الحمد لله الذي جعل شهر رمضان موسما للطاعات ، وأفاض على الصائمين نعيم الرضوان والنفحات ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد موضح السنن والواجبات ، وعلى آله وأصحابه السادات الهداة ؛
أما بعد فيا إخواني الكرام- أحييكم بتحية إسلامية مباركة ، وأهنئكم تهنئة روحية صادقة بحلول شهر الصيام والقرآن ، سائلا المولى عز وجل أن يوفقنا لأسباب مغفرته، ومرضاته ، وأن يهله علينا وعلى العالم الإسلامي بالأمن واليمن والبركات ، وأن يعيده علينا وعليهم كل عام ونحن وإياهم نرفل في حلل المجد والسعادة والمسرات .
واعلموا رحمني الله وإياكم ، أنه نزل بساحتنا شهر كريم ، وموسم عظيم خصه الله تعالى من بين سائر الشهور بالتشريف والتكريم ، وأنزل فيه القرآن العظيم وفرض صيامه على المؤمنين شكرا على هذا الإنعام ، والفضل العميم ، وسن قيامه نبينا الكريم ، شهر البركات والخيرات ، شهر الإفاضات ، والنفحات ، شهر فيه تقال العثرات ، وتضاعف الحسنات ، وتجاب فيه الدعوات وتعتق فيه الرقاب من الموبقات، لا يعدل به سواه من أوقات ، والفريضة فيه تعدل سبعين فريضة لمن تقبل منه مولاه .
فيا ذوى الهمم العالية ، ويا ذوى المطالب الرفيعة السامية ، الغنائم الغنائم قبل الفوات ، والعزائم العزائم على الجد وهجر البطالات ، فلأوقات الفضائل فوات . ألا فشمروا لقراه بالتوبة والإنابة ، وابذلوا في ضيافتكم مقدوركم من الأعمال المستطابة ، وأروا الله الخير من أنفسكم فيه ، فإن الله تعالى ينظر إلى جدكم وتنافسكم فيه ، وزينوا بأنواع الطاعات أعضاءكم وجوارحكم . واعلموا رحمكم الله أن بلوغ شهر رمضان وصيامه نعمة عظيمة ، على من أقدره الله ، ويدل عليه حديث الثلاثة الذين استشهد اثنان منهم ، ثم مات الثالث على فراشه بعدهما ، فرؤى في المنام سابقا لهما ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أليس صلى بعدهما كذا وكذا صلاة ، وأدرك رمضان فصامه ، فوالذي نفسي بيده أن بينهما لأبعد من بين السماء والأرض " أخرجه الإمام أحمد وغيره .
وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو ببلوغ رمضان ، فكان إذا دخل رجب يقول :" اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان " . قال المعلى بن الفضل : كان السلف يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم رمضان ، ثم يدعونه ستة أشهر أن يتقبله منهم ، قال يحيى بن كثير : كان من دعائهم : اللهم سلمني إلى رمضان ، وسلم لي رمضان وتسلمه منى متقبلا . وكان النبي صلى الله عليه وسلم يبشر أصحابه بقدوم رمضان ، فعن أبى هريرة رضي الله عنه ، قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " قد جاءكم شهر رمضان شهر مبارك ، كتب الله عليكم صيامه، فيه تفتح أبواب السماء ، وتغلق فيه أبواب الجحيم ، وتغل فيه مردة الشياطين ، لله فيه ليلة خير من ألف شهر من حرم خيرها فقد حرم " رواه النسائى والبيهقى .
وفى حديث آخر : " أتاكم رمضان سيد الشهور " فمرحبا به وأهلا ، جاء شهر الصيام بالبركات ، فأكرم به من زائر هو آت . أتى رمضان مزرعة العباد لتطهير القلوب من الفساد فأد حقوقه قولا وفعلا وزادك فاتخذه إلى المعاد فمن زرع الحبوب وماسقاها تأوّه نادما يوم الحصاد
من رحم فيه فهو المرحوم ، ومن حرم خيره فهو المحروم ، عن ابن عمر رضي الله عنهما ، أنه كان يقول إذا دخل أول ليلة من شهر رمضان : " مرحبا بشهر خير كله صيام نهاره ، وقيام ليله ، النفقة فيه كالنفقة في سبيل الله " . فيا أيها العامل هذا أوان الجد والاجتهاد ن ويا أيها الغافل هذا وقت التيقظ لإعداد الزاد ، ألا فاغتنموا فضل ذي الجود والإحسان ، وتعرضوا لنفحاته في أوقات شهركم الحسان ، وافتحوا فيه بيوتكم لإطعام الجائعين ، ومواساة المنكوبين ، واعطفوا على أقاربكم ، وصلوهم يصلكم برحمته الرحمن ، واحذروا أن تمحقوا صومكم بالفسوق والعصيان ، وبالسب والكذب والغيبة والنميمة ، وقول الزور والبهتان ، وأكثروا من التسبيح والأذكار وتلاوة القرآن ، ومن الصلاة والسلام على النبي المختار ، ومن شهادة أن لا إله إلا الله والاستغفار ،وسؤال الجنة والتعوذ من النار ، وإياكم أن تدخلوا بطونكم غذاء حراما في سحور أو إفطار، فإن ذلك محض خيبة وخسران وبوار ، وادخلوا دار الصوم راشدين ، واحرصوا على شعائر الدين ، واحذروا أن تكونوا مستهترين ، من الذين فسدت قلوبهم وضلت عقولهم فيفطرون فى رمضان ، ويعرضون عن ربهم الديّان ، ولا يخدعنكم الشيطان بالتسويف والتأخير فإنكم لاتدرون متى يكون المصير ، فانتبهوا رحمكم الله ولا تكونوا من الغافلين ولا تجترحوا السيئات فتصبحوا على ما فعلتم نادمين .
العرض العادي
