبية خمسة فروع منتشرة بين أرجاء مدينة أبوظبي، وهذه الفروع هي : البطين، السمحة، الزعفرانة، العين، والفرع النسائي في ابوظبي، وتقدم هذه الفروع أنشطة تراثية متنوعة تناسب جميع المستويات العمرية وتشمل الأنشطة التعليمية، والسباقات، والدورات التدريبية، والمؤتمرات، والمعارض والمهرجانات الثقافية إضافة إلى الانشطة الثقافية والاجتماعية والرياضية.
عموماً، يحسب لهذه الجمعيات الشعبية بأنها تعد أول بداية جادة لعرض التراث الشعبي للأجيال الناشئة، ومن خلال مسيرتها العملية نلاحظ أنها قطعت شوطا كبيرا في مجال إحياء التراث الفلكلوري ونقله للأجيال الناشئة، وخلق حلقة من التواصل ما بين الجيل السابق الذي عاصر المرحلة الماضية وأخذ من ملامحها وبين الاجيال الحديثة، إلا أنه يؤخذ على هذه الجمعيات إهمالها الجانب البحثي وعدم استطاعتها تلبية احتياجات من يريد ان يبحث أو ان يكتب في تراث الإمارات، وإن بدأ يطرأ عليها نوع من التغير في الفترة الأخيرة، حيث لاحظنا أن بعض هذه الجمعيات الشعبية أنشأت مراكز بحثية كنادي تراث الإمارات وبعض الجمعيات بدأت تصدر بعض الكتب المضطلعة بالشؤون التراثية كجمعية النخيل للفنون الشعبية، فضلا عن إصدار المجلات التراثية .



المادة :: ثالثاً : على مستوى المؤسسات الرسمية


وهي تنقسم بدورها إلى قسمين : مؤسسات خدمية وأخرى بحثية

أ- المؤسسات الرسمية البحثية
تزايدت في الأونة الاخيرة المراكز العلمية المتخصصة في البحث في الشؤون التراثية وهذا مؤشر إيجابي نحو تأصيل البحث العلمي في الأعمال التراثية.


رد مع اقتباس
قديم 04-02-2010, 08:27 PM   رقم المشاركة : 3
الكاتب

أفاق : الاداره

مراقب

مراقب

أفاق : الاداره غير متواجد حالياً


الملف الشخصي









أفاق : الاداره غير متواجد حالياً


رد: التراث الشعبي هي الحصيلة الانسانية لكافة الشعوب

المادة :: مركز زايد للتراث والتاريخ

يشكل مركز زايد للتراث والتاريخ إضافة جديدة للثقافة والمعرفة وللباحثين في التراث والتاريخ، حيث يعتبر هذا المركز دعامة من دعامات الجهد المبذول للحفاظ على تراث الآباء والأجداد ولكن بنهج علمي رصين وذلك من خلال اتباع المنهج العلمي في إعداد مثل هذه الدراسات، وهو بذلك يقوم بسد العجز القائم في معظم مؤسسات الدولة الضالعة بالاهتمام بتدوين التراث بطريقة علمية.
أما عن نشأة هذا المركز فهو امتداد لنادي تراث الإمارات، وقد أنشئ في عام 1998 ويعد وحدة تنظيمية ذات طابع علمي تابعة لنادي تراث الإمارات، أما بالنسبة لنظامه الإداري والمالي فهو يتمتع باستقلالية في هذه الناحية وذلك في حدود اللوائح المنظمة له.
ويصب الهدف الرئيسي للمركز في كونه يوجه العناية اللازمة إلى البحث العلمي في مجال التاريخ والتراث الوطني لدولة الإمارات إضافة للتراث الخليجي والعربي كما ان له اهتماما خاص بإعداد الدراسات والبحوث الخاصة بالتراث الشعبي في الدولة وتوثيقها وما إعداد هذا الكتاب إلا ترجمة فعلية لهذا الهدف، بالإضافة إلى أهداف اخرى مثل إعداد دورات تدريبية، وإنشاء مكتبة مرجعية تتوافر فيها أمهات الكتب والمراجع والمصادر وبخاصة في مجال التاريخ والتراث، كما يهدف المركز لمد جسور التعاون مع المنظمات الدولية والمؤسسات العلمية والمراكز البحثية ذات الاهتمام المشترك وذلك بهدف الاستفادة وتبادل الخبرات بين هذه المراكز، كما يسعى المركز إلى إقامة المؤتمرات والمنتديات الفكرية والندوات، إضافة إلى إصدار الكتب وتحقيق المخطوطات.
وقد ترجم المركز الكثير من هذه الأهداف لواقع ملموس، فقد قام بعقد العديد من المؤتمرات أهمها تلك التي تخدم قضية التراث مثل (الملتقى الخليجي الاول للتراث والتاريخ الشفاهي) الذي عقد في 21-23 مارس 1999، أما المؤتمر الثاني فقد كان تحت عنوان (مناهج توثيق التراث الشعبي في الإمارات والخليج العربي) والذي عقد في 26-28 مارس 2000م. إضافة لعقد العديد من الندوات والمحاضرات والدورات التدريبية في هذا المجال، أضف إلى ذلك الإصدارات التي قام المركز بإصدراها والتي وصلت قرابة 70 كتاباً في التراث والتاريخ.


المادة :: جامعة الإمارات العربية المتحدة


أولت جامعة الإمارات اهتماما خاصا بالتراث بصفة عامة والتراث الشعبي بصفة خاصة، وقد كان تأسيس مركز بحوث التاريخ والتراث الشعبي نقطة البداية لدور الجامعة في مجال الاهتمام العلمي بالتراث الشعبي، كما يتضح لنا هذا الاهتمام من خلال طرح بعض الكليات لمساقات تعنى بالتراث، ومن بين هذه الكليات، كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية، وكلية العلوم، وكلية الزراعة، وكلية التربية، إضافة إلى كلية الهندسة.
ومن خلال قراءة متعمقة في خطط هذه الكليات، نلاحظ أن كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية، أخذت على عاتقها الدور الأكبر في هذا المجال ويتضح لنا هذا جليا في الاهداف التي حددتها الكلية لنفسها ويمكن لنا أن نحددها في النقاط التالية :
1. تنمية الدراسات التي تتصل بالحضارة العربية الإسلامية، ويبدو هذا واضحا من خلال المساقات التي تطرحها بعض الاقسام في الكلية فقسم التاريخ طرح مساق (تاريخ الحضارة العربية والاسلامية)، أما قسم الاجتماع فمساقه متمثل في (رواد الفكر الاجتماعي العربي والإسلامي)، أما قسم الاتصال فقد طرح مساق (الاتصال في التراث العربي والاسلامي)، أما قسم العلوم السياسية فقد طرح مساق (الفكر السياسي الإسلامي).
2. إحياء التراث العربي الإسلامي، والكشف عن مظاهر الإبداع فيه، ووصله بالحاضر والمستقبل، ويبدو لنا تحقيق هذا الهدف واضحا كذلك من خلال بعض المساقات التي تطرحها بعض اقسام الكلية فنلاحظ ان قسم اللغة العربية طرح في هذا المجال المساق المتمثل في (قراءات في التراث النقدي البلاغي)، وكذلك قسم التاريخ طرح مساق (فن العمارة والزخرفة الإسلامية).
3. إعداد جيل واعٍ بتراثه الوطني، مدركا لقيمه، ساعيا للحفاظ عليه، ويبدو لنا هذا جليا في المساقات التي يطرحها قسم الاجتماع وهي المتمثلة في مساق (التراث الشعبي) و(التراث الشعبي في مجتمع الإمارات) و(تدريب عملي في جمع وتوثيق التراث الشعبي)، وكذلك قسم التاريخ من خلال مساقه (آثار دولة الإمارات العربية المتحدة والخليج العربي).

كما نلاحظ ان هذا الاهتمام امتد ليشمل كلية الهندسة كذلك، فهي مضطلعة بالتراث المادي بالتحديد، وهو المتمثل في التراث المعماري، مثل مساقات (العمارة الإسلامية) و(التراث المعماري بدولة الإمارات).
وقد كان لكلية الهندسة بادرة جادة في هذا المجال، عندما قام مجموعة من طلاب الكلية بإعداد وتوثيق معماري كامل لاثنين وعشرين مبنى تقليديا في مناطق عديدة في الدولة وذلك من خلال إعداد دراسة تحليلية كاملة عن المبنى وذلك في إطار التطبيق العملي لمساق التراث المعماري في الدولة، فهذا المشروع القيم الذي أشرفت عليه د. أمل القبيسي يهدف إلى إيجاد نوع من الترابط الوثيق بين الطلبة وتراثهم، كما يعتبر هذا المشروع بمثابة حجر الأساس في الطريق لبناء موسوعة عن التراث المعماري لدولة الإمارات بأسلوب علمي رصين يفيد أي باحث أو دارس أو راغب في التعرف على هذا التراث العريق.
كما لا يمكننا ان نغفل دور الكليات الأخرى في هذا المجال، فهي تقوم بطرح مساقات تصب كلها في خدمة التراث المحلي والعربي والإسلامي، وللجامعة نشاطات أخرى كذلك كعقد العديد من الندوات والمؤتمرات التي تخدم قضايا التراث المحلي والعربي والإسلامي، من خلال الطرح السابق، نلاحظ أن جامعة الإمارات تسهم إلى حد كبير في خلق جيل مدرك لأهمية التراث الشعبي وقادر على التعامل معه بصورة منهجية علمية صحيحة.


المادة :: مركز الوثائق والبحوث


يعد هذا المركز من أقدم المؤسسات الثقافية في دولة الإمارات، إذ يرجع تاريخ إنشائه إلى عام 1968، وهو يتبع حالياً ديوان رئيس الدولة ومقره أبوظبي وذلك بعد ان تولت عدة جهات رسمية الإشراف عليه، ويهدف المركز إلى جمع وتوثيق المادة المكتوبة عن دولة الإمارات بخاصة ومنطقة الخليج بصفة عامة، وهو بذلك يعد واحداً من أكبر مراكز الوثائق على مستوى منطقة الخليج العربي، ومن أهم الأقسام التي يحتويها المركز، قسم المكتبة والدوريات التي تحتوي على العديد من الكتب التاريخية إضافة للكتب التي تتناول تاريخ المنطقة وكذلك بعض المخطوطات القديمة، وهناك قسم الترجمة الذي يهتم بترجمة الوثائق المتعلقة بدولة الإمارات ودول الخليج، وفي المركز قسم خاص بالتوثيق المعاصر حيث يضطلع هذا القسم برصد جميع الأحداث المعاصرة التي تشهدها الدولة، إضافة إلى قسم خاص بنشاط المرأة في دولة الإمارات.
أما عن أهم أنشطة المركز، فنلاحظ أن المركز قد قام بتأسيس عشرة أرشيفات للدول الأجنبية التي ارتبط تاريخها بالمنطقة، إضافة لإصداره مجموعة من الكتب المهمة عن تاريخ المنطقة ككتاب (قصر الحصن وحكام آل فلاح) وكتاب (الآثار في دولة الإمارات).


المادة :: ندوة الثقافة والعلوم

وهي عبارة عن مؤسسة ثقافية علمية تأسست في عام 1987 في دبي، أما عن أهم أهدافها وأنشطتها، فهي مهتمة بأمور الثقافة والمشاركة في فعاليات وأنشطة ثقافية وعلمية متعددة، وذلك بهدف تعزيز مسيرة الثقافة والعلم بدولة الإمارات، والسعي الدؤوب لترسيخ القيم والمفاهيم الثقافية السامية، كما تحرص هذه المؤسسات على توطيد الصلات والعلاقات الإيجابية الفاعلة مع المؤسسات المماثلة سواء أكانت على مستوى البيئة المحلية أو البيئة العربية، وربط جهود الندوة مع جهود الجهات الأخرى. ومن أبرز إصداراتها في مجال تدوين التراث كتاب (الإمارات في ذاكرة أبنائها) الذي أتى في ثلاثة أجزاء وكان من عمل أحد أبناء الإمارات وهو الأستاذ عبدالله عبد الرحمن آل رحمة.


المادة :: مجمع زايد لبحوث الاعشاب والطب التقليدي


يعتبر العلاج بالأعشاب أحد المعتقدات والموروثات الشعبية المهمة ليس على مستوى المنطقة فحسب وإنما على المستوى العربي والإسلامي، فهناك الكثير من المواد التراثية الطبية المهمة التي وردت في مصنفات علماء العرب والمسلمين، لذلك يساهم الاهتمام بهذا الجانب في تدوين جزء مهم من تراثنا القيم، وقد استوعبت القيادة السياسية في دولة الإمارات أهمية هذا الموضوع وترجم هذا الاستيعاب إلى إنشاء الصرح العلمي الذي يطلق عليه اسم (مجمع زايد لبحوث الأعشاب والطب التقليدي)، فقد تم إنشاؤه بناء على توجيهات صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس الدولة حفظه الله، وذلك في نوفمبر من عام 1996. وكان الهدف الرئيسي منه هو الاستفادة من هذا الإرث القديم في مجال التطبيب وتطويره وذلك عن طريق ربطه بالعلوم والتقنيات الحديثة، فالمجمع أنشئ ليكون مجمعا متكاملا للعلاج والبحث وتصنيع الأدوية الطبية العشبية من النباتات في دولة الإمارات.


المادة :: المؤسسات المعنية بحفظ المخطوطات العربية والإسلامية

بالإضافة إلى هذه المؤسسات البحثية التي تعنى بالتراث وتساهم بشيء أو بآخر في توثيقه وحفظه، هناك كذلك مؤسسات بحثية لا تقل أهمية عنها، وهي تساهم في حفظ المخطوطات العربية والإسلامية التي تعتبر أحد الروافد المهمة لتراثنا العربي والإسلامي، وإحدى الركائز التي قامت عليها حضارة العرب والمسلمين، بل امتدت أهميتها للأقاليم المجاورة وأخص بالتحديد أوروبا فقد استفادت أوروبا من هذا التراث الغني وخاصة في عصر النهضة الأوروبية عند بداية تأسيس الحضارة الغربية، وذلك عن طريق قيامها بترجمة وتحقيق الكثير من مواد هذا التراث المخطوط، في مختلف جوانبه سواء أكانت الفكرية منها أو العلمية أو الادبية أو الفنية. والشاهد على ذلك ما توافرت عليه المكتبات الكبرى المنتشرة في أنحاء العالم سواء تلك التي في لندن أو باريس أو نيويورك أو في هولندا أو في غيرها من العواصم العالمية من نوادر المخطوطات العربية والإسلامية.
وعلى الرغم من أهمية هذه المخطوطات لكونها أقوى ميراث ثقافي كتاب في التاريخ إلا أن الوعي باهميتها لا يزال قاصرا عند العرب مع الأسف، وان بدأ يطرأ عليه نوع من التغير في الفترة الأخيرة، فقاموا بإنشاء المراكز التي تعنى بتحقيق وحفظ المخطوطات وفي دولة الإمارات بدأ ظهور المراكز التي تعنى بالتراث الفكري المخطوط ويأتي في طليعة هذه المراكز مركز جمعة الماجد للثقافة والتراث في دبي، أما في إمارة ابوظبي فهناك قسم المخطوطات الموجود في المجمع الثقافي وكذلك مركز زايد للتراث والتاريخ الذي سبقت الإشارة إليه. وسنقدم في الأسطر التالية نبذة مختصرة عن جهود كل مركز في هذا المضمار :
مركز جمعة الماجد للثقافة والتراث
ترجع بدايات تأسيس هذا المركز إلى عام 1988 حيث بدأ في تلك الفترة وضع النظام الأساسي واللوائح الداخلية، ولكن نشاطه الفعلي بدأ في عام 1993، أما عن أهم أهداف المركز فهي تدور حول حماية التراث الوطني من الاندثار والضياع في خضم هذا التطور الحاصل في كل مناحي الحياة الإنسانية. ويقوم المركز بترجمة هذا الهدف إلى واقع ملموس من خلال إفراد قسم خاص لهذا التراث الوطني الذي يحتوي على الكثير من الوثائق التي تعتبر في الواقع سجلا تاريخياً وتوثيقياً عن المنطقة، إضافة لاحتوائه على أهم موروث فكري وهو المتمثل في المخطوطات، حيث يحرص المركز على اقتناء المخطوطات ذات القيمة العلمية الكبيرة، ولا يتوقف عمله على مجرد الاقتناء فقط وإنما يمتد لصيانة هذه المخطوطات وترميمها وحفظها وذلك عن طريق إنشاء شعبة خاصة للترميم. كما قام المركز بفهرسة هذه المخطوطات وذلك عن طريق نموذج خاص بالمركز حيث يتضمن هذا النموذج كل المعلومات التي تهم الباحث عن هذا المخطوط، مثل عنوانه، اسم مؤلفه، بدايته ونهايته، قياسه وتصنيفه حسب الموضع .. الخ، كما قام المركز في هذا الإطار بإقامة دورة تدريبية عن صناعة المخطوط العربي الإسلامي وذلك بالتعاون مع جامعة الإمارات العربية المتحدة والمنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم.

المجمع الثقافي (قسم المخطوطات ومصوراتها) :

يعتبر هذا القسم من الاقسام الحديثة في المجمع الثقافي حيث أخذ شكله النهائي عام 1988، وقد انشئ في الواقع للعناية بالكنوز التراثية المخطوطة ومصوراتها. وقد شرع القسم في تحقيق هذا الهدف من خلال مجموعة من الأنشطة، فقد قام باقتناء أهم المخطوطات بحيث بلغ إجمالها قرابة الأربعة آلاف مخطوطة، موزعة على مختلف العلوم كعلوم القرآن الكريم والحديث واللغة العربية والفقه والطب والزراعة والحساب ... الخ، إضافة للمصاحف الشريفة التي يوجد منها قرابة (50) مصحفاً، ولقد زود المجمع قسمه بكل الوسائل والتجهيزات التي تساعد المحقق والباحث في تحقيق أهدافه، من مصادر وفهارس وكشافات وأدوات بصرية وتصويرية .. الخ.

ب- المؤسسات الخدمية :

يقصد بها المؤسسات الرسمية التي تقدم خدماتها للجمهور، فنتيجة لعدم وجود جهة رسمية واحدة أساسية تكون مهمتها حفظ التراث على نطاق الدولة بشكل عام، نلاحظ نتيجة لذلك قيام بعض الجهات الرسمية بالاهتمام بالتراث في نطاق اختصاص كل منها ... فيبرز لنا في هذا المجال عدة جهات رسمية، مثل وزارة الإعلام والثقافة، البلديات المنتشرة في أرجاء الدولة، وزارة العمل والشؤون الاجتماعية ... وسيتم عرض نبذة عن دور كل منها من خلال الأسطر التالية :
1. وزارة الإعلام والثقافة : وقد أفردت للتراث قسما ضمن الإدارة الثقافية، أما عن اهتمامها بهذا الجانب فنلاحظ انه يتركز معظمه على الجانب الفني وهو المتمثل في الفنون الشعبية من حيث دعمها للفرق الشعبية، كما تساهم الوزارة في نشر الفنون الشعبية المحلية والتعريف بها على نطاق الدول وذلك من خلال المشاركة في المهرجانات العربية والدولية، إضافة لهذه الأنشطة تقوم الوزارة كذلك بطبع بعض الكتب التراثية وكتب الشعر الشعبي. أما بالنسبة للإذاعة والتلفزيون فلهما بعض الاهتمام بهذا الجانب ولكن طغى الفن والشعر الشعبي على الروافد الأخرى.
2. دائرة الثقافة والإعلام في الشارقة : أنشئت هذه الدائرة بموجب مرسوم أميري صدر من قبل صاحب السمو الشيخ سلطان بن محمد القاسمي حاكم إمارة الشارقة عام 1981، وذلك للإشراف على تسيير البنية الثقافية والعمل على تنسيق ورعاية مختلف الأنشطة الثقافية والفكرية والفنية والأدبية التي ظهرت في إمارة الشارقة في تلك الفترة.
وفي إطار المحافظة على التراث وبثه للأجيال الناشئة أنشأت دائرة الثقافة والإعلام إدارة التراث التي قامت بتنفيذ مجموعة من المشروعات الحيوية في هذا المجال والعديد من المتاحف التي تعتبر نقلة نوعية خاصة لاطلاع ابناء الوطن على ماضيهم وحاضرهم ومستقبلهم، ومن هذه المتاحف متحف التاريخ الطبيعي ومتحف الآثار ومتحف الشارقة للتراث والمتحف الإسلامي وغيرها من المتاحف المنتشرة في مختلف إمارة الشارقة.
3. البلديات : تقوم البلديات في هذا الإطار بإنشاء وإدارة المتاحف التراثية، فالمتاحف لها أهمية كبرى في توثيق التراث وخاصة في جانبه المادي، لأنها في الواقع تجسد مظاهر حية من التراث الشعبي والآثار التاريخية للبلاد، ولذلك نلاحظ أنها تسهم بشكل أو بآخر في رفع درجة الوعي التراثي والأثري لدى المواطنين، وتنمي الشعور الوطني والاعتزاز بالهوية.
وفي إطار اهتمام الدولة بتوثيق التراث المادي نلاحظ أنها شرعت في تأسيس العديد من المتاحف في مختلف أنحاء الدولة متبوعة بتأسيس إدارات الآثار والسياحة والتي تشرف على هذه المتاحف، فيطالعنا في هذا الصدد أول المتاحف التي انشئت في الدولة في كل من مدينة العين وإمارة دبي وكان ذلك في عام 1971، وبعد ذلك توالى إنشاء المتاحف في مختلف إمارات الدولة، ففي عام 1987 افتتح متحف رأس الخيمة، اما في عام 1991 فقد شهدت الدولة ولادة متحفين هما متحف عجمان ومتحف الفجيرة، وفي عام 2000 افتتح متحف أم القيوين الوطني. كذلك في العام نفسه افتتح متحف المحطة في الشارقة ويكتسب هذا المتحف أهمية خاصة لكونه شيد على ارض منطقة كانت هي أول مطار أقيم في الدولة فلذلك يعتبر هذا المتحف شاهدا على حقبة سياسية واجتماعية من تاريخ الإمارات. والملاحظ على معظم متاحف الدولة انها اتخذت من الحصون التاريخية مقرا لها، فنرى على سبيل المثال متحف رأس الخيمة الذي افتتح في مبنى الحصن الذي ينتمي للقرن الثامن عشر، كذلك متحف عجمان الذي أقيم في حصن عجمان القديم الذي يرجع بناؤه إلى مطلع القرن الثالث عشر الهجري، أواخر القرن الثامن عشر الميلادي، وكذلك متحف دبي الذي أنشئ في حصن الفهيدي والذي تأسس كذلك في أواخر القرن الثامن عشر الميلادي.
وهذا بلا شك يعتبر توثيقاً لتاريخ وتراث الإمارات. كما تحمل هذه المتاحف رسالة ضمنية تؤكد من خلالها ان الصلة بين التاريخ والتراث متلازمة أبدا فإذا كان التاريخ هو ذاكرة الأمة فالتراث روحها، كما تؤكد هذه المتاحف أنها معنية بحفظ وتوثيق جزء مهم من تراثنا وتاريخنا وهو المتمثل في الجانب المادي منه.
كما لا يمكن ان يفوتنا في هذا المقام عمليات الترميم المستمرة التي تقوم بها البلديات للمباني التاريخية المنتشرة في ارجاء الدولة وتشمل هذه المباني البيوت القديمة والقلاع والحصون، وفي الواقع تعتبر عمليات الترميم أصدق معيار يدل على اهتمام الدولة بإحياء التراث ونشره. كما يمكن ان نعتبره جزءا من العمل السياحي التي تعتمده الدولة في التعريف بنفسها للشعوب الأخرى.
4. وزارة العمل والشؤون الاجتماعية : اهتمت بالتراث من عدة نواح، فهي تشرف على عمل جمعيات الفنون الشعبية، كما أنها تهتم بالتراث عن طريق إنشاء مراكز التنمية الاجتماعية التي تسعى من خلالها إلى تدريب المرأة على أعمال التراث التي كانت تمارس في الماضي.



المادة :: رؤية تقييمية


بينت هذه الدراسة التي تناولت مظاهر الاهتمام بالتراث الشعبي في دولة الإمارات ان ازدياد الوعي بأهمية التراث وحفظه جاء من التغيرات الاقتصادية والاجتماعية الكبيرة التي مرت بها الدولة وخاصة في العشر السنوات الأخيرة، وهذا الوعي في حد ذاته عامل مهم في إحياء التراث الشعبي وحمايته، إلا أن هذا الاهتمام كان له جذوره مع مطلع السبعينات من خلال المساهمات الفردية المبكرة، ومن ثم من خلال الجهود الشعبية والأهلية التي بدأت في عقد الثمانينات، ولكن عقد صحوة التراث الذي بدأت تتدخل فيه مؤسسات الدولة لحماية هذا التراث وحفظه من خلال إنشاء بعض المراكز البحثية والعلمية، إضافة لإنشاء المؤسسات والأندية التراثية كان ذلك في فترة التسعينات.
وإلى جانب هذه المؤسسات تبقى كذلك مؤسسة مهمة تساهم بشكل رئيسي في تشكيل هوية وصياغة ثقافة أفراد المجتمع وبالتالي الحفاظ على جزء من التراث من الاندثار، تتمثل هذه المؤسسة في الأسرة، فالأسرة كانت ولا زالت تشكل البيئة الرئيسية لثقافة الطفل، فمن خلالها يتلقى الطفل الجزء الأساسي من عاداته وتقاليده ويتم تناقلها بشكل مبسط وتلقائي، كما تساهم في حفظ المأثورات الشفاهية عن ظهر قلب وبشكل سريع إضافة إلى تلقين الطفل الكثير من المعارف الشعبية المتداولة في المجتمع، إلا أن هذه السلوكيات للأسرة كانت تمارس قديما، أما في الوقت الحاضر نلاحظ أنه لم يبق منها إلا النزر القليل. لذلك تؤكد من خلال هذه الورقة العلمية على أهمية دور الأسرة في هذا المجال وأنها تأتي في مقدمة المؤسسات سواء أكانت الشعبية منها أم الرسمية في الحفاظ على هوية المجتمع من خلال تلقين الجيل الناشئ الجوانب الإيجابية من التراث الشعبي الموروث، لان هناك جوانب سلبية أثبت الإسلام والعلم الحديث بطلانها منها على سبيل المثال تناقل بعض العادات والتقاليد السيئة (العيب والحرام) على الرغم من تنافيها مع مبادئ الشريعة، إضافة لبعض المعتقدات الدينية الخاطئة (كالأضرحة والأعمال السحرية)، كذلك الإيمان المطلق بأن جميع حالات عدم التوفيق بسبب (العين والحسد)، وغيرها من المعتقدات والممارسات السلبية التي لابد من تفاديها.
وفي محاولة لتقييم الجهود المبذولة من قبل الأفراد والمؤسسات الرسمية البحثية في هذا المجال، نلاحظ أن معظم الجهود منصبة على دواوين الشعر النبطي ولقد كشف عن ذلك إحصائية تقريبية للموضوعات التراثية التي جمعت عن طريق الأفراد والمؤسسات في الإمارات ولقد قام بهذه الإحصائية الأستاذ عبدالله الطابور، فقد بينت هذه الإحصائية ان موضوع دواوين الشعر النبطي احتل المركز الاول وذلك برصيد 58 عمل موزعة ما بين جهود الافراد التي بلغت في هذا المجال 45 عملاً وجهود المؤسسات التي بلغت 13، أما الحديث عن بقية أصناف التراث الشعبي وأنماطه فنلاحظ أن هناك نقصا واضحا في جمع بقية المواد التراثية كالحكاية الشعبية والسير والتراجم الشعبية والحرف والصناعات وغير ذلك من مواضيع لم تظهر في دراسات جادة وإنما جاءت بتعاريف ضيقة وكان معظمها من قبل جهود أفراد.
أما الملاحظة على المراكز والمؤسسات الرسمية القائمة على هذه الأعمال، فنلاحظ ان معظم الجهود صادرة من المراكز البحثية، ولا نرى للمؤسسات الخدمية ذلك الدور الكبير في هذا المجال، إلا أن الملاحظة الجديرة بالذكر في هذا المقام، أن تلك الجهود الذي ذكرت من خلال ثنايا البحث في مجال حفظ التراث ستبقى مشتتة ما لم تقترن برؤية علمية واضحة وشاملة ومتكاملة للتراث عن طريق إيجاد جهة مركزية واحدة تقوم بالإشراف والتوجيه العلمي الدقيق.



المادة :: الباب الثاني (الأدب الشعبي في الإمارات)


تمهيد

الأدب الشعبي هو كل ما أنتجته الذاكرة الشعبية من أدب جرى حفظه في الصدور وسار نطقه على الألسن، لا يعرف من هو صاحبه أو من أبدعه. وهو الأدب المتداول بين عامة الناس الذي ظل متوارثاً أباً عن جد منذ قديم الزمان. ومن ألوان الأدب الشعبي في الإمارات الأمثال والألغاز الشعبية والحكايات (الخراريف) والأغاني أو الأهازيج والمواويل والنكت، والمدائح الدينية مثل (المالد) أي الاحتفال بمولد الرسول الأعظم، وحفلة ختم القرآن الكريم، وهناك نوع من الأدب يعرف مؤلفه إلا أنه يسمى أيضاً بالأدب الشعبي مثل الشعر النبطي بأنواعه وأوصافه، وأهازيج أهل البحر، وأدب الغوص والأسفار، وهذا اللون من الأدب يأخذ طابع الحياة الشعبية ويستمد وحيه الفني من البيئة التقليدية.
وقد أطلق الدارسون والباحثون على الأدب الشعبي أسماء عدة، منها الأدب المحلي local Literature، ويسمى أيضاً الأدب الشفهي Oral Literature، أو الفن اللفظي Verbal Art، أو الأدب التعبيري Expressive Literature، وكلها مسميات تعطي دلالة على المفهوم العام للأدب الشعبي.
وقد قسم العديد من الدارسين الأدب الشعبي إلى مجموعة من الاقسام أهمها :
الشعر الشعبي – الحكايات الشعبية – الأغاني الشعبية – أهازيج الطقوس الدينية – الألغاز – الأساطير – الأمثال – النكتة – النداء والسيرة – التمثيلية التقليدية.
وفي دولة الإمارات يتنوع الأدب الشعبي حسب البيئات الأربع التي يعيش فيها شعب الإمارات، وحسب المجموعات التي تقطن في تلك البيئات. لأن من خصائص الأدب الشعبي انه نتاج التفاعل الاجتماعي والتجاذب الفكري واللغوي للجماعات التي تقطن في بيئة واحدة. ويتميز الأدب الشعبي في دولة الإمارات بخصوصيته وتنوع أشكاله نظراً لتعدد اللهجات واختلاف نمط الحياة. فمثلاً، في المدن الساحلية حيث يقطن (الحضر) يستمد الناس حياتهم ولهجتهم وأدبهم وفنونهم من البيئة البحرية، أما في الصحراء فيعيش (البدو) سكان الصحراء الذين يتميزون بلهجتهم وتوجههم البدوي وطابعهم الصحراوي الخاص. وفي الريف نجد (البيادر) وهم المزارعون أو الفلاحون الذين يرتبطون بالارض والري والزراعة والفلاحة، ويأخذون من الحياة الريفية التي يتفاعلون في داخلها مع كافة ألوان وفنون الثقافة الشعبية الريفية الخاصة. وفي الجبال يقطن (البداة) ولهؤلاء نمط حياتي يستمد ملامحه وخصائصه من البيئة الجبلية، كما عند جماعات الشحوح والحبوس.
إذاً، للأدب الشعبي في الإمارات لونه الخاص وطابعه المميز، الذي يأخذ لون البيئة، واللهجات الدراجة المستخدمة لدى الجماعات المختلفة، والأدب في مجتمع الإمارات يعبر عن فنون الكلام بلغة راقية محلاة بنغم موسيقي جميل، وبإيقاعات بسيطة تأخذ الطابع المحلي بخصوصيته ومعتقداته وتوجهاته.


المادة :: تعريف الأدب الشعبي في الإمارات


يحتوي الأدب الشعبي على فنون الكلام الأدبي، وهو يتميز بلونه الخاص المستمد من المجتمع المحلي، فمثلا في الامارات تختلف (الخروفة) أي الحكاية التي تروى للاطفال في روايتها من منطقة إلى اخرى في داخل دولة الإمارات، كما نجد اختلافا كبيرا في روايتها بين دول الخليج الاخرى، وذلك ناتج عن اختلاف البيئة واللهجات وطريقة القول والاسترسال. وإلى جانب (الخروفة) توجد (السالفة) أو القصة، وهي متنوعة في مضامينها ولونها. والسالفة تختلف عن الخروفة في سردها، فالخروفة تأخذ الشكل الروائي البسيط، وهي بذلك لا تصلح لأن تكون رواية أدبية إذا ما تم توظيفها في هذا المجال، أما القصة فتندرج تحت اللون القصصي الأدبي لما فيها من الوصف والاسترسال والتصوير الشيء الكثير. وعلى ضوء ذلك يمكننا القول إن الأدب الشعبي هو : الإبداع الفني الجمعي المأثور الذي يتوسل بالكلمة، أي يعتمد على النسيج الكلامي سواء كان روائياً أو هزجياً أو غنائياً أو لفظياً.
والأدب الشعبي يجسد ملامح الحياة الاجتماعية بعاداتها، وتقاليدها، ومعتقداتها، وتفكيرها وتوجهها الديني، وطابعها المحلي، ومهنها وحرفها وصناعتها، وغير ذلك من أمور حياتية يصاحب ممارستها الغناء والحداء، أو تأتي أحياناً على شكل أمثال وألغاز وأقوال وحكم مصاغة في جمل مترابطة صوتيا تعطي السامع نشوة عند سماعها.
إذاً، فالأدب الشعبي في الإمارات يأخذ خصائصه وسماته المحلية من أربع لهجات : (لهجة أهل المدن) و(لهجة البدو في الصحراء) و(لهجة المزارعين في الريف) و(لهجة البداة في سكان الجبال). وإذا درسنا اختلاف اللغات واللهجات وما تحتويه من مفردات لغوية وصوتية سوف نكتشف ان اللهجات نشأت داخل بيئة مثالية، وفي محيط إنساني متكامل ومترابط ومتفاعل، وإذا ما دققنا في أدبنا الشعبي سوف نرى أنه في منشئه وتطوره أدب عربي قح يستمد جودته من فنون اللغة العربية وخصائصها، ويعبر عن الإنسان العربي وتفكيره. أي أنه أدب عربي في نشأته وجذوره البعيدة.


المادة :: الفصل الأول - الشعر الشعبي


الشعر النبطي :

الشعر النبطي هو الشعر العامي أو الشعر الشعبي الدارج الذي ينظم بلهجة عامة الشعب، ويتميز الشعر النبطي الإماراتي عن غيره من الأشعار بلغة جميلة تتجسد في أكثرها الفصحى بألفاظها الواضحة. وقد ظهر الشعر النبطي منذ قديم الزمان.
ويستمد هذا اللون من الأدب وجوده من لهجة أهل الخليج العربي وهي (النبطية) أو العامة. والنبطية أو النبط هم جماعة أو اقوام كونوا الحضارات الاولى في المنطقة ويعرفون بالأنباط، واليهم تنسب اللهجة الدارجة لأهل المنطقة، لذا يسمى هذا النوع من الشعر الشعبي بالشعر النبطي نسبة إلى هؤلاء القوم.
ومن حيث النشأة يجب ان نميز بين الشعر النبطي (البدوي) والشعر النبطي الحضري. فالأول ظل محافظاً على لهجته ولكنته العربية الأصيلة، اما الثاني فقد ادت عوامل كثيرة مثل مخالطة العجم إلى دخول ألفاظ جديدة – ربما تكون هجينة – ولكنات غير عربية إليه.
وقد عرف أحد الباحثين الشعر النبطي فقال : (إن الشعر النبطي هو شعر الأنباط العرب)، وذكر أن هذا اللون من الشعر نشأ في منطقة الخليج العربي، وأطراف نجد، وسواد العراق، حيث التقارب الواضح في لسانية سكان هذه المناطق، مما أثر على الشعر وألوان أخرى من الأدب الشعبي.
لذا يمكن تعريف الشعر النبطي بأنه : (شعر تقليدي يقال باللهجة العامية الدارجة .. وهو من حيث أسسه الفنية شديد الشبه بالشعر العربي الفصيح التقليدي).
أما خصائص الشعر النبطي من حيث اللغة فإن لغة الشعر النبطي هي اللهجة البدوية عامة والنجدية خاصة، إلى جانب ذلك فإن القصيدة النبطية هي قصيدة تقليدية، ويتضح ذلك في التزامها بشكل القصيدة العربية القديمة من حيث الوزن والقافية والجرس الموسيقي.
إذاً، لغة الشعر النبطي قريبة من الفصحى من حيث الأوزان التقليدية المنسوبة للخليل بن أحمد، مع اختلاف بسيط في تفعيلاتها وأوزانها المبتكرة في بعض الأحيان. ونظرا لتعدد الإبداعات الشعرية في هذا اللون من الأدب الشعبي فقد سمي بعدة مسميات أطلقها شعراء النبط أنفسهم، وهي مسميات مجردة تشير إلى رؤية الشاعر الفنية لاشعاره الخاصة، ومن هذه الاسماء مثلا الاشعار، والجيل أو القول والمقال، أو القيفان وتعني القوافي، والافنان أي الفنون، والمثل أو الامثال، والأناشيد، والنظم، والقصيد، والمزمل، والمعاني، والنثر، والمباني، والأبيات.
ويرتبط الشعر النبطي بالبيئة، ويلتصق بها ويعبر عن صورها وملامحها. لهذا نستطيع ان نميز بين الشعر النبطي عند البدو والشعر النبطي عند الحضر وغيرهم من سكان المدن الساحلية حيث تظهر عند كل واحد منهما خصائص هذا الشعر ومميزاته البنائية واللغوية وتركيبه الفني.
وسوف نورد نماذج من الشعر النبطي لعدد من الشعراء المعروفين في دولة الإمارات، إضافة إلى أشعار وقصائد نبطية متداولة لا يعرف قائلها وأصبحت مع مرور الزمن أشعارا تراثية أو شعرا شعبيا غير معروف قائله.
وفي هذا اللون من الشعر نجد قصائد الغزل والمدح والهجاء والوصف وشعر المراسلات والألغاز والشعر الديني والنصح، والشكوى، والرثاء، والعتاب، والشعر القصصي والشعر الوطني والشعر القومي وقصائد قيلت في البحر والغوص والصقور والإبل والصحراء والفخر والبطولات والاجتماعيات وغيرها من المضامين الشعرية التي يحتويها الشعر النبطي.
وتسمى القافية التي تستعمل في الشعر النبطي (ناعشة) وهي قافية الشطر الأول و(قارعة) أو (جارعة) أو (كارعة) وهي قافية الشطر الثاني أو عجز البيت، وتكون قافية للقصيدة كلها.
ويمكن ان تؤدى على أبيات الشعر النبطي أغان وألحان، نذكر منها : الهجيني أو (الهييني)، والحربية والردحة والونّة والتغرودة والصخري. ولكل نوع نغم معين من اللحن الذي يميز بعضه عن الآخر. وتتنوع القصيدة حسب القوافي، مثل (القصيدة المهملة) التي يتكون البيت الواحد فيها من شطرين، ويحافظ فيها الشاعر على قافية واحدة (القارعة).
والنوع الثاني (القصيدة المثولثة أو الثلاثية) وتكون القصيدة مكونة من ثلاثة أشطر ويلتزم فيها الشاعر بقافية موحدة في الشطر الاول والثاني، وبقافية أخرى في الشطر الثالث وقد تتغير القافية في البيتين الاول والثاني في القصيدة في حين تبقى القافية في الشطر الثالث كما هي.
والنوع الثالث القصيدة المضمومة أو الملمومة : وهي ان يلتزم الشاعر بقافيتين الاولى في الشطر الاول (الناعشة) والثانية في الشطر الثاني من البيت إلى نهاية القصيدة (القارعة) مثال على ذلك هذه الأبيات للشاعر (جمعة بن عدل الرميثي) :
التي يقول فيها
فاض فن الشعر من كثر الفكور وانكشف عن مغطى ما يبات
في ضميري مثل ما وصف البحور وانتحى به صوب ذخري في الأوقات
هم هل اليودات في كل الامور يدهم زايد صدام العايلات

أما النوع الرابع فيسمى (القصيدة المروبعة)، وفيها يتكون البيت الواحد من أربعة اشطر تتوحد القافية في الثلاثة اشطر الاولى، وتختلف في الشطر الأخير، مثال ذلك :
بايت أسادي
بغزل الفوادي
وعفت الرقادي بزود الظويل
وظالت حشوده
وفاضت عدوده
ومن بار يوده امسوى وييل
نزل من زماني
حسين المعاني
بعينه رماني ولا له مثيل

والنوع الخامس (القصيدة المنسوبة) وهي أن يبدأ فيها البيت بالكلمة التي تورد في نهاية الشطر الأخير من البيت الذي قبلها، مثل هذه الابيات للشاعر (محمد عبدالله القاضي) :
روحي منه يا صاح
أذابت قلبي الصاحي
ولا طاوعت نصاحي وسمعي فيك ما يوحي
يوحي لك ويصحي لك
وقد عاينت نصحي لك
ألا يا شوق ما حيلك بمن خليت مطروح
مطروح طرق واطرق
بطرفه جادني مطرق
وبقى بالمطرق واطرق يمره كل مشفوح
مشفوح على خله
وعقله بان به خله
على السادات والخلة صفقت الجال والصوح
صوح الشوق لي ضامي
ورض الحال وعظامي
إلا ما فيك للضامي نقد من طاح مجروح

والنوع السادس : (القصيدة الألفية)، وهي التي تبدأ أول كلمة في بيتها الاول بحرف الألف، والبيت الثاني يبدأ بحرف الباء. وهكذا إلى نهاية الحروف الهجائية وقد ينتقل الشاعر من حرف إلى حرف في بداية كل بيتين في القصيدة. وقد تكون القصيدة الألفية مهملة أو مضمومة أو مثولثة أو مروبعة. ومن الأمثلة عليها هذه الأبيات للشاعر (محمد بن حمد الفرنكح) حيث يقول :
الف يولف كل هجس بهمي الصدر ميراده وهو المصدارا
والباء براني حب ظبي سمي منها لعظام مداخله باسعارا
والتاء ترى شر الليالي عمي كم فرقت بين جار وجارا
والثاء ثلاث سنين قلبي ظمي محبتك يا سيد العذارى

وهناك نوع آخر من القصائد النبطية يسمى (القصيدة المبنية)، وهي التي يبنيها الشاعر على أسماء أيام الأسبوع، أو عدد أيام الشهر أو السنة أو النجوم، ويعتبر هذا النوع من القصائد نادراً لدقته وقوة بيانه.
ومن خصائص الشعر الشعبي انه يعنى بالصناعة اللفظية إضافة إلى ان له أوزانه وفنونه الخاصة. فهو وإن مال في الوزن إلى بحور الخليل بن أحمد، إلا أن رواد الشعر الشعبي القدامى وعلماءه، أعرضوا عن عروض الخليل لقصورها عن وزن أشعارهم كلها، واخترعوا بدلا منها اربعا وعشرين عبارة إيقاعية انتزعوها من مقاطعهم الذائعة الصيت. وكانوا في ذلك يحققون حلما لابن قزمان، حيث سميت هذه العبارات العروضية بالسنج أو (الصنج= عيار الميزان)، ثم أضيفت لها موازين أخرى ساعدت على تطور القصيدة النبطية أكثر من غيرها.
ومنذ القدم ظهر في الإمارت عدد كبير من شعراء النبط، ولكن لم يجمع إلا القليل من قصائد شعراء النبط الكبار المعروفين التي ظلت متداولة بين الرواة من كبار السن، وظل إبداع هؤلاء الشعراء مجهولا لدينا حتى أن أسماءهم اختفت لقلة ما وصلنا عنهم.
صدرت منذ منتصف التسعينيات بعض الدواوين لكبار الشعراء، إلى جانب ما جمعه الشاعر حمد بن خليفة أبو شهاب في ديوان أسماه (تراثنا من الشعر الشعبي)، ويعتبر من المصادر المهمة عن الشعر الشعبي لاحتوائه على عدد لا بأس به من قصائد شعراء النبط المشهورين في الإمارات. وسنورد أبياتاً من قصائدهم منهم : محمد بن أحمد الفرنكح المري، وحمد بن علي المدحوس، وحسين بن ابراهيم المناعي، ومحمد بن حسين المناعي، وأحمد بن علي المناعي، ومحمد ابراهيم الكوس، وناصر بن محمد الشامسي، وخلفان علي بن غيث، وبطي بن سهيل، وحمد بن سرحان، وأحمد بن عبدالرحمن ابو سنيدة، ومبارك بن حمد العقيلي، والشاعر الشيخ خليفة بن شخبوط آل نهيان، والشاعر الشيخ سلطان بن زايد آل نهيان، والد صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس الدولة والشاعر عبدالله بن سلطان بن سليم، والشاعر سالم بن فارس المزروعي، والشاعر سيف البلى، وعبيد كبريت، وراشد السمن، وعلي بن حميد، وحمد بن محمد بن صراي، وسيف ضاعن وغيرهم من الشعراء الذين لا يتسع المجال لذكرهم.

نماذج من الشعر النبطي :

من أشهر شعراء النبط في الإمارات الماجدي بن ظاهر الذي عاش قبل قرنين من الزمان، وانتقل إلينا شعره عن طريق الرواة والشعراء من البدو والحضر، ولكن أكثر من يحفظ شعره هم أبناء قبيلة (المرر) الذين يروون حياة بن ظاهر ويرددون قصائده وكذلك بدو مناطق الحمرانية والخران والذيد وفلج المعلا.

وفي قصائد ابن ظاهر رسم جميل للبيئة. فهو يصور المكان والأحداث تصويرا رائعا في قصائده، ويصف المنطقتين الشمالية والجنوبية من رأس الخيمة إلى الظفرة وليوا مما يدل على أصالته الوطنية في الإمارات كلها حيث عاش وتنقل بين مناطقها. وتشير الروايات إلى أنه ولد في الخران، وهي بلدة صغيرة يوجد فيها قبر شواهده من صخور الجبل، هو قبر ابن ظاهر. حيث يروى ان ابن ظاهر اختار ان يدفن في هذا المكان بعد ان اجرى عدة تجارب على الرمال. إذ دفن كومة من الصوف وبعد عام عاد ليحفر فاستخرجها فوجدها لم تتغير، أي لم تتحلل، عندها أوصى بأن يدفن في هذا المكان. وقد تنقل بن ظاهر في مضارب البدو وجرب حياة البحر وصنع قارباً صغيرا من نوع (شاشة). وفي أرض الإمارات كله تفجرت قريحته .. إذ يقول ذاكرا اخلاقه وصفاته النبيلة :
يقول المايدي أبيات شعر يداد الجيل عدلات المباني
مدارات تكن للعارفين عروف الجيل فطن في المعاني
ولما قال لي في الوجه ذم هذرني في القفا لما شناني
فلا ذميت لي يوم صديج ولا أشني عدو ما شناني
أخاف من الرواة السامعين وقول الناس شان الله افلاني
ولا يافيت خل لي امود ولا صافيت حد ما اهتواني
ولكني إذا مني بليت فلا البلوى يجوز إلها التواني
أنا والله مانا بالعيول على الهدران كود إلي بلاني
بخال من مساعيه النموم يصبح بالعلوم أو بالمشاني
فلا يهواه لي يوم صديج ويفرح بي إذا شوقي يفاني

ففي هذه الأبيات التي تنطق بالحكم والمواعظ والتجارب والصدق والعفاف. يكشف الشاعر عن خصاله الحميدة وصفاته النبيلة وطيب معدنه ومحافظته على الصداقة، وعدم سماع الكلام الذي ينقله الرواة والواشون.
وفي أبيات أخرى يورد ابن ظاهر الكثير من الوصايا النبيلة التي يدعو للتمسك بها فيقول :
يقول الفهيم المايدي إلي بنا والأمثال ما بين الرواة اتقال
بوصيك عن كثر الكلام المخالف وما جاك من كثر الحديث أقوال
وان يتك عويا من سفيه فخلها وان يات من غير السفيه فسال
ولا ينقل المنقال رجل ابجيد ولا يشرب الدهن المذاب إريال
ومن لا يداري علة الهون أول تباطا بها زادت عليه أعلال
ومن لا عطى الحجام رضوة مزاهد احتاج إلى بذل الطبيب إبمال
ومن لا سعى للظل لي عاد مبرد الشمس صالاها بغر إظلال
وكم مستظل زال عنه إظلاله وكم جالس في الشمس ياه إظلال
ومن لا على الراحات يدد نعاله وطا الشوك والرمضا بغير انعال
ومن لا تغاضى عن خطايا رجاله شكا الضيم مهضوم بغير ارجال

ففي هذه الابيات يعدد بن ظاهر تجاربه في الحياة، ويصف الناس الذين لا يعرفون طبائع البشر، وهو يصور الأحوال التي تصادف الإنسان فيقدم النصح والإرشاد على شكل وصايا ويدعو إلى الاستفادة منها حتى لا يقع في الأخطاء التي تؤدي إلى الهلاك والخسران المبين.
ومن الشعراء القدامى الشاعر (علي بن محمد محين الشامسي). الذي ولد في بلدة الحيرة بالشارقة، وتوفي عام 1247هـ / 1831م. وله العديد من القصائد التي تحتوي على الحكم والأمثال، ومنها هذه الأبيات التي يقول فيها :

طرق العلا لا تستخف إبشانها اعرف قبل تدبيرها ميشانها
انظر ابعين القلب فيها قبل ما تنظر ابعين الرأس في ميشانها
ان القلوب إذا عمين عن الهدى ما يهتدي الطرق الرشاد اعيانها
وان ابصرت عين الفؤاد من العمى شافت ووافق شوفها لعيانها
ومن لا يدبر في الأمور أيقظته والقابس القالات قبل اتيانها
تدابرت عنه الأمور أو فتحت عليه أبواب البلا بيبانها
يا سامع فالشعر بضعه حكمه تفهم له العقال مع فطانها
إن كنت ذا مال وصاحب ثروة وتخشى على نعمتك من دبرانها
فأد واجبها وأظهر شكرها وحدث ابها واعرف ترى نقصانها
فعل المعاصي والربا ثم الزنى ومنع الزكاة إلي حضر ميحانها

في هذه الابيات يشير الشاعر إلى طرق العلا والسداد، ويقول ان العلا يحتاج إلى يقظة واستقامة. ويتحدث عن تجاربه في الحياة، فيقدم الوعظ والوصايا من خلال قصائده. فهو عندما يقول (انظر بعين القلب) فإنه يعني النظر الواعي والتدبر في أمور الحياة بعقل وفطنة. ويؤكد على ان الأموال يجب ان تصان بالصدقات والزكاة، وعدد أسباب زوالها فقال إن المعاصي كالربا والزنى ومنع الزكاة هي من الأسباب التي تؤدي إلى زوال النعم.
ومن الشعراء الكبار يعقوب بن يوسف الحاتمي الذي ولد في أم القيوين وتوفي عام 1309هـ / 1891م، ونورد من قصائده هذه الأبيات .. إذ يقول :
إيقول يعقوب الحاتمي ولد يوسف
أبيات شعر م الضمير امتثالها
إذا الجيل هاج أو عن من جاش ظامري
تساعده ما يات تزالزال ايبالها
تسجى أنهار مع بحور تلاطمت
لي من ترضف مويها مع شمالها
إن قال حد إيروم بحصي مثايلي
لراضين السبع يحصي إرمالها
اختار منها بعض ما شئت وانتحي
وتهدي إلى من يرتعي من أمثالها

ومن الشعر النبطي قصيدة للشاعر الشيخ (صقر بن خالد القاسمي) حاكم الشارقة سابقا، يرثي فيها ابن عمه الشيخ (حميد بن عبدالله بن سلطان القاسمي) حاكم رأس الخيمة الأسبق. ومن هذه القصيدة اخترنا بعض الأبيات التي تتداعى لها مشاعر الرثاء على شكل معان معبرة عن الأسى والحزن .. يقول الشاعر :
النفس يا خالد تناهت همومها
والعين عيت عن مطاييب نومها
والقلب هاجه لاعج الوجد والأسى
والكبد ما زالت تكابد إغمومها
والروح فيها حسرة ليس تنقضي
كلما مضى يوم تجدد إهمومها
والصبر صده صادع البين وانصرف
وابقى الجزع للنفس دايم ايسوقها

وفي لون آخر من الشعر النبطي نورد بعض الأبيات للشاعر (سعيد بن عتيج الهاملي) من إمارة أبوظبي، وهي قصيدة غنائية جميلة عن الغوص وأهوال البحر يتحدث فيها الشاعر عن محبوبته، وقد تم تلحينها مؤخراً وغناها أحد المطربين المحليين. يقول فيها الشاعر سعيد بن عتيج :
صاح ابزقر لمنادي بخطوفه يوم السفن بتشل
غمس على لفوادي بالكوفه ولا وادعه بالحال
وين اقمري لمجادي ماتشوفه لي نوره معتزل
لي مسقني ودادي بكفوفه عله عقب النهل
اللي قبل متبادي لا حوقه ان ميحن لقذل
هو جاعد الأنهادي لي شوفه ينماز أو يعتزل
لو لي وجف لمعادي بسيوفه عن الوصل بوصل

وللغزل سجل حافل في الشعر النبطي المحلي بالإمارات. ومن الشعراء الكبار الذين ابدعوا في هذا المجال (راشد بن سالم الخضر) الذي ولد في عجمان عام 1905م وتوفي عام 1980م، ومن قصائده الغزلية هذه الأبيات التي يقول فيها :
ونيت يوم الليل عسعس ونات ما بي عوق لضراس
بي من هوى بوجيد والعس دعج النواظر تقطع الماس
وده على لفواد طمس غض غضيض بالنحس داس
سيد الجواري البيض كنس فيه الملاحة جملة أجناس
أخضر حمر أبيض أمعطلس يخجل عويد البان ليماس
ظبي الوطن يمشي دلع بس بثويب وخمار على الراس
لحظة سحر والا امسدس والا السطيح ابجفن حراس
والصبح من ثغره اتنفس وأعذب رضاب إمبين للعاس
في مهجتي خبه تبهنس واشغلت به عن جملة الناس

ومن الشعراء النبطيين الشاعر (عبدالله بن محمد بن عسكر)، الذي ولد وعاش في إمارة رأس الخيمة في العشرينيات، وهو من الشعراء الكبار، وله الكثير من القصائد الاجتماعية والغزلية، ومنها نورد هذه الأبيات التي يعاتب فيها صديقه :
مالي نظر في يلست الدار ينقل درك عقوى قصب زور
لو في السفينة صار ما صار هذا وراع الصدق معذور
يا صاحب زلات لكبار أوقات لك من غير محذور

ومن الشعراء (جمعة بن عدل بن جمعة الرميثي) الذي ولد في جزيرة الحنورة بأبوظبي سنة 1899م. وهو من الشعراء المشهورين بقصائد الغزل العذري، ومن قصائده الغزلية نقتطف هذه الأبيات :
بايت اسادي
بغزل الفوادي
وعفت الرقادي بزود الظويل
وظالت حشوده
وفاظت عدوده
ومن بار يوده إمسوي وييل
وييل لفلايه
حدر من العلايه
وجا في منايه وغبي النخيل
مهب الشمال
لفانا عدال
وانا اغتث بالي بحلو اليديل
يديله يثني
بطيب يبني
وهو ممحني ولا له مثيل
انا يا منايه
تزايد وزايه
وعندك دوايه وثيب العليل

ومن الشعراء (محمد بن حمد الفرنكح المري) الذي ولد بمدينة أبوظبي سنة 1945م، وله العديد من القصائد، ومنها هذه القصيدة التي يمدح فيها صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس الدولة، وقد اخترنا منها هذه الابيات :
أبدى بذكر الله في كل حزات
ذكر العظيم الحي دوم ابتدي به
اللي سمك سبع العروش الرفيعات
وارض رساها بالجبال الصليبه
محصي جميع الحي واجثاث الأموات
في لوحة ما فاتها من كتيبه
من بعد ذكر الله بألف لي أبيات
في مدح شيخ يملك الناس طيبه
زايد من اللي كاملين الخصيلات
نور الشعوب وبدرنا نقتدي به
مقدم حرار محزمه في العضيلا
تكفي الإشارة لو الاسم ما أحكي به
وانتم هل العليا على كل حالات
غبة بحور مغرقات صعيبه
الأيمان تعطي من قلوب صخيات
من وجدها تعطيه طالب نصيبه
خيالكم يوم السنين الشديدات
بسيف ورمح ما بينجي صويبه
وأخباركم عند القبايل مقيمات
ومتورخه في كل صفحة تجيبه
المادة :: الفصل الثاني - الحكايات الشعبية في الإمارات


أولاً : الحكايات الشعبية :

الحكاية الشعبية أو (الخراريف) بتسمية أهل الإمارات هي التي ترويها الجدات والأمهات للأطفال قبل النوم، كما تروى الخراريف في بعض المجالس الرجالية. والخروفة وجمعها خراريف أصلها خرافة. وقيل ان الخرافة هي الحديث المستملح، ففي لسان العرب : خرافة أو حديث خرافة هو خرافة من بني عذرة أو من جهينة، وقد اختطفته الجن ثم رجع إلى قومه وأخذ يحدثهم بأحاديث يعجب منها الناس، فكذبوه فجرى على ألسن الناس حديث خرافة، والخرافات الموضوعة من حديث الليل. وهكذا جاءت تسمية خرافة من أحاديث الشخص الذي يروي القصص والحكايات الخيالية التي لا يقبلها عقل ولا تقرها قاعدة، ولا يؤمن بصدقها الناس.
إذا، الخروفة في العامية تعني الحكاية التي تحكى للأطفال، فيقول الطفل لأمه : (أمي خرفيني) أي قصي على حكاية، وتسمى مثل هذه الحكايات في العراق (سالوفة). أما في الكويت والبحرين فيطلقون عليها (حزاية) والجمع (حزاوي). وفي مصر يسمونها (حدوته) وفي السودان تسمى (أحاجي)، أما في بلاد الشام فتسمى (حكاوي).
تغطي الخراريف في الإمارات مجالات واسعة، فهناك خراريف الليل وخراريف النهار، وهناك خراريف الجن، وخراريف الشياطين، وهناك خراريف البطولات والشجاعة، وهناك خراريف الشرف والعفة والأمانة، وخراريف المغامرات والعديد من أنواع الخراريف الشعبية متداولة بين الناس في المجتمع. وتعتبر من أنواع التسليات التي انتشرت في مجتمعات ما قبل النفط، حيث الفراغ وانعدام وسائل التسلية، فكان خير سبيل للمتعة الاستماع للخراريف على لسان الجدات والأمهات.
وقد كان بعض الناس – خاصة النساء – في مجتمع الإمارات – كما في مجتمعات الخليج العربي الأخرى – يروون القصص الخرافية وتأويلاتها الكثيرة، وكانوا يمزجون في رواياتهم الواقع بالخيال، وكانت لديهم المقدرة على تصوير القصص الخيالية كأنها قصص واقعية وربما رويت الكثير من الحكايات (الخراريف) والقصص من خلال مشاهدات وتصورات خيالية أو شطحات أدبية لبعض الرواة الماهرين الذين يحورون الواقع إلى خيال مع إزجاء لمسة فنية على رموز الخروفة وابعادها المختلفة. وكان أفضل وقت لرواية الخراريف فترة المساء أو بعد صلاة المغرب، وأحياناً بعد صلاة العشاء، فقد كان أهل الإمارات يتناولون العشاء بعد أداء صلاة المغرب. وبين صلاة المغرب والعشاء يقوم سكان الإمارات قديما بتجهيز المنامات للأطفال والأولاد، ويفرشون (الدواشك)، وتجلس الجدة وحولها أحفادها تحكي لهم وتخرفهم مما تحفظ من خراريف وقصص، وما إن تنتهي من حديثها حتى يدخل الصغار في نوم عميق. وكانت الخراريف منتشرة انتشاراً واسعاً في ذلك الوقت، أما الآن فقد اندثرت مع دخول التلفاز ووسائل الإعلام المختلفة.

أسلوب الخراريف الليلية :

للخراريف حبكة قصصية تجيد روايتها الجدة، فإذا جلست كان أحفادها حولها ينصتون وهي تقص عليهم وتروي باسلوبها الخاص، وتتوقف ثم تستدرك وتشير إلى السماء والى أشياء خيالية. ومن عادة رواة الخراريف في الإمارات البدء بمدخل فيه إنشاد جميل يثير الاستعداد ويهيئ النفس والذهن لسماع الخروفة والإصغاء إليها، فإذا ابتدأت بحكاية الخروفة تقول :

خرفتك مخيريفة
تاليها مجيريفة
تحت السيم نبجة
تمشي وتمر جلة
سلطانة وختها
يترادون لردا
سرنا بنشكي
بيت الشيخ
ياكلون عيش زيرة
سلطان يغرز به
عبدالله ياكل مصيره
محد عنده عاشوه
الا كاشوه
الا عبدالله مرتز
الا ..... يهتز

ومن الأهازيج المتداولة في الخراريف هذه الكلمات المتناسقة التي تعبر عن جو الخروفة وفنياتها :

خريريفة مجيريفة
سبع قطيوات
معلقات في التنور
والتنور يبغي حطب
والحطب في السمرة
والسمرة تبغي جدوم
والجدوم عند الحداد
والحداد يبغي افلوس
والفلوس عند العروس
والعروس يابت ولد
والولد سموه سند
*****
ركاب الخيل
ما ينام الليل
في ايده سجين
ذابح مسيحين

وبعد ان تنتهي الجدة تقول : صلوا على النبي محمد، فيرد عليها الأطفال : صلى الله عليه وسلمن عندها تبدأ بالحديث بعفوية وبأسلوب ممزوج بالكلمات المؤثرة التي تثير مشاعر الأبناء وتجعلهم متلهفين لسماع أكبر عدد من الخراريف قبل استسلامهم للنوم، وفي الصباح يجلس الصبي مع أصدقائه ويحكي لهم ما سمع ليلة البارحة من خراريف، فترسخ الحكاية في أذهانهم، وبعضهم يقلدون ما قيل من حوار ويمثلون الأدوار فيما بينهم.
يقول أحد الرواة : كانت الجدات والأمهات والآباء يبدعون (الخروفة) ويؤلفونها للأطفال. فبعد صلاة العشاء يجتمع الأطفال وبعض الشباب حول القاص الذي يسرد قصصا مختلفة، وحكايات جميلة تتناول موضوعات متنوعة منها خروفة حول عمل الخير والمعروف، أو حول إنكار المعروف، أو حول بنات الجن، وصيادي السمك والغواصين. وتختلف طريقة سرد الخروفة من شخص إلى آخر، وبعض النساء يسردن الخروفة بطريقة تجعل الطفل ينام قبل إتمام القصة فيسرح معها في منامه، وفي اليوم التالي يطالب بإتمامها، لذلك تبقى راسخة في ذهنه.

وظائف الخراريف :

للخراريف والحكايات وظائف كثيرة فيهي تربي الطفل على القيم والأخلاق، وتعوده على احترام العهود والالتزام بالصدق والأمانة، وهناك خراريف تزرع في نفوس الاطفال الخوف من الظلام، ومن المشي في الليل بمفرده، وأكثر الخراريف تساعد على بناء شخصية الأولاد وتربيهم على حب الخير والعطف على الضعيف وتقديم العون للمحتاج.
والخراريف منها ما هو محلي ومنها ما هو مأخوذ من قصص وحكايات أجنبية، أو انتقل من خلال السماع عن الغير، أو ما تناقلته الروايات بواسطة سفن الغوص والأسفار. وتختلف رواية الخراريف عبر البيئات على طول الإمارات، حيث نجد لكل بيئة أنواعاً معينة من الخراريف تروى بأسلوب وطريقة خاصة وبلهجة أهل المنطقة، ومن خلال علاقتهم المباشرة بالمحيط المكاني وما يوجد في هذا المحيط من اشياء أو شعائر حيث نجد للبحر مثلا تأثيره الكبير في حياة سكان المناطق الساحلية سواء في علاقتهم المباشرة أو غير المباشرة. وقد شكل البحر مصدراً مهماً في رسم الصور الخيالية لدى الناس فترجموا ذلك في أدبهم خاصة أدب الخراريف أو الحكايات.

نماذج من الخراريف :

هناك العشرات من الخراريف المروية عن الجدات والآباء والأمهات لكن توجد خراريف محببة للأولاد ومشهورة لديهم ويحبون سماعها. ومن أنواع الخراريف المشهورة في مجتمع الإمارات : خروفة بنت الزين معمر وخروفة بديح بديحوه وخروفة الحطاب والحية وخروفة الغيص والحصبة وخروفة الحاكم والإمام وخروفة الملك فيه قرون. أما خراريف الشياطين فهي كثيرة منها خروفة بابا درياه وخطاف رفاي أو ابو الخطيف، وخروفة عبد المزنجل، وأم الدويس، وخروفة البعير المقصوص رأسه، ومنها حمار القايلة، وخروفة ام الصبيان.
ومن الخراريف الأخرى خروفة الطيرة، وخروفة هند بنت النعمان والحجاج، وخروفة معاوية، وخروفة عزيز وعزيزة، وخروفة الصائغ واليهودي، وخروفة كندورة زوجة الشيخ.

لغة الخروفة :

تروى الخروفة باللجهة المحلية الدارجة، أما إذا رويت بالفصحى فإنها تفقد الكثير من معانيها، وأسلوبها، وجوها الخاص. ولا يستقيم ان تحور الخروفة من العامية إلى الفصحى إلا بقدر محدود، لذا من الواجب ان يتم جمع الخروفة وتدوينها كما تروى من الراوي مباشرة دون مساس بمفرداتها ونسيجها الخاص، ولكن لا مانع حسب المستطاع من ان تصاغ الخروفة بلغة فصحى من باب الإيضاح، وتوصيل الفكرة إلى المتلقي ليس إلا.
ومن الأمثلة على أنواع الخراريف المعروفة لدينا خروفة بديح بديحوه وهذا نصها المحلي :
بديح بديحوه
(كانت وحدة بنت السماك، أبوها يظهر البحر وأمها متوفية من زمان، وعندها مرت ابو عمة، والعمة عندها بنت من هذا الريال أبو البنت، ومرة وحدة الابو صاد بياحة، وسمك وايد فقالت مرت العم للبنت :
اخذي السمك وغسليه في البحر، خذت المسكينة السمك وسارت على سيف البحر، ولما جلست تغسل السمك، شافت بين السمك بياحة انسية (جنية) فقالت لبياحة للبنت :
هدينيه وبغنيش
خافت البنت، لكنها قامت وهدت البياحة وسارت هيه إلى البيت، وأخذت مرت الأبو العمة السمك وعدتهن، سمكة سمكة فقالت للبنت اليتيمة :
جية وين لبياحة
فقالت إلها البنت وهي خايفة تنتفض :
انهدت عنيه في البحر
فحرجت العمة وخذت العصا وضربت اليتيمة، وقالت إلها :
من غداش من ريوكش من عشاش ما بنعطيش أكل موليه.
وجد البياحة قالت للبنت وهيه على البحر إذا ضربوش تعالي ليه، سارت البنت وحليلها إلى سيف البحر، وزجرت على البياحة.
• بياحو بياحو ... لا ريقونيه ولا غدونيه ولا عشونيه.
سمعتها البياحة، ويتها على البحر تلبط، يابت لها الخبز والحلوى، كلت البنت وشبعت وإللي زاد من الحلوى خذته وياها وعكته في جفير الطعام، وعندما ردت البيت يتها أختها من أبوها، وقالت لها :
• عدنا أكل ما ينعطيش.

فردت البنت :

• أنا ما أبغي شي.
ويوم أدا هاك اليوم، يا للبنت اليتيمة خطيب بيخطبها، وقامت مرت أبوها ودخلتها في التنور ويلست بنتها فوق السرير .. ويوم دخلوا الحريم من طرف الخطيب .. كام الديك يصكع.
• ككو كو .. كوكو، عمتيه الزينة في التنور، وعمتيه الشينة فوق السرير، عمتيه الشلكة والبلكة فوق السري، وعمتيه الحلوة في التنور ... ككوكو .. ككوكو.
استغربن الحريم، وجالن : خلونا نسمع الديك شو يكول، والعمة كل ما صاح الديك ردت عليه : كش .. كش مناك زول. وتقوم بتروغه حتى ما يصقع.
ولكن قامت وحدة من الحريم وسارت وكشفت عن التنور وشافوا البنت الحلوة داخل التنور، والبنت المب زينة فوق السرير.
وسارت الأيام ويو الرياييل يطلبون لبناوة، البنت اليتيمة، وطلبت مرت الأبو – العمة – مهر لبناوتها بيب مالح ويونية بصل.
وردت البنت وسارت على سيف البحر وزكرت البياحة :
• بديحوه بديحوه، ويوم يتها البياحة علمتها وقالت :
• أنا خطبونيه ...

وكالت له البياحة :

• ما عليه يوم بيأديش ليلة العرس تعالي وزكري عليه.
وسارت الايام، وعندما حزت ليلة العرس، سارت البنت على سيف البحر وزكرت، ويتها البياحة وخذتها الغبة وطرت بطنها ومزرته. مشاخص وجناية.
وقالت لها يوم بيدخلونش على الريال، قولي بطنيه يعورنيه .. ويوم ببكول سيري الحمام قولي افرش لي معصمك.
ودخلوها ويوم قاللها سيري الحمام .. قالت : لا ... افرش لي معصمك، وعكت اللي في بطنها مشاخص وجناية جل الريال المشاخص ولجناية وغنته.
وسارت الايام، ويو الخطاب بيخطبون البنت الثانية، يتحسبون مثل اختها بتغني الريال، وطلبت الأم مهر لبنتها يونيه بصل وبيب مالح.
ويوم الدخلة قالت بطنيه يعورنيه، وفرش إلها معصمه، وعقت الأوساخ فطلقها وشرد، ويينا نحن عنهم، وهم تموا يالسين.

هذا هو نص الخروفة بلسان إحدى الراويات دون أي تحريف أو إضافة من جانبي، وكما هو واضح روت هذه الخروفة قصة اليتيم وان الله يحميه وينصره، ويفتح له أبواب رحمته، إذا ما اعتدى عليه أحد. وقد ورد في الخروفة قصة اليتيمة وزوجة أبيها (العمة). وكيف كانت معاملة زوجة الأب للبنت معاملة قاسية حيث تعرضها للضرب والحرمان ولكن الله تعالى سخر لها سمكة، وهي كما في الخروفة ليست سمكة بياحة عادية، وإنما (جنية) من الجن فنظير إطلاق السمكة في البحر قامت الجنية بمساعدة البنت حتى تزوجت. وإذا كانت الخروفة أخذت من السمكة أو الجنية رمزاً للوصول إلى الفكرة باسلوب جميل ومحبب فإن الهدف من ذلك خلق جو حالم وخيالي لتقريب الصورة من ذهن السامع. وهذا أحد أسباب انتشار الخراريف وجمالها وروعتها، واستمتاع الأولاد عند سماعهم لها، مما أضاف لهذه الخراريف مهمة أخرى وهي تربية ذوق الأولاد وتعويدهم على التركيز والخيال، واستيعاب الدروس والعبر منها. مثل حسن معاملة اليتيم، وعدم حرمانه من حقوقه. وأن الله في عون الضعيف، إلى جانب أننا لمسنا من هذه الخروفة أن الإنسان إذا عمل خيراً سيجده حيث سيعامله الناس معاملة طيبة، أما الشر فمصيره الخزي والخذلان والعواقب الوخيمة في الدنيا والآخرة، وهذا ما يمكن أن نستفيده من هذه الخروفة.





رد مع اقتباس
قديم 04-02-2010, 08:29 PM   رقم المشاركة : 4
الكاتب

أفاق : الاداره

مراقب

مراقب

أفاق : الاداره غير متواجد حالياً


الملف الشخصي









أفاق : الاداره غير متواجد حالياً


رد: التراث الشعبي هي الحصيلة الانسانية لكافة الشعوب


المادة :: الفصل الثالث - الأمثال الشعبية


الأمثال من أهم ألوان الأدب الشعبي عند العرب، وللأمثال في الأدب العربي سجل طويل، حيث اعتنى بها العرب وسجلوها في مصادرهم، ودونوها في مجلدات عديدة، وكانوا يروونها لأبنائهم وفي المجالس واثناء المساجلات والحوارات التي تدور بينهم.
والمثل مأخوذ من المثال وهو : قول سائر يشبه الثاني فيه بالأول، مثل قولهم (فلان أمثل من فلان) أي أشبه بما له من الفضل. والمثال القصاص لتشبيه حال المقتص منه بحال الأول.
وقد سميت الحكم القائم صدقها في العقول أمثالا، لأنها تثبت في العقول وتحفظ بسرعة لجمال صياغتها وحلاوة لحنها.
ولابد أن تتوافر في المثل أربعة شروط هي : إيجاز اللفظ، وإصابة المعنى، وحسن التشبيه، وجودة الكناية. فإذا توافرت في الكلام المرسل هذه الشروط يصبح مثلا. لأن المثل كما يقال نهاية البلاغة، حيث قال ابن المقفع (إذا جعل الكلام مثل كان أوضح للمنطق وأنقى للسمع، وأوسع لشعوب الحديث ...) أي ألطف للسمع وللترديد والحفظ.
وتوجد في الإمارات ومنطقة الخليج العربي الآلاف من الأمثال الشعبية التي يرويها عامة الناس ولا يحفظها إلا كبار السن والقليل من الرواة، وقد كانت الأمثال متداولة في مجتمع ما قبل النفط، أو المجتمع التقليدي القديم، ولا يزال الكثير منها متداولاً حتى اليوم. وتعتبر الأمثال إرثا حضاريا ورافدا مهما من روافد الأدب الشعبي. فهي تعبر عن تجارب إنسانية أو أحداث وقعت في زمن ما ثم أصبحت تلك الأحداث والوقائع أمثالاً تروى، أقوالا تردد، وقصصا تحكى. فمن هذه الأقوال ما تنطبق عليه شروط معينة مثل إيجاز المعنى وسلامة المنطق وقوة السبك ورصانته وتوفر التشبيه والكناية. وما توافرت فيها تلك الشروط تصبح أمثالا.
وقد نشأت الأمثال في دولة الإمارات وتطورت في مجتمع عاش فيه شعب المنطقة حياة مستقرة ومترابطة اجتماعيا وفكريا وثقافيا، مما ساعد على ظهور الأمثال ومختلف أنواع الأدب الشعبي. ورغم بساطة الأمثال إلا أنها تحمل في مضمونها إذا ما درسناها جيدا تجربة عميقة الجذور والمعنى. وتروى الأمثال الشعبية في الإمارات بعفوية وبلهجة عامية مسبوكة بلغة جميلة، وتتناول العديد من الجوانب الحياتية خيرها وشرها.
ومن الأمثال الشعبية الشائعة في الإمارات ما يلي :
(حلاوة الثوب رقعته منه وفيه) : ويضرب هذا المثل ليحث الناس على الترابط والتكافل الاجتماعي بين أفراد المجتمع. والثوب هنا رمز للانتماء والولاء للوطن، فمثلا كلما ارتبط المواطن بشكل مباشر ببيئته فانه سوف يعبر عن ذلك في مأكله وملبسه وفي زواجه من بنت البلد، وفي سلوكه وعاداته وثقافته وتصرفاته تجاه الآخرين.
(غالي والطلب رخيص) : يضرب هذا المثل على الصديق أو الصاحب أو الإنسان الذي له مكانة خاصة، فإذا ما طلب شيئاً فإن طلبه مجاب، لأن منزلته في القلب تجعل طلبه رخيصا وأحيانا يقول المثل (غالي والطلب همباه) وهو نفس المثل وإنما استبدلت كلمة (رخيص) في المثل الأول بكلمة (همباه) أي المنجا وهو ثمرة شجرة المانجو والذي يسمى في لهجتنا (همبا) أي رخص الطلب مهما كان غالي الثمن.
(خيرا تفعل شرا تلقا) : يضرب المثل على الإنسان الذي يعمل خيرا للآخرين كأن يساعدهم ويقدم لهم ما يحتاجون، وبدلا من أن يقابلوا الإحسان بالإحسان فإنهم يقابلون الإحسان بالسوء والنكران والجحود.
(لو كل من يا .. ونير ما تم في الوادي شير) : يضرب للتجربة في الحياة، فلكل إنسان مهنة أو عمل، ولا يستطيع الواحد ممارسة كل الأعمال، فالخباز أدرى بالخبز الذي يخبزه، والنجار خبير في صنعته ولا يتدخل أحد دون معرفة في شيء ليس له فيه شأن.
(خذ من جيبه وعايد به) : يضرب للإنسان الأناني الذي يأخذ من الناس ثم يقدم ما أخذه منهم لهم على شكل عطية، في حين أن هذه المال ليس ماله ولا حق له فيه.
(سار يدور فايده .. يته المصايب زايده) يضرب لسوء الحظ، فأحيانا قد يعمل الإنسان ويتعب لكي يحصل على فائدة أو رزق ولكن بدلا من ان ينال مبتغاه فإنه يخسر كل شيء وتضيع حقوقه.
(من عاشر القوم أربعين يوم صار منهم) : يضرب للتطبع بخصال الجماعة أو الاقران، فإذا خالط شخص ما جماعة معينة لمدة أربعين يوما، فإنه سوف يصبح منهم، حيث سيقلد تصرفاتهم ويتبع سلوكهم، فإذا كانوا أشرارا سيكون شريرا مثلهم وإذا كانوا خيرين فسوف يكون خيرا مثلهم.
(مب كل من عاب صبعه قصه) : يضرب للعلاقة بين الأصدقاء، فليس من هفوة أو كلمة تنهي الصداقات وتوصد الأبواب.
(سار يداويها وسعى في طبوبها) : يضرب لقلة الخبرة فبدلا من أن يعالج المرض أو يداوي العلة فانه يزيد في المرض ويفاقم المشكلة.
(عاصب راسه بلا وجع) : يضرب للإنسان الذي يتدخل في الأشياء دون أن تعنيه.
(لما شاب ختنوه) أو ( لما شاب ودوه الكتاب) : يضرب للتأخير في أداء الأعمال.
(من استرخص اللحمة خانته المرقة) : يضرب لسوء التدبير، وعدم المعرفة في معالجة الأمور فيقع الإنسان في أخطاء وخسران كبير.
(البيت بيتك بس المسيد ادفالك) : يضرب في عدم الكرم وإقفال الأبواب أمام الضيف.
(خذ علوم الدار من يهالها) : يضرب في جمع الأخبار السرية التي لا يمكن الحصول عليها إلا من (اليهال) الأطفال أو من الجهلة أي المغفلين من الناس.
(اشتر الزين واحفظ غوازيك) : يضرب في شراء الأشياء غالية الثمن لأن قيمتها فيها.
(يوم المخازن خارة الله يعين أهل العشيش) : يضرب في تشبيه الاحوال.
(الفرس من خيالها والحرمة من ريالها) : يضرب في مرجع الشيء أو مقوده.
(من طمع طبع) : يضرب في الطمع والجشع.
( من كثرة الرعيان ضاعت الغنم) : ويضرب في ضرورة توحيد القيادة وان تكون تحت إمرة واحد.
(إذا فات الفوت ما ينفع الصوت) : يضرب في الندم على فعل شيء فات.
(ديج ما كل فلفل) : يضرب في كثرة الكلام واللجلجة.
(السمكة تخيس من راسها) : يضرب في الفساد إذا استشرى في القمة فإنه سوف يفسد كل شيء.

وهناك أمثال تضرب في حب الوطن إذ يقول المثل (من زرع في غير بلاده لا له ولا لولاده) : وهو مثل واضح فالإنسان يتعب ويشقى ويحرث في بلده لأنه إذا زرع وعمل في بلد أجنبية فليس له مردود ولا لأولاده من بعده.
ومن الأمثال المتعلقة بالطباع أو السلوك (تموت الدياية وعينها في السبوس) أو (اربط لحمار عند لحصان يعلمه الصهيق أو النهيق).
ومن أمثال السخرية (الصوت صوت راعدة والحيل حيل ياعدة) : يضرب في ضعف القوة مع طول اللسان واللجلجة.


المادة :: الفصل الرابع - الألغاز الشعبية


الألغاز الشعبية :

الألغاز الشعبية نوع مهم من أنواع الأدب الشعبي تتناول موضوعات كثيرة وتصورها بطرق مبهمة حتى لا يستطيع السامع معرفتها دون تفكير عميق. لذا من أهم وظائف اللغز تنمية المهارة الفكرية. والألغاز معروفة عند العرب منذ قديم الزمان، وكان من أشهر المعاجم التي كتبت عن الألغاز معجم (الأعجاز في الاحاجي والالغاز) من تأليف أبي المعالي سعد الدين بن علي بن القاسم الوراق الحظيري البغدادي المتوفى سنة 568هـ / 1173 م.
واللغز كما يعرفه ابن وهب الكاتب المتوفى سنة 335 هـ / 947م هو (من ألغز اليربوع، ولغز إذا حفر لنفسه مستقيما، ثم أخذ يمنة ويسرة ليعمي بذلك على طالبه).
ومن أهم شروط اللغز الغموض والتناقض، أما الأحجية أو الحجا فهي الألغاز وكذلك تسمى الغطاوي لأن المفهوم فيها مغطى، والغطو جمعه غطاوي أو مخفي.
وقد تم تصنيف الألغاز عند العرب إلى تصنيف موضوعي تبعا لمحتواه ومضمونه، وتصنيف معجمي ألفبائي وهو مرتب حسب حروف المعجم، وهناك تصنيف بنائي حسب بناء اللغز أو معماره الفني، وهناك من يصنف الألغاز لغوية (تعليمية)، وألغاز أدبية، ولكن مهما اختلف المصنفون حول الألغاز إلا أنهم يجتمعون في تصنيفها حسب مضمون اللغز ومفهومه العام.

الألغاز في دولة الإمارات :

لم تجمع الألغاز في دولة الإمارات ولم تدرس بعد، وإنما تمت الإشارة إليها في بعض كتب الموروث الشعبي ومنذ سنوات عكفت على جمع عدد كبير من الألغاز الشعبية مستعيناً بطلاب المدارس والأصدقاء والعارفين فتوفرت لدي مجموعة كبيرة من الألغاز ستصدر في كتاب خاص بها مصنفة تصنيفاً موضوعياً أي حسب الموضوع.
الألغاز في الإمارات منها ألغاز عامة أو شعبية، وهي الألغاز التراثية التي تروى على لسان الرواة، وهناك ألغاز خاصة وهي تلك التي أبدعها الشعراء والأدباء. وقد تكونت الألغاز الشعبية في مجتمع الإمارات من ثلاثة روافد رئيسية هي رافد شعبي : وهو ما ابتكره شعب الإمارات من ألغاز في حياتهم الخاصة واحتكاكهم الدائم، وهناك رافد عربي : يشمل الألغاز المستمدة من الموروث العربي، وكتب التراث عند العرب، أما الرافد الثالث فهو رافد إنساني ويشمل ما دخل في أدب الألغاز من فنون هندية وفارسية وإفريقية وعالمية، وكان ذلك نتيجة الاحتكاك أثناء السفر والتجارة.
وللألغاز العديد من الفوائد، فهي تساعد على تنمية مهارة التفكير، وتمرن العقل على المعرفة والاتساع، وتسري عن الخاطر، وتعمق روح الابتكار والإبداع، وهي حصيلة ثقافية وأدبية مهمة جداً في حياتنا الخاصة والعامة لما لها من دور في نقل سلوكيات الأفراد وتدريبهم على الفهم والإدراك الواعي.
والألغاز الشعبية في الإمارات تعبر عن الكثير من التجارب الحياتية لشعب المنطقة، وهي بذلك مخزون لغوي إلى جانب كونها مخزوناً أدبياً ظهر منذ زمن طويل، وهذا اللون ظل متداولاً بين الناس، معبراً عن ثقافتهم الشعبية وتوجهاتهم الاجتماعية وحياتهم الخاصة.

من أنواع الألغاز الشعبية في الإمارات :

1. ألغاز في القرابة والنسب :

- عمتك خت أبوك خال ولدها شو ييلك؟
الجواب (أبوي)
- من هو الخال الوحيد لأولاد عمتك؟
الجواب (أبوي)
- جده أبو أبوك وعمه عم أخوك؟
الجواب (أخوي)
- أم أخوك وأخت خالك .. وزوجة أبوك شو تيلك؟
الجواب (أمي)

2. ألغاز في الحشرات والحيوانات والزواحف :

- طائر له أربع حروف، لحم والدماء وريش، يؤكل منه البعض والبعض ضده، ويحرق منه البعض وهو يعيش؟
الجواب (النحلة)
- حجر حجرجر، حجارة لا، رقبة طويلة زرافة لا، تبيض وتفقص دجاجة لا.
الجواب (السلحفاة) الحمسة.
- سلسلة من سلسلة في كل البلاد منزلة؟
الجواب (النمل).
- اسود ليل، ما هو بليل يحفر غار مثل الفار وما هو بفار؟
الجواب (اليعل).
- حمر حميران ريله خيزران يعبد ربه لكن ما يصوم رمضان؟
الجواب (الديك).

3. ألغاز الموجدات الطبيعية :

- طشت كبير وسح النفير وقالب جبن وخبزة خمير؟
الجواب (السماء والنجوم والقمر والشمس).
- طالعة من بيتها حاملة على ظهرها ماء لا هي ذكر ولا هي أنثى حشا ما مسها بشر؟
الجواب (السحاب).
- شو الفتاة اللي حسين لونها تسرح وتضوي منتهى ميدانها؟
الجواب (الشمس).
- شو الشي اللي يمر عليك وما تشوفه؟
الجواب (الهواء).

4. ألغاز في النار والدخان والرماد :

- شو الشي اللي تأكل ولا تشبع وإذا شربت ماتت؟
الجواب (النار).
- هم ثلاث إخوان واحد إذا أكل ما شبع والثاني إذا راح ما رجع والثالث إذا مات ما ينجمع؟
الجواب (النار والدخان والرماد).
- أم غابس لا تخلي خضر ولا يابس؟
الجواب (النار).

5. ألغاز في الخضروات والنباتات :

- بنات سعود لابسات وقاي خضر وعباي سود؟
الجواب (الباذنجان).
- طويل ودافن لحيته في الأرض؟
الجواب (البصل).
- بنت الهور، والهور راعيها، بنت الشحم واللحم، وعظام ما فيها؟
الجواب (الفقع) أو الكمأة.
- شجرة مشجرة، عروقها في المدرة، وخريفها مئة وعشرة؟
الجواب (الفلفل).
- نورة ولابسة ألف تنورة.
الجواب (الملفوف).

6. ألغاز في المنزل وأجزائه :

- شو الشي اللي يدخل البيت قبل راعيه؟
الجواب (المفتاح).
- شو الشي اللي تحرسه في النهار ويحرسك في الليل؟
الجواب (الباب).
- أبوه في البيت ولحيته في السكة؟
الجواب (المرزاب) أو المرزام.
- ما هو الشي في النهار يمتلي وفي الليل يختلي؟
الجواب (حبل الملابس).

7. ألغاز في أدوات الخياطة :

- ما هو الشيء الذي يسحب اسلاه ويدور في الحارة؟
الجواب (الإبرة).
- اسود خندس في النهار يطلع وفي الليل يندس؟
الجواب (البرقع).
- عريانة وتكسي الناس؟
الجواب (إبرة الخياطة).
- زربول ازربلنابه، وفي السيح تمشينا به؟
الجواب (الزربول).

8. ألغاز في الأدوات المنزلية :

- ثلاث خدام شايلين خادم والخادم شال عمته؟
الجواب (الطابي) أو المخبز.
- ما هو الشيء الذي ينتفض فوق أسلاه؟
الجواب (المنخل).
- ما هو الشيء عندما تأتيه أمه يبكي وعندما تذهب يسكت؟
الجواب (الرحى).
- شو الشي ابيض بطنه اسود ظهره، جدر يا ثور افهم يا بقرة؟
الجواب (القدر).

9. ألغاز في الملبوسات :

- يسارع بلا حظر، يجامع بلا ذكر، مسكنه الأطراف مساكن الأشراف؟
الجواب (الزراري أو الفصمة).
- أسود وريله وراه؟
الجواب (العقال).
- له أربع أصابع وإبهام وليس له كم ولا عظام؟
الجواب (القفازات).

10. ألغاز في أدوات الشرب والري :

- شو الفتاة اللي حسين شمها لكن ما تزهى بلا ولدانها؟
الجواب (دلة القهوة والفناجين).
- أربع بحابح، وكلب ينابح، وسويدة تقلب، وكشكوش واقف؟
الجواب (المنيور).
- تبكي وتسقي عيالها؟
الجواب (اليازرة، المنيور).

11. ألغاز في أدوات الكتابة :

- وساكن الرمس طعمه عند راسه إذا ذاق الطعم تكلما يقوم ويمشي صامتا متكلما ويرجع إلى الرمس الذي فيه قوما فلا هو حي يستحق كرامة ولا هو ميت يستحق الترحما؟
الجواب (القلم أثناء الكتابة).
- بسألك عن شي ميت يكلم حي؟
الجواب (الرسالة).
- له جلد ولكي ليس حيوان وله أوراق وليس نبات؟
الجواب (الكتاب).

12. ألغاز في الزمان :

- سدرة مستديرة، لها فنون كثيرة، وكل فن فيه عش، والعش فيه طيرة، وكل طيرة الله كاتب لها معاش؟
الجواب (الدنيا).
- شين وشين ووريقاته ثلاثين؟
الجواب (الشهر).
- شو الشي اللي به 12 فن وكل فن به ثلاثين ورقة؟
الجواب (السنة).

13. ألغاز في المناخ والدخان :

- شو الشي تغضب منه الماية وتضطرب منها الأشجار، وتنحني لها الأزهار، وتهرب منها السحب؟
الجواب (الريح).
- شو الشي انشوفه ولا نسمعه .... ونسمعه ولا نشوفه؟
الجواب (البرق والرعد).
- حرقص برقص جدام بيتنا وبيتكم يرقص؟
الجواب (الماء أثناء انهماره على مستنقع الماء).
- شيخ ولا له روح، وسخ على الجروح؟
الجواب (الدخان).

14. ألغاز في السفينة :

- جارية تجري كجري السحاب، في بطنها نسل وما مسها بعل، إذا شربت ماتت ومات نسلها، وإذا عطشت دامت ودام النسل؟
الجواب (السفينة وركابها).
- حامل ومحمول نصفه ناشف ونصفه مبلول؟
الجواب (السفينة في البحر).
- شو الفتاة اللي يزاغيها الصبا والعرق ينضح من تحت بيطانها؟
الجواب (السفينة أثناء حركتها في البحر).

15. ألغاز في المعتقدات :

- أول ما له ثاني؟
الجواب (الله).
- دال ودليل ومستدل وبيان؟
الجواب (الله ومحمد وجبريل والقرآن).
- ثلاثة ما لهم أب؟
الجواب (آدم وحواء والشيطان).
- مركب فرافير، طوله ثلاثين، يحكم الأمة والسلاطين؟
الجواب (شهر رمضان).

16. ألغاز الحسابية :

- خمسة وخمستين، وخمسة عشر مرتين؟
الجواب (45).
- بطة بين بطتين، وبطة وراها بطتين، وبطة أمامها بطتين. فكم بطة في هذا الموكب؟
الجواب (ثلاث بطات).
- شو الشي يوجد بين السما والارض؟
الجواب (حرف الواو).
- ما هو آخر الحياة؟
الجواب (حرف الهاء).
- ما هو الشي اللي يوجد في الشمال ولا يوجد في الجنوب، ويوجد في الشرق ولا يوجد في الغرب؟
الجواب (حرف الشين).

17. ألغاز المغالطات :

- بعد السبت لحد ايي؟
الجواب (بعد السبت الأحد).
- بادي وبنته، وبدوي وحرمته اقتسموا ثلاث خبزات فكيف يصير هذا؟
الجواب (بنت البادي زوجة البدوي).
- ما هو الجرح الذي ما ينزف دما؟
الجواب (جرح الشعور).
- ماء ليس من الأرض ولا من السماء؟
الجواب (دمع العين).


المادة :: الباب الثالث (العادات والتقاليد والمعتقدات والمعارف الشعبية)

مقدمة :

العادات عمل وأنماط سلوك يقوم بها الأشخاص، وهناك عادات حميدة وأخرى غير حميدة. فالعادات الحميدة هي أنماط السلوك والأفعال التي يقوم بها الأشخاص والتي تحقق رضى المجتمع الذي يعيشون فيه. أما العادات غير الحميدة فهي الأفعال وأنماط السلوك التي يقوم بها الأشخاص ولا يتحقق رضى المجتمع من جراء قيامهم بهذه الأفعال والسلوك مما يجعلهم في عداد الشاذين والمنحرفين.
لكل أمة من الأمم عادات وتقاليد تتحكم في سلوك أفرادها وتحدد لهم نوعية الأفعال الحميدة والأفعال القبيحة والشاذة حتى يستطيع المجتمع أن يحقق أكبر قدر من الاستقرار والأمن والرخاء، لذلك استحدثت القوانين وموادها لتتفق مع هذه العادات والتقاليد. ولو أتت هذه القوانين تخالف العادات والتقاليد بشكل كبير لأدى ذلك إلى تغير في حياة الأمم، ولقامت ثورات تنادي بالإصلاح، لذلك فإنه حتى القوانين السماوية أتت متقاربة لتلك العادات والتقاليد وفيها أيضاً الإصلاح نحو الأفضل.
وإذا كانت العادات والتقاليد أنماطاً من السلوك والأفعال فإن (الأعراف) هي أنماط سلوك تعد أرقى من العادات وأكثر اتساعا بحيث تشمل المعتقدات الروحية وهي عند علماء الاجتماع مجموعة من الأفكار والمفاهيم التي يمارس المجتمع عن طريقها سلطته العقائدية. والتقاليد هي أفعال ومعتقدات أي أنها تحوي الأعراف والعادات لأنها تجمع بين السلوكين معاً.
وقد أجمع بعض العلماء على أهمية ان تكون العادات متوارثة وعلى عموميتها وعلى قوتها الملزمة. وأوضح بعضهم ان السلوك يتحول إلى عادة عندما يثبت من خلال عدة أجيال، ويتوسع وينمو ومن ثم يكتسب سلطانا. وقد ألحق البعض صفة (الشعبية) بالعادة وفضل البعض صفة (اجتماعية) وأحياناً يكون الجمع بين الصفتين.
وقد أكد أول من قدم هذا المفهوم في عام 1906 ان العادات الشعبية هي قوى أساسية داخل المجتمع تنمو لا شعوريا، وتتقبلها الجماعة لا شعوريا، وهي تتضمن اتجاها معينا في التفكير والسلوك، فهي باختصار جزاءات أخلاقية. وقد أجمع الذين فضلوا مصطلح عادة اجتماعية على تعريفها باعتبارها سلوكا أو نمطا تعده الجماعة الاجتماعية صحيحا وطيبا، وذلك بسبب مطابقته للتراث الثقافي القائم. وتعتمد العادات الشعبية أساسا على تفاعل الجماعة أكثر من اعتمادها على المهارات والأداء الفردي. وعليه يمكن استخلاص أهم سمات العادات والتقاليد من التعريفات السابقة، كون العادة فعلا اجتماعياً وأنها متوارثة، وأنها ذات قوة معيارية، وهي وليدة ظروف المجتمع الذي تمارس فيه، بمعنى ارتباطها بالزمن وبموعد أو بمناسبة زمنية معينة كرمضان والعيدين مثلا. أو هي مرتبطة بمواقف أو أحداث معينة في حياة الفرد أو المجتمع كالميلاد والزواج .... الخ. وهذا الارتباط بزمان ومكان معينين هو الدليل على القيمة الوظيفية العالية التي تتمتع بها العادات في المجتمع. وتتخذ العادة أشكالا وصورا متعددة وقد اختط د. سيد حامد حريز التصنيف

التالي للعادات والتقاليد :

1- العادات والتقاليد التي تتصل بميلاد المواطن العربي.
2- العادات والتقاليد التي تتصل بنشأته.
3- العادات والتقاليد التي تتصل بختانه.
4- العادات والتقاليد التي تتصل بصباه.
5- العادات والتقاليد التي تتصل بمأكله.
6- العادات والتقاليد التي تتصل بمشربه.
7- العادات والتقاليد التي تتصل بمسكنه.
8- العادات والتقاليد التي تتصل بملبسه.
9- العادات والتقاليد التي تتصل بعمله.
10- العادات والتقاليد التي تتصل بأسفاره.
11- العادات والتقاليد التي تتصل بزواجه.
12- العادات والتقاليد التي تتصل برجولته.
13- العادات والتقاليد التي تتصل بكهولته.
14- العادات والتقاليد التي تتصل بشيخوخته.
15- العادات والتقاليد التي تتصل بوفاته.

أما تصنيف الإنسان العربي ومن حوله فهي كالتالي :

1- عادات وتقاليد تربط ما بين المواطن وعائلته.
2- عادات وتقاليد تربط ما بين المواطن وعشيرته.
3- عادات وتقاليد تربط ما بين المواطن وقبيلته.
4- عادات وتقاليد تربط ما بين المواطن وجيرانه.
5- عادات وتقاليد تربط ما بين المواطن وأقرانه في الدراسة.
6- عادات وتقاليد تربط ما بين المواطن وزملائه في العمل.
7- عادات وتقاليد تربط ما بين المواطن والقبائل المجاورة.
8- عادات وتقاليد تربط ما بين المواطن والأقطار المجاورة.
9- عادات وتقاليد تربط ما بين المواطن والعرب (من غير بلده).
10- عادات وتقاليد تربط ما بين المواطن وغير العرب (الأجانب).

أما تصنيف الإنسان العربي وما حوله فهي كالتالي :

1- العادات والتقاليد التي تتصل بدوره العام.
2- العادات والتقاليد التي تتصل بالحيوان.
3- العادات والتقاليد التي تتصل بالنبات.
4- العادات والتقاليد التي تتصل بالجمادات.

وتجدر الإشارة إلى ان الباحثين في مختلف العلوم المهتمة بالإنسان كعلم الاجتماع والميثولوجيا وعلم النفس والانثروبولوجيا والفولكلور وغيرها أدركوا أهمية العادات كميدان رئيسي للدراسة. وقد نتج عن ذلك كم كبير من الدراسات، حتى إنه يمكن القول إنه لا يوجد ميدان من ميادين التراث الشعبي – بعد الأدب الشعبي – حظي بمثل ما حظي به ميدان العادات الشعبية من العناية في الدراسات الفولكلورية والاجتماعية العديدة.

والعادات الشعبية هي دائما بنت شعب معين، ومعبرة عن شخصية ومنطقة معينة، وتراث تاريخي معين. ومجتمع الإمارات كغيره من المجتمعات تأخذ فيه العادات والتقاليد منهجا إلزاميا قسريا لا يستطيع الفرد التحلل منها، ويسير أفراد المجتمع وفقا لهذه العادات ويعتبر الخروج عنها عيبا أو منقصة، ولهذا سميت في الإمارات (بالسلوم) أي العادات والمسلّمات الواردة من السلف إلى الخلف. ويعرف عن ابناء الإمارات محافظتهم على عادات وتقاليد مجتمعهم الأصيلة والعريقة وحرصهم على صيانتها وضمان توريثها للأجيال القادمة. فعادات أهل الإمارات فيما يخص الزواج، والمجالس الشعبية، والتكافل الاجتماعي، وأصول الضيافة والزيارات، والزي الشعبي وغير ذلك من التقاليد الاجتماعية، لا تزال تراعى بشكل كبير، مستمدة قوتها وإلزامها من التراث الثقافي والاجتماعي والديني. كما ان عوامل بقاء هذه العادات والجهود الساعية لترسيخها باقية ودائمة بفضل الاهتمام الرسمي والخاص.


المادة :: الفصل الأول - عادات الميلاد


الميلاد

كان وما زال مجتمع دولة الإمارات وبخاصة في فترة ما قبل اكتشاف النفط يولي مسالة الإنجاب أهمية كبيرة تمثلا بقوله تعالى  المال والبنون زينة الحياة الدنيا . حيث يعتبر الإماراتيون ان الإنجاب نعمة من الله ينعم بها على عباده، ويعتبرون المرأة الولود امرأة مبروكة.

الداية (الولاّدة)

وهي الطبيبة الشعبية أو المرأة الخبيرة التي تقوم بالإشراف على حالات الولادة المنزلية وعلى مساعدة النساء أثناء عملية الوضع ومداواتهن بعد الولادة مستخدمة في عملها من الأدوية (الملح) و(حبة البركة) و(المسح) في حالات الولادة العسيرة التي يكون فيها وضع الجنين غير مستقيم في الأحشاء أو عجزت الحامل عن الولادة لضخامة حجم المولود. وتستخدم الداية (الدهان) في عمليات المسح على بطن الأم.

ومثلما كانت كل أم تحرص على أن تعد بناتها وتعلمهن ما تجيد من خدمات وحرف، كذلك كانت (الداية) تأتي معها ابنتها لحضور حالات الولادة والمساعدة وكسب الخبرة.

وبالرغم من ان اغلب الولادات كانت تتم منزليا، إلا أن رحلات الحل والترحال للعائلات البدوية وكذلك رحلات (الحضار) أي الرحلات صيفاً من المدن الساحلية إلى مناطق واحات النخيل، مثل هذه الرحلات والتي تستغرق أياماً طويلة وأسابيع، قد تشهد حالات الولادة، إذ ما ان تعتصر المرأة الحامل آلام المخاض حتى تطلب من الجمّال ان يمرح بالمطية. وعلى الفور تستدعي أقرب النساء إليها وعلى عجل يتم التحضير لها كي (تربي)، أي تضع وليدها، ويكون (الملح) و(الحبة الحمرة) معدة من قبل للاستعمال كدواء، وبعد ذلك ببضع ساعات تواصل القافلة رحلتها ومعها الضيف المولود.

وتروي الذاكرة الشعبية الكثير من حالات الولادة التي كانت تتم في مواقع عمل المرأة خاصة في البادية والارياف. إذ لا مبالغة في القول إن المرأة بالأمس لم تكن تخلق لنفسها المبررات لتتهرب أو تتخلى عن مسؤولياتها، بل كانت تعمل وبجهد بقدر ما لديها من القدرة والإمكانيات. ويذكر ان أكثر النساء في الماضي كن يحملن بمولود جديد كل سنتين مرة وعلى ذلك فإن بعضهن كن أمهات لـ 12-14 من الأولاد والبنات.

وتجدر الإشارة إلى ان الوليد القاصر الذي لم يتم شهوره التسعة في بطن أمه كان يتم حفظه من المؤثرات الجوية حيث لا يعرض للهواء. ولتحقيق ذلك يتم نصب خيمة داخل الغرفة هي عبارة عن عدة قطع من الحطب يلف حولها من كل الأطراف عدد من (المطارح) أي اللحاف السميك. وعلى الأم الدخول إليه لرضاعته كلما حان موعدها. ولا يخرج الرضيع من بين (المطارح) إلا بعد التيقن من مقدرته على مواجهة الحياة. وكان الاعتقاد بأن ابن السبعة شهور يعيش، اما ابن الثمانية شهور فإن حظه في البقاء على قيد الحياة أقل.

الرضاعة والعناية بالطفل

يعتبر (المنز) وهو المهد، المقر الأول للطفل الذي ينام فيه بعد حجر أمه. وكانوا يصنعونه من سعف النخيل (الجريد) أو الحطب، ومن الحبال التي تشكل الحواجز الطرفية لهذا السرير في شكل (مشربك) أي كشباك الصيد، أو يربط الحبل بالجريد من الأعلى ليتم تحريكه وهو معلق حتى يهدأ الطفل وينام. ويصب على القاع الخشبي (للمنز) كميات من الرمل وعليها لحاف بحيث يمكن استبداله إذا ما بال الطفل عليه. ويقوم بصنع منز الأطفال (الجلاليف) : وهم صناع السفن الخشبية. ويوضع الطفل في المنز بعد مرور سبعة أيام على ولادته وتتم رضاعته لمدة سنتين إلا إذا حملت الأم أو أنجبت طفلا آخر قبل تلك الفترة. وقد تستعين الأم بمرضعة. فإذا ما كانت إحداهن قد (ربت) أي وضعت لتوها – وخاصة حين يكون المولود (بكرها) الأول ولا يزال ثدياها يابسين لا يدران الحليب – فإنه سرعان ما يتم استدعاء صديقة لها أو جارتها أو إحدى معارفها لتقوم برضاعة وليدها أياما قلائل حتى يمتلئ ثدي الأم بالحليب. ولم تعرف الأمهات في الماضي مراضع أو حليبا صناعيا. وكانت الأم تبقى بجانب وليدها في البيت أسبوعاً على الأكثر بعد الوضع ثم تعاود ممارسة أنشطتها وأعمالها المعتادة في البيت وخارجه، وتحاول التوفيق بين مواعيد رضاعة ابنها والعمل الميداني خارج البيت بحيث تعود إليه للرضاعة في مواعيدها ثم ترجع لاستكمال عملها ... وهكذا.

لم تكن ظروف الحمل تعيق المرأة أو تؤخرها عن عملها وتأدية واجباتها الأسرية وغيرها، حتى ساعات المخاض المفاجئة التي قد تكون خلالها المرأة على رأسها عملها أو قد يفاجئها المخاض في المنزل ليلا فتستدعي (الداية) الولادة. وعلى الرغم من أن الحركة والتنقلات خير للمرأة الحامل من السكون، فإن ضغط العمل كثيرا ما كان يتسبب في الإضرار بها، إذ يتحرك الجنين أحياناً وينقلب وضعه في الرحم فيسد مواقع حساسة في داخل الجسم، أو يدق على الكبد وغير ذلك، مما تجعل الأم تصارع معه الآلام كثيرا حتى تفارق الحياة، وذلك إذا ما عجزت محاولات (الداية) عن استخراج الجنين المعترض بوضع غير صحيح في الجسم، وحين تتولى (الداية) معالجة أي من هذه الحالات فإنها تضع الأم الحامل فوق رجلها وتقوم بعمليات المسح والإجراءات الأخرى كالضرب من الأمام والخلف فيخرج الجنين معافى والأم سالمة.
وحسب روايات بعض الدايات فإن المولود الصبي ينكب على وجهه عند النزول من بطن الأم، أما البنت فإنها تسقط على ظهرها تتطلع لأمها.

ولا تفارق (الداية) المرأة المربية أي التي وضعت جنينها طوال نهار الولادة، حيث تكون في خدمتها ورعايتها وتشرف على راحتها وتقوم بعمليات تنظيفها وغسلها وإعداد مشروب (الرشوفة) وحبة الحمرة ووضع الحصى على بطنها و(تخدير) أي تنويم المولود في (المنز). وحينما تطمئن الداية على سلامة الأم وطفلها، وبعد ترتيب كل الأمور تتركها، ثم تزورها مرة أخرى بعد فترة قريبة للإشراف، وقد تتقاضى مقابل تلك الخدمات مئة روبية تقريبا.

ويجدر بنا التأكيد على ان درجة الوعي بالنظافة للمرأة الوالدة كانت عالية جداً. ولهذه العملية يستخدم (الملح) الموصوف بأنه (ام الولد)، و(الهمن) و(الياس) نوع من الأعشاب المطحونة ولها رائحة جيدة لغسيل الشعر. و(النار) و(البزار) وهو نوع من البهارات، والفلفل و(الكركم) وهو نوع من البهارات أصفر اللون، و(حرييف) و(بول البوش) أي بول الناقة ويستخدم خارجيا أي يوضع على التراب ويسخن ويوضع تحت ظهر المرأة. و(الحصاة) نوع من الحجر لتدفئة البطن، و(القرط) وهو نوع من الشجر تؤخذ أوراقه ويمتاز بطعمه المر، و(الطحين) و(الحريرورة) مشروب لتسخين البطن مكوناته الأساسية الحبة الحمراء والبيض والفلفل والدهن البلدي. وتشرب الأم (الحلبة) لتساعد على تنظيف البطن وتعويض الدم النازف. و(الحرمل) نوع من النباتات الشديدة المرارة. و(السح) أي التمر ويخلط مع الكركم والملح ويستخدم لتنظيف الرحم. و(الجلاب) طعام مكون من الطحين والزنجبيل والفلفل والقرفة والهيل و(الزنجبيل) نبات حار يشرب نقيعه. و(المعمولة) عبارة عن الياس، و(التركة صالح) ومجموعة من أدوية تخلط وتوضع في الشمس ثم تغسل لتنظيف مهبل المرأة. ويستخدم (قشر الرمان) كذلك مع الماء والملح للتنظيف.

وكان الحرص وكذلك الوعي الصحي بضرورة تنظيف المولودة أو المولود كبيرا واستحمامه بنفس بعض المواد المستخدمة لتنظيف الأم، كالملح والياس والنيل والمحلب والكركم والمر والحبة الحمراء والصبر والبضاعة وحل الحلو وحل حليل والتمر الهندي وبنت الذهب والطني والزبد والزعتر والطحين.

لقد كانت الأسرة الإماراتية تعتني بالطفل عناية فائقة وكانت تستخدم كل ما توفره البيئة من ادوية واعشاب وعطور لمعالجة الطفل. مثل التكحيل والتحريص ورسم الحاجب والتدليك والتحنيك أي تدليك اللثة بالعسل. وكلها عمليات تقوم بها الأم أو الداية أو أحد الأقارب لمساعدة الطفل وعلاجه وتنشئته تنشئة صحية جيدة مستخدمين أدوات ومواد مختلفة، ولم يصعب على الأسرة إيجاد العلاج لكل أشكال الأمراض التي يتعرض لها الرضيع.
وتجدر الإشارة إلى أنه بجانب الرضاعة الطبيعية فإن بعض الأمهات كن يسقين مواليدهن الرضع شيئاً من حليب الماعز والأبقار. ومن المأكولات التمر الذي يعجن للرضيع فيصبح ناعما ويسمى (تحنيك).

ملابس الاطفال وزينتهم

كانت ظاهرة الاعتماد الذاتي على إمكانيات وقدرات المرأة هي الشائعة في صناعة الملابس وخياطتها لأطفالها. فقد كان الام تستعد بنسج القماش وخياطته وتزيينه وتطييبه بأرق البخور والعطور، وكانت ملابس المواليد الرضع تسمى (السبابيح) أي الفساتين أو الجلاليب من نوع الأقمشة النيلي أو المريس، ويلف المولود بـ (القماط)، وهي قطعة من القماش. ويربط هذا القماط بخيط يسمى (التسعة). والكندورة من نوع السبوحة وهناك (الويل) نوع من القماش الخفيف.
و(العنقة) أي مجموعة من الأدوية تلف وتلبس للطفل من رقبته لتظل رائحته عطرة والمواد المستخدمة داخل العنقة هي الحلبة والمثيبة والسويدا (المعافاية) تطلق على السنوحة أو الكندورة وهي مفردة جديدة، أما (الخدار) فهو غطاء الطفل يحميه من الحشرات، و(الطوق) قماش مصنوع بشكل طوق صلب ليحافظ على استدارة الرأس، و(القحفية) أي القبعة، و(بكيرة) نوع من الملابس لحديثي الولادة التي تلبس له قبل الأربعين، و(الكلوتي) الطاقية وهي مفردة بنفس معنى القحفية، و(الكتاه) مفردة بنفس معنى الطوق لاستدارة الرأس، و(البته) نفس معنى الكندورة أو السبوحة، و(الكتافة) رباط لكتف الطفل، و(الكمة) بنفس معنى الطوق أو الكتافة.

هذه هي الملابس التي كانت مستخدمة للطفل الوليد أو الطفلة الوليدة في مجتمع قبل عصر الوفرة النفطية. وهذا التعدد في المفردات يقدم لنا دلالة حول اختلاف اللهجات الخاصة بالمجموعات الإثنية والثقافية التي كانت ولا تزال تعيش في مجتمع الإمارات.

وكان الكحل والدهان وأشكال العطور كدهن العود أهم ما يستخدم لزينة الطفل، ولم يكن يفرق بين الذكر والأنثى في اشكال الزينة إلا في القليل من الأدوات المشتركة مثل الكحل والحناء.
ويستخدم لزينة الملابس التطريز بالرسم و(الرزي) وهي خيوط مستخدمة بألوان متعددة لتطريز الملابس وبخاصة الكندورة أو السبوحة. وتعد حلاقة الشعر للذكر وللأنثى أحد أشكال الزينة، كما أن قدرة الأبوين أو العائلة هي التي تأتي بالذهب لعمل (الغواويش) و(المطول) لزينة الأطفال. وهذه تسميات لأنواع من الحلي.

أسرّة الأطفال

تتميز الاسرّة بالبساطة وقلة الخامات المستخدمة في صنعها، كما أنها كانت دائما قليلة التكاليف، وهناك أسماء عديدة تطلق على هذه الأسرّة أهمها (المنز) والكاروك والمطرح والشاطوحة وغيرها. وهذه الأسرّة أنواع فمنها النوع المستخدم في البيوت الحضرية وفي المناطق التي يميل أهلها للاستقرار فترة طويلة من العام في البيوت الشتوية، وهي أسرّة مصنوعة غالبا من الخشب، وتتميز جميعا بأنها خفيفة الوزن يمكن حملها بسهولة، وقابلة للتحريك حيث يمكن هزه فيسكت الطفل عندما يبكي. وكان البعض يطلق على هذا النوع (الشاطوحة)، والبعض الآخر يسميها (كاروك) أو (منز) وهو الاسم الشائع. أما النوع الثاني من اسرة الأطفال فهو المهد الذي تحمله الأم معها إلى أي مكان. فالزوجة التي تساعد زوجها في الأعمال الزراعية وهو أمر كان شائعا، كانت تحتاج إلى مهد خفيف الوزن تنقله معها أينما ذهبت، وبشكل لا يعيق حركتها، وقد يزود أحياناً بحبال خاصة من الجلد تعلقها الأم على كتفها، الأمر الذي يسهل عليها نقل الطفل وحمله بسهولة وبدون تعب. ويطلق على هذا النوع من الأسرة اسم (المزيب) حيث كان يشد بين شجرتين عند عمل الأم أو بين عمودين في بيت الشعر بالنسبة لأهل البادية. كما يشد بين عمودين في البيت الصيفي بالبراحة خلال إقامة الأهالي في المصيف خلال شهور الصيف.

وهناك نوع ثالث من أسرة الأطفال وهو أشهر الانواع ويطلق عليه اسم (المطرح) وكان يصنع من القطن وفي بعض الحالات كانت تصنع منه أنواع كبيرة لتستوعب أكثر من طفل عند النوم.
ويحاط سرير الطفل وخاصة (المنز) بـ (خدار) أي لحاف يصنع من القماش الخفيف صيفا للوقاية من البعوض والذباب، كما يصنع في الشتاء من القماش الثقيل حتى يقيه البرد، ويطيب سرير الطفل بلبان المستكة طيب الرائحة.
ومن الأدوات المستخدمة للطفل (القماط) وهو قطعة من القماش يلف بها الطفل، والفراش وهو أيضاً من القماش يوضع تحتها الرمل الناعم حتى تسحب الفضلات.

وهناك أمر مهم فطنت إليه الامهات قديما وهو صنع وسادة دائرية أشبه بالعقال لوضعها تحت رأس الطفل وهو مستلق على ظهره، حيث يكون الرأس لينا في الشهور الأولى للولادة ولهذا تصنع على شكل دائري مع تسطيح خفيف من الخلف وهذا هو سر جمال رؤوس ابناء المنطقة التي نجدها في معظم الأحوال مستطيلة بعض الشيء ويسمى صاحبها في هذا الوقت (بوطبر).

أغاني المهد وترقيص الأطفال

إذا كانت الأغاني الشعبية هي ذاكرة الأمم، لأنها مرآة صادقة لكل الظروف المعيشية التي تمر بها المجتمعات، فإن أغاني المهد ما زالت ترتبط فيها النفس بأوصال من الهوى القديم تحمل في طياتها أعباء السنين.
أغاني المهد وترقيص الأطفال، هي من الأغاني القديمة التي تغنيها الأمهات لتنويم الطفل أو مداعبته و(تنقيزه) أي تقفيزه، وهذه الأغاني تحمل معاني الحب والمودة، لا سيما وان الطفل كان يوضع قديماً في الأرجوحة، أو (المنز) والذي يعلق من جوانبه الأربعة حتى يسهل هزه إذا بكى الطفل.
وكانت المرأة قديما بطبيعتها البسيطة تردد أغاني تهدهد بها طفلها، وتعكس هذه الأغاني جزءاً مهما من تراث

المجتمع، ويتضح من معانيها طريقة تربية الطفل قديما وحياة الاسرة. ومن أغاني تنويم الطفل :

حبيتك حب المال
والأهل والغنـى
حب الضــــنى
مـا حال دونه دون
حبيتك حب يدعى الملح والسكر
ويدعى عسى عويداث الثمام قرون

حبيتك لو تحبني كثره جان
من كثرة بداك جنون
وحبيتك يا وليدي
حب داخلن مستداخل
ومغزر له ما تراه العيون

وهذه الأغنية معروفة لدى أغلب الأمهات فهن بطبيعة الفطرة وغريزة الأمومة فيهن يجعلن معاني الأغنية في قلوبهن حتى وإن لم يرددنها. وكثيرة هي الأغاني مثل (باهاوي عليك)، و(صباحك بألف مهرة)، و(صباحك صباحين).


المادة :: الفصل الثاني - التنشئة الاجتماعية


مقدمـة :

تهدف عملية التنشئة الاجتماعية إلى إدماج العناصر الاجتماعية في الشخصية، وربطها بالبناء الاجتماعي للمجتمع. وتقوم التنشئة الاجتماعية بوظيفتين، الاولى وظيفة ظاهرة وهي تدريب الطفل على أداء انماط معينة من السلوك يرضى عنها المجتمع، ويتخذها دعامة لسلوكه طوال الحياة. والثانية وظيفة باطنة تتمثل في ربط أعضاء المجتمع بالبناء الاجتماعي. كما تعمل على إعداد الفرد لأداء الأدوار الاجتماعية المختلفة التي يتطلبها منه المجتمع بعد ذلك والخروج من نطاق ذاتيته والاتجاه نحو الاستقلال وتحمل المسؤولية.
وتشمل عملية التنشئة الاجتماعية التنشئة القيمية والثقافية، والتنشئة المهنية والتعليم الرسمي أو شبه الرسمي الذي يوفره المجتمع لأفراده سواء كان تعليما تقليديا أو حديثا.
تبدأ عملية التنشئة الاجتماعية بالاسرة حيث ينشا الطفل ويترعرع فيها، وفي إطار الاسرة الممتدة يتحرك الطفل في وسط مجموعة أكبر تتعدد فيها الأعمار وتشمل اختلاف النوع، كما أن أفراد هذه المجموعة من إخوان وأخوات وأبناء عمومة وغيرهم تمثل وحدة قرابية واجتماعية مترابطة ومتجانسة. وفي وسط هذه الوحدة القرابية الكبرى يستفيد الطفل من تجارب من هم أكبر منه سناً من أبناء العم والخال، كما يحظى بالإرشاد والرقابة من الجد والجدة والأعمام والعمات والخالات وخلافهم أثناء غياب الأم أو الأب ولربما خلال وجودهما، ويجد الطفل نفسه في وسط مجتمع كبير تتوافر فيه فرصة اللعب والتسلية والتعلم والملاحظة والتقليد والتعود على أساليب السلوك وإنشاء العلاقات والروابط وتقوية روح التضامن.


المادة :: مراحل التنشئة الاولى

يحتفظ تراثنا الشعبي بمظاهر تتعلق بالفترة الأولى من حياة الإنسان، فإلى جانب أغاني (المنز) أي المهد التي تحمل في تضاعيفها اختصارات وصوراً وحكماً وإيقاعات من داخل الطبيعة المجتمعية نفسها، هنالك العديد من الأشكال التي تعبر عن عالم الطفولة في هذا المجتمع. ومن هذه الأشكال الألعاب الشعبية وهي عديدة ومتنوعة وتتدرج حسب السن وحسب النوع ذكرا أو أنثى، وترتبط بتقوية الجسد والروح معا وبتعزيز أهمية اللعب عند الطفل من جهة وأهمية ان يحمل نوعية هذا اللعب طفولة الطفل ونظرة المجتمع إلى الحياة من جهة أخرى.

والى جانب الألعاب هنالك القصص التي تروى للطفل من قبل الجد أو الجدة، الأب أو الام، الجار أو الجارة. هذا بجانب بعض الاحتفالات التي تعبر عن انتقال الطفل من مرحلة إلى أخرى (كالتومينة) عند ختم القرآن، أو الاحتفال (بالسبوع) و(الختان) وغيرها من الاشكال التي تدل على محبة المجتمع تجاه الطفل (كالعيدية) في الأعياد و(حق الله) في منتصف شعبان).


المادة :: التسنين والكلام


من أهم خبرات التنشئة، البدء في عملية تعليم الكلام والنطق للطفل من لحظة ولادته عندما يقوم أحد أفراد الاسرة بالأذان في أذنه اليمنى وإقامة الصلاة في أذنه اليسرى ويقومون بذكر اسم الله عز وجل. وبعد إكمال الشهر يردد الأهل أمامه (الله الله ولا إله إلا الله، محمد رسول الله، الله ربك، ومحمد نبيك، الإسلام دينك، والمؤمنون إخوانك، والصالحات أخواتك).
ثم تستمر عملية تعليم النطق، ففي الشهر الخامس يبدأ الاهل المناغاة بترديد (داغ .. اغ) أو (أعون لا إله إلا الله) ويبدأ الطفل في الابتسام والضحك، وكلما كبر ازداد فهما وبدأ يردد كلمات أكثر تركيبا ويبدأ في محادثة أخوته، وأولى كلماته عادة (الله، أبه، أمه، أمبوه للماء، ماما، دادا، وبح، أي بس) ويقال ان البنت أول ما تنطق بابا والولد ماما.
وتشير بعض الروايات إلى استخدام الأهل القهوة وخاصة أول فنجان من (الدلة) إذ يعتقد ان اول فنجان فيه (حبة الفهامة) ويقال أيضا ان القهوة (تلب الياهل) أي تجعل الطفل لبيبا.
وتعتبر مناسبة التسنين إحدى المناسبات المهمة وهي تبدأ في الشهر السادس. ولظهور الأسنان للطفل عادات وتقاليد ومعتقدات خاصة، حيث تستعد الأسرة لاستقبال (أسنان اللبن) مثلما يطلق عليها. ويصاب الطفل عادة بالحمى وارتفاع الحرارة والإسهال والترجيع وآلام الشديدة في الرأس وتورم في العينين وتسرع الأم لمعالجة هذه الاعراض باستخدام الأعشاب الطبية (كالمحلب) الذي يطحن ناعما ويوضع على رأس الطفل، وهي مادة باردة ذات رائحة طيبة، وكذلك يستخدم الملح مع الماء البارد ويوضع على رأس الطفل. كما تسارع الأم ايضا إلى وضع السمن على راحة كف الطفل ورجليه ورأسه ورقبته لعل ذلك يخفف الآلام .. الخ، وهناك ممارسات ومعتقدات كثيرة حول مرحلة التسنين تشمل استخدام التعاويذ والأدعية أي (حجاب) و (القامة).


المادة :: تعليم المشي


عندما يكمل الطفل سنة من عمره تبدأ أمه وإخوانه في تعليمه المشي، وقبل السنة يبدأ بالزحف على بطنه، ثم بعد ذلك يجلس ابتداء من الشهر الثامن أو التاسع حيث تضعه الأم على رجلها وتحركه للأمام وللخلف وهو جالس، ويطلق على هذه العملية (الهدهدة). ثم يبدأ اخوته أو الأم والأب بالإمساك بيده وهم يرددون (تاتا حبوه مشي). أي تاتا حبيب مشى ويحاول الإمساك (الدعن) أي جدار العريش المصنوع من سعف النخيل، وفي محاولاته تلك يسقط ويقوم إلى أن يتعلم المشي. وقد تستخدم لمساعدة الطفل عصا صغيرة ليتوكأ عليها لعدة أيام حتى يعتمد على نفسه. وقد استخدم الأهالي قديما (الجالوسية) وهي مصنوعة من الخشب وتركب لها أرجل ليستطيع الطفل تحريكها، مثلما استطاعت الأسرة بالنسبة لتعلم تنظيم التغوط صناعة القيصرية كأداة مساعدة.
وهناك طرق وأساليب أخرى لتعليم الطفل المشي كأن يوضع في (القفير) وهي سلة مصنوعة من الخوص ويطاف به على الجيران، وبعد ذلك يتشجع ويمشي، أو يذهب به إلى مكان ويترك إلى ان يحاول العودة بالمشي من الخوف.
ولم يغفل المجتمع حالة الطفل المعوق (الكسيح) الذي افتقد القدرة على المشي. فيوضع كذلك في (القفير) ويدار به حول منازل الحارة ويرددون عليه بعض الكلمات مثل (أعطوا كسيحنا شاه) فيلتفت إليه بعض الناس ويعطونه النقود أو بعض الخبز والتمر إلى ان يتعود الطفل الكسيح على المشي. ويعتقد الأهل ان القيام بهذه العملية لمدة 4-5 أيام يساعد الطفل المعوق على التخلص من إعاقته، ولتعلم المشي طقوس وعادات في مجتمع الإمارات فهي مناسبة لنثر (الفلوس) والمكسرات والحلويات على رأس الطفل وتجهيز الملابس الجديدة له مرددين (صلينا على النبي بك ... ما شاء الله أبوي عليك. وتغني الأم لطفلها لتدربه على المشي، وقديما كان الغناء ملازما للتنشئة بكل مراحلها فالأم تغني والجدة تردد الكلمات ذات الموسيقى الخاصة لتعلم الابناء النشاطات الجديدة في حياتهم، ومن الأبيات الغنائية التي كانت ترددها الأم عندما يبدأ الطفل في تعلم المشي ما يلي :

هتي هتي يا باباه هات الحبوة حق ماماه
تاه تاه حبوه مشى سابق أمه على العشا
زقروا له المطوع يتعشى

وهي محاولة لتشجيع الطفل على المشي بأن يسابق أمه على العشاء، وأن ينادي على المطوع ليتعشى معه، وهي فرحة كبرى. وهكذا تلعب الموسيقى والغناء دورا في التعلم والتهذيب وصقل شخصية الطفل وفي مثل هذه الأساليب التربوية من الآباء تجاه أبنائهم تقوية للعلاقة بينهم.


المادة :: تعلم المهارات الأولى


تجدر الإشارة هنا إلى مسؤولية الأم بجانب الأب عن تربية النشء، البنين والبنات على حد سواء حيث لا تفريق في المرحلة الاولى من الطفولة بين الجنسين. وفي مجتمع الإمارات ما قبل التغيير الكبير بعد الطفرة النفطية، كانت الأم كثيرا ما تقوم مقام الأب وتنوب عنه اثناء رحلات الغوص أو الاسفار الملاحية والتجارية التي كانت تفرق بين الاب وابنائه لفترات طويلة. وبشكل عام تلعب المرأة دورا كبيرا في عملية التنشئة القيمية خلال مرحلة الطفولة المبكرة، حيث غالبا ما يكون الأطفال داخل المنزل أو على مقربة منه.
خلال فترة الطفولة الاولى تشرع الاسرة في تعليم الطفل أو الطفلة البدايات الاولى للاعتماد على النفس مثل استخدام المرحاض والنظافة وطريقة الحديث وبعض القواعد البسيطة لآداب السلوك مثل احترام الكبير وتوضيح اختلاف النوع والأدوار بالنسبة للبنت والولد وبعض القيم الدينية والاجتماعية المهمة مثل الصدق والأمانة.
ويحتل التراث الديني مكانا مرموقاً في عملية التنشئة الاجتماعية. وبالنسبة لمجتمع عربي إسلامي مثل مجتمع الإمارات، فإن هذا التراث يتمحور أولاً حول القيم والمفاهيم الإسلامية المستمدة من القرآن الكريم والسنة الشريفة وسير الصحابة والتابعين والشخصيات الاسلامية الشهيرة والقيم الانسانية النبيلة كالصدق والعدل والامانة والعفة .. الخ. ويكون دور التراث الشعبي في التنشئة الاجتماعية من خلال بعض الانماط التراثية والمناشط الشعبية المتداولة في الاوساط الاجتماعية من الاجداد للآباء، ومن الآباء للأبناء كالأهازيج الشعبية والقصص الشعبية (الخراريف) والألعاب الشعبية، فضلا عما يصل الطفل بطرق مختلفة من التراث العربي المدون والذي يحكي عن سير ومنجزات الرسول والصحابة الأوائل.
احتفظ مجتمع الإمارات بتقاليد عريقة في التعامل مع الطفل حيث يحفل تراثنا الشعبي بخبرات في التعامل مع الولد والبنت في الصغر وتأهيلهما لمغامرة الحياة. وبرغم بعض الاختلافات البسيطة في أساليب وظروف التنشئة بين الساحل والبادية والجبل أو من بيت لآخر، إذا أن هناك جوانب أساسية مشتركة عمت المجتمع، فالطفل يربى على أسس الدين الإسلامي، ووفق الأعراف والعادات والتقاليد، ووفق وضعية القبيلة وبما حولها بيئيا وبمن حولها من القبائل الأخرى اجتماعيا، هذا إلى جانب أنه ومبكراً تسعى القبيلة أو (الفريج) إلى الحي إلى نقل خبراتها الإنتاجية إلى الطفل، وتمتد هذه الخبرات الإنتاجية من تربية الإبل إلى الصيد بالصقور في البادية، ومن توزيع الأفلاج إلى سف (الحابول) أي عملية التذرية عند المزارعين، ومن (القلافة) أي صناعة السفن إلى (الطواشة) أي تجارة اللؤلؤ إلى النواخذة عند البحارة أو غيرهم من سكان الساحل.
لم يكن الأبناء في مجتمع الأمس يعانون من الانفصال عن كبار السن خاصة حيث يأخذ كبير السن في اعتباره اهمية استقطاب الشاب إلى جلسته كي ينقل له خبراته ومعارفه ومشاعره. هكذا يسعى (الشايب) وكل في موقعه من شيخ أو فارس وحتى بائع الماء أو الراعي إلى اكتشاف أفراد جدد لتعلم (صنعة جديدة) ومن خلال نجاح هذا الاكتشاف أو فشله يبدأ الشاب في حصد خبرات الجيل السابق له، وذلك عندما يبدأ في اختيار زوجته المناسبة لعائلته وإمكانياته وظروفه، هذا إذا ما استثنينا امتلاء روح الشباب بالطموح وملاحقة الامجاد.
لقد كان الشباب مستوعبا في مجتمعه، وكان هذا المجتمع يدرك حساسية هذه السن والقلق الكبير الذي يعتري الشاب في فترة الاختيار رغم إمكانيات الاختيار المحدودة، لهذا فمن عادة مجتمعنا مسامحة الشاب على زلاته، متى ما كانت هذه الزلات طريقة للتعلم من الخطأ ووصولا إلى مكانة الرجولة عند الولد ومكانة الحرمة عند الفتاة.
وقد ابتكر المجتمع للشباب مجالات واسعة للتعبير عن حماسة الشباب في الحفاظ على نقاء قبيلته وعزتها وأمنها وحياتها. وإذا كان نقل الخبرات إلى الشباب أحد هذه المجالات، فإن مشاركتهم في القول والفعل الاجتماعي وضرب الأمثال العليا للاخلاق الحميدة كالشجاعة والكبرياء والثقة بالنفس والكرم للشباب عبر القدوة الحسنة قدوة الأب أو احد كبار القوم أو المطوع أو فارس القبيلة ودفع الشباب لتحقيق هذه الامثال عمليا، بل ومحاولة تحقيق أقصى ما يمكن ان يتحقق من هذه الأهداف المثالية، فهو مجال آخر.
ولعل الفروسية إحدى الوسائل التي يتبعها المجتمع ليضع شبابه على الطريق لتحقيق مثال الشجاعة، وفي جعل المثال واقعا وليس وهماً يورثه المثال للتكاسل بل نشاطا في الحياة يتحقق بالرغبة والتدريب والطموح والعمل. وهكذا يعد الرجل للحرب والعمل، أما المرأة فإنها تعد لتكون زوجة وأما. وهي في ظل الظروف التي تفرضها البيئة عليها مشاركة الرجل في شؤونه ومساعدته على صعاب الحياة. لهذا فإن الوظائف في المجتمع موزعة بين الرجل والمرأة دون ان تفقد المرأة ولو جزءاً من تمسكها بالشريعة الإسلامية أو بالأعراف البدوية.
والذاكرة الشعبية في مجتمع الإمارات تخصص الكثير من العادات والتقاليد لتلك الخبرات التي تنقلها الأم إلى ابنتها كي تعدها زوجة صالحة لرجلها، والاعداد لا يقتصر على الجانب المعيشي فحسب وإنما على الجانب الأنثوي ايضا المتعلق بأن تكون المرأة قادرة على ان تحقق لزوجها الإشباع الذي هو سنة الدين والعرف ولا غنى لجسد الإنسان عنه. والزواج أحد الطقوس الشعبية الفنية في المجتمع وهو غني بالعادات التي تسبقه والتي تكرس اختيار الرجل المناسب والمرأة المناسبة، وعندما يتم الاختيار تكون (الخطبة ثم – الملكة – أي عقد القران وبهذين المرحلتين اللتين تسبقان الدخلة يتحقق تعرف الرجل على المرأة والعكس، دون ان يخل ذلك بدين أو اخلاق وأعراف المجتمع.
بعد الزواج تصبح البنت التي كانت صبية في بيت أبيها زوجة ومن ثم تصبح اما وهي في كلتا الحالتين تستعيد نتائج ذلك الإعداد والتكوين الذي حاول أهلها نقل عاداتهم وأعرافهم خبرة إليها. وبقدر ما للزوجة من احترام وتقدير من قبل الرجل فإن الام وعلاقة الابن بها تعكس اسطع مظاهر عاداتنا وتقاليدنا في احترام وتقدير والدينا، هذا التقدير الذي ثبته الإسلام عبر آيات واضحة وأحاديث تجعل (جنة المؤمن) تحت أقدام الأمهات. وفي هذا السياق فإن الأم في تراثنا الشعبي سواء في غياب الاب أو حضوره مسؤولة عن البيت، بيت الرجل، عن عياله، وحلاله، وماله، فإلى جانب إدارة البيت من الداخل فإن دورها في تربية الابناء وفق ما يتطلبه المجتمع أو القبيلة من كل فرد أخلاقياً وعملياً لا مراء فيه.
وهكذا ومن البدء تنصرف الأم لتكوين ابنها لتحقيق النموذج البدوي للرجولة وابنتها لتكون (حرمة) محافظة على شرف أهلها وقبيلتها ومجتمعها كيفما كانت وأينما كانت.
وبقدر ما تكون الزوجة والأم محترمة داخل البيت فإن للرجل مكانة رب البيت (وشيخه) لهذا فإن احترامه واجب على الزوجة والأبناء على السواء، وهو من جانبه يسعى إلى إعاشة بيته عيشة راضية مع المحافظة على كرامته واسمه بين البيوت، وكذلك على عزة ومسؤولية قبيلته ومجتمعه. هذا إضافة إلى مشاركة الأم في العمل سوية لبناء التكوين النفسي والجسدي والاجتماعي للأبناء.
في المراحل المتقدمة من عملية التنشئة الاجتماعية للأولاد تبدأ الأسرة في ممارسة السلطة على الابناء ويبرز فيها دور الأب بأهمية أكبر من دور الأم التي تكون قد أدت الرسالة في سنوات الحضانة التي بدأت من الميلاد وحتى الخامسة أو السادسة من عمر الطفل أو الطفلة. وإذا أحسنت الأم التربية فقد قامت بنصف التربية، ففي مرحلة الطفولة المبكرة تتكون الأسس للصحة النفسية والعقلية والجسمية للطفل. في المرحلة التالية تتشكل الشخصية كذات مستقلة للطفل وتزداد خبراته، وتتاح له فرص الاستقلال والاعتماد على النفس والتفاعل مع الغير.
إن لرب العائلة السلطة المطلقة في تربية الصبية، فإذا قام أحدهم بأمر لا يليق فإن والده يوبخه وقلما يضربه وخاصة حين يصبح فوق العاشرة من العمر أو عندما يكون الأب كبيرا في السن ويحتاج في أعوامه المقبلة إلى من يعيله أو يساعده في شيخوخته.
وتخبرنا الذاكرة الشعبية عن ميل الأطفال إلى المشاركة في جلسات الكبار، حيث يتردد الصبية حين يكبرون على مجالس الرجال ويستمعون إلى أحاديث الكبار ويتعلمون آداب المجلس، ويقومون بواجبات الضيافة في مجلس والدهم ويكتسبون من الكبار المعارف والعلوم والعادات والتقاليد الأصيلة ليتأهلوا بها للحياة وللممارسة العملية التي تجعل منهم رجالا يعتمدون على أنفسهم في مجالات الحياة وقسوتها البيئية والمعيشية. وفي الوقت نفسه يكلف الأطفال ببعض الأمور المنزلية كالالتفات إلى الإبل أو الخيول وسقيها، ويتم تدريبهم في البادية الصحراوية والجبلية على الرماية. وهكذا تطبع البيئة الاجتماعية التي تعيش فيها أسرة الصبي خصائصها العامة عليه، كما تحرص الأسرة على توجيه الأولاد وإرشادهم ونقل ثقافة المجتمع لهم وغرس عادات وتقاليد الجماعة في نفوسهم حتى لا يتسبب الأبناء في ما يسيء للمجتمع. ولأن الحياة في الماضي كانت صعبة وقاسية وتحتاج إلى الخشونة والشجاعة والصبر وقوة التحمل فإن الاب قد يقسو على الأبناء أثناء تربيتهم وعلى الابناء الطاعة والتحمل.
وهكذا نجد ان الاسرة تقوم بمجموعة من الوظائف الجوهرية، وهي كلها وظائف اجتماعية، كما ان هناك تداخلا وتفاعلا مع أسس المجتمع ولكن نظرا لانعدام المؤسسات الرسمية التي تقوم بنقل التراث والثقافة والتعليم في المجتمعات التقليدية الصغيرة، لذلك تقع على الاسرة المسؤولية الكبرى سواء كانت اقتصادية أو ثقافية ... الخ.


رد مع اقتباس
قديم 04-02-2010, 08:57 PM   رقم المشاركة : 5
الكاتب

أفاق : الاداره

مراقب

مراقب

أفاق : الاداره غير متواجد حالياً


الملف الشخصي









أفاق : الاداره غير متواجد حالياً


رد: التراث الشعبي هي الحصيلة الانسانية لكافة الشعوب



المادة :: القيم التي يحاول المجتمع غرسها في الطفل

احترام الكبير :

أول شيء يتعلمه الابناء في سنواتهم الخمس الاولى هو احترام الأكبر منهم سنا، وخاصة كبار السن (الشياب) وكبيرات السن (العجائز)، ففي حضور الجد مثلا ينصب اهتمام الجميع نحو هذا الجد فلا يصح للصبي ان يلتصق بأبيه أو يكلمه أو يرد عليه الاب في حضور الجد، ولابد من تقدير هذا الكبير والاستحياء منه.

احترام الآباء :

إن احترام الابناء لوالدهم وأمهم تقليد وعادة راسخة في مجتمعنا مثلما كان الكبار في السن أي الجدات والأجداد يلقون احتراما خاصا يساعدهم على قضاء حياتهم على وتيرة العزة التي عاشوها خاصة وهم عند المشيب وقد ضعفوا جسديا وأحياناً ذهنيا. ويساعد احترام الكبير على ان يقدم لقبيلته ومجتمعه كل ما يملك من خبرة وحكمة ورأي سديد ومهارة، ويظل كذلك ما دام مستطيعا وتظل القبيلة وأبناؤها على احترام كبار السن في كل الظروف.
ولقد كان ولا يزال احترام الاب عادة مهمة من عادتنا الشعبية. وإذا كنا نشير إلى هذا الاحترام في الأسرة فإن اشخاصا آخرين في المجتمع يكون مقامهم كمقام الأب مثل اب القبيلة (شيخها) وأب العمل (صاحبه) يلقى هو الآخر احتراما لا يقل عن احترام الاب الاسري. كل ذلك عملا بالآية الكريمة هنا تبدأ من الاب وحتى شيخ القبيلةأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم أو الحاكم.

العقل :

وفي مجتمع الأمس وتراثه الشعبي كان العقل يعتمد كأساس مشترك لكل فرد من أفراده حيث منه يمكن تسوية الاختلافات ودمجها في الأساس (العاقل) للحياة.
والعقل هنا ليس دماغ الإنسان، وإنما هو الأسس الدينية والاجتماعية والأعراف والتقاليد التي بني عليها المجتمع القبلي والتي توزع بالتالي مكانته الاجتماعية سواء كانت هذه المكانة تنطلق من شيخ القبيلة إلى الرعية ام من الاب إلى الام إلى الولد. لهذا ارتبطت (الرجولة) أو (الحريمية) بالعقل. فيقال ان هذا رجل عاقل رزين (تكانة) و (النعم) متى ما امتثل إلى العقل المجتمعي ونهته الاخلاق عن النوازع التي تهدم تكوين الجماعة.
ومن هنا كان العقل الرزين لأهل البادية والحضر خلقا عاليا يحاول الجميع تحقيقه، إلا ان هذا العقل لم ينس أن هنالك في الحياة أهواء وعواطف ونزوات فابتكر عبر أشعاره العديد من القصص التي تعبر عن الهوى الجارف، ولدينا في تراثنا الشعبي قصائد عذبة تعبر عن الحب. هذا إلى جانب ان الهوى عند البدوي عالم آخر يستطيع ان يعبر من خلاله عن النواحي الغامضة في شخصيته.

الصبر :

يتعلم الطفل في البادية والحضر الصبر على العطش، والصبر على الجوع والأكل الخفيف، ويتعود الطفل آلا يأكل قبل الناس، وأن يجلس على المائدة آخر الناس، وأن يأكل مما هو موجود أمامه، وأن يقلل الوجبة في حال وجوده عند جماعة غير جماعته وألا يطلب الأكل من أمه أمام أحد.


الفروسية :

كان ركوب الجمل من الأساسيات في مجتمع الحضر والبادية فهو ضروري لتنقلهم، ولذلك يعلمون الطفل ركوب الإبل منذ الصغر، حتى إن الفتاة في البادية كانت تركب الجمل وتتعلم ركوبه منذ الصغر ليساعدها على أداء بعض مهامها وخاصة في غياب الرجل ويركب الطفل الصغير الجمل ويجري به ويسابق عليه في سباق الهجن. وإذا كان للاب فرس، تدرب الطفل على ركوبه وشجعه والده على ذلك، وإذا خاف الطفل الركوب أو السقوط، شجعه أبوه على أن يعيد الكرة ويحاول ان يطمئنه بأنه لن يصاب بمكروه.
كذلك يدرب الأطفال على فنون القتال والتنشين والصيد، ويدربون على اقتفاء الأثر كي يستطيعوا الوصول إلى المكان المراد وتتبع حيواناتهم إذا فقدت في البر، ولا بد أن يعرف الطفل الدروب ومسالكها دون ان يصل حتى في الليل، وذلك عن طريق النجوم.

الشجاعة :

يتعلم الطفل الشجاعة من والده، وذلك عن طريق خوض تجارب قد تكون قاسية، إلا أنها ضرورية لغرس هذه الصفة في الأبناء، كأن يطلب منه الذهاب ليلا لقضاء طلب، وإذا أبدى شعورا بالخوف فإنه يكون عرضة للسخرية والشتم والاستهزاء. ويحاول الاب في البادية ان يدرب أبناءه على المبيت خارج إقامتهم أي في البر، كما تحاول الام ان تصطحب ولدها معها عند ذهابها للرعي وعمره 4-6 سنوات وتدربه على الرعي، وهكذا يربى على قوة البأس والخشونة والصلابة فكلها صفات ضرورية ليواجه البيئة القاسية التي يعيش فيها، فالضعف والجبن والخوف وإظهار العواطف من الصفات المبنوذة في المجتمع سواء للفتى أو للفتاة.
كذلك يدرب الفتى على القتال وعلى استخدام الأسلحة، وكثيرا ما يتعمد الاب ان يطلق بندقيته في وجود أبنه، فإذا خاف الصغير وبخه وعاقبه حتى ينزع الخوف من قلبه، لان الحياة وخاصة البدوية كانت قاسية تفرض على أهلها قوة الاحتمال والقلب القوي الشجاع.

السمعة الطيبة والأخلاق الحميدة :

كانت ولا تزال حياة الإنسان سمعته، فإذا ما كان ذا سمعة طيبة يعتبر حياً ويعد صاحب السمعة السيئة ميتا. لذا كانت سيرة الأولين حسنة، فهم يتصفون بعزة النفس، لذا كانوا طموحين دائماً إلى السمعة الطيبة ويتنافسون عليها بتجنب الرذيلة، وعندما يسمعون عن متعاط للخمور والفساد يشتركون في مكافحته وليس الحاكم وحده. وكان الدنيء لا يستطيع الجلوس بينهم، والأجنبي إذا ما اتهم بتناول الخمور أو غيرها من أشكال الانحراف فإنه يجلد في ساحة عامة ثم يطرد من البلاد، وكذلك يؤدب المواطن المنحرف بالجلد والمحاربة والمقاطعة الاجتماعية مرة أو مرتين وثلاثاً فإذا عاد لأفعاله فإنه يطرد أيضا ويلجأ إلى إمارة أخرى، لذلك فإن سمعة الناس الحسنة كانت فوق كل اعتبار وقد قال المثل المنظوم شعراً :
(نفسي لوما حكرها ... إن كان عني عنت
عن القبيح أذكرها ... وانهاها لي عصت)

ان العناية الكبيرة من الآباء بأبنائهم كانت تتم بالرقابة المباشرة الملتزمة لتأدية الصلوات في مواعيدها واصطحابهم إلى المساجد والمجالس ثم الانتباه الحريص لسلوكهم وتنقلاتهم، وافعالهم خارج البيت، وكان لزاماً على الطفل أو الصبي العودة إلى البيت مع صلاة المغرب. ويكون النوم غالباً بعد صلاة العشاء حيث لابد من الاستيقاظ المبكر لصلاة الفجر ومن ثم التوجه إلى (المطوع) وهو رجل الدين – وهو عالم أيضا – للدراسة في الكتاتيب التي كانت تقوم مقام المدارس.
وعلى المستوى الأسري والاجتماعي، لم يعرف الماضي عوامل وظواهر ومؤثرات للانحراف، بل إن كل المعطيات والعادات والتقاليد كانت تجرى بطريقة فطرية وتلقائية، أو بإصرار موجه على تشكيل الشخصية المحلية الوطنية المنتجة والملتزمة. ويظل الطفل منذ طفولته يتوارث تلك العادات والتقاليد والأعراف والمفاهيم والمعتقدات والفنون والمعارف والمهارات والخبرات المهنية والصناعية.

المادة :: ابناء الشيوخ

كان بيت شيخ القبيلة ولا يزال يعد ويهيئ الابناء لمشيخة القبيلة. فالشيخ يشرك ابنه في مجلسه، ويدفعه إلى تعلم الفروسية والمنازلة، ويحيله إلى الشعراء ورواة الاشعار والامثال والحكم ليكتسب الحكمة والبصيرة، ويدفعه إلى معرفة مشاكل القبيلة ليقترب منها ومن ناسها، ويقحمه في خبرة الرحلة وفي مغامراتها ليكسبه قوة التحمل والصبر على الشدائد، فيما يحدث في بيت الشيخ وعلى نطاق القيادة والرئاسة، يحدث في البيوت الأخرى، وكل حسب اختصاصه.


المادة :: أبناء النواخذة والطواشين

بينما يكون ملاحو السفينة من الغواصين والسيوب والجلاليس والفلاليج وغيرهم منتشرين على أطراف ظهر السفينة ومنهمكين في (فلج المحار) أي فتحة واستخراج اللؤلؤ من باطنه، تكون هناك عيون بريئة لأطفال صغار تراقب الأيدي المنشغلة خشية ان تنحرف أو تتكاسل في أي لحظة. وعلى رأس أولئك الصبية المراقبين كان يجول في عرض السفينة وطولها طفل شامخ الرأس ذو هيبة ومكانة واحترام بين الكبار والصغار، وبينما كان نهار الجميع يبدأ وينتهي بأعمال شاقة مكثفة ومضنية وبعطاء كبير وأخذ قليل، كان هذا (الولد) ينام متى ما شعر بالنعاس ويستيقظ متى شاء، يأكل متى اشتهى، ويجلس ويقوم ويصمت ويتحدث كيفما ومتى رغب. إنه باختصار يتمتع بحرية تامة ويحظى بمكانة رفيعة، ليس هذا فحسب بل إن له كذلك نصيباً من محصول رحلة الغوص يتمثل في نوع من اللؤلؤ يسمونه (نقف) أو (خشرة)، فيجمع أكبر كمية منها ثم يأخذها بعد العودة إلى البلاد ليبيعها لحسابه الخاص في أسواق الطواشة المحلية، إنه (ولد النوخذة) أي ابن ربان السفينة. ولا يكلف بأي عمل إلزامي ولكن والده يحرص على تدريبه وإعداده.
ويتمثل هذا الإعداد في أن النوخذة يعطي ولده بعض اللؤلؤ لينظفه ويزنه، ومن خلال ذلك يتعلم بنفسه، وتكون عملية التدريب في هذا المجال على اللؤلؤ من نوع (المجهولة) التي تغطيها قشور سميكة بحاجة إلى إزالة، وبدوره يقوم الاب أو العم يتعريف الابن المتدرب كيفية عملية الإزالة، وبعد ممارسات عدة يبرع الابن في العملية بهمة الشباب وشغفه لتعلم هذه الصنعة، فيصبح عميلا من الدرجة الأولى، والعميل هو صنعة من يعمل في هذا المجال، الأمر الذي يؤهله لمساعدة أهله بكفاءة وجدارة. وقد يشترك مع تاجر آخر يخصص له ربع الدخل وله ثلاثة أرباع ثم يصبح شريكا مع بالنصف إلى ان يخوض عالم بيع وتجارة اللؤلؤ بنفسه.
لقد كان مثل هذا الولد يشب رجلا في سنوات قليلة، يجيد التحدث بطلاقة، والتعامل مع الناس بحنكة ودهاء وأخلاق، ويتمكن من الاعتماد على نفسه ويكون أهلا للاعتماد عليه.

المادة :: أبناء الغواصين

إنـي أنـا الغــــواص
اغوص جوف البحر
اسـتخــرج الـلآلـــي
فــي مــده والجــــزر
واركـــب الأخــطـــار
وافـدي بوالـي الأمـــر

هتافات جماعية وحماسية كانت ترن باعتزاز وافتخار في اذن المدينة الساحلية صباح كل يوم مدرسي جديد وبأنفاس وأصوات جماعية مشتركة لطلبة بعض أولى تلك المدارس شبه النظامية التي عرفتها الإمارات في النصف الأول من القرن العشرين. وبينما كان الآباء يخوضون غمار البحر للغوص أو الاسفار الخارجية البعيدة أو رحلات الصيد اليومية لضمان الرزق الحلال من الأعماق والآفاق، كان الأطفال أبناء الغواصين والنواخذة والملاحين وغيرهم، يجسدون الصورة في الهتافات الجماعية في نشيد مدرسي شهير، معبرين عن فخرهم واعتزازهم ببطولات الآباء في كفاحهم ضد أهوال البحر ومخاطره، وتحديهم لكل الظروف، وانتزاع اللؤلؤ الطبيعي الثمين من جوفه. وبنفس القدر من جدية الآباء وحماسهم واجتهادهم، وبدرجة أكبر من الاستعداد والاعتزاز، كان الأبناء يتغنون بفرص الدراسة وتلقي العلم التي حرم منها الآباء اللهم إلا ختم القرآن، وفقه العبادات البسيطة.
وفي مجال الألعاب الشعبية نجد ان إحدى أكثر الظواهر إثارة في حياة طفولة تلك الأيام هي اهتمامهم بصناعة القوارب الشراعية الصغيرة على اختلاف اشكالها وأسمائها وأحجامها وألوانها مستخدمين في ذلك قطع الصفائح المعدنية أو (كرب) النخيل، وغير ذلك من المواد التي توفرها البيئة. وبتلك الألعاب كان الأطفال ينتشرون على سواحل البحر في جماعات في كل الإمارات وخاصة في فصل الصيف، يتسابقون فيما بينهم وينظمون فنونا من الألعاب والعلاقات التقليدية بالبحر، وذلك من وحي ممارسات آبائهم العملية الاحترافية حتى يحين عمر مشاركتهم الرسمية في الرحلات البحرية ومن ثم الاحتراف. لقد كانت السنوات من بعد الخمس هي العمر القانوني عرفيا لإرسال الأبناء إلى مدرسة العمل، حيث يشد الطفل عدته التي تجهزها له أمه ويودعها مغتسلا بدموع حسرتها واستسلامها وحبها ليقفز إلى (سنبوك) الغوص أي سفينة الغوص، ويبحر برفقة آبائه وإخوته في رحلات البحث عن اللؤلؤ في أعماق الخليج، بل عن الرزق الحلال، وهي الرحلات التي استمرت حتى الخمسينيات من القرن العشرين تقريبا. وكان الشوق والشغف واللهفة تغمر نفوس الأطفال من اجل مرافقة آبائهم إلى المغاصات لإشباع حب الاستطلاع والتنافس والسفر والبحر، وكان الولد منهم يبكي ويتوسل إلى والده لاصطحابه معه.
ولأن الآباء كانوا يعاملون الأبناء بما يشعرهم برجولتهم في ذلك العمر، فإن مشاركتهم في رحلات الغوص لم تكن تدريبا فقط بل كانت عملا. فقد كانوا (جلاليس) جمع (جلاس) أي الجالس ومهمتهم (الفلج) أي فتح المحار طوال النهار على ظهر السفينة واستخراج اللؤلؤ منه. فمنذ الصباح الباكر وحتى غروب الشمس كان الغواصون يجمعون المحار التي تجمع كمياته في المساء في مؤخرة السفينة لينهض (الجلاليس) الصغار في الصباح الباكر ويمسكون (بالمفالج) جمع (مفلجة) أي مفلقة، ليفلقوا المحار ويستخرجوا من داخله اللؤلؤ، وهكذا كل يوم وعلى المركب الواحد كان هناك مجموعة من (الجلاليس) يزيد عددهم وينقص حسب حجم العمل.
و(للجلاليس) من الصبيان ربع الحاصلة، والكبار منهم (نص) حاصلة، أما (التبابون) جمع تباب منهم فهم الصغار الذين يكتفون بالتعرف والاستطلاع على ظروف العمل في البحر، وكثيراً ما كان هؤلاء يعبثون بين كميات (المحار) التي تم (فلجها) للحصول على محارة منسية لم تفلج بعد. وليس (للتباب) أخذ أو عطاء.
وببلوغهم السن العرفي كان الصبيان ملزمين بالخروج في كل رحلة غوص وفي مختلف المواسم والمراحل والمدد الطويلة منها والقصيرة، والمتفاوتة بين ثلاثة أشهر للغوص الكبير وشهر واحد (لغوص الردة)، وأقل (لغوص الرديدة) وهناك غوص (الفحة) القريب من الساحل.
وحين يبلغ الولد العاشرة أو الثانية عشرة من العمر فإنه يخير بين تخصصين إما (غيص) أي غواص أو (سيب) أي مساعد للغواص الذي يمسك بيده الحبل ليسحب الغواص لكن الغالبية كانوا يختارون مهنة الغيص لكونها أكثر حرية وشجاعة، وأكثر نصيبا في توزيع الدخل، وأكثر اعتباراً وتقديرا في المجتمع، بعكس السيب المجبر على الجلوس في مكان واحد وبيده حبل (الغواص) فإن دخله المالي أقل. وقبل ان يصبح العضو الجديد (غواصا) يسمى (المطري) حيث يمر بمرحلة إعداد وتدريب حيث يؤتى له (بحصى) ثقيلة الوزن وتخرم ثم تربط برجله، ويطلب منه التنفس العميق ثم يقفز إلى البحر لتسحبه (الحصاة) إلى القاع وإذا ما انسدت أذناه نتيجة الضغط فإنه يفك رباط الحصاة ويخرج إلى السطح. وما إن يصعد إلى السفينة حتى يصفق له الجماعة ويقال له : (خلاص انت الحين وصلت)، وذلك كتشجيع، ثم ينزل مرة ثانية وثالثة ورابعة، حتى يتمكن من الوصول إلى القاع ليأتي بمحارة وهكذا إلى ان يتعلم ويتمكن، ليكون حاله من حال الجماعة (الغاصة) أي الغواصين.
وهكذا كان اصطحاب الصغار في رحلات الغوص مع آبائهم أمرا شائعا لا بد منه من اجل إعداد الطفل للعمل المبكر والتعود على حياة البحر وظروفها وتقلباتها، ذلك ان ركوب البحر والعمل فيه في السنوات اللاحقة من العمر أمر في غاية الصعوبة كما كان يحدث مع بعض من شباب البادية غير المتدربين من الصغر وكانوا يعدونهم للعمل (كسيوب) ولكن الواحد منهم يبقى عاجزاً عن الوقوف والمشي على ظهر السفينة إذ سرعان ما يتعرض للصداع و(الهدم) أي الإغماء.
ولما كانت هناك أعداد غفيرة من العائلات الساحلية ترحل في شهور صيف كل عام إلى الواحات الزراعية للاصطياف بين النخيل وعيون المياه العذبة وبيوت السعف والطقس المنعش، فإنه في خضم تلك الرحلات تقوى الروابط والعلاقات التفاعلات الحميمة بين ابناء المدن الساحلية وابناء المناطق الزراعية والبدوية. وتتجلى تلك الروابط اصدق ما يكون في الألعاب المرتبطة والنابعة من البيئة البدوية والزراعية أو القروية التي يتعلمها أبناء السواحل والتي كانت تتمثل في صناعة نماذج صغيرة للإبل من مشتقات النخيل، واللعب بها من وحي ملاحظاتهم ومشاهداتهم للآباء من أبناء البادية في حلهم وترحالهم، ليس هذا فحسب، بل إن فرقاً من الأطفال كانت تتسلى بألعاب المبارزات الحربية، والرقصات المعبرة عنها فيما بينهم متأثرين بما غرسته الظاهرة الاجتماعية في نفوسهم تماما كترديدهم جماعات أو فرادى أبياتاً وأناشيد وأقوالا وأمثالا مأثورة لا فرق بين ابن الساحل وابن البادية وأبناء القرى الزراعية.
وبالإضافة إلى تلك الظواهر والنماذج من ألعاب الأطفال، فإن الفتيات الصغيرات كن يقلدن في ألعابهن أمهاتهن في الاستعدادات والعادات المتبعة في المنزل لاستقبال الضيوف مثلا، وذلك بصنع قدور من الطين وتعاونهن على الطبخ وإعداد موائد عامرة معبرة عن الكرم إلى آخر تلك الإجراءات التقليدية لأمهاتهن.
وإذا كان تحفيظ القرآن الكريم عند (المطاوعة) في حلقات الكتاتيب ظاهرة حتمية متوارثة وإلزامية في حياة أولاد وبنات تلك الزمان، فإن ثمة فرصة إيجابية مهمة كانت قد تجلت إتاحتها في بداية القرن العشرين وخلال سنوات النصف الأول منه وتمثلت في بعض تلك المدارس شبه النظامية التي اخذت تستقطب عددا كبيرا من أبناء المدن الساحلية في الإمارات لتعلم القراءة والكتابة والإملاء والحساب والفقه.

المادة :: أبناء الصيادين

لابناء صيادي الأسماك دورات تدريبية ومهام تربطهم بالبحر والحرفة، فإذا كان الأب صاحب مركب الصيد فإنه يصطحب ابنه في رحلاته التي تبدأ فجر كل يوم وتنتهي عند الغروب، ولم يكن للأطفال في سن الخامسة والسنوات اللاحقة من عمر الطفولة مهمة غير الاستطلاع والتأمل والاستكشاف على ظهر قارب الصيد. ولكن ما إن تدر (الألياخ) أي شباك الصيد حصيلة من أسماك (العوم) – وهو (السردين) – الصغيرة فإنه سرعان ما يدور شراع المركب بواسطة (المراوح) ليصل إلى الساحل البري، حيث تنشر الأسماك على الرمال تحت لهيبة أشعة الشمس للتجفيف. وهنا تبدأ مهام الأولاد الذين يمكثون بجانبها تحت ذلك اللهيب الحارق للحراسة فقط. فمنذ صباح كل يوم وحتى غروب شمس النهار تتم حراسة (العوم) من الطيور البحرية التي ترى فيها غذاء سهل الالتهام. لكنهم وقد استوعبوا تلك الجاذبية من أسماك العوم للطيور فإنهم ينصبون لها (القفاطات) واحدتها (قفاطة). أي الفخ، حيث توضع فيها كمية من (العوم) طعما للطيور التي سرعان ما كانت تسقط أسيرة في الفخ. ولم يكن يمر يوم واحد دون أن يأسر الطفل منهم عشرة أو خمسة عشر طيرا يحملها معه في آخر النهار إلى البيت ليباع الطير الواحد (ببيزتين) وهي العملة التي كانت متداولة في بعض السنوات ومنها (بيزة برغش)، كما كان الأطفال يشوون السمك ويأكلونه مع الخبز والتمر وهم في مهام حراسة كميات (العوم) التي تعد للتصدير. وخلال اليوم يقضون الوقت في لعب (الكبة) أي الكرة، والسباحة في البحر، إذا كان عدد الأولاد الحراس كبيرا، حيث جرت العادة ألا يقل عددهم عن ثلاثة على ظهر كل مركب صيد. وبعد أن يكبر ابن الصياد ويبلغ فوق العاشرة وحتى الخامسة عشرة من عمره فإنه يتولى مسؤولية إدارة (محمل) الصيد أي سفينة الصيد عن والده (كنوخذة) أي ربان، كما يشارك أيضا في رحلات الغوص على اللؤلؤ.

المادة :: أبناء الأرياف الزراعية والجبال

ضمن فعاليات دورة الحياة اليومية في المناطق والواحات الزراعية ينتشر الاولاد خاصة أولئك الذين أنهوا تعليم القرآن لدى المطاوعة، ليشتركوا مع آبائهم في تفقد أحوال الزرع من نخيل وذرة و(غليون) أي التبغ تجهز لفترات الحصاد التي تعني لهم تتويج الجهد والتعب والكد المتواصل لجميع أفراد الأسرة من تنظيف وسقي وتلقيح ورعاية لأشجار النخيل قبل بدء الموسم ومن حرث وبذر ومتابعة للذرة والغليون التي تعتمد في الري على الأمطار وجريان المياه في الأدوية في مواسم معينة من السنة. وهناك أيضا اشتراك الأبناء مع آبائهم في رحلات القنص بالبنادق لصيد الظباء والوعول والغزلان وبعض أنواع الطيور المستقرة أو المهاجرة. ولما كانت أشهر الشتاء تشهد القنص وهجرة الطيور من الشمال (إيران وتركيا وأطراف روسيا) إلى مناطق الإمارات وغيرها بحثاً عن الدفء فإن الأبناء قد يشاركون آباءهم في هذه الرحلات وفي تدريب الصقور والصيد بها. ويكون التدريب بربط الطير على (المنقلة) أي القاعدة التي يقف عليها الطائر وإطعامه والنداء باسم معين لتعويده على الاصوات حتى يستأنس الجو الجديد، وذلك لعدة أيام، ثم يبدأ يدربه (بالتلواح) وهو جناح حبارى مربوط بخيط، حيث (يوارش) بها الصقر أي يلوح له بجناح الحبارى أو الحمامة ليأتي عليها ويكرر ذلك وهو مربوط. وبعد ذلك بالتدريج يبعد التلواح عنه مسافة أبعد ويطول الخيط المربوط به الصقر ويكرر هذا ايضا ثم يترك في منطقة بها قنص، وذلك بعد الوثوق من إتمام تدريبه، وبهذا يكون قد تم تعليمه على الصيد. على ان يكون الطائر القانص من مختلف الانواع جائعاً قبل القنص أو أثناء التدريب. وكانت ولا تزال رياضة الصيد بالصقور مشهورة بين أبناء الحضر والبادية في الموسم.
إن أبناء المزارعين في الأرياف والجبال والواحات هم أطفال مهرة كآبائهم في تتبع خلايا النحل وجني العسل، وكذلك في الاعتناء بالابل والرعي والحطابة والتعامل مع مياه الأودية والأفلاج والينابيع وصخور الجبال ونمورها وذئابها وحيواناتها المفترسة.
ويشارك الاولاد والبنات آباءهم وأمهاتهم والأسر الزراعية الأخرى في عمليات (الفزعة) أي التعامل الجماعي على حصاد المحاصيل الزراعية وخاصة الذرة والبر أي (القمح) والغليون (التبغ) والتي تتم بالتناوب ولمدة يومين أو ثلاثة أيام في كل مزرعة، ومن مظاهر التعاون الجماعي التي يشترك فيها الرجال والنساء والأطفال هي مكافحة غزوات الجراد أو إبعاده في مواسم زحفه الجماعي الذي كثيراً ما كان يهدد ثرواتهم الزراعية.
ما بين الثامنة إلى العاشرة من عمره يكون الابن ملزما شأنه شأن غيره من أبناء المناطق الزراعية بتولي (المكدة) أي العمل وطلب الرزق عن والده ويمتطي (الكداد) من (الكد) حمار أبيه وينضم إلى قافلة الجمال والحمير المحملة بالمنتجات الزراعية الموسمية والعسل والسمن والمنتجات الحيوانية. وتنطلق القافلة فجرا في رحلة البحث عن الزرق الحلال والتي قد تمتد إلى أكثر من أسبوع لتصل أسواق المدن الساحلية المعروفة (بالعرصة)، وتقطع القافلة في رحلتها الشاقة المطولة ذهابا وعودة والمحفوفة بالمخاطر، الدروب الجبلية والوديان وكثبان الرمال في الصحارى القاحلة بهدف تسويق منتجاتها الزراعية المحدودة الكمية وتعود باحتياجاتها من الأرز والقهوة والبهارات والثياب والضروريات الأخرى. ويحتاج الولد لمجرد رحلتين يعتمد فيها على رجال القافلة لمساعدته في عمليات البيع والشراء، أما بعد ذلك وعلى مدى المواسم والسنوات الزراعية اللاحقة يصبح ابن المزارع خبيرا أو مسؤولا عن تدبير شؤون رحلته، وتصريف بضاعته، وشراء احتياجات أسرته. وكانت هذه الرحلات تتم مرتين إلى ثلاث مرات في الشهر حسب بُعد المنطقة الزراعية عن أسواق (العرصة) الساحلية.

المادة :: تنشئة البنات

لا يعد أمر تربية البنت أقل اهمية من مجتمع الإمارات وتراثه الشعبي عن تربية الولد، بل إن الذاكرة الشعبية تشير إلى شعور الأهل بخطورة مثل هذه التربية وهذا ما كان يدفع إلى تزويج البنت وهي صغيرة وذلك للتخلص من عبء مسؤوليتها. ولعل ما كان يرعب الأب هو ان يموت عنها في غزوة أو رحلة غوص وعندها قد تتعرض لما لا يرضاه لها.
وتتقاسم البنت مع الولد الخبرات البدوية في التربية الاولى إلا أنها حينما تكبر وتبدأ في تشكيل خصوصياتها ينصرف البيت إلى وضع نظام كامل من المشاعر والمعارف والخبرات لنقله إليها، ذلك النظام المرتبط بالاسم (حرمة) أي ما لا يجوز انتهاكه، وما وجب القيام به من حقوق الله، وحُرمة الرجل حرمه وأهله.
ونظام (الحرمة) الذي فقد الكثير من مكوناته ومظاهره اليوم، لم يكن يحافظ على التزام المرأة بأعراف القبيلة وتمسكها بدينها فقط، وإنما يتيح لها أيضاً مدى واسعاً لاحتفاظها بأنوثتها من جهة ولمشاركتها في فعالية الحياة من جهة أخرى.
يراعى في أسلوب تنشئة الفتاة ان تكون زوجة ناجحة وراعية بيت ماهرة، كما تدرب على الاعمال التي سوف تناط بها مستقبلا، فالفتاة يدخل في تقييمها عند الزواج بجانب الاعتبارات الأساسية أي القرابة والاصل وسلوك الأم .. الخ، ان تكون راعية بيت ماهرة في أداء أعمالها، لذا تدربها الأم على الأعمال المنزلية. وفي البادية والأرياف تصاحبها عند الرعي ونقل الماء لكي تروي البيت والانعام وتحطب وتغزل. كما يقول المثل الشعبي: (إن بغيت تضمها انشد عن أمها).
وتتلقى الفتاة في الصغر التعليم الديني، ويحتفل ويحتفى بها عندما تختم القرآن في مدرسة المطاوعة أو المطوعات. وللفتيات الصغيرات ألعابهن الشعبية المعبرة عن خصوصيات حياة المرأة وبيئاتهن الساحلية أو الصحراوية أو الريفية أو الجبلية ولهن أدوارهن في مساعدة أمهاتهن.
وكان الأم تحرص على تعليم ابنتها كل الأعمال المنزلية منذ الصغر وتعدها لك احتياجات وواجبات بيت الزوجية، ولذلك كانت البنات يتنافسن فيما بينهن على إجادة أكثر أشكال التدبير المنزلي من طبخ الأكلات المختلفة والخياطة وغيرها.
وكانت البنت تسأل صديقتها عما تطبخه غدا فإذا قالت الصديقة محلى)، وهو نوع من الخبز الشعبي، قالت الأخرى : (أنا سأعد لقيمات). وكل من تنهي طبخها أولا تركض إلى صديقتها لتثبت شطارتها وكفاءتها وأسبقيتها متفاخرة. وكانت المرأة تلوم نفسها إذا ما قصرت في شؤون بيتها وعيالها وزوجها، كما ان الناس يعايرونها. وإذا أكملت البنت سن البلوغ ترتدي البرقع ولكنها في سن السادسة تمنع من الخروج وحدها بعكس الولد فهذه سن الخروج بالنسبة إليه. وتحرم البنت كذلك من مجالسة الكبار وخاصة النساء المتزوجات، وقد تخرج عند حديثهن عن الزواج والزوجية لحيائهن، وقد تذهب الابنة مع الام لزيارة الاقارب، أما لزيارة الغرباء فتمنع من ذلك.
وهناك الكثير من الواجبات التي تنشأ عليها الطفلة منذ نعومة أظفارها كحلب البقر والنوق والطبخ و(الخض) أي تحضير الألبان والتنظيف وتجهيز التنور للخبز والفحم ومسح الفنر أي (المصباح)، وقد يكون عمرها سبع سنوات وتتقن القيام بكل هذه المهام، إضافة إلى ذلك فهي تقوم بتجهيز الأكل والشاي والقهوة. ومن الأعمال المنتجة للفتيات رعي الأغنام، وحش الحشيش، وجلب الماء من الآبار، وصناعة الحصر، وأعمال الخياطة والتطريز (التلي). وتكون الام هي المشرفة على أداء الفتاة لهذه الأدوار.
وتشمل عملية التنشئة الاجتماعية للبنت ايضا آداب الحديث والمعاملة مع الآخرين، ويدخل ضمن ذلك توقير الكبير والانتباه إلى أهمية فارق السن والنوع عند المخاطبة والمعاملة، وتعلم الاعتناء بنفسها كامرأة، ويشمل ذلك : النظافة وطريقة اللبس والاحتشام في المظهر، وتعلم الطريقة الصحيحة لأداء العبادات والشعائر الدينية. وتبدأ تلك العملية في محيط الاسرة وتتخذ شكلا رسميا عند المطوع أو المطوعة. وإعداد البنت – بوصفها أم المستقبل – لتربية أبنائها على أساس من القيم الدينية والاجتماعية الأصيلة. وهناك العديد من القيم التي يتركز عليها اهتمام المجتمع ويسعى لغرسها في نفوس البنات والبنين على حد سواء مثل حب الخير والتضامن والأمانة والصدق والكرم والعفة والرحمة ... الخ، ويتم تأصيل هذه القيم من خلال التعليم الرسمي وشبه الرسمي عند المطوع أو المطوعة.

المادة :: التعليم والتوجيه الديني

يتدرج الأهل مع الطفل في تعليمه فروض دينه الإسلامي حسب سن الطفل وقدراته الإدراكية والحركية المتنامية، ويحاول الطفل تقليد الأب أو الأم في الصلاة وهو في عمر السنتين، فمجتمع العائلة يعد بيئة إسلامية ينشأ فيها الطفل متلقيا التعاليم الدينية بشيء من التفهم والشرح والتدريب والتقلين. وترتبط بهذه التنشئة الدينية للطفل كيفية تنظيف الجسم والوضوء والتأهيل النفسي لتقريب العلاقة بينه وبين الخالق سبحانه وتعالى. وفي داخل الأسرة تبدا قراءة القرآن الكريم عندما يقرأ الاب أو الام أمام الأطفال.
وبين سن الرابعة والسادسة أو العاشرة يتم إلحاق الاطفال بحلقات أو مدارس تعليم القرآن في بيوت المطاوعة والمطوعات. ومن السابعة أو قبلها يتعلم الطفل الصلاة ويكون قد أتقن قراءة بعض قصار السور، وترديد الشهادتين، ويقوم بزيارة المسجد بمفرده أو بمرافقة ابيه أو جده.
والتعليم الديني في الإمارات، كما يسجله لنا كتاب التعليم التقليدي للاستاذ عبدالله الطابور بدأ بسيطا على يد المطاوعة الذين كانوا ينشئون الكتاتيب في زوايا من بيوتهم السكنية ضمن التجمعات المستقرة. وكان التعليم لا يتعدى في أحوال كثيرة قراءة القرآن وتحفيظه للتلاميذ، ونادرا ما كان التلميذ يصل إلى ما بعد ختم القرآن وتلقي شيء من العلوم الأخرى كمبادئ الكتابة والحساب وبعض النصوص الفقهية، إذ ان (المطوع) أي المعلم نفسه كان في أغلب الاحيان شبه أمي، فتسمية المطوع نفسها كانت ترمز إلى من هم دون شيخ العلم منزلة ومعرفة. ولم تكن تزيد معلومات هذا المطوع إلا نادرا عن تعليم قراءة القرآن والأذان وإمامة الناس في الصلاة، ما عدا صلاة الجمعة التي تحتاج إلى معرفة أوسع كإعداد الخطب وإلقائها.
وأما إذا تعدت معرفة المطوع قراءة القرآن إلى المسائل الفقهية ومعرفة الكتابة والحساب والأحاديث النبوية وعقد العقود الشرعية من معاملات زواج وإمامة للجماعة فعندئذ يكون المطوع (شيخ علم) ويدعى من الجميع بالشيخ، ويصبح هذا اللقب مرادفاً لاسمه بين الناس ولا يقبل إلا ان يدعى به ويرفض مناداته بالمطوع. ومثل هذا الشيخ يكون تلاميذه عادة من الكبار الذين يواصلون الدراسة المنحصرة غالبا في الفقه واللغة العربية والعلوم الدينية. وكان هؤلاء التلاميذ يلازمون الشيخ وينتقلون معه من مكان إلى مكان، ويأتون إلى منزله في أوقات مختلفة حيث يجلس ويلقي الدروس على الطلبة. ونتيجة لوجود هؤلاء المشايخ من أبناء الإمارات ومن ضيوفيها نشأت بعض المدارس التي اختلفت عن كتاتيب المطاوعة كمدرستي الأحمدية والفلاح في دبي، والتيمية المحمودية ثم الإصلاح في الشارقة، والعتيبية في ابوظبي، ومدارس أخرى أقل شهرة أنشئت في بقية الإمارات على يد المحسنين وبعض التجار.
والحقيقة ان التعليم في الإمارات مر بثلاث مراحل هي مرحلة الكتاتيب التي تشرف عليها المطاوعة والمطوعات. وهذا الشكل من التعليم البدائي والبسيط معروف في مختلف الدول العربية والاسلامية على مر العصور، لانه مرتبط بالاحساس والواجب الديني، ومن الصعب جدا ان يؤرخ احد زمنا محددا لنشأة الكتاتيب في مجتمع الإمارات. وقد وجدت التجمعات الحضرية في بعض مناطق الإمارات منذ عهد بعيد، إضافة إلى الصلة والاحتكاك بسواحل فارس ونجد والحجاز، حيث كان كثير من المطاوعة وشيوخ العلم يأتون من تلك الانحاء إلى الإمارات يعلّمون ويدرسون. وللتدليل على أن التعليم الأكثر تقدما من كتاتيب المطاوعة كان موجودا منذ زمن بعيد، نشير إلى الكتب التي كتبها أهل الامارات والتي وصلتنا في صورة مخطوطات يعود بعضها إلى القرن التاسع الهجري أو الخامس عشر الميلادي مثل كتب البحار المشهور أحمد بن ماجد والربان أو النوخذة سعيد بن أحمد بن مطر في أوائل القرن التاسع عشر، وبعض المخطوطات في علم الفقه وأوزان اللؤلؤ وغيرها، والتي تعود إلى منتصف القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين.
وللإشارة إلى حظ المرأة من التعليم قديما في مجتمع الإمارات فإننا نتوقف على خبر أورده أحد الرحالة الأجانب في مستهل عام (1901) وهو المبشر الأمريكي (صموئيل زويمر) حين ذكر في كتابه (الخطوط المتعرجة في مناطق الرمال) ما ترجمته ... إن ربان السفينة التي نقلته من البحرين إلى الإمارات، دعاه إلى تناول الطعام في منزله بدبي، وكان هذا الربان أو النوخذة يدعى عبدالله بن قمبر، وهناك في منزله التقى بزوجة النوخذة وتحدث معها فوجدها امرأة عالمة بالقرآن، وتفسيره، وعلى جانب كبير من الفهم. ولكن على العموم فإنه حسب المفاهيم التي كانت سائدة في الماضي فإن تعليم المرأة لم يكن يتجاوز قراءة القرآن أو ختمه في الكتاتيب المختلطة للاولاد والبنات، وكانت فرصة مواصلة التعليم على أيدي شيوخ العلم نادرة. ومع ذلك فإن المرأة كانت تتولى التدريس في الكتاتيب ويضاف إلى اسمها لقب (المطوعة) إذا أبدت شيئاً من الذكاء والفهم في قراءة القرآن الكريم ونصوص الأحاديث النبوية الشريفة.
عندما يبلغ الطفل الخامسة من العمر يقوم الأدب بأخذه مع أخوته إلى (الكتاب) كمستمع في اول الأمر، ورسوم الدخلة روبية واحدة وتسمى (دخلة البيت). وهناك رسوم أسبوعية تدفع كل خميس تسمى (خميسية) وقدرها ربع روبية إضافة إلى الإكراميات الاخرى كلما قطع الطفل مرحلة من التعليم. وقد يختم الطفل القرآن أي يحفظه في عام واحد فقط أو عامين بحسب ذكاء الطفل وأحياناً قد يختم الطفل القرآن في أربعة أشهر فقط. وتجدر الإشارة إلى أنه في بعض المناطق الصحراوية والريفية لم يكن يتعلم الاطفال سوى قصار السور للصلاة فقط، وقلما كان لديهم مطاوعة حسب بعض الروايات، لكن رحلات العائلات الصيفية المعتادة من المدن الساحلية إلى الواحات والمناطق الزراعية كانت توفر حلقات التعليم لأطفالها.
لقد كانت مدرسة المطوع أو المطوعة المؤسسة الوحيدة التي نشأت في ذلك المجتمع وقامت بدور التنظيم الحقيقي لتعليم فروض الدين، وحفظ القرآن، وتعلم مبادئ القراءة والكتابة وبعض الحساب أحيانا. في هذه المدرسة يبدأ الطفل، ذكرا كان ام أنثى التعلم عن طريق ترديد الآيات بصوت جماعي من سورة (الفاتحة)، وحين يصل إلى سورة (الكافرون) يحضر والد الطفل أو الطفلة أكلة معدة للمطوع أو المطوعة وقطعاً من الحلوى للاطفال زملاء الطفل وإكرامية مالية حسب استطاعته، ويعطي المطوع في ذلك اليوم إجازة نصف يوم للاطفال احتفالا بزميلهم الذي أنهى سورة (الكافرون). وعندما يبلغ الدارس من الاولاد أو البنات سورة الفجر تتم نفس الاحتفالية والاحتفاء وهكذا عندما ينهي جزء عم. وبعد ان يختم الطفل أو الطفلة المصحف الكريم يكون الاحتفال الكبير المعروف (بالتومينة) حيث يطلب ولي الأمر من المطوع أو المطوعة إقامة التحاميد وهي عبارة عن تواشيح دينية، وفي اليوم الذي يحدد للاحتفال يستعد أهل الطفل بإقامة وليمة كبيرة تنحر فيها الذبائح ويلبس الأطفال أحسن ما عندهم من ملابس وحلي وكأنه العيد. ويبدأ الحفل من منزل المطوع أو المطوعة وبعد ذلك يخرج الموكب متجهاً إلى منزل الطفل أو الطفلة المحتفى به وهناك يتناول الصغار طعام الافطار مع الطفل، وبعد ذلك تتحرك جموع الاطفال للمرور على منازل (الفريج) أي الحي وهم يرددون التحاميد مستمرين حتى الظهر حيث يعودون لتناول الغداء في منزل أهل الطفل المحتفل به. وتحتوي أناشيد التومينة التي تردد يوم الاحتفال بختم القرآن في مجموعها على كل القيم والمبادئ التي نظمت عملية التنشئة الاجتماعية في ذلك الوقت ورسخت ثقافة شعبية ذات وعي حقيقي متسقة مع طبيعة هذا المجتمع. ومن تلك الاناشيد التي تردد في التومينة ما يلي :

نماذج من التحاميد :

ما حلت إن نسجت بالدر والذهب
ألا وأحلى من العلم والأدب

من علم اولاده العلم والادب
يكون أجره على الرحمن قد وجب
يا والدي أيا من أحسنتمو أدبي
ونلتم من المال غاية الطلب
وسلمتموني إلى الاستاذ علمني
فضل العلوم وفقهني على الكتب
العلم اوله من مذاقته
لكن آخره أحلى من العسل
العلم في الصغر كالنقش على الحجر
والعلم في الكبر كالنقش في الترب
علموا أبناءكم صغارا قبل كبرهم
وليس ينفع العلم في الكبر
ان القصور إذا قومتها اعتدلت
ولا تلين إذا صارت من الخشب
لا تطلب الجود إلا من معادنه
ومن معدن الجود للطلاب لم يخب
ففيه تفاحا تأتي بحنظلة
وهي علقمه تنبت بالعتب
الحر حر ما يرتضي بالذل في بلد
لو كانت الأرض تنبت بالذهب
الحر حرا لو خابت محاسنه
والعبد عبدا لو طوقته بالذهب
ترحلوا عن دار فيها مذلة
إياك تسكن فيها ثم تنزل
تجنبها لو كنت قديما
ولو كنت تسمع قول مثله
سيروا على التوحيد سيروا وبادروا
ترى ملة الشرك ملة أبي جهل
ترى هادم اللذات يطلبك راكبا
ويأتيك حتى الأجل يكمل

ويتضح مما سبق أن الفرحة يتعلم القرآن كانت عظيمة في هذا المجتمع، إذ تبدأ مراسم الاحتفال من منزل الطفل أو الطفلة الخاتمة للقرآن بكامل العدد من زملاء المدرسة الاسلامية مرورا ببيوت الحي أو الحارة لتعلن الفرحة للجميع وليشارك الاهالي الجيران في هذا الاحتفال الكبير، ويدفع كل مشارك قدراً من المساهمة الإكرامية والتقديرية للمطوع وللطفل الذي حقق النجاح فتبدو صورة الاحتفال اجتماعية وإنسانية.
وعليه في إطار مدرسة المطوع يبدأ صقل الشخصية وهناك ينمو الفكر والوعي ويخرج الطفل من أحضان الأسرة ليلتقي بمجتمعه الأكبر، ولينهل من التنشئة المجتمعية بقدر استطاعته، إذ في ذلك المكان يبدأ الطفل بتكوين الصورة لمجتمعه وربما لخارج مجتمعه إذا كان في أسرته من يمارس نشاط السفر والتجارة فتتسع رؤية الكون لدى الطفل وتضاف له أعباء جديدة ومسؤوليات أخرى أهمها مسؤولية ان يفهم ما يدور حوله.
وجدير بنا قبل التطرق إلى الأدوار الاجتماعية والتدريب والتعليم المهني للأطفال في مجتمع الإمارات الإشارة إلى ان المرحلة الثانية من قصة بدايات التعليم في الإمارات المرتبطة بالشوق الكبير والرغبة العارمة التي اجتاحت النفوس للانعتاق من آثار الجهل والتخلف ولكي يلحقوا بإخوانهم العرب الذي سبقوهم في هذا المجال الحيوي والمهم هي مرحلة المدارس المتفرقة والصغيرة والتي لم يتجاوز التدريس فيها المرحلة الابتدائية. وقد بدأت في بداية القرن العشرين بسبب ازدهار الاقتصاد المحلي الذي أنعشته تجارة اللؤلؤ الرائجة آنذاك، فقام التجار الذين تحمسوا للتعليم ببناء وتمويل المدارس، واستقدموا لها المدرسين من الدول الخليجية المجاورة، وفي بداية الأربعينيات ضعفت أحوالها وأغلق بعضها بسبب انهيار تجارة اللؤلؤ وبسبب الانعكاسات السيئة للحرب العالمية الثانية.
وتمثلت المرحلة الثالثة في التعليم النظامي، ذلك التعليم الذي ساهمت فيه بشكل أساسي مساعدات الدول العربية الشقيقة وعلى رأسها البعثات المصرية والكويتية والقطرية، وقد بدأت هذه المرحلة في الخمسينيات واستمرت إلى أن قامت دولة الإمارات الفتية وحملت لواء الإشراف على التعليم والانفاق عليه حتى أصبح اليوم مواكباً لأحدث نظم التعليم في العالم.

المادة :: المجلس

المجلس هو ديوان للزوار والضيوف ويسمى باللهجة المحلية (البرزة)، ففي وقت لم تعرف فيه المدينة الفنادق والمطاعم، كانت هذه المجالس مشرعة الابواب ليلا ونهارا لاستضافة القادمين إليها من الإمارات الاخرى أو من خارجها.
ويجري الحرص على ان يكون المجلس أنيقا، ويتسم بناؤه بالزخرفة والنقوش الجميلة، ويتميز بأن نواخذه مفتوحة على الشارع العام، ويجلس الرجال في جنبات المجلس متكئين على مساند توضع على الأرض. وكلما دخل شخص أو خرج قام الجميع لتحيته.
وكانت المجالس مكاناً لتبادل الاخبار وتجاذب اطراف الحديث وتسوية الخلافات، وفي بعضها تقرأ الأشعار وسير الأنبياء والصالحين. وانعكست طبيعة المهن التي مارسها السكان سابقا على طبيعة مجالسهم، فوجدت مجالس لتجار اللؤلؤ أي (الطواشين). وأخرى للصيادين، وثالثة للمهتمين بالقنص. كما تخصصت بعض المجالس في أداء الفنون والرقصات الشعبية. ومن أشهر المجالس الموسمية، مجالس رمضان التي يمتد فيها السهر حتى موعد السحور، وتقدم فيها المأكولات الشهية. وللمجالس آداب لابد من مراعاتها، فكبار السن ووجهاء القوم يجلسون في صدارة المجلس ويعطون الأولوية في التحدث. وتقدم القهوة للزائرين، ويعاد تقديمها لهم بين فترة وأخرى، كما يدار على الضيوف بالبخور ويعطرون بماء الورد.
واشتهرت مجالس الحكام، وخاصة مجالس المغفور له الشيخ راشد بن سعيد المكتوم بتعددها، فكانت تعقد في أماكن مختلفة عدة مرات في اليوم الواحد، صباحاً وبعد الظهر وفي المساء، حيث تحل فيها قضايا الناس ومشكلاتهم بأسلوب الشورى.

المادة :: الختان

الختان أو الختانة هي عملية قطع الجلدة الزائدة في عضو الذكر أي الحشفة بآلة حادة وتعرف الحشفة محليا باسم (القلفة) أو (الغلفوطة). وختان الأولاد سنة إسلامية يمارسها المسلمون في العالم أجمع وتسمى هذه العادة في بعض الدول العربية (الطهارة) أو (الطهور) من التنظيف والتطهير، وهو واجب ديني ويجرى للصبي عادة في سن السابعة أو الثامنة، حيث يتجمع الآباء من (الفريج) الواحد وعادة ما يكونون من نفس الأسرة، ويأتون بأولادهم ثم يأتي (المحسن) الحلاق والذي يكون في نفس الوقت مختنا من ذوي الخبرة والمهارة في هذا الامر يحمل معه (الشنطة) وهي حقيبة جلدية صغيرة لحفظ الأدوات والادوية التي يستخدمها المختن.
تتكون الادوات من موس ومرص ومرود ومسن. أما الموس فهي نفس السكين الكبيرة المستعملة في حلاقة الذقون حتى اليوم ولكنها للختانة تكون ثقيلة وكبيرة نوعا ما. و(المرص) عبارة عن كلاّب من الحديد للضغط على جلدة أو حشفة عضو الذكورة حتى يقطع الموس الجانب البارز منها. و(المرود) قضيب رفيع من الفضة بطول حوالي 12 – 14 سم صقيل أملس، رفيع مدبب في المقدمة ويعرض كلما اتجه إلى المؤخرة ويكون ممسك المرود مزينا بزخارف منقوشة ويستخدم عادة في تكحيل العيون ويستخدمه المختن لقياس الجلدة المراد قطعها وللتأكد من ان الجلد غير ملتصق بالحشفة من الداخل. اما (المسن) فهو قطعة من حجر خاص تستعمل لصقل طرف الموسى.
أما الأدوية فهي عبارة عن إسعافات اولية للجروح وتتكون من (بيلسان) وهو محلول دوائي اسمه الطبي (Balsam) يستخدم عادة لمعالجة الجروح ذات النزف، ويستخدم مباشرة بعد القطع في عملية الختان. و(الآمبي) وهو مسحوق أقراص دوائية، والتسمية اختصار لاسم الشركة المنتجة لهذا الدواء الذي كان يستخدم للوقاية من مضاعفات الجروح ولمقاومة الجراثيم. و(آيدين) وهي صبغة يود تستخدم لتجفيف الجرح في الأيام التالية. و(الضماد) قطن لمسح الدم ولف مكان القطع ثم استعمل الشاش الطبي لسهولته وعدم التصاقه بالجروح.
وتبدأ الختانة بوصول المختن حاملا شنطته الصغيرة. ويهيأ فناء البيت بوضع (سحارة) أي صندوق خشبي مناسب ليجلس عليه الصبي المراد تختينه وأخرى أقصر من الاولى للمختن. بينما يكون المدعوون في المجلس أو (الحوش) أي فناء المنزل يكون الاولاد في غرفة خاصة بهم وبصحبة ذويهم من النساء والاطفال. ويتم إحضارهم واحداً تلو الآخر. وعادة يمسك الأب أو الأخوان الطفل المراد ختانه خلال إجراء العملية ويلاعبونه ثم يقول له المختن (اكو الطير) أي هاهو الطير فينظر إلى الأعلى بحثاً عن الطير في حين ينهي المختن العملية، وخلال ذلك يعلو صوت الرجال الوقوف حول المختن والمختون بالصلاة والسلام على الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وببعض مقاطع من الشعر مثل (طالع فوق يا مختون) بشكل متتال قبل لحظات من قطع الجلدة، وعندما ينقل الطفل إلى غرفة في المنزل تطلق النساء الزغاريد بوصوله ويقمن بتهدئته والتخفيف عنه.
وتجدر الإشارة إلى ان قطع الجلد (الغلفوطات) تجمع وتدفن خارج البيت. ويقوم صاحب المنزل بتجهيز الفطور أو الفوالة للمدعوين، وبعد الأكل يستأذنون ويغادرون ومعهم المختن. وعادة ما يزور المختن الصبيان بعد ثلاثة أيام لمعاينة الجرح وتبديل الضماد. وخلال اسبوع واحد تشفى الجروح وبشكل نهائي يكون خلاله الطفل في البيت ولا يخرج.
كان من المستحب الختان في الربيع أو عند انتهاء الشتاء وفي أيام الخميس أو الجمعة أو الاثنين أو في مناسبة دينية كالمولد النبوي الشريف أو ذكرى الهجرة النبوية أو الاسراء والمعراج. وإذا كان الطفل لا يختن وهو رضيع فإنه لا يمكن ان يبقى بين سن السادسة وحتى الثامنة دون ختان لاسباب دينية وصحية وبيئية. ولا يستطيع الطفل الذهاب إلى المسجد غلا بعد تختينه إذ يعتقد عدم جواز دخوله المسجد وهو لم يختن بعد. وبإتمام عملية الختان يتم إدماج الطفل الذكر إلى مجتمع الذكور وإدماج الطفلة الأنثى إلى مجتمع الإناث.
ويشير بعض الباحثين إلى أن الذكورة والأنوثة تبرز هنا كظاهرتين رئيسيتين يتم بناء عليهما الفصل التام بين الذكر والأنثى، فينشأ الطفل الذكر كرجل جديد يضم إلى مجتمع الرجال وهو راكب على ناقة تهدى له في يوم ختانه ويلبس الملابس الحريرية الخضراء وتحتفل القبيلة وتوزع الهدايا وتقام افخر الموائد وتذبح الذبائح ويعلن الختان على الملأ، ويتفاخر الأب بذلك ويراقب ابنه أثناء عملية الختان والجلوس معه وتهدئته. أما ختان الأنثى ويسمى (التحليل) فيجرى للطفلة وبدون علم الناس، ويبتعد الاب أو يسافر، ولا تعطى المرأة المختنة إلا الأجر البسيط، في حين يعطى المختن أعلى الأجور.
وحسب رأي بعض الباحثين انه عند هذه المرحلة تبدأ سيادة الرجل وبالمقابل خضوع المرأة. فإنه بقدر إيجابية التراث بمضامينه التعليمية التي عرفناها فيما يتعلق بالرجل، بقدر قلة هذا الاعتبار والتقييم الذي يقدمه للمرأة. ولقد استطاعت هذه القيم السابقة التي اتسمت بها عملية التنشئة الاجتماعية الخاصة بالطفلة في هذا الجانب ان تستمر وتحدد معظم العلاقات الاجتماعية حتى الآن، وذلك باستمرار الاختلاف والتباين في النظرة إلى الجنسين في مجتمع الإمارات.


المادة :: الفصل الثالث - عادات الزواج والوفاة

الزواج كمتطلب حيوي وإنساني :


الزواج هو اقتران بين ذكر وأنثى بطريقة شرعية يبيحها المجتمع وفقاً لدينه ومعتقداته وعاداته، فالزواج هو العلاقة التي تنظم الروابط الجنسية والنسل وتحافظ عليه وتعطيه شرعية الوجود والاستمرار لقوله تعالى : . ومن آياته ان خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة  والزواج ليس مجرد التقاء رجل بامرأة، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول : (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج) فهو يحض على الزواج لأنه مدعاة للاستقرار والطمأنينة والسكن، فالمودة والرحمة مطلبان نتيجتهما ما تقدم، والاستطاعة مفهوم غير مجبر، بل محرض ودافع. ولكننا أيضاً ينبغي ألا نغفل ان الإنسان يحتاج إلى العاطفة، كونها دافعاً يدعو إلى الفهم الذي يعبر عن صدق الاحتياج، فنحن كبشر لا نستغني بأي حال من الاحوال عن الحب، لانه اصل العاطفة، ولان المودة من الود، وهو صدق الشعور بالاحتياج المتبادل بين الإثنين، وهذا لا يأتي من فراغ، ولا يتعلم المرء ذلك في العادة، بل يغرس فيه منذ طفولته، ذكراً كان أو أنثى وبشكل إيجابي، إذ يتمثل في الرضاعة ثم الاحتياج إلى الصدر والحنان، هذه المشاعر تكبر مع الطفل، وعندما ينفصل عن الأم يبدأ في الاحتياج إليها بقرين، والقرين هنا أنثى ايضا، ولكنها تتحول وظيفياً إلى الزوجة، أي شريكة الحياة، بحلوها ومرها، بمعاناتها وآلامها، إضافة إلى عملية التناسل، لقوله صلى الله عليه وسلم : (وتزوجوا فإني مكاثر بكم الأمم ..) إذاً، فالحياة الزوجية مطلب حيوي لا يمكن المساس به أو القفز عليه، وتجاهله فهذا يمثل نوعا من الخرق للفطرة البشرية.

الزواج كمتطلب ديني

الدين الإسلامي يحث على الزواج ليس من أجل النسل فحسب، وإنما لكونه عبادة يثاب عليها المسلم، فالوظيفة الاجتماعية للزواج تخفض معدلات الجريمة والانحراف، وتؤدي إلى بناء أسرة متماسكة، وينتج عن هذا التماسك تربية صالحة، لتنشأ الاجيال بصورة يمكن ان تؤدي إلى بناء نسيج سليم من العلاقات المشتركة، وفوق كل ذلك يحافظ الزواج على شجرة النسب، وينظم عملية الميراث، كما أنه يربط الزوجين والأصهار والغرباء أيضاً داخل المجتمع الواحد، وذلك ضمن أمور إيجابية عديدة أخرى.
والدين الإسلامي يدعو كل ذي لب راشد إلى ان يختار حليلة وفق الأصول والقواعد، فسير المسلم على هذه الصورة تكسبه الحسنات، فالزواج عملية يثاب المرء عليها، وإلا ما فائدة وجود القيم والولي وعقود الزواج والشهود والدعوة إلى العدل بين الازواج لمن هو متزوج بأكثر من واحدة ؟ كل ذلك فقط من اجل تحقيق غرض ديني يؤدي إلى التماسك الأسري، وبالتالي النقاء الاجتماعي في السلوك والمآرب والأهداف.

الزواج في الإمارات

للزواج في مجتمع الإمارات تقاليد وقيم خاصة به مستمدة من العادات العربية الاصيلة والمفاهيم الاسلامية السمحة، وقد تميز الزواج في الماضي باحتفالاته ومراسمه البسيطة الرائعة، وخلوه من التعقيدات والصعوبات التي أملتها الظروف الاجتماعية والاقتصادية الحالية، التي جعلت الزواج مشكلة ومعضلة تواجه الشباب المقبلين عليه وتهدد استقرارهم الأسري والاجتماعي.
وككل مجتمع في الدنيا، يعتبر مجتمع الإمارات العربية المتحدة، الزواج أحد المتطلبات الاساسية التي يوليها اهتماما كبيرا، وككل المجتمعات ايضا له شروطه وعاداته وتقاليده التي يسير عليها، لانها تمثل وجهته الثقافية والحضارية، التي يحاول المحافظة عليها، حتى لا يختل ميزان وجودها. فالاماراتي، في المجتمع القديم يتزوج من الاماراتية، بنت العم أو بنت العمة، بنت الخال أو بنت الخالة أو بنت الجيران، وربما من منطقة أخرى ولكنها تدور في نفس الفلك الجغرافي والتاريخي والثقافي، والاصل ان تكون بنت العم لابن عمها، ويشذ عن القاعدة من يختار غير ابنة عمه أو قريبته بإرادة ذاتية خاصة إن كان الزواج متأخرا، وهذا في غالب الاحيان يتم وفق وسيط يقوم بهذا الدور (الخطابة)، وتخرج بعض العائلات ايضا عن هذه القاعدة أي قاعدة الزواج من الاقارب من منطلق الاختيار الحر.
يميل الزواج في الإمارات في أكثريته إلى الزواج المبكر، سواء على مستوى الذكور أو الإناث، لأنه يمثل حصانة دينية لدفع المرء إلى الممارسة الحلال، وحصانة اجتماعية من الزيغ والانحراف، وحصانة أسرية لدفع الرجل إلى الكد والعمل الصبور والمثابرة لإعالة بيته وعياله.


ما قبل الزواج


يدرك الاب العلامات البيولوجية الدالة على ان ولده قد دخل مرحلة البلوغ، وذلك إما بتخشن صوته أو بظهور الشعر على عارضيه أو نبت شعر الشوارب، هنا يدرك الاب ان لابد من البحث عن عروس لهذا الشاب الذي بلغ مبلغ الرجال، والآباء في المجتمع الإماراتي يتفننون في هذه الامور، لانهم يعلمون بالسنين والحساب والعرف ان الابن ان بلغ سن السادسة عشرة من العمر فقد أزفت ساعة اقترانه، لذلك يولون هذه النقطة أهمية قصوى، وقد يحدث ألا يكون للشباب رغبة في الزواج في المرحلة التي يحددها الآباء، ولكن لابد له من الرضوخ، خاصة إذا كان الاب مقتدرا على دفع كل تكاليف ومصاريف الزواج، فهو يريد لابنه ان يستقر من ناحية، وان يعاونه في امور الحياة من ناحية أخرى، فتحقيق الزواج له يعتبر نوعاً من التشجيع لا الترفيه كما قد يظن البعض، زد على ذلك ان ما يحتاجه الزواج لم يكن مكلفاً يومذاك، وهنا تندفع الرغبات في الوالد لتزويج الابن، من أجل ان يلد له حفيدا.
أما البنت فان امها أدرى بها، فالنساء قريبات من بعضهن بعضا، إذ ان الام وعاء سر ابنتها. يتراوح سن بلوغ الفتاة قديماً بين الرابعة عشرة والسادسة عشرة، وفي مراقبة دقيقة للتغيير الذي يحدث على البنت كدلالة على البلوغ، فان الأم تجس نبض بنتها في هذه الأمور بصورة سرية، فالبنت لا تثق إلا بأمها، لأنها الاقرب إليها دائما، بينما الشاب قريب من ابيه. وعندما تشعر الأم بالضرورة الملحة لتزويج ابنتها تقوم بتعليمها أصول سياسة البيت من طبخ ونفخ، وكنس وترتيب وتنظيم، وتدخلها في عالم المرأة الواسع، ولا يفوتها شيء إلا وعلمتها إياه، لأنه تربية البنت وأخلاقها دليل على أن أمها مربية صالحة، ولذلك تضمن الام ان ابنتها سترفع رأسها عاليا، وستتباهى بها، لأنها ربتها على العادات والتقاليد والعرف الذي يفهمه كل أفراد المجتمع.

اختيار الزوجة

حينما يعقد الاهل النية لتزويج ولدهم، فإنهم يبحثون له عن فتاة تنتمي إلى اسرة كريمة وقورة تتحلى بصفات الدين والأخلاق الحميدة والسمعة الطيبة. وكانت مهمة البحث عن الفتاة المنشودة تقع على كاهل الخاطبة أو الرسول، وهي امرأة ذات عقل وفكر ولباقة، لديها القدرة على تقييم الفتاة وأسرتها ومدى تحليهم بالصفات الحسنة التي كان المجتمع ولا يزال يعطيها اعتباراً خاصا. فبالنسبة للفتاة فإن الجمال والخلق والدين. صفات لابد منها لدى أهل الشباب المقبل على الزواج، كما أن سمعة عائلة الفتاة وأصالتها ونسبها، ومكانة الأب الاجتماعية أو منا يتمتع به من خلق كريم وسلوك حسن هي ايضا صفات تبحث عنها عائلة العريس وتشترط توافرها.
وقد لا يكون للخاطبة أي دور في عملية إتمام الزواج أو حدوثه إذا كان الزواج سيتم بين الاقارب، فقد حرص الناس سابقا على مصاهرة الاقارب، كأن يزوج الاب ابناءه من بنات اخيه واخته وابناء عمومته وذلك زيادة في الترابط الاسري وتماسك العائلة.
وفي حالة الاستعانة بالخاطبة فإنها تقوم بزيارة ودية لبيت أهل البنت، وقد تشاهد الفتاة على حين غفلة لانه من العسير الالتقاء بالبنت حين دخول امرأة أجنبية إلى بيت أهلها. وحين ترجع الخاطبة تبلغ كل ما رأته لأهل العريس وعلى ضوء ذلك فإنهم يتخذون قرارهم، إما بالتقدم لخطبة الفتاة أو للبحث عن أخرى.


الصداق والمهر


عند الوصول إلى اتفاق مبدئي بين اهل الشاب واهل البنت، يتم الاتفاق على الصداق، ولكل أهل بلد أو قبيلة قدر معين. لكن بشكل عام كان صداق الفتاة البكر يتراوح بين سبعة توامين وأربعين تومانا ويصل إلى سبعين تومانا ويرتفع إلى مئة تومان، ف ي وقت كان فيه التومان يساوي سبعة ريالات فارسية عند أهل البادية، وأربعة ريالات عند أهل المدن، أما المناطق الشرقية فالتومان عندهم يساوي خمسة ريالات فارسية.
وفي الماضي لم يتعد مهر العروس في البادية سبعة توامين في حين تراوح مقدار الصداق عند أهل المدن بين أربعين تومانا ومئة تومان. ويتكفل العريس بدفع (القطوعة) وهي دراهم محددة تدفع لجهاز البنت من ثياب وزينة وتختلف باختلاف حالة الناس المادية ومكانتهم الاجتماعية، كما يتكفل العريس بتجهيز متطلبات حفل الزواج وفي مقدمتها الوليمة. وقد اختلفت معظم عادات الزواج ومظاهره التقليدية عند أهل المدن مقارنة بأهل البادية والقرى في بعض التفاصيل.


الاستعداد للزواج


عندما تكون دائرة الاتفاق قد اكتملت تسعى العائلتان من اجل البدء بالاحتفال الجماعي لإشهار هذه المناسبة الجميلة، وذلك بعقد القران الذي يطلق عليه مصطلح (الملجة)، يقولون (فلان ملج فلانة) أي صارت ملكاً له، أي ان كتابها قد كتب، وعقد قرانها على يد (المطوع) أو رجل الدين، فالملجة هي الأذن الشرعي في مجتمع الإمارات بقيام علاقة شرعية بين رجل وامرأة، بعد هذه الخطوة تبدأ خطوات أخرى هي في الواقع ما يجعل بالعرس، الذي يضع الإثنين تحت سقف واحد.
يبقى ان نعرف كيف يستعد الشاب لهذا الزواج ويوم العرس على أحر من الجمر، إذ هناك فترة زمنية تستعد خلالها كلتا العائلتين للتحضير للزواج المبارك، الذي يباركه الأهل والاقارب والمعارف والاصدقاء، فكيف تتم هذه الاستعدادات؟


استعداد الرجل (العريس)


في مثل هذه المناسبة السعيدة، تبدأ عائلة العريس في استنفار جهودها وتكريسها من اجل ان يتم العرس خلال اسبوع أو شهر أو ثلاثة أشهر على الأكثر، خلال هذه المرحلة يتم جمع وتوفير نقود المهر الذي اتفق عليه بين العائلتين، وتكون الحركة على قدم وساق، فتجهز الأكلات التي تقدم بهذه المناسبة، وتجهز غرفة العروس وجهازها، في حين تقوم عائلة العروس بتجهيز العروس بتضافر جهود نساء الحي، إذ تجهز ملابسها من الاثواب مثل (الميزع والثوب المخور والكندورة المزرية أو المرزاية والمخورة)، أما أنواع القماش فهي تبة مدراس وصالحني وبوطيرة وبستان الياهلي والخارة والمزري بأنواعه، وقد كانت هذه الاقمشة تجلب عادة من الهند. في حين يكون للحلي حضور واسع حسب مقدرة العريس على توفيرها لعروسه، ومن أنواع الحلي (المرتعشة والدلال والسيتمي والمرية)، وهذه الانواع عبارة عن قلائد تزين صدر المرأة، أما زينة الرأس فهي (الحزام أو الحقب ذهبياً كان أو فضياً بالإضافة إلى الشناف والهيار)، في حين تضع العروس في معصمها (ابو الشرج وقرض الهيل)، وتلبس في كاحل القدم الحيول (الحجول)، أما (الفتخ والختم والشواهد) فهي خواتم لأصابع اليد، وهناك (الفتور والكواشي) وهي عبارة عن اقراط لزينة الأذنين. ولابد للعريس من أن يجهز هدية لزوجته في ليلة زفافها، وهي التي يحضرها أهله، وتسمى (الزهبة أو الزهاب)، وتعرض هذه الهدايا في حفل بهيج يطلقون عليها (المكسار).


استعداد المرأة (العروس)


تستعد عائلة العروس لهذا الحدث المنتظر بشتى أنواع الزينة، فالعروس تطيب بعدد من أنواع الطيب التي يعتقد المجتمع الإماراتي انها تدخل السرور والبهجة في ليلة الزفاف، فمن أنواع الطيب المعروفة (الياس والبضاعة والزعفرانية والمخمرية والعود)، بجانب (الدخون) بشتى أنواعها، مع دهانات عطرية هندية المصدر وزيتية النوع. وفي الايام التي تسبق ليلة الزفاف تقوم ام العروس بالتعاون مع نساء (الفريج) أي الحي بدهن جسد العروس بالنيل والورس. فهم يعتقدون بان البشرة ستأخذ لونا اقرب إلى الصفرة، وهو لون محبب إلى الرجال، بالإضافة إلى كونه يلين البشرة عند المرأة، إذ التليين يرطب البشرة ويلينها إذا كانت خشنة لاعتياد المرأة في مجتمع الإمارات قديما على القيام بأعمال شتى، قد تذهب بالرقة من أجسادهن، فيستعينن على ذلك بهذه الدهانات.
وتعتبر الحناء زينة للعروس، إذ تقوم بتخضيب كفيها وباطن قدميها، ولم تكن توجد عملية الزخرفة الموجودة الآن، ولكن وجود الحناء يعطي لونا مفارقا للون البشرة الحقيقي، مما يجعل لون العروس ذا لفتة بهيجة في تلك الليلة السعيدة.

الزواج في المدن
يستغرق الاحتفال بالزواج عند أهل المدن ثلاثة أيام متتالية، تبدأ يوم الاربعاء وتنتهي يوم الجمعة، تقدم خلالها الولائم للضيوف والمدعوين. وتتشكل الولائم من مختلف اصناف الحلوى والهريس والنقاع، أما الوليمة أو المائدة الرئيسية فهي (العيش) أي الأرز واللحم المشوي، في حين تحيي رقصات العيالة والرزفة الوهابية أيام العرس حتى ساعة متأخرة من الليل.
وتحتفل النسوة بالعرس داخل (المكسار). والمكسار قطعة من الشراع يؤتى بها وتنصب على اعمدة حطب الكندل وتتدلى الأطراف لتقي الجالسين حرارة الشمس، وينصب المكسار عادة وسط البيت حيث تتجمع داخله النسوة فيشاهدون ملابس العروس والمأكولات الشهية. وعادة ما يخصص يوم الاربعاء، أي اول أيام العرس، لاحتفالات النسوة وابتهاجهن. أما يوم الخميس فيكون حفلا عاما للجميع يقدم فيه العشاء للرجال، وقد يطول عرس أهل المدينة ليصل إلى سبعة أيام متتالية، وهذا عندما يكون الزواج بين طرفين من الاغنياء أو من الرؤساء فهناك المكسار الذي يبلغ أمده سبعة أيام فأقل، وتوضع أصناف الأطعمة وتذبح الأغنام والضأن وتنحر الإبل والبقر وتكون أيام العرس كلها أفراح تعج بالرقصات الشعبية (كالرزفة والعيالة ولعبة السيوف) ومن الألعاب الإفريقية (المكواري والويلية) وغيرها والرقصات الإفريقية والبلوشية. وتختم هذه الأفراح في ليلة دخول الزوج على زوجته وهي في الغالب ليلة الجمعة بقراءة المولد الشريف والصلاة على النبي.
والغالب عند أهل المدن إقامة وليمة تكون بعد قراءة المولد الشريف، وهي مكونة من (هريسة ونقاع وحلوى) ثم الدخول في الليلة نفسها ويسبق ذلك احتفال في المساء ثلاثة أيام برقصات (الرزفة والعيالة) ثم (ريوق) في الصباح مكون من الأكلات التي سبق ذكرها.


زواج أهل البادية


يتميز اهل البادية بتعاونهم وتآزرهم ومساعدتهم لبعضهم بعضا في إتمام الزواج والاحتفال به، حيث يستمر تقديم الطعام والولائم مدة أربعة أو خمسة أيام، وهو يعد لكل ضيف على حدة، فإذا جاء أحد المدعوين ومعه جمع من قبيلته أعدوا له طعاما خاصا وقدموه له ولمن معه، وإذا حضر أثناء تناوله هذه الجماعة طعامها مجموعة أخرى فإنها لا تتناول الطعام مع المجموعة الاولى ولكن تمكن حتى يعد لها طعام آخر وهكذا. وتكون وليمة العرس عند أهل البادية من (العيش) أي الأرز واللحم. وتقوم فرق (العيالة والرزفة) بإحياء أعراس البادية كما هو الحال عند أهل المدن وذلك طيلة أيام وليالي العرس. غير ان زواج أهل البادية يتميز بإقامة سباق للهجن العربية الأصيلة، يسمى بركض الإبل حيث يكرم الجمل السبوق بدلكه بالزعفران.
أما لدى أهل القرى، فإن عادات الزواج تكاد لا تختلف عن مثيلتها لدى أهل البادية غير أنه في زواج أهل القرى إذا كانت العروس من قرية أخرى، ركبوا الابل والحمير ونقلوها في موكب تزغرد فيه النساء، وتتصاعد أصوات الرجال وهم يؤدون (الرزفة) ويتخلل ذلك طلقات البنادق، وتهيأ للعروس ناقة تركبها اثناء الرحلة، وعند وصولهم تقدم الولائم وموائد الطعام ويبارك للعريس.
في القرى والبادية يدخل الزوج على الزوجة من اول الليل بعد انتهاء الاحتفال مباشرة وينالها ليلا، ويطلق ثلاث طلقات نارية في الهواء عند الصباح إذا كانت الزوجة بكرا أما الثيب فلا. وبدخول الزوج على الزوجة يقيم عندها (في منزل اهل عروسه) سبعة أيام ثم يرحل بها إلى منزله في موكب إما براً أو بحراً ويستعد أهله لضيافتها وإكرامهما، فإن كان منزلها قريبا من منزله جاءت بها النساء ليلا بعد انقضاء المدة في زجل وغناء وربما ضربت الدفوف بين أيديهن حتى يصل الجميع إلى منزل الزوج. وعكس ذلك أهل القرى في المنطقة الشرقية فبعد إقامة الزوجة سبعة أيام في بيت زوجها يخرج بها زائراً أباها وأمها أو من يقوم مقامهما كالأخ والعم والجدة والخالة ويمكثون يوما واحد فقط. ومن عادة أهل المدن ان يمكث العريس مدة سبعة أيام في بداية زواجه عند أهل عروسه كي تعتاد العروس على حياتها الجديدة بعيدا عن أسرتها.
أما أهل المنطقة الشرقية من الإمارات فهم كغيرهم من سكان مناطق الحجر والباطنة يحتفلون بالزواج برقصات شعبية في المساء ثلاث ليال أو سبع ليال يسبقها تقديم الطعام غداء بعد الظهر يسمى (الضيف) حيث يقوم أهل الزوج لمساعديهم (اعرفوا الضيف). فتقدم الصواني عليها اللحم والأرز ويقدم إلى الجيران بعضه. فإذا فرغوا من الطعام قالوا : (بكرك صبي ما معرس)، ولا يختلف الامر في البادية عن ذلك كثيرا إلا أن وجبة (الضيف) تكون عشاء.
ومن العادات الحسنة أن أهل القرى وسكان الصحراء يساعدون بعضهم بعضا في أمر الزواج مثل جمع حطب وإيقاد النار وتحضير طعام وذبح غنم أو بقر أو إبل وتوزيع الطعام على الحاضرين ونقل الماء على ظهور الإبل أو الحمير وغير ذلك. ولا يأتي المدعوون من غير سكان القرية أو البادية سواء للعرس أو للختان إلا ومعهم هدية مثل الأرز أو التمر أو الحب أو الذبائح أو القهوة. وهناك عادة خاصة بهم وهي إعداد وليمة لبنات القرية الأبكار زميلات المتزوجة. ومن العادات الحسنة (القطوعة) وهي دراهم محدودة تدفع لجهاز البنت من ثياب وزينة وتختلف باختلاف حالة الناس.
يسكن الرجل عندما يتزوج في بيت ابيه، ليتحول هذا البيت إلى البيت (العود) أي الكبير الذي فيه تكون الحياة أكثر اجتماعية، فإحساس الأب انه بين أبنائه وأحفاده يشعره بالفخر الكبير، فعدد الاسرة يكبر وهم يؤازرون بعضهم بعضا في الملمات، وناتج العمل يتقاسمونه مشتركا بينهم، أما البنت فتزف إلى بيت زوجها، الذي هو في الواقع بيت أبي زوجها.
إن مظاهر الزواج وعاداته الأصيلة التي التزم بها الآباء والأجداد، أصبحت تراثا اليوم يتغنى به أفراد المجتمع ويحنون إليه في جميع أفراحهم وأعراسهم. لقد كادت المدينة الحديثة التي جلبتها الطفرة الاقتصادية ان توجد مشكلة اجتماعية خطرة داخل مجتمع الإمارات ان لم تكن قد أوجدتها بالفعل، وهي صعوبة الزواج الذي يحقق الاستقرار الاسري وتكمن اسباب هذه المشكلة في غلاء المهور وارتفاع تكاليف الزواج. لذا جاءت دعوة صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس الدولة لكافة أفراد المجتمع وحثه لأبنائه المواطنين على العودة إلى الاصول ونبذ جميع العادات والمظاهر الضارة الدخيلة على حياة المجتمع وسلوك افراده، كما جاءت مكرمة سموه لأبناء شعبه بإنشاء صندوق الزواج الذي يقدم المساعدة والعون لكل مقبل على الزواج لتساهم بدور كبير في تذليل هذه المشكلة التي تفاقمت في السنوات الأخيرة، وستكون هذه الدعوة وهذه المكرمة بلسما شافيا بإذن الله لمشكلة صعوبة الزواج.

المادة :: الوفاة

فكرة الموت والبعث


كثرت الآراء عن بداية وجود فكرة المصير أو الموت في رأس الإنسان، ولكن المعلوم هو ان هذه الفكرة بدأت أول ما نزل الإنسان إلى الأرض. ويقترن الحديث عن الموت غالبا بذكر الله تعالى وإرادته ومشيئته، وذلك فيما يرى الإنسان من تقلبات الحياة وأثرها على الكائنات من حوله من البداية إلى النهاية خاصة عندما يصل كل نفس ذائقة الموت، وإنما توفونالإنسان إلى مرحلة النهاية من العمر، فيعلم ان أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا .متاع الغرور
نجد في كثير من الشعر (النبطي) أي العامي في الإمارات أفكارا عن الموت والمصير والقبر وما يعقب ذلك من بعث ونشور وحساب وثواب وعقاب. فالشاعر الإماراتي حين يذكر الموت في شعره كأنه يخاطب شخصا موجودا يمكن ان يبعث في أي لحظة، ويتصوره قادما من كل مكان. ويحس به في كل ضغطة ألم وفي كل مرض ملم ونجد هذا في شعر ابن ظاهر جليا فالموت هنا مصور في صورة مذهلة بارعة. فالشاعر يتصوره ولا يريد ثباته في مخيلته، فتجد رائحة الموت منتشرة في شعر ابن ظاهر تتناثر فيه ألفاظ تزيد من حدة حضوره مثل (قبر – كفن – نعش – عذاب – منكر ونكير).
وعليه تقترن فكرة الموت في الادب الاماراتي بفكرة البعث والنشور أي في حياة جديدة ودنيا جديدة هي الدار الآخرة كما يصورها القرآن الكريم. وهي دنيا ثواب أو عقاب، منقسمة إلى عالمين عالم الجنة وعالم النار. وتبدأ الدار الآخرة حيث تنتهي الدنيا وتوضع الموازين وتنشر الصحف. وهناك آيات كثيرة في القرآن الكريم تصور مشاهد القيامة تصويرا فنيا تناولها بالشرح بعض الكتاب بشكل بديع، فالأموات في الآخرة تعود إليهم أرواحهم التي تظل باقية بعد موتها إما معذبة أو هانئة. فهناك يحاسبون على ما علموا في هذه الدنيا. وليس القبر مستقرا اخيرا، بل هو مكان للانتظار حتى اليوم الذي ينفخ فيه في الصور، وهذا اليوم للمؤمن جنة وللكافر نار.
ويهيمن البعث على مشاعر الشعراء الإماراتيين وفيها انحدرت العادة الخاصة بالحزن والبكاء على الميت، حيث يعتقد الناس ان الميت ينتقل إلى عالم منفذه القبر لا يعود منه الراحل إليه، ولا حياة فيه كحياة هذه الدنيا ولا نجم ولا سماء ولا قمر ولا أي مظهر من مظاهر الحياة الدنيا، بل هو ظلام وتحلل ثم عدم يعقبه مصير لا يعلم به إلا الله وحده. وهذه الفكرة تعكس الإيمان بخلود الروح وبعثها من جديد في تكفين الموتى بعد غسلهم وبناء القبور أحيانا لهم وجعل المقابر اشبه بمدينة خاصة مستقلة منعزلة صامتة. ولا يتوانى الشاعر الإماراتي عن سرد الخصال التي يجب ان يتمتع بها الانسان المسلم في الدنيا لينال حسن الختام وتكون عاقبته خيرا.
(كل نفس ذائقة الموت) هذه هي الحقيقية الربانية التي يؤمن بها كل مسلم. وحين تؤذن للروح بالانتقال إلى بارئها مفارقة الجسد لابد من إكرام الميت بدفنه. فعندما يموت المرء يشهر أهل الميت الوفاة، ويتوقف الأهالي في تلك الأيام عن أعمالهم، ويجتمع الكل من أجل تجهيز الجنازة فيسجى الجسد على موقع مرتفع عن الأرض، ويغسل ثم يعطر، ويكفن وبعدها يصلى عليه ويدعو الإمام والمصلون مبتهلين وضارعين إلى الله تعالى ان يغفر للميت ويسكنه فسيح جناته ويعتقه من النار، ثم يوضع في قبره ليدفن.
والموت هو العبور الأخير في سلسلة حلقات دورة الحياة البشرية ولكنها ليست النهاية الابدية للحياة، فالإسلام يفرق بين (الدار الفانية) و (الدار الباقية) وبين الحياة الدنيا والآخرة. والمسلم مسؤول مسؤولية تامة عن إعداد نفسه لحياة البرزخ في القبر وليوم البعث والنشور يوم الحساب في الدار الآخرة.
والمجتمع المسلم يتعهد الفرد في حياته وفي مماته إذ إنه يلقى التوجيه والرعاية والتنشئة في حياته بالصورة التي تعده لهذه المرحلة المهمة من دورة الحياة البشرية، ويتعهده في مماته بالقيام بالشعائر الدينية على الوجه الأكمل الذي يحفظ للإنسان إنسانيته ويؤكد التزامه بقيمه الدينية حتى آخر لحظة من حياته ويؤمن عبوره للدار الآخرة. والى جانب ذلك فإن المجتمع المسلم يحرص على مساعدة أسرة المتوفى أو المتوفاة في الحفاظ على توازنها النفسي والاجتماعي.
وبعد الدفن يتجمع الاهالي في بيت المتوفى ولا يطبخ طعام في بيت المتوفى بل يحضر الجيران والاقارب كل مستلزمات البيت لإطعام المعزين على مدى ثلاثة أيام. وبالنسبة للأرامل ففي فترة العدة التي تبلغ اربعة أشهر وعشرة أيام تلزم المرأة التي يتوفى زوجها بيتها ولا تفارقه، ولا تلقى المحارم من الرجال ولا تتزين حتى تكمل عدتها.
وتهيمن الروح الاسلامية على عادات وطقوس الوفاة في مجتمع الإمارات وفي المجتمعات الاسلامية الاخرى، كما ان روح التكافل الاجتماعي والتآزر والمواساة تغلب كذلك على هذه المناسبة وتعطي أسرة المتوفى دعما نفسيا هم في أمس الحاجة إليه.
وعند الإحساس بدنو لحظة الوفاة أي في حال احتضار المريض فإن الاهل أو القريبين منه يحرصون على تلقينه الشهادة حتى تكون الكلمة الطيبة (شهادة ان لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله) آخر كلمات حياته فيتوفاه الله مسلما مؤمنا على حسن الخاتمة. وفي حال عجزه عن ترديدها فإنهم يرددونها عنه ومن أجله أو يكتفي المحتضر برفع إصبع السبابة بيده اليمنى شاهدا بوحدانية الله ومفارقا الدار الفانية على حسن الخاتمة. وتقرأ سورة الفاتحة وسورة الاخلاص على روح المتوفى وتقرأ سورة يس لحظة الوفاة وعند الدفن لاعتقاد العديد من الناس في أنها تساعد في الخلاص وتهون على الميت عذاب القبر.
ويتم الإشعار عن الوفاة بسماع البكاء من منزل الفقيد فيهرع الاهل والجيران للمساعدة والمؤازرة كما يتم الارسال لإبلاغ النبا لاقارب الميت في حال بعد مساكنهم.
يغسل جثمان الميت في المنزل قديما وكذلك حديثا أو في المستشفى أو في المقبرة وأحياناً في المسجد. ويتولى هذه المهمة المطوع أو ابناء المتوفى أو بعض اقربائه واصدقائه، أما بالنسبة لغسل المرأة فإن بعض النساء قد تخصصن في الغسل والدعاء للمتوفاة ويعملن في مجموعات بحضور قريبات الفقيدة.
ويتم الغسل بطريقة طقسية معلومة ثم يكفن الميت وفقا للتعاليم والشعائر الإسلامية المعروفة في جو روحي تحفه رهبة الموت والاعداد للقاء المولى سبحانه وتعالى. ويستخدم في تجهيز الجثمان من العطور: الصندل ودهن العود وماء الورد والمسك إضافة إلى الكافور والزعفران وأحيانا يستعمل ورق السدر في الغسل وخاصة شعر المرأة وقد يدخن (أي يعطر بالدخون والبخور) الجثمان وهو داخل الكفن.
وبينما ينشغل بعض الأهل بغسل الجثمان وتجهيزه وتكفينه يتجه بعضهم نحو المقابر للمشاركة في حفر القبر. وكانت عملية حفر القبر والدفن مهمة تضامنية يؤديها افراد المجتمع طوعا وهي من حق المسلم على المسلم. وبعد غسل الجثمان وتكفينه يحمل النعش على الاكتاف إلى المقبرة ويتناوب الرجال في حمله طمعا في أجر هذا العمل الصالح. ويتبع الباقون موكب الجنازة في صمت ووقار يرددون الدعاء مبتهلين لله تعالى وطالبين الرحمة والمغفرة للمتوفى. وإذا كانت الفقيدة إمرأة فإن النساء اللاتي قمن بغسلها وتكفينها يشرفن على إخراج الجنازة للرجال بمعاونة أبنائها أو أقاربها ليحملها الرجال إلى المقبرة وقد تتبع النساء الجنازة لمسافة غير بعيدة خارج المنزل.
وتعتبر صلاة الجنازة من أهم الشعائر الدينية المتصلة بالوفاة إذ إنها وداع المجتمع لأحد افراده وتتم في جو من الرهبة والوقار. ويتم حضورها امتثالا للتعليمات الدينية ووفاء للصديق والجار والقريب وضرباً من ضروب التضامن الاجتماعي والدعم المعنوي لأهل المتوفاة. ومن يتعذر عليه حضورها يحرص على تقديم واجب العزاء لأهل المتوفى.
وإذا كان غسل الميت هو العملية التي يتم بموجبها التطهر فالصلاة على الميت والدعاء له هي الاجزاء التي يتم بموجبه الفراق، بينما الدفن إرادة الله تعالى التي يتم بموجبها الولوج في حياة أخرى وبها تنتهي دورة الحياة البشرية التي تحكي قصة الإنسان (من تراب والى تراب).
يشق اللحد حسب الطريقة الاسلامية المعروفة وبالمقاييس المحددة والمعهودة على الجانب الايمن من القبر ثم يوضع الجثمان بحيث يكون وجه المتوفى متجها نحو القبلة، وتتخلل العملية قراءة القرآن والدعاء للميت ولجميع موتى المسلمين طلبا للرحمة والمغفرة، ثم يوارى الجثمان الثرى وتسوى الأرض بصورة تجعل كل القبور متساوية متشابهة، اللهم إلا من علامة بسيطة على الأرض نسميها (نصيبة) تعين أهل المتوفى على تحديد مكان القبر.
يجتاح الحزن أسرة المتوفى ويسارع الاصدقاء والجيران من أهل (الفريج) أي الحي في اداء الواجبات المنزلية والاجتماعية نيابة عن الأسرة في استقبال المعزين وإطعامهم وجلب الضروريات والبقاء نساء ورجالا مع أهل المتوفى لفترات طويلة خلال الأيام الأولى، والتناوب في تحضير الإفطار والغداء والعشاء وخدمة المعزين والتخفيف على أهل المتوفى، وقد تشمل التكافل على بعض المساعدات النقدية والعينية، ويستمر العزاء لثلاثة أيام متواصلة وقد تزيد وتتواصل خلالها أفواج المعزين للترحم على المتوفى ولمواساة الأهل والاصدقاء. وقد يتم إطعام الفقراء والمساكين والترحم على روح المتوفى وقراءة الفاتحة له، ومن الممارسات الدينية، (ختمة القرآن الكريم) التي تتفق في شكلها ومضمونها في أغلب بلاد العالم الإسلامي حيث مشاركة المعزين بتلاوة آيات القرآن الكريم بأجزائه الثلاثين. يلي ذلك الدعاء والابتهال للمولى سبحانه وتعالى، وتوهب (الختمة) لروح المتوفى أو المتوفاة طلبا للرحمة والمغفرة.
وعادة ما تكون الختمة للرجال في اليوم الثالث في منزل المتوفى. فللنساء ختمة خاصة بهن داخل المنزل. وقد يبقى الاهل وبعض الاقارب بمنزل المتوفى أو المتوفاة لعدة أيام إضافية ترقبا لوصول معزين آخرين وحتى تهدأ نفوسهم على مصابها الجلل والنساء يمكثن بصورة أطول.
وتسمى عملية الحظر أو العزل التي تخضع لها الارملة بعد وفاة زوجها، فترة العدة، وهي اربعة أشهر وعشرة ايام وفقا للتعاليم الإسلامية والأعراف الاجتماعية المعروفة. وتقضي الارملة فترة (العدة) التي حددتها الشريعة الاسلامية داخل المنزل ولا تترك وحدها إذ يتناوب الاهل والاقارب والجيران على خدمتها وتوفير احتياجاتها. ولا ترى من الرجال غير المحارم ولفترات قصيرة للضرورة وتبتعد عن العطر والزينة. وهناك بعض العادات والممارسات والمعتقدات المتصلة بالأرملة من الرواسب البائدة التي عرفت على نطاق ضيق بين بعض شرائح المجتمع.
وبعد إكمال فترة العدة وبعد قيام الأرملة بطقوس التطهير وإزالة ما علق بها من شبح الموت تصبح جاهزة لإعادة استيعابها في المجتمع مزاولة حياتها الطبيعية داخل المنزل وخارجه بل يمكنها ان تتزوج إذا جاءها من يريدها. وكإشعار بإعادة وجودها في المجتمع تقدم (الفوالة) أو تقام وليمة بهذه المناسبة فيسمع الجميع بهذا الحديث ويشارك بعضهم فيه ويتم توزيع الطعام على أهل الفريج أو تقدم لهم الدعوة كإعلان بأن (فلانة) قد أكملت عدتها وأن (طلوعها) يوم (كذا)، إشهاراً بأن كل شيء قد تم وفقاً لشعائر المجتمع الدينية واعرافه الاجتماعية لتخرج الأرملة من منزلها لأول مرة بعد وفاة زوجها ولإعادة دخولها في المجتمع ومزاولة حياتها الطبيعية.





رد مع اقتباس
قديم 04-02-2010, 08:59 PM   رقم المشاركة : 6
الكاتب

أفاق : الاداره

مراقب

مراقب

أفاق : الاداره غير متواجد حالياً


الملف الشخصي









أفاق : الاداره غير متواجد حالياً


رد: التراث الشعبي هي الحصيلة الانسانية لكافة الشعوب

المادة :: الفصل الرابع - عادات الطعام

الأكلات الشعبية وآداب المائدة وطرق تناول الطعام الوجبة الرئيسية في مجتمع الإمارات هي (العيش) أي الأرز والسمك أو اللحم والتمر ويعتبر العيش أساسيا في كل وجبة ما عدا الإفطار. وتسمية الأرز محليا باسم (العيش) نابعة من كون المجتمع يعيش على الأرز كما هي الحال في بعض الدول العربية التي تعتبر الخبز هو العيش لأنه أساسي في وجباتها. وبجانب الأكلة الأساسية من العيش والسمك الذي قد يكون طبخة (المكبوس) أو طبخة (المحمر) وهو المطبوخ في الدبس مع الماء، فيصبح لونه أحمر وطعمه حلوا. وهناك (المشخول) وهو الأرز الذي ينقل في (المشخول) أي المصفاة ثم يوضع فيه اللحم أو السمك المحمر. و(المحشي) والذي يتم بفرك ذبيحة كاملة بالملح والكركم الأصفر بكثيرة وتركها ساعتين أو ثلاث ساعات حتى تجف من الماء ثم تحشى بالزبيب واللوز والبيض والهال والقرفة مع رأس الذبيحة ثم تقفل البطن على هذه المواد المغذية، وتفرك الذبيحة بالقرفة والهيل من أعلى لتوضع بعد ذلك في قدر كبير وتحتها خشب حتى لا تلتصق بقاع الجدر ثم تدفن في حفرة مليئة بالجمر حوالي 7-8 ساعات. وعادة يصنع هذا في عيد الأضحى لكثرة اللحم من الأضاحي. ويشترط السمين في الخرفان، كما يصنع في مناسبات الزواج والأعياد. ومن الأكلات الشعبية الشهيرة (الفريد) وهو عبارة عن خبز ومرق ولحم. و(المشوي) و(الهريس) المكون من اللحم والبر وهو القمح ويؤكل بعد الطحن. وهناك (المرقوق) المكون من عجين يجفف ويقطع قطعا صغيرة ويوضع في مرق اللحم أو السمك بحيث يفور مع المرق. و(الجريش) وهو أشبه بالبرغل من القمح. و(النييرة) وهو بر مغلي مع السمك أشبه بالعصيد وفيه اللومي الحامض والبهارات والسمن. أما (العصيد) فهو مثل (الخبيص) لكنه اكثر ليونة. ويصنع (الخبيص) من طحين الأرز أو البر مع السكر والسمن البلدي والهيل. وهناك (الممروس) وهو خبز محلي يمرس مع التمر. وهناك (الحلوى العمانية) المصنوعة من خلاصة البر (النشا) والسكر والسمن البلدي وماء الورد والهيل والزعفران كما تزين باللوز والفستق. و(الرهش) وهو أشبه بالحلاوة الطحينية (السكرلمة) وهي أقراص تشبه كعك العيد الذي يصنع في البلاد العربية. وللأطفال هناك بعض الانواع التي كانوا يقدمون عليها مثل (كل واسكت) وهي خليط من السكر والفول السوداني وتتميز بطعمها اللذيذ. و(الجبيط) ويصنع من عسل النحل مع السمسم ويقوم ببيعه بائع متجول وهو ينشد : (يالجبيط يالحالي .. يالمشتت بأحوال ي وأنا في السكة أتالي) وهناك (ملبس بوظبي) ويصنع في أبوظبي بصفة خاصة والحبة منه في حجم بيضة الدجاجة وهو خليط من السكر والطحين وملبس من الخارج بالسكر. و(المنفوش) وهو من السكر ويصنع في شكل خيوط الشعر المنفوشة. و(الزلابية) وهي من السكر والطحين والخميرة وتشبه كثيرا البقلاوة في البلدان العربية. ومن العادات المتوارثة حتى وقتنا الحاضر تناول الطعام بكف اليد دون استخدام أي أداة للأكل كالمعلقة والشوكة والسكينة وطريقة تناول الطعام تتم باليد اليمنى، فقد تربى عليها الآباء وتعلمها الأبناء كطريقة لتناول الطعام، ولابد لمن يأكل بيده أن يغسلها جيدا قبل كل طعام وبعده. ومن آداب المائدة وطرق تناول الطعام الاجتماع حول (السرود) أي السفرة، وهي عبارة عن قطع دائرية مصنوعة من ورق النخيل وهي (المائدة) وتوضع عليها صينية فيها الأرز، وقد تكون الصينية كبيرة الحجم أو متوسطة أو صغيرة على حسب عدد الأفراد، ويوضع (الحلى) و(الإدام) والسمك و هو طبق رئيسي كالأرز لأهل المدن إلا أنه في المناسبات (كالأعياد وفي رمضان وعند الزواج أو للضيوف) قد تذبح الذبائح، ومع كل وجبة لابد من وجود التمر. يبدأ أهل الإمارات الأكل مثلهم مثل بقية المسلمين بقولهم (بسم الله)، وإن كانت الوجبة لضيف فلا يمد الجميع يده قبل الضيف، وإن كان أحد الأبناء موجودا فلا يمد يده على اللحم أو السمك أو يباشر الأكل قبل الجماعة. وأكبر الأفراد سناً مقدم على الجميع. ومن الضروري كسر رأس الذبيحة، وعندما يهم احدهم بكسر الرأس يتوقف الجميع عن الأكل حتى ينتهي من هذه المهمة. وقد يقطع اللحم ويقدم للضيف تقديرا واحتراما له. وعند الانتهاء من الطعام يتوجب الصبر حتى ينتهي الضيف وعندها يقوم أصغر الموجودين بصب الماء على يد الجميع ليغسلوها. وبعد الأكل يقدم الشاي والقهوة العربية. ويتحدث الجميع ويمرر (المبخر) ويسمى (المدخن) أيضاً حيث توضع عليه كسر من خشب شجر العود فينبعث منه دخان ذو رائحة لطيفة وقد تعود المجتمع على استعماله، ويبدأ المبخر من الضيف أو الأكبر سناً ويدور على الجميع بعد ذلك، وجدير بالإشارة إلى ان النساء يأكلن مع بعضهن بعضا في العائلة والرجال والأولاد مع بعضهم. إعداد المشروبات تعتبر القهوة المشروب الرئيسي لأهالي المنطقة، بها يطيب السمر والحديث، وكانت رفيقة البدوي والحضري في الحل والترحال، في الصباح وفي الجلسات العائلية وفي الأمسيات الحميمة. والقهوة مشروب للفقراء مثلما هي للأغنياء، للنساء مثلما هي للرجال. ويعتقد أهالي المنطقة ان للقهوة فوائد عديدة، فإلى جانب أنها تمنح شاربها نشاطا ملحوظا، تشفي العديد من الأمراض وتوقف نزيف الدم، وغير ذلك من فوائد. وتعد القهوة من أقدم المشروبات التي عرفها أبناء الإمارات، يليها الشاي، قبل ان يعرف الناس مشروبات أخرى مثل الزعتر والزنجبيل وبعض المشروبات الغازية كالنامليت والكوثر وهما قريبان من المشروبات الغازية المعروفة اليوم، ويعتبران مشروبين للصيف، ينعشان شاربهما، غير انهما اختفيا مع انتشار مصانع المياه الغازية الأجنبية. اما الشاي فيعرف بعدة أسماء، فالبعض يطلق عليه اسم (جاي)، والبعض يسميه (شاهي)، فضلا عن تسميته العربية الفصحى شاي. ويعتقد اهالي الإمارات ان الشاي يساعد على هضم الطعام، لذا كانوا يحرصون على احتسائه بعد تناول الطعام. أما الزنجبيل فهو مشروب ساخن يشرب في الشتاء، ويتناوله الناس إما منفردا أو مع الحليب، لكن شربه بالحليب كان للمقتدرين بشكل أساسي نسبة لارتفاع سعر الحليب يومها لندرة الماشية والابقار قياسا إلى عدد الناس. وكانت بعض الأسر تشرب الزنجبيل مع الحليب صباح كل جمعة من كل أسبوع كعادة محببة لأفراد الاسرة جميعا، الصغار منهم والكبار. والاعتقاد الشعبي السائد ان الزنجبيل له فوائد صحية كثيرة أشهرها علاج حالات الإصابة بالبرد. ويشرب الأهالي الزنجبيل في الكؤوس الكبيرة على خلاف القهوة التي تشرب في فناجين صغيرة. اما مشروب الزعتر فكان أكثر انتشارا من الزنجبيل، وكان السكان الحضر يقبلون على شربه خاصة في الشتاء. وعرفت المنطقة كذلك مشروبا آخر كانت له جاذبية كبيرة هو مشروب (شاي لومي)، ويحضر هذا الشاي من الليمون صغيرة الحجم بعد تجفيفه بشكل مشابه لطريقة تحضير الشاي العادي تماما. وهناك نوع آخر من المشروب هو (شاي الدارسين)، حيث كان البعض يطلق عليه مشروب (الكرفة) وهو عبارة عن عيدان الدارسين الجافة تكسر إلى قطع صغيرة، ثم تغسل وتوضع في الإبريق المعدني، وهذا المشروب معروف في بعض البلاد العربية باسم (القرفة).



المادة :: أدوات صنع المشروبات


الغوري :

ويسمى أيضا الغوري، وكذلك الإبريج، تحريفا للكلمة العربية الإبريق، وفيه يسخن الحليب ويغلي الماء عند الحاجة.

السماور :

وهو مصنوع من النحاس وكان يستخدم كوعاء لغلي الماء، سواء العمل الشاي أو للاستحمام أو لأي غرض آخر تحتاج فيه الأسرة للماء الساخن.

المهباش :

ويشبه الماشة أو الملقط الذي يحرك به الجمر ف ي الكوار أو لنقل قطع الجمر الصغيرة لوضعها في المبخرة، ويصنع من الحديد.

التاوة :

وهي نوعان : الاول كبير وعميق وفيه يصنعون الفقاع واللقيمات الخنفروش. وهي أكلات شعبية معروفة في الإمارات. أما النوع الثاني فهو أصغر حجما، وذو عمق متوسط، ويستخدم في تحميص القهوة. والتاوة تصنع من الحديد.

المحماس :

وهو من الحديد أو النحاس، ويستخدم في تقليب القوة اثناء تحميصها، أو لرفع أنواع من الخبز من على المخبز مثل خبز الخمير.

المخباط :

وهو قطعة من الحديد أو من خشب الأبنوس تقلب بها حبوب القهوة عند تحميصها في التاوة أو المحماس.

الكير أو المنفاخ :

يستخدم لزيادة اشتعال النار، ويصنع من جلود الحيوانات التي عرفتها المنطقة.

المنحاز :

الهاون الذي يستخدم في تنعيم وترقيق المأكولات الخشنة، وتطحن فيه القهوة، ويصنع من الخشب أو الحديد، وله أشكال مختلفة، ولكن شكله العام هو المخروطي العميق في الجزء السفلي والضيق في الأعلى.

الاستكان :

وهو كأس الشاي الزجاجية التي يشرب بها أبناء الإمارات والخليج، وهي صغيرة الحجم تقترب سعة ما تحتويه من سعة فنجان القهوة، وبعض أنواع الاستكان يكون مزخرفا بالنقوش الجميلة وأنيقة التصميم.

البيالة :

وهو نوع آخر من كؤوس الشاي الزجاجية، صغيرة الحجم، مستقيم الحواف وبه يد صغيرة يمسك بها.

السلة أو المعاميل :

وهي مجموع أدوات عمل القهوة من دلال وقدور وفناجين ومحماس وغيرها.

الكوار :

ويطلق عليه كذلك المنقلة أو (المنكلة) بلهجة أهل الخليج وهو وعاء معدني يوضع فيه الجمر، ويستخدم لإبقاء القهوة والشاي ساخنين دائما، وقد يستخدم كذلك في تدفئة (المخازن) غرف النوم في الشتاء، ويوضع عادة في مكان خاص بأحد جوانب الغرفة، ويزود بمسمار المحماس. وقد يكون الكوار مستدير الشكل أو مستطيلا، وبه ثلاثة أو أربعة ارجل ترفعه عن الأرض. ويوجد نوع آخر من الكوار يصنع من الخشب ويوضع في وسطه ما يشبه الجص، ويخصص فيه موضع للفحم توضع عليه الاشياء الخفيفة الخاصة بالمدخن أو المبخرة والعود، وبه فتحة أشبه بالباب في الوجه المقابل لمستخدمه، ويستعمل هذا النوع في تحميص القهوة أو إعداد الخبز بسرعة، وكذلك لتسخين الحليب. وتوضع داخل باب الكوار مستلزمات صناعة القهوة والشاي كالبن والهيل والزعفران وغيرها.

الرشاد :

هو عبارة عن الاداة التي تستخدم في الدق والتنعيم بالمنحاز ويصنع من الخشب أو الحديد أو النحاس ويعرف أيضاً بالهاشمي ويستخدم في دق حبوب القهوة.

الدلال :

ومفردها دلة. وهي معروفة منذ القدم لصناعة القهوة العربية وتقديمها، وكانت تصنع من الفخار، ولها صناع مهرة في المناطق الجبلية، قبل ان تنتشر الانواع المعدنية، وخاصة المصنوعة من النحاس. وللدلال أسماء شتى مثل الدلال (الحساوية) نسبة إلى مدينة الإحساء بالمملكة العربية السعودية، والدلال (العمانية) التي تصنع في عمان وتعرف كذلك باسم الدلال العربية، كما كان بعضها يصنع في الإمارات، وهي عادة ما تكون ذات رأس عريض ومقدمة عالية وتسمى (كريشية).
وهناك أيضاً الدلال (الرسلانية)، وسميت كذلك نسبة إلى المعدن المستخدم في صناعتها، وهو النحاس الأصفر الذي يعرف باسم (رسلان)، ويعتقد كذلك ان هذه التسمية نسبة إلى صناعتها في سوريا من قبل عائلة رسلان، ويصنع هذا النوع كذلك في كل من البحرين والسعودية، وهناك أيضاً الدلة (القرشية) التي تصنع في مكة المكرمة والخليج، هي دلة نحاسية بأحجام مختلفة وبزخارف رائعة.
وتنقسم الدلال تبعا لاستخدماتها المختلفة إلى ثلاثة أنواع :
1- الخمرة : وهي أكبر حجما من دلال القهوة العادية، وتوضع دائما فوق الجمر على الكوار وبها الماء الساخن وما تبقى من بقايا الهيل والبن.
2- الملكمة : وهي الدلة المتوسطة الحجم، والتي يتم فيها تلقيم القهوة بعد نقل جزء من الماء الساخن من الدلة الكبيرة – الخمرة – فيرفع البن من قاعها ويقال : (لكم) القهوة، أي جهزها تمهيداً لصنعها.
3- المزلة : وهي أصغر الدلال المستخدمة في عمل القهوة، وتستخدم بعد طبخ القهوة في الدلة المتوسطة، حيث يصب فيها صافي القهوة، ويقال (زل) القهوة، ثم يوضع بها الهيل، وتستخدم لتقديم القهوة حيث تصب في الفناجين، وبالعامية يقال (فناييل)، ومفردها (فنيال). وتوضع فناجين القهوة عادة في إناء صغير يسمى (الملة) به ماء لغسلها.

المادة :: أدوات إعداد الطعام

تعكس الادوات والطرق التي استخدمها ابناء الإمارات في تحضير غذائهم طبيعة العادات والتقاليد والآداب المرعية، وكذلك البيئة المحيطة، لأن المواد الغذائية والادوات تؤخذ وتصنع مما تقدمه البيئة المحلية ومما يستطيع الناس شراؤه من بيئات أخرى.

المادة :: أدوات تحضير الأغذية للطهي

الرحى :

تعتبر من أقدم أدوات تجهيز الأغذية استعدادا لطهيها، وهي عبارة عن قطعتين مستديرتين من الحجارة الصلبة توضعان الواحدة فوق الاخرى، ويوجد في القطعة العلوية ثقب تثبت به قطعة من الخشب، وذلك لتدويرها، حيث يمكن طحن الحبوب الموجودة بين الحجرين حتى تصبح مسحوقة تماما، جاهزة للطهي.

الجفير

السلة التي تحمل بها الاشياء، ومنه نوعان : نوع صغير يخصص لإحضار احتياجات المنزل من السوق، أما النوع الآخر الكبير فهو مخصص لنقل الأسماك من موقع صيدها في البحر إلى الاسواق لبيعها ويسمى (مزماة)، ويصنع الجفير من سعف النخيل، وكان الشائع ان تقوم النساء بصنعه وذلك كجزء من العمل الذي كن يقمن به في مجتمع الإمارات. وقد يقوم بصناعته بعض الرجال أحيانا. وتستخدم في صناعة الجفير مادة اسمها عضف تجلب من مكران، أما (المنجلة) أو المنقلة فهي قطعة من الخشب تحمل بها المزماة.

السف :

وهو كالصينية، يوضع به الطعام والمأكولات عند تقديمها للضيوف.

المسف :


وهو أشبه بصينية كبيرة، وكانت النسوة تصنعه من الحصير أو سعف النخيل، وكن يستخدمنه في تنظيف الأرز وتخليصه من القشور العالقة به أو من الأتربة، وذلك قبل طبخه. وكانت المرأة تقوم بهذه العملية عن طريق وضع الأرز في نهاية المسف ثم تدفعه إلى أعلى، وخلال ذلك تقوم بالنفخ فيه بشدة، فتتطاير القشور والأوساخ، وتكرر هذه العملية حتى ينظف الأرز.

المنحاز :

وهو الهاون الذي سبق أن أشرنا إليه سابقا عند حديثنا عن أدوات إعداد القهوة، ونضيف هنا أن المنحاز الخاص بإعداد الطعام كان يصنع أحياناً من جذوع الأشجار الضخمة وتسمى باللهجة المحلية (يوان). وكان يقوم بدق الأشياء في المنحاز شخصان، حتى يتمكنا من إنجاز العمل المطلوب بسرعة. وفي بعض مناطق الإمارات كان المنحاز عبارة عن حفرة كبيرة تقارب في مقاساتها ومواصفاتها المنحاز الخشبي الكبير، وكانوا يطلقون على يد الهاون التي تستخدم للدق (رشاد).

المنخل :

وهو من الأدوات التي يستعان بها في إعداد الطعام للطهي، وهو ما ينخل به أو يغربل الدقيق، فيساعد على تنقيته من السوس والمواد العالقة به.

التاوة :

وهي التي سبق أن تحدثنا عنها في فصل أدوات القهوة، وفي بعض المناطق بالإمارات يسمونها الطاوة. ومن بين استخداماتها الضرورية عمل الخبز المعروف باسم (المجدب)، وهو الذي يسمى في بعض البلاد العربية الأخرى بالرقاق أو ما يسمى بالخبز المحلي.

الجفنة :

ويطلق عليها أيضاً (اليفنة) بقلب الجيم ياء كما هو جار في اللهجة المحلية، وهي طبق طعام مستوي الشكل، كبير الحجم، يصنع من الخشب عادة، ويستخدم لتقديم الطعام في الموائد الكبيرة، خاصة الموائد الرمضانية اليومية ويطلق على هذا الطبق عند البدو اسم قدح أو (جدح).

المجبة :

وتنطق محليا ايضا (المكبة) وهي غطاء يستخدم لتغطية أطباق الطعام، ويصنع من سعف النخيل، ويكون عادة مزيناً بالألوان والنقوش، والبعض يسميه المغطاة.

المضراب :

ويستخدم لخلط وترقيق اللحم مع الحب بعد أن ينضجا على النار لإعداد الهريس.

المثعاب :

وهي مغرفة مدببة الطرف تستخدم في إضافة السمن الساخن أو المرق على الأرز أو على أي نوع آخر من الطعام الذي يلزمه السمن عند طهيه.

المادة :: أدوات إشعال النار والأفران

الملبكة :

وتطلق على ما يشعل النيران مثل عيدان الكبريت، وعلى الولاعات التي تستخدم الكيروسين أو البنزين أو الغاز.

القراعة :

وهي عبارة عن قطعتين من الحصى، يصدر عند احتكاكهما ببعضها بعضا بسرعة وقوة شرار تؤدي إلى إشعال النيران في الحطب الجاف جدا أو في العيدان المبللة بالكيروسين.

فش النغر (الصلبوخ) :

ويسميها البعض اختصاراً (فش) وهي عبارة عن صخور بحرية هشة توضع أسفل عيدان الحطب أو الفحم المشتعل، ولا يتأثر هذا النوع من الصخور بالنيران الملتهبة، وهي ذات قدرة كبيرة على تحمل الحرارة وتركيزها باتجاه القدر بدلا من تشتتها.

الماقد :

وهو المكان الذي يجهز لوضع صخور (فش النغر) المستخرجة من قاع البحر، وفوقها الحطب أو عيدان الاشجار الجافة أو الفحم ثم إشعالها، فتصبح موقد النار الذي يستخدم للطهي.

المشب :

وهو أداة لتحريك الجمر دائري الشكل له استخدامات عدة، منها تخفيف حرارة الطعام الذي خرج من الفرن أو من فوق النيران ووضع على المائدة على الفور، ويساعد أيضاً على اشتعال النار وتأججها في الموقد، وذلك بتحريكه يمنة ويسرة فتزداد النار بذلك اشتعالا، ويطلق الاسم ايضا على الحطب الجاف الذي يوضع فوق الفحم فيساعد على إشعال الفحم، أي انه اشبه بالكيروسين الذي يوضع فوق الفحم الجاف للمساعدة على إشعاله.

التنور :

ويسمى ايضا (هندوي) في اللهجة المحلية، وبه فتحة يوضع فيها الحطب تسمى (دمي) وهو أقرب إلى الفرن منه إلى الموقد، وعرفت منه أنواع ثلاثة :
تنور الهريس : وهو عبارة عن حفرة في الأرض أكبر في مقاساتها من القدر المستخدم للطهي، ثم توضع الجمرات وفوقها قدر الهريس ويغطى بالرمال.
التنور الثابت : ويصنع من الطين أو الجص والأسمنت ، ويختار له موقع ثابت في ساحة البيت ويخصص بصفة مستمرة للطهي.
التنور المتحرك : وهو عبارة عن ثلاثة أحجار قريبة من بعضها بعضا يوضع بينها الخشب الجاف أو الفحم أو قطع الخشب القابلة للاشتعال، وفوقها يوضع الموقد، وبإمكان ربة البيت تحريكه إلى المكان الذي تريده.

المحاور :

ويطلقون عليه اسم (المركة)، وكذلك (المركية) في مناطق متعددة بالإمارات، وهو أشبه بالتنور أو الموقد، فهو يتكون من طوق حديدي مثبت به ثلاثة أرجل، ويوضع عليه القدر الموجود به الطعام المطلوب لطهيه، ويوضع بين الأرجل الثلاثة الحطب أو الفحم.

المخبز :

وهو قطعة من الحجر أو الحديد، توضع فوق الجمرات وتستخدم لعمل الخبز الرقاق والمحلي والخبز و(الجباب)، وليس له أحجام ثابتة، بل تعده كل أسرة حسب حاجتها.

المادة :: أدوات طهي الطعام

القدور :


وهي الأوعية أو الأواني التي تستخدم لطهي الطعام، وكانت تصنع من مواد تقاوم اللهب مثل النحاس أو الفخار أو الألمنيوم الذي دخل إلى المنطقة في العقود الأخيرة وأهم أنواع القدور التي عرفت بالمنطقة : القدر الفخاري : وهو أقدم أنواع القدور في الإمارات على الإطلاق، وكان أكثر الانواع شيوعا، خاصة في النصف الاول من القرن العشرين وما سبقه، ويستخدم في طهي الطعام، وهو يصنع محليا، خاصة في محارق الفخار التي كانت منتشرة في رأس الخيمة. البرمة : وجمعها البرام : وهو الآخر قدر يستخدم للطهي، ويصنع من الفخار المحروق. الطابي : وهي التسمية المحلية للمقلاة التي تستخدم لقلي الطعام وهي دائرية الشكل ذات حواف عالية، واستخدمت لقلي السمك وغيره بالزيت والسمن. الصفرية : وهي القدر المصنوع من النحاس ذو أحجام متفاوتة. بينها الكبير الذي يمكن ان يطبخ فيه كمية تكفي عائلة كبيرة، وبينها الصغير. والملاس : وهي الأداة التي تستخدم لتقليب الطعام خلال طهيه، كما تستخدم كمغرفة لإخراج الطعام بعد أن يجهز. قديماً كان الملاس يصنع من عيدان الخشب، ثم بعد ذلك صار يصنع من النحاس الذي يغلف بمقابض خشبية، وفي وقت لاحق اصبح يصنع من الالمنيوم. المشخلة : أو المصفاة وتستعمل لتصفية الطعام من السوائل أو المياه التي توجد بها بعد الطهي، مثل تخليص الارز من الماء بعد طهيه عن طريق غليه في الماء، أو تخليص (البلاليط) الشعرية من الماء. الكفشة : وهي الملعقة الكبيرة التي يطلق عليها كذلك (الخاشوكة) وتستخدم لنقل الطعام المطهي من القدر إلى أواني المائدة. الأدوات المستخدمة لتقديم الطعام وتناوله رغم البساطة التي كانت عليها المائدة في مجتمع الإمارات فيما مضى، إلا أنها كانت مرتبة ومنوعة وتضم أدوات مخصصة لتناول الطعام ولا تستخدم في أي أمر آخر حفاظاً على نظافتها وحرصا على الاحتفاظ بها مدة أطول. ومن بين هذه الادوات : السرود : عبارة عن حصيرة مستديرة الشكل أو مستطيلة مصنوعة من سعف النخيل، وتكون عادة مزخرفة باشكال جميلة وألوان متعددة مقبولة ومحببة لأبناء الإمارات، وتقوم ربات البيوت بصنعها. وعادة تجتمع الأسرة حول السرود لتناول الطعام، ويجتمع معها الضيوف كذلك، الرجال وحدهم، والنساء وحدهن. وتكون للضيف عادة الصدارة حول السرود، وكان الجالسون حول السرود لتناول الطعام يقعدون فوق حصير كبير. اللقن : وتنطق محليا (اللكن)، وهي الصواني التي توضع فيها أطباق الطعام وتوضع فوق السرود، وتكون كبيرة الحجم تستوعب كمية كبيرة من الأطباق. الخنجة : وهي الطبق الكبير الذي يقدم فيه الطعام، خاصة الأرز واللحم أو السمك، وهي ذات شكل بيضاوي.

المادة :: أدوات حفظ المياه واستخداماتها

أدرك إنسان الإمارات منذ زمن بعيد أهمية المياه وضرورة الحفاظ عليها وترشيد استهلاكها، وكان في سعي دائم وراء أماكن تواجدها، بسبب ان المياه كانت شحيحة وخاصة في سنوات الجفاف، لا سيما وأن المصدر الأساسي للمياه في الإمارات هو الأمطار التي تهطل أحياناً على شكل سيول عنيفة تشق طريقها بقوة، جارفة أمامها كل ما يعترضها. فهذه المياه كانت تتسرب إلى باطن الأرض فتغذي المياه الجوفية، مما يسهل فيما بعد أمر إخراجها من جوف الأرض عن طريق العيون والآبار التي يحفرها الإنسان. وكان البعض يحاول ادّخار مياه الأمطار من خلال مجار مخصصة في أسقف البيوت تنتهي عند مزاريب خاصة يضعون أسفلها أواني فخارية تتجمع بها المياه. ومن الأدوات التي كانت تستخدم في حفظ الماء : الحِبْ : ويصنع من الفخار أو الطين المحروق، وهو آنية فخارية لتبريد المياه المخصصة للشرب، وحجمه كبير يستوعب عدة جالونات من المياه. اليحلة : وتصنع من الفخار أو الطين المحروق، وهي عبارة عن زير الماء الصغير الذي يوضع أسفل (الحب) الكبير، فتتلقى قطرات الماء التي تتسرب والتي تكون نقية جداً وأكثر برودة من المياه الموجودة في (الحب). واليحلة كروية الشكل ولها رقبة قصيرة، وينطقها البعض (الجحلة)، وجمعها (يحال) أو (جحال). البرمة : وتصنع هي الأخرى من الفخار أو الطين المحروق، وتوضع كما اليحلة تحت الحب الكبير لتلقي المياه التي يرشحها، كما أن لها استخداماً آخر مهما، إذ يوضع فيها الحليب للتخمير ويتحول إلى لبن رائب. الخرس : ويصنع من الفخار أو الطين المحروق، ويستخدم لتخزين الماء وتبريده، كما كانت بعض أنواعه تستخدم في تخزين التمر، فقد كان يتسع لما وزنه 60-90 منّاً (المن هو أربعة كيلو غرامات). الجربة : أي قربة الماء، المصنوعة من جلد الماشية، ومن جلود الأغنام، وكانت فوهة الجربة تربط بحبل يسمى حبل (الوجه). أي الوكاء في الفصحى. المزود : قربة الماء كبيرة الحجم. الشنة : وهو الاسم الذي كانوا يطلقونه على قرب الماء القديمة. ولهذه القربة ميزة خاصة، فهي أسرع في تبريد الماء من القربة الجديدة. الكروة : وتصنع من الفخار، وتخصص لتبريد المياه المخصصة للشرب في فصل الصيف وهي كروية الشكل من الاسفل ولها عنق طويل، وبين العنق والكرة توجد قطعة فخارية هي امتداد لجدار الكروة لمنع دخول الحشرات إلى الماء. الدلو : وهو كالجربة يصنع من جلد الحيوانات، وكان الدلو الكبير يطلق عليه اسم (القرب)، ويصنع من جلد البعير. وشكل الدلو دائري ويربط من ثلاث جهات، ويستخدم لاستخراج المياه من الآبار وعيون الماء، وفي البادية كان البدو يطلقون لفظ (سحلك) على الدلو أو سطل الماء. الكوز : وهو آنية فخارية صغيرة كانت تستخدم لنقل المياه من الأواني الكبيرة لاستخدامها في شتى الأغراض، وخاصة الوضوء للصلاة، ثم تطور أسلوب صناعة الكوز من الفخار ليصنع من المعدن، ويصنع في الوقت الراهن من البلاستيك. المغسل : وهو وعاء يتجمع فيه الماء بعد غسل اليدين، كان يصنع قديماً من الفخار، ثم تطور ليصنع من المعدن وهو دائري الشكل عليه غطاء مخرم وعنق بسيط يؤدي إلى شكل كروي يتجمع فيه الماء المستخدم بعد غسل اليدين حين الانتهاء من تناول الطعام، خاصة عند وجود الضيوف. الطشت : ويستخدم لغسيل الملابس، وأحياناً تكون له استعمالات أخرى كإعداد كميات كبيرة من الخبز ويصنع عادة من المعدن، خاصة معدن الألمنيوم. الجدح : وهو القدح الذي يستخدم لشرب الماء


المادة :: الفصل الخامس - الفرد في المجتمع المحلي

الأسرة والجماعة والقبيلة


يعد العرب طوال تاريخهم الطويل وحتى اليوم من أكثر الأمم اندماجاً وحباً لحياة الجماعة، وأكثر شغفا بالجلوس والسفر جماعات ومواجهة التحديات بروح الجماعة أيضا. وهذا السلوك الحضاري يتجسد في اشكال عديدة، وقد ظل العرب يتوارثونه جيلا بعد جيل ولم يتعرض هذا السلوك إلى تغير كبير إلا في جوانب لا تستحق الذكر.
من ضمن العادات الاجتماعية التي حافظ عليها العرب طويلا عادة الجلوس في حلقات للحديث عن شؤون الدين والدنيا. وقديما كانت أمسيات الشتاء الباردة تعقد فيها حلقات حول النار التي توقد لأغراض التدفئة وتخفيف وطأة البرد القارس في جوف الصحراء، ولأغراض أخرى اكثر أهمية واكثر ارتباطا بعادات شاعت وذاع صيتها بين العرب، وهي استخدام النار علامة من بعيد تهدي المسافرين وعابري السبيل والتائهين الذين فقدوا طرقهم والمحتاجين إلى الطعام والماء والإيواء وهذه علامة على كرم وعطاء وشهامة العربي.
لقد خلقت الصحراء الواسعة حب الحياة والحركة عند ساكنيها، ومع هذه الحرية والحركة في الصحراء طور البدوي مجموعة من القيم تتناسب والحركة، أهمها الوفاء بالعهد، ويتمثل هذا الوفاء في مجموعة من القيم مثل : الكرم والمروءة والشجاعة والإجارة والنجدة. والبدوي يتوقع أن يعامله الآخرون بمثل ما يعاملهم به. لقد أصبحت فضائل الكرم والضيافة بين أهم القيم التي يتمسك بها البدو. إن كثرة العدد عند البدو تعوض في كثير من الأحيان الإنسان الطبيعي في مواجهة مشاكل الطبيعة. وفي المجتمع البدوي تصبح الجماعي هي قيم الانتماء إلى الجماعة. فالبدوي وإن كان بعيداً جغرافيا عن بقية أفراد جماعته إلا أنه يشعر بأنه جزء لا يتجزأ من الكل أي القبيلة، فهو يتوقع الكثير من جماعته كما يتوقعون هم منه الكثير.
لهذه القيم الجماعية عند البدوي إيجابياتها فهي تؤكد على التعاون والتعاضد والالتزام الشامل إضافة إلى تحقيقها الطمأنينة النفسية، فالإنسان في الصحراء لا يشعر بالوحدة حتى ولو كان بعيداً مكانياً عن بقية افراد القبيلة، فهو يشعر دائماً بان هناك مجيراً له في هذه الصحراء يعتمد عليه عند الحاجة، وعموما تمثل القبائل في الصحراء وحدات اجتماعية كبيرة وهي بدورها تنقسم إلى وحدات قرابية صغيرة، حيث تنقسم هذه الأخيرة إلى وحدات أصغر حتى تصل إلى مستوى تقف عنده وهو الأسرة أو العائلة.
كان لابد من هذه المقدمة النظرية الموجزة ونحن مقبلون على خوض تفاصيل محور النظام الاجتماعي للبادية في دولة الإمارات وخصائص هذا النظام والعادات والتقاليد المرتبطة بالمجالس العربية الشعبية التي كانت تمثل ظاهرة اجتماعية جلية في مجتمعنا المحلي ولا تزال تعبر عن الكرم والجود والضيافة العربية الرحبة.
تعتبر الأسرة أصغر تنظيم اجتماعي ضمن القبيلة البدوية. وتتضح هذه الوحدة في افضل صورها أثناء الرحلة الشتوية للقبائل الرحل حيث تنفرد كل أسرة بمجموعة صغيرة من الخيام هي خيمة الاب وخيم أبنائه وزوجاتهم، وتكون هذه المجموعة وحدة اقتصادية واجبها رعي القطيع وسقايته وتوفير الحماية له. والاسرة البدوية تمثل النموذج الامثل للأسرة الابوية التي تكون فيها السيادة المطلقة للأب وتحتل المرأة مكانة ثانوية، ولا تناقش في العادة سلطة الأب المطلقة من قبل ابنائه كما لا تطمع المرأة لان ترقى في أهميتها الاجتماعية أو السياسية إلى مستوى الرجل. ويهتم البدوي بالنسب ويباهي به فهو الذي يحدد مدى ارتباطه بالقبيلة. ومن أبرز مفاهيم البدوي الاجتماعي المحافظة على الاعراف والتقاليد والمثل البدوية التمسك بها، تلك المثل التي يأتي على رأسها المروءة والكرم والشرف والشجاعة وحماية الجوار والدفاع عن العرض واحترام الكبير والأخذ بالثأر. وتعتبر هذه المثل قوانين البدوي غير المكتوبة. كما يتصف البدوي بالصراحة والباسطة وحب الحرية، لذلك فهو زاهد في الاستقرار والخضوع لحكومة مركزية. ولا يعرف البدو الفروق بين الطبقات فهو ينظر إلى رئيسه وكأنه على قدم المساواة معه اجتماعيا وماديا، كما يتصرف في حضوره في ألفة طبيعية.
يميل البدوي إلى الزواج المبكر، وفيما عدا الشيوخ فمن النادر ان يحتفظ البدوي بأكثر من زوجة واحدة، وهو يحب كثرة الاولاد، ومن عادة البدوي ان يتزوج في سن العشرين لا سيما إذا كان الأب مقتدرا ماليا وفي استطاعته ان يوزع بعض رؤوس قطيعه من الإبل عليهم، وإلا فقد يتأخر زواجهم حتى الثلاثين. ويكون الزواج عادة من الاقارب ولا سيما بين ابناء العمومة. وقد تبقى الفتاة عانسا طوال حياتها ان لم يوافق احد اقاربها على زواجها، غير أن هذا التقليد كان ضعيفا في الغالب.
وتتجمع العشائر في مضارب متقابلة تتصاهر مع بعضها كما انها دائمة الترحال. وتقوم المرأة باعمال المنزل وتساعد زوجها في رعي الاغنام والإبل. وكذلك يساعد الأبناء والبنات على قدر طاقتهم. كما أن الاسرة البدوية أكثر قابلية لاستقبال الضيوف حيث ان المرأة في الاسرة البدوية تستقبل ضيف زوجها، وتعد له الطعام وتكرمه في غياب زوجها حتى عودته، بعكس نساء القرى والمدن الساحلية، حيث ان المرأة اقل اندماجاً وأكثر ابتعاداً عن المقابلات مع الغرباء وضيوف زوجها. وكما سبق القول فإن الرعي وغزل الصوف وصناعة منتجات الألبان وإنتاج الفحم النباتي وتقطيع الحطب وتسويقه تعتبر من اهم الأعمال التي تقوم بها الأسرة البدوية. ويعتبر النشاط الرعوي محور حياتها ويلعب دورا اساسيا في اقتصاديات الاسرة البدوية فتربي الإبل والأغنام والماعز ومن خلال توالدها يتم بيع العديد منها. وللبيئة الصحراوية عرف وعادات وتقاليد تمس جوانب اجتماعية للبدو وهم أكثر إحساسا بها وقد لا تعيرها المناطق الأخرى أي اهتمام.
ويلي الأسرة في التنظيم الاجتماعي البدوي مجموعة من الأسر وثيقة الاتصال ترتبط بروابط النسب ويمثلها (الفخذ) أو (البطن). ويفيدنا معالي الشيخ الخزرجي أن (الفريق) يقال لكل حي من أحياء البادية لبعدهم عن الآبار ويرحلون من موضع إلى موضع جميعا ويحملون المعوزين على ظهور إبلهم عند النقلة، وفي قضاء حوائجهم وللكسب على عائلاتهم ويخصصون لهم من ذوات اللبن ناقة أو ناقتين وتسمى الواحدة (منيحة) وجمعها (منائح) وإذا ارتحلوا من موضع قالوا شدّوا) ويقال (ظعنوا) والظعن في الفصيح أي الارتحال، وقطار الإبل يسمى (الجافلة) وهو في الفصيح : القافلة).
أما العشيرة فتتكون من مجموعات من الافخاذ أو البطون وترتبط فيما بينها بروابط نسب بعيدة أو أحياناً بمجرد المصالح المشتركة أو الخضوع إلى زعامة موحدة أو المشاركة في القتال. وتتكون القبيلة من مجموعة العشائر.
والقبيلة تنظيم سياسي أكثر منها تنظيما اجتماعيا وهي ترتكز على ركنين اساسيين هما الرئاسة أو المشيخة والعصبية القبلية. فأما المشيخة فتتمثل بالشيخ وهو الأب الروحي للقبيلة البدوية. ولكل عشيرة أو فخذ أو بطن رئيس يعترف به الجميع ويسمى (شيخ) أيضاً وكذلك مقدم، وهو يعتبر نائبا لشيخ القبيلة الاعلى. والحقيقة ان قلة من الشيوخ يستطيعون ان يضمنوا لانفسهم مركز شيخ القبيلة، أو شيخ مشايخ العشائر وعادة ما تثبت لهم هذه المكانة في أوقات الحروب التي يثبتون فيها تفوقهم على شيوخ العشائر الاخرى. وحينذاك يسمى (التميمة) أي شيخ مشايخ كل العشائر والبطون والأفخاذ.
ويفيدنا الشيخ الخزرجي ان لكل أهل قرية أو حارة أو عشيرة زعيما يقلدونه امرهم إما لكونه من سلالة زعمائهم أو لعلمه أو لكبر سنه وخبرته أو لكرمه وحسن خلقه. ينفذون امره ويقبلون قوله ويسعى إلى حل مشاكلهم وإصلاح ذات بينهم، وينوب عنهم بالمطالبة بحقوقهم وقضاء حاجاتهم عند حاكم الإمارة التي ينتمون إليها أو شيخ القبيلة التي هم من عشائرها وبطونها. وإذا حدث امر أضر بكرامتهم جميعا أو بعضهم ولو فرداً واحداً طالبوا بحقوقهم، فإن لم يجدوا تجاوبا انتقلوا تاركين وراءهم غير المنقول من العقارات حرصا على كرامتهم، وعند ذلك يقوم اهل البلد الذين هم جزء من سكانها أو القبيلة التي تهم من بطونها فور علمهم، ويسارعون إلى حاكم الإمارة أو رئيس القبيلة يطالبونه بإرضائهم والتسامح معهم، فيرحب بوساطتهم ويعدهم خيرا وربما أرسل أحد أقاربه لمفاوضتهم والوصول إلى حل مرض. فإن أبى أو تغافل عن أمرهم أدى ذلك إلى تعصب جيرانهم أو بعض بطون القبيلة معهم فيضطر إلى الأخذ بالوسائل المرضية.
وإن تم انتقالهم إلى بلدة أخرى ركب أهل بلدهم على ظهور السفن أو الإبل أو الخيل قاصدين تلك البلدة فينزلون ضيوفاً على حاكمها فيكلمونه في الموضوع الذي جاؤوا من أجله، فيقول باللهجة الشعبية (أرضوهم ونحن ما نحب بينكم خلاف) فعند ذلك ينتقلون إلى منازلهم المقيمين فيها فيدور فيما بينهم حوار يؤدي في غالب الأحوال إلى رجوعهم إلى وطنهم وبعد الاتفاق يذهبون إلى الحاكم الذي آواهم ليطلبوا منه الإذن في الرجوع فيرد عليهم (يسرنا اتفاقكم ونرحب بجمع كلمتكم والبلد بلدكم ولا شيء يفرق بيننا)، وتسمى هذه (المشية). والمشية تسقط كثيرا من الحقوق ويقع بسببها التسامح والوئام ونتيجتها التقدير والاحترام.
وقد جرت العادة في اختيار شيخ القبيلة أو حاكم الإمارة من اسرة سبق وان حكموا الإمارة أو تزعموا قيادة القبيلة ويبايعه الزعماء والاعيان ويدير أموره مستقلا ويعين القضاء وموظفي إمارته. وإذا حزبه أمر شاور أهل الرأي والحنكة في مخرج منه أو الاهتداء إلى الغاية المقصودة. وإذا ضعف الشيخ عن الأمر المناط به أو توفي، خلفه أكبر أبنائه فإن لم يعقب أو كانوا صغارا فأحد أخوته أو بني عمه. وهكذا، وهذا القول يسري على البادية والحضر.
وفي تعليق للدكتور حسن قايد يقول (إن النظام السياسي في البادية لا يقوم على اساس قواعد منظمة كما يحدث في الدولة الحديثة. حيث لا يجوز لاي نظام ان يحصل على ثقة إلا إذا توفر له الدستور والبرلمان والمؤسسات الديمقراطية الاخرى. أما النظام القبلي في البادية فيحكمه وينظمه العرف والعادات والتقاليد التي تضرب في الجذور العميقة لتاريخ هذه القبائل. ان النظام القبلي الذي يتحكم بنواميس البادية أشد صرامة وأكثر احتراماً وتقديساً من قبل افراد القبيلة من ذلك الاحترام الذي نراه للنظم الوضعية. والسبب ان التزام البدوي بعادات القبيلة ينبع من اقتناع يصل إلى حد التعصب لكل ما اتفق عليه الضمير الجمعي في القبيلة، ولكل ما انحدر من تراث موغل في القدم وينحدر من عهود الأجداد الأوائل الذين اسسوا هذه العادات وبدؤوا يمارسون هذا السلوك إلى غير ذلك من الأسباب والعوامل).
ثم يصف الدكتور حسن شيخ القبيلة بانه عادة ما يكون مثالا للذكاء والدهاء وصواب الرأي، وفي نطاق القبيلة يكون الشيخ اكثر إلماما بأحوال القبيلة ومتطلباتها ومشاكلها وأهم من هذه كله تاريخها وتاريخ علاقاتها الودية أو غير الودية مع القبائل المجاورة.
ويأتي تكوين الشيخ الثقافي بالتدريج نظرا لأنه ينشأ في منزل أبيه الشيخ الأكبر حيث يتجمع حوله كبار رجال القبيلة وتدور بينهم وبين الشيخ أحاديث في شؤون الدنيا والدين وفي شؤون ادارة القبيلة. والشيخ الصغير ينصت جيدا إلى ان تتكون لديه الحصيلة السياسية التي لا تتوافر لدى سواه من شباب القبيلة. ويبدأ والده يؤهله لإدارة دفة الحكم ولا يأتي دوره في استلام زمام الحكم إلا ويكون قد امتلك مؤهلات القيادة وإدارة القبيلة بحنكة ومقدرة وحسن تقدير.
والنظام الاجتماعي في البادية نظام حضاري أجمع كثير من المفكرين الذين قاموا بأبحاثهم حولها على انه احد النظم الراقية المعمول بها في المجتمع البشري المنظور.
ويقول الدكتور شاكر خصباك إن الشيخ يحكم في قبيلته أو عشيرته مستندا إلى مكانته فيها وعلى منعته التي توفرها له عصبته وأقرباؤه الاقربون. وهذا المنصب في العادة وراثي حسب النظام التسلسلي حيث يرثه الابن الاكبر أو الذي يليه عن أبيه بعد وفاته حتى لو كان صبيا صغيرا. إلا أنه ينحصر عملياً في أكثر الأسر البدوية ثراء ليستطيع الشيخ مواجهة النفقات التي يتطلبها مركزه، وفي أحيان نادرة تلغى قاعدة الوراثة لمصلحة شخص تتوافر فيه مؤهلات القيادة بدرجة أعظم. أما بالنسبة للاتحادات القبلية الضخمة فإن العادة المتبعة ان يختار (شيخ المشايخ) من أسرة معينة بواسطة المجلس القبلي الذي ينتخب أكثر الاشخاص لباقة دون الخضوع إلى قاعدة النسب التسلسلي المشار إليها أعلاه. ويحكم الشيخ في عشيرته حسب أحكام القرآن والتقاليد والأعراف البدوية، ويعاونه في الحكم مجلس استشاري من الرجال الكبار ذوي المشورة أو من رجال الدين، أو من رؤساء الأفخاذ الثانويين وهو مسؤول عن تطبيق العدل بين أبناء قبيلته.
ويفيدنا الشيخ الخزرجي عن الخصومات التي تنشأ بين أفراد القبائل الذين لا تضبطهم إدارة مركزية، وهم الرحل الذين يسكنون خيام الشعر وظلال الاشجار يبحثون عن الكلأ حيثما أمطرت السماء، حصونهم ظهور إبلهم وأسوارهم ملافظ بنادقهم، اكتسبوا أدبهم من البيئة الصحراوية فقست قلوبهم وقوي عودهم وارتفعت إرادتهم، فلا خضوع ولا خنوع، بل حسن خلق في لباقة، ومحبة في إخلاص، كلامهم صريح، يحمون الجار ويدافعون عن الذمار، أخلاقهم سليمة وأعمالهم جميلة يطمئن الانسان إلى صحبتهم ولا يخشى خيانتهم، لهم نظام قبلي يتقيدون به ولا يخرج عنه إلا من شذ، ولهم عرف يقال له (السالفة) يرجعون إليه عند اختلافهم يحكم به رجل ضليع في الأعراف والعادات، يترافعون إليه في الحقوق والدعاوى وفي الحوادث ونظام الحروب وعندما يرى أي إنسان تقصيرا من الآخرين في ضيافته أو إهانته بوسيلة من الوسائل.
ويعطي الخزرجي أمثلة على ذلك بقوله : (إذا اعتدى طرف على إبل طرف آخر لمطالبته بحق مالي أو بعض الاعتبارات الإنسانية ويسمى هذا (الوخيذ) يقوم الطرف الثاني بالطلب، ويجتمعون بأهل الرأي والحل والعقد من قومهم فإن لم تحصل التسوية سلميا ذهبوا إلى السالفة. فإن اثبت المطالبة وعدم إعطائه حقه أو محاكمته أخذ الإبل فلا مطالبة لهم في إبلهم ويجري الحكم في الحقوق فقط. وإن أنكر المدعي عليه دعوى المدعي طلب الحكم البينة، وهي عند علوم البينة اليمين، ولكن يحلف خمسة من المدعى عليهم أو يردون الدعوى ويحلف خمسة من أهل الدعوى.
وعند تلف الإبل يرد ثمنها بتقويم خمسة أشخاص ويسمى هنا التقدير (الذيال). وغير الإبل يكفي في تقدير ثمنها رجل عدل مقبول لدى الأطراف المختلفة. أما دعوى الدماء فلا يثبت إلاّ بخمسة عشر رجلا يحلفون أن دم فلان بن فلان عند المذكورين وللمدعى عليهم الحلف بنفس العدد عند عجز أهل الدعوى وإن كانت الدعوى بين الفرقاء.
فيما يتعلق بالاعتبارات الإنسانية كحق الجار والضيف و(الربيع) أي الصديق فإن (المشية) تحل المشكلة وهي ان يأتي القوم معترفين بالخطأ إلى منازل أهل الدعوى واضعين أسلحتهم أمامهم تقديرا واحتراما. وصفة ذلك أنه بعد أن يستقر بهم المجلس يضعون البنادق بين أيدي القوم الذين قصدوا منازلهم قائلين لهم (نحن حالنا واحد ولا يخرب بيننا اليهال). ويقوم أهل المنزل برفع البنادق لأصحابها. والمشية لها غاية نبيلة لأنها تصلح ذات البين، وتجمع الكلمة، وتبعد الخلاف ثم ترد لجارهم أو ضيفهم أو ربيعهم حقوقه المأخوذة بعينها ان كانت موجودة أو أثمانها تقدر بحسب ما أسلفنا ذكره.
وأما دم الجار والضيف والربيع (أي الصديق) والزبين (أي اللاجئ) فلذويهم عندما يكون الاعتداء عليهم في غير دفاع مشترك مع المذكورين، فالمطالبة بالدم لعشائرهم فإما مادية أو خلاف مشتعل أو ذخر أي إرجاء الدعوى والمطالبة بالدم حتى يقع من أولياء الدم قتل سواء كان متعمدا أو وقع صدفة لحافز آخر فيسقط دم القتيل.
وإذا وقع اعتداء في حدود قبيلة أو حدود إمارة فلهم المطالبة برد جميع ما أخذ من المعتدى عليهم فقط لأنهم في حمايتهم. وهذا حق مطلق لكل من أصيب في الحدود ويقال له الحرم وهو الحريم لأن لكل إمارة أو سكن قبيلة حريما له أحكام وحقوق مذكورة في محلها من كتب الفقه.
وفي هذا السياق لنا وقفة ايضا مع ما يشير إليه المقدم عبدالله حمد راشد في كتابه (التطور العائلي في مجتمع الإمارات) إذ يقول : عندما تحدث مشكلة يرى من خلالها الفرد بأن حاكمه قد هضم حقه ولا يستطيع ضمان حق من حقوقه، يلجأ إلى ما يعرف بعملية (المراضجة) وتعني التجاء هذا الفرد لأحد شيوخ (حكام) الإمارات القريبة طالبا اعتباره من ضمن رعيته ورفيقاً لهم. فإذا ما وافق وحصل على مبتغاه عاد ثانية إلى إمارته وأحضر عائلته للهجرة منها. وتعني (المراضجة) الرفقة والبقاء تحت تصرف الحاكم وكثيرا ما يقوم حاكم الإمارة الموافق على (مراضجة) الفرد بِأن يوفر لعائلته أو للأسر القادمة سكناً ويؤمن بعض احتياجاتهم الضرورية. وغالبا ما يتدخل كبار أهل المجتمع في هذه المشكلة لحلها. وبشكل عام فإن شيخ القبيلة لا يمكن أن يفرض ما لا تقبله هذه القبائل والعشائر. ومن هنا نرى ان القيادة السياسية في القبيلة الحاكمة ذات حنكة وحسن تصرف ورأي سديد تجاه حل المشاكل. وقد تعتمد على كبار السن ذوي المراكز الاجتماعية والاقتصادية للتشاور معهم حول بعض المشاكل التي تواجه القيادة السياسية في القبيلة الحاكمة وتحاول عدم التفريط في أبناء المجتمع وحل مشاكلهم الاجتماعية. ومن ناحية أخرى تستقبل المهاجرين إليها (المراضجين) وتقدم لهم المساعدة العينية اللازمة والهدف من ذلك زيادة عدد السكان من ناحية والقوة الدفاعية للبلد من ناحية أخرى.

المادة :: المجالس

يندرج ضمن الحياة الجماعية ومظاهر التكافل والتواصل وصور الكرم وعادة الضيافة عند أبناء البادية في الإمارات العربية المتحدة، موضوع المجالس. فقد درجت العادة أن يدير كل شيخ من شيوخ القبائل مضيفاً يعتبر منتدى أبناء القبيلة، فيه يجتمعون ويناقشون شؤونهم ويتناقلون الاخبار والحكايات. ويسمى المجلس عندنا (البرزة) فيقال : (الشيخ بارز) إذا كان جالساً في برزته.
ويحق لكل فرد من أفراد القبيلة ان يحضر في هذه المنتدى وان يدلي بوجهة نظره في الشؤون المتعلقة بعشيرته، والشيخ هو المسؤول عن نفقات المضيف وهو لا يتقاضى شيئا لقاء ذلك من أفراد قبيلته بل ينفق عليه من موارده الخاصة. غير ان بعض الشيوخ يفرضون على أفراد قبيلتهم ضرائب على حيواناتهم لسد نفقات المضيف.
وقد يكون هذا المضيف عبارة عن بيت من الشعر قرب بيت الشيخ أو في منتصف (الفريج) أي الحي أو المخيم البدوي، وقد يكون المجلس البدوي (المضيف) عبارة عن حظيرة محاطة من ثلاث جهات بغصون الاشجار من السمر والغاف وغيره يقي النازل من الرياح القوية وتصاعد الرمال. والحظيرة هي الاكثر انتشارا بين قبائل البادية الرحل تخصص واحدة لكل مخيم أو فريق أو عدد من البيوت المجتمعة مع بعضها بعضا في موقع واحد من الصحراء.
كما يمكن ان تكون إحدى اشجار الغاف الكبيرة المتميزة بظل وارف (مجيلة) أي مقيلة (يلجأ إليها القوم وقت القائلة أي بعد الظهر) مضيفاً للاستقبال. لكن العربي كان على الدوام عاشقا للخلاء محبا لعناصر الطبيعة الثلاثة التي وجد نفسه يتعامل معها والتي وهبها له الله وهي الصحراء في البر والقمر والنجوم في المساء. لذا نجد أبناء البادية يجتمعون خلال الليالي المقمرة والأمسيات المنعشة في حضن الليل للسمر والسهر وتناول القهوة وحليب النياق التي يشترك في توفيرها وجلبها (للبرزة) كانت تجمعهم صباح كل يوم في مجلس مشترك لتناول القهوة العربية النكهة ويشارك الجميع في المساهمة بدلال القهوة و (فناجيلها).
وإذا قصد الضيوف مساكن أهل البادية فإنهم يقصدون المضيف (الحظيرة) أو غيرها من أشكال المجالس السابقة الذكر والمعدة للضيوف، حيث يستقبلهم اهل الحي بكل سرور فإذا أنزلوا أمتعتهم عن ظهور رواحلهم أقبل أهل الحي (بالعتاد) وهو الحطب والدلال والقهوة والتاوة والمحماس وأضرموا النار في جانب قريب من الحظيرة وحمسوا القهوة ثم بعد دقها وضعوا الدلة على التراكيب أي الأثافي، فإذا غلي الماء وضعوا القهوة الناعمة فيها ويقال لها (تلقيمة). والغالب ان الدلال تكون ثلاثا الكبيرة يقال لها الخمرة ثم التلقيمة ثم المزلة التي تصب فيها القهوة بعد ان تكون جاهزة ثم تدار على الضيوف في (فناجيل) أي أكواب صغيرة.
وإكرام الضيف يكون بالمناوبة على سكان الحي فمثلا إذا جاء ضيف وقام بكرامته زيد من الناس ثم جاء ضيف فعلى عمرو ثم هكذا حتى يؤدي كل أهل بيت واجبهم تجاه الضيوف الذين ينزلون في الحظيرة لأنها مجلس الجميع.
ويكون الإكرام خاصا، أما الدعوة الموجهة من قبل أفراد الحي أو صداقة أو قرابة فمثل هذه الكرامة يقال لها (مقصورة) ولا تدخل في حدود المناوبة، ولا تؤثر على وضعها بل تلك جارية على حسب ما قدمناه ولا تعارض بينهما، فالذبيحة المقصورة لا تسقط عن أهل البيت (النائبة) بل هي حق على جميع سكان الحي، فقد يأتي ضيف في اليوم نفسه وقد ذبح الرجل (مقصورة) لآخرين فيلزمه ذبح (النائبة) لأنها حق عليه يلتزم به الجميع، والكرامة الاولى تصرف خاص.
ثم إذا قدموا الكرامة للضيوف والعادة ان يأتي رجل إلى الحظيرة ليصحبهم إلى البيت الذي فيه (النائبة) فإذا فرغوا نادي جيرانه للأكل ويسمى هذا الوضع أو هذه الدعوة (مهالة) وهي حق للجيران. وإذا لم يجد الضيوف أحياء البادية في المواضع التي قصدوها تطلعوا إلى مساكنهم من رؤوس الرمال أو آكام الشعاب فإن لم يروا معالم تدلهم على الاحياء قالوا (لاشيفة ولا ديسة). وإذا وردوا على ماء من آبار البادية وجدوا الرشاء قريبا من البئر على طريق صدرهم ووردهم فاستدلوا بآثارهم على مساكنهم فإن كانت آثار القوم قد عفت، فهو دليل على رحلتهم وارتحالهم عن الماء إلى ماء آخر.
وللجار والضيف والربيع – أي رفيق الطريق – حقوق وعليهم مثلها كما يشرحها الشيخ الخزرجي بقوله : (إن القبيلة لا تألو جهداً من أجل حماية حقوق الجار وحفظ كرامته). ولا يحضرون طعام وليمة إلا بجارهم وينتظرونه عند قهوة الظهر والصبح، حيث يجتمع الجيران من اهل الفريج أو الحي الواحد ويأتون بالرطب في الصيف والتمر في الشتاء مع اللبن وذلك في الصباح، وبعد صلاة الظهر، وربما أحضروا بعض الطعام. وإذا سافر الجار فحدث عليه حادث اعتداء قاموا بطلب ما ذهب عنه وإن أصابته نكبة ساعدوه، بحسب وسعهم، وإن أخطأ تحملوا خطأه وصفحوا عنه لحق الجوار. وإذا رجع إلى بلده بقي جواره ذكرى صداقة حتى بين أبنائهم. و(الربع) رفاق الطريق كالضيوف لا يصل إليهم سوء، ويولونهم العناية الكاملة، ويؤثرونهم في جميع الحالات.
وإذا رحل الضيف أو الربيع أو الجار فإنه يظل لمدة يوم وليلة تحت حماية من فارقهم ويعتمدون في مطالبتهم بحجة بقاء الطعام الذي أكلوه جميعا في بطونهم هذه المدة المذكورة، ولهم حق الربع ولذويهم المطالبة بدمائهم وأموالهم.
والربع حق متعارف عليه بين القبائل وهو الجاه والسلطة وعلى سلطة الربع تتبوأ القبيلة أو الإمارة مكانة مرموقة وله صور شتى أنه يكون عندما يريد قوم مسافرون اجتياز أرض أهلها أعداء لهم فيطلبون ربيعا من قبيلة يصحبهم ويقاتل لهم المربع. ومنها الربع على الجار ورفيق الطريق والضيف والزبين فإذا كان الواقع اعتداء على النفس فالربع نصف دية المقتول، وأما الدم ف من حق اهله وعشيرته وإن كان مالا فالربع مشية المعتدين وهي سعي لإرضائهم.
ومن العادات التي ورثها مجتمع الإمارات من الصحراء عادة التحية عن طريق حك ولمس الأنف بين الرجال. ويسمى الأنف (الخشم). وتتم هذه التحية حين يتقدم أحد الافراد ويلامس كل منهما أنف الآخر مع ترديد كلمات التحية ويقبل الابن انف والده وجبهته، وكذلك من هم أكبر منه سنا وخاصة أقرباءه وعشيرته.
ويعتبر الأنف (الخشم) دلالة على السمو والتعالي، وفيه كرامة الفرد ومن هنا اعتبر التبادل بالتحية عن طريق ملامسة الانف بالانف رمزا للتقدير بين الرجال، وبدأت هذه التحية تأخذ شكلا آخر مساويا لما قدمناه حيث يحيي الأفراد الحاكم أو من في مستواه بتقبيل أنفه.
ومن العادات التي تتأصل في نفوس أبناء مجتمع الإمارات الاحترام والتقدير فإذا ما دخل أحدهم مجلساً أو (برزة) فإنه سرعان ما يتجه إلى وسط المجلس حيث يجلس كبير القوم سنا أو مكانة فيسلم عليه ثم يصافح من هو على يمينه واحدا تلو آخر وهكذا.
وفي مجلس الحاكم (الشيخ) وتسمى (البرزة) وقد تكون داخل القصر أو خارجه وغالبا ما تكون غرفة داخلها على شكل كراسي طويلة يجلس الحاكم للنظر في أمر رعيته ويحل مشاكلهم مشافهة فإذا ما قدم أحد الافراد لمجلس الحاكم (البرزة) أو لمجلس من المجالس فيتوجه للسلام على الحاكم ويقف الحاكم لرد التحية وكذلك يقف من كان في (برزته) ومن ثم يتجه للسلام على الآخرين. وإن قدم أحد الشيوخ إلى أحد المجالس فإن الجميع يقفون للسلام. ويتجه لأكبر الموجودين سنا أو لصاحب المجلس. وعندما يجلس الحاكم يجلس الجميع. كذلك عندما ينتهي القادم من السلام على آخر شخص في المجلس يدعى – ان كان حضوره للمرة الأولى – للجلوس في صدر المجلس لأخذ (علومه) أي اخباره وخاصة إذا كان غريبا أو قادما من سفر. وبالرغم من ان مجلس الحاكم (البرزة) يشهد أكثر من قادم لقضاء حاجته أو للسلام، فإن الحاكم (الشيخ) لا يمل من الوقوف كلما حضر شخص للمجلس، وكذلك كل من حضر (البرزة).
ولما كانت الضيافة سمة من سمات مجتمع الإمارات بصفة عامة في البادية والحضر على حد سواء، والكرم عادة توارثها الآباء عن الاجداد، فقد حافظت المجالس على قيمتها منذ البعيد كرمز لذلك الكرم وصورة من صور التواصل والتكافل والتعاضد الاجتماعي، فإن هذا المجتمع قد عرف ولا يزال المجالس الشعبية المنتشرة في كل بقاعه الصحراوية والزراعية والريفية والجبلية والساحلية، ويكثر عادة التجمع في المجالس غالبا في ليالي رمضان في حلقات الذكر أو في حضور احد العلماء أو الحكام ولهذا تزداد المجالس رواجا في هذه الاوقات. وحين يأتي الربيع، يبدأ الكثيرون في الالتجاء إلى معشوقتهم الأولى الصحراء، ولا يلبث العربي ابن الامارات حين تبدأ نسمات الربيع ان يرتمي في أحضان الطبيعة ويبدأ ممارسة عاداته العريقة.
إن ظاهرة المجالس في المدن والمجتمع الساحلي المستقر موضوع مستقل بذاته وذلك لتنوع تلك المجالس وكثرة التفاصيل المرتبطة بها منذ أن كانت بيوت السكان تبنى من جذوع وسعف النخيل. لكن بشكل عام يمكن ان نؤكد بأن المجلس هو بحق ديوان للزوار والضيوف، حيث يحل الضيف على أحد المجالس فيستقبل بترحيب ويبدأ بتوضيح مقصده من زيارة المدينة سواء للتجارة في اللؤلؤ أو لشراء بعض السفن أو ان يكون قاصدا الزواج أو للزيارة أو أي أمر آخر. فتستقبل العائلة التقليدية في مجلسها المعد لذلك الضيوف والاصدقاء وأصحاب الحاجات للسلام وللضيافة وتظل أبواب الدار مفتوحة لأن المجلس دائما يكون قرب الباب المؤدي للمنزل. فإذا كان القادم قد حضر من أجل معرفة موقع مسكن أحد من أهل الفريق ويريد ان يرشد إليه لن يخرج من المجلس إلا بعد ان يأكل طعام الغداء أو العشاء أو الإفطار، ويرتشف القهوة ثم يرشد للمكان المقصود. وإن كان القادم ذا مكانة في بلده كأحد التجار أو الشيوخ أو من ذوي المكانة الاجتماعية، فإن الخبر ينتشر ويفد الجيران ويبدأ الكل باستقباله وضيافته لمأدبة يقيمونها له سواء على وجبة غداء أو إفطار ويبلغ صاحب المنزل ليبلغ بدوره الضيف، وتلك عادات أصيلة للكرم العربي التصقت بابناء المجتمع من البادية العربية، فتتبارى كل عائلة بأن تعد وليمة للضيف ومن معه من الجيران وصاحب المنزل الذي نزل الضيف عنده كذلك يدعى لهذه الوليمة (العزيمة) بعض كبار أهل المدينة مكانة كالشيوخ والتجار وكبار رجال العشائر. كما جرت العادة أن تقدم للضيف الفواكه إن وجدت ثم القهوة، وبعدها طعام الغداء أو العشاء ثم يدار الشاي وبعد القهوة ثم يمرر (مدخن العود) أي المبخرة وبعدها تنتهي الوليمة.
ومن الملاحظ ان كل شخص يحاول تقديم أفضل ما عنده لترتفع سمعته بين أفراد المجتمع وينتشر صيته لدى الآخرين لان الكرم الذي يلاقيه الضيف سوف ينقله ويصوره للآخرين في بلده.
وتختلف المجالس من حيث نوعية بنائها فقد يكون البناء من السعف ويستخدم فيه جريد النخل وقد يكون من الاحجار والصخور البحرية المحشوة بالطين وقد يكون المجلس عبارة عن خيمة مصنوعة من السعف ومغطاة بمواد تدخل فيها أوراق سعف النخيل وتسمى (السحيم) وتفرش من الداخل بالسجاجيد والحصران على جوانبها، ويعلق في الخيمة (السراج) وهو مصباح الإنارة الذي يعمل بالكيروسين ويسمى (الفنر). وتستقبل هذه المجالس فئات مختلفة من الناس. وتتنوع المجالس، فهناك المجالس الثقافية التي كثيراً ما تكون مكان إشعاع للشعر بأنواعه المختلفة، العامي والفصيح. ونجد بين الحضور رواة للتاريخ والحكايات الشعبية وغيرها من الاهتمامات الثقافية. وهناك المجالس العامة ومنها مجلس صيادي الاسماك والبحارة، ومجالس تجار اللؤلؤ (الطواويش) وغيرها. وهكذا تنوعت المجالس ولكنها مخصصة لاستقبال الضيوف والزوار ورمز للكرم والضيافة ولقد عرفت مساكن بعض العائلات الكبيرة في المجتمع عدة مجالس في بيت واحد. إلى جانب المجالس أو الحلقات الجماعية التي تقام في المساجد للتعليم.
ولقد كان للمجالس عموماً دور إيجابي في حل الخلافات والمشكلات التي تنشأ في المجتمع حيث يتحاكم المتنازعون أمام أحد كبار السن هناك، كما ان هناك مجالس لحل مشاكل معينة، ولهذا كان دور المجلس بارزا في خدمة أبناء القبيلة أو الفريق، وهي وظيفة ذات أهمية اجتماعية للدفاع عن حقوق الافراد كما أنها تحاول الإصلاح وحل النزاعات وخلق روح الوئام بين المتنازعين بالطرق السلمية. وكانت المجالس هي المدرسة الاجتماعية التربوية للأبناء حيث كانوا يشاركون آباءهم في حضور هذه اللقاءات الجماعية.
ولنساء الحي والفريق أو الحارة اجتماعات عند المناسبات كالعرس والعيد على القهوة. فعند كل صباح ومساء تأتي كل واحدة بما أعدته لهذه المناسبة. وفي أيام عيد الاضحى والفطر يجتمعن عند الغداء والريوق أربعة أيام متوالية، لكن هذه العادة قلت في بعض المناطق. وهذه الاجتماعات بالنسبة للنساء ملزمة ولا تتخلف عنها إلا صاحبة عذر، وكذلك تقوم النساء في العرس والختان بمساعدة صاحبة المنزل في الطبخ وإيقاد النار والخبز وغير ذلك. وفي بعض المناطق إذا كان أوان حصاد الحنطة أو الذرة فتجتمع النساء كل يوم في مزرعة للمساعدة في الحصاد ويقطعن الحب من الأرض وينشدن نشيدا بأنغام وأصوات عذبة وجميلة تطرب وتزيل التعب وتبعث على النشاط والاسترسال في العمل.
وترتبط بعادات المجالس والضيافة الزيارات ومن أهمها التي تتم في المناسبات كالأعياد والاعراس والعزاء وفي المرض وقد تتم بشكل ودي دائما ويوميا وخاصة بين الاقرباء والجيران والاصدقاء. ويراعي الزائر أوقات الزيارة المألوفة وتكون غالبا في الصباح وبعد العصر، وبعد صلاة العشاء. ومن المعيب ان تكون الزيارة بعد الظهر أو بعد المغرب. وتقدم القهوة و(الفوالة) أي وجبة وفي الغالب التمر أو الرطب او الحلوى البلدية ثم القهوة. وتتبادل النساء الزيارات العادية حيث يجتمعن يوميا صباحا بعد ذهاب رب البيت لمهنته فتقوم كل واحدة منهن بإحضار إفطارها ويجلسن في مسكن واحد للحديث، وعند إعداد الغذاء يذهبن ويكون لقاؤهن الثاني عصرا ومساء بعد صلاة العشاء وهذه اللقاءات تتم في المنازل المتجاورة والقريبة من بعضها.
والقسم الثاني من الزيارات هي التي تتم خارج البلد التي يقيم فيها الزائر وتسمى (خطارة) سواء كانت لقريب أو صديق للاطلاع والتعرف، والخطارة مأخوذة من الخطر أي الشرف والقدر والمنزلة والجمع (خطار) لكون الزائر يشرف ويعلو قدره وترفع منزلته عند أهل الدار. وإذا كانت الزيارة بدعوة أو كان الزائر زعيما أو من اشراف قومه فلهذه الزيارة وضع خاص، حيث يخرج أهل الحي أو القرية للاستقبال (برقصة الحربية) مكللة بأصوات طلقات البنادق ويرد القادمون بالمثل ويقفون في الميدان لإطلاق الابل أو الخيل مثنى مثنى وتسمى (الركض) لركضها برجل الراكب استحثاثا لها على العدو والإسراع.
عموما إذا استقر الضيوف في المجلس جلس أهل الدار والجيران دونهم في المجلس احتراما لهم وتقديرا، ويسألونهم عن احوالهم، وعن أهل بلدهم وذويهم. وتدور بينهم الاخبار الودية حتى توضع بين أيديهم (الفوالة) فإذا أكلوا وشربوا القهوة سألهم أكبر القوم سنا أو مكانة عن (العلوم) أي الاخبار التي جاؤوا من اجلها مثلا، أو سمعوا عنها في طريقهم أو في بلدهم مما تهم الطرفين الزائر والمزار. ثم ان كانت عند الضيوف اخبار سمعوها أو جاؤوا من أجلها ذكروها. وبعد ذلك يقدم الجيران كل بحسب قدرته (فوالة) للضيوف تتبعها القهوة وربما دامت على هذا النحو حتى يحضر الطعام المعد للضيوف للغداء أو العشاء.
وأهم طعام الضيوف الذبيحة. وقد تذبح أكثر من واحدة على حسب عدد الضيوف أو مكانتهم كزعماء أو رؤساء أو علماء أو اعيان. وأفضل الطبخ أكلة اسمها (الفوقة) وهي تقدم للكرامة الرسمية. وإذا أراد احد الجيران دعوة الضيف على غداء أو عشاء استأذن صاحب الدار ثم اخبر الضيوف ولا تتم الدعوة إلا بعد هذه الاجراءات.

القهوة العربية ... رمز الكرم في المجالس

القهوة مشروب اساسي في حياة الأجداد والآباء وهي ذات قيمة معنوية واستهلاكية ورمزية عالية وكبيرة بين كل الفئات والطبقات الاجتماعية. ويمكن الاكتفاء بإكرام الضيف بعدة فناجين من القهوة، ولكن من العيب ان يكرم الضيف بمائدة عامرة بدون قهوة، فالقهوة رمز الكرم العربي. وقد جرت العادة في البادية خاصة انه إذا التجأ أحدهم إلى مجلس أو بيت عندهم وتناول رشفة من قهوتهم فإنه بذلك يكون في حمايتهم حتى ولو كان جانيا، ويبررون ذلك بقولهم (ما كان بيننا وبينك مشربة وفنجان قهوة).
وإذا تزوج أحدهم امرأة واكتشف أنها ناقصة الخبرة بشؤون التدبير المنزلي وصفها بقوله : (هذه ما تتعاشر حتى فنجان قهوة ما تعرف تسوي). وكان الرجل إذا ما أراد ان يؤكد لصاحبه انه صادق فيما يقول ويروي يقول له : (إذا رايت كلامي موب صدق رد عني فنجانك). ورد الفنجان عن الرجل يعد إهانة له وخاصة في المجالس، كما ان البيت الذي يخلو من القهوة يعتبر صاحبه شاذا وقاصرا.
والى جانب تلك الرموز فقد استخدمت القهوة أحياناً كدواء شعبي، فمن المعتقدات ان القهوة على الريق من شأنها ان تقتل ديدان الامعاء. كما كانوا يستعملون القهوة لإيقاف نزيف الدم إذا ما أصاب أحدهم، وذلك بصب بودرة القهوة أو القهوة المعدة للشرب على موقع النزيف في الجسم. وإذا ما تعرضت حيواناتهم لإسهال فانهم يسقونها (خرّة) القهوة أي حثالتها. كما تؤخذ حثاله القهوة وتجفف وتستعمل للمسح على لحروق في جسم الإنسان.
وكانت حبات القهوة ايضا وسيلة العد والحساب لتجار اللؤلؤ وممولي سفن الغوص وتجار التمور والمواد الغذائية وتجار المياه في الماضي.
وكانت قد جرت العادة في الماضي ان تصنع القهوة ثلاث مرات في اليوم. الأولى قبل أذان الفجر، والثانية بعد الظهر، والثالثة عند المغرب. ولم تكن القهوة وأدوات تحميصها وطحنها وحفظها والدلال والفناجين تفارق الانسان أينما حل أو رحل، ففي سفن الغوص ورحلاتها كانت القهوة وأدوات صنعها تحتل المكانة الأساسية والبارزة بين مواد التموين، وكذلك في رحلات السفن الشراعية البعيدة المدى للتصدير والاستيراد، وفي تنقلات البادية يقوافلها بين البراري، وخلال مسيرات القوافل وتنقلاتها ليلا أو نهارا تسمع بعضهم ينادي جماعته قائلاً : (تصوعنا) أي أصبنا بالصداع. فتتوقف القافلة حيث يقوم أفرادها بجمع قليل من الحطب وإشعال النار به ويعدون القهوة ويحضرون التمر، ويرتشف الواحد منهم عدة فناجين منها مع بعض حبات التمر ويقولون (خاز الصوع) أي زال الصداع والهوس، ثم تستكمل القافلة مسيرتها وهكذا حتى يتجدد (الصوع) مرة أخرى، لتقف القافلة وتشرب القهوة من جديد وهكذا.
تصب القهوة في (فناجيل) يديرها الساقي على الجالسين بيده اليمنى وفي يسراه الدلة يبدأ بالزائر إلا إن كان حاضراً من هو أجل منه قدرا فيقدم عليه أو يقدمه الزائر على نفسه. وقد يعزم كل واحد صاحبه بأخذ (الفنجال)، وإذا اشتد الأمر قال أحدهم للآخر (ورفجة لتأخذ). فيأخذ (الفنجال) ولا يمكن تأويل (الرفجة) أو محاولة إلغائها لأنها ملزمة والأصل فيها الحرمة والجاه.
ولتحضير القهوة فنونها ومراحلها وأدواتها مما سنشرحها لاحقا. أما في سياق الحديث عن آداب تقديمها والتي منها كما أشرنا تقديم القهوة إلى الشيخ أو كبير القوم أولا أو من كان من خارج نطاق العشيرة أو البلد وإن كان والد الساقي موجودا في المجلس فعلى ولده ان يتوجه نحوه أولا ويقدم له القهوة. وإن كان هناك شيخ أو ضيف فعلى الوالد ان يؤشر له بيده بتقديم القهوة له أولا. وإذا كان المجلس كبيرا وكان شيوخ القوم ووجهاؤهم قد توسطوه يتقدم اربعة سقاة مرة واحدة اثنان يتجهان إلى حيث الوسط وواحد يتجه شمالا والآخر يمينا. ويكون الساقي خبيرا بمهنته حيث تراه يصف قرابة واحد وخمسين فنجانا على طول زنده ثم يدور على الجالسين ويصب لكل واحد قطرات من القهوة ولابد أن ينحني قليلا ويمد الفنجان وتلك من عادات وفنون صب القهوة.
ومن العادات في المجالس الشعبية ان يقوم صاحب البيت بصب القهوة بنفسه إذا ما غاب ابنه أو الخدم ولا يجوز مغادرة المجلس والدلة تدور. ولذة القهوة ان تحتسي بعد التمر أو الرطب.
ومن الاصول في تقديم القهوة عدم ملء الفنجان فهذا عيب، بل الحد المتعارف عليه هو صب القهوة في الفنجان إلى اقل من النصف، ويحتسي الشارب فنجانين إلى ثلاثة فناجين متتالية فإن شرب الرابع فقد يكون ذلك من المآخذ عليه. ومن العادات تقديم القهوة تباعا على فترات، وبين المرة والمرة ما يقارب عشرة دقائق. أما علامة الاكتفاء من شرب القهوة فهي هز الفنجان الفارغ يمينا وشمالا عدة مرات وهو بين السبابة والإبهام. ويقدر بعض الآباء والاجداد من الرواة الاستهلاك اليومي للفرد الواحد من القهوة في الماضي ما بين عشرين وثلاثين فنجانا، علما بان كمية القهوة في كل فنجان تكون ربعه فقط كما أشرنا أما النساء فيتناولن أكثر من ربع الفنجان حتى نصفه.
ويتم إعداد القهوة بعد شراء البن من السوق ثم تفرش في الصواني من أجل تنقيتها من الاوساخ والشوائب العالقة بها وبعد ذلك تحمص حبوب البن على النار بأن توضع في (البراحة) وهي تشبه المدخن حيث يحمص كل يوم قليل منها، وبعد (تحميصها) أي قليها تدق في الهاون (الرشاد والمنحاز) ثم توضع في الدلة. وهناك نوعان من الدلال الحساوية وهي مدببة الرأس والعمانية وهي التي يكون رأسها عريضا وذات مقدمة عالية.
وتسمى الدلة الاولى التي توضع فيها القهوة (الحمزة) حيث تفور القهوة مع الماء في هذه الدلة. ثم تصب القهوة في دلة اخرى تسمى (دلة التلجيمة)، ثم تصب مرة أخرى من هذه الدلة إلى دلة أخرى تسمى (المزلة) ويكون بها الهيل و (المسمار) أي القرنفل حيث تصفى القهوة في هذه الدلة الأخيرة.
وعودة لمجالس القهوة وآدابها وتقاليدها ورموزها المتوارثة عبر مئات السنين والتي لا يجوز اختراقها نضيف هنا اولا إنه مع قدوم ضيوف طارئين يفرض صنع قهوة جديدة لهم. ففي البادية مثلا إذا ما حل ضيف استقبلوه في مجلسهم (الحظيرة) وأحضروا له الحطب وأشعلوا النار، وجاؤوا بالدلة والرشاد والمنحاس والتاوة والمحماس وأعدوا له القهوة أمامه أو تركوه يعدها بنفسه وعلى مزاجه ولا يأتون له بقهوة جاهزة معدة مسبقاً فيتذوق الضيف نكهتها عند القلي والغلي على النار ثم يحتسيها بمزاج وغالباً ما تكون ثلاث دلال ولا يستعمل عند البدو غير دلة واحدة بعكس أهالي الساحل.

المادة :: الفصل السادس - المعتقدات والمعارف الشعبية

مقدمة :


تعد المعتقدات والمعارف الشعبية من المصطلحات وثقة الصلة بالعادات لدرجة أن البعض عرف المعتقدات من خلال تعريفهم للعادات، حيث كانت رؤيتهم ان العادة ليست سوى تعبير عن معتقد معين. والمعتقدات الشعبية موروثات احتلت عقول الناس، وشغلت حياتهم. وقد شغفت بها نفوسهم، وملكت قلوبهم وأمسى التسليم بها والخضوع لحكمها بديهياً ومن المسلمات التي لا يمكن ان يرقى إليها الشك، ولا يمكن لتجريح أو نقد ان ينال منها كحقيقة ويقين. فقد أخذت هذه المعتقدات سبيلها إلى قلوب الناس ونفوسهم، عامتهم وخاصتهم، منذ لحظة بداية عمرها الطويل في تعاقب الاجيال وتداول الأزمان إلى ان رسخت في الوعي وأضحت جزءا هاما من الوجدان الشعبي ودخلت في عداد المأثور الشعبي.
وتكثر المعتقدات الشعبية في المجتمعات النامية فهي تساعد على الوصول إلى الوسائل الفعالة – من وجهة نظرهم – التي تعينهم على التحكم في البيئة والاستعداد لمواجهة بعض الأحداث الطارئة.
ولكن طالما ان المعتقدات والمعارف الشعبية تكمن في أعماق النفس الإنسانية، لذا فهي موجودة في كل مكان سواء عند الريفيين أو الحضريين وفي كافة الطبقات وعلى كافة المستويات وإن تفاوتت النسب.
وتدور موضوعات المعتقدات الشعبية عموما حول الكائنات فوق الطبيعية والطب الشعبي والأحلام والجسم الإنساني والحيوان والنبات والأحجار والمعادن وأخرى تدور حول الأماكن وأوائل الأشياء وأواخرها والاتجاهات والألوان والاعداد والنظرة إلى العالم وغيرها.
وتختلف المعتقدات بين مجتمع وآخر وبين ثقافة فرعية وأخرى داخل المجتمع الواحد كما قد يتشابه بعضها في كافة أنحاء العالم وهو ما اصطلح على تسميته (بالنظائر الثقافية).
وسنتناول بإيجاز موضوع الطب الشعبي، وموضوع الحروز والعقود في المعتقدات الشعبية.

المادة :: الطب الشعبي

الطب الشعبي هو خلاصة مجموعة من التجارب الشعبية حول طرق العلاج وأساليبها وأنواع الامراض الشائعة في المجتمع وانتشارها. والاعتماد الاساسي في هذا العلاج على النباتات والأعشاب الطبية. وتحديدا فإن المصادر الاساسية للطب الشعبي هي البيئة والحياة الاجتماعية والاتصال الإنساني عبر العصور والإرث العربي الاسلامي بما تحمله هذه المصادر من تنوع وثراء في استيعاب ظروف الحياة والاستفادة من خبرات وتراكمات طرق وأساليب العلاج عبر التاريخ. فعلى سبيل المثال كان لأهل الامارات عمليات علاجية منها الكي والعلاج السحري والتجبير.
لقد كانت ولا تزال الثقافة الطبية الشعبية مبنية إلى حد كبير عند الممارسين على تجريب الصحيح من الخطأ في الممارسة وربما يكتشفون كل يوم جديدا يؤهلهم للاستحواذ على ثقة الناس.
يحاول كل ممارس ان يغرس حب المهنة فيمن يعلمه إياه، ومن المعروف ان الاسفار البحرية كانت تذهب بهم إلى شرق إفريقيا، وكذلك إلى الهند وكل احتكاك مع البيئة الجديدة يمثل دواء جديدا سواء كان في الاستشكاف أو المشاهدة ثم إنهم يتعرفون على الادوية وانواع العلاج، وعندما يعود الواحد منهم يبدأ في تطبيقه ويضيف تراكم التجربة خبرة جديدة إلى ما اكتسبه من الممارسة السابقة.
وممارسات الطب الشعبي متنوعة ومرتبطة بالأدوات المستخدمة في العلاج ودور الممارس أو الطبيب الشعبي، ويمكن تقسيم أنواع الممارسات كالتالي :
المطوع أي رجل الدين : ويعتمد في علاجه على تلاوة القرآن الكريم والادعية النبوية الشريفة وكتابة المحو.
الحواج : هو بائع الادوية الشعبية في السوق، وهو ما يسمى في زماننا المعاصر الصيدلاني أو في الزمن القديم (العشاب) أو (العطار).
الكواي : وهو الذي يعالج المريض بكيه بالنار، وتسمى محليا الوشم.
المجبر : وهو من يجبر الكسور، ولا بد له من معرفة بأنواع الكسور وكذلك بالعظام.
المختن : وهو من يقوم بختان الصبية.
الحجام : وهو من يستخرج الدم الفاسد، ووظيفته تسمى (الحجامة).
الجراح : وهو من يستخدم العقاقير والادوية والمركبات الطبية لعلاج الجروح الخفيفة أو العميقة.
الكحال : وهو بائع الكحل الذي تزين به العين، وليست هي مهنته الوحيدة كما يفهم من ارتباطها بالكحل، بل يبيع زينة المرأة عموما، بجانب علاجه للرمد.
المساح : وهو يستخدم المسح أو التدليك في المعالجة.
المرفع : وتسمى (المدغر) أو (المقمز) لكونه يقوم بعلاج اللوزتين.
الداية : وهي القابلة التي تقوم بتوليد النساء مع الإشراف على المولود وأمه.
ومن الملاحظ أن معالجة النساء تتم بواسطة امرأة مثلها.

المادة :: أسماء الامراض

للأمراض مسميات عدة، وتختلف من مكان إلى آخر على الرغم من تشابهها في العلامات والآثار، والسبب في ذلك يعود إلى التوافق الذي يراه المعنيون بالتسمية على الاصطلاح فيما بين المرض وعلاقته بالموضع أو آثاره، وما يتطلبه ذلك من انغراس للفظ في محليته، وإغراق دلالة المصطلح في البيئة فهما واستيعابا. وهنا سنورد مجمل أمراض شعبية اللفظ وجدت في بيئة الإمارات والتي على أساسها ازدهرت فترة التطبيب الشعبي.
الصداع، رمد العيون، (ابو حميّر) السعال الديكي، إمساك البطن (القبض)، الزكام (النشلة)، علاج لدغة الأفعى، أم عصيبة، الفتاق، السمط، الفالول (الثالول)، الصفرا (بوصفار)، أم الصبيان، القفعة، كودني (عقر عقر)، عرق الرضاخ (السرة)، آلام البطن (المغص)، (بوبريجع) شلل الوجه، العاسوق، الحمى، المستجي، عصبة الضامر، (بوينيب) بوجنيب، لغو، أمراض الأمزجة، الحصبة (الحمكة)، لدغة العقرب، الباطل، الضلعية، الفصال، اليامعة، خاز باز، علاج الأسنان، حفاة، الفلعة، ظبظوب، أم لزيقة (أم لزيكة)، ابو خويط، أو طميج، ابو كرى (القرح)، خراي أي الخراج، حثوة، الغالج (الغالي)، الفشاع (الفشع)، الحزازه، السكري، البواسي، علاج الضعف الجنسي، اللصة، علاج الفرك.

المادة :: مسميات الادوية الشعبية


أما الادوية الشعبية فقد راجت في المحلات القديمة التي كانت تستخدم كمحلات للعطارة وبيع الادوية للناس، والعطارة كانت مهنة يقوم بها الذين صقلت خبرتهم في كيفية الخلط والمزج التجارب الكثيرة، وقد حاز هؤلاء ثقة الناس مما جعل تجارتهم تروج. وقد احصى البعض الكثير من الادوية التي كان الحواجون يقومون ببيعها في هذه المنطقة ومنها على سبيل المثال :
أثل، يريهيو، تانيرباد، جعده، حرمل، خروع، دامر، رشوش، زيبر، سركة صالح، شكاع، صدو، طبيخة، ظيه، عاقوله، فوقلة، قارماهانق، كسط، مروخشن، نيل، وطيه، هليلي، يوزتيار.


رد مع اقتباس
قديم 04-02-2010, 09:07 PM   رقم المشاركة : 7
الكاتب

أفاق : الاداره

مراقب

مراقب

أفاق : الاداره غير متواجد حالياً


الملف الشخصي









أفاق : الاداره غير متواجد حالياً


رد: التراث الشعبي هي الحصيلة الانسانية لكافة الشعوب

المادة :: الحروز والعقود

الحرز لغة : هو الحجاب أو التعويذة التي يقصد بها توقي محظور أو خطر ما من ناحية، أو طلب الشفاء من مرض أو قضاء حاجة ما. ولكن ينبغي التفرقة بين الحرز بالمعنى التقليدي الشعبي والحرز بالمعنى الاسلامي، فالإسلام حرزه القرآن الكريم والادعية الواردة عن صحيح السنة النبوية على صاحبها افضل الصلاة وأزكى التسليم، فهي ترد بالتلفظ لا بالتعليق، فالإسلام يحرم تعليق التمائم والودع والحجب على اعتبار أنها تشفي من الوجع أو تقي منه.
برغم هذا فقد عرف الإماراتيون القدماء عددا من أنواع الحرز والتعاويذ، وتختلف هذه الانواع تبعا لنوع ما تستخدم له أو قوة الإيمان بها وضعفه، فهم عرفوا القلادة والحجاب والحيرة والعقود والخرز. وقد أورد الاستاذ عبدالله الطابور في كتابه (الطب الشعبي في دولة الإمارات العربية المتحدة) أنواعاً وأصنافا عديدة للحرز والأحجية منها :

التميمة : خرزة على شكل قلادة من سيور تعلق في أعناق الصبيان حفاظا على النفس ودرءاً للعين.
الحرز : حجاب يقصد به توقي الشرور أو الشفاء منها.
الفصمة : خرزة يلبسها الرجال ويضعونها تحت فص الخاتم أو في الزر بقصد التحصين من طيش المغرور بقوته.
الدردبيس : خرزة سوداء تحبب المرأة إلى زوجها.
الزرقة : خرزة تدفع الرجل إلى حب زوجته.
السلوانة : خرزة يصب عليها ماء المطر، فإن شرب يسلى العاشق من يعشقها.
الصدحة : خرزة تستعطف بها المرأة الرجل.
الصرفة : خرزة قيل إنها تصرف الرجال عن وجودهم ومذاهبهم.
العطفة : نبات لا ورق له ولا أفنان، تؤخذ بعض عروقه وتلوى فيرقى ويطرح على المرأة فتحب زوجها.
الغضار : خرزة تقي من العين والحسد.
الغطسة : خرزة يؤخذ بها الرجال.
القبلة : خرزة يؤخذ بها الرجال ليأتوا للنساء.
القرزحلة : خرزة تلبسها المرأة ليرضى بها قيمها.
الكبدة : خرزة للحب.
الكحلة : خرزة سوداء يلبسها الصبيان للوقاية من الجن والعين.
المهرة : خرزة فارسية تتحبب بها النساء.
النباح : صدف مكي يوضع في القلائد والوشح للوقاية من العين.
الهبرة : خرزة يؤخذ بها الرجال.
الهصرة : خرزة لأخذ الرجال.
الهضمة : تسمى هينوم وهي خرزة تستميل بها النساء أزواجهن.
القلادة والعقود : وهي ورقة مكتوب عليها طلاسم وأرقام وخطوط، وفي بعضها تكتب آيات قرآنية من سورة يس، وآية الكرسي والمعوذتين.
الخرزة الحمراء : وهي خرزة صغيرة ذات لون أحمر، أو أزرق تقي من العين أو الجن أو النفس، وهذه الخرزة تابعة لكتابة طلسمية وأرقام تخط بشكل مقلوب.
الحجاب : ورقة تكتب بقصد اتقاء شر العين والجن والكيد.
حرز الحب : ورقة أو حجاب يراد به جعل الزوج كالخاتم تتصرف به زوجته كيف تشاء.

يتضح من خلال ذكر أنواع الحرز هذه ان معظمها للاستعمال النسائي فقط يقصد من ورائه تقريب قلوب الرجال إليهن، ولعل السبب الذي جعل النساء المجتمع القديم يملن إلى مثل هذا الاسلوب هو الخوف من فقدان الزوج وبالتالي خراب البيوت، وهذا سلوك اجتماعي ينبئ عن ظواهر معينة، قد يكون من بينها تعدد الزوجات، فرغم الإباحة الإسلامية، فالمرأة العربية – كما معروف – لا تقبل بالضرة، وإن قبلتها فلأنها مغلوبة على امرها ولابد لها من المسايرة، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى قد يعود ذلك لقلة الوعي في المجتمع نتيجة الجهل الذي كان يخيم آنذاك على المجتمع.

أين توضع ورقة الحرز؟

لابد للحرز من حماية، فينبغي ألا يصل إليها الماء كي لا تذهب الكتابة، لأن ذهابها بوصول الماء إليها يعني بطلان مفعولها الذي من أجله وجدت، ومن هنا فقد تعود ابناء مجتمع الإمارات القديم على وضع حاجز ما بين الحرز واي مؤثر آخر، لذا قاموا بعمل واق من جلود الماعز والأغنام او الاقمشة، بل صنع بعضهم صناديق صغيرة من الفضة إمعانا في الحفظ. أما على الجسد فتوضع الحروز في عدة مواضع منها الزند الأيمن أو الرقبة أو تحت منام الطفل.


المادة :: الباب الرابع (الفنون الشعبية والثقافة المادية)

تمهيد :

تتنوع الفنون الشعبية في الإمارات تبعا لتنوع البيئات والسكان حيث نجد لكل بيئة ولكل مجموعة نوعا من الفنون والملامح الحياتية وأشكالا ومبتكرات وأدوات مستمدة من البيئة.
والفن الشعبي عموماً هو أكثر ألوان التراث الشعبي رسوخاً في الذاكرة، وأكثرها ارتباطا بالمشاعر والوجدان. لذا كان رديف توجهات الافراد والجماعات وعلاقة هؤلاء الناس ببعضهم بعضا ومدى ارتباطهم واشتراكهم في ملامح حياتية واحدة أوجدتها الظروف المحيطة.
وتشمل الفنون الشعبية : الرزيف، والألعاب الشعبية، وفنون التشكيل الشعبي من حلي وزينة وغيرها، وكل ما أنتجته الذاكرة الشعبية والفولكورية والإلهام الشعبي من فن أخذ الطابع الجماعي واستمد فكرته من سمات البيئة وما حدث فيها من تطور عبر الزمان.


المادة :: تعريف الفنون الشعبية

رأي بعض العلماء في أوائل هذا القرن ان الفن الشعبي لكي يكون فنا شعبيا يجب ان يكون صادراً من البيئة أي قلب الوطن والمواطن أي هو الفن الذي أنتجه الشعب مثل : الموسيقى، والرقص، والألعاب وفنون التشكيل، مثل : الأشغال اليدوية، والأزياء، واشغال التوشية بالإبرة وبالخرز وبالقماش وغيرها إلى جانب الحلي، وأدوات الزينة، والأثاث، والأواني، والعمارة الشعبية، والدمى، والتعاويذ والرسوم الجدارية. ويدرج البعض عناصر الثقافة المادية مثل : العمارة وأدوات الري والحصاد، وكذلك الأدوات والمعدات المنزلية، كأدوات الطحن والأفران والمواقد والأواني المنزلية ضمن الفنون الشعبية. وكذلك تندرج تحتها الحرف والصناعات الشعبية كصناعة الحصر والفخار والنسيج وغيرها من الفنون الشعبية التي ظل يمارسها شعب الإمارات منذ قرون.
وسنتناول في الفصول اللاحقة وبمزيد من التفصيل الجوانب الأربعة التالية :

الرزيف

توجد في الإمارات العديد من الفنون واللوحات الغنائية التي تزيد على العشرين لوحة وهي موزعة في البيئات والأماكن المختلفة.

الألعاب الشعبية

هي التي يمارسها الاولاد والبنات قديما وحديثا. وفي الإمارات عدد كبير من الالعاب الشعبية التي تأخذ أساليب وطرقا مختلفة، منها ألعاب حركية وأخرى ذهنية، ومنها ألعاب جماعية وألعاب فردية.

فنون التشكيل الشعبي

من فنون التشكيل العمارة التقليدية وما بها من رسوم هندسية جميلة إلى جانب الحلي والزينة وأدوات التجميل وكل فن يأخذ تشكيلا معيناً.

الثقافة المادية

وتشمل الحرف والصناعات والأدوات المختلفة التي كانت تستخدم في مجتمع الإمارات التقليدي.


المادة :: أثر البيئة والانسان في ظهور الفن

تتنوع الرقصات الشعبية في الإمارات حسب البيئات والانماط السكانية فإذا ذهبنا إلى مشاهدة أحد الاعراس عند البدو القاطنين في الصحراء سنشاهد فن (الرزيف) الذي يؤديه الرجال بدون أدوات إيقاعية بل تؤدي بالغناء، وإذا سرنا إلى الجبل سنشاهد فن الحربية الذي يؤديه (البداة) أي البدو من قاطني الجبال بطريقة معينة تبرز الملمح الجبلي والطبيعة الجافة لهم. وهكذا لكل نمط أو جماعة فنونها الخاصة مما يدل على تنوع مصادر التراث في الإمارات.
والأغنية الشعبية عادة ما يصاحبها الرقص والهزج والإنشاد، لذا يعرف عالم التراث الشعبي الروسي (الكزاندر كراب) الاغنية الشعبية قائلا : إنها (قصيدة ملحنة مجهولة النشأة ظهرت بين أناس أميين في الأزمان الماضية ولبثت تجري في الاستعمال لفترة ملحوظة من الزمن هي فترة قرون متوالية في العادة).
والأغنية الشعبية عموما لا يعرف من وضع كلماتها وإنما تناقلتها الاجيال وحدث عليها تعديل مع مرور الوقت لتأخذ الطابع الفولكوري أو التراثي مع الأيام، وتصبح بعد ذلك أغاني شعبية لأنها سارت مع الزمان في صيغتها ولونها الذي أخذ الطابع الجمعي.
ويعرف الدكتور احمد مرسي الأغنية الشعبية قائلا : هي الأغنية المرددة التي تستوعبها حافظة جماعة تتناقل آدابها شفاها وتصدر في تحقيق وجودها عن وجدان شعبي.
وإذا كانت كلمات الاغنية الشعبية قد ظهرت في الزمان الأول من ذاكرة أحد الشعراء وتم تلحينها بلحن جماعي، فقد ارتبطت مع مرور الوقت بالوجدان الشعبي لقربها من ضمير الشعب، وذلك ينطبق على نوع معين من الغناء وفنون الرقص في الإمارات : فهي تحمل سمات الحياة الشعبية بكافة ألوانها وظروفها ولهجتها وتوجهات افراد الشعب نحو الحياة والعمل. واوضح ما يكون ذلك في الرقصات الشعبية التي تستمد سماتها وخصائصها من البيئة ومن توجهات الناس والأفراد وعلاقتهم المباشرة بالبيئة التي هي المحرك الأساسي في تشكيل الصورة العامة لفنون الغناء والرقص الشعبي قديما. ويتضح ذلك من خلال الكلمات المغناة والأداء الحركي الذي يمارسه الراقصون، كذلك مضمون هذا الفن وتفاعل الناس والمؤدين. وقد تصاحب الغناء طقوس معينة يؤديها المغنون وتأتي على شكل تعبيرات وأصوات تحكي عن حادثة معينة أو تصور لونا خاصا من مشاهدات الحياة اليومية وبطولات بعض الرجال مما يعني ان طريقة أداء الرزيف تختلف حسب التركيبة الغنائية التي تدور حولها الكلمات، وكذلك حسب التوجه والتفاعل مع الحدث اليومي.
كان للبحر قديماً دور كبير في تفجير الطاقات الإبداعية والإلهامية لدى السكان القاطنين بالقرب من السواحل. وفي الإمارات يوجد الكثير من أدب الاسفار البحرية، وأدب الغوص وصيد السمك، وأدب رفع الشراع على السفينة، وأدب صناعة أدوات الصيد (كالقراقير) و(الدوابي) وغيرها من الانشطة الاقتصادية، التي يصاحبها غناء جميل اللحن يؤديه الحرفيون أثناء ممارستهم لعملهم. وفي هذا المحيط البيئي البسيط ظهر الغناء الخاص بسكان المدن الذين تنشأ بينهم وبين البحر علاقة حميمة عبر عنها الكثيرون على شكل أهازيج وأشعار وفنون أدبية أخرى وأداء راقص، ولدت من تلك العلاقة التفاعلية بين البحر والإنسان.
أما في البادية أو الصحراء الشاسعة فقد كان للبدو حياة خاصة وتفاعل أصيل مع التلال والرياح والامطار والأشجار والهدوء والليل وتعاقب الزمان والأحداث، والحيوانات البرية، كالجمل الذي كان رفيق إنسان البادية في حله وترحاله، فكان لكل ذلك دور كبير في نشوء علاقة تميزت بالاندماج بين الإنسان والمكان. وأفضل من عبر عن البيئة وتفاعل الإنسان معها شاعر الإمارات الكبير (ابن ظاهر)، وذلك يتضح في ذكره لحادثة المعيريض التي وقعت منذ ثلاث قرون، إذ يقول :

تسعين ألف من المعيريض برهدوا مشروكة ما بين مسلم وقورهــــا
والى نخيـل الحيـل جتهـا مسـأيـــل عواوينها قد غرق الماء جذورها
وغطـى جمال البكس واشتل عومه كسا روسها حط القفا في غدورها

وكذلك (للبداة) من قاطني الجبال طابعهم الخاص ولونهم الغنائي المميز الذي يأخذ طابع البيئة وجفافها وقسوة الجبل وشدته، لذا ظهرت الأغاني الحربية وأهازيج التفاخر والغزو وصد العدوان في الطابع الغنائي لدى قبائل الشحوح والحبوس والشميليين من سكان المناطق الجبلية. وكانت (رزفة الشحوح) و(الرواح) و(الندبة) التي تردد أثناء قدوم الضيوف، من الفنون الغنائية الشائعة لدى سكان الجبال في الإمارات.
أما في الريف فنجد علاقة حميمة بين الإنسان والارض وسقاية الزرع وطريقة الري والحرث وما إلى ذلك من أمور أخذت طابعا غنائيا شعبيا عبرت عن تلك الصلة الاندماجية بين إنسان الريف والبيئة بكافة ملامحها، ونلاحظ ان الغناء لدى الفلاحين الذين نسميهم (بيادير). يأخذ اللون العاطفي المثير حيث يعبر الفلاح أثناء سقاية النخل بواسطة (المنيور) أي الناعور أو بواسطة (الغرافة) عن روح الاندماج التفاعلي المبني على عاطفة حب الانسان لأرضه ومهنته، لذا نرى الشاعر يقول معبراً عن تلك العلاقة :

يــالــــيت عنـــــدي نخـــــل تسقــــى بــــقـــرافــــة
والقيـــظ لــي مــن هـــــــدم وحــــــمرت اطــارفــه

ويرتبط الغناء لدى البيادير بالسقاية وأدواتها وطريقة فلاحة الأرض وما يصاحب ذلك من غناء هزجي يأخذ أسلوب الحنين للغرس أو الحنين للمحبوبة، وكانت (اليازرة) أو (المنيور) التي تستعمل كطريقة بدائية في سقاية النخيل يصاحبها صوت نتيجة احتكاك (حبل الصوبى) ببكرة الحديد العلوية أثناء حركة الثور في الجفرة فيغني الفلاح على الحركة والصوت الكثير من الغناء الممزوج بالعاطفة الجياشة، والذكريات الجميلة التي يتخيلها هذا الإنسان البسيط وهو يسقي الأرض بهذه الطريقة.
ومن ألوان الفنون في الإمارات أو التي تندرج تحت اسم فن شعبي (الالعاب الشعبية) وهي التي كان يمارسها الصبيان والأطفال والبنات. وكان الصغار يصنعون الألعاب من موجودات البيئة ثم يلعبون بها. وتتنوع الألعاب حسب طبيعتها فنجد الألعاب الذهنية، والألعاب الحركية، والألعاب الجماعية إلى جانب الألعاب الفردية، وألعاب البحر وألعاب الريف، ولكل لعبة قوانينها وأداؤها الخاص، لذا فإن اللعب القديم يعتبر في حد ذاته شكلا من أشكال الفنون لدى هذه الجماعات، وهو بطبيعته يعبر عن روح التفاعل والاندماج بين اللاعبين والبيئة.
ومن ألوان الفنون الشعبية الأخرى فن التشكيل الشعبي ويشمل فنون الصناعات اليدوية والمشغولات والحلي والزينة لدى المرأة، وكل ما يتعلق بها من نقوش، ورسم فني وإبداعي يأخذ طرازا هندسيا رائعا. ومن الفنون أيضا العمارة التقليدية وكل ما يتعلق بها من فنون البناء والتشييد والرسم والنقش وغيرها. وسنتناول في الفصول التالية بعض هذه الفنون بشيء من التفصيل.


المادة :: الفصل الأول - الرزيف الشعبي

فن الرزيف في الإمارات

ظهر الفن الشعبي في الإمارات منذ قديم الزمان. ومن ألوان الفن أغاني الاعراس والمناسبات والاحتفالات وفنونها المصاحبة، وهي أكثرها انتشارا بين الناس لما لها من دلالة اجتماعية وفنية وغنائية .. أما الأهازيج في ايضا لون آخر من الفنون المرتبطة بالهزج والترداد، وهو ما نسميه بـ (التغرودة).
وفي الإمارات – وكما ذكرنا سالفا – تتنوع الفنون والأهازيج الشعبية حسب البيئة والنمط السكاني، فلكل منطقة أو موضع جغرافي ملامح حياتية وإبداعات تراثية أصيلة ظهرت من بوتقة الحياة وإرهاصاتها، والفنون الشعبية إحدى الإبداعات الجميلة التي خلفها الآباء والأجداد وأصبحت من روافد التراث الشعبي في الإمارات.
وتستمد الفنون والاهازيج الشعبية كلماتها من الذاكرة الشعبية مباشرة، حيث يستلهم كل فن أصيل لشعب من الشعوب قيمته وجذوره التاريخية والفنية من الحياة الاجتماعية التي يحياها هذا الشعب.


ومن أشهر أنواع الرزيف في الإمارات ما يلي :

العيالة :


جاءت الكلمة (عيالة) من العجالة، أي التعجيل بملاقاة العدو، ويسمى هذا الفن في بقية الخليج العربي بـ (العرضة) وتعتبر العيالة من أوائل الفنون في الإمارات وأقدمها إطلاقا، وأكثرها ارتباطا بالبحر والساحل. لذا فإنها من الفنون التي تجسد فن الحرب والقتال أو الفروسية، وهي رزفة جماعية حركية تؤديها مجموعتان متقابلتان من الرجال وكأنها تحكي قصة معركة يمثل أدوارها الرجال بالعصي والسيوف والدق على الطبول والطار والطوس النحاسية والمزمار.
ويحمل الطبول ثلاثة من الرؤساء الذين يقودون الرزفة، أما الطار فيكون في يد مجموعة أخرى. وهناك أيضا من يضرب بالطوس لإثارة الحماس. وتؤدي المجموعتان المتقابلتان الرزف على شكل حربي وبيد كل واحد عصا، ويشارك أحد الفرسان بسيف أو بندقية وسط الرزفة، كما تشارك في الوسط الفتيات الصغيرات دون سن البلوغ بالتمايل يمينا ويسارا وقد نثرن شعورهن الجميلة، وواحدتهن تسمى (نعاشة) والجمع (نعاشات). وأكثر أغاني العيالة يكون في مديح الحاكم أو شيخ القبيلة ... ومن قصائد العيالة :

يا نديبي شد لي جيد المعنى ولد حر ما لجينا له وصايف
خبر من سايل بالطرف عنا الضحى قددنا لهم بالرهايف
بالمرضف رايح بسكون عنا وغزوهم ما غدوه يوم النجايف
* * * * *
سلام يا شيخ حمى الدار في حد سنين والجاسمي سلطان بالسيف يحمي رجالها
يبشر حريب الدار قطــاع الوتيــر وهنا حمــاة الــدار علـــى عيـــالهــــــا

الحربية :

والجمع (حرابي) رزفة البدو في المناطق الصحراوية وتشبه العيالة ولكنها تؤدى بدون موسيقى ولا تشارك فيها الفتيات الصغيرات، وتدور أناشيد الراقصين على أشعار الحرب والقتال.

الرزيف :

هو من أبرز وأهم الفنون في الخليج العربي وينبع من أصالة الانسان الخليجي وتاريخه، وهو يعتبر من فنون البادية، ويؤدى هذا الفن في أعراس البدو وفي غيرها من المناسبات مثل استقبال الحاكم. ومن مميزات هذا الفن أنه لا يصاحبه أي لحن موسيقي، بل هو (رزيف) أي يرزفه المؤدون بدون إيقاعات أو آلات مصاحبة، وتقترب لغة الرزيف وهزجه من الفصيح، وهذا الفن من الفنون الجماعية التي تؤدى بطريقة حماسية، ويؤدى عادة بعد صلاة العصر حتى ما بعد العشاء، ويغلب على أداء هذه الرقصة الأداء الجماعي، وتردد في الرزيف قصائد الفخر والنخوة، وبعضها يحتوي على أغاني الحب. ومن أغاني التفاخر يقولون :

ولــــــد الـــلاشــــي يوم الـتـقـيـنا
خاف من ضـرب المشوق يصيبه
والمشــي جمعـة لجمعـة زهـينــا
ثـارن مشـحــون اللظـا بنصلـيـبه

الليوا :

من الفنون الوافدة إلى المنطقة وقد وفدت من إفريقيا منذ قديم الزمان، وتسمى ايضا (المكوارة) وهي رزفة كلماتها وأغانيها باللغة السواحلية التي يتحدث بها أهل زنجبار وسواحل افريقيا الشرقية. وقد انتقل هذا الفن للخليج منذ عصر الأسفار، واصبح مع الزمن من الفنون الشعبية التي لا غنى عنها في الاعراس والمناسبات المختلفة.
وتؤدى رقصة الليوا على نغم موسيقي بواسطة (المزمار) أو (الزماري) و(طبل الليوا) وهو طبل كبير يضرب عليه أكثر من شخص. ولذا يحتاج إلى مجهود جسمي كبير. بجانب هاتين الآلتين يدق أحد الرجال طبلا آخر يسمى (الكاسر). ومن الآلات الإيقاعية (درام) أو (بيب) وهو برميل من الصفيح، صغير الحجم يضرب عليه بـ (عصاتين) صغيرتين ضربان إيقاعية، ويؤدي الرزف مجموعة من الرجال بشكل دائري. ومن الآبيات التي تغنى في

رقصة الليوا :

بيبي متوه سقاني مرمرة الشيخ زايد عسى الله ينصره
لا إله إلا الله ربي توبة سافر حبيبي ضربتني نوبة

وتردد هذه الأبيات القصيرة وغيرها مرات عديدة أثناء الرزفة التي يسيطر عليها (الزماري) أي نافخ المزمار (آلة الصوت ذات النغم الرخيم). وكذلك (طبل الليوا) الضخم الذي يلعب دورا كبيرا في هذه الرزفة التي تتداخل فيها بعض الطقوس والحركات التمثيلية.
وإلى جانب تلك الفنون الرئيسية المشهورة في الإمارات توجد أيضا عدة ألوان من الرزيف والفنون منها :

الرواح :

وهي من الفنون القديمة في إمارة رأس الخيمة وتمارس على إيقاع نشيد يتضمن الغزل والمدح، وتتكون الفرقة من الرئيس أو (الأبو) وعدد من الرجال الذين يقدر عددهم بخمسين رجلا أو أكثر، ويأتي هذا الفن بعد الانتهاء من فن (العيالة) حيث يجلس المنشدون لتأدية هذا الفن.

رزيف الشحوح :

فن تنفرد به الإمارات من غيرها من دول المنطقة يؤديه أبناء قبيلة الشحوح، وتتكون الفرقة التي تؤدي هذا الفن من ستين إلى سبعين رجلا يكونون صفين متقابلين ويتوسطهم حاملو الطبول، وعددهم يترواح بين خمسة إلى ثمانية. ويشارك عدد من لاعبي السيوف والبنادق ضمن الرقصة، ويردد الجميع الأناشيد الحربية والحماسية والعاطفية.

الوهابية :

تنفرد بها إمارة رأس الخيمة وتتكون هذه الرزفة من فريقين متقابلين تتوسطهما الطبول، وتبدأ الوهابية بنشيد يسمى (الشليل) وأثناء ذلك يتحرك الفريقان إلى الأمام والخلف ثم انحناء إلى الأمام، ويشارك في هذه الرزفة لاعبو السيوف والبنادق.

الندبة :

من فنون الشحوح وهي نداء خاص بهم للعزوة والتفاخر تؤديه جماعة تسمى (الكبكوب) وهي كلمات تردد عند قدوم الضيوف ترحيبا بهم، وهي من عادات سكان الجبل ويكونون أثناء ذلك حلقة دائرية يتوسطهم (النداب) وهو الشخص الذي يبدأ بنداء العزوة، ويردد الآخرون عزوتهم خلفه بصوت يوحي بالرجولة والقوة.

السيع :

من أغاني واهازيج السفر وتردد أثناء الأسفار ورحلات الغوص براً وبحرا، وأحياناً في المجالس وأثناء السمر. وينشد المنشدون كلمات جميلة ملحنة ويرددون القصائد، ولا تستخدم لأدائه أية أدوات أو إيقاعات.

الخطفة أو خطفة الشراع :

من فنون أهل البحر ينشدها البحارة أثناء رفع الشراع، ويشارك جميع أفراد السفينة في ترديد هذا النشيد بصوت عال، وتدق أثناء ذلك الطبول والطوس في تناغم جميل يساعد على تخفيف وطأة البحر عند الإبحار للتجارة وأثناء رحلات الغوص.

الطرشة البحرية :

يؤدي هذا النشيد أثناء سفر الحاكم أو رئيس القوم عن طريق البحر من مكان إلى آخر، ولا تستخدم أثناء أدائه أدوات أو طبول.

الحدوة:

من فنون البحر، ويردد هذا النشيد أثناء الغوص عند مرور السفن من هير إلى هير، ويشارك فيه جميع البحارة.

أم ديمة :

وهي رزفة ذات جذور إفريقية، وتتكون من حلقة دائرية يتوسطها قارعو الطبول، والموسيقى تعتمد على التصفيق. وتقام هذه الرزفة في الأعياد وتؤدي عادة في الليل.

السوما :

من الفنون القديمة في الإمارات، تؤدي بواسطة التفاف الفريق على شكل حركة دائرية، وتبدأ بالتصفيق بالأيدي، وأداء حركات راقصة، وتؤدي على إيقاع طبلتين هما (الكوسر) و(رحماني). وتقام السوما في المناسبات وأثناء التوقف بعد السفر الطويل.

الهبان :

الآلة الأساسية في الهبان هي (القربة) أو (الجرب).
وهو من الفنون الوافدة من منطقة فارس، وله عدة أسماء منها (ساحب)، و(خميري) و(الجربة). وتتكون فرقة الهبان من ثلاث مجموعات وتشارك بعض النساء إلى جانب الرجال الذين يؤدون حركات راقصة، وينشدون الكلمات العاطفية والاجتماعية.

النوبان :

من الفنون الوافدة إلينا من إفريقيا وأصل النوبان حسب ما يقال من منطقة (النوب) ويسمى هذا الفن بـ (الطنبورة) أيضا، ويجمع بين الغناء والرقص. والآلة الأساسية في فن النوبان هي آلة الطنبورة. وأحياناً تؤدي ضمن طقوس الزار.
تلك هي أهم الفنون والأهازيج الشعبية التي تمارس في الإمارات بعضها يؤدى في إطار محدود، والآخر يمارس في أغلب المناسبات كالعيالة والرزيف والليوا. وبجانب ما ذكرنا توجد فنون وأهازيج أخرى في مجتمع الإمارات مثل (الدان) الذي يمارس عند سحب (السن) أي (الباورة) أي المرساة من البحر إلى ظهر السفينة. ويوجد أيضاً فن (الهولو) بأهازيجه التي تؤدي عند سحب أشرعة السفينة، وهناك ايضا (الطارج) الذي يؤدى أثناء السفر، وكذلك غناء (الردحة)، وتؤديها النساء بعد حفلة الزفاف، ومن الأهازيج (لقية الشحوح) وتؤدى عند استقبال الضيوف. وهناك أناشيد وأهازيج تقال في مناسبات عديدة معظمها اختفى وأصبح في ذاكرة كبار السن، وقد كانت في يوم من الأيام تشكل جانباً مهما من الفنون والأهازيج الشعبية المتداولة بين الناس، مما يدل على عمق تراث وحضارة الإمارات وأصالتها العربية.


المادة :: الفصل الثاني - الألعاب الشعبية

تقصد بالألعاب الشعبية تلك الالعاب التي كان يمارسها الصبيان والفتيات وحتى الرجال والنساء في وقت الفراغ. والالعاب كانت شائعة في مجتمع ما قبل النفط، حيث كان اللعب يمارس في الاحياء أو (الفرجان)، وفي الساحات وعند ساحل البحر وقد اشتهرت كثير من هذه الألعاب عند العرب قديماً وذاع صيتها.
لقد تناولت العديد من الكتب والدراسات الألعاب الشعبية، كما بدأت وسائل الإعلام والمتاحف تهتم بإحياء هذه الألعاب. أما على مستوى الخليج العربي فقد صدر عام 1978م كتاب عن الألعاب الشعبية الكويتية لمؤلفه سيف مرزوق الشملان، إلى جانب كتاب (لعب العرب) للعلامة أحمد تيمور باشا، وهو من أوائل الكتب التي تحدثت عن الألعاب العربية، وقد ضم مئة وسبع ألعاب، إضافة إلى الألعاب التي وردت في المعاجم وكتب التراث العربي الأخرى.
وللالعاب الشعبية في الإمارات العديد من الفوائد أهمها تعويد الصبي أو البنت الاعتماد على النفس، وحب المعرفة، وتعوده على الحماس والحركة، وتنمي قدراته البدنية، وتساعده على التفكير السريع والابتكار مع تنشيط الذاكرة، كما تغرس المعاني الحميدة لدى النشء وتعودهم على الصبر والمثابرة، وهي علاج نفسي، كما أنها تنمي روح الفريق والجماعة بين الصبيان والبنات.
وللألعاب الشعبية مواعيد وأوقات تمارس فيها، فهي تفقد بعض ميزاتها إذا لعبت في أوقات غير أوقاتها، وللألعاب شروط وقوانين ونظم يلتزم بها اللاعبون، وذلك يجعلهم جادين في أداء اللعب بالتزام تام بقوانينها وأنظمتها.
والألعاب الشعبية في دولة الإمارات تتنوع مع تنوع البيئات، إذ إن لكل بيئة وفريق ألعابهم الخاصة، وتمارس الألعاب بأدوات مأخوذة من البيئة يبتكرها أو يصنعها اللاعبون.

تصنيف الألعاب الشعبية

يمكن تصنيف الألعاب في الإمارات حسب الجنس إلى ألعاب ذكور وألعاب إناث، ويمكن تصنيفها حسب البيئة إلى ألعاب الساحل وألعاب الريف وألعاب البدو، وألعاب سكان الجبل. كما يمكن أن تصنف الألعاب حسب العمر إلى ألعاب الأطفال وألعاب الصبيان وألعاب الفتيات وألعاب الرجال، ويمكن تصنيف الألعاب الشعبية حسب نوع اللعبة وطريقة أدائها إلى ألعاب فردية وألعاب جماعية وألعاب حركية وألعاب ذهنية وألعاب منطقية أو كلامية وألعاب هزجية أو غنائية. وهناك العشرات من الألعاب الشعبية في الإمارات والتي كانت متداولة قبل ظهور النفط ومارسها الأولاد والفتيات في الفرجان والأحياء آنذاك، نذكر منها ما يلي :

أ) ألعاب الأولاد :

من أهم الألعاب التي كان يمارسها الأولاد لعبة القبة أو الكرة، ولعبة عظيم السرا أو عظيم لواح، ولعبة الزبوت، ولعبة ديك دياية، ولعبة حسن ديك، ولعبة حبيل الزيبل (معجال اليربة)، ولعبة سبيت حي ولاّ ميت، ولعبة الجلة، ولعبة الصوير، ولعبة الصبة، ولعبة شبر، ولعبة خيل يريد، والعربانة (الرنك).

القبة أو (الطرة) :

هي من العاب الصبيان المعروفة ويتنافس عليها لاعبان فقط. أما أدوات اللعب فهي عبارة عن القب أي (عصا من الجريد) بطول (45) سم، والقبة (جريدة صغيرة) بطول متر تقريبا، وعند اللعب يقوم أحد الصبيان بوضع القبة على (حصته) أو داخل حفرة ورأسها إلى أعلى، فيحركها بالعصا فإذا تحركت يضربها أو يدفعها إلى الأمام، وعلى اللاعب الآخر لقفها قبل ان تسقط على الأرض، وأحياناً تضرب القبة بأسلوب آخر حيث يمسك اللاعب بالقب ثم يرمي القبة ويضربها بقوة قبل ان تسقط على الأرض.

عظيم السرا :

لعبة جماعية يلعبها الأطفال مساء بواسطة عظم حيوان ويقذفونه إلى أعلى ثم يندفع اللاعبون نحوه، ومن يعثر عليه يهرب به إلى منطقة تسمى (الهول) فإذا وصل اللاعب حامل العظم إلى الهول يعتبر فائزا، وإذا تمكن اللاعبون منه يضربونه بواسطة (المعكال) أو بالعصي حتى يرمي العظم. ولهذه اللعبة عدة أسماء فقد تعرف باسم (عظيم لواح)، وتلعب في الليالي القمرية عندما يكون القمر في ليلة البدر، وقد كان العرب يطلقون على هذه اللعبة (عظيم وضاح).

الزبوت أو (الترتور) :

من الألعاب الجماعية حيث يحضرون الزبوت وهو عبارة عن خشبة مخروطية الشكل وخيط رفيع، وتعرف هذه اللعبة في بعض بلدان الخليج العربي باسم (لبلبولة) أو الدوامة، وهناك عدة أنواع من الزبوت منها (زبوت نشبيل) و(زبوت شلاخ)، وعادة ما تمارس هذه اللعبة في الشتاء، وعند اللعب يلف الخيط على الزبوت ثم يقوم اللاعب برميه على أرض صماء، فيدور وقد يضرب الزبوت بالشلاخ أو بعصا فيزداد دورانه ويتنافس اللاعبون في ذلك.

ديك دياية :

من الألعاب البحرية وتمارس في (الغالة) أي مياه البحر الضحلة، حيث يتجمع عدد من الصبيان ويعملون دائرة ويبدأون بضرب الماء بواسطة إصبع السبابة فإذا خرج صوت يقولون (ديك) أما إذا لم يحدث صوت فيعني ذلك (دياية) أي دجاجة، وكانت هذه اللعبة تمارس في الصيف.

سبيت حي ولاّ ميت :

هي من الألعاب التي تحتاج إلى طول نفس، ومقدرة على عدم التنفس أطول فترة ممكنة. وعند اللعب يدفن اللاعب الذي يطلق عليه اسم سبيت في تربة رميلة إذ يختار الأطفال أحد اللاعبين ويلفون رأسه بقطعة قماش ثم يضعه رأسه في الحفرة ويدفن، ويشكل اللاعبون دائرة ويصيحون : سبيت حي ولا ميت، فإذا قال حي يهيلون عليه التراب أما إذا رفع إحدى يديه أو قال (ميت) فيقومون بإخراجه. وهكذا يتنافس الصبيان على ممارسة هذه اللعبة الخطرة.

الصبة أو الشوط :

لعبة تمارس على الأرض إذ يخططون أربعة مربعات ويبدأ اللاعبان باللعب إذ يحضر كل واحد ثلاث حصوات، وهذه اللعبة تحتاج إلى ذكاء ومقدرة على المراوغة واليقظة، وتمارس في الليالي القمرية، وقد يستخدمون الصخام (السخام) أو البعو، ويتنافس لاعبان على تحقيق إصابات.

الهشت :

من الألعاب الذهنية التي تحتاج إلى يقظة وتفكير وتمارس في أوقات الصيف ويشارك فيها أربعة لاعبين. حيث يحضرون أربع عصي صغيرة من الجريد بطول (10) سم، ويلون ظهر القطع الأربع بلون أسود أو أبيض، وأحيانا يستخدمون (العسق) من عذق النخيل. ويضع اللاعب القطع في يديه ويهزها ثم يرمي بها في المربع الذي توجد في جوانبه حفرة صغيرة، فإذا سقطت العسق وكان اللون الأبيض إلى أعلى تحسب ثمانية، ويحرك قطعة الفحمة في الحفر (كون) حول المربع في ثماني خانات. أما إذا سقطت على الظهر الأبيض أو الأحمر حسب اللون فتحسب له أربعة، وهكذا يتنافس اللاعبون على الوصول إلى نقطة البداية بتحقيق إصابات متتابعة.

خيل يريد :

وهي لعبة بسيطة إذ يحضر الأطفال جريدة نخيل يابسة، ويضعها اللاعب بين رجليه ممسكا بمقدمتها بيد ثم يجري بين (السكيك) أي الأزقة، وهذا اللعبة من ألعاب الصيف، وهناك عدة ألعاب من هذا النوع مثل لعبة (عربانة يريد) وهي أن يحضروا جريدة نخيل خضراء ويقوسون مقدمتها ثم يربطون رأسها بمؤخرتها ويدفعها اللاعب أمامه.

ب) ألعاب البنات :

الجحيف :

الجحيف أو (الحويم) من ألعاب البنات المحببة وتمارس طوال السنة، إذ تحضر الفتيات (جحف) أي قحف من الفخار دائري الشكل ويخططن في الأرض مربعات حسب الشكل المحدد، وعند اللعب تتنافس الفتيات بأن تلقي إحداهن بالجحف في المربع الأول ثم تتحرك على قدم واحدة بالقفز، وتحرك الجحف بأصابع قدمها اليمنى من وإلى نقطة البداية، فإذا تمكنت من إيصال الجحف (الهويم) إلى نقطة البداية عند المربع المستطيل تخرج وتبدأ من جديد بأن ترمي الجحف في المستطيل الثاني وهكذا. ولهذه اللعبة شروط فإذا وضعت اللاعبة قدمها اليمنى في المربع تخرج من اللعب، أما إذا استطاعت إحدى اللاعبات اجتياز المربع الاول والثاني والثالث فإنها تستطيع ان تحقق الفوز، لأن باقي اللاعبات لا يستطعن القفز على ثلاث مربعات لدفع الجحف.

المحاماة :

هي من ألعاب البنات وقد تصاحبها أناشيد وأهازيج ترددها اللاعبات، وعند اللعب تجلس ثلاث لاعبات أو أربع جلسة القرفصاء، ويتحركن بالقفز على القدمين على ان تكون اليدان موضوعتين على الفخذين، ومن تجتاز المساحة حتى الخط النهائي عدة مرات فإنها تكون فائزة على رفيقاتها.

الحبيل :

لعبة شعبية تؤديها البنات إذ يحضرن حبلا طويلا مصنوعا من الكمبار أو ألياف النخيل، وتمسك فتاتان الحبل من الناحيتين وتبدآن بتحريكه إلى أعلى وأسفل بطريقة دائرية، وعندها تدخل إحدى اللاعبات وسط الحبل وتقوم بحركات أو بالقفز بطريقة بهلوانية لا تمس الحبل، وعادة تشد اللاعبات الحبل بقوة وتظهر هنا المهارات البدنية عند البنات وقدرتهن الفائقة على أداء الحركات، وقد تلعب أكثر من لاعبة هذه اللعبة في آن واحد، واثناء اللعب تردد الأناشيد، وتمارس لعبة الحبيل على شاطئ البحر وقت العصر.

خوصة بوصة :

من الألعاب التي تصاحبها الأهازيج إذ تتجمع اللاعبات على شكل دائرة وتجلس لاعبة واحدة في الوسط على ان تكون هذه اللاعبة أكبرهن سنا، وتقوم بترديد الأهازيج وأثناء اللعب تنشد الأناشيد وتحرك إصبعها (السبابة) على ركبة كل فتاة من اللاعبات وتقول عند بدء اللعب :

خـوصــة بـوصــة يالنبوصــــة
كــلاج الـــدود مـــن جــنـــــدود
لــيــن عقـــارب لـــيــن الســود
مرينا على صبي غاوي حماري
يسنــد علــى ضـــو القمـــر...
موزة موزة عطينـــا جــدركــم
بنلاقــي ولـــد محمد بن سلطــان
لادغتنه عقربــــة شقــــربيـــــــة
ما ينـــدرى هـــي خيل ولا مطية

ثم تقول خيل ولد سلطان أو هب ومن تقع عليه الكلمة أثناء تمرير إصبعها (السبابة) على ركبة كل لاعبة فإن هذه الفتاة إما أن تختار ان (تقرص) أو تحرث الرمل أو تخرج من اللعب. فإذا اختارت ان تقرص تقوم اللاعبة الاولى بقرصها قوة بشدة، وتكابر الفتاة الثانية في التحمل فإذا قالت (دوسة مطية)، تخرج أما إذا كابرت وقالت (قرصة خيل) تستمر بقرصها فإذا تحملت القرص تستمر، وهكذا تستمر اللعبة وهي تعتمد على المقدرة على التحمل.

العرائس :

لعبة العرائس أو (الحيا) أو الدمى، وهي ان تصنع البنات دمى باشكال مختلفة من القطن أو القماش من مخلفات الخياطة، وتشكل العرائس بطرق معينة وتتجمع البنات في مكان ما ليلعبن هذه اللعبة المسلية في بيت من الكراتين أي الصناديق الكرتونية حيث تحفظ العرائس عند نهاية اللعبة في الكرتون.

المريحانة :

المريحانة أو (الدرفانة) من اكثر الألعاب الشعبية المحببة إلى الفتيات وتسمى هذه اللعبة (الأرجوحة) أو (الدرفة) و(الدرفانة) وأحياناً يسمونها (الكرمانة). وهي عبارة عن حبل مربوط في غصني شجرة ضخمة مثل السدر أو الرول. وعند اللعب تركب البنت وسط الحبل، وتدفع برجليها إلى الأمام أو تقوم بعض زميلاتها بدفعها، أي تشط بها، ومن ثم تتحرك إلى الأمام والخلف وأثناء ذلك يرددن الأناشيد المصاحبة لهذه اللعبة.
وقد اشتهرت شجرة الرولة في مدينة الشارقة والتي كانت تربط بين أغصانها حبال المراجيح، وكذلك في رأس الخيمة عرف الناس شجرة الرولة التي يتجمعون تحتها يوم العيد ويربطون المراجيح ويلعبون وينشدون ويغنون أعذب الأغاني. وفي الرولة أنشد الشيخ صقر بن سلطان القاسمي حاكم الشارقة 1951 – 1965 م قائلاً:

يـا رولـة في ذارهـا النفــس ســارحـة مني عليك سلام المدنف الشاكي
لا زلت في خاطري والشوق يلعب بي وبـيـن عينــي لــن ينـفــك مرآك

وهناك العشرات من الألعاب الشعبية التي مارسها الصبيان والبنات والصغار في ذلك الوقت، ومن الألعاب الفردية : شنيوب شنيوب والرنك أو الدحروي، وخيل يريد، والحبل، وعربانة حديد، والفرارة، وقرقعانة، وأم النقيع، والكراحيف، وكوكو حمامة.
أما الألعاب الجماعية فمنها : حديد يريد، والتيلة، وتيلفون، وأم لولاد والصقلة – أم الأربع -، وحاسوم ياسوم، والحلقة أو قرقعان، والحلة، والخاتم وخبز رقاق، والخبصة، والدسة والدسيس، ودور دور يا مسمار، والسبي سبوتة، والسخامة، والشكعة، وشبير وشيبة، وشير، والصبة، وصندوق بندوق، وعظيم السرا والكرابي، وكرة مسطاع، وكرة السوط، والكوكسري ولمغاوص، واللقفة، والمجلاع، ومحينيو، وملك ولا وزير، ومن ضربك، وهدوة المسلسل، وهواري أو عداديل، وين طلع الذيب، وليقيرة، وجر الحبل.


المادة :: الفصل الثالث - فنون التشكيل الشعبي والثقافة المادية

فنون التشكيل الشعبي

التشكيل الشعبي وفنونه المختلفة في الإمارات من أهم عناصر التراث الشعبي الإبداعية التي كانت سائدة آنذاك، ويتمثل في الحلي والزينة، حيث نلاحظ أنواعا مختلفة من المشغولات اليدوية الجميلة، وكذلك بالنسبة للعمارة التقليدية وكل ما يتعلق بها من طراز معماري وهندسي، رسمته الثقافة الشعبية مستمدة وحيها من البيئة المحلية وما فيها من ملامح تستحق البحث والدراسة.
وسوف نستعرض هنا من فنون التشكيل الشعبي ما يلي :

الحلي والزينة :

منذ آلاف السنين كانت الحلي والزينة من ممتلكات الاسرة في الإمارات وقد عرف إنسان المنطقة أنواعا عديدة من الحلي عبر الحضارات القديمة، منذ ان قامت حضارة ماجان والمجن ودلمون، والمستوطنات الاثرية المكتشفة في مناطق حتا، والقصيص وجميرا والدور بأم القيوين والهيلي بالعين وشمل برأس الخيمة ومليحة بالشارقة. ففي هذه الأماكن عثر في القبور وتحت أكوام الرمال وفي الأواني المدفونة على مجموعة من الأقراط والعقود والحلي المختلفة التي كانت تستخدمها النساء منذ نحو خمسة آلاف سنة تقريبا. وكان من أهم الحلي في القرون الماضية اللؤلؤ والعقيق والمرجان. فقد عرف الخليج العربي بأنه المصدر الرئيسي لأجمل واغلى أنواع اللآلئ، وكان التجار والسماسرة الأوربيون يأتون في القرون الوسطى لشراء اللؤلؤ من جلفار والبحرين وسيراف وهرمز ويتم نقله إلى ملوك العالم الذين يقتنون هذا النوع من اللؤلؤ الطبيعي الجميل المستخرج من مياه الخليج الدافئة.
وعثر في الحفريات التي تنقب في مواقع (حتا) على أنواع مختلفة من الحلي والزينة من عقود وأساور وخناجر وأدوات تجسد حياة سكان هذه القرية في القرون الماضية. ولا تعني الحلي والزينة أدوات زينة المرأة فقط بل أيضاً كل ما يرتديه الرجل من أدوات مثل المحازم والخناجر وما يحمله كالسيوف والعصي التي تكون بأنواع وأشكال مختلفة فهناك عصا محناية وعصا المزي والجرز.
والجدير بالذكر ان الإمارات كانت زاخرة في العصور الماضية بأنواع وأشكال ممتازة من الحلي والزينة الرجالية والنسائية التي يصنع بعضها محليا بواسطة أيادي مهرة وتنقش بالنقوش، وتوضع لها الرتوش من الذهب والفضة، ولهذه الصناعة خبراؤها وصناعها في المنطقة وكثير منها يستورد من الهند وفارس ودول أوروبية.
وإذا تكلمنا عن زينة المرأة وملابسها وأناقتها في المجتمع نلاحظ أن للمرأة في الإمارات زينة خاصة ونظرا لاختلاف المناطق الجغرافية، جبلية وبرية وريفية وبحرية، فإن الحلي وأدوات الزينة تتنوع حسب هذه البيئات وما يوجد بها من خصوصية تعكس نمط الحياة في كل بيئة، وكذلك بالنسبة للرجل تتميز ملابسه وزينته بالمظهر الوطني.
ومن أنواع أزياء المرأة في مجتمع الإمارات التقليدي الملابس التي ترتديها المرأة حسب البيئة مثل (الثوب الميزع) و(البوشية) و(البوشية) و(العباءة) و(الوقاية) و(خلق المزراي)، وقد تكون هذه الملابس مصنوعة من أقمشة غالية الثمن تجلب من الخارج. وتضع المرأة المجوهرات في عنقها وفي يديها وفي الساقين مثل القلائد والحجول والأقراط في الأذن وتضع الخلاخيل في الرجلين وتلبس المشابك من الفضة والذهب. لكن أغلب هذه المجوهرات كانت من الفضة حيث كانت ظروف الحياة الصعبة تطلب البساطة في كل شيء، أما نساء الساحل فقدكن يرتدين الذهب متأثرات بالحضارة المجاورة.
ومن الحلي الذهبية والفضية : (الشغاب) أي أقراط من الأذن و(المرتعشة) و(الطبلة) و(الستمي) و(المرية) و(الدلال) و(بوشوك) و(الخلخال) وغيرها من الحلي. أما أدوات الزينة فتتكون من العطور مثل (دهن العود) و(المخمرية) و(المسك) و(الصندل) و(العنبر) وهناك أيضا الكحل ومن أنواعه (الإثمد والصراي والقرمز)، وتستخدم أدوات خاصة للكحل مثل المرود من الفضة والذهب ومرواد خشب ومرواد من الصفد.
وتوجد أيضا المرشات جمع (المرش) وهو وعاء من الفضة توضع به خلطة ماء الورد. وهناك ايضا المباخر مثل (المدخن) الذي يصنع من الفخار و(المدخنة) التي تصنع من السعف وتوضع عليها الملابس عند التبخير.
إلى جانب ذلك تعتبر الحناء من أهم طرق زينة المرأة وهي أنواع ومنها (الغمصة) لطلاء اليدين والرجلين، و(القصة) عبارة عن نقوش توضع على كف اليدين، و(أبو بيطان) و(الجوتي) و(الروايب). ومن أدوات الزينة عند نساء الإمارات أدوات التسريح والأمشاط والمشابك ونحوها. وللرجال كذلك زينتهم، فقد يحمل الرجل السيف بيده ويضع الخنجر حول خصره ويمسك بيمينه العصا أو (الجرز) أحياناً ويحمل البندقية للزينة والتباهي، ويضع العصابة على الرأس، وفي بعض الأحيان الغترة والعقال.
تلك هي أهم ملامح أشكال وأصناف الحلي والزينة في الإمارات قديما، وقد اختفت معظمها اليوم، وتطور بعضها إلى أشكال وأنواع مختلفة، ولكن لا تزال لدى الكثير من أبناء الإمارات الرغبة في توظيف بعض أنواع الحلي والزينة القديمة في ملبوساتهم المختلفة.


المادة :: الثقافة المادية

الثقافة المادية هي كل ما هو ملموس لدينا من أدوات ومبتكرات شعبية وبيئية، تناقلتها الاجيال منذ زمن طويل واستخدمها الناس في حياتهم اليومية. وقد عرف عالم الفولكلور الامريكي ريتشارد دورسون الثقافة المادية بقوله : (نولي اهتمامنا في هذا الميدان لجوانب السلوك الشعبية المنظورة وليست المسموعة التي قامت قبل الصناعات الميكانيكية، واستمرت موجودة معها جنبا إلى جنب. فالثقافة المادية تمثل صدى تقنيات ومهارات ووصفات انتقلت عبر الاجيال وخضعت لنفس قوى التقاليد المحافظة والتنويعات الفردية التي يخضع لها الفن اللفظي، ومن المسائل التي تهم دارس الثقافة المادية كيف يبني الرجال والنساء في المجتمعات التقليدية بيوتهم، ويصنعون ملابسهم، ويعدون طعامهم، ويفلحون أرضهم، ويصيدون الاسماك، ويحفظون ما تجود به الأرض، ويشكلون أدواتهم ومعداتهم ويصممون أثاثهم وأدواتهم المنزلية ..).
إذا، الثقافة المادية هي كل ما هو مادي ملموس لدينا، وكل ما هو موروث عن الآباء والاجداد من حرف وصناعات وأدوات تقليدية محلية، وعلى ضوء ذلك فإن عناصر الثقافة المادية تتكون من أدوات العمل الزراعي كالمحراث وأدوات تمهيد الأرض والادوات والمعدات المنزلية كأدوات طحن الحبوب والافران والمواقد إلى جانب الحرف والصناعات الشعبية التي مارسها شعب الإمارات في الزمن الماضي. ونستطيع من خلال الملامح الحضارية للمجتمع وهو الذي كان يعتمد على ذاته في كل شيء. ففي مجال العمل والصناعة مارس شعب الإمارات العديد من الحرف والصناعات التقليدية مثل صناعة الفخار وصناعة النسيج وصناعة السعف والصناعات البحرية بكل أدواتها وألوانها، أما الأدوات والمعدات المنزلية كالأواني وأدوات الطحن والطهي فقد تفنن الصناع الحرفيون المحليون في صناعتها، إضافة إلى ادوات العمل الزراعي وأدوات الري كـ (اليازرة) و(المنيور) و(الغرافة) وهي من المعدات الأساسية للسقي تستخدم في الزراعة والبساتين.


المادة :: الحرف والصناعات الشعبية

انتشرت في مجتمع الإمارات العديد من الحرف والصناعات التي مارسها بعض الحرفيين والمهنيين والصناع المحليين الذين اختصوا بها والتي شكلت مصدراً مهماً من مصادر الرزق والمعيشة آنذاك.
ومن أهم الصناعات التي كانت سائدة صناعة السفن وصناعة الفخار وصناعة الغزل (السدو) والدباغة وصناعة أدوات الصيد وصناعة الأخشاب والحدادة والنجارة وصناعة السعف وصياغة الذهب وغيرها.
وسوف نستعرض هنا أهم هذه الصناعات :

1- صناعة السفن والمراكب :

تعتبر صناعة السفن بأنواعها المختلفة من أهم الصناعات القديمة في الخليج العربي، وقد ازدهرت هذه الصناعة في المنطقة نظراً لما للبحر من دور في حياة السكان الذين اعتمدوا على السفن في أسفارهم وتجارتهم وفي بحثهم الدائم عن مصادر الرزق.
ولعبت السفن في الماضي دورا كبيرا في تاريخ النضال البحري ضد المستعمرين الأوروبيين، فقد ذكرت بعض المصادر ان عدد السفن التي كانت تحت حماية حاكم أبو ظبي بلغت حوالي 410 سفن، أما السفن التي تتبع الشارقة ورأس الخيمة والحمرية والحيرة والخان وخورفكان وكلبا فكانت حوالي 360 سفينة، وفي دبي 335 سفينة، وفي عجمان 40 سفينة، وفي أم القيوين عدد مقارب من السفن.
وكانت السفن تصنع بأنواع مختلفة ولأغراض عديدة وتستخدم لصناعتها أنواع مختلفة من الاخشاب ومنها (الساي) الذي يستورد من الهند وإفريقيا. واشتهر في الماضي العديد من الصناع المهرة الذين كان يطلق عليهم (أساتذة) الواحد أستاذ، وقد مارس هؤلاء صناعة السفن بأحجامها المختلفة.
تمر عملية بناء السفن بعدة مراحل ويتوقف ذلك على حجم السفينة ونوعها، ونستطيع ان نميز ثلاثة أنواع من السفن تبعا لطبيعة الأعمال التي تؤديها.
النوع الاول : سفن الغوص التي كانت تذهب إلى مغاصات اللؤلؤ وهي :
الجالبوت : وتتراوح حمولته من الافراد من 20 إلى 30 رجلا.
البتيل : ويجمع على (بتاتيل) وتصل حمولته إلى مائة شخص.
البقارة : أقل حجماً من البتيل وتحمل نحو عشرين شخصا.
الشاحوف: يحمل بين 8 إلى 15 شخصا ويستعمل للسفر إلى المغاصات.
الصمعة : وتحمل نحو عشرين شخصا.
السنبوك : ويحمل بين 50 إلى 70 شخصا.

أما النوع الثاني : من السفن فهي سفن السفر التجارية، وهي :
البوم : وتتراوح حمولتها بين 200 – 500 طن.
الكوتية : وتسمى (الدانكية) وهي هندية الاصل وتقدر حمولتها بين 200 -300 طن.
البغلة : جمعها بغال، وتتميز بضخامتها وسعة حجمها وبمقدمتها الانسيابية ومؤخرتها العريضة نسبيا.

النوع الثالث : سفن صيد السمك والتنقل الداخلي :
ومنها الشوعي والماشوة واللنج والشاشة والهوري وغيرها من المراكب.

ويقوم بصناعة السفن العديد من الحرفيين الذين يتولون عملية النجارة وصناعة اجزاء السفينة المختلفة وصناعة الأشرعة والدقل الذي يرفع عليه الشراع ويسمى (الصاري) وجمعه (صوار) وهي قطعة من الخشب طويلة توضع وسط السفينة ويرفع عليها (الفرمن)، وهو قطعة من الخشب يعلق فيها الشراع الذي يرفع فوق سطح السفينة.

2- صناعة أدوات صيد السمك :

لصيد السمك العديد من الادوات الحرفية والصناعية التي يقوم بصنعها بعض الحرفيين ، ومنها :
- القرقور : ويسمى ايضا (الدوباية) وهو قفص يصنع من الاسلاك المعدنية الرقيقة ويكون على شكل نصف دائرة وبه فتحة من الوسط.
- الليخ : أو اليل شبكة تصنع من خيوط البريسم ومثلها (الساليه)، والليخ يحتوي على فتحات مختلفة منها الكبيرة والصغيرة.
- السنارة (الصنارة) : وتسمى أيضاً (الميدار) وتستعمل في صيد السمك بواسطة الخيط الذي تربط به صنارة الصيد.
- البلاوة : وهو قطعة من الحديد على شكل رمح مدبب من الأمام ويستخدم للصيد على الشاطئ يرميه على السمكة مثل (العوالة).

3- صناعة الفخار :

تعتبر صناعة الفخار من أقدم الصناعات التي عرفها إنسان الإمارات منذ قرون بعيدة، وقد اشتهرت (أفران جلفار) منذ فترة طويلة ترجع إلى ما قبل الإسلام، فقد عثرت البعثة الالمانية على أفران قديمة في وادي حجيل بمنطقة شمل، ومن تلك الأفران كانت تصنع الأواني الفخرية التي استخدمت في المنازل قبل ظهور الأواني المعدنية والنحاسية.
وفي مدفن غليلة عثر على أوان فخارية غير مزججة يعود تاريخها إلى العصر الحديدي (500 – 900 ق.م) وهذه الأواني نفسها عثر في الكثير من المواقع الأخرى في انحاء الإمارات، وقد سمي هذا النوع من الفخار بفخار جلفار نسبة إلى مدينة جلفار التاريخية.
وقد انتشرت صناعة الفخار في العديد من المواقع القديمة ومن أشهرها منطقة شمل التي تقع شمال غرب مدينة رأس الخيمة، ومارس هذه المهنة (بنو شميل) وهم سكان شمل. وقد دام إنتاج الأواني الفخارية من أفران شمل لقرون عديدة حتى أواخر الستينيات، حيث توقفت هذه الصناعة بعد انتقال الأهالي من مواقع الافران إلى المنازل الشعبية الجديدة التي بنتها دولة الإتحاد.
ومن مقومات هذه الصناعة ثلاثة أنواع من الطين يتم جمعها من سفوح الجبال المحيطة بوادي حجيل هي (الطين الأحمر والأخضر والأصفر) ويقوم أناس متخصصون بالبحث عن الطين في الجبال ثم يستخرج ويتم نقله على ظهور الجمال والحمير إلى مواقع الافران، وهناك تتم عملية دق الطين ونخله من الشوائب ثم يقوم الصانع بعملية عجن الطين وتجهيزه على أداة من الخشب وعندها يبدأ بتشكيل الأواني والأدوات حسب حجمها وشكلها، ويتفنن في عملية تجهيزها لكي تكون على هيئة معينة ثم تصف على بعضها داخل الفرن، وتستغرق عملية صنع الأواني حسب حجمها من أربع إلى ثماني ساعات، أما عملية البناء أي وضع الأواني في التنور والأفران وإشعال النار حتى استخراجها فتستغرق أكثر من عشرة أيام.
وبعد صنع الأواني واستخراجها من الفرن تقوم النساء بتلوين ونقش الانية برسومات وخطوط هندسية مستخدمات (الآرا) أو (مادة المغر) ذات اللون الأحمر. وكانت المصنوعات الفخارية من أكثر الأدوات استخداما في المنازل، ومن أنواع الأواني الفخارية على سبيل المثال ما يلي :
- الحب أو الصلاحي : ويستخدم لتبريد الماء الشرب.
- البج (البق) : ويستخدم كبراد لماء الشرب.
- المدخن : ويستخدم للتدخين حيث يوضع بداخله البخور.
- الخرس : ويستخدم كحافظ للتمور وأحيانا لحفظ الماء.
- المسوكة أو المصفرة : وتستعمل لسحق بعض أنواع الأدوية.
- البرمة : وقد تستخدم لطهي الطعام.
- الكروة أو الشربة : ويجلب بواسطتها الماء من الآبار (الطواية) وتستعمل لتبريد الماء.
- التنور : وهو الفرن الذي يستخدم لطهي الطعام.
- كوار : وعاء يوضع فيه الجمر ويستخدم لتحضير القهوة والشاي وهناك نوع آخر من الكوار يستعمل كمطعم للبقر.
- داندونة : وتستعمل في نقل الماء من (الخريجة) أي بئر الماء غير الصالح للشرب.
- اليحلة : وعاء يستخدم في نقل الماء وحفظه.
- سكاوية : آنية تستعمل لحفظ ماء الشرب.
- مجلة : آنية تستعمل في حفظ ماء الشرب.
- حالولة : ولها العديد من الاستخدامات حيث يغسل فيها السمك وتستعمل كمطعم للبقر والأغنام.
- مقلا : وتستعمل في إعداد القهوة ويحمل بواسطتها الجمر من على النار.
- ميلح : وهو إناء يوضع فيه ماء للدجاج أو الطيور.

4- صناعة الغزل والنسيج :

من أهم الصناعات القديمة وهي حرفة يمارسها السكان لحاجتهم الماسة إليها وتقوم على صناعة النسيج العديد من الصناعات منها :
- صناعة بيت الشعر أي الخيمة التي تنسج من الوبر أي شعر الجمل ومنه تصنع الخيوط.
- صناعة (البسط) أي السجاجيد وهي من أنواع الغزل. وتسمى الواحدة (سيّادة) أي سجادة، وتصنع من أصواف الماعز الخشنة.

5- صناعة السعف :

وهي من الصناعات الحرفية البسيطة التي اشتهرت من نسيج خوص النخيل وهي عبارة عن أدوات ومستخدمات بسيطة منها ما يلي :
- المغطى : وجمعها (مغاطي) وتستخدم كغطاء يوضع على المائدة لحفظها من الحشرات.
- المهفة : وهي مروحة اليد المصنوعة من السعف تستخدم للتهوية.
- المشب : يستخدم لحمي النار أثناء الطهي ولتخفيف سخونة الطعام.
- السرود : ويفرش تحت مائدة الغداء.
- الحصر أو (الحصير) : وهو الذي يفرش في المنزل ويسمى (حصير).
- المكانس : والواحدة (مكنسة)، وتستخدم في تنظيف المنزل من الداخل، وهناك (العسو) وهو عذق تمر جاف لتنظيف حوش البيت.
- المخرافة : وتستخدم لخرف الرطب أي جمع الرطب من عذق النخلة.
- القفة : ويسميها سكان الجبل (اليبان) وتوضع فيها الأدوات النسائية كالأمشاط والكحل والمقص والخيوط.
- الجفير : سلة تحمل فيها الأدوات وهناك (جفران) كبيرة لحمل الخضروات مثل البصل والرويد والجزر وغيرها.
- اليربان : جمع (جراب التمر) الذي يجمع فيه التمر في نهاية جني الرطب، أي موسم القيظ.

6- الدباغة :

وكانت من أهم الصناعات الحرفية وتقوم على دبغ جلود الحيوانات وإبعاد الصوف والشعر عنها وتليينها وتنظيفها وتبديل رائحتها لكي تكون صالحة للاستفادة منها، وتتم هذه العملية في المدبغة بواسطة طرق مختلفة، وتستخدم فيها بعض ثمار وأوراق الأشجار والنباتات مثل (القرض) وهو ثمرة نوع من الأشجار الكبيرة الحجم تنمو في الإمارات، و(الأشخر) وهي شجيرة ذات أوراق، و(العلق) وهو شجر جبلي. وتدخل هذه الأنواع من ورق الأشجار والثمار ضمن خليط يوضع في إناء مثل (الحب) به ماء ويخلل فيه الجلد وعادة ما يكون جلد ماعز صغير أو كبير ولكل نوع من الجلود استعمال معين.
وتصنع من الجلود المدبوغة العديد من الأدوات المنزلية مثل (القرب) أو (الجرب) لحفظ ماء الشرب، وهناك (السعن) أي القربة الصغيرة لتبريد الماء، و(السقا) أي (القراب) الذي يوضع به اللبن. وكذلك من الأدوات الجلدية (الظبية) أو سعن العسل الذي يحفظ فيه العسل و(الحقب) أو (المحزم) الذي يلف وسط البطن. و(المساتر) وهي تنانير جلدية للبنات، أما جلود الطبول وقراب السيوف والسكاكين فتصنع كلها من الجلد.
والى جانب ما ذكرنا من صناعات وحرف توجد صناعات وحرف أخرى منها الحدادة، ويمارسها الحدادون الذين يقومون بصنع الخناجر والسيوف والسكاكين و(الديسان) جمع (داس) وهو المنجل و(المحش) وكلاهما في قطع الحشائش وتشذيب الزرع إلى جانب صناعة الأواني المعدنية مثل (الطابي) الذي يستخدم للخبز، و(التاوة) لقلي القهوة ونقل (الضو) أي النار والفحم الملتهب (الجمر). وهناك صناعة البارود التي مارسها بعض الاشخاص وصناعة الطلقات النارية وصناعة الحبال بأنواعها، كذلك ارتبطت بمهنة الغوص العديد من الصناعات الخفيفة مثل صناعة أدوات الغوص وهي : (الشمشول – والفطام – والديين – والزبيل – والطرطور ... الخ).


المادة :: العمارة التقليدية

تتنوع العمارة التقليدية في الإمارات تبعا لنوع البيئة، حيث نجد لكل بيئة نوعا معينا من العمارة والطراز المعماري الخاص الذي يميزها عن غيرها سواء في شكل البناء ونظامه، أو في المواد المستخدمة. وبنظرة عامة إلى ما يوجد في مناطق الإمارات من مبان وبيوت وحصون وأسوار وآثار قديمة سنجد حصيلة معمارية وثقافية وحضارية لا تقدر بثمن.
وقد ظهرت في منطقة الإمارات العديد من الحضارات الإنسانية خلال العصور التاريخية القديمة، مثل حضارة أم النار التي يرجع تاريخها إلى الألف الثالث قبل الميلاد، وحضارة تل الكوش برأس الخيمة التي ترجع إلى أربعة آلاف سنة، وحضارة الدور بأم القيوين وتعود إلى القرن الاول الميلادي، وحضارة الجميرة بدبي والتي ترجع إلى القرنين الخامس والسادس عشر الميلادي، وحضارة هيلي في العين، واعسمة وجلفار في رأس الخيمة، ومليحة في الشارقة. فكل هذه الحضارات تعطينا صورة واضحة عن الملامح المعمارية القديمة في تلك العصور.
وبالإضافة لكل هذا فقد اكتشفت مواقع اثرية في كل من القطارة بالعين، والثقيبة بالشارقة، ووادي القور بالفجيرة، وشمل وغليلة في رأس الخيمة. وفيها تم العثور على مقتنيات أثرية ومبان واساسات ونقوش معمارية.
يلعب المناخ دوراً مهماً بالإضافة إلى ظروف الحياة الاجتماعية في تشكيل أنواع العمارة والتي يمكن تقسيمها في الإمارات إلى نوعين رئيسيين : طراز معماري جزيري انتقل إلينا من الساحل الجنوبي للخليج العربي وهذا النوع نجده بوضوح في طريقة بناء القلاع العسكرية والمساكن في المدن الساحلية، اما النوع الثاني فهو طراز عربي، وهذا متركز في المناطق الصحراوية والجبلية والريفية حيث حافظ المعماري المحلي على نظام البناء العربي التقليدي.


المادة :: المواد المستخدمة في البناء

لعبت خبرات البنائين المحليين في الإمارات دوراً مهماً في التعامل مع البيئة وتوظيف ما يوجد بها من مواد في تحضير أو إعداد الخلطات والقوالب البنائية، وكانت الخبرة والتجربة والمعرفة الواسعة قد ساعدت على تميز العمارة المحلية وتفوقها في استخدام ما توفره البيئة من مواد معينة تساعد على مقاومة الحرارة والرطوبة وتغيرات المناخ والأحوال الجوية.

ومن أهم المواد المستخدمة في البناء (المدر) وهو نوع من الطين يجلب من الوديان والواحات، وكذلك (الجص) الذي يقطع من أماكن معينة تعرف بـ (المحارق). ويقوم البناؤون بالتنقيب عن هذه المواد، والتي تحمل على ظهور الحمير أو الجمال إلى مواقع البناء ثم توضع في المواقد والافران وتحرق جيداً ثم تدق وتؤخذ جاهزة لتستخدم في بناء المخازن والبيوت في المدن. وتدخل ضمن الخلطات بعض المواد مثل الحشائش و(البعو) وهو نوع من الأصداف البحرية و(الشبو) وهو بعض ما يلفظه البحر، وأوراق النخيل، إضافة إلى استخدام حجر البحر الذي يقطع من المرجان البحري وهو ما يعرف محليا باسم (البيم) واحدته (بيمة) أي الصخور الطبيعية وهي تستخدم في بناء الواجهات، وتدخل مادة الصاروج ضمن خلطة البناء في البيوت القديمة.
ويستخدم الطين والمدر كدهانات للجدران وكطلاء للمباني من الداخل والخارج، ويوضع المدر أيضاً على اسقف المنازل لأنه مادة لزجة تمنع تسرب مياه الأمطار. وهناك المنازل التي تبنى من حصى الجبل بطريقة معمارية معينة بحيث يوضع الحصى ويصف فوق بعضه بعضا بصورة جيدة عند البناء، وهذا النوع معروف عند سكان الجبل.

وتستخدم الأخشاب مثل (الكندل) و(البنبو) و(الساج) التي تجلب من إفريقيا في الاسقف والنوافذ والردهات، ويستخدم السعف والدعون من الجريد، وكذلك جذوع النخيل في أماكن معينة مثل الأسقف والأعمدة الجانبية والنوافذ.


المادة :: فنون العمارة المحلية

العمارة المحلية من مساكن ومساجد وقلاع وحصون وأبنية ملحقة بها تأخذ طرازاً معمارياً وهندسياً يتفنن فيه البناؤون والنقاشون والنجارون والحدادون لكي تظهر برونق معماري جذاب. فمثلاً تزين البيوت القديمة بأعمدة وأقواس وزخارف ونقوش جميلة وهذه نجدها في بعض (المخازن) و(الملاحق) أي الغرف الخاصة بالبيت، وكذلك في الأروقة حول الفناء الداخلي. ونجدهم يعتنون بشكل خاص بالتهوية لعدم وجود أجهزة تكييف سابقا أو مراوح، لذا كانوا يتفننون في تصميم شكل النوافذ وأطوالها وفي وضع الواجهات الداخلية، وأن تكون مفتوحة ومزينة بمصابيح وحواف خارجية ذات شكل هندسي، وكذلك يبنون (البارجيل) وهو برج الهواء. و(البراجيل) تشيد في أعلى المسكن وهي ذات فتحات علوية وجانبية تسمح بدخول الهواء إلى داخل البيت. أما أشكال الأبواب فعادة تكون من أفضل أنواع الأخشاب مثل الساج والمرندي وتكون منقوشة على شكل زخارف وبها زوائد وملاحق. وكذلك الشبابيك والأعمدة والأقواس القائمة على النوافذ والابواب والمداخل كلها فيها لمحات جمالية، كما ان هناك اهتماماً بالزوايا والأركان والحواف في الغرف بحيث تأخذ شكلاً هندسياً متناسقا، ومعالجة الجدران الداخلية والفرندات والفتحات بمواد مثل البلكونات الخشبية والنوافذ الحديدية، وإضافة إلى الطرز المعمارية المزينة بالزخارف الجبسية وبالأحجار البيضاء المجلوبة من أعماق البحر مثل الحجر الجزيري الذي يوضع على واجهات الابواب الرئيسية للمنزل التقليدي، وتدخل الاخشاب في تصميم الابواب والشبابيك والشرفات و(الوارش) أي النقش في السياج، ويستخدم الزجاج الملون في الاجزاء العلوية للابواب والشبابيك، وكذلك تدخل القضبان الحديدية مثبتة على الشبابيك من الخارج. تلك هي استخدامات فنون العمارة في الإمارات مما يدل على ان البناء التقليدي آنذاك كان يمارسه بناؤون مهرة على درجة جيدة من الخبرة والإلمام بعملية التشييد والبناء.


المادة :: أنواع العمارة التقليدية

ومن أنواع العمارة التقليدية المساكن والبيوت التي تبنى عادة في أماكن سهلية منبسطة. وتختلف البيوت في الإمارات باختلاف البيئات والمناخ لذا نستطيع أن نقسم المساكن إلى نوعين هما :

المنازل الشتوية :

ومن أنواع المنازل الشتوية (المخازن) ومفردها مخزن وهو بناء يستخدم في الشتاء، ويبنى من الحصى والمدر ويحتوي على ملاحق هي (الخانوه) أو (القطيعة) أي الحمام و(الزوية) وهو مكان في جانب الغرفة يوضع فيه الكوار للشاي والقهوة. ومن المنازل الشتوية الخيمة أو (الكارين) التي تبنى من سعف النخيل وتسقف بالدعون والجريد وتكون مائلة من الجانبين. والمخزن والخيمة تنتشران كثيرا في المدن الساحلية، أما في المناطق الجبلية فتبنى (القفول) أو القف عند الشحوح وتسمى (الالقي) عند الحبوس أو المغلقة وهي غرف للنوم تبنى بطريقة معينة بحيث تنزل تحت الأرض نصف قامة وفوق الأرض قامة تقريبا، وتوجد بها فتحتان تستعملان كمصابيح للإنارة وهي مبان سكنية خاصة بسكان الجبال من البداة، وعادة ما تشيد بحصى الجبل من الكندل أو جذوع السدر وتدهن بالطين أو المدر من الداخل والخارج.

المنازل الصيفية :

من أهم أنواعها غرف الصيف (العريش) أي البناء المصنوع من جريد النخل الذي ينقسم إلى (عريش مقصص) أي الذي تقطع أوراقه و(عريش خياري) أي الذي لا تقطع أوراقه. وكان الأهالي يستخدمون العرشان في الصيف أثناء انتقالهم للأرياف. ومن المباني الصيفية أيضاً (الدهريز) أو الدهليز، وهو بناء مفتوح من ثلاثة جوانب.
أما عند البداة فمن اشهر بيوت الصيف (الصفة)، وهي غرفة للنوم تحتوي على العديد من الفتحات وتبنى من حصى الجبل الصغير الحجم والسقف من العسق ومن خشب العصب (الميز) و(المزي).

شكل البيت التقليدي :

يتكون البيت التقليدي لدى سكان المنطقة الساحلية مما يلي :
فناء الدار : (الحوش/الحوي)، ويحاط بـ (دار) أو (طوفة) أي جدار.
المجلس : وهو غرفة استقبال الضيوف.
المخزن : وهو غرفة النوم، وتسمى (دخرية) أو (دخريات).
البخار : (مخزن لحفظ المواد المعيشية).
المطبخ : وبه التنور أي موقد طهي النار.
البئر : (الطوي) أي البئر إذا كانت ماؤه عذبة و(خريجة) إذا كانت ماؤه مالحة.
زاوية الغسيل : (زوايا أو زاوية).
أدب : أي مرحاض (حمام).
الدكة و (السيم) و(المنامة) : مصطبة تستخدم للنوم خارجا أيام الصيف.
بيت المرحى : لطحن الدقيق والحبوب.
الحجرة : وهي غرفة النوم والجمع (حجر).


المادة :: العمارة الدفاعية
إذا نظرنا إلى المدن والقرى بدولة الإمارات سنشاهد أنها كانت محصنة بالعمارة الدفاعية أو المباني التي تحفظ الأمن والحماية لسكان المنطقة، ومن أنواع هذه العمارة الاسوار والابراج والحصون والقلاع. وتنتشر هذه المنعات والمباني ذات الطابع الدفاعي في أماكن مختلفة داخل المدن وفي أطرافها، وهي نوع من العمارة المحلية ذات الطابع الدفاعي التقليدي، حيث كان الأهالي يستخدمونها في صد العدوان الخارجي، وكذلك لحماية وحفظ الأمن في البلد، وقد شهدت الحصون والقلاع والأبراج الكثير من الحروب والصراعات، وقديماً كانت تسمى هذه المباني (مقابض) أي من يستولي عليها يستطيع أن يقبض على البلد ويتحكم فيها، وينصب نفسه أو يعلن عن سيطرته وفرض هيمنته.
وتبنى العمارة الدفاعية سواء كانت حصونا أو قلاعا أو أبراجا بمواد محلية تتكون من (المدر) وهو نوع من الطين شديد التماسك، ويخلط به المرجان المستخرج من البحر والجير المحروق وأوراق النخل وتسقف بالدعون ومفردها (دعن) وهو جريد السعف. وهناك الابراج الدائرية والمربعة الشكل. وتعتبر الأبراج خط الدفاع الأول للمدينة وحولها تبنى الأسوار التي تحيط بالمدينة ولهذه الأسوار بوابات محكمة.
ومن أشهر الحصون والقلاع في الإمارات (قصر الحصن) في مدينة أبوظبي ويعود تاريخه إلى عام 1793م، وفي العين (حصن الجاهلي) الذي شيده الشيخ زايد بن خليفة آل نهيان عام 1898م، وحصن المويجعي والحصن الشرقي. أما في دبي فهناك عدة حصون وقلاع كقلعة الفهيدي وغيرها، وفي حتا نجد (حصن حتا) حوالي عام 1790م، وفي الشارقة (حصن المحلوسة) الذي يعود تاريخ تشييده إلى بداية حكم الشيخ سلطان بن صقر القاسمي الكبير الذي تولى الحكم 1803 – 1866م. وفي عجمان (حصن عجمان) الذي بني عام 1775م، وفي أم القيوين (حصن أم القيوين)، وفي رأس الخيمة (حصن أو قصر الزبّاء) الذي يعود بناؤه إلى فترة قديمة، وهو يقع في منطقة شمل، أما (حصن القواسم) بمدينة رأس الخيمة فقد بني عام 1736م. وفي المنطقة الشرقية تنتشر الكثير من الحصون والقلاع من أهمها (قلعة الفجيرة) التي يعود تاريخها إلى حوالي عام 1670م، و(قلعة البثنة) التي بنيت في عام 1735م.
والى جانب الحصون توجد الابراج الدائرية والاسوار. ومن أقدم الاسوار (سور مدينة جلفار) الذي يعود إلى القرن الرابع عشر الميلادي، وقد اندرس الآن ولم يبق له أثر، وسور مدينة رأس الخيمة والذي قامت القوات البريطانية بإزالته أثناء اقتحامها للمدينة عام 1819م، وكانت توجد أسوار حول مدينة دبي ومدينة أم القيوين.



[مـنـقـوؤوؤل]..>>>


التوقيع :


اللهم صل على سيدنا محمد عبدك ونبيك ورسولك
النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم تسليما عدد مااحاط به علمك
وخط به قلمك واحصاه كتابك
وارض اللهم عن سادتنا ابي بكر وعمر وعثمان وعلي
وعن الصحابة أجمعين وعن التابعين وتابعيهم بإحسان الى يوم الدين





رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع تقييم هذا الموضوع
تقييم هذا الموضوع:

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML متاحة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:34 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.4, Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir