خطوة رائعة اخرى تخطوها دبي التي لم تزل تفاجئنا بكل ما هو جميل وجديد يضيف نقلة حضارية نوعية.
تمثلت في القانون الذي أصدره صاحب السمو الشيخ مكتوم بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، والذي يتعلق بتأسيس مجلس دبي الثقافي. والواقع ان هذا القانون يجيء مكملاً للجهد الذي تبذله دبي للحاق بركب التطور بعد انشاء مدينة دبي للاعلام، وبعد اصدار القانون الاتحادي للملكية الفكرية والنشاطات العديدة التي تسجل هذه الامارة بها اسمها بخيوط الذهب في تاريخنا الثقافي المعاصر.
والواقع الثقافي سواء في العالم العربي او في الامارات العربية المتحدة او في دبي نفسها، كان ينتظر يداً كريمة تنتشله من السكون أو لنقل الركود الذي لا تحركه سوى جوائز العويس وبعض الأنشطة المتناثرة هنا وهناك. وكنت قد أشرت فيما سبق إلى حاجة الثقافة العربية لمشروع استراتيجي ثقافي يخطط له بشكل جيد ويعوض المثقفين عن تداعيات المرحلة وانسلاخ الابداع الثقافي من واقعه والغوص او الغرق في تيارات مشتتة.
وسبق ان ذكرت اننا بحاجة لمهرجان ثقافي إبداعي استراتيجي اقتصادي سياحي في الوقت نفسه وهو أمر يمكن بناؤه اذا استندنا إلى خبرات كفيلة بهذا الانجاز واذا اخذنا بنظر الاعتبار تجارب عربية سابقة وغربية قائمة.
هذا القانون الذي سيوضع على طاولة التأسيس والذي ينتظر ان تفسره وتضعه على أرض الواقع بالتأكيد نخبة ثقافية، أعطى ضوءاً اخضر لتشجيع ورعاية المؤسسات الثقافية سواء الأهلية وغير الأهلية ورعاية الابداع ونكاد نقرأ بين سطوره التي حددت (تفعيل وتنمية الحركة الثقافية...).
في المادة السادسة ان الهدف لا يمس الامارة الجميلة دبي فقط بل انه يكاد يستشرف افقاً جميلاً للثقافة العربية. وامام هذا المجلس الموقر الذي نتأمل ان يكون بمستوى طموحاتنا (مواطنين ووافدين) اضع جملة اشكالات وسلبيات للواقع الثقافي التي يمكن الانطلاق منها لرسم برامج وخطط ترقى إلى مستوى الطموح، رغم أننا نتوسم ان تكون هناك مشاريع ودراسات افضت إلى هذا القانون.
وابدأ اولاً بالأنشطة الثقافية، فهي تفتقر إلى أن تكون هناك تحديدات لمعنى النشاط والجمعيات او مراكز تتم فيها هذه الانشطة اضافة الى تشكيل تجمع ثقافي او ادبي يضم كل الفئات الثقافية، مثلما يحتاج الوسط الى حصر الابداع الثقافي (أدبي وفني بأنواعه) لكي يتسنى رسم خريطة واضحة للوسط الثقافي.
وامر ثان على أهم هذه الأنشطة وهي النشر، فقد يشاركني الرأي الكثير من المبدعين اننا نفتقر إلى مجلة أدبية او ثقافية راقية المضمون تعنى بالأدب والفن التشكيلي والمسرح كابداعات.
ان نظرة الى كل المجلات التي تصدر في الإمارة او الدولة او المنطقة سترينا انها في أغلبها لا تقدم سوى ثقافة سطحية عبارة عن أزياء ومطابخ وفضائح وتحقيقات منوعة وركام فج قاد المجتمعات إلى هاوية الهشاشة والسطحية، ولهذا ربما كان ينبغي انشاء اصدار مبدع يقدم الأدب الاماراتي والعربي وحتى الغربي ليكون ساحة للتلاقح والتواصل الثقافي.
وقد سبق ان تبنت دبي الحوار الفكري العالمي او حوار الحضارات. القضية الثالثة المهمة هي التوعية الثقافية وخلق عادة المتابعة الثقافية وهي تتأتى بتكريس البرامج الثقافية سواء في الاعلام المقروء أو المسموع او المرئي، أو الأنشطة الثقافية في المراكز الثقافية، ليتسنى ردم الهوة بين المجتمع والثقافة وهي هوة خلقتها عملية التراجع الفكري.
وعلى ذكر الفكر، ارى أننا لم نحظ بتقييم حقيقي للابداعات الثقافية والفكرية منذ عشرين عاماً، ولم تخرج هناك دراسات حقيقية على مستوى ندوات متخصصة لتؤشر الفكر العربي وتوجهاته الحالية في هذه المرحلة الصعبة من الانتقالات والتغيرات الجيوسياسية التي أصابت المنطقة والعالم، فمن ذا الذي يستطيع ان يقول لي أية نظرية ثقافية أو اعلامية أو فكرية نتبع نحن كعرب، واعتقد اننا لا نملك اية نظرية، لكننا نتوجه باتجاه بوصلة الغرب.
ويأتي هم المكتبات ليشكل واقعاً مهماً آخر، فقد لاحظت خلال خمس سنوات ان معظم المكتبات الموجودة تبيع من الكتب الاجنبية والتي تعنى بالكمبيوتر والعلوم والأطفال، دون ان اجد مكتبة واحدة تقدم ادباً او فكراً او ثقافة عربية، وكنت كلما احتجت كتاباً ألجأ إلى دار الحكمة وهي تكاد تكون الوحيدة في دبي التي يمكن ان تشكل مكتبة عربية تقدم واقعاً ثقافياً رصيناً.
الواقع الثقافي يحمل الكثير من الهموم ويحتاج الى الكثير من الصبر والرصد والدراسة والتقصي بشكل واقعي، لا بشكل مترف أو تنميقي، لكي نضع القانون الذي يراد له ان يكون سنداً حضارياً في مكانه، وارجو ان يساهم الجميع ـ يداً واحدة ـ في انجاح هذا المشروع الكبير.. وتحية إجلال لرعاة الثقافة.
العرض العادي
