وكما لا يستطيع الانسان الفاقد الذاكرة التعبير عن ذاته وممارسة انسانيته، كذلك هو حال الشعب الذي يفقد او يتجرد عن تراثه ليتحول الى شعب عاجز التعبير عن هويته..
هذا هو باختصار شديد المدل الى ادراك اسباب اهتمام الشعوب بتراثها بكا ما يعنيه هذا الاهتمام من معنى، ابتداء بجمع هذا التراث وحفظه من الضياع والتشويه ومن ثم دراسته وتحليله والانتهال والاستنباط منه كل ما من شانه اغناء المسيرة الانسانية للشعوب ودفعها الى امام..
والشعب الآشوري – شأنه شأن كل الشعوب الحية – له تراثه القومي الخاص به، بكل ما تعنيه هذه الخصوصية من تلائم وتوافق لهذا التراث مع روحية وقيم المجتمع الآشوري، اضافة لعكسه عصارة تفاعل وتجارب المجتمع الآشوري في المراحل التاريخية المتعاقبة التي عاشها..
إن غنى هذا التراث هو ما يؤهله ليكون نقطة استناد وانطلاق في دراسة أية مسالة لها مساس – من قريب او بعيد – بمتطلبات الحياة المعاصرة لمجتمعنا وبخاصة في المجالين الأدبي والفني..
قبل كل شئ دعونا نحاول الاجابة على ما نعنيه بالتراث..
إن ما نقصده بالتراث هو كل ما تنتجه الأمة وفي كل مرحلة من مراحل حياتها ووجودها التاريخي ويعكس في ثناياه شئ – قل او كثر – عن واقع حياة وتجربة الأمة في مجال معين من مجالات الحياة.. وهكذا يمكن لنا القول واثقين ان لكل امة تراثها الفكري والثقافي والعلمي والاجتماعي وغيرها، يعكس كل منها، وفي مجاله، صورة حية عن واقع الأمة وفي مرحلة محددة بالبعدين الزماني والمكاني..
ما هي اسباب الاهتمام بالتراث الشعبي..
إن اهم الأسباب التي تدعو للاهتمام بالتراث الشعبي والانتهال منه هي:
أولا: ان الاستناد الى تراث ونتاجات الاسلاف هو ضمانة لأستمرارية وجود الأمة بهويتها وغصوصيتها القومية المميزة، وهو الذي يحقق الصلة والتواصل الذي لا بد منه لواقع الأمة ومستقبلها بماضيها..
بكلمات أخرى، انه يحقق توازن معادلة: ماضي – حاضر – مستقبل..
ثانيا: يكاد يجمع جميع البحاثة على اعتبار التراث احد العناصر الاساسية لمقومات أية أمة، كونه يحوي خلاصة تجاربها وخبراتها التراكمية تتعاقبها اجيال الأمة جيلا بعد آخر وبذلك يصبح التراث معبرا عن هوية وروح الأمة.
ثالثا: ان الانتهال من تراث الأمة يعني تجدد حضور افكار ووقائع واشخاص أدوا ادوارا متميزة في تاريخ الأمة وبما يلهم الأجيال القائمة واللاحقة قيما ومفاهيما ورموزا في الشجاعة زالاقدام والحب والنبل والتضحية والوفاء والخير والجمال وغيرها..
رابعا: ان الاتصال بماضي الأمة وروحها المتجلية في نتاجاتها انما يشكل زخما مضافا للاندفاع في الاتجاه الايجابي الذي تتطلبه الحياة المعاصرة كونه يعزز ثقة ابناء الامة بان ما يقدمونه هو ما يتوافق مع روحية شعبهم..
خامسا: ان التراث بغناه وفحواه يشكل المرتع الخصب الذي لا بد وان تنغمر فيه جذور الثقافة والآداب والفنون القومية المعاصرة..
سادسا: ان الاستناد الى التراث يعني ضمان توازن تفاعل عطاء وفكر الامة مع العطاء والفكر العالمي المعاصر، فلا اقتباس لحد الذوبان ولا عدم التفاعل لحد الانغلاق..
كيف السبيل الى التعامل مع هذا التراث؟
أولا: دراسة تراثنا الشعبي بشكل لا يعزله عن بعديه الزماني والمكاني.. فعبقرية أي نتاج تاتي من كونه نتاجا مناسبا ومتوافقا مع زمتنه ومكانه..
ثانيا: ان الاستناد الى التراث لا يعني نفي كل ما يمت بصلة الى العصر، بل يتوجب الاستفادة من معطيات وامكانات العصر في تطوير الموروث مع الحفاظ على اصالته وخصوصيته.
ثالثا: ان الاهتمام بتراثنا القومي يجب ان يكون شاملا لجميع مجالات هذا التراث، من ثقافة وفن وادب وعلائق اجتماعية وغيرها، وهذا الاهتمام سيقود، من جملة ما يقود اليه، الى ادراك جذور وحقيقة ما يجد في مجتمعنا من ظواهر ايجابية او سلبية، وهذا يعني الاعانة في التعامل مع كل منها.
رابعا: انه وبسبب ما مررنا به في تاريخنا من اضطهاد ومظالم، فان الكثير من تراثنا قد تعرض الى الضياع والتشويه.. كثيرا ما نلقى اليوم، حتى بين مثقفينا، من ينسب جزءا، قل او كثر، من تراثه الى أمم أخرى!!!
ان حماية وحفظ تراثنا ودراسته باسلوب موضوعي سيجلي الكثير من الحقائق عن هذا التراث وغناه..
خامسا: ان الدعوة للاهتمام بالتراث والانتهال منه ليست بديلا لما هو مطلوب من ادباءنا وفنانينا من جهود لاغناء عطاءاتهم، بل ان التراث هو معين لا غنى عنه في هذه الجهود..
سادسا: ان الاهتمام بالتراث لا يجدر أن يتوقف عند حدود التذكير فقط، رغم اهمية التذكير، بل يجب ان يتوجه الى مواطن الاصالة والابداع وليصبح التذكير حينها حافزا في مسيرة التطور..
اننا نريد من تراثنا ان يخلق ويبعث فينا روح الابتكار والابداع عبر التفاعل بين قدراتنا الذاتية وبين طابع وميزة الموروث..
وهكذا يصبح التراث حياة غنية لا تفنى إلا بفناء الأمة صاحبة التراث..
العرض العادي
