لو كنتَ في سباق مع الرفاق ، وبلغ السباق أشدَّه ، وقارب منتهاه ، ورأيت غيرك قد سبقك ، ويوشك أن يبلغ النهاية ، وخطاك تتعثر بك ، والفتور يدب في أوصالك ، ثم نظرت أخرى للوراء ، فإذ بالذين خلفك يهرولون إليك ، ليسبقوك ، ويخلفوك وراء ظهورهم تتجرع حسرة السباق وفوز الرفاق .
سيكون همُّك في هذه اللحظات ، أن تسبق من أمامك ، وأن لا يسبقك من وراءك !
ولو كانت الهزيمة ، فلا تسل عن الآلام الحزينة ، والكربات الدفينة التي ستعاني منها ابد الدهر ، وربما طيلة العمر ، وهذا في العرض الزائل والمتاع المنقطع ، فكيف بالسباق إلى جنة عرضها السموات والأرض ؟!
إذا فهلمَّ إلى سباق الآخرة ، وأحذر أن تتوانى فتخسر ! أو تتراجع فتتأخر ، فتحرم الرضا في يوم الهول الأكبر .
والأمر يسير على من يسَّره الله عليه ، وإليك هو :
فعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : جاء الفقراءُ إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقالوا : ذهبَ أهلُ الدُّثورِ مِنَ الأموالِ بالدَّرجاتِ العُلى والنَّعيمِ المُقيم : يُصلُّونَ كما نُصلِّي ، ويصومون كما نصومُ ، ولهم فضلُ أموالٍ يَحُجُّونَ بها ويعتمرون ، ويجاهدونَ ويتصدَّقون .
فقال لهم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم :" ألا أُحدِّثُكم بما إن أخذتُم أدركتم من سبقَكم ، ولم يُدرِككم أحدٌ بعدَكم ، وكنتم خيرَ مَن أنتم بين ظَهرانيهِ ، إلا من عمل مِثلَهُ ؟ تُسبِّحون وتحمدونَ وتُكبرون خلفَ كلِّ صلاةٍ ثلاثاً وثلاثين "
وفي رواية ، قال لهم :" أفلا أُخبرُكُم بأمرٍ تُدركُونَ به من كان قبلَكُم ، وتسبقون من جاء بعدَكُم ، ولا يأتي أحدٌ بمثل ما جئتُم به إلاَّ من جاءَ بمثلِه ِ؟ تُسبِّحونَ في دُبُرِ كلِّ صلاةٍ عشراً ، وتحمدون عشراً ، وتُكبِّرونَ عشراً "
فرجع ُفقراءُ المهاجرينَ إلى رسولِ الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقالوا : سَمِعَ إخوانُنا أهلُ الأموالِ بما فعلنا . ففَعلوا مثلَهُ . فقال رسول ُ الله ـ صلى الله عليه وسلم :" ذلكَ فضلُ اللهِ يُؤتيهِ من يشاء "
فلا يشغلك عنها شيء ، لتدرك من سبقك ، وتسبق من لحق بك ، ولتأتي بما يسرُّك أن تراه يوم لقاء الله تعالى .