آخر 10 مشاركات
الخبيصه الاماراتيه (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 1 - المشاهدات : 20891 - الوقت: 09:09 PM - التاريخ: 01-13-2024)           »          حلوى المغلي بدقيق الرز (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 0 - المشاهدات : 14707 - الوقت: 03:16 PM - التاريخ: 12-11-2023)           »          دروس اللغة التركية (الكاتـب : عمر نجاتي - مشاركات : 0 - المشاهدات : 20858 - الوقت: 11:25 AM - التاريخ: 08-21-2023)           »          فيتامين يساعد على التئام الجروح وطرق أخرى (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 0 - المشاهدات : 22272 - الوقت: 08:31 PM - التاريخ: 07-15-2023)           »          صناعة العود المعطر في المنزل (الكاتـب : أفاق الفكر - آخر مشاركة : OM_SULTAN - مشاركات : 4 - المشاهدات : 56331 - الوقت: 10:57 PM - التاريخ: 11-06-2022)           »          كحل الصراي وكحل الاثمد وزينت المرأة قديما من التراث (الكاتـب : Omna_Hawaa - آخر مشاركة : OM_SULTAN - مشاركات : 2 - المشاهدات : 51432 - الوقت: 10:46 PM - التاريخ: 11-06-2022)           »          كيفية استخدام البخور السائل(وطريقة البخور السائل) (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 2 - المشاهدات : 43338 - الوقت: 10:36 PM - التاريخ: 11-06-2022)           »          جددي بخورك (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 0 - المشاهدات : 25737 - الوقت: 10:25 PM - التاريخ: 11-06-2022)           »          عطور الإمارات صناعة تراثية (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 0 - المشاهدات : 26121 - الوقت: 10:21 PM - التاريخ: 11-06-2022)           »          خلطات للعطور خاصة (الكاتـب : أفاق : الاداره - آخر مشاركة : OM_SULTAN - مشاركات : 1 - المشاهدات : 32022 - الوقت: 10:12 PM - التاريخ: 11-06-2022)

إضافة رد
 
أدوات الموضوع تقييم الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 09-01-2006, 11:36 PM   رقم المشاركة : 16
الكاتب

أفاق : الاداره

مراقب

مراقب

أفاق : الاداره غير متواجد حالياً


الملف الشخصي









أفاق : الاداره غير متواجد حالياً


مشاركة: البداية والنهاية الجزء الرابع عشر


*3* الشيخ نجم الدين القباني الحموي
@ عبد الرحمن بن الحسن بن يحيى اللخمي القباني قرية من قرى اشمون الرمان أقام بحماة في زاوية بزار ويلتمس دعاؤه كان عابدا ورعا زاهدا آمرا بالمعروف وناهيا عن المنكر حسن الطريقة إلى أن توفي بها آخر نهار الاثنين رابع عشر رجب عن ست وستين سنة وكانت جنازته حافلة هائلة جدا ودفن شمالي حماة كان عنده فضيلة واشتغل على مذهب الامام احمد بن حنبل وله كلام حسن يؤثر عنه رحمه الله
*3* الشيخ فتح الدين بن سيد الناس
@ الحافظ العلامة البارع فتح الدين بن أبي الفتح محمد بن الامام ابي عمرو محمد بن الامام الحافظ الخطيب ابي بكر محمد بن أحمد بن عبد الله بن محمد بن يحيى بن سيد الناس الربعي اليعمري الاندلسي الاشبيلي ثم المصري ولد في العشر الاول من ذي الحجة سنة إحدى وسبعين وستمائة وسمع الكثير وأجاز له الرواية عنهم جماعات من المشايخ ودخل دمشق سنة تسعين فسمع من الكندي وغيره واشتغل بالعلم فبرع وساد أقرانه في علوم شتى من الحديث والفقه والنحو من العربية وعلم السير والتواريخ وغير ذلك من الفنون وقد جمع سيرة حسنة في مجلدين وشرح قطعة حسنة من أول جامع الترمذي رأيت منها مجلدا بخطه الحسن وقد حرر وحبر وافاد وأجاد ولم يسلم من بعض الانتقاد وله الشعر الرائق الفائق والنثر الموافق والبلاغة التامة وحسن الترصيف والتصنيف وجودة البديهة وحسن الطوية وله العقيدة السلفية الموضوعة على الاي والاخبار ولااثار والاقتفاء بالاثار النبوية ويذكر عنه سوء أدب في أشياء أخر سامحه الله فيها وله مدائح في رسو الله صلى الله عليه وسلم حسان وكان شيخ الحديث بالظاهرية بمصر وخطب بجامع الخندق ولم يكن في مصر في مجموعة مثله في حفظ الاسانيد والمتون والعلل والفقه والملح والاشعار والحكايات توفي فجأة يوم السبت حادي عشر شعبان وصلى عليه من الغد وكانت جنازته حافلة ودفن عند ابن أبي جمرة رحمه الله
*3* القاضي مجد الدين بن حرمي
@ ابن قاسم بن يوسف العامري الفاقوسي الشافعي وكيل بيت المال ومدرس الشافعي وغيره كانت له همة ونهضة وعلت سنه وهو مع ذلك يحفظ ويشغل ويشتغل ويلقي الدروس من حفظه إلى ان توفي ثاني ذي الحجة وولى تدريس الشافعي بعده شمس الدين ابن القماح والقطبية بهاء الدين ابن عقيل والوكلة نجم الدين الاسعردي المحتسب
وهو كان وكيل بيت الظاهر
*2* ثم دخلت سنة خمس وثلاثين وسبعمائة
@ استهلت وحكام البلاد هم المذكورون في التي قبلها وناظر الجامع عز الدين ابن المنجا والمحتسب عماد الدين الشيرازي وغيرهم وفي مستهل المحرم يوم الخميس درس بأم الصالح الشيخ خطيب تبرور عوضا عن قاضي القضاة شهاب الدين ابن المجد وحضر عنده القضاة والاعيان وفي سادس المحرم رجع مهنا بن عيسى من عند السلطان فتلقاه النائب والجيش وعاد إلى أهله في عز وعافية وفيه أمر السلطان بعمارة جامع القلعة وتوسيعه وعمارة جامع مصر العتيق وقدم إلى دمشق القاضي جمال الدين محمد بن عماد الدين ابن الاثير كاتب سربها عوضا عن ابن الشهاب محمود ووقع في هذا الشهر والذي بعده موت كثير في الناس بالخانوق
وفي ربيع الاول مسك الامير نجم الدين بن الزيبق مشد الدواوين وصودر وبيعت خيوله وحوصاله وتولاه بعده سيف الدين ثمر مملوك بكتمر الحاجب وهو مشد الزكاة وفيه كملت عمارة حمام الامير شمس الدين حمزه الذي تمكن عند تنكز بعد ناصر الدين الدوادار ثم وقعت الشناعة عليه بسبب ظلمه في عمارة هذا الحمام فقابله النائب على ذلك وانتصف للناس منه وضربه بين يديه وضربه بالبندق بيده في وجهه وسائر جسده ثم أودعه القلعة ثم نقله إلى بحيرة طبرية فغرقه فيها وعزل الامير جمال الدين نائب الكرك عن نيابة طرابلس حسب سؤاله في ذلك وراح إليها طيغال وقد نائب الكرك إلى دمشق وقد رسم له بالاقامة في سلخد فلما تلقاه نائب السلطنة والجيش نزل في دار السعادة واخذ سيفه بها ونقل إلى القلعة ثم نقل إلى صفت ثم إلى الاسكندرية ثم كان آخر العهد به وفي جمادي الاولى احتيط على دار الامير بكتمر الحاجب الحسامي بالقاهرة ونبشت وأخذ منها شيء كثير جدا وكان جد أولاده نائب الكرك المذكور وفي يوم السبت تاسع جمادي الاخرة باشر حسام الدين أبو بكر ابن الأمير عز الدين أيبك التجيبي شد الاوقاف عوضا عن ابن بكتاش اعتقل وخلع على المتولي وهنأه الناس وفي منتصف هذا الشهر علق الستر الجديد على خزانة المصحف العثماني وهو من خز طوله ثمانية أذرع وعرضه أربعة أذرع ونصف غرم عليه أربعة آلاف وخمسمائة وعمل في مدة سنة ونصف
وخرج الركب الشامي يوم الخميس تاسع شوال وأميره علاء الدين المرسي وقاضيه شهاب الدين الظاهري وفيه رجع جيش حلب إليها وكانوا عشرة آلاف سوى من تبعهم من التركمان وكانوا في بلاد أذنة وطرسوس وإياس وقد خربوا وقتلوا خلقا كثيرا ولم يعدم منهم سوى رجل واحد غرق بنهر جاهان ولكن كان قتل الكفار من كان عندهم من المسلمين نحوا من ألف رجل يوم عيد الفطر فانا لله وإنا إليه راجعون
وفيه وقع حريق عظيم بحماة فاحترق منه أسواق كثيرة وأملاك وأوقاف وهلكت أموال لاتحصر وكذلك احترق أكثر مدينة أنطاكية فتألم المسلمون لذلك وفي ذي الحجة خرب المسجد الذي كان في الطريق بين باب النصر وبين باب الجابية عن حكم القضاة بأمر نائب السلطنة وبني غريبة مسجد حسن أحسن وأنفع من الاول وتوفي فيها من الاعيان :
*3* الشيخ الصالح المعمر رئيس المؤذنين بجامع دمشق
@ برهان الدين إبراهيم بن محمد بن أحمد بن محمد الواني ولد سنة ثلاث وأربعين وستمائة وسمع الحديث وروى وكان حسن الصوت والشكل محببا إلى العوام توفي يوم الخميس سادس صفر ودفن بباب الصغير وقام من بعده في الرياسة ولده أمين الدين محمد الواني المحدث المفيد وتوفي بعده ببضع وأربعين يوما رحمهما الله
*3* الكاتب المطبق المجود المحرر
@ بهاء الدين محمود ابن خطيب بعلبك محيي الدين محمد بن عبد الرحيم بن عبد الوهاب السلمي ولد سنة ثمان وثمانين وستمائة واعتني بهذه الصناعة فبرع فيها وتقدم على أهل زمانه قاطبة في النسخ وبقية الأقلام وكان سحن الشكل طيب الاخلاق طيب الصوت حسن التودد توفي في سلخ ربيع الاول ودفن بتربة الشيخ ابي عمر رحمه الله
*3* علاء الدين السنجاري
@ واقف دار القرآن عند باب الناطفانيين شمالي الاموي بدمشق علي بن إسماعيل بن محمود كان احد التجار الصدق الاخيار ذوي اليسار المسارعين إلى الخيرات توفي بالقاهرة ليلة الخميس ثالث عشر جمادي الاخرة ودفن عند قبر القاضي شمس الدين بن الحريري
*3* العدل نجم الدين التاجر
@ عبد الرحيم بن أبي القاسم عبد الرحمن الرحبي باني التربة المشهورة بالمزة وقد جعل لها مسجدا ووقف عليها أوقافا دارة وصدقات هناك وكان من أخيار أبناء جنسه عدل مرضى عند جميع الحكام وترك اولادا وأموالا جمة ودارا هائلة وبساتين بالمزة وكان وفاته يوم الاربعاء سابع عشرين جمادي الاخرة ودفن بتربته المذكورة بالمزة رحمه الله
*3* الشيخ الامام الحافظ قطب الدين
@ ابو محمد عبدالكريم بن عبدالنور بن منير بن عبدالكريم بن علي بن عبدالحق بن عبدالصمد بن عبدالنور الحلبي الاصل ثم المصري أحد مشاهير المحدثين بها والقائمين بحفظ الحديث وروايته وتدوينه وشرحه والكلام عليه ولد سنة اربع وستين وستمائة بحلب وقرأ القرآن بالروايات وسمع الحديث وقرأ الشاطبية والألفية وبرع في فن الحديث وكان حنفي المذهب وكتب كثيرا وصنف شرحا لأكثر البخاري وجمع تاريخا لمصر ولم يكملهما وتكلم على السيرة التي جمعها الحافظ عبد الغني وخرج لنفسه أربعين حديثا متبانة الاسناد وكان حسن الاخلاق مطرحا للكلفة طاهر اللسان كثير المطالعة والاشتغال إلى أن توفي يوم الأحد سلخ رجب ودفن من الغد مستهل شعبان عند خاله نصر المنبجي وخلف تسعة أولاد رحمه الله
*3* القاضي الامام زين الدين أبو محمد
@ عبد الكافي بن علي بن تمام بن يوسف السبكي قاضي المحلة ووالده العلامة قاضي القضاة تقي الدين السبكي الشافعي سمع من ابن الانماطي وابن خطيب المزة وحدث وتوفي تاسع شعبان وتبعته زوجته ناصرية بنت القاضي جمال الدين إبراهيم بن الحسين السبكي ودفنت بالقرافة وقد سمعت من ابن الصابوني شيئا من سنن النسائي وكذلك ابنتها محمدية وقد توفيت قبلها
*3* تاج الدين علي بن إبراهيم
@ ابن عبد الكريم المصري ويعرف بكاتب قطلبك وهو والد العلامة فخر الدين شيخ الشافعية ومدرسهم في عدة مدارس ووالده هذا لم يزل في الخدمة والكتابة إلى أن توفي عنده بالعادلية الصغيرة ليلة الثلاثاء ثالث عشر شعبان وصلى عليه من الغد بالجامع ودفن بباب الصغير
*3* الشيخ الصالح عبد الكافي
@ ويعرف بعبيد ابن أبي الرجال بن حسين بن سلطان بن خليفة المنيني ويعرف بابن أبي الازرق مولده في سنة أربع وأربعين وستمائة بقريته من بلاد بعلبك ثم أقام بقرية منين وكان مشهورا بالصلاح وقرئ عليه شيء من الحديث وجاوز التسعين
*3* الشيخ محمد بن عبدالحق
@ ابن شعبان بن علي الأنصاري المعروف بالسياح له زاوية بسفح قاسيون بالوادي الشمالي مشهورة به كان قد بلغ التسعين وسمع الحديث وأسمعه كانت له معرفة بالامور وعنده بعض مكاشفة وهو رجل حسن توفي أواخر شوال من هذه السنة
*3* الامير سلطان العرب
@ حسام الدين مهنا بن عيسى بن مهنا أمير العرب بالشام وهم يزعمون أنهم من سلالة جعفر بن يحيى بن خالد البرمكي من ذرية الولد الذي جاء من العباسة اخت الرشيد فالله أعلم
وقد كان كبير القدر محترما عند الملوك كلهم بالشام ومصر والعراق وكان دينا خيرا متحيزا للحق وخلف أولادا وورثة وأموالا كثيرة وقد بلغ سنا عالية وكان يحب الشيخ تقي الدين بن تيمية حبا زائدا هو وذريته وعربه وله عندهم منزلة وحرمة وإكرام يسمعون قوله ويمتثلونه وهو الذي نهاهم أن يغير بعضهم على بعض وعرفهم أن ذلك حرام وله في ذلك مصنف جليل
وكان وفاة مهنا هذا ببلاد سلمية في ثامن عشر ذي القعدة ودفن هناك رحمه الله
*3* الشيخ الزاهد فضل العلجوني
@ فضل بن عيسى بن قنديل العجلوني الحبنلي المقيم بالمسمارية أصله من بلاد حبراحي كان متقللا من الدنيا يلبس ثيابا طوالا وعمامة هائلة وهي بأرخص الاثمان وكان يعرف تعبير الرؤيا ويقصد لذلك وكان لا يقبل من أحد شيئا وقد عرضت عليه وظائف بجوامك كثيرة فلم يقبلها بل رضي بالرغيد الهني من العيش الخشن إلى ان توفي في ذي الحجة وله تحو تسعين سنة ودفن بالقرب من قبر الشيخ تقي الدين بن تيمية رحمهما الله وكانت جنازته حافلة جدا
*2* ثم دخلت سنة ست وثلاثين وسبعمائة
@ استهلت بيوم الجمعة والحكام هم المذكورون في التي قبلها وفي أول يوم منها ركب تنكز إلى قلعة جعبر ومعه الجيش والمناجنيق فغابوا شهرا وخمسة ايام وعادوا سالمين وفي ثامن صفر فتحت الخانقاه التي أنشأها سيف الدين قوصون الناصري خارج باب القرافة وتولى مشيختها الشيخ شمس الدين الأصبهاني المتكلم وفي عاشر صفر خرج ابن جملة من السجن بالقلعة وجاءت الاخبار بموت ملك التتار أبي سعيد بن خربندا بن أرغون بن أبغا بن هولاكوبن تولى بن جنكزخان في يوم الخميس ثاني عشر ربيع الاخر بدار السلطنة بقراباغ وهي منزلهم في الشتاء ثم نقل إلى تربته بمدينته التي أنشاها قريبا من السلطانية مدينة أبيه وقد كان من خيار ملوك التتار واحسنهم طريقة واثبتهم على السنة واقومهم بها وقد عز اهل السنة بزمانه وذلت الرافضة بخلاف دولة أبيه ثم من بعده لم يقم للتتار قائمة بل اختلفوا فتفرقوا شذر مذر إلى زماننا هذا وكان القائم من بعده بالأمر ارتكاوون من ذرية أبغا ولم يستمر له الأمر إلا قليلا
وفي يوم الاربعاء عاشر جمادي الأولى درس بالناصرية الجوانية بدر الدين الأردبيلي عوضا عن كمال الدين ابن الشيرازي توفي وحضر عنده القضاة وفيه درس بالظاهرية البرانية الشيخ الامام المقري سيف الدين أبو بكر الحريري عوضا عن بدر الدين الأردبيلي تركها لما حصلت له الناصرية الجوانية وبعده بيوم درس بالنجيبية كاتبه إسماعيل ابن كثير عوضا عن الشيخ جمال الدين ابن قاضي الزبداني تركها حين تعين له تدريس الظاهرية الجوانية وحضر عنده القضاة والاعيان كان درسا حافلا أثنى عليه الحاضرون وتعجبوا من جمعه وترتيبه وكان ذلك في تفسير قوله تعالى إنما يخشى الله من عباده العلماء وإنساق الكلام إلى مسألة ربا الفضل وفي يوم الاحد رابع عشرة ذكر الدرس بالظاهرية المذكورة ابن قاضي الزبداني عوضا عن علاء الدين ابن القلانسي توفي وحضر عنده القضاة والأعيان وكان يوما مطيرا
وفي أول جمادي الاخرة وقع غلاء شديد بديار مصر واشتد ذلك إلى شهر رمضان وتوجه خلق كثير في رجب إلى مكة نحوا من ألفين وخمسمائة منهم عز الدين ابن جماعة وفخر الدين النويري وحسن السلامي وأبو الفتح السلامي وخلق وفي رجب كملت عمارة جسر باب الفرج وعمل عليه باسورة ورسم باستمرار فتحه إلى بعد العشاء الآخرة كبقية سائر الأبواب وكان قبل ذلك يغلق من المغرب وفي سلخ رجب أقيمت الجمعة بالجامع الذي أنشاه نجم الدين ابن خيلخان تجاه باب كيسان من القبلة وخطب فيه الشيخ الامام العلامة شمس الدين ابن قيم الجوزية وفي ثاني شعبان باشر كتابة السر بدمشق القاضي علم الدين محمد بن قطب الدين أحمد بن مفضل عوضا عن كمال الدين ابن الأثير عزل وراح إلى مصر وفي يوم الأربعاء رابع رمضان ذكر الدرس بالأمينية الشيخ بهاء الدين ابن إمام المشهد عوضا عن علاء الدين بن القلانسي وفي العشرين منه خلع على الصدر نجم الدين بن أبي الطيب بنظر الخزانة مضافا إلىما بيده من وكالة بيت المال بعد وفاة ابن القلانسي بشهور وخرج الركب الشامي يوم الاثنين ثامن شوال واميره قطلودمر الخليلي وممن حج فيه قاضي طرابلس محيي الدين بن جهبل والفخر المصري وأبن قاضي الزبداني وابن العز الحنفي وابن غانم والسخاوي وابن قيم الجوزية وناصر الدين بن البربوه الحنفي وجاءت الأخبار بوقعة جرت بين التتار قتل فيها خلق كثير منهم وانتصر على باشا وسلطانه الذي كان قد أقامه وهو موسى كاوون على اربا كاوون وأصحابه فقتل هو ووزيره ابن رشيد الدولة وجرت خطوب كثيرة طويلة وضربت البشائر بدمشق
وفي ذي القعدة خلع على ناظر الجامع الشيخ عز الدين بن المنجا بسب إكماله البطائن في الرواق الشمالي والغربي والشرقي ولم يكن قبل ذلك له بطائن وفي يوم الاربعاء سابع الحجة ذكر الدرس بالشبلية القاضي نجم الدين ابن قاضي القضاة عماد الدين الطرسوسي الحنفي وهو ابن سبع عشرة سنة وحضر عنده القضاة والأعيان وشكروا من فضله ونباهته وفرحوا لأبيه فيه وفيها عزل ابن النقيب عن قضاء حلب ووليها ابن خطيب جسرين وولى الحسبة بالقاهرة ضياء الدين يوسف بن أبي بكر بن محمد خطيب بيت الأبار خلع عليه السطان وفي ذي القعدة رسم السلطان باعتقال الخليفة المستكفي وأهله وأن يمنعوا من الاجتماع فآل أمرهم كما كان أيام الظاهر والمنصور وممن توفي فيها من الاعيان :
*3* السلطان أبو سعيد ابن خربندا
@ وكان اخر من اجتمع شمل التتار عليه ثم تفرقوا من بعده
*3* الشيخ البندنيجي
@ شمس الدين علي بن محمد بن ممدود بن عيسى البندنيجي الصوفي قدم علينا من بغداد شيخنا كبيرا راويا لأشياء كثيرة فيها صحيح مسلم والترمذي وغير ذلك وعنده فوائد ولد سنة اربع وأربعين وستمائة وكان والده محدثا فأسمعه أشياء كثيرة على مشايخ عدة وكان موته بدمشق رابع المحرم
*3* قاضي قضاة بغداد
@ قطب الدين أبو الفضائل محمد بن عمر بن الفضل التبريزي الشافعي المعروف بالأحوس سمع شيئا من الحديث واشتغل بالفقه والأصول والمنطق والعربية والمعاني والبيان كان بارعا في فنون كثيرة ودرس بالمستنصرية بعد العاقولي وفي مدارس كبار وكان حسن الخلق كثير الخير على الفقراء والضعفاء متواضعا يكتب حسنا أيضا توفي في آخر المحرم ودفن بتربة له عند داره ببغداد رحمه الله
*3* الامير صارم الدين
@ ابراهيم بن محمد بن أبي القاسم بن أبي الزهر المعروف بالمغزال كانت له مطالعة وعنده شيء من التاريخ ويحاضر جيدا ولما توفي يوم الجمعة وقت الصلاة السادس والعشرين من المحرم دفن بتربة له عند حمام العديم
*3* الامير علاء الدين مغلطاي الخازن
@ نائب القلعة وصاحب التربة تجاه الجامع المظفري من الغرب كان رجلا جيدا له أوقاف وبر وصدقات توفي يوم الجمعة بكرة عاشر صفر ودفن بتربته المذكورة
*3* القاضي كمال الدين
@ أحمد بن محمد بن محمد بن عبد الله بن هبة الله بن الشيرازي الدمشقي ولد سنة سبعين وسمع الحديث وتفقه على الشيخ تاج الدين الفزاري الشيخ زين الدين الفارقي وحفظ مختصر المزني ودرس في وقت بالبادرائية وفي وقت بالشامية البرانية ثم ولي تدريس الناصرية الجوانية مدة سنين إلى حين وفاته وكان صدرا كبيرا ذكر لقضاء قضاة دمشق غير مرة وكان حسن المباشرة والشكل توفي في ثالث صفر ودفن بتربتهم بسفح قاسيون رحمه الله
*3* الامير ناصر الدين
@ محمد بن الملك المسعود جلال الدين عبد الله بن الملك الصالح إسماعيل بن العادل كان شيخا مسنا قد اعتنى بصحيح البخاري يختصره وله فهم جيد ولديه فضيلة وكان يسكن المزة وبها توفي ليلة السبت خامس عشرين صفر وله أربع وسبعون سنة ودفن بتربتهم بالمزة رحمه الله
*3* علاء الدين
@ علي بن شرف الدين محمد بن القلانسي قاضي العسكر ووكيل بيت المال وموقع الدست ومدرس الامينية والظاهرية وغير ذلك من المناصب ثم سلبها كلها سوى التدريسين وبقي معزولا إلى حين أن توفي بكرة السبت خامس وعشرين صفر ودفن بتربتهم
*3* عز الدين أحمد بن الشيخ زين الدين
@ محمد بن أحمد بن محمود العقيلي ويعرف بابن القلانسي محتسب دمشق وناظر الخزانة كان محمود المباشرة ثم عزل الحسبة واستمر بالخزانة إلى أن توفي يوم الاثنين تاسع عشر جمادي الاولى ودفن بقاسيون
*3* الشيخ علي بن أبي المجد بن شرف بن أحمد الحمصي
@ ثم الدمشقي مؤذن البربوة خمسا وأربعين سنة وله ديوان شعروتعاليق وأشياء كثيرة مما ينكر أمرها وكان محلولا في دينه توفي جمادي الاولى أيضا
*3* الامير شهاب الدين بن برق
@ متولي دمشق شهد جنازته خلق كثير توفي ثاني شعبان ودفن بالصالحية واثنى عليه الناس
*3* الأمير فخر الدين ابن الشمس لؤلؤ
@ متولى البر كان مشكورا أيضا توفي رابع شعبان وكان شيخا كبيرا توفي ببستانه ببيت لهيا ودفن بتربته هناك وترك ذرية كثيرة رحمه الله
*3* عماد الدين إسماعيل
@ ابن شرف الدين محمد بن الوزير فتح الدين عبد الله بن محمد بن أحمد بن خالد بن صغير بن القيسراني أحد كتاب الدست وكان من خيار الناس محببا إلى الفقراء والصالحين وفيه مروءة كثيرة وكتب بمصر ثم صار إلى حلب كاتب سرها ثم انتقل إلى دمشق فأقام بها إلى أن مات ليلة الاحد ثالث عشر القعدة وصلى عليه من الغد بجامع دمشق ودفن بالصوفية عن خمس وستين سنة وقد سمع شيئا من الحديث على الابرقوهي وغيره
وفي ذي القعدة توفي شهاب الدين ابن القديسة المحدث بطريق الحجاز الشريف وفي ذي الحجة توفي الشمس محمد المؤذن المعروف بالنجار ويعرف بالبتي وكان يتكلم ونشد في المحافل والله سبحانه أعلم
*2* ثم دخلت سنة سبع وثلاثين وسبعمائة
@ استهلت بيوم الجمعة والخليفة المستكفي بالله قد اعتقله السلطان الملك الناصر ومنعه من الاجتماع بالناس ونائب الشام تنكز بن عبد الله الناصري والقضاة والمباشرون هم المذكورون في التي قبلها سوى كاتب السر فإنه علم الدين بن القطب ووالي البر الأمير بدر الدين بن قطلوبك ابن شنشنكير ووالي المدينة حسام الدين طرقطاي الجوكنداري
وفي أول يوم منها يوم الجمعة وصلت الاخبار بأن على باشا كسر جيشه وقيل إنه قتل ووصلت كتب الحجاج في الثاني والعشرين من المحرم تصف مشقة كثيرة حصلت للحجاج من موت الجمال وإلقاء الأحمال ومشى كثير من النساء والرجال فإنا لله وإنا إليه راجعون والحمد لله على كل حال
وفي آخر المحرم قدم إلى دمشق القاضي حسام الدين حسن بن محمد الغوري قاضي بغداد وكان والوزير نجم الدين محمود بن علي بن شروان الكردي وشرف الدين عثمان بن حسن البلدي فأقاموا ثلاثة أيام ثم توجهوا إلى مصر فحصل لهم قبول تام من السلطان فاستقضى الاول على الحنفية كما سيأتي واستوزر الثاني وأمر الثالث وفي يوم عاشوراء احضر شمس الدين محمد بن الشيخ شهاب الدين بن اللبان الفقيه الشافعي إلى مجلس الحكم الجلالي وحضر معه شهاب الدين بن فضل الله مجد الدين الاقصرائي شيخ الشيوخ وشهاب الدين الأصبهاني فادعى عليه بأشياء منكرة من الحلول والاتحاد والغلو في القرمطة وغير ذلك فأقر ببعضها فحكم عليه بحقن دمه ثم توسط في أمره وأبقيت عليه جهاته ومنع من الكلام على الناس وقام في صفه جماعة من الأمراء والأعيان وفي صفر احترق بقصر حجاج حريق عظيم أتلف دورا ودكاكين عديدة وفي ربيع الاول ولد للسلطان ولد فدقت البشائر وزينت البلد أياما وفي منتصف ربيع الاخر أمر الامير صارم الدين إبراهيم الحاجب الساكن تجاه جامع كريم الدين طبلخاناه وهو من كبار أصحاب الشيخ تقي الدين رحمه الله وله مقاصد حسنة صالحة وهو في نفسه رجل جيد وفيه أفرج عن الخليفة المستكفي وأطلق من البرج في حادي عشرين ربيع الاخر ولزم بيته وفي يوم الجمعة عشرين جمادي الاخرة اقيمت الجمعة في جامعين بمصر أحدهما أنشاه الأمير عز الدين أيدمر بن عبد الله الخطيري مات بعد ذلك باثني عشر يوما رحمه الله والثاني أنشأته امرأة يقال لها الست حدق دادة السلطان الناصر عند قنطرة السباع وفي شعبان سافر القاضي شهاب الدين أحمد بن شرف بن منصور النائب في الحكم بدمشق إلى قضاء طرابلس وناب بعده الشيخ شهاب الدين أحمد بن النقيب البعلبكي وفيه خلع على عز الدين بن جماعة بوكالة بيت المال بمصر وعلى ضياء الدين ابن خطيب بيت الابار بالحسبة بالقاهرة مع ما بيده من نظر الاوقاف وغيره وفيه أمر الأمير ناظر القدس بطبلخاناه ثم عاد إلى القدس
وفي عاشر رمضان قدمت من مصر مقدمتان ألفان إلى دمشق سائرة إلى بلاد سيس وفيهم علاء الدين فاجتمع به أهل العلم وهو من افاضل الحنفية وله مصنفات في الحديث وغيره
وخرج الركب الشامي يوم الاثنين عاشر شوال وأميره بهادر قبجق وقاضية محيي الدين الطرابلسي مدرس الحمصية وفي الركب تقي الدين شيخ الشيوخ وعماد الدين ابن الشيرازي ونجم الدين الطرسوسي وجمال الدين المرداوي وصاحبه شمس الدين ابن مفلح والصدر المالكي والشرف ابن القيسراني والشيخ خالد المقيم عند دار الطعم وجمال الدين بن الشهاب محمود
وفي ذي القعدة وصلت الاخبار بان الجيش تسلموا من بلاد سيس سبع قلاع وحصل لهم خير كثير ولله الحمد وفرح المسلمون بذلك وفيه كانت وقعة هائلة بين التتار انتصر فيها الشيخ وذووه وفيها نفي السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون الخليفة وأهله وذويه وكانوا قريبا من مائة نفس إلى بلاد قوص ورتب لهم هناك ما يقوم بمصالحهم فإنا لله وإنا إليه راجعون وممن توفي فيها من الاعيان :
*3* الشيخ علاء الدين بن غانم
@ أبو الحسن علي بن محمد بن سليمان بن حمائل بن علي المقدسي أحد الكبار المشهورين بالفضائل وحسن الترسل وكثرة الادب والاشعار والمروءة التامة مولده سنة إحدى وخمسين وستمائة وسمع الحديث الكثير وحفظ القرآن والتنبيه وباشر الجهات وقصده الناس في الامور المهات وكان كثير الاحسان إلى الخاص والعام توفي مرجعه في الحج في منزلة تبوك يوم الخميس ثالث عشر المحرم ودفن هناك رحمه الله ثم تبعه أخوه شهاب الدين أحمد في شهر رمضان وكان اصغر منه سنا بسنة وكان فاضلا أيضا بارعا كثير الدعابة
*3* الشرف محمود الحريري
@ المؤذن بالجامع الموي بنى حماما بالنيرب ومات في آخر المحرم
*3* الشيخ الصالح العابد
@ ناصر الدين بن الشيخ إبراهيم بن معضاد بن شداد بن ماجد بن مالك الجعبري ثم المصري ولد سنة خمسين وستمائة بقلعة جعبر وسمع صحيح مسلم وغيره وكان يتكلم على الناس ويعظهم ويستحضر أشياء كثيرة من التفسير وغيره كان فيه صلاح وعبادة توفي في الرابع والعشرين من المحرم ودفن بزاويتهم عند والده خارج باب النصر
*3* الشيخ شهاب الدين عبدا لحق الحنفي
@ أحمد بن علي بن أحمد بن علي بن يوسف بن قاضي ! الحنفيين ويعرف بابن عبدالحق الحنفي شيخ المذهب ومدرس الحنفية وغيرها وكان بارعا فاضلا دينا توفي في ربيع الاول
*3* الشيخ عماد الدين
@ إبراهيم بن علي بن عبدالرحمن بن عبدالمنعم بن نعمة المقدسي النابلسي الحنبلي الامام العالم العابد شيخ الحنابلة بها وفقيههم من مدة طويلة توفي في ربيع الاول
*3* الشيخ الامام العابد الناسك
@ محب الدين عبد الله بن احمد بن المحب عبد الله بن أحمد بن أبي بكر محمد بن إبراهيم بن أحمد بن عبدالرحمن بن إسماعيل بن منصور المقدسي الحنبلي سمع الكثير وقرأ بنفسه وكتب الطباق وانتفع الناس به وكانت له مجالس وعظ من الكتاب والسنة في الجامع الاموي وغيره وله صوت طيب بالقراءة جدا وعليه روح وسكينة ووقار وكانت مواعيده مفيدة ينتفع بها الناس وكان شيخ الاسلام تقي الدين ابن تيمية يحبه ويحب قراءته توفي يوم الاثنين سابع ربيع الاول وكانت جنازته حافلة ودفن بقاسيون وشهد الناس له بخير رحمه الله تعالى وبلغ خمسا وخسمين سنة
*3* المحدث البارع المحصل المفيد المخرج المجيد
@ ناصر الدين محمد بن طغربل بن عبد الله الصيرفي أبوه الخوارزمي الاصل سمع الكثير وقرأ بنفسه وكان سريع القراءة وقرأ الكتب الكبار والصغار وجمع وخرج شيئا كثيرا وكان بارعا في هذا الشأن رحل فأدركته منيته بحماة يوم السبت ثاني ربيع الاول ودفن من الغد بمقابر طيبة رحمه الله
*3* شيخنا الامام العالم العابد
@ شمس الدين أبو محمد عبد الله بن العفيف محمد بن الشيخ تقي الدين يوسف بن عبد المنعم بن نعمة المقدسي النابلسي الحنبلي إمام مسجد الحنابلة بها ولد سنة سبع واربعين وستمائة وسمع الكثير وكان كثير العبادة حسن الصوت عليه البهاء والوقار وسحن الشكل والسمت قرأت عليه عام ثلاث وثلاثين وسبعمائة مرجعنا من القدس كثيرا من الأجزاء والفوائد وهو والد صاحبنا الشيخ جمال الدين يوسف أحد مفتية الحنابلة وغيرهم والمشهورين بالخير والصلاح توفي يوم الخميس ثاني عشرين ربيع الاخر ودفن هناك رحمه الله
*3* الشيخ محمد بن عبد الله بن المجد
@ إبراهيم المرشدي المقيم بمنية مرشد يقصده الناس للزيارة ويضيف الناس على حسب مراتبهم وينفق نفقات كثيرة جدا ولم يكن يأخذ من أحد شيئا فيما يبدو للناس والله أعلم بحاله وأصله من قرية دهروط وأقام بالقاهرة مدة واشتغل بها ويقال إنه قرأ التنبيه في الفقه ثم انقطع بمنية مرشد واشتهر أمره في الناس وحج مرات وكان إذا دخل القاهرة يزدحم عليه الناس ثم كانت وفاته يوم الخميس ثامن رمضان ودفن بزاويته وصلى عليه بالقاهرة ودمشق وغيرها
*3* الامير أسد الدين
@ عبد القادر بن المغيث عبدالعزيز بن الملك المعظم عيسى بن العادل ولد سنة ثنتين وأربعين وستمائة وسمع الكثير وأسمع وكان يأتي كل سنة من مصر إلى دمشق ويكرم أهل الحديث ولم يبق من بعده من بني أيوب أعلا سنا منه توفي بالرملة في سلخ رمضان رحمه الله
*3* الشيخ الصالح الفاضل
@ حسن بن إبراهيم بن حسن الحاكي الحكري إمام مسجده هناك ومذكر الناس في كل جمعة ولديه فضائل وفي كلامه نفع كثير إلى أن توفي في العشرين من شوال ولم ير الناس مثل جنازته بديار مصر رحمه الله تعالى
*2* ثم دخلت سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة
@ استهلت بيوم الاربعاء والخليفة المستكفي منفي ببلاد قوص ومعه أهله وذووه ومن يلوذ به وسلطان البلاد الملك الناصر محمد بن الملك المنصور ولا نائب بديار مصر ولا وزير ونائبه بدمشق تنكز وقضاة البلاد ونوابها ومباشروها هم المذكورون في التي قبلها وفي ثالث ربيع الاول رسم السلطان بتسفير علي ومحمد ابني داود بن سليمان بن داود بن العاضد آخر خلفاء الفاطميين إلى الفيوم يقيمون به وفي يوم الجمعة ثاني عشر ربيع الآخر عزل القاضي علم الدين بن القطب عن كتابة السر وضرب وصودر ونكب بسببه القاضي فخر الدين المصري وعزل عن مدرسته الدولعية وأخذها ابن جملة والعادلية الصغيرة باشرها ابن النقيب ورسم عليه بالعذراوية مائة يوم وأخذ شيء من ماله
وفي ليلة الاحد ثالث عشرين ربيع الاول بعدالمغرب هبت ريح شديدة بمصر وأعقبها رعد وبرق وبرد بقدر الجوز وهذا شيء لم يشاهدوا مثله من أعصار متطاولة بتلك البلاد وفي عاشر جمادي الاولى استهل الغيث بمكة من أول الليل فلما انتصف الليل جاء سيل عظيم هائل لم ير مثله من دهر طويل فخرب دورا كثيرة نحوا من ثلاثين أو أكثر وغرق جماعة وكسر أبواب المسجد ودخل الكعبة وارتفع فيها نحوا من ذراع أو أكثر وجرى أمر عظيم حكاه الشيخ عفيف الدين الطبري وفي سابع عشرين من جمادي الاولى عزل القاضي جلال الدين عن قضاء مصر واتفق وصلو خبر موت قاضي الشام ابن المجد بعد أن عزل بيسير فولاه السلطان قضاء الشام فسار إليها راجعا عودا على بدء ثم عزل السلطان برهان الدين بن عبدالحق قاضي الحنفية وعزل قاضي الحنابلة تقي الدين ورسم على ولده صدر الدين بأداء ديون الناس إليهم وكانت قريبا من ثلاثمائة ألف فلما كان يوم الاثنين تاسع عشر جمادي الاخرة بعد سفر جلال الدين بخمسة أيام طلب السلطان أعيان الفقهاء إلى بين يديه فسألهم عن من يصلح للقضاء بمصر فوقع الاختيار على القاضي عز الدين ابن جماعة فولاه في الساعة الراهنة وولى قضاء الحنفية لحسام الدين حسن بن محمد الغوري قاضي بغداد وخرجا من بين يديه إلى المدرسة الصالحية وعليهما الخلع ونزل عز الدين بن جماعة من دار الحديث الكاملية لصاحبه الشيخ عماد الدين الدمياطي فدرس فيها واورد حديث إنما الاعمال النيات بسنده وتكلم عليه وعزل أكثر نواب الحكم واستمر بعضهم واستمر بالمنادي الذي أشار بتوليته ولما كان يوم خامس عشرين منه ولى قضاء الحنابلة الامام العالم موفق الدين ابو محمد عبدالله بن محمد بن عبد الملك المقدسي عوضا عن المعزول ولم يبق من القضاة سوى الاخنائي المالكي
وفي رمضان فتحت الصبابية التي أنشأها شمس الدين بن تقي الدين بان الصباب التاجر دار قرآن ودار حديث وقد كانت خربة شنيعة قبل ذلك وفي رمضان باشر علاء الدين علي ابن القاضي محيي الدين بن فضل الله كتابة السر بمصر بعد وفاة أبيه كما سيأتي ترجمته وخلع عليه وعلى أخيه بدر الدين ورسم لهما أن يحضرا مجلس السلطان وذهب أخوه شهاب الدين إلى الحج
وفي هذا الشهر سقط بالجانب الغربي من مصر بردكا لبيض وكالرمان فأتلف شيئا كثيرا ذكر ذلك البرزالي ونقله من كتاب الشهاب الدمياطي وفي ثالث عشرين رمضان درس بالقبة المنصورية بمشيخة الحديث شهاب الدين العسجدي عوضا عن زين الدين الكنائي توفي فأرود حديثا من مسند الشافعي بروايته عن الجاولي بسنده ثم صرف عنها بالحجة بالشيخ اثير الدين أبي حيان فساق حديثا عن شخيه ابن الزبير ودعا للسلطان وحضر عنده القضاة والاعيان وكان مجلسا حافلا وفي ذي القعدة حضر تدريس الشامية البرانية قاضي القضاة شمس الدين ابن النقيب عوضا عن القاضي جمال الدين ابن جملة توفي وحضر خلق كثير من الفقهاء والاعيان وكان مجلسا حافلا وفي ثاني ذي الحجة درس بالعادلية الصغيرة تاج الدين عبد الرحيم ابن قاضي القضاة جلال الدين القزويني عوضا عن الشيخ شمس الدين بن النقيب بحكم ولايته الشامية البرانية وحضر عنده القضاة والاعيان وفي هذا الشهر درس القاضي صدر الدين بن القاضي جلال الدين بالاتابكية وأخوه الخطيب بدر الدين بالغزالية والعادلية نيابة عن أبيه انتهى والله اعلم وممن توفي فيها من الاعيان :
*3* الامير الكبير بدر الدين محمد بن فخر الدين عيسى بن التركماني
@ باني جامع المقياس بديار مصر في ايام وزارته بها ثم عزل أميرا إلى الشام ثم رجع إلى مصر إلى أن توفي بها في خامس ربيع الاخر وتوفي بالحسينية وكان مشكورا رحمه الله انتهى
*3* قاضي القضاة شهاب الدين
@ محمد بن المجد بن عبد الله بن الحسين بن علي الرازي الاربلي الاصل ثم الدمشقي الشافعي قاضي الشفاعية بدمشق ولد سنة ثنتين وستين وستمائة واشتغل وبرع وحصل وأفتى سنة ثلاث وتسعين ودرس بالاقبالية ثم الرواحية وتربة أم الصالح وولى وكلة بيت المال ثم صار قاضي قضاة الشام إلى أن توفي بمستهل جمادي الاولى بالمدرسة العادلية ودفن بمقابر باب الصغير رحمه الله
*3* الشيخ الامام العالم بن المرحل
@ زين الدين محمد بن عبد الله ابن الشيخ زين الدين عمر بن مكي بن عبدالصمد بن المرسل مدرس الشامية البرانية والعذراوية بدمشق وكان قبل ذلك بمشهد الحسين وكان فاضلا بارعا فقيها أصوليا مناظرا حسن الشكل طيب الاخلاق دينا صينا وناب في وقت بدمشق عن علم الدين الاخنائي فحمدت سيرته كانت وفاته ليلة الاربعاء تاسع عشر رجب ودفن من الغد عند مسجد الديان في تربة لهم هناك وحضر جنازته القاضي جلال الدين وكان قد قدم من الديار المصرية له يومان فقط وقدم بعده القاضي برهان الدين عبدالحق بخمسة أيام هو وأهله وأولاده أيضا وباشر بعده تدريس الشامية البرانية قاضي القضاة جمال الدين ابن جملة ثم كانت وفاته بعده بشهور وذلك يوم الخميس رابع عشر ذي القعدة وهذه ترجمته في تاريخ الشيخ علم الدين البرزالي
*3* قاضي القضاة جمال الدين الصالحي
@ جمال الدين أبو المحاسن يوسف بن إبراهيم بن جملة بن مسلم بن همام بن حسين بن يوسف الصالحي الشافعي المحجي ! والده بالمدرسة السرورية وصلى عليه عقيب الظهر يوم الخميس رابع عشر ذي الحجة ودفن بسفح قاسيون ومولده في أوائل سنة ثنتين وثمانين وستمائة وسمع من ابن البخاري وغيره وحدث وكان رجلا فاضلا في فنون اشتغل وحصل وأفتى وأعاد ودرس وله فضائل جمة ومباحث وفوائد وهمة عالية وحرمة وافرة وفيه تودد وإحسان وقضاء للحقوق وولى القضاء بدمشق نيابة واستقلالا ودرس بمدارس كبار ومات هو مدرس الشامية البرانية وحضر جنازته خلق كثير من الاعيان رحمه الله
*3* شيخ الاسلام قاضي القضاة ابن البارري
@ شرف الدين أبو القاسم هبة الله ابن قاضي القضاة نجم الدين عبد الرحيم بن القاضي شمس الدين ابي الطاهر إبراهيم بن هبة الله بن مسلم بن هبة الله الجهيني الحموي المعرو بابن البارزي قاضي القضاة بحماة صاحب التصانيف الكثيرة المفيدة في الفنون العديدة ولد في خامس رمضان سنة خمس وأربعين وستمائة وسمع الكثير وحصل فنونا كثيرة وصنف كتبا جما كثيرة وكان حسن الأخلاق كثير المحاضرة حسن الاعتقاد في الصالحين وكان معظما عند الناس وأذن لجماعة من البلد في الافتاء وعمى في آخر عمره وهو يحكم مع ذلك مدة ثم نزل عن المنصب لحفيده نجم الدين عبدالرحيم بن إبراهيم وهو في ذلك لا يقطع نظره عن المنصب وكانت وفاته ليلة الاربعاء العشرين من ذي القعدة بعد أن صلى العشاء والوتر فلم تفته فريضة ولا نافلة وصلى عليه من الغد ودفن بعقبة نقيرين وله من العمر ثلاث وتسعون سنة
*3* الشيخ الامام العالم
@ شهاب الدين أحمد بن البرهان شيخ الحنفية بحلب شارح الجامع الكبير وكان رجلا صالحا منقطعا عن الناس وانتفع الناس به وكانت وفاته ليلة الجمعة الثامن والعشرين من رجب وكانت له معرفة بالعربية والقراءات ومشاركات في علوم أخر رحمه الله والله اعلم
*3* القاضي محيي الدين بن فضل الله كاتب السر
@ هو ابو المعالي يحيى بن فضل الله بن المحلي بن دعجان بن خلف العدوى العمري ولد في حادي عشر شوال سنة خمس وأربعين وستمائة بالكرك وسمع الحديث وأسمعه وكان صدرا كبيرا معظما في الدولة في حياة أخيه شرف الدين وبعده وكتب السر بالشام وبالديار المصرية وكانت وفاته ليلة الاربعاء تاسع رمضان بديار مصر ودفن من الغد بالقرافة وتولى المنصب بعده ولده علاء الدين وهو أصغر أولاده الثلاثة المعينين لهذا المنصب
*3* الشيخ الأمام العلامة ابن الكتاني
@ زين الدين ابن الكتاني شيخ الشافعية بديار مصر وهو أبو حفص عمر بن أبي الحزم بن عبدالرحمن بن يونس الدمشقي الأصل ولد بالقاهرة في حدود سنة ثلاث خمسين وستمائة واشتغل بدمشق ثم رحل إلى مصر واستوطنها وتولى بها بعض الأقضية بالحكر ثم ناب عن الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد فحمدت سيرته ودرس بمدارس كبار ولى ميشخة دار الحديث بالقبة المنصورية وكان بارعا فاضلا عنده فوائد كثيرة جدا غير أنه كان سيء الأخلاق منقبضا عن الناس لم يتزوج قط وكان حسن الشكل بهي المنظر ياكل الطيبات ويلبس اللين من الثياب وله فوائد وفوائد وزوائد على الروضة وغيرها وكان فيه استهتار لبعض العلماء فالله يسامحه وكانت وفاته يوم الثلاثاء المنتصف من رمضان ودفن بالقرافة رحمه الله انتهى
*3* الشيخ الامام العلامة ابن القويع
@ ركن الدين بن القريع أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن بن يوسف بن عبدالرحمن بن عبد الجليل الوسي الهاشمي الجعفري التونسي المالكي المعروف بابن القويع كان من اعيان الفضلاء وسادة الاذكياء ممن جمع الفنون الكثيرة والعلوم الاخروية الدينية الشرعية الطيبة وكان مدرسا بالمنكود مرية وله وظيفة في المارستان المنصوري وبها توفي في بكرة السابع عشر من ذي الحجة وترك مالا وأثاثا ورثه بيت المال
وهذا آخر ما أرخه شيخنا الحافظ علم الدين البرزالي في كتابه الذي ذيل به على تاريخ الشيخ شهاب الدين ابي شامة المقدسي وقد ذيلت على تاريخه إلى زماننا هذا وكان فراغي من الانتقاء من تاريخه في يوم الاربعاء العشرين من جمادي الاخرة من سنة إحدى وخمسين وسبعمائة احسن الله خاتمتها آمين وإلى هنا انتهى ما كتبته من لدن خلق آدم إلى زماننا هذا ولله الحمد والمنة وما أحسن ما قال الحريري
وإن تجد عيبا فسد الخللا * فجل من لا عيب فيه وعلا
كتبه إسماعيل بن كثير بن صنو القرشي الشافعي عفا الله تعالى عنه آمين
*2* ثم دخلت سنة تسع وثلاثين وسبعمائة
@ استهلت وسلطان الاسلام والمسلمين بالديار المصرية وما والاها والديار الشامية وما والاها والحرمين الشريفين الملك الناصر محمد بن الملك المنصور قلاوون ولا نائب له ولا وزير أيضا بمصر وقاضة مصر أما الشافعي فقاضي القضاة عز الدين ابن قاضي القشاة صدر الدين محمد بن إبراهيم بن جماعة وأما الحنفي فقاضي القضاة حسام الدين الغوري حسن بن محمد وأما المالكي فتقي الدين الاخنائي وأما الحنبلي فموفق الدين بن نجا المقدسي ونائب الشام الامير سيف الدين تنكز وقضاته جلال الدين القزويني الشافعي المعزول عن الديار المصرية والحنفي عماد الدين الطرسوسي والمالكي شرف الدين الهمداني والحنبلي علاء الدين بن المنجا التنوخي
ومما حدث في هذه السنة إكمال دار الحديث السكرية وباشر مشيخة الحديث بها الشيخ الامام الحافظ مؤرخ الاسلام محمد بن شمس الدين محمد بن أحمد الذهبي وقرر فيها ثلاثون محدثا لكل منهم جراية وجامكية كل شهر سبعة دراهم ونصف رطل خبز وقرر للشيخ ثلاثون رطل خبز وقرر فيها ثلاثون نفرا يقرؤون القرآن لكل عشرة شيخ ولكل واحد من القراء نظير ما للمحدثين ورتب لها إمام وقارئ حديث ونواب ولقارئ الحديث عشرون درهما وثمان أواق خبز وجاءت في غاية الحسن في شكالاتها وبنائها وهي نجاه دار الذهب التي أنشأها الواقف الأمير تنكز ووقف عليها عدة أماكن منها سوق القشاشيين بباب الفرج طوله عشرون ذراعا شرقا وغربا سماه في كتاب الوقف وبندر زيدين وحمام بحمص وهو الحمام القديم ووقف عليها حصصا في قرايا أخر ولكنه تغلب على ما عدا القشاشيين وبندر زيدين وحمام حمص
وفيها قدم القاضي تقي الدين علي بن عبد الكافي السبكي الشافعي من الديار المصرية حاكما على دمشق وأعمالها وفرح الناس به ودخل الناس يسلمون عليه لعلمه وديانته وأمانته ونزل بالعادلية الكبيرة على عادة من تقدمه ودرس بالغزالية والاتابكية واستناب ابن عمه القاضي بهاء الدين أبو البقاء ثم استناب ابن عمه أبا الفتح وكانت ولايته الشام بعد وفاة قاضي القضاة جلال الدين محمد بن عبد الرحيم القزويني الشافعي على ما سيأتي بيانه في الوفيات من هذه السنة
وممن توفي فيها من الاعيان في المحرم سنة تسع وثلاثين وسبعمائة
*3* العلامة قاضي القضاة فخر الدين
@ عثمان بن الزين علي بن عثمان الحلبي ابن خطيب جسرين الشافعي ولي قضاء حلب وكان إماما صنف شرح مختصر ابن الحاجب في الفقه وشرح البديع لابن الساعاتي وله فوائد غزيرة ومصنفات جليلة تولى حلب بعد عزل الشيخ ابن النقيب ثم طلبه السلطان فمات هو وولده الكمال وله بضع وسبعون سنة وممن توفي فيها
*3* قاضي القضاة جلال الدين محمد بن عبد الرحمن
@ القزويني الشافعي قدم هو وأخوه أيام التتر من بلادهم إلى دمشق وهما فاضلان بعدالتسعين وستمائة فدرس إمام الدين في تربة أم الصالح وأعاد جلال الدين بالبادرائية عند الشيخ برهان الدين ابن الشيخ تاج الدين شيخ الشافعية ثم تقلبت بهم الاحوال إلى أن ولي إمام الدين قضاء الشفاعية بدمشق انتزع له من يد القاضي بدر الدين ابن جماعة ثم هرب سنة قازان إلى الديار المصرية مع الناس فمات هنالك وأعيد ابن جماعة إلى القضاء وخلت خطابة البلد سنة ثلاث وسبعمائة فوليها جلال الدين المذكور ثم ولي القضاء بدمشق سنة خمس وعشرين مع الخطابة ثم انتقل إلى الديار المصرية سنة سبع وعشرين بعد أن عجز قاضي القضاة بدر الدين بن جماعة بسبب الضرر في عينيه فلما كان في سنة ثمان وثلاثين تعصب عليه السلطان اللمك الناصر بسبب أمور يطول شرحها ونفاه إلى الشام واتفق موت قاضي القضاة شهاب الدين بن المجد عبد الله كما تقدم فولاه السلطان قضاء الشام عودا على بدء فاستناب ولده بدر الدين على نيابة القضاء الذي هو خطيب دمشق كانت وفاته في أواخر هذه السنة ودفن بالصوفية وكانت له يد طولى في المعاني والبيان ويفتى كثيرا وله مصنفات في المعاني مصنف مشهور اسمه للتخليص اختصر فيه المفتاح للسكاكي وكان مجموع الفضائل مات وكان عمره قريبا من السبعين أو جاوزها وممن توفي فيها رابع الحجة يوم الاحد
*3* الشيخ الأمام الحافظ ابن البرزالي
@ علم الدين أبو محمد القاسم بن محمد بن البرزالي مؤرخ الشام الشافعي ولد سنة وفاة الشيخ ابن أبي شامة سنة خمس وستين وستمائة وقد كتب تاريخا ذيل به على الشيخ شهاب الدين من حين وفاته ومولد البرزالي إلى أن توفي في هذه السنة وهو محرم فغسل وكفن ولم يستر رأسه وحمله الناس على نعشه وهم يبكون حوله وكان يوما مشهودا وسمع الكثير أزيد من ألف شيخ وخرج له المحدث شمس الدين ابن سعد مشيخة لم يكملها وقرأ شيئا كثيرا وأسمع شيئا كثيرا وكان له خط حسن وخلق حسن وهو مشكور عند القضاة ومشايخه أهل العلم سمعت العلامة ابن تيمية يقول نقل البرزالي نقر في حجر وكان أصحابه من كل الطوائف يحبونه ويكرمونه وكان له أولاد ماتوا قبله وكتبت ابنته فاطمة البخاري في ثلاثة عشر مجلدا فقابله لها كان يقرأ فيه على الحافظ المزي تحت القبة حتى صارت نسختها أصلا معتمدا يكتب منها الناس وكان شيخ حديث بالنورية
وفيها وقف كتبه بدار الحديث السنية وبدار الحديث القوصية وفي الجامع وغيره وعلى كراسي الحديث وكان متواضعا محببا إلى الناس متوددا إليهم توفي عن اربع وسبعين سنة رحمه الله
*3* المؤرخ شمس الدين
@ محمد بن إبراهيم الجوزي جمع تاريخا حافلا كتب فيه أشياء يستفيد منها الحافظ كالمزي والذهبي والبرزالي يكتبون عنه ويعتمدون على نقله وكان شيخا قد جاوز الثمانين وثقل سمعه وضعف خطه وهو والد الشيخ ناصر الدين محمد واخوه مجد الدين
*2* ثم دخلت سنة أربعين وسبعمائة
@ استهلت هذه السنة وسلطان المسلمين الملك الناصر وولاته وقضاته المذكورون في التي قبلها إلا الشافعي بالشام فتوفي القزويني وتولى العلامة السبكي ومما وقع الحوادث العظيمة الهائلة أن جماعة من رؤس النصارى اجتمعوا في كنيستهم وجمعوا من بيتهم مالا جزيلا فدفعوه إلى راهبين قدما عليها من بلاد الروم يحسنان صنعة النفط اسم أحدهما ملاني والاخر عازر فعملا كحطا من نفط وتلطفا حتى عملاه لا يظهر تأثيره لا بعد أربع ساعات وأكثر من ذلك فوضعا في شقوق دكاكين التجار في سوق الرجال عند الدهشة في عدة دكاكين من آخر النهار بحيث لا يشعر أحد بهما وهما في زي المسلمين فلما كان في أثناء الليل لم يشعر الناس إلا والنار قد عملت في تلك الدكاكين حتى تعلقت في دباربزينات المأذنة الشرقية المتجهة للسوق المذكور وأحرقت درابزينات وجاء نائب السلطنة تنكز والأمراء أمراء الألوف وصعدوا المنارة وهي تشعل نارا واحترسوا عن الجامع فلم ينله شيء من الحريق ولله الحمد والمنة وأما المأذنة فإنها تفجرت احجارها واحترقت السقالات التي تدل السلالم فهدمت وأعيد بناؤها بحجارة جدد وهي المنارة الشرقية التي جاء في الحديث أنه ينزل عليها عيسى ابن مريم كما سيأتي الكلام عليه في نزول عيسى عليه السلام والبلد محاصر بالدجال
والمقصود أن النصارى بعد ليال عمدوا إلىناحية الجامع من المغرب إلى القيسارية بكمالها وبما فيها من الأقواس والعدد فإنا لله وإنا إليه راجعون وتطاير شرر النار إلى ما حول القيسارية من الدور والمساكن والمدارس واحترق جانب من المدرسة الأمينية إلى جانب المدرسة المذكور وما كان مقصودهم الا وصول النار إلى معبد المسلمين فحال الله بينهم وبين ما يرومون وجاء نائب السلطنة والأمراء وحالوا بين الحريق والمسجد جزاهم الله خيرا ولما تحقق نائب السلطنة أن هذا من فعلهم أمر بمسك رؤس النصارى فأمسك منهم نحوا من ستين رجلا فأخذوا بالمصادرات والضرب والعقوبات وأنواع المثلات ثم بعد ذلك صلب منهم أزيد من عشرة على الجمال وطاف بهم في أرجاء البلاد وجعلوا يتماوتون واحدا بعد واحد ثم أحرقوا بالنار حتى صاروا رمادا لعنهم الله انتهى والله أعلم
*3* سبب مسك تنكز
@ لما كان يوم الثلاثاء الرابع والعشرين من ذي الحجة جاء الامير طشتمر من صغد مسرعا وركب جيش دمشق ملبسا ودخل نائب السلطنة من قصره مسرعا إلى دار السعادة وجاء الجيش فوقفوا على باب النصر وكان أراد أن يلبس ويقابل فعذلوه في ذلك وقالوا المصلحة الخروج إلى السلطان سامعا مطيعا فخرج بلا سلاح فلما برز إلى ظاهر البلد التف عليه الفخري وغيره وأخذوه وذهبوا به إلى ناحية الكسوة فلما كان عند قبة يلبغا نزلوا وقيدوه وخصاياه من قصره ثم ركب البريد وهو مقيد وساروا به إلى السلطان فلما وصل أمر بمسيره إلى الاسكندرية وسألوا عن ودائعه فأقر ببعض ثم عوقب حتى أقر بالباقي ثم قتلوه ودفنوه بالاسكندرية ثم نقلوه إلى تربته بدمشق رحمه الله وقد جاوز الستين وكان عادلا مهيبا عفيف الفرج واليد والناس في أيامه في غاية الرخص والأمن والصيانة فرحمه الله وبل بالرحمة ثراه
وله أوقاف كثيرة من ذلك مرستان بصغد وجامع بنابلس وعجلون وجامع بدمشق ودار حديث بالقدس ودمشق ومدرسة وخانقاه بالقدس ورباط وسوق موقوف على المسجد الاقصى وفتح شباكا في المسجد انتهى والله تعالى أعلم وممن توفي فيها من الاعيان:
*3* أمير المؤمنين المستكفي بالله
@ أبو الربيع سليمان بن الحاكم بأمر الله بن العباس أحمد بن أبي علي الحسن بن أبي بكر بن علي ابن أمير المؤمنين المسترشد بالله الهاشمي العباسي البغدادي الأصل والمولد مولده سنة ثلاث وثمانين وستمائة أو في التي قبلها وقرأ واشتغل قليلا وعهد إليه أبوه بالأمر وخطب له عند وفاة والده سنة إحدى وسبعمائة وفوض جميع ما يتعلق به من الحل والعقد إلى السلطان الملك الناصر وسار إلى غزو التتر فشهد مصاف شقحب ودخل دمشق في شعبان سنة اثنتين وسبعمائة وهو راكب مع السلطان وجميع كبراء الجيش مشاة ولما أعرض السلطان عن الامر وانعزل بالكرك النمس الأمراء من المستكفي أن يسلطن من ينهض بالملك فقلد الملك المظفر ركن الدين بيبرس الجاشنكير وعقد له اللواء وألبسه خلعة السلطنة ثم عاد الناصر إلى مصر وعذر الخليفة في فعله ثم غضب عليه وسيره إلى قوص فتوفى في هذه السنة في قوص في مستهل شعبان
*2* ثم دخلت سنة إحدى واربعين وسبعمائة
@ استهلت يوم الاربعاء وسلطان المسلمين الملك الناصر محمد بن الملك المنصور قلاوون وقضاته بمصر هم المذكورون في التي قبلها وليس في دمشق نائب سلطنة وإنما الذي يسد الامور الامير سيف الدين طشتمر الملقب بالحمص الأخضر الذي جاء بالقبض على الأمير سيف الدين تنكز ثم جاء المرسوم بالرجوع إلى صغد فركب من آخر النهار وتوجه إلى بلده وحواصل الأمير تنكز تحت الحوطة كما هي
وفي صبيحة يوم السبت رابع المحرم من السنة المذكورة قدم من الديار المصرية خمسة امراء الامير سيف الدين بشتك الناصري ومعه برصبغا الحاجب وطاشار الدويدار وبنعراوبطا فنزل بشتاك بالقصر الابلق والميادين وليس معه من مماليكه إلا القليل وإنما جاء لتجديد البيعة إلى السلطان لما توهموا من ممالأة بعض الأمراء لنائب الشام المنفصل وللحوطة على حواصل الأمير سيف الدين تنكز المنفصل عن نيابة الشام وتجهيزها للديار المصرية وفي صبيحة يوم الاثنين سادسه دخل الامير علاء الدين الطنبغا إلى دمشق نائبا وتلقاه الناس وبشتك والأمراء المصريون ونزلوا إلى عتبته فقبلوا العتبة الشريفة ورجعوا معه إلى دار السعادة وقرئ تقليده وفي يوم الاثنين ثالث عشرة مسك من الأمراء المقدمين أميران كبيران الجي بغا العادلي وطنبغا الحجي ورفعا إلى القعلة المنصورة واحتيط على حواصلهما وفي يوم الثلاثاء تحملوا بيت ملك الأمراء سيف الدين تنكز وأهله وأولاده إلى الديار المصرية وفي يوم الأربعاء خامس عشرة ركب نائب السلطنة الامير علاء الدين طنبغا ومعه الأمير سيف الدين بشتك الناصري والحاجة رقطية وسيف الدين قطلوبغا الفخري
وجماعة من الأمراء المقدمين واجتمعوا بسوق الخيل واستدعوا بمملوكي الأمير سيف الدين تنكز وهما جغاي وطغاي فأمر بتوسيطهما فوسطا وعلقا على الخشب ونودي عليهما هذا جزاء من تجاسر على السلطان الناصر
وفي يوم الثلاثاء الحادي والعشرين من هذا الشهر كانت وفاة الامير سيف الدين تنكز نائب الشام بقلعة اسكندرية قيل مخنوقا وقيل مسموما وهو الأصح وقيل غير ذلك وتأسف الناس عليه كثيرا وطال حزنهم عليه وفي كل وقت يتذكرون ما كان منه من الهيبة والصيانة والغيرة على حريم المسلمين ومحارم الاسلام ومن إقامته على ذوي الحاجات وغيرهم ويشتد تأسفهم عليه رحمه الله وقد أخبر القاضي أمين الدين ابن القلانسي رحمه الله شيخنا الحافظ العلامة عماد الدين ابن كثير رحمه الله أن الامير سيف الدين تنكز مسك يوم الثلاثاء ودخل مصر يوم الثلاثاء ودخل الاسكندرية يوم الثلاثاء وتوفي يوم الثلاثاء وصلى عبيه بالاسكندرية ودفن بمقبرتها في الثالث والعشرين من المحرم بالقرب من قبر القباري وكانت له جنازة جيدة
وفي يوم الخميس سابع شهر صفر قدم الامير سيف الدين طشتمر الذي مسك تنكز إلى دمشق فنزل بوطأة برزة بجيشه ومن معه ثم توجه إلى حلب المحروسة نائبا بها عوضا عن الطنبغا المنفصل عنها وفي صبيحة يوم الخميس ثالث عشر ربيع الاول نودي في البلد بجنازة الشيخ الصالح العابد الناسك القدوة الشيخ محمد بن تمام توفي بالصالحية فذهب الناس إلى جنازته إلى الجامع المظفري واجتمع الناس على صلاة الظهر فضاق الجامع المذكور عن أن يسعهم وصلى الناس في الطرقات وأرجاء الصالحية وكان الجمع كثيرا جدا لم يشهد الناس جنازة بعد جنازة الشيخ تقي الدين بن تيمية مثلها لكثرة من حضرها من الناس رجالا ونساء وفيهم القضاة والاعيان والأمراء وجمهور الناس يقاربون عشرين ألفا وانتظر الناس نائب السلطنة فاشتغل بكتاب ورد عليه من الديار المصرية فصلى عليه الشيخ بعد صلاة الظهر بالجامع المظفري ودفن عند اخيه
في تربة بين تربة الموفق وبين تربة الشيخ ابي عمر رحمهم الله وإيانا وفي أول شهر جمادي الاولى توفيت الشيخة العابدة الصالحة العالمة قارئة القرآن أم فاطمة عائشة بنت إبراهيم بن صديق زوجة شيخنا الحافظ جمال الدين المزي عشية يوم الثلاثاء مستهل هذا الشهر وصلى عليها بالجامع صبيحة يوم الاربعاء ودفنت بمقابر الصوفية غربي قبر الشيخ تقي الدين بن تيمية رحمهم الله كانت عديمة النظير في نساء زمانها لكثرة عبادتها وتلاوتها وإقرائها القرآن العظيم بفصاحة وبلاغة وأداء صحيح يعجز كثير من الرجال عن تجويده وختمت نساء كثيرا وقرأ عليها من النساء خلق وانتفعن بها وبصلاحها ودينها وزهدها في الدنيا وتقللها منها مع طول العمر بلغت ثمانين سنة أنفقتها في طاعة الله صلاة وتلاوة وكان الشيخ محسنا إليها مطيعا لا يكاد يخالفها لحبه لها طبعا وشرعا فرحمها الله وقدس روحها ونور مضجها بالرحمة آمين
وفي يوم الاربعاء الحادي والعشرين منه درس بمدرسة الشيخ أبي عمر بسفح قاسيون الشيخ الامام شمس الدين محمد بن أحمد بن عبدالهادي المقدسي الحنبلي في التدريس البكتمري عوضا عن القاضي برهان الدين الزرعي وحضر عنده المقادسة وكبار الحنابلة ولم يتمكن أهل المدينة من الحضور لكثرة المطر والوحل يومئذ وتكامل عمارة المنارة الشرقية في الجامع الأموي في العشر الاخير من رمضان واستحسن الناس بناءها وإتقانها وذكر بعضهم أنه لم يبن في الاسلام منارة مثلها ولله الحمد ووقع لكثير من الناس في غالب ظنونهم أنها المنارة البيضاء الشرقية التي ذكرت في حديث النواس بن سمعان في نزول عيسى ابن مريم على المنارة البيضاء في شرقي دمشق فلعل لفظ الحديث انقلب على بعض الرواة وإنما كان على المنارة الشرقية بدمشق وهذه المنارة مشهورة بالشرقية بمقابلتها أختها الغربية والله سبحانه وتعالى أعلم
وفي يوم الثلاثاء سلخ شهر شوال عقد مجلس في دار العدل بدار السعادة وحضرته يومئذ واجتمع القضاة والاعيان على العادة وأحضر يومئذ عثمان الدكاكي قبحه الله تعالى وادعى عليه بعظائم من القول لم يؤثر مثلها عن الحلاج ولا عن ابن أبي الغدافر السلقماني وقامت عليه البينة بدعوى الآلهية
لعنه الله وأشياء أخر من التنقيص بالانبياء ومخالطته أرباب الريب نم الباجريقية وغيرهم من الاتحادية عليهم لعائن الله ووقع منه في المجلس من إساءة الأدب على القاضي الحنبلي وتضمن ذلك تكفيره من المالكية أيضا فادعى أن له دوافع وقوادح في بعض الشهود فرد إلى السجن مقيدا مغلولا مقبوحا أمكن الله منه بقوته وتأييده ثم لما كان يوم الثلاثاء الحادي والعشرين من ذي القعدة أحضر عثمان الدكاكي المذكور إلى دار السعادة واقيم إلى بين يدي الامراء والقضاة وسئل عن القوادح في الشهود فعجز فلم يقدر وعجز عن ذلك فتوجه عليه الحكم فسئل القاضي المالكي الحكم عليه فحمد الله وأثنى عليه وصلى على رسوله ثم حكم باراقة دمه وإن تاب فأخذ المذكور فضربت رقبته بدمشق بسوق الخيل ونودي عليه هذا جزءا من يكون على مذهب الاتحادية وكان يوما مشهودا بدار السعادة حضر خلق من الاعيان والمشايخ وحضر شيخنا جمال الدين المزي الحافظ وشيخنا الحافظ شمس الدين الذهبي وتكلما وحرضا في القضية جدا وشهدا بزندقة المذكور بالاستفاضة وكذا الشيخ زين الدين أخو الشيخ تقي الدين بن تيمية وخرجا القضاة الثلاثة المالكي والحنفي والحنبلي وهم نفذوا حكمه في المجلس فحضورا قتل المذكور وكنت مباشرا لجميع ذلك من أوله إلى آخره
وفي يوم الجمعة الثامن والعشرين من ذي القعدة أفرج عن الاميرين العقيلين بالقلعة وهما طنبغا حجا والجي بغا وكذلك افرج عن خزاندارية تنكز الذين تأخروا بالقلعة وفرح الناس بذلك
*3* ذكر وفاة الملك الناصر محمد بن قلاوون
@ في صبيحة يوم الاربعاء السابع والعشرين من ذي الحجة قدم إلى دمشق الامير سيف الدين قطلوبغا الفخري فخرج نائب السلطنة وعامة الأمراء لتلقيه وكان قدومه على خيل البريد فأخبر بوفاة السلطان الملك الناصر كانت وفاته يوم الاربعاء آخره وأنه صلى عليه ليلة الجمعة بعد العشاء ودفن مع ابيه الملك المنصور على ولده ! اتوك وكان قبل موته أخذ العهد لابنه سيف الدين ابي بكر ولقبه بالملك المنصور فلما دفن السلطان يلية الجمعة حضره من الأمراء قليل وكان قد ولى عليه الأمير علم الدين الجاولي ورجل آخر منسوب إلى الصلاح يقال له الشيخ عمر بن محمد بن إبراهيم الجعبري وشخص آخر من الجبارية ودفن كما ذكرنا ولم يحضر ولده ولي عهده دفنه ولم يخرج من القلعة ليلتئذ عن مشورة الأمراء لئلا يتخبط الناس وصلى عليه القاضي عز الدين بن جماعة إماما والجاولي وايدغمش وأمير آخر والقاضي بهاء الدين بن حامد بن قاضي دمشق السبكي وجلس الملك المنصور سيف الدنيا والدين ابو المعالي أبو بكر على سرير المملكة وفي صبيحة يوم الخميس الحادي والعشرين من ذي الحجة سنة إحدى وأربعين وسبعمائة بايعه
الجيش المصري وقدم الفخري لأخذ البيعة من الشاميين ونزل بالقصر الابلق وبايع الناس للملك المنصور بن الناصر بن المنصور ودقت البشائر بالقلعة المنصورة بدمشق صبيحة يوم الخميس الثامن والعشرين منه وفرح الناس بالملك الجديد وترحموا على الملك ودعوا له وتاسفوا عليه رحمه الله
*2* ثم دخلت سنة إثنتين وأربعين وسبعمائة
@ استهلت بيوم الاحد وسلطان الاسلام بالديار المصرية والبلاد الشامية وما والاها الملك المنصور سيف الدين أبو بكر بن الملك السلطان الناصر ناصر الدين محمد بن السلطان الملك المنصور سيف الدين قلاوون الصالحي ونائب الشام الامير علاء الدين طنبغا وقضاة الشام ومصرهم المذكورون في التي قبلها وكذا المباشرون سوى الولاة شهر الله المحرم
*3* ولاية الخليفة الحاكم بأمر الله
@ وفي هذا اليوم بويع بالخلافة أمير المؤمنين أبو القاسم أحمد بن المستكفي بالله أبي الربيع سليمان العباسي ولبس السواد وجلس مع الملك المنصور على سرير المملكة وألبسه خلعة سوداء أيضا فجلسا وعليهما السواد وخطب الخليفة يومئذ خطبة بليغة فصيحة مشتملة على أشياء من المواعظ والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وخلع يومئذ على جماعة من الأمراء والاعيان وكان يوما مشهودا وكان أبو القاسم هذا قد عهد إليه أبوه بالخلافة ولكن لم يمكنه الناصر من ذلك وولى أبا إسحاق إبراهيم ابن أخي أبي الربيع ولقبه الواثق بالله وخطب له بالقاهرة جمعة واحدة فعزله المنصور وقرر أبا القاسم هذا وأمضى العهد ولقبه المستنصر بالله كما ذكرنا
وفي يوم الاحد ثامن المحرم مسك الامير سيف الدين بشتك الناصري آخر النهار وكان قد كتب تقليده بنيابة الشام وخلع عليه بذلك وبرز ثقله ثم دخل على الملك المنصور ليودعه فرحب به واجلسه واحضر طعاما وأكلا ونأسف الملك على فراقه وقال تذهب وتتركني وحدي ثم قام لتوديعه وذهب بشتك من بين يديه ثماني خطوات أو نحوها ثم تقدم إليه ثلاثة نفر فقطع أحدهم سيفه من سوطه بسكين ووضع الاخر يده على فمه وكتفه الاخر وقيدوه وذلك كله بحضرة السلطان ثم غيب ولم يدر أحد إلى أين صار ثم قالوا لمماليكه اذهبوا انتتم فائتوا بمركوب الامير غدا فهو بائت عند السلطان وأصبح السلطان وجلس على سرير المملكة وأمر بمسك جماعة من الأمراء وتسعة من الكبار واحتاطوا على حواصله وأمواله وأملاكه فيقال إنه وجد عنده من الذهب ألف ألف دينار وسبعمائة الف دينار
*3* وفاة شيخنا الحافظ أبي الحجاج المزي
@ تمرض أياما يسيرة مرضا لا يشغله عن شهود الجماعة وحضور الدروس وإسماع الحديث فلما كان يوم الجمعة حادي عشر صفر أسمع الحديث إلى قريب وقت الصلاة ثم دخل منزله ليتوضأ ويذهب للصلاة فاعترضه في باطنه مغص عظيم ظن أنه قولنج وما كان إلا طاعون فلم يقدر على حضور الصلاة فلما فرغنا من الصلاة أخبرت بانه منقطع فذهبت إليه فدخلت عليه فإذا هويرتعد رعدة شديدة من قوة الالم الذي هو فيه فسألته عن حاله فجعل يكرر الحمد الله ثم أخبرني بما حصل له من المرض الشديد وصلى الظهر بنفسه ودخل إلى الطهارة وتوضأ على البركة وهو في قوة الوجع ثم اتصل به هذا الحال إلى الغد من يوم السبت فلما كان وقت الظهر لم أكن حاضره إذ ذاك لكن أخبرتنا بنته زينب زوجتي أنه لما أذن الظهر تغير ذهنه قليلا فقالت يا أبة أذن الظهر فذكر الله وقال اريد أن اصلي فتيمم وصلى ثم اضطجع فجعل يقرأ آية الكرسي حتى جعل لا يفيض بها لسانه ثم قبضت روحه بين الصلاتين رحمه الله يوم السبت ثاني عشر صفر فلم يمكن تجهيزه تلك الليلة فلما كان من الغد يوم الاحد ثالث عشر صفر صبيحة ذلك اليوم غسل وكفن وصلى عليه بالجامع الاموي وحضر القضاة والاعيان وخلائق لا يحصون كثرة وخرج بجنازته من باب النصر وخرج نائب السلطنة الامير علاء الدين طنبغا ومعه ديوان السلطان والصاحب وكاتب السر وغيرهم من الامراء فصلوا علي خارج باب النصر أمهم عليه القاضي تقي الدين السبكي الشافعي وهو الذي صلى عليه بالجامع الاموي ثم ذهب به إلى مقابر الصوفية فدفن هناك إلى جانب زوجته المرأة الصالحة الحافظة لكتاب الله عائشة بن إبراهيم بن صديق غربي قبر الشيخ تقي الدين بن تيمية رحمهم الله أجمعين

*3* كائنة غريبة جدا
@ قدم يوم الاربعاء الثلاثين من صفر أمير من الديار المصرية ومعه البيعة للملك الاشرف علاء الدين كحك بن الملك الناصر وذلك بعد عزل أخيه المنصور لما صدر عنه من الافعال التي ذكر أنه تعاطاها من شرب المسكر وغشيان المنكرات وتعاطى ما لا يليق به ومعاشرة الخاصكية من المردان وغيرهم فتمالأ على خلعه كبار الأمراء لما رأوا الأمر تفاقم إلى الفساد العريض فأحضروا الخليفة الحاكم بأمر الله أبي الربيع سليمان فأثبت بين يديه ما نسب إلى الملك المنصور المذكور من الامور فحينئذ خلعه وخلعه الأمراء الكبار وغيرهم واستبدلوا مكانه اخاه هذا المذكور وسيروه إذ ذاك إلى قوص مضيقا عليه ومع إخوة له ثلاثة وقيل أكثر وأجلسوا الملك الأشرف هذا على السرير وناب له الأمير سيف الدين قوصون الناصري واستمرت الامور على السداد وجاءت إلى الشام فبايعه الأمراء يوم الأربعاء المذكور وضربت البشائر عشية الخميس مستهل ربيع الاو وخطب له بدمشق يوم الجمعة بحضرة نائب السلطنة والقضاة والامراء
وفي يوم الاربعاء سابع عشر ربيع الاول حضر بدار الحديث الاشرفية قاضي القضاة تقي الدين السبكي عوضا عن شيخنا الحافظ جمال الدين المزي ومشيخة دار الحديث النورية عوضا عن ابنه رحمه الله وفي شهر جمادي الاولى اشتهر أن نائب حلب الأمير سيف الدين طشتمر الملقب بالحمص الأخضر قائم في نصرة ابن السلطان الامير أحمد الذي بالكرك وأنه يستخدم لذلك ويجمع الجموع فالله أعلم وفي العشر الثاني منه وصلت الجيوش صحبة الامير سيف الدين قطلوبغا الفخري إلى الكرك في طلب ابن السلطان الامير أحمد وفي هذا الشهر كثر الكلام في امر الأمير أحمد بن الناصر الذي بالكرك بسبب محاصرة الجيش الذي صحبة الفخري له واشتهر أن نائب حلب الأمير سيف الدين طشتمر الملقب بالحمص الأخضر قائم بجنب اولاد السلطان الذين أخرجوا من الديار المصرية إلى الصعيد وفي القيام بالمدافعة عن الأمير أحمد ليصرف عنه الجيش وترك حصاره وعزم بالذهاب إلى الكرك لنصرة أحمد ابن استاذه وتهيأ له نائب الشام بدمشق ونادى في الجيش لملتقاه ومدافعته عما يريد من إقامة الفتنة وشق العصا واهتم الجند لذلك وتأهبوا واستعدوا ولحقهم في ذلك كلفة كثيرة وانزعج الناس بسبب ذلك وتخوفوا ان تكون فتنة وحسبوا إن وقع قتال بينهم أن تقوم العشيرات في الجبال وحوران وتتعطل مصالح الزراعات وغير ذلك ثم قدم من حلب صاحب السلطان في الرسلية إلى نائب دمشق الامير علاء الدين الطنبغا ومع مشافهة فاستمع لها فبعث معه صاحب الميسرة أمان الساقي فذهبا إلى حلب ثم رجعا في أواخر جمادي الآخرة وتوجها إلى الديار المصرية واشتهر أن الأمر على ما هو عليه حتى توافق على ما ذكر من رجوع أولاد الملك الناصر إلى مصر ما عدا المنصور وأن يخلى عن محاصرة الكرك
وفي العشر الأخير من جمادي الاولى توفي مظفر الدين موسى بن مهنا ملك العرب ودف بتدمر وفي صبيحة يوم الثلاثاء ثاني جمادي الاخرة عند طلوع الشمس توفي الخطيب بدر الدين محمد بن القاضي جلال الدين القزويني بدار الخطابة بعد رجوعه من الديار المصرية كما قدمنا فخطب جمعة واحدة وصلى بالناس إلى ليلة الجمعة الأخرى ثم مرض فخطب عنه أخوه تاج الدين عبدالرحيم على العادة ثلاثة جمع وهو مريض إلى أن توفي يومئذ وتأسف الناس عليه لحسن شكله وصباحة وجهه وحسن ملتقاه وتواضعه واجتمع الناس للصلاة عليه للظهر فتأخر تجهيزه إلى العصر فصلى عليه بالجامع قاضي القضاة تقي الدين السبكي وخرج به الناس إلى الصوفية وكانت جنازته حافلة جدا فدفن عند أبيه بالتربة التي أنشأها الخطيب بدر الدين هناك رحمه الله
وفي يوم الجمعة خامس الشهر بعد الصلاة خرج نائب السلطنة الأمير علاء الدين الطنبغا وجميع الجيش قاصدين للبلاد الحلبية للقبض على نائب حلب الأمير سيف الدين طشتمر لأجل ما أظهر من القيام مع ابن السلطان الأمير أحمد الذي في الكرك وخرج الناس في يوم شديد المطر كثير الوحل وكان يوما مشهدا عصيبا أحسن الله العقابة وأمر القاضي تقي الدين السبكي الخطيب المؤذنين بزيادة أذكار على الذي كان سنه فيهم الخطيب بدر الدين من التسبيح والتحميد والتهليل الكثير ثلاثا وثلاثين فزادهم السبكي قبل ذلك استغفر الله العظيم ثلاثا اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت ياذا الجلال والاكرام ثم أثبت ما في صحيح مسلم بعد صلاتي الصبح والمغرب اللهم اجرنا من النار سبعا اعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق ثلاثا وكانوا قبل تلك السنوات قد زادوا بعد التأذين الآية ليلة الجمعة والتسليم على رسول الله صلى الله عليه وسلم يبتدئ الرئيس منفردا ثم يعيد عليه الجماعة بطريقة حسنة وصار ذلك سببا لاجتماع الناس في صحن الجامع لاستماع ذلك وكلما كان المتبدىء حسن الصوت كانت الجماعة أكثر اجتماعا ولكن طال بسبب ذلك الفصل وتأخرت الصلاة عن أول وقتها انتهى
*3* كائنة غريبة جدا
@ وفي ليلة الاحد عشية السبت نزل الامير سيف الدين قطلوبغا الفخري بظاهر دمشق بين الجسورة وميدان الحصى بالاطلاب الذين جاءوا معه من البلاد المصرية لمحاصرة الكرك للقبض على ابن السلطان الأمير احمد بن الناصر فمكثوا على الثنية محاصرين مضيقين عليه إلى ان توجه نائب الشام إلى حلب ومضت هذه الأيام المذكورة فما درى الناس إلا وقد جاء الفخري وجموعه وقد بايعوا الأمير أحمد وسموه الناصر بن النصار وخلعوا بيعة أخيه الملك الأشرف علاء الدين كجك واعتلوا بصغره وذكروا إن أتابكة الامير سيف الدين قوصون الناصري قد عدى على ابني السلطان فقتلهما خنقا ببلاد الصعيد جهز اليهما من تولى ذلك وهما الملك المنصور أبو بكر ورمضان فتنكر الامير بسبب ذلك قالوا هذا يريد ان يجتاح هذا البيت ليتمكن هو من أخذ المملكة فحموا لذلك وبايعوا ابن استاذهم وجاءوا في الذهاب خلف الجيش ليكونوا عونا للأمير سيف الدين طشتمر نائب حلب ومن معه وقد كتبوا إلى الامراء يستميلونهم إلى هذا ولما نزلوا بظاهر دمشق خرج إليهم من بدمشق من الاكابر والقضاة والمباشرين مثل والي البر ووالي المدينة وابن سمندار وغيرهم فلما كان الصباح خرج أهالي دمشق عن بكرة ابيهم على عادتهم في قدوم السلاطين ودخلو الحجاج بل أكثر من ذلك من بعض الوجوه وخرج القضاة والصاحب والاعيان والولاة وغيرهم ودخل الامير سيف الدين قطلوبغا في دست نيابة السلطنة التي فوضها إليه الملك الناصر الجديد وعن يمينه الشافعي وعن شماله الحنفي على العادة والجيش كله محدق به في الحديد والعقارات والبوقات والنشابة السلطانية والسناجق الخليفية والسلطانية تخفق والناس في الدعاء والثناء للفخري وهم في غاية الاستبشار والفرح وربما نال بعض جهلة الناس من النائب الآخر الذي ذهب إلى حلب ودخلت الأطلاب بعده على ترتيبهم وكان يوما مشهودا فنزل شرقي دمشق قريبا من خان لاجين وبعث في هذا اليوم فرسم على القضاة والصاحب وأخذ من أموال الايتام وغيرها خمسمائة ألف وعوضهم عن ذلك بقرية من بيت المال وكتب بذلك سجلات واستخدم جيدا وانضاف إليه من الأمراء الذين كانوا قد تخلفوا بدمشق جماعة منهم تمر الساقي مقدم وابن قراسنقر وابن الكامل وابن المعظم وابن البلدي وغيرهم وبايع هؤلاء كلهم مع مباشري دمشق للملك الناصر بن الناصر وأقام الفخري على خان لاجين وخرج المتعيشون بالصنائع إلى عندهم وضربت البشائر بالقلعة صبيحة يوم الثلاثاء سادس عشر الشهر ونودي بالبلد إن سلطانكم الملك الناصر احمد بن الناصر محمد بن قلاوون ونائبكم سيف الدين قطلوبغا الفخري وفرح كثير من الناس بذلك وانضاف اليه نائب صغد وبايعه نائب بعلبك واستخدموا له رجالا وجندا ورجع إليه الأمير سيف الدين سنجر الجمقدار رأس الميمنة بدمشق وكان قد تأخر في السفر عن تائب دمشق علاء الدين الطنبغا بسبب مرض عرض له فلما قدم الفخري رجع اليه وبايع الناصر ابن الناصر ثم كاتب نائب حماة تغردمر الذي ناب بمصر للملك المنصور فأجابه إلى ذلك وقدم على العسكر يوم السبت السابع والعشرين من الشهر المذكور في تجمل عظيم وخزائن كثيرة وثقل هائل
وفي صبحية يوم الاحد الثامن والعشرين من الشهر المذكور كسفت الشمس قبل الظهر وفي صبيحة يوم الاثنين التاسع والعشرين من جمادي الآخرة قدم نائب غزة الأمير آق سنقر في جيش غزة وهو قريب من ألفين فدخلوا دمشق وقت الفجر وغدوا إلى معسكر الفخري فانضافوا إليهم ففرحوا بهم كثيرا وصار في قريب من خمسة آلاف مقاتل أو يزيدون
استهل شهر رجب الفرد والجماعة من أكابر التجار مطلوبون بسبب أموال طلبها منهم الفخري يقوى بها جيشه الذي معه ومبلغ ذلك الذي أراده منهم ألف ألف درهم ومعه مرسوم الناصر بن الناصر ببيع املاك الامير سيف الدين قوصون إتابك الملك الاشرف علاء الدين كجك ابن الناصر التي بالشام بسبب إبائه عن مبايعة أحمد بن الناصر فأشار على الفخري من أشار بأن يباع للتجار من أملاك الخاص ويجعل مال قوصون من الخاص فرسم بذلك وأن يباع للتجار قرية دوية قومت بألف ألف وخمسمائة ألف ثم لطف الله وأفرج عنهم بعد ليلتين او ثلاث وتعوضوا عن ذلك بحواصل قوصون واستمر الفخري بمن معه ومن اضيف إليه من الأمراء والاجناد مقيمين بثنية العقاب واستخدم من رجال البقاع جماعة كثيرة أكثر من ألف رام واميرهم يحفظ افواه الطرق وأزف قدوم الامير علاء الدين طنبغا بمن معه من عساكر دمشق وجمهور الحلبيين وطائفة الطرابلسيين وتأهب هؤلاء لهم فلما كان الحادي من الشهر اشتهر ان الطتبغا وصل إلى القسطل وبعث طلائعه فالتقت بطلائع الفخري ولم يكن بينهم قتال ولله الحمد والمنة وأرسل الفخري إلى
القضاة ونوابهم وجماعة من الفقهاء فخرجوا ورجع الشافعي من اثناء الطريق فلما وصلوا أمرهم بالسعي بينه وبين الطنبغا في الصلح وأن يوافق الفخري في أمره وأن يبايع الناصر بن الناصر فأبى فردهم إليه غير مرة وكل ذلك يمتنع عليهم فلما كان يوم الاثنين رابع عشرة عند العصر جاء يريد إلى متولي البلد عند العصر من جهة الفخري يأمره بغلق أبواب البلد فغلقت الأبواب وذلك لان العساكر توجهوا وتواقفوا للقتال فإنا لله وإنا أليه راجعون
وذلك أن الطنبغا لما علم أن جماعة قطلوبغا على ثنية العقاب دار الذروة من ناحية المعيصرة وجاء بالجيوش من هناك فاستدار له الامير سيف الدين قطلوبغا الفخري بجماعته إلى ناحيته ووقف له في طريقه وحال بينه وبين الوصول إلى البلد وانزعج الناس انزعاجا عظيما وغلقت القياسر والاسواق وخاف الناس بعضهم من بعض أن يكون نهب فركب متوولي البلد الامير ناصر الدين بن بكباشي ومعه أولاده ونوابه والرجالة فسار في البلد وسكن الناس ودعوا له فلما كان قريب المغرب فتح لهم باب الجابية ليدخل من هو من أهل البلد فجرت في الباب على ما قيل زحمة عظيمة وتسخط الجند على الناس في هذه الليلة واتفق انها ليلة الميلاد وبات المسلمون مهمومون بسبب العسكر واختلافهم فأصبحت أبواب البلد مغلقة في يوم الثلاثاء سوى باب الجابية والأمر على ما هو عليه فلما كان عشية هذا اليوم تقارب الجيشان واجتمع الطنبغا وأمراؤه واتفق أمراء دمشق وجمهورهم الذين هم معه على أن لا يقاتلو مسلما ولا يسلوا في وجه الفخري وأصحابه سيفا وكان قضاة الشام قد ذهبوا اليه مرارا للصلح فيأبي عليهم إلا الاستمرار على ما هو عليه وقويت نفسه عليه انتهى والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب
*3* عجيبة من عجائب الدهر
@ فبات الناس متقابلين في هذه الليلة وليس بين الجيشين إلا مقدار ميلين او ثلاثة وكانت ليلة مطيرة فما أصبح الصبح إلا وقد ذهب من جماعة الطنبغا إلى الفخري خلق كثير من أجناد الحلفاء ومن الأمراء والاعيان وطلعت الشمس وارتفعت قليلا فنفذ الطنبغا القضاة وبعض الأمراء إلى الفخري يتهدده ويتوعده ويقوى نفسه عليه فما ساروا عنه قليلا إلا ساقت العساكر من الميمنة والميسرة ومن القلب ومن كل جانب مقفرين إلى الفخري وذلك لما هم فيه من ضيق العيش وقلة ما بأيديهم من الاطعمة وعلف الدواب وكثرة ما معهم من الكلف فرأوا أن هذا حال يطول عليهم ومقتوا أمرهم غاية المقت وتطايبت قلوبهم وقلوب اولئك مع أهل البلد على كراهته لقوة نفسه فيما لا يجدي عليه ولا عليهم شيئا فبايعوا على المخامرة عليه فلم يبق معه سوى حاشيته في أقل من ساعة واحدة فلما رأى الحال على هذه الصفة كر راجعا هاربا من حيث جاء وصحبته الأمير سيف الدين رقطبة نائب طرابلس وأميران آخران والتقت العساكر والأمراء وجاءت البشارة إلى دمشق قبل الظهر ففرح الناس فرحا شديدا جدا الرجال والنساء والولدان حتى من لا نوبة له ودقت البشائر بالقلعة المنصورة فأرسلوا في طلب من هرب وجلس الفخري هنالك بقية اليوم يحلف الأمراء على أمره الذي جاء له فحلفوا له ودخل دمشق عشية يوم الخميس في أبهة عظيمة وحرمة وافرة فنزل القصر الأبلق ونزل الامير تغردمر بالميدان الكبير ونزل عماري بدار السعادة وأخرجوا الموساوي الذي كان معتقلا بالقلعة وجعلوه مشدا على حوطات حواصل الطنبغا وكان قد تغضب الفخري على جماعةمن الامراء منهم الامير حسام الدين السمقدار أمير حاجب بسبب أنه صاحب لعلاء الدين الطنبغا فلما وقع ما وقع هرب فيمن هرب ولكن لم يأت الفخري بل دخل البلد فتوسط في الامر لم يذهب مع ذاك ولا جاء مع هذا ثم إنه استدرك ما فاته فرجع من البار إلى الفخري وقيل بل رسم عليه حين جاء وهو مهموم جدا ثم إنه اعطى منديل الامان وكان معهم كاتب السر القاضي شهاب الدين بن فضل الله ثم أفرج عنهم ومنهم الامير سيف الدين حفطية كان شديد الحنق عليه فأطلقه من يومه وأعاده إلى الحجوبية وأظهر مكارم أخلاق عظيمة ورياسة كبيرة وكان للقاضي علاء الدين بن المنجا قاضي قضاة الحنابلة في هذه الكائنة سعى مشكور ومراجعة كبيرة للأمير علاء الدين الطنبغا حتى خيف عليه منه وخاطر بنفسه معه فأنجح الله مقصده وسلمه منه وكبت عدوه ولله الحمد والمنة
وفي يوم السبت السادس والعشرين منه قلد قضاء العساكر المنصورة الشيخ فخر الدين بن الصائغ عوضا عن القاضي الحنفي الذي كان مع النائب المنفصل وذلك أنهم نقموا عليه إفتاءه الطنبغا بقتال الفخري وفرح بولايته أصحاب الشيخ تقي الدين بن تيمية رحمه الله وذلك لأنه من أخص من صحبه قديما وأخذ عنه فوائد كثيرة وعلوما
وفي يوم الأربعاء سلخ رجب آخر النهار قدم الامير قماري من عند الملك الناصر بن الناصر من الكرك وأخبره بما جرى من أمرهم وأمر الطنبغا ففرح بذلك واخبر قماري بقدوم السلطان ففرح الناس بذلك واستعدوا له بآلات المملكة وكثرت مطالبته أرباب الاموال والذمة بالجزية وفي مستهل رجب من هذه السنة ركب الفخري في دست النيابة بالموكب المنصور وهو أول ركوبه فيه وإلى جانبه قماري وعلى قماري خلعة هائلة وكثر دعاء الناس للفخري يومئذ وكان يوما مشهودا وفي هذا اليوم خرج جماعة من المقدمين الالوف إلى الكرك بأخبار ابن السلطان بما جرى منهم تغردمر وإقبغا عبدا لواحد وهو الساقي وميكلي بغا وغيرهم وفي يوم السبت ثالثة ستدعى الفخري القاضي الشافعي وألح عليه في أحضار الكتب في سلة الحكم التي كانت أخذت من عند الشيخ تقي الدين ابن تيمية رحمه الله من القلعة المنصورة في أيام جلال الدين القزويني فأحضرها القاضي بعد جهد ومدافعة وخاف على نفسه منه فقبضها منه الفخري بالقصر وأذن له في الانصراف من عنده وهو متغضب عليه وربما هم بعزله لممانعته إياها وربما قال قائل هذه فيها كلام يتعلق بمسألة الزيارة فقال الفخري كان الشيخ أعلم بالله وبرسوله منكم واستبشر الفخري باحضارها إليه واستدعى بأخي الشيخ زين الدين عبد الرحمن وبالشيخ شمس الدين عبدالرحمن بن قيم الجوزية وكان له سعي مشكور فيها فهنأهما باحضاره الكتب وبيت الكتب تلك الليلة في خزانته للتبرك وصلى به الشيخ زين الدين اخو الشيخ صلاة المغرب بالقصر وأكرمه الفخري إكراما زائدا لمحبته الشيخ رحمه الله

وفي يوم الاحد رابعة دقت البشائر بالقلعة وفي باب الميدان لقدوم بشير بالقبض على قوصون بالديار المصرية واجتمع الناس لذلك واستبشر كثير منهم بذلك وأقبل جماعة من الامراء إلى الكرك لطاعة الناصر بن الناصر واجتمعوا مع الامراء الشاميين عند الكرك وطلبوا منه أن ينزل إليهم فابى وتوهم أن هذه الامور كلها مكيدة ليقبضوه ويسلموه إلى قوصون وطلب منهم أن ينظر في أمره وردهم إلى دمشق وفي هذه الايام وما قبلها وما بعدها أخذ الفخري من جماعة التجار بالاسواق وغيرها زكاة أموالهم سنة فتحصل من ذلك زيادة على مائة ألف وسبعة آلاف وصودر أهل الذمة بقريب من ذلك زيادة على الجزية التي اخذت منهم عن ثلاث سنين سلفا وتعجيلا ثم نودي في البلد يوم الاثنين الحادي والعشرين من الشهر مناداة صادرة من الفخري برفع الظلامات والطلبات واسقاط ما تبقى من الزكاة والمصادرة غير انهم احتاطوا على جماعة من المشاة المكثرين ليشتروا منهم بعض أملاك الخاص والبرهان بن بشارة الحنفي تحت المصادرة والعقوبة على طلب المال الذي وجده في طميرة وجدها فيما ذكر عنه والله أعلم
وفي يوم الجمعة الرابع والعشرين منه بعد الصلاة دخل الامراء الستة الذين توجهوا نحو الكرك لطلب السلطان أن يقدم إلى دمشق فأبى عليهم في هذا الشهر ووعدهم وقتا آخر فرجعوا وخرج الفخري لتلقيهم فاجتمعوا قبلي جامع القبيبات الكريمي ودخلوا كلهم إلى دمشق في جمع كثير من الاتراك الامراء والجند وعليهم خمدة لعدم قدوم السلطان أيده الله وفي يوم الاحد قدم البريد خلف قماري وغيره من الامراء يطلبهم إلى الكرك واشتهر أن السلطان رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام وهو يأمره بالنزول من الكرك وقبول المملكة فانشرح الناس لذلك
وتوفي الشيخ عمر بن أبي بكر بن اليثمي البسطي يوم الاربعاء التاسع والعشرين كان رجلا صالحا كثير التلاوة والصلاة والصدقة وحضور مجالس الذكر والحديث له همة وصولة على الفقراء المتشبهين بالصالحين وليسوا منهم سمع الحديث من الشيخ فخر الدين بن البخاري وغيره وقرأت عليه عن ابن البخاري مختصر المشيخة ولازم مجالس الشيخ تقي الدين بن تيمية رحمه الله وانتفع به ودفن بمقابر باب الصغير
وفي شهر رمضان المعظم أوله يوم الجمعة كان قد نودي في الجيش آن الرحيل لملتقى السلطان في سابع الشهر ثم تأخر ذلك إلى بعد العشر ثم جاء كتاب من السلطان بتأخر ذلك إلى بعد العيد وقدم في عاشر الشهر علاء الدين بن تقي الدين الحنفي ومع ولاية من السلطان الناصر بنظر البيمارستان النوري ومشيخة الربوة ومرتب على الجهات السلطانية وكان قد قدم قبله القاضي شهاب الدين بن البارزي بقضاء حمص من السلطان أيده الله تعالى ففرح الناس بذلك حيث تكلم السلطان في المملكة وباشر وأمر وولي ووقع ولله الحمد وفي يوم الاربعاء ثالث عشره دخل الامير سيف الدين طشتمر الملقب بالحمص الاخضر من البلاد الحلبية إلى دمشق المحروسة وتلقاه الفخري والأمراء والجيش بكماله ودخل في أبهة حسنة ودعا له الناس وفرحوا بقدومه بعد شتاته في البلاد وهربه من بين يدي الطنبغا حين قصده إلى حلب كما تقدم ذكره
وفي يوم الخميس رابع عشرة خرجت الجيوش من دمشق قاصدين إلى غزة لنظرة السلطان حين يخرج من الكرك السعيد فخرج يومئذ مقدمان تغردمر واقبغا عبد الواحد فبرزا إلى الكسوة فلما كان يوم السبت خرج الفخري ومعه طشتمر وجمهور الامراء ولم يقم بعده بدمشق إلا من احتيج لمقامهم لمهمات المملكة وخرج مع القضاة الاربعة وقاضي العساكر والموقعين والمصاحب وكاتب الجيش وخلق كثير
وتوفي الشيخ الصالح العابد الناسك احمد بن الملقب بالقصيدة ليلة الاحد الرابع والعشرين من رمضان وصلى عليه بجامع شكر ودفن بالصوفية قريبا من قبر الشيخ جمال الدين المزي تغمدهما الله برحمته وكان فيه صلاح كثير ومواظبة على الصلاة في جماعة وأمر بمعروف ونهى عن منكر مشكورا عند الناس بالخير وكان يكثر من خدمة المرضى بالمارستان وغيره وفيه إيثار وقناعة وتزهد كثير وله أحوال مشهورة رحمه الله وإيانا
واشتهر في أواخر الشهر المذكور أن السلطان الملك الناصر شهاب الدين أحمد خرج من الكرك المحروس صحبة جماعة من العرب والاتراك قاصدا إلى الديار المصرية ثم تحرر خروجه منها في يوم الاثنين ثامن عشر الشهر المذكور فدخل الديار المصرية بعد ايام هذا والجيش صامدون اليه فلما تحقق دخوله مصر حثوا في السير إلى الديار المصرية وبعث يستحثهم أيضا واشتهر أنه لم يجلس على سرير الملك حتى يقدم الامراء الشاميون صحبة نائبه الامير سيف الدين قطلوبغا الفخري ولهذا لم تدق البشائر بالقلاع الشامية ولا غيرها فيما بلغنا وجاءت الكتب والاخبار من الديار المصرية بان يوم الاثنين عاشر شوال كان إجلاس السلطان الملك الناصر شهاب الدين أحمد على سرير المملكة صعد هو والخليفة الحاكم بأمر الله أبو العباس أحمد بن المستكفي فوق المنبر وهما لابسان السواد والقضاة تحتهما على درج المنبر بحسب منازلهم فخطب الخليفة وخلع الاشرف كجك وولى هذا الناصر وكان يوما مشهودا وأظهر ولايته لطشتمر نيابة مصر والفخري دمشق وأيد غمش حلب فالله أعلم ودقت البشائر بدمشق ليلة الجمعة الحادي والعشرين من الشهر المذكور واستمرت إلى يوم الاثنين مستهل ذي القعدة وزينت البلد يوم الاحد ثالث عشرين منه واحتفل الناس بالزينة
وفي يوم الخميس المذكور دخل الامير سيف الدين الملك أحد الرؤس المشهورة بمصر إلى دمشق في طلب نيابة حماة حرسها الله تعالى فلما كان يوم الجمعة بعد الصلاة ورد البريد من الديار المصرية فأخبر أن طشتمر الحمص الاخضر مسك فتعجب الناس من هذه الكائنة كثيرا فخرج من بدمشق من أعيان الامراء أمير الحج وغيره وخيم بوطأة برزة وخرج إلى الحج امير فأخبره بذلك وامروه عن مرسوم السلطان أن ينوب بدمشق حتى يأتي المرسوم بما يعتمد أمير الحج فأجاب إلى ذلك وركب في الموكب يوم السبت السادس منه وأما الفخري فإنه لما تنسم هذا الخبر وتحققه وهو بالزعقة فرفى طائفة من مماليكه قريب من ستين أو أكثر فاحترق وساق سوقا حثيثا وجاءه الطلب من روائه من الديار المصرية في نحو من ألف فارس صحبة الاميرين الطنبغا المارداني ويبلغا التحتاوي ! ففاتهما وسبق واعترض له نائب غزة في جنده فلم يقدر عليه فسلطوا عليه العشيرات ينهبوه فلم يقدروا عليه إلا في شيء يسير وقتل منهم خلقا وقصد نحو صاحبه فيما يزعم الامير سيف الدين ايدغمش نائب حلب راجيا منه أن ينصره وأن يوافقه على ما قام بنفسه فلما وصل أكرمه وانزله وبات عنده فلما أصبح قبض عليه وقيده ورده على البريد إلى الديار المصرية ومعه التراسيم من الأمراء وغيرهم
ولما كان يوم الاثنين سلخ ذي القعدة خرج السلطان الملك الناصر شهاب الدين أحمد بن الناصر محمد بن المنصور من الديار المصرية في طائفة من الجيش قاصدا إلى الكرك المحروس ومعه أموال جزيلة وحواصل واشياء كثيرة فدخلها يوم الثلاثاء من ذي الحجة وصحبته طشتمر في محفة ممرضا والفخري مقيدا فاعتقلا بالكرك المحروس وطلب السلطان آلات من أخشاب ونحوها وحدادين وصناع ونحوها لاصلاح مهمات بالكرك وطلب أشياء كثيرة من دمشق فحملت اليه ولما كان يوم الاحد السابع والعشرين من ذي الحجة ورد الخبر بأن الامير ركن الدين بيبرس الاحمدي النائب بصغد ركب في مماليكه وخدمه ومن أطاعه وخرج منها فارا بنفسه من القبض عليه وذكر ان نائب غزة قصده ليقبض عليه بمرسوم السلطان ورد عليه من الكرك فهرب الاحمدي بسبب ذلك ولما وصل الخبر الى دمشق وليس بها نائب انزعج الامراء لذلك واجمتعوا بدار السعادة وضربوا في ذلك مشورة ثم جردوا إلى ناحية بعلبك اميرا ليصدوه عن الذهاب إلى البرية فلما أصبح الصباح من يوم الاثنين جاء الخبر بأنه في نواحي الكسوة ولامانع من خلاصة فركبوا كلهم ونادى المنادي من تأخر من الجند عن هذا النفير ! شنق واستوثقوا في الخروج وقصدوا ناحية الكسوة وبعثوا الرسل اليه فذكر اعتذارا في خروجه وتخلص منهم وذهب يوم ذلك ورجعوا وقد كانوا ملبسين في يم حار وليس معهم من الازواد مايكفيهم سوى يومهم ذلك فلما كانت ليلة الثلاثاء ركب الامراء في طلبه من ناحية ثنية العقاب فرجعوا في اليوم الثاني وهو في صحبتهم ونزل في القصور التي بناها تنكز رحمه الله في طريق داريا فأقام بها واجروا عليه مرتبا كاملا من الشعير والغنم وما يحتاج إليه مثله ومعه مماليكه وخدمه فلما كان يوم الثلاثاء سادس المحرم ورد كتاب من جهة السلطان فقرئ على الأمراء بدار السعادة يتضمن إكرامه واحترامه والصفح عنه لتقدم خدمة على السلطان الملك الناصر وابنه الملك المنصور ولما كان يوم الأربعاء سابع المحرم جاء كتاب إلى الأمير ركن الدين بيبرس نائب الغيبة ابن الحاجب المش بالقبض على الاحمدي فركب الجيش ملبسين يوم الخميس وأوكبوا بسوق الخيل وراسلوه وقد ركب في مماليكه بالعدد وأظهر الامتناع فكان جوابه أن لا أسمع ولا أطيع إلا لمن هو ملك الديار المصرية فاما من هو مقيم بالكرك ويصدر عنه ما يقال عنه من الافاعيل التي قد سارت بها الركبان فلا فلما بلغ الامراء هذا توقفوا في أمره وسكنوا ورجعوا إلى منازلهم ورجع هو إلى قصره
*2* ثم دخلت سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة
@ استهلت هذه السنة المباركة وسلطان المسلمين الملك الناصر ناصر الدين محمد بن الملك المنصور قلاوون وهو مقيم بالكرك قد حاز الحوصال السلطانية من قلعة الجبل إلى قلعة الكرك ونائبه الديار المصرية الامير سيف الدين آقسنقر السلارى الذي كان نائبا بغزة وقضاة الديار المصرية هم المذكورون في السنة الماضية سوى القاضي الحنفي وأما دمشق فليس لها نائب إلى حنيئذ غير ان الامير ركن الدين بيبرس الحاجب كان استنابه الفخري بدمشق نائب غيبته فهو الذي يسد الامور مع الحاجب ألمش وتمر المهمندار والامير سيف الدين الملقب بحلاوة والي البر والامير ناصر الدين ابن ركباس متولي البلد هؤلاء الذين يسدون الأشغال والامور السلطانية والقضاة هم الذين ذكرناها في السنة الخالية وخطيب البلد تاج الدين عبدالرحيم بن القاضي جلال الدين القزويني وكاتب السر القاضي شهاب الدين بن فضل الله واستهلت هذه السنة والأمير ركن الدين بيبرس الاحمدي نازل بقصر تنكز بطريق داريا وكتب السلطان واردة في كل وقت بالاحتياط عليه والقبض وأن يمسك ويرسل إلى الكرك هذا والأمراء يتوانون في أمره ويسوفون المراسيم وقتا بعد وقت وحينا بعد حين ويحملهم على ذلك أن الاحمدي لا ذنب له ومتى مسكه تطرف إلى غيره مع أن السلطان يبلغهم عنه احوال لا ترضيهم من اللعب والاجتماع مع الاراذل والاطراف ببلد الكرك مع قتله الفخري وطشتمر قتلا فظيعا وسلبه أهلهما وسلبه لما على الحريم من الثياب والحلى وإخراجهم في أسوإ حال من الكرك وتقريبه النصارى وحضورهم عنده فحمل الامراء هذه الصفات على أن بعثوا احدهم يكشف أمره فلم يصل اليه ورجع هاربا خائفا فلما رجع وأخبر الأمراء انزعجوا وتشوشوا كثيرا واجتمعوا بسوق الخيل مرارا وضربوا مشورة بينهم فاتفقوا على أن يخلعوه فكتبوا إلى المصريين بذلك واعلموا نائب حلب ايدغمش ونواب البلاد وبقوا متوهمين من هذا الحال كثيرا ومترددين ومنهم من يصانع في الظاهر وليس معهم في الباطن وقالوا لا سمع له ولا طاعة حتى يرجع إلى الديار المصرية ويجلس على سرير المملكة وجاء كتابه اليهم يعيبهم ويعنقهم في ذلك فلم يفد وركب الاحمدي في الموكب وركبوا عن يمينه وشماله وراحوا اليه إلى القصر فسلموا عليه وخدموه وتفاقم الامر وعظم الخطب وحملوا هموما عظيمة خوفا من أن يذهب الى الديار المصرية فيلف عليه المصريون فيتلف الشاميين فحمل الناس همهم فالله هو المسئول أن يحسن العاقبة فلما كان يوم الاحد السادس والعشرين من المحرم ورد مقدم البريدية ومعه كتب المصريين بأنه لم بلغهم خبر الشاميين كان عندهم من أمر السلطان اضعاف ما حصل عند الشاميين فبادروا إلى ما كانوا عزموا عليه ولكن ترددوا خوفا من الشاميين أن يخالفوهم فيه ويتقدموا في صحبة السلطان لقتالهم فلما أطمأنوا من جهة الشاميين صمموا على عزمهم فخلعوا الناصر أحمد وملكوا عليهم أخاه الملك الصالح إسماعيل ابن الناصر محمد بن المنصور جعله الله مباركا على المسلمين وأجلسوه على السرير يوم الثلاثاء العشرين من المحرم المذكور وجاء كتابه مسلما على أمراء الشام ومقدميه وجاءت كتب الامراء على الامراء بالسلام والاخبار بذلك ففرح المسلمون وأمراء الشام والخاصة والعامة بذلك فرحا شديدا ودقت البشائر بالقلعة المنصورة يومئذ ورسم بتزيين البلد فزين الناس صبيحة الثلاثاء السابع والعشرين منه ولما كان يوم الجمعة سلخ المحرم خطب بدمشق للملك الصالح عماد الدنيا والدين إسماعيل بن الناصر بن المنصور
وفي يوم الخميس سادس صفر درس بالصدرية صاحبنا الامام العلامة شمس الدين محمد بن أبي بكر بن أيوب الذرعي إمام الجوزية وحضر عنده الشيخ عز الدين بن المنجا الذي نزل له عنها وجماعة من الفضلاء وفي يوم الاثنين سادس عشر صفر دخل الامير سيف الدين تغردمر من الديار المصرية إلى دمشق ذاهبا إلى نيابة حلب المحروسة فنزل بالقابون
وفي يوم الثلاثاء ثامن عشر صفر توفي الشيخ الامام العالم العامل الزاهد عبد الله بن أبي الوليد المقري المالكي إمام المالكية هو وأخوه أبو عمرو بالجامع الاموي بمحراب الصحابة توفي ببستان بقية السحف وصلى عليه بالمصلى ودفن عند ابيه رحمهما الله بمقابر باب الصغير وحضر جنازته الأعيان والفقهاء والقضاة وكان رجلا صالحا مجمعا على ديانته وجلالته رحمه الله
وفي يوم الخميس العشرين من صفر دخل الامير ايدغمش نائب السلطنة بدمشق ودخل اليها من ناحية القابون قادما من حلب وتلقاه الجيش بكماله وعليه خلعة النيابة واحتفل الناس له وأشعلوا الشموع وخرج أهل الذمة من اليهود والنصارى يدعون له ومعهم الشموع وكان يوما مشهودا وصلى يوم الجمعة بالمقصورة من الجامع الأموي ومعه الأمراء والقضاة وقرئ تقليده هناك على السدة وعليه خلعته ومعه الأمير سيف الدين ملكتم الرحولي وعليه خلعة ايضا
وفي يوم الثلاثاء الخامس والعشرين من صفر دخل الامير علم الدين الجاولي دمشق المحروسة ذاهبا الى نيابة حماة المحروسة وتلقاه نائب السلطنة والأمراء إلى مسجد القدم وراح فنزل بالقابون وخرج القضاة والأعيان إليه وسمع عليه من مسند الشافعي فإنه يرويه وله فيه عمل ورتبه ترتيبا حسنا ورأيته وشرحه أيضا وله أوقاف عل الشافعية وغيرهم
وفي يوم الجمعة الثامن والعشرين منه عقد مجلس بعد الصلاة بالشباك الكمالي من مشهد عثمان بسبب القاضي فخر الدين المصري وصدر الدين عبدالكريم ابن القاضي جلال الدين القزويني بسبب العادلية الصغيرة فاتفق الحال على أن نزل صدر الدين عن تدريسها ونزل فخر الدين عن مائة وخمسين على الجامع وفي يوم الاحد سلخ الشهر المذكور حضر القاضي فخر الدين المصري ودرس بالعادلية الصغيرة وحضر الناس عنده على العادة وأخذ في قوله تعالى هذه بضاعتنا ردت الينا وفي آخر شهر ربيع الاول جاء المرسوم من الديار المصرية بأن يخرج تجريدة من دمشق بصحبة الامير حسام الدين السمقدار لحصار الكرك الذي تحصن فيه ابن السلطان احمد واستحوذ على ما عنده من الاموال التي أخذها من الخزائن من ديار مصر وبرز المنجنيق من القلعة إلى قبل جامع القبيبات فنصب هناك وخرج الناس للتفرج عليه ورمى به ومن نيتهم أن يستصحبوه معهم للحصار
وفي يوم الاربعاء ثاني ربيع الآخر قدم الامير علاء الدين الطنبغا المارداني من الديار المصرية على قاعدته وعادته وفي يوم االخميس عاشره دخل إلى دمشق الاميران الكبيران ركن الدين بيبرس الاحمدي من طرابلس وعلم الدين الجاولي من حماة سحرا وحضرا الموكب ووقفا مكتفين لنائب السلطنة الاحمدي عن يمينه والجاولي عن يساره ونزلا ظاهر البلد ثم بعد ايام يسيرة توجه
الاحمدي إلى الديار المصرية على عادته وقاعدته رأس مشورة وتوجه الجاولي إلى غزة المحروسة نائبا عليها وكان الامير بدر الدين مسعود بن الخطير على إمرة الطبلخانات بدمشق وفي يوم الخميس رابع عشرة خرجت التجريدة من دمشق سحرا إلى مدينة الكرك والامير شهاب الدين بن صبح والي الولاة بحوران مشد المجانيق وخرج الامير سيف الدين بهادر الشمس الملقب بحلاوة والي البر بدمشق الى ولاية الولاة بحوران وفي يوم الجمعة ثامن عشرة وقع بين النائب والقاضي الشافعي بسبب كتاب ورد من الديار المصرية فيه الوصاة بالقاضي السبكي المذكور ومعه التوقيع بالخطابة له مضافا إلى القضاء وخلعة من الديار المصرية فتغيظ عليه النائب لأجل اولاد الجلال لأنهم عندهم عائلة كثيرة وهم فقراء وقد نهاه عن السعي في ذلك فتقدم إليه يومئذ أن لا يصلي عنده في الشباك الكمالي فنهض من هناك وصلى في الغزالية وفي يوم الاحد العشرين منه دخل دمشق الامير سيف الدين اريغا زوج ابنة السلطان الملك الناصر مجتازا ذاهبا إلى طرابلس نائبا بها في تجمل وأبهة ونجائب وجنائب وعدة وسرك كامل وفي يوم الخميس الرابع والعشرين منه دخل الامير بدر الدين ابن الخطيري معزولا عن نيابة غزة المحروسة فأصبح يوم الخيمس فركب في الموكب وسير مع نائب السلطنة ونزل في داره وراح الناس للسلام عليه وفي يوم الثلاثاء ثالث عشر صفر زينت البلد لعافية السلطان الملك الصالح لمرض أصابه ثم شفى منه وفي يوم الجمعة السادس عشرينه قبل العصر ورد البريد من الديار المصرية بطلب قاضي القضاة تقي الدين السبكي اليها حاكمها بها فذهب الناس للسلام عليه ولتوديعه وذلك بعد ما أرجف الناس به كثيرا واشتهر انه سينعقد له مجلس للدعوى عليه بما دفعه من مال الايتام إلى الطنبغا وإلي الفخري وكتبت فتوى عليه بذلك في تغريمه وداروا بها على المفتيين فلم يكتب لهم احد فيها غير القاضي جلال الدين بن حسام الدين الحنفي رأيت خطه عليها وحده بعدالصلاة وسئلت في الافتاء عليها فامتنعت لما فيها من التشويش على الحاكم وفي أول مرسوم نائب السلطان أن يتأمل المفتون هذا السؤال ويفتوا بما يقتضيه حكم الشرع الشريف وكانوا له في نية عجيبة ففرج الله عنه بطلبه إلى الديار المصرية فسار إليها صحبة البريد ليلة الأحد وخرج الكبراء والاعيان لتوديعه وفي خدمته استهل جمادي الاخرة والتجريدة عمالة الى الكرك والجيش المجردون من الحلقة قريب من ألف ويزيدون ولما كان يوم الثلاثاء رابعه بعد الظهر مات الأمير علاء الدين ايدغمش نائب السلطنة بالشام المحروس في دار وحده في دار السعادة فدخلوا عليه وكشفوا أمره وأحصروا وخشوا أن يكون اعتراه سكتة ويقال إنه شفى فالله أعلم فانتظروا به إلى الغد احتياطا فلما أصبح الناس اجتمعوا للصلاة عليه فصلى عليه خارج باب النصر حيث يصلى على الجنائر وذهبوا به إلى نحو القبلة ورام بعض اهله أن يدفن في تربة غبريال إلى جانب جامع القبيبات فلم يمكن ذلك فدفن قبلي الجامع على حافة الطريق ولم يتهيأ دفنه إلا إلى بعدالظهر من يومئذ وعملوا عنده ختمة ليلة الجمعة رحمه الله وسامحه
واشتهر في اوائل هذا الشهر أن الحصار عمال على الكرك وأن أهل الكرك خرجت طائفة منهم فقتل منهم خلق كثير وقتل من الجيش واحد في ! الصار فنزل القاضي وجماعة ومعهم شيء من الجوهر وتراضوا على أن يسلموا البلد فلما أصبح أهل الحصن تحصنوا ونصبوا المجانيق واستعدوا فلما كان بعد أيام رموا منجنيق الجيش فكسروا السهم الذي له وعجزوا عن نقله فحرقوه برأي أمراء المقدمين وجرت امور فظيعة فالله يحسن العاقبة
ثم وقعت في أواخر هذا الشهر بين الجيش وأهل الكرك وقعة أخرى وذلك أن جماعة من رجال الكرك خرجوا إلى الجيش ورموهم بالنشاب فخرج الجيش لهم من الخيام ورجعوا مشاة ملبسين بالسلاح فقتلوا من أهل الكرك جماعة من النصارى وغيرهم وجرح من العسكر خلق وقتل واحد أو اثنان وأسر الأمير سيف الدين أبو بكر بن بهادر آص وقتل امير العرب وأسر آخرون فاعتقلوا بالكرك وجرت أمور منكرة ثم بعدها تعرض العسكر راجعين إلى بلادهم لم ينالوا مرادهم منها وذلك انهم رقهم البرد الشديد وقلة الزاد وحاصروا أولئك شديدا بلا فائدة فإن البلد بريد متطاولة ومجانيق ويشق على الجيش الاقامة هناك في كوانين والمنجنيق الذي حملوه معهم كسر فرجعوا ليتأهبوا لذلك
ولما كان في يوم الأربعاء الخامس والعشرين منه قدم من الديار المصرية على البريد القاضي بدر الدين بن فضل الله كاتبا على السر عوضا عن أخيه القاضي شهاب الدين ومعه كتب بالاحتياط على حواصل أخيه شهاب الدين وعلى حواصل القاضي عماد الدين ابن الشيرازي المحتسب فاحتيط على أموالهما وأخرج من في ديارهما من الحرم وضربت الأخشاب على الابواب ورسم على المحتسب بالعذراوية فسأل أن يحول إلى دار الحديث الاشرفية فحلو إليها وأما القاضي شهاب الدين فكان قد خرج ليلتقي الامير سيف الدين تغردمر الحموي الذي جاء تقليده بنيابة الشام بدمشق وكان بحلب وجاء هذا الامر وهو في أثناء الطريق فرسم برجعته ليصادر هو والمحتسب ولم يدر الناس ما ذنبهما
وفي يوم الاحد ثامن شهر رجب آخر النهار رجع قاضي القضاء تقي الدين السبكي إلى دمشق على القضاء ومعه تقليد بالخطابة أيضا وذهب الناس اليه للسلام عليه ودخل نائب السلطنة الأمير سيف الدين تغردمر الحموي بعد العصر الخامس عشرينه من حلب فتلقاه الأمراء إلى طريق القابون ودعا له الناس دعاء كثيرا وأحبوه لبغضهم النائب الذي كان قبله وهو علاء الدين ايدغمش سامحه الله تعالى فنزل بدار السعادة وحضر الموكب صبيحة يوم الاثنين واجتمع طائفة من العامة وسألوه أن لا يغير عليهم خطيبهم تاج الدين عبد الرحيم ابن جلال الدين فلم يلتفت إليهم بل عمل على تقليد القاضي تقي الدين السبكي الخطابة لبس الخلعة واكثر العوام لما سمعوا بذلك الغوغاء وصاروا يجتمعون حلقا حلقا بعدالصلوات ويكثرون الفرحة في ذلك لما منع ابن الجلال ولكن بقي هذا لم يباشر السبكي في المحراب واشتهر عن العوام كلام كثير وتوعدوا السبكي بالسفاهة عليه إن خطب وضاق بذلك ذرعا ونهوا عن ذلك فلم ينتهوا وقيل لهم ولكثير منهم الواجب عليكم السمع والطاعة لأولي الامر ولو أمر عليكم عبد حبشي فلم يرعووا فلما كان يوم الجمعة العشرين منه اشتهر بين العامة بأن القاضي نزل عن الخطابة لابن الجلال ففرح العوام بذلك وحشدوا في الجامع وجاء نائب السلطنة إلى المقوصرة والأمراء معه وخطب ابن الجلال على العادة وفرح الناس بذلك وأكثروا من الكلام ووالهرج ولما سلم عليهم الخطيب حين صعد ردوا عليه ردا بليغا وتكلفوا في ذلك وأظهرا بغضة القاضي السبكي وتجاهروا بذلك وأسمعوه كلاما كثيرا ولما قضيت الصلاة قرئ تقليد النيابة على السدة وخرج الناس فرحى يخطيبهم لكونه استمر عليهم واجتمعوا عليه يسلمون ويدعون له
وفي يوم الاربعاء ثالث شعبان درس القاضي برهان الدين بن عبدالحق بالمدرسة العذراوية بمرسوم سلطاني بتوليته وعزل القفجاري وعقد لهما مجلس يوم الثلاثاء بدار العدل فرجح جانب القاضي برهان الدين لحاجته وكونه لا وظيفة له
وفي يوم الجمعة توفي الشيخ شهاب الدين احمد ابن الجزري احد المسندين المكثرين الصالحين مات عن خمس وتسعين سنة رحمه الله وصلى عليه يوم الجمعة بالجامع المظفري ودفن بالرواحية وفي يوم الاربعاء السابع عشر منه توفي الشيخ الامام العالم العابد الناسك الصالح الشيخ شمس الدين محمد بن الزرير خطيب الجامع الكريمي بالقبيبات وصلى عليه بعد الظهر يومئذ بالجامع المذكور ودفن قبلي الجامع المذكور إلى جانب الطريق من الشرق رحمه الله
واشتهر في أوائل رمضان ان مولودا ولد له رأسان وأربع أيد وأحضر إلى بين يدي نائب السلطنة وذهب الناس للنظر إليه في محلة ظاهر باب الفراديس يقال لها حكى الوزير وكنت فيمن ذهب إليه في جماعة من الفقهاء يوم الخميس ثالث الشهر المذكور بعد العصر فأحضره أبوه وأسم ابيه سعادة وهو رجل من أهل الجبل فنظرت إليه فإذا هما ولدان مستقلان فكل قد اشتبكت
افخاذهما بعضهما ببعض وركب كل واحد منهما ودخل في الآخر والتحمت فصارت جثة واحدة وهماميتان فقالوا احدهما ذكر الآخر أنثى وهما ميتان حال رؤيتي إليهما وقالوا إنه تأخر موت أحدهما عن الآخر بيومين او نحوهما وكتب بذلك محضر جماعة من الشهود
وفي هذا اليوم احتيط على اربعة من الامراء وهم ابناء الكامل صلاح الدين محمد امير طبلخانات وغياث الدين محمد امير عشرة وعلاء الدين علي وابن ايبك الطويل طبلخانات أيضا وصلاح الدين خليل بن بلبان طرنا طبلخانات أيضا وذلك بسبب أنهم اتهموا على ممالأة الملك احمد بن الناصر الذي في الكرك ومكاتبته والله أعلم بحالهم فقيدوا وحملوا إلى القلعة المنصورة من باب اليسر مقابل باب دار السعادة الثلاث الطبلخانات والغياث من بابها الكبير وفرق بينهم في الاماكن وخرج المحمل يوم الخميس خمس عشرة ولبس الخطيب ابن الجلال خلعة استقرار الخطابة في هذا اليوم وركب بها مع القضاة على عادة الخطباء
وفي هذا الشهر نصب المنجنيق الكبير على باب الميدان الاخضر وطول اكتافه ثمانية عشر ذراعا وطول سهمه سبعة وعشرون ذراعا وخرج الناس للفرجة عليه ورمى به في يوم السبت حجرا زنته ستين رطلا فبلغ إلى مقابلة القصر من الميدان الكبير وذكر معلم المجانيق أنه ليس في حصون الاسلام مثله وأنه عمله الحاج محمد الصالحي ليكون بالكرك فقدر الله انه خرج ليحاصر به الكرك فالله يحسن العاقبة وفي أواخره أيضا مسك أربعة أمراء وهم أقبغا عبد الواحد الذي كان مباشرا الاستدارية للملك الناصر الكبير فصودر في أيام ابنه المنصور وأخرج إلى الشام فناب بحمص فسار سيرة غير مرضية وذمه الناس وعزل عنها وأعطى تقدمة ألف بدمشق وجعل رأس الميمنة فلما كان في هذه الأيام اتهم بممالأة السلطان أحمد بن الناصر الذي بالكرك فمسك وحمل إلى القلعة ومعه الأمير سيف الدين بلو والأمير سيف الدين سلامش وكلهم بطبلخانات فرفعوا إلى القعلة المنصورة فالله يحسن العاقبة
وفي هذا الشهر خرج قضاء حمص عن نيابة دمشق بمرسوم سلطاني مجدد للقاضي شهاب الدين البارزي وذلك بعد مناقشة كثيرة وقعت بينه وبين قاضي القضاة تقي الدين السبكي وانتصر له بعض الدولة واستخرج له المرسوم المذكور وفيه أيضا افرد قضاء القدس الشريف أيضا باسم القاضي شمس الدين بن سالم الذي كان مباشرها مدة طويلة قبل ذلك نيابة ثم عزل عنها وبقي مقيما ببلده غزة ثم أعيد اليها مستقلا بها في هذا الوقت وفي هذا الشهر رجع القاضي شهاب الدين ابن فضل الله من الديار المصرية ومعه تقويع بالمرتب الذي كان له اولا كل شهر ألف درهم وأقام بعمارته التي أنشأها بسفح قاسيون شرقي الصالحية بقرب حمام النحاس
وفي صبيحة مستهل ذي القعدة خرج المنجنيق قاصدا إلى الكرك على الجمال والعجل وصحبته الامير صارم الدين إبراهيم المسبقي أمير حاجب كان في الدولة السكرية هو المقدم عليه يحوطه ويحفظه ويتولى تسييره بطلبه وأصحابه وتجهز الجيش للذهاب إلى الكرك وتأهبوا أتم الجهاز وبرزت أثقالهم إلى ظاهر البلد وضربت الخيام فالله يحسن العاقبة
وفي يوم الاثنين رابعه توفي الطوشي سبل الدولة كافور السكري ودفن صبيحة يوم الثلاثاء خامسة في تربته التي أنشاها قديما ظاهر باب الجابية تجاه تربة الطواشي ظهير الدين الخازن بالقلعة كان قبيل مسجد الدبان رحمه الله وكان قديما للصاحب تقي الدين توبة التكريتي ثم اشتراه تنكز بعد مدة طويلة من ابني أخيه صلاح الدين وشرف الدين بمبلغ جيد وعوضهما إقطاعا بزيادة على ما كان بأيديهما وذلك رغبة في أمواله التي حصلها من ابواب السلطنة وقد تعصب عليه استاذه تنكز رحمه الله في وقت وصودر وجرت عليه فصول ثم سلم بعد ذلك ولما مات ترك اموالا جزيلة وأوقافا رحمه الله وخرجت التجريدة يوم الاربعاء سادسة والمقدم عليها الامير بدر الدين بن الخطير ومعه مقدم آخر وهو الامير علاء الدين بن قراسنقر وفي يوم السبت سلخ هذا الشهر توفي الشاب الحسن شهاب الدين أحمد بن فرج المؤذن بمأذنة العروس وكان شهيرا بحسن الصوت ذا حظوة عظيمة عند اهل البلد وكان رحمه الله كما في النفس وزيادة في حسن الصوت الرخيم المطرب وليس في القراء ولا في المؤذنين قريب منه ولا من يدانيه في وقته وكان في آخر وقته على طريقة حسنة وعمل صالح وانقطاع عن الناس وإقبال على شأن نفسه فرحمه الله وأكرم مثواه وصلى عليه بعد الظهر يومئذ ودفن عند اخيه بمقبرة الصوفية
وفي يوم الخميس خامس ذي الحجة توفي الشيخ بدر الدين بن نصحان شيخ القراء السبع في البلد الشهير بذلك وصلى عليه بالجامع بعدالظهر يومئذ ودفن بباب الفراديس رحمه الله
وفي يوم الأحد تاسعة وهو يوم عرفة حضر الاقراء بتربة أم الصالح عوضا عن الشيخ بدر الدين ابن نصحان القاضي شهاب الدين أحمد بن النقيب البعلبكي وحضر عنده جماعة من الفضلاء وبعض القضاة وكان حضوره بغتة وكان متمرضا فألقى شيئا من القراءات والاعراب عند قوله تعالى ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خيرا لأنفسهم وفي أواخر هذا الشهر غلا السعر جدا وقل الخبز وازدحم الناس على الافران زحمة عظيمة وبيع خبز الشعير المخلوط بالزيوان والنقارة وبلغت الغرارة بمائة وستة وثمانين درهما وتقلص السعر جدا حتى بيع الخبز كل رطل بدرهم وفوق ذلك بيسير ودونه بحسب طيبه ورداءته فانا لله وإنا إليه راجعون وكثر السؤال وجاع العيال وضعف كثير من الأسباب والاحوال ولكن لطف الله عظيم فإن الناس مترقبون مغلا
هائلا لم يسمع بمثله من مدة سنين عديدة وقد اقترب أوانه وشرع كثير من البلاد في حصاد الشعير وبعض القمح مع كثرة الفول وبوادر التوت فلولا ذلك لكان غير ذلك ولكن لطف الله بعباده وهو الحاكم المتصرف الفعال لما يريد لا إله إلا هو
*2* ثم دخلت سنة أربع وأربعين وسبعمائة
@ استهلت هذه السنة وسلطان المسلمين الملك الناصر عماد الدنيا والدين إسماعيل ابن الملك الناصر ناصر الدين محمد بن الملك المنصور سيف الدين قلاوون الصالحي ونائبه بالديار المصرية الامير سيف الدين آقسنقر السلاري وقضاته هم هم المتقدم ذكرهم في العام الماضي ونائبه بدمشق الامير سيف الدين تغردمر الحموي وقضاته هم المتقدم ذكرهم وكذلك الصاحب والخطيب وناظر الجامع ولخزانة ومشد الاوقاف وولاية المدينة
استهلت والجيوش المصرية والشامية محيطة بحصن الكرك محاصرون ويبالغون في امره والمنجنيق منصوب وأنواع آلات الحصار كثيرة وقد رسم بتجريدة من مصر والشام أيضا تخرج إليها وفي يوم الخميس عاشر صفر دخلت التجريدة من الكرك إلى دمشق واستمرت التجريدة الجديدة على الكرك ألفان من مصر وألفان من الشام والمنجنيق منقوض موضوع عند الجيش خارج الكرك والأمور متوقفة على وبرد الحصار بعد رجوع الأحمدي إلى مصر
وفي يوم السبت ثاني ربيع الاول توفي السيد الشريف عماد الدين الخشاب بالكوشك في درب السيرجي جوار المدرسة العزية وصلى عليه ضحى بالجامع الأموي ودفن بمقابر باب الصغير وكان رجلا شهما كثير العبادة والمحبة للسنة وأهلها ممن واظب الشيخ تقي الدين بن تيمية رحمه الله وانتفع به وكان من جملة أنصاره واعوانه على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو الذي بعثه إلى صيدنا يامع بعض القسيسين فلوث يده بالعذرة وضرب اللحمة التي يعظمونها هنالك واهانها غاية الاهانة لقوة إيمانه وشجاعته رحمه الله وإيانا
وفي يوم الخميس سابعه اجتمع الصاحب ومشد الدواوين ووكيل بيت المال ومشد الاوقاف ومباشر والجامع ومعهم العمالين بالقول والمعاول يحفرون إلى جانب السارية عند باب مشهد على تحت تلك الصخرة التي كانت هناك وذلك عن قول رجل جاهل زعم أن هناك مالا مدفونا فشاوروا نائب السلطنة فامرهم بالحفر واجتمع الناس والعامة فأمرهم فأخرجوا وأغلقت أبواب الجامع كلها ليتمكنوا من الحفر ثم حفروا ثانيا وثالثا فلم يجدوا شيئا إلا التراب المحض واشتهر هذا الحفير في البلد وقصده الناس للنظر إليه والتعجب من أمره وانفصل الحال على أن حبس هذا الزاعم لهذا المحال وطم الحفير كما كان
وفي يوم الاثنين ثامن عشر ربيع الأول قدم قاضي حلب ناصر الدين بن الخشاب على البريد مجتازا إلى دمشق فنزل بالعادلية الكبيرة وأخبر أنه صلى على المحدث البارع الفاضل الحافظ شمس الدين محمد بن علي بن أيبك السروجي المصري يوم الجمعة ثامن هذا الشهر بحلب رحمه الله ومولده سنة خمس عشرة وسبعمائة وكان قد أتقن طرفا جيدا في علم الحديث وحفظ أسماء الرجال وجمع وخرج
وفي مستهل ربيع الآخر وقع حريق عظيم بسفح قاسيون احترق به سوق الصالحية الذي بالقرب من جامع المظفري وكانت جملة الدكاكين التي احترقت قريبا من مائة وعشرين دكانا ولم ير حريق من زمان أكبر منه ولا أعظم فانا لله وإنا إليه راجعون وفي يوم الجمعة سادسة رسم بأن يذكر بالصلاة يوم الجمعة في سائر مواذن البلد كما يذكر في مواذن الجامع ففعل ذلك وفي يوم الثلاثاء عاشره طلب من القاضي تقي الدين السبكي قاضي قضاة الشافعية أن يقرض ديوان السلطان شيئا من أموال الغياب التي تحت يده فامتنع من ذلك امتناعا كثيرا فجاء شاد الدواوين وبعض حاشية نائب السلطنة ففتحوا مخزن الأيتام وأخذوا منه خمسين ألف درهم قهرا ودفعوها إلى بعض العرب عما كان تأخر له في الديوان السلطان ووقع أمر كثير لم يعهد مثله
وفي يوم الأربعاء عاشر جمادي الأولى توفي صاحبنا الشيخ الامام العالم العلامة الناقد البارع في فنون العلوم شمس الدين محمد بن الشيخ عماد الدين أحمد بن عبدالهادي المقدسي الحنبلي تغمده الله برحمته وأسكنه بحبوحة جنته مرض قريبا من ثلاثة أشهر بقرحة وحمى سل ثم تفاقم أمره وأفرط به إسهال وتزايد ضعفه إلى أن توفي يومئذ قبل أذان العصر فأخبرني والده أن آخر كلامه أن قال أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين فصلى عليه يوم الخميس بالجامع المظفري وحضر جنازته قضاة البلد وأعيان الناس من العلماء والأمراء والتجار والعامة وكانت جنازته حافلة مليحة عليها ضوء ونور ودفن بالروضة إلى جانب قبر السيف ابن المجد رحمهما الله تعالى وكان مولده في رجب سنة خمس وسبعمائة فلم يبلغ الأربعين وحصل من العلوم مالا يبلغه الشيوخ الكبار وتفنن في الحديث والنحو والتصريف والفقه والتفسير والاصلين والتاريخ والقراءات وله مجاميع وتعاليق مفيدة كثيرة وكان حافظا جيدا لأسماء الرجال وطرق الحديث عارفا بالجرح والتعديل بصيرا بعلل الحديث حسن الفهم له جيد المذاكرة صحيح الذهن مستقيما على طريقة السلف واتباع الكتاب والسنة مثابرا على فعل الخيرات
وفي يوم الثلاثاء سلخه درس بمحراب الحنابلة صاحبنا الشيخ الامام العلامة شرف الدين بن القاضي شرف الدين الحنبلي في حلقة الثلثاء عوضا عن القاضي تقي الدين بن الحافظ رحمه الله وحضر عنده القضاء والفضلاء وكان درسا حسنا أخذ في قوله تعالى إن الله يأمر بالعدل والاحسان وخرج إلى مسألة تفضيل بعض الأولاد وفي يوم الخميس ثاني شهر جمادي الأولى خرجت التجريدة إلى الكرك مقدمان من الامراء وهما الامير شهاب الدين بن صبح والامير سيف الدين قلاوون في أبهة عظيمة وتجمل وجيوش وبقارات وإزعاج كثيرة
وفي صبيحة يوم الأثنين الحادي والعشرين منه قتل بسوق الخيل حسن بن الشيخ السكاكيني على ما ظهر منه من الرفض الدال على الكفر المحض شهد عليه عند القاضي شرف الدين المالكي بشهادات كثيرة تدل على كفره وأنه رافضي جلد فمن ذلك تكفير الشيخين رضي الله عنهما وقذفه أمي المؤمنين عائشة وحفصة رضي الله عنهما وزعم أن جبريل غلط فأوحى إلى محمد وإنما كان مرسلا إلى على وغير ذلك من الأقوال البالطة القبيحة قبحه الله وقد فعل وكان والده الشيخ محمد السكاكيني يعرف مذهب الرافضة والشيعة جيدا وكانت له اسئلة على مذهب اهل الخير ونظم في ذلك قصيدة أجابه فيها شيخنا الامام العلامة شيخ الاسلام بن يتيمة رحمه الله وذكر غير واحد من أصحاب الشيخ أن السكاكيني مامات حتى رجع عن مذهبه وصار إلى قول أهل السنة فالله أعلم وأخبرت أن ولده حسنا هذا القبيح كان قد اراد قتل أبيه لما أظهر السنة
وفي ليلة الاثنين خامس شهر رجب وصل بدن الأمير سيف الدين تنكز نائب الشام كان إلى تربته التي الى جانب جامعة الذي أنشأه ظاهر باب النصر بدمشق نقل من الاسكندرية بعد ثلاث سنين ونصف أو أكثر بشافعة ابنته زوجة الناصر عند ولده السلطان الملك الصالح فأذن في ذلك وأرادوا أن يدفن بمدرسته بالقدس الشريف فلم يمكن فجيء به إلى تربته بدمشق وعملت له الختم وحضر القضاة والأعيان رحمه الله
وفي يوم الثلاثاء حادي عشر شعبان المبارك توفي صاحبنا الامير صلاح الدين يوسف التكريتي ابن اخي الصاحب تقي الدين بن توبة الوزير بمنزلة بالقصاعين كان شابا من أبناء الأربعين ذا ذكاء وفطنة وكلام وبصيرة جيدة وكان كثير المحبة إلى الشيخ تقي الدين بن تيمية رحمه الله ولأصحابه خصوصا ولكل من يراه من أهل العلم عموما وكان فيه إيثار وإحسان ومحبة الفقراء والصالحين ودفن بتربتهم بسفح قاسيون رحمه الله وفي يوم السبت الخامس عشر منه جاءت زلزلة بدمشق لم يشعر بها كثير من الناس لخفتها ولله الحمد والمنة ثم تواترت الاخبار بأنها شعثت في بلاد حلب شيئا كثيرا من العمران حتى سقط بعض الابراج بقلعة حلب وكثير من دورها ومساجدها ومشاهدها وجدرانها وأما في القلاع حولها فكثير جدا وذكروا ان مدينة منبج لم يبق منها إلا القليل وأن عامة السكانين بها هلكوا تحت الردم رحمهم الله
وفي اواخر شهر شوال خرجت التجاريد إلى الكرك وهما أميران مقدمان الأمير علاء الدين فراسنقر والأمير الحاج بيد مر واشتهر في هذه الأيام أن أمر الكرك قد ضعف وتفاقم عليهم الأمر وضاقت الارزاق عندهم جدا ونزل منها جماعات من رؤسائها وخاصكية الأمير أحمد بن الناصر مخامرين عليه فسيروا من الصبح الى قلاوون وصحبتهم مقدمون من الحلقة إلى الديار المصرية واخبروا أن الحواصل عند أحمد قد قلت جدا فالله المسئول أن يحسن العاقبة
وفي ليلة الأربعاء الثامن والعشرين من شهر ذي الحجة توفي القاضي الامام العلامة برهان الدين ابن عبدالحق شيخ الحنفية وقاضي القضاة بالديار المصرية مدة طويلة بعد ابن الحريري ثم عزل وأقام بدمشق ودرس في أيام تغردمر بالعذراوية لولده القاضي امين الدين فذكر بها الدرس يوم الاحد قبل وفاة والده بثلاثة أيام وكان موت برهان الدين رحمه الله ببستانه من أراضي الارزة بطريق الصالحية ودفن من الغد بسفح قاسيون بمقبرة الشيخ ابي عمر رحمه الله وصلى عليه بالجامع المظفري وحضر جنازته القضاة والاعيان والأكبار رحمه الله
*2* ثم دخلت سنة خمس وأربعين وسبعمائة
@ استهلت هذه السنة وسلطان الديار المصرية والديار الشامية وما يتعلق بذلك الملك الصالح بن إسماعيل بن السلطان الملك الناصر محمد بن الملك المنصور قلاوون وقضاته بالديار المصرية والشامية هم المذكورون في السنة المتقدمة ونائبه بمصر الحاج سيف الدين ووزيره المتقدم ذكره وناظر الخاص القاضي مكين الدين وناظر الجيوش القاضي علم الدين ابن القطب والمحتسب المتقدم وشاد الدواوين علم الدين الناصري وشاد الأوقاف الأمير حسام الدين النجيبي ووكيل بيت المال القاضي علاء الدين شرنوخ وناظر الخزانة القاضي تقي الدين بن أبي الطيب وبقية المباشرين والنظارهم المتقدم ذكرهم وكاتب السر القاضي بدر الدين بن فضل الله كاتب السر والقاضي أمين الدين ابن القلانسي والقاضي شهاب الدين بن القيسراني والقاضي شرف الدين بن شمس الدين بن الشهاب محمود والقاضي علاء الدين شرنوخ
شهر المحرم أول السبت استهل والحصار واقع بقلعة الكرك وأما البلد فأخذو استنيب فيه الأمير سيف الدين قبليه قدم اليها من الديار المصرية والتجاريد من الديار المصرية ومن دمشق محيطون بالقلعة والناصر احمد بن الناصر ممتنع من التسليم ومن الاجابة إلى الانابة ومن الدخول في طاعة أخيه وقد تفاقمت الامور وطالت الحروب وقتل خلق كثير بسبب ذلك من الجيوش ومن أهل الكرك وقد توجهت القضية إلى خير إن شاء الله وقبل ذلك بأيام يسيرة هرب من قلعة
الكرك الامير سيف الدين أبو بكر بن بهادرآص الذي كان أسر في أوائل حصار الكرك وجماعة من مماليك الناصر احمد كان اتهمهم بقتل الشهيب احمد الذي كان يعتنى به ويحبه واستبشر الجيوش بنزول أبي بكر من عنده وسلامته من يده وجهز إلى الديار المصرية معظما وهذا والمجانيق الثلاثة سلطة على القلعة من البلد تضرب عليها ليلا ونهارا وتدمر في بنائها من داخل فإن سورها لا يؤثر فيه شيء بالكلية ثم ذكر ان الحصار فتر ولكن مع الاحتياط على أن لا يدخل إلى القلعة ميرة ولا شيء مما يتسعينون به على المقام فيها فالله المسؤول أن يحسن العقابة وفي يوم الاربعاء الخامس والعشرين من صفر قدم البريد مسرعا من الكرك فأخبر بفتح القلعة وان بابها احرق وأن جماعة الأمير أحمد بن الناصر استغاثوا بالأمان وخرج أحمد مقيدا وسير على البريد إلى الديار المصرية وذلك يوم الاثنين بعدا لظهر الثالث والعشرين من هذا الشهر ولله عاقبة الأمور وفي صبيحة يوم الجمعة رابع ربيع الاول دقت البشائر بالقلعة وزينت البلد عن مرسوم السلطان الملك الصالح سرورا بفتح البلد واجتماع الكلمة عليه واستمرت الزينة إلى يوم الاثنين سابعه فرسم برفعها بعد الظهر فتشوش كثير من العوام وأرجف بعض الناس بأن أحمد قد ظهر أمره وبايعه الأمراء الذين هم عنده وليس لذلك حقيقة ودخلت الأطلاب من الكرك صبيحة يوم الأحد ثالث عشر ربيع الاول بالطبلخانات والجيوش واشتهر إعدام احمد بن الناصر
وفي يوم الجمعة حادي عشر ربيع الأول صلى بالجامع الأموي على الشيخ أمين الدين أبي حيان النحوي شيخ البلاد المصرية من مدة طويلة وكانت وفاته بمصر عن تسعين سنة وخمسة أشهر ثم اشتهر في ربيع الآخر قتل السلطان أحمد وحز رأسه وقطع يديه ودفن جثته بالكرك وحمل رأسه إلى أخيه الملك الصالح إسماعيل وحضر بين يديه في الرابع والعشرين من هذا الشهر ففرح الناس بذلك ودخل الشيخ أحمد الزرعي على السلطان الملك الصالح فطلب منه أشياء كثيرة من تبطيل المظالم ومكوسات وإطلاق طبلخانات للأمير ناصر الدين بن بكناش وإطلاق أمراء محبوسين بقلعة دمشق وغير ذلك فأجابه إلى جميع ذلك وكان جملة المراسيم التي أجيب فيها بضع وثلاثين مرسوما فلما كان آخر شهر ربيع الآخر قدمت المراسيم التي سألها الشيخ أحمد من الملك الصالح فأمضيت كلها أو كثير منها وافرج عن صلاح الدين بن الملك الكامل والامير سيف الدين بلو في يوم الخميس سلخ هذا الشهر ثم روجع في كثير منها وتوقف حالها
وفي هذا الشهر عملت منارة خارج باب الفرج وفتحت مدرسة كانت دارا قديمة فجعلت مدرسة للحنفية ومسجدا وعملت طهارة عامة ومصلى للناس وكل ذلك منسوب إلى الامير سيف الدين تقطم الخليلي أمير حاجب كان وهو الذي جدد الدار المعروفة به اليوم بالقصاعين
وفي ليلة الاثنين عاشر جمادي الآخرة ترفى صاحبنا المحدث تقي الدين محمد بن صدر الدين سليمان الجعبري زوج بنت الشيخ جمال الدين المزي والد شرف الدين عبد الله وجمال الدين إبراهيم وغيرهم وكان فقيها بالمدارس وشاهدا تحت الساعات وغيرها وعنده فضيلة جيدة في قراءة الحديث وشيء من العربية وله نظم مستحسن انقطع يومين وبعض الثالث وتوفي في الليلة المذكورة في وسط الليل وكنت عنده وقت العشاء الآخرة ليلتئذ وحدثني وضاحكني وكان خفيف الروح رحمه الله ثم توفي في بقية ليلته رحمه الله وكان أشهدني عليه بالتوبة من جميع ما يسخط الله عز وجل وأنه عازم على ترك الشهود أيضا رحمه الله صلى عليه ظهر يوم الاثنين ودفن بمقابر باب الصغير عند أبويه رحمهم الله
وفي يوم الجمعة ثاني عشرين شهر رجب خطب القاضي عماد الدين بن العز الحنفي بجامع تنكز خارج باب النصر عن نزول الشيخ نجم الدين علي بن داود القفجاري له عن ذلك وايضا نائب السلطنة الامير سيف الدين تغردمر وحضوره عنده في الجامع المذكور يومئذ
وفي يوم الجمعة تاسع عشرين رجب توفي القاضي الامام العالم جلال الدين أبو العباس أحمد ابن قاضي القضاة حسام الدين الرومي الحنفي وصلى عليه بعد صلاة الجمعة بمسجد دمشق وحضره القضاة والأعيان ودفن بالمدرسة التي أنشأها إلى جانب الزردكاش قريبا في الخاتونية الجوانية وكان قد ولى قضاء قضاة الحنفية في أيام ولاية أبيه الديار المصرية وكان مولده سنة أحدى وخمسين وستمائة وقدم الشام مع ابيه فأقاموا بها ثم لما ولى الملك المنصور لاجين ولى أباه قضاء الديار المصرية وولده هذا قضاء الشام ثم إنه عزل بعد ذلك واستمر على ثلاث مدراس من خيار مدارس الحنفية ثم حصل له صمم في آخر عمره وكان ممتعا بحواسه سواه وقواه وكان يذاكر في العلم وغير ذلك
وفي يوم الأربعاء الرابع والعشرين من شعبان توفي الشيخ نجم الدين علي بن داود القفجاري خطيب جامع تنكز ومدرس الظاهرية وقد نزل عنها قبل وفاته بقليل للقاضي عماد الدين بن العز الحنفي وصلى عليه بالجامع المذكور بعد صلاة الظهر يومئذ وعند باب النصر وعند جامع جراح ودفن بمقبرة ابن الشيرجي عند والده وحضره القضاة والاعيان وكان استاذا في النحو وله علوم أخر لكن كان نهاية في النحو والتصريف
وفي هذا اليوم توفي الشيخ الصالح العابد الناسك الشيخ عبد الله الضرير الزرعي وصلى عليه بعد الظهر بالجامع الأموي وبباب النصر وعند مقابر الصوفية ودفن بها قريبا من الشيخ تقي الدين ابن تيمية رحمه الله وكان كثير التلاوة حسنها وصحيحها كثير العبادة يقرئ الناس من دهر طويل ويقوم بهم العشر الأخير من رمضان في محراب الحنابلة بالجامع الأموي رحمه الله
وفي يوم الجمعة ثاني شهر رمضان المعظم توفي الشيخ الامام العالم العامل العابد الزاهد الورع أبو عمر بن أبي الوليد المالكي إمام محراب الصحابة الذي للمالكية وصلى عليه بعد الصلاة وحضر جنازته خلق كثير وجم غفير وتأسف الناس عليه وعلى صلاحه وفتاويه النافعة الكثيرة ودفن إلى جانب قبر أبيه واخيه إلى جانب قبر أبي الغندلاوي المالكي قريبا من مسجد التاريخ رحمه الله وولى مكانه في المحراب ولده وهو طفل صغير فاستنيب له إلى حين صلاحيته جبره ورحم اباه
وفي صبيحة ليلة الثلاثاء سادس رمضان وقع ثلج عظيم لم ير مثله بدمشق من مدة طويلة وكان الناس محتاجين إلى مطر فلله الحمد والمنة وتكاثف الثلج على الأسطحة وتراكم حتى أعيي الناس أمره ونقلوه عن الاسطحة إلى الأزقة يحمل ثم نودي بالأمر بازالته من الطرقات فإنه سدها وتعطلت معايش كثير من الناس فعوض الله الضعفاء بعملهم في الثلج ولحق الناس كلفة كبيرة وغرماة كثيرة فإنا لله وإنا اليه راجعون
وفي يوم الجمعة الثالث والعشرين من رمضان صلى بالجامع الأموي على نائب وهو الأمير علاء الدين الجاولي وقد تقدم شيء من ترجمته رحمه الله
وفي أول شوال يوم عيد الفطر وقع فيه ثلج عظيم بحيث لم يمكن الخطيب من الوصول إلى المصلى ولا خرج نائب السلطنة بل اجتمع الأمراء والقضاة بدار السعادة وحضر الخطيب فصل بهم العيد بها وكثير من الناس صلوا العيد في البيوت
وفي يوم الأحد الحادي والعشرين من ذي الحجة درس قاضي القضاة تقي الدين السبكي الشافعي بالشامية البرانية عن الشيخ شمس الدين ابن النقيب رحمه الله وحضر عنده القضاة والاعيان والأمراء وخلق من الفضلاء وأخذ في قوله تعالى قال رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب وما بعدها وفي ذي الحجة استفتى في قتل كلاب البلد فكتب جماعةمن أهل البلد في ذلك فرسم باخراجهم يوم الجمعة من البلد الخامس والعشرين منه لكن إلى الخندق ظاهر باب الصغير وكان الاولى قتلهم بالكلية وإحراقهم لئلا تنتن الناس بريحهم على ما أفتى به الامام مالك بن أنس من جواز قتل الكلاب ببلدة معينة للمصلحة إذا رأى الامام ذلك ولا يعارض ذلك النهي عن قتل الكلاب ولهذا كان عثمان بن عفان يأمر في خطبته بقتل الكلاب وذبح الحمام
*2* ثم دخلت س
*3* الشيخ نجم الدين القباني الحموي
@ عبد الرحمن بن الحسن بن يحيى اللخمي القباني قرية من قرى اشمون الرمان أقام بحماة في زاوية بزار ويلتمس دعاؤه كان عابدا ورعا زاهدا آمرا بالمعروف وناهيا عن المنكر حسن الطريقة إلى أن توفي بها آخر نهار الاثنين رابع عشر رجب عن ست وستين سنة وكانت جنازته حافلة هائلة جدا ودفن شمالي حماة كان عنده فضيلة واشتغل على مذهب الامام احمد بن حنبل وله كلام حسن يؤثر عنه رحمه الله
*3* الشيخ فتح الدين بن سيد الناس
@ الحافظ العلامة البارع فتح الدين بن أبي الفتح محمد بن الامام ابي عمرو محمد بن الامام الحافظ الخطيب ابي بكر محمد بن أحمد بن عبد الله بن محمد بن يحيى بن سيد الناس الربعي اليعمري الاندلسي الاشبيلي ثم المصري ولد في العشر الاول من ذي الحجة سنة إحدى وسبعين وستمائة وسمع الكثير وأجاز له الرواية عنهم جماعات من المشايخ ودخل دمشق سنة تسعين فسمع من الكندي وغيره واشتغل بالعلم فبرع وساد أقرانه في علوم شتى من الحديث والفقه والنحو من العربية وعلم السير والتواريخ وغير ذلك من الفنون وقد جمع سيرة حسنة في مجلدين وشرح قطعة حسنة من أول جامع الترمذي رأيت منها مجلدا بخطه الحسن وقد حرر وحبر وافاد وأجاد ولم يسلم من بعض الانتقاد وله الشعر الرائق الفائق والنثر الموافق والبلاغة التامة وحسن الترصيف والتصنيف وجودة البديهة وحسن الطوية وله العقيدة السلفية الموضوعة على الاي والاخبار ولااثار والاقتفاء بالاثار النبوية ويذكر عنه سوء أدب في أشياء أخر سامحه الله فيها وله مدائح في رسو الله صلى الله عليه وسلم حسان وكان شيخ الحديث بالظاهرية بمصر وخطب بجامع الخندق ولم يكن في مصر في مجموعة مثله في حفظ الاسانيد والمتون والعلل والفقه والملح والاشعار والحكايات توفي فجأة يوم السبت حادي عشر شعبان وصلى عليه من الغد وكانت جنازته حافلة ودفن عند ابن أبي جمرة رحمه الله
*3* القاضي مجد الدين بن حرمي
@ ابن قاسم بن يوسف العامري الفاقوسي الشافعي وكيل بيت المال ومدرس الشافعي وغيره كانت له همة ونهضة وعلت سنه وهو مع ذلك يحفظ ويشغل ويشتغل ويلقي الدروس من حفظه إلى ان توفي ثاني ذي الحجة وولى تدريس الشافعي بعده شمس الدين ابن القماح والقطبية بهاء الدين ابن عقيل والوكلة نجم الدين الاسعردي المحتسب
وهو كان وكيل بيت الظاهر
*2* ثم دخلت سنة خمس وثلاثين وسبعمائة
@ استهلت وحكام البلاد هم المذكورون في التي قبلها وناظر الجامع عز الدين ابن المنجا والمحتسب عماد الدين الشيرازي وغيرهم وفي مستهل المحرم يوم الخميس درس بأم الصالح الشيخ خطيب تبرور عوضا عن قاضي القضاة شهاب الدين ابن المجد وحضر عنده القضاة والاعيان وفي سادس المحرم رجع مهنا بن عيسى من عند السلطان فتلقاه النائب والجيش وعاد إلى أهله في عز وعافية وفيه أمر السلطان بعمارة جامع القلعة وتوسيعه وعمارة جامع مصر العتيق وقدم إلى دمشق القاضي جمال الدين محمد بن عماد الدين ابن الاثير كاتب سربها عوضا عن ابن الشهاب محمود ووقع في هذا الشهر والذي بعده موت كثير في الناس بالخانوق
وفي ربيع الاول مسك الامير نجم الدين بن الزيبق مشد الدواوين وصودر وبيعت خيوله وحوصاله وتولاه بعده سيف الدين ثمر مملوك بكتمر الحاجب وهو مشد الزكاة وفيه كملت عمارة حمام الامير شمس الدين حمزه الذي تمكن عند تنكز بعد ناصر الدين الدوادار ثم وقعت الشناعة عليه بسبب ظلمه في عمارة هذا الحمام فقابله النائب على ذلك وانتصف للناس منه وضربه بين يديه وضربه بالبندق بيده في وجهه وسائر جسده ثم أودعه القلعة ثم نقله إلى بحيرة طبرية فغرقه فيها وعزل الامير جمال الدين نائب الكرك عن نيابة طرابلس حسب سؤاله في ذلك وراح إليها طيغال وقد نائب الكرك إلى دمشق وقد رسم له بالاقامة في سلخد فلما تلقاه نائب السلطنة والجيش نزل في دار السعادة واخذ سيفه بها ونقل إلى القلعة ثم نقل إلى صفت ثم إلى الاسكندرية ثم كان آخر العهد به وفي جمادي الاولى احتيط على دار الامير بكتمر الحاجب الحسامي بالقاهرة ونبشت وأخذ منها شيء كثير جدا وكان جد أولاده نائب الكرك المذكور وفي يوم السبت تاسع جمادي الاخرة باشر حسام الدين أبو بكر ابن الأمير عز الدين أيبك التجيبي شد الاوقاف عوضا عن ابن بكتاش اعتقل وخلع على المتولي وهنأه الناس وفي منتصف هذا الشهر علق الستر الجديد على خزانة المصحف العثماني وهو من خز طوله ثمانية أذرع وعرضه أربعة أذرع ونصف غرم عليه أربعة آلاف وخمسمائة وعمل في مدة سنة ونصف
وخرج الركب الشامي يوم الخميس تاسع شوال وأميره علاء الدين المرسي وقاضيه شهاب الدين الظاهري وفيه رجع جيش حلب إليها وكانوا عشرة آلاف سوى من تبعهم من التركمان وكانوا في بلاد أذنة وطرسوس وإياس وقد خربوا وقتلوا خلقا كثيرا ولم يعدم منهم سوى رجل واحد غرق بنهر جاهان ولكن كان قتل الكفار من كان عندهم من المسلمين نحوا من ألف رجل يوم عيد الفطر فانا لله وإنا إليه راجعون
وفيه وقع حريق عظيم بحماة فاحترق منه أسواق كثيرة وأملاك وأوقاف وهلكت أموال لاتحصر وكذلك احترق أكثر مدينة أنطاكية فتألم المسلمون لذلك وفي ذي الحجة خرب المسجد الذي كان في الطريق بين باب النصر وبين باب الجابية عن حكم القضاة بأمر نائب السلطنة وبني غريبة مسجد حسن أحسن وأنفع من الاول وتوفي فيها من الاعيان :
*3* الشيخ الصالح المعمر رئيس المؤذنين بجامع دمشق
@ برهان الدين إبراهيم بن محمد بن أحمد بن محمد الواني ولد سنة ثلاث وأربعين وستمائة وسمع الحديث وروى وكان حسن الصوت والشكل محببا إلى العوام توفي يوم الخميس سادس صفر ودفن بباب الصغير وقام من بعده في الرياسة ولده أمين الدين محمد الواني المحدث المفيد وتوفي بعده ببضع وأربعين يوما رحمهما الله
*3* الكاتب المطبق المجود المحرر
@ بهاء الدين محمود ابن خطيب بعلبك محيي الدين محمد بن عبد الرحيم بن عبد الوهاب السلمي ولد سنة ثمان وثمانين وستمائة واعتني بهذه الصناعة فبرع فيها وتقدم على أهل زمانه قاطبة في النسخ وبقية الأقلام وكان سحن الشكل طيب الاخلاق طيب الصوت حسن التودد توفي في سلخ ربيع الاول ودفن بتربة الشيخ ابي عمر رحمه الله
*3* علاء الدين السنجاري
@ واقف دار القرآن عند باب الناطفانيين شمالي الاموي بدمشق علي بن إسماعيل بن محمود كان احد التجار الصدق الاخيار ذوي اليسار المسارعين إلى الخيرات توفي بالقاهرة ليلة الخميس ثالث عشر جمادي الاخرة ودفن عند قبر القاضي شمس الدين بن الحريري
*3* العدل نجم الدين التاجر
@ عبد الرحيم بن أبي القاسم عبد الرحمن الرحبي باني التربة المشهورة بالمزة وقد جعل لها مسجدا ووقف عليها أوقافا دارة وصدقات هناك وكان من أخيار أبناء جنسه عدل مرضى عند جميع الحكام وترك اولادا وأموالا جمة ودارا هائلة وبساتين بالمزة وكان وفاته يوم الاربعاء سابع عشرين جمادي الاخرة ودفن بتربته المذكورة بالمزة رحمه الله
*3* الشيخ الامام الحافظ قطب الدين
@ ابو محمد عبدالكريم بن عبدالنور بن منير بن عبدالكريم بن علي بن عبدالحق بن عبدالصمد بن عبدالنور الحلبي الاصل ثم المصري أحد مشاهير المحدثين بها والقائمين بحفظ الحديث وروايته وتدوينه وشرحه والكلام عليه ولد سنة اربع وستين وستمائة بحلب وقرأ القرآن بالروايات وسمع الحديث وقرأ الشاطبية والألفية وبرع في فن الحديث وكان حنفي المذهب وكتب كثيرا وصنف شرحا لأكثر البخاري وجمع تاريخا لمصر ولم يكملهما وتكلم على السيرة التي جمعها الحافظ عبد الغني وخرج لنفسه أربعين حديثا متبانة الاسناد وكان حسن الاخلاق مطرحا للكلفة طاهر اللسان كثير المطالعة والاشتغال إلى أن توفي يوم الأحد سلخ رجب ودفن من الغد مستهل شعبان عند خاله نصر المنبجي وخلف تسعة أولاد رحمه الله
*3* القاضي الامام زين الدين أبو محمد
@ عبد الكافي بن علي بن تمام بن يوسف السبكي قاضي المحلة ووالده العلامة قاضي القضاة تقي الدين السبكي الشافعي سمع من ابن الانماطي وابن خطيب المزة وحدث وتوفي تاسع شعبان وتبعته زوجته ناصرية بنت القاضي جمال الدين إبراهيم بن الحسين السبكي ودفنت بالقرافة وقد سمعت من ابن الصابوني شيئا من سنن النسائي وكذلك ابنتها محمدية وقد توفيت قبلها
*3* تاج الدين علي بن إبراهيم
@ ابن عبد الكريم المصري ويعرف بكاتب قطلبك وهو والد العلامة فخر الدين شيخ الشافعية ومدرسهم في عدة مدارس ووالده هذا لم يزل في الخدمة والكتابة إلى أن توفي عنده بالعادلية الصغيرة ليلة الثلاثاء ثالث عشر شعبان وصلى عليه من الغد بالجامع ودفن بباب الصغير
*3* الشيخ الصالح عبد الكافي
@ ويعرف بعبيد ابن أبي الرجال بن حسين بن سلطان بن خليفة المنيني ويعرف بابن أبي الازرق مولده في سنة أربع وأربعين وستمائة بقريته من بلاد بعلبك ثم أقام بقرية منين وكان مشهورا بالصلاح وقرئ عليه شيء من الحديث وجاوز التسعين
*3* الشيخ محمد بن عبدالحق
@ ابن شعبان بن علي الأنصاري المعروف بالسياح له زاوية بسفح قاسيون بالوادي الشمالي مشهورة به كان قد بلغ التسعين وسمع الحديث وأسمعه كانت له معرفة بالامور وعنده بعض مكاشفة وهو رجل حسن توفي أواخر شوال من هذه السنة
*3* الامير سلطان العرب
@ حسام الدين مهنا بن عيسى بن مهنا أمير العرب بالشام وهم يزعمون أنهم من سلالة جعفر بن يحيى بن خالد البرمكي من ذرية الولد الذي جاء من العباسة اخت الرشيد فالله أعلم
وقد كان كبير القدر محترما عند الملوك كلهم بالشام ومصر والعراق وكان دينا خيرا متحيزا للحق وخلف أولادا وورثة وأموالا كثيرة وقد بلغ سنا عالية وكان يحب الشيخ تقي الدين بن تيمية حبا زائدا هو وذريته وعربه وله عندهم منزلة وحرمة وإكرام يسمعون قوله ويمتثلونه وهو الذي نهاهم أن يغير بعضهم على بعض وعرفهم أن ذلك حرام وله في ذلك مصنف جليل
وكان وفاة مهنا هذا ببلاد سلمية في ثامن عشر ذي القعدة ودفن هناك رحمه الله
*3* الشيخ الزاهد فضل العلجوني
@ فضل بن عيسى بن قنديل العجلوني الحبنلي المقيم بالمسمارية أصله من بلاد حبراحي كان متقللا من الدنيا يلبس ثيابا طوالا وعمامة هائلة وهي بأرخص الاثمان وكان يعرف تعبير الرؤيا ويقصد لذلك وكان لا يقبل من أحد شيئا وقد عرضت عليه وظائف بجوامك كثيرة فلم يقبلها بل رضي بالرغيد الهني من العيش الخشن إلى ان توفي في ذي الحجة وله تحو تسعين سنة ودفن بالقرب من قبر الشيخ تقي الدين بن تيمية رحمهما الله وكانت جنازته حافلة جدا
*2* ثم دخلت سنة ست وثلاثين وسبعمائة
@ استهلت بيوم الجمعة والحكام هم المذكورون في التي قبلها وفي أول يوم منها ركب تنكز إلى قلعة جعبر ومعه الجيش والمناجنيق فغابوا شهرا وخمسة ايام وعادوا سالمين وفي ثامن صفر فتحت الخانقاه التي أنشأها سيف الدين قوصون الناصري خارج باب القرافة وتولى مشيختها الشيخ شمس الدين الأصبهاني المتكلم وفي عاشر صفر خرج ابن جملة من السجن بالقلعة وجاءت الاخبار بموت ملك التتار أبي سعيد بن خربندا بن أرغون بن أبغا بن هولاكوبن تولى بن جنكزخان في يوم الخميس ثاني عشر ربيع الاخر بدار السلطنة بقراباغ وهي منزلهم في الشتاء ثم نقل إلى تربته بمدينته التي أنشاها قريبا من السلطانية مدينة أبيه وقد كان من خيار ملوك التتار واحسنهم طريقة واثبتهم على السنة واقومهم بها وقد عز اهل السنة بزمانه وذلت الرافضة بخلاف دولة أبيه ثم من بعده لم يقم للتتار قائمة بل اختلفوا فتفرقوا شذر مذر إلى زماننا هذا وكان القائم من بعده بالأمر ارتكاوون من ذرية أبغا ولم يستمر له الأمر إلا قليلا
وفي يوم الاربعاء عاشر جمادي الأولى درس بالناصرية الجوانية بدر الدين الأردبيلي عوضا عن كمال الدين ابن الشيرازي توفي وحضر عنده القضاة وفيه درس بالظاهرية البرانية الشيخ الامام المقري سيف الدين أبو بكر الحريري عوضا عن بدر الدين الأردبيلي تركها لما حصلت له الناصرية الجوانية وبعده بيوم درس بالنجيبية كاتبه إسماعيل ابن كثير عوضا عن الشيخ جمال الدين ابن قاضي الزبداني تركها حين تعين له تدريس الظاهرية الجوانية وحضر عنده القضاة والاعيان كان درسا حافلا أثنى عليه الحاضرون وتعجبوا من جمعه وترتيبه وكان ذلك في تفسير قوله تعالى إنما يخشى الله من عباده العلماء وإنساق الكلام إلى مسألة ربا الفضل وفي يوم الاحد رابع عشرة ذكر الدرس بالظاهرية المذكورة ابن قاضي الزبداني عوضا عن علاء الدين ابن القلانسي توفي وحضر عنده القضاة والأعيان وكان يوما مطيرا
وفي أول جمادي الاخرة وقع غلاء شديد بديار مصر واشتد ذلك إلى شهر رمضان وتوجه خلق كثير في رجب إلى مكة نحوا من ألفين وخمسمائة منهم عز الدين ابن جماعة وفخر الدين النويري وحسن السلامي وأبو الفتح السلامي وخلق وفي رجب كملت عمارة جسر باب الفرج وعمل عليه باسورة ورسم باستمرار فتحه إلى بعد العشاء الآخرة كبقية سائر الأبواب وكان قبل ذلك يغلق من المغرب وفي سلخ رجب أقيمت الجمعة بالجامع الذي أنشاه نجم الدين ابن خيلخان تجاه باب كيسان من القبلة وخطب فيه الشيخ الامام العلامة شمس الدين ابن قيم الجوزية وفي ثاني شعبان باشر كتابة السر بدمشق القاضي علم الدين محمد بن قطب الدين أحمد بن مفضل عوضا عن كمال الدين ابن الأثير عزل وراح إلى مصر وفي يوم الأربعاء رابع رمضان ذكر الدرس بالأمينية الشيخ بهاء الدين ابن إمام المشهد عوضا عن علاء الدين بن القلانسي وفي العشرين منه خلع على الصدر نجم الدين بن أبي الطيب بنظر الخزانة مضافا إلىما بيده من وكالة بيت المال بعد وفاة ابن القلانسي بشهور وخرج الركب الشامي يوم الاثنين ثامن شوال واميره قطلودمر الخليلي وممن حج فيه قاضي طرابلس محيي الدين بن جهبل والفخر المصري وأبن قاضي الزبداني وابن العز الحنفي وابن غانم والسخاوي وابن قيم الجوزية وناصر الدين بن البربوه الحنفي وجاءت الأخبار بوقعة جرت بين التتار قتل فيها خلق كثير منهم وانتصر على باشا وسلطانه الذي كان قد أقامه وهو موسى كاوون على اربا كاوون وأصحابه فقتل هو ووزيره ابن رشيد الدولة وجرت خطوب كثيرة طويلة وضربت البشائر بدمشق
وفي ذي القعدة خلع على ناظر الجامع الشيخ عز الدين بن المنجا بسب إكماله البطائن في الرواق الشمالي والغربي والشرقي ولم يكن قبل ذلك له بطائن وفي يوم الاربعاء سابع الحجة ذكر الدرس بالشبلية القاضي نجم الدين ابن قاضي القضاة عماد الدين الطرسوسي الحنفي وهو ابن سبع عشرة سنة وحضر عنده القضاة والأعيان وشكروا من فضله ونباهته وفرحوا لأبيه فيه وفيها عزل ابن النقيب عن قضاء حلب ووليها ابن خطيب جسرين وولى الحسبة بالقاهرة ضياء الدين يوسف بن أبي بكر بن محمد خطيب بيت الأبار خلع عليه السطان وفي ذي القعدة رسم السلطان باعتقال الخليفة المستكفي وأهله وأن يمنعوا من الاجتماع فآل أمرهم كما كان أيام الظاهر والمنصور وممن توفي فيها من الاعيان :
*3* السلطان أبو سعيد ابن خربندا
@ وكان اخر من اجتمع شمل التتار عليه ثم تفرقوا من بعده
*3* الشيخ البندنيجي
@ شمس الدين علي بن محمد بن ممدود بن عيسى البندنيجي الصوفي قدم علينا من بغداد شيخنا كبيرا راويا لأشياء كثيرة فيها صحيح مسلم والترمذي وغير ذلك وعنده فوائد ولد سنة اربع وأربعين وستمائة وكان والده محدثا فأسمعه أشياء كثيرة على مشايخ عدة وكان موته بدمشق رابع المحرم
*3* قاضي قضاة بغداد
@ قطب الدين أبو الفضائل محمد بن عمر بن الفضل التبريزي الشافعي المعروف بالأحوس سمع شيئا من الحديث واشتغل بالفقه والأصول والمنطق والعربية والمعاني والبيان كان بارعا في فنون كثيرة ودرس بالمستنصرية بعد العاقولي وفي مدارس كبار وكان حسن الخلق كثير الخير على الفقراء والضعفاء متواضعا يكتب حسنا أيضا توفي في آخر المحرم ودفن بتربة له عند داره ببغداد رحمه الله
*3* الامير صارم الدين
@ ابراهيم بن محمد بن أبي القاسم بن أبي الزهر المعروف بالمغزال كانت له مطالعة وعنده شيء من التاريخ ويحاضر جيدا ولما توفي يوم الجمعة وقت الصلاة السادس والعشرين من المحرم دفن بتربة له عند حمام العديم
*3* الامير علاء الدين مغلطاي الخازن
@ نائب القلعة وصاحب التربة تجاه الجامع المظفري من الغرب كان رجلا جيدا له أوقاف وبر وصدقات توفي يوم الجمعة بكرة عاشر صفر ودفن بتربته المذكورة
*3* القاضي كمال الدين
@ أحمد بن محمد بن محمد بن عبد الله بن هبة الله بن الشيرازي الدمشقي ولد سنة سبعين وسمع الحديث وتفقه على الشيخ تاج الدين الفزاري الشيخ زين الدين الفارقي وحفظ مختصر المزني ودرس في وقت بالبادرائية وفي وقت بالشامية البرانية ثم ولي تدريس الناصرية الجوانية مدة سنين إلى حين وفاته وكان صدرا كبيرا ذكر لقضاء قضاة دمشق غير مرة وكان حسن المباشرة والشكل توفي في ثالث صفر ودفن بتربتهم بسفح قاسيون رحمه الله
*3* الامير ناصر الدين
@ محمد بن الملك المسعود جلال الدين عبد الله بن الملك الصالح إسماعيل بن العادل كان شيخا مسنا قد اعتنى بصحيح البخاري يختصره وله فهم جيد ولديه فضيلة وكان يسكن المزة وبها توفي ليلة السبت خامس عشرين صفر وله أربع وسبعون سنة ودفن بتربتهم بالمزة رحمه الله
*3* علاء الدين
@ علي بن شرف الدين محمد بن القلانسي قاضي العسكر ووكيل بيت المال وموقع الدست ومدرس الامينية والظاهرية وغير ذلك من المناصب ثم سلبها كلها سوى التدريسين وبقي معزولا إلى حين أن توفي بكرة السبت خامس وعشرين صفر ودفن بتربتهم
*3* عز الدين أحمد بن الشيخ زين الدين
@ محمد بن أحمد بن محمود العقيلي ويعرف بابن القلانسي محتسب دمشق وناظر الخزانة كان محمود المباشرة ثم عزل الحسبة واستمر بالخزانة إلى أن توفي يوم الاثنين تاسع عشر جمادي الاولى ودفن بقاسيون
*3* الشيخ علي بن أبي المجد بن شرف بن أحمد الحمصي
@ ثم الدمشقي مؤذن البربوة خمسا وأربعين سنة وله ديوان شعروتعاليق وأشياء كثيرة مما ينكر أمرها وكان محلولا في دينه توفي جمادي الاولى أيضا
*3* الامير شهاب الدين بن برق
@ متولي دمشق شهد جنازته خلق كثير توفي ثاني شعبان ودفن بالصالحية واثنى عليه الناس
*3* الأمير فخر الدين ابن الشمس لؤلؤ
@ متولى البر كان مشكورا أيضا توفي رابع شعبان وكان شيخا كبيرا توفي ببستانه ببيت لهيا ودفن بتربته هناك وترك ذرية كثيرة رحمه الله
*3* عماد الدين إسماعيل
@ ابن شرف الدين محمد بن الوزير فتح الدين عبد الله بن محمد بن أحمد بن خالد بن صغير بن القيسراني أحد كتاب الدست وكان من خيار الناس محببا إلى الفقراء والصالحين وفيه مروءة كثيرة وكتب بمصر ثم صار إلى حلب كاتب سرها ثم انتقل إلى دمشق فأقام بها إلى أن مات ليلة الاحد ثالث عشر القعدة وصلى عليه من الغد بجامع دمشق ودفن بالصوفية عن خمس وستين سنة وقد سمع شيئا من الحديث على الابرقوهي وغيره
وفي ذي القعدة توفي شهاب الدين ابن القديسة المحدث بطريق الحجاز الشريف وفي ذي الحجة توفي الشمس محمد المؤذن المعروف بالنجار ويعرف بالبتي وكان يتكلم ونشد في المحافل والله سبحانه أعلم
*2* ثم دخلت سنة سبع وثلاثين وسبعمائة
@ استهلت بيوم الجمعة والخليفة المستكفي بالله قد اعتقله السلطان الملك الناصر ومنعه من الاجتماع بالناس ونائب الشام تنكز بن عبد الله الناصري والقضاة والمباشرون هم المذكورون في التي قبلها سوى كاتب السر فإنه علم الدين بن القطب ووالي البر الأمير بدر الدين بن قطلوبك ابن شنشنكير ووالي المدينة حسام الدين طرقطاي الجوكنداري
وفي أول يوم منها يوم الجمعة وصلت الاخبار بأن على باشا كسر جيشه وقيل إنه قتل ووصلت كتب الحجاج في الثاني والعشرين من المحرم تصف مشقة كثيرة حصلت للحجاج من موت الجمال وإلقاء الأحمال ومشى كثير من النساء والرجال فإنا لله وإنا إليه راجعون والحمد لله على كل حال
وفي آخر المحرم قدم إلى دمشق القاضي حسام الدين حسن بن محمد الغوري قاضي بغداد وكان والوزير نجم الدين محمود بن علي بن شروان الكردي وشرف الدين عثمان بن حسن البلدي فأقاموا ثلاثة أيام ثم توجهوا إلى مصر فحصل لهم قبول تام من السلطان فاستقضى الاول على الحنفية كما سيأتي واستوزر الثاني وأمر الثالث وفي يوم عاشوراء احضر شمس الدين محمد بن الشيخ شهاب الدين بن اللبان الفقيه الشافعي إلى مجلس الحكم الجلالي وحضر معه شهاب الدين بن فضل الله مجد الدين الاقصرائي شيخ الشيوخ وشهاب الدين الأصبهاني فادعى عليه بأشياء منكرة من الحلول والاتحاد والغلو في القرمطة وغير ذلك فأقر ببعضها فحكم عليه بحقن دمه ثم توسط في أمره وأبقيت عليه جهاته ومنع من الكلام على الناس وقام في صفه جماعة من الأمراء والأعيان وفي صفر احترق بقصر حجاج حريق عظيم أتلف دورا ودكاكين عديدة وفي ربيع الاول ولد للسلطان ولد فدقت البشائر وزينت البلد أياما وفي منتصف ربيع الاخر أمر الامير صارم الدين إبراهيم الحاجب الساكن تجاه جامع كريم الدين طبلخاناه وهو من كبار أصحاب الشيخ تقي الدين رحمه الله وله مقاصد حسنة صالحة وهو في نفسه رجل جيد وفيه أفرج عن الخليفة المستكفي وأطلق من البرج في حادي عشرين ربيع الاخر ولزم بيته وفي يوم الجمعة عشرين جمادي الاخرة اقيمت الجمعة في جامعين بمصر أحدهما أنشاه الأمير عز الدين أيدمر بن عبد الله الخطيري مات بعد ذلك باثني عشر يوما رحمه الله والثاني أنشأته امرأة يقال لها الست حدق دادة السلطان الناصر عند قنطرة السباع وفي شعبان سافر القاضي شهاب الدين أحمد بن شرف بن منصور النائب في الحكم بدمشق إلى قضاء طرابلس وناب بعده الشيخ شهاب الدين أحمد بن النقيب البعلبكي وفيه خلع على عز الدين بن جماعة بوكالة بيت المال بمصر وعلى ضياء الدين ابن خطيب بيت الابار بالحسبة بالقاهرة مع ما بيده من نظر الاوقاف وغيره وفيه أمر الأمير ناظر القدس بطبلخاناه ثم عاد إلى القدس
وفي عاشر رمضان قدمت من مصر مقدمتان ألفان إلى دمشق سائرة إلى بلاد سيس وفيهم علاء الدين فاجتمع به أهل العلم وهو من افاضل الحنفية وله مصنفات في الحديث وغيره
وخرج الركب الشامي يوم الاثنين عاشر شوال وأميره بهادر قبجق وقاضية محيي الدين الطرابلسي مدرس الحمصية وفي الركب تقي الدين شيخ الشيوخ وعماد الدين ابن الشيرازي ونجم الدين الطرسوسي وجمال الدين المرداوي وصاحبه شمس الدين ابن مفلح والصدر المالكي والشرف ابن القيسراني والشيخ خالد المقيم عند دار الطعم وجمال الدين بن الشهاب محمود
وفي ذي القعدة وصلت الاخبار بان الجيش تسلموا من بلاد سيس سبع قلاع وحصل لهم خير كثير ولله الحمد وفرح المسلمون بذلك وفيه كانت وقعة هائلة بين التتار انتصر فيها الشيخ وذووه وفيها نفي السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون الخليفة وأهله وذويه وكانوا قريبا من مائة نفس إلى بلاد قوص ورتب لهم هناك ما يقوم بمصالحهم فإنا لله وإنا إليه راجعون وممن توفي فيها من الاعيان :
*3* الشيخ علاء الدين بن غانم
@ أبو الحسن علي بن محمد بن سليمان بن حمائل بن علي المقدسي أحد الكبار المشهورين بالفضائل وحسن الترسل وكثرة الادب والاشعار والمروءة التامة مولده سنة إحدى وخمسين وستمائة وسمع الحديث الكثير وحفظ القرآن والتنبيه وباشر الجهات وقصده الناس في الامور المهات وكان كثير الاحسان إلى الخاص والعام توفي مرجعه في الحج في منزلة تبوك يوم الخميس ثالث عشر المحرم ودفن هناك رحمه الله ثم تبعه أخوه شهاب الدين أحمد في شهر رمضان وكان اصغر منه سنا بسنة وكان فاضلا أيضا بارعا كثير الدعابة
*3* الشرف محمود الحريري
@ المؤذن بالجامع الموي بنى حماما بالنيرب ومات في آخر المحرم
*3* الشيخ الصالح العابد
@ ناصر الدين بن الشيخ إبراهيم بن معضاد بن شداد بن ماجد بن مالك الجعبري ثم المصري ولد سنة خمسين وستمائة بقلعة جعبر وسمع صحيح مسلم وغيره وكان يتكلم على الناس ويعظهم ويستحضر أشياء كثيرة من التفسير وغيره كان فيه صلاح وعبادة توفي في الرابع والعشرين من المحرم ودفن بزاويتهم عند والده خارج باب النصر
*3* الشيخ شهاب الدين عبدا لحق الحنفي
@ أحمد بن علي بن أحمد بن علي بن يوسف بن قاضي ! الحنفيين ويعرف بابن عبدالحق الحنفي شيخ المذهب ومدرس الحنفية وغيرها وكان بارعا فاضلا دينا توفي في ربيع الاول
*3* الشيخ عماد الدين
@ إبراهيم بن علي بن عبدالرحمن بن عبدالمنعم بن نعمة المقدسي النابلسي الحنبلي الامام العالم العابد شيخ الحنابلة بها وفقيههم من مدة طويلة توفي في ربيع الاول
*3* الشيخ الامام العابد الناسك
@ محب الدين عبد الله بن احمد بن المحب عبد الله بن أحمد بن أبي بكر محمد بن إبراهيم بن أحمد بن عبدالرحمن بن إسماعيل بن منصور المقدسي الحنبلي سمع الكثير وقرأ بنفسه وكتب الطباق وانتفع الناس به وكانت له مجالس وعظ من الكتاب والسنة في الجامع الاموي وغيره وله صوت طيب بالقراءة جدا وعليه روح وسكينة ووقار وكانت مواعيده مفيدة ينتفع بها الناس وكان شيخ الاسلام تقي الدين ابن تيمية يحبه ويحب قراءته توفي يوم الاثنين سابع ربيع الاول وكانت جنازته حافلة ودفن بقاسيون وشهد الناس له بخير رحمه الله تعالى وبلغ خمسا وخسمين سنة
*3* المحدث البارع المحصل المفيد المخرج المجيد
@ ناصر الدين محمد بن طغربل بن عبد الله الصيرفي أبوه الخوارزمي الاصل سمع الكثير وقرأ بنفسه وكان سريع القراءة وقرأ الكتب الكبار والصغار وجمع وخرج شيئا كثيرا وكان بارعا في هذا الشأن رحل فأدركته منيته بحماة يوم السبت ثاني ربيع الاول ودفن من الغد بمقابر طيبة رحمه الله
*3* شيخنا الامام العالم العابد
@ شمس الدين أبو محمد عبد الله بن العفيف محمد بن الشيخ تقي الدين يوسف بن عبد المنعم بن نعمة المقدسي النابلسي الحنبلي إمام مسجد الحنابلة بها ولد سنة سبع واربعين وستمائة وسمع الكثير وكان كثير العبادة حسن الصوت عليه البهاء والوقار وسحن الشكل والسمت قرأت عليه عام ثلاث وثلاثين وسبعمائة مرجعنا من القدس كثيرا من الأجزاء والفوائد وهو والد صاحبنا الشيخ جمال الدين يوسف أحد مفتية الحنابلة وغيرهم والمشهورين بالخير والصلاح توفي يوم الخميس ثاني عشرين ربيع الاخر ودفن هناك رحمه الله
*3* الشيخ محمد بن عبد الله بن المجد
@ إبراهيم المرشدي المقيم بمنية مرشد يقصده الناس للزيارة ويضيف الناس على حسب مراتبهم وينفق نفقات كثيرة جدا ولم يكن يأخذ من أحد شيئا فيما يبدو للناس والله أعلم بحاله وأصله من قرية دهروط وأقام بالقاهرة مدة واشتغل بها ويقال إنه قرأ التنبيه في الفقه ثم انقطع بمنية مرشد واشتهر أمره في الناس وحج مرات وكان إذا دخل القاهرة يزدحم عليه الناس ثم كانت وفاته يوم الخميس ثامن رمضان ودفن بزاويته وصلى عليه بالقاهرة ودمشق وغيرها
*3* الامير أسد الدين
@ عبد القادر بن المغيث عبدالعزيز بن الملك المعظم عيسى بن العادل ولد سنة ثنتين وأربعين وستمائة وسمع الكثير وأسمع وكان يأتي كل سنة من مصر إلى دمشق ويكرم أهل الحديث ولم يبق من بعده من بني أيوب أعلا سنا منه توفي بالرملة في سلخ رمضان رحمه الله
*3* الشيخ الصالح الفاضل
@ حسن بن إبراهيم بن حسن الحاكي الحكري إمام مسجده هناك ومذكر الناس في كل جمعة ولديه فضائل وفي كلامه نفع كثير إلى أن توفي في العشرين من شوال ولم ير الناس مثل جنازته بديار مصر رحمه الله تعالى
*2* ثم دخلت سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة
@ استهلت بيوم الاربعاء والخليفة المستكفي منفي ببلاد قوص ومعه أهله وذووه ومن يلوذ به وسلطان البلاد الملك الناصر محمد بن الملك المنصور ولا نائب بديار مصر ولا وزير ونائبه بدمشق تنكز وقضاة البلاد ونوابها ومباشروها هم المذكورون في التي قبلها وفي ثالث ربيع الاول رسم السلطان بتسفير علي ومحمد ابني داود بن سليمان بن داود بن العاضد آخر خلفاء الفاطميين إلى الفيوم يقيمون به وفي يوم الجمعة ثاني عشر ربيع الآخر عزل القاضي علم الدين بن القطب عن كتابة السر وضرب وصودر ونكب بسببه القاضي فخر الدين المصري وعزل عن مدرسته الدولعية وأخذها ابن جملة والعادلية الصغيرة باشرها ابن النقيب ورسم عليه بالعذراوية مائة يوم وأخذ شيء من ماله
وفي ليلة الاحد ثالث عشرين ربيع الاول بعدالمغرب هبت ريح شديدة بمصر وأعقبها رعد وبرق وبرد بقدر الجوز وهذا شيء لم يشاهدوا مثله من أعصار متطاولة بتلك البلاد وفي عاشر جمادي الاولى استهل الغيث بمكة من أول الليل فلما انتصف الليل جاء سيل عظيم هائل لم ير مثله من دهر طويل فخرب دورا كثيرة نحوا من ثلاثين أو أكثر وغرق جماعة وكسر أبواب المسجد ودخل الكعبة وارتفع فيها نحوا من ذراع أو أكثر وجرى أمر عظيم حكاه الشيخ عفيف الدين الطبري وفي سابع عشرين من جمادي الاولى عزل القاضي جلال الدين عن قضاء مصر واتفق وصلو خبر موت قاضي الشام ابن المجد بعد أن عزل بيسير فولاه السلطان قضاء الشام فسار إليها راجعا عودا على بدء ثم عزل السلطان برهان الدين بن عبدالحق قاضي الحنفية وعزل قاضي الحنابلة تقي الدين ورسم على ولده صدر الدين بأداء ديون الناس إليهم وكانت قريبا من ثلاثمائة ألف فلما كان يوم الاثنين تاسع عشر جمادي الاخرة بعد سفر جلال الدين بخمسة أيام طلب السلطان أعيان الفقهاء إلى بين يديه فسألهم عن من يصلح للقضاء بمصر فوقع الاختيار على القاضي عز الدين ابن جماعة فولاه في الساعة الراهنة وولى قضاء الحنفية لحسام الدين حسن بن محمد الغوري قاضي بغداد وخرجا من بين يديه إلى المدرسة الصالحية وعليهما الخلع ونزل عز الدين بن جماعة من دار الحديث الكاملية لصاحبه الشيخ عماد الدين الدمياطي فدرس فيها واورد حديث إنما الاعمال النيات بسنده وتكلم عليه وعزل أكثر نواب الحكم واستمر بعضهم واستمر بالمنادي الذي أشار بتوليته ولما كان يوم خامس عشرين منه ولى قضاء الحنابلة الامام العالم موفق الدين ابو محمد عبدالله بن محمد بن عبد الملك المقدسي عوضا عن المعزول ولم يبق من القضاة سوى الاخنائي المالكي
وفي رمضان فتحت الصبابية التي أنشأها شمس الدين بن تقي الدين بان الصباب التاجر دار قرآن ودار حديث وقد كانت خربة شنيعة قبل ذلك وفي رمضان باشر علاء الدين علي ابن القاضي محيي الدين بن فضل الله كتابة السر بمصر بعد وفاة أبيه كما سيأتي ترجمته وخلع عليه وعلى أخيه بدر الدين ورسم لهما أن يحضرا مجلس السلطان وذهب أخوه شهاب الدين إلى الحج
وفي هذا الشهر سقط بالجانب الغربي من مصر بردكا لبيض وكالرمان فأتلف شيئا كثيرا ذكر ذلك البرزالي ونقله من كتاب الشهاب الدمياطي وفي ثالث عشرين رمضان درس بالقبة المنصورية بمشيخة الحديث شهاب الدين العسجدي عوضا عن زين الدين الكنائي توفي فأرود حديثا من مسند الشافعي بروايته عن الجاولي بسنده ثم صرف عنها بالحجة بالشيخ اثير الدين أبي حيان فساق حديثا عن شخيه ابن الزبير ودعا للسلطان وحضر عنده القضاة والاعيان وكان مجلسا حافلا وفي ذي القعدة حضر تدريس الشامية البرانية قاضي القضاة شمس الدين ابن النقيب عوضا عن القاضي جمال الدين ابن جملة توفي وحضر خلق كثير من الفقهاء والاعيان وكان مجلسا حافلا وفي ثاني ذي الحجة درس بالعادلية الصغيرة تاج الدين عبد الرحيم ابن قاضي القضاة جلال الدين القزويني عوضا عن الشيخ شمس الدين بن النقيب بحكم ولايته الشامية البرانية وحضر عنده القضاة والاعيان وفي هذا الشهر درس القاضي صدر الدين بن القاضي جلال الدين بالاتابكية وأخوه الخطيب بدر الدين بالغزالية والعادلية نيابة عن أبيه انتهى والله اعلم وممن توفي فيها من الاعيان :
*3* الامير الكبير بدر الدين محمد بن فخر الدين عيسى بن التركماني
@ باني جامع المقياس بديار مصر في ايام وزارته بها ثم عزل أميرا إلى الشام ثم رجع إلى مصر إلى أن توفي بها في خامس ربيع الاخر وتوفي بالحسينية وكان مشكورا رحمه الله انتهى
*3* قاضي القضاة شهاب الدين
@ محمد بن المجد بن عبد الله بن الحسين بن علي الرازي الاربلي الاصل ثم الدمشقي الشافعي قاضي الشفاعية بدمشق ولد سنة ثنتين وستين وستمائة واشتغل وبرع وحصل وأفتى سنة ثلاث وتسعين ودرس بالاقبالية ثم الرواحية وتربة أم الصالح وولى وكلة بيت المال ثم صار قاضي قضاة الشام إلى أن توفي بمستهل جمادي الاولى بالمدرسة العادلية ودفن بمقابر باب الصغير رحمه الله
*3* الشيخ الامام العالم بن المرحل
@ زين الدين محمد بن عبد الله ابن الشيخ زين الدين عمر بن مكي بن عبدالصمد بن المرسل مدرس الشامية البرانية والعذراوية بدمشق وكان قبل ذلك بمشهد الحسين وكان فاضلا بارعا فقيها أصوليا مناظرا حسن الشكل طيب الاخلاق دينا صينا وناب في وقت بدمشق عن علم الدين الاخنائي فحمدت سيرته كانت وفاته ليلة الاربعاء تاسع عشر رجب ودفن من الغد عند مسجد الديان في تربة لهم هناك وحضر جنازته القاضي جلال الدين وكان قد قدم من الديار المصرية له يومان فقط وقدم بعده القاضي برهان الدين عبدالحق بخمسة أيام هو وأهله وأولاده أيضا وباشر بعده تدريس الشامية البرانية قاضي القضاة جمال الدين ابن جملة ثم كانت وفاته بعده بشهور وذلك يوم الخميس رابع عشر ذي القعدة وهذه ترجمته في تاريخ الشيخ علم الدين البرزالي
*3* قاضي القضاة جمال الدين الصالحي
@ جمال الدين أبو المحاسن يوسف بن إبراهيم بن جملة بن مسلم بن همام بن حسين بن يوسف الصالحي الشافعي المحجي ! والده بالمدرسة السرورية وصلى عليه عقيب الظهر يوم الخميس رابع عشر ذي الحجة ودفن بسفح قاسيون ومولده في أوائل سنة ثنتين وثمانين وستمائة وسمع من ابن البخاري وغيره وحدث وكان رجلا فاضلا في فنون اشتغل وحصل وأفتى وأعاد ودرس وله فضائل جمة ومباحث وفوائد وهمة عالية وحرمة وافرة وفيه تودد وإحسان وقضاء للحقوق وولى القضاء بدمشق نيابة واستقلالا ودرس بمدارس كبار ومات هو مدرس الشامية البرانية وحضر جنازته خلق كثير من الاعيان رحمه الله
*3* شيخ الاسلام قاضي القضاة ابن البارري
@ شرف الدين أبو القاسم هبة الله ابن قاضي القضاة نجم الدين عبد الرحيم بن القاضي شمس الدين ابي الطاهر إبراهيم بن هبة الله بن مسلم بن هبة الله الجهيني الحموي المعرو بابن البارزي قاضي القضاة بحماة صاحب التصانيف الكثيرة المفيدة في الفنون العديدة ولد في خامس رمضان سنة خمس وأربعين وستمائة وسمع الكثير وحصل فنونا كثيرة وصنف كتبا جما كثيرة وكان حسن الأخلاق كثير المحاضرة حسن الاعتقاد في الصالحين وكان معظما عند الناس وأذن لجماعة من البلد في الافتاء وعمى في آخر عمره وهو يحكم مع ذلك مدة ثم نزل عن المنصب لحفيده نجم الدين عبدالرحيم بن إبراهيم وهو في ذلك لا يقطع نظره عن المنصب وكانت وفاته ليلة الاربعاء العشرين من ذي القعدة بعد أن صلى العشاء والوتر فلم تفته فريضة ولا نافلة وصلى عليه من الغد ودفن بعقبة نقيرين وله من العمر ثلاث وتسعون سنة
*3* الشيخ الامام العالم
@ شهاب الدين أحمد بن البرهان شيخ الحنفية بحلب شارح الجامع الكبير وكان رجلا صالحا منقطعا عن الناس وانتفع الناس به وكانت وفاته ليلة الجمعة الثامن والعشرين من رجب وكانت له معرفة بالعربية والقراءات ومشاركات في علوم أخر رحمه الله والله اعلم
*3* القاضي محيي الدين بن فضل الله كاتب السر
@ هو ابو المعالي يحيى بن فضل الله بن المحلي بن دعجان بن خلف العدوى العمري ولد في حادي عشر شوال سنة خمس وأربعين وستمائة بالكرك وسمع الحديث وأسمعه وكان صدرا كبيرا معظما في الدولة في حياة أخيه شرف الدين وبعده وكتب السر بالشام وبالديار المصرية وكانت وفاته ليلة الاربعاء تاسع رمضان بديار مصر ودفن من الغد بالقرافة وتولى المنصب بعده ولده علاء الدين وهو أصغر أولاده الثلاثة المعينين لهذا المنصب
*3* الشيخ الأمام العلامة ابن الكتاني
@ زين الدين ابن الكتاني شيخ الشافعية بديار مصر وهو أبو حفص عمر بن أبي الحزم بن عبدالرحمن بن يونس الدمشقي الأصل ولد بالقاهرة في حدود سنة ثلاث خمسين وستمائة واشتغل بدمشق ثم رحل إلى مصر واستوطنها وتولى بها بعض الأقضية بالحكر ثم ناب عن الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد فحمدت سيرته ودرس بمدارس كبار ولى ميشخة دار الحديث بالقبة المنصورية وكان بارعا فاضلا عنده فوائد كثيرة جدا غير أنه كان سيء الأخلاق منقبضا عن الناس لم يتزوج قط وكان حسن الشكل بهي المنظر ياكل الطيبات ويلبس اللين من الثياب وله فوائد وفوائد وزوائد على الروضة وغيرها وكان فيه استهتار لبعض العلماء فالله يسامحه وكانت وفاته يوم الثلاثاء المنتصف من رمضان ودفن بالقرافة رحمه الله انتهى
*3* الشيخ الامام العلامة ابن القويع
@ ركن الدين بن القريع أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن بن يوسف بن عبدالرحمن بن عبد الجليل الوسي الهاشمي الجعفري التونسي المالكي المعروف بابن القويع كان من اعيان الفضلاء وسادة الاذكياء ممن جمع الفنون الكثيرة والعلوم الاخروية الدينية الشرعية الطيبة وكان مدرسا بالمنكود مرية وله وظيفة في المارستان المنصوري وبها توفي في بكرة السابع عشر من ذي الحجة وترك مالا وأثاثا ورثه بيت المال
وهذا آخر ما أرخه شيخنا الحافظ علم الدين البرزالي في كتابه الذي ذيل به على تاريخ الشيخ شهاب الدين ابي شامة المقدسي وقد ذيلت على تاريخه إلى زماننا هذا وكان فراغي من الانتقاء من تاريخه في يوم الاربعاء العشرين من جمادي الاخرة من سنة إحدى وخمسين وسبعمائة احسن الله خاتمتها آمين وإلى هنا انتهى ما كتبته من لدن خلق آدم إلى زماننا هذا ولله الحمد والمنة وما أحسن ما قال الحريري
وإن تجد عيبا فسد الخللا * فجل من لا عيب فيه وعلا
كتبه إسماعيل بن كثير بن صنو القرشي الشافعي عفا الله تعالى عنه آمين
*2* ثم دخلت سنة تسع وثلاثين وسبعمائة
@ استهلت وسلطان الاسلام والمسلمين بالديار المصرية وما والاها والديار الشامية وما والاها والحرمين الشريفين الملك الناصر محمد بن الملك المنصور قلاوون ولا نائب له ولا وزير أيضا بمصر وقاضة مصر أما الشافعي فقاضي القضاة عز الدين ابن قاضي القشاة صدر الدين محمد بن إبراهيم بن جماعة وأما الحنفي فقاضي القضاة حسام الدين الغوري حسن بن محمد وأما المالكي فتقي الدين الاخنائي وأما الحنبلي فموفق الدين بن نجا المقدسي ونائب الشام الامير سيف الدين تنكز وقضاته جلال الدين القزويني الشافعي المعزول عن الديار المصرية والحنفي عماد الدين الطرسوسي والمالكي شرف الدين الهمداني والحنبلي علاء الدين بن المنجا التنوخي
ومما حدث في هذه السنة إكمال دار الحديث السكرية وباشر مشيخة الحديث بها الشيخ الامام الحافظ مؤرخ الاسلام محمد بن شمس الدين محمد بن أحمد الذهبي وقرر فيها ثلاثون محدثا لكل منهم جراية وجامكية كل شهر سبعة دراهم ونصف رطل خبز وقرر للشيخ ثلاثون رطل خبز وقرر فيها ثلاثون نفرا يقرؤون القرآن لكل عشرة شيخ ولكل واحد من القراء نظير ما للمحدثين ورتب لها إمام وقارئ حديث ونواب ولقارئ الحديث عشرون درهما وثمان أواق خبز وجاءت في غاية الحسن في شكالاتها وبنائها وهي نجاه دار الذهب التي أنشأها الواقف الأمير تنكز ووقف عليها عدة أماكن منها سوق القشاشيين بباب الفرج طوله عشرون ذراعا شرقا وغربا سماه في كتاب الوقف وبندر زيدين وحمام بحمص وهو الحمام القديم ووقف عليها حصصا في قرايا أخر ولكنه تغلب على ما عدا القشاشيين وبندر زيدين وحمام حمص
وفيها قدم القاضي تقي الدين علي بن عبد الكافي السبكي الشافعي من الديار المصرية حاكما على دمشق وأعمالها وفرح الناس به ودخل الناس يسلمون عليه لعلمه وديانته وأمانته ونزل بالعادلية الكبيرة على عادة من تقدمه ودرس بالغزالية والاتابكية واستناب ابن عمه القاضي بهاء الدين أبو البقاء ثم استناب ابن عمه أبا الفتح وكانت ولايته الشام بعد وفاة قاضي القضاة جلال الدين محمد بن عبد الرحيم القزويني الشافعي على ما سيأتي بيانه في الوفيات من هذه السنة
وممن توفي فيها من الاعيان في المحرم سنة تسع وثلاثين وسبعمائة
*3* العلامة قاضي القضاة فخر الدين
@ عثمان بن الزين علي بن عثمان الحلبي ابن خطيب جسرين الشافعي ولي قضاء حلب وكان إماما صنف شرح مختصر ابن الحاجب في الفقه وشرح البديع لابن الساعاتي وله فوائد غزيرة ومصنفات جليلة تولى حلب بعد عزل الشيخ ابن النقيب ثم طلبه السلطان فمات هو وولده الكمال وله بضع وسبعون سنة وممن توفي فيها
*3* قاضي القضاة جلال الدين محمد بن عبد الرحمن
@ القزويني الشافعي قدم هو وأخوه أيام التتر من بلادهم إلى دمشق وهما فاضلان بعدالتسعين وستمائة فدرس إمام الدين في تربة أم الصالح وأعاد جلال الدين بالبادرائية عند الشيخ برهان الدين ابن الشيخ تاج الدين شيخ الشافعية ثم تقلبت بهم الاحوال إلى أن ولي إمام الدين قضاء الشفاعية بدمشق انتزع له من يد القاضي بدر الدين ابن جماعة ثم هرب سنة قازان إلى الديار المصرية مع الناس فمات هنالك وأعيد ابن جماعة إلى القضاء وخلت خطابة البلد سنة ثلاث وسبعمائة فوليها جلال الدين المذكور ثم ولي القضاء بدمشق سنة خمس وعشرين مع الخطابة ثم انتقل إلى الديار المصرية سنة سبع وعشرين بعد أن عجز قاضي القضاة بدر الدين بن جماعة بسبب الضرر في عينيه فلما كان في سنة ثمان وثلاثين تعصب عليه السلطان اللمك الناصر بسبب أمور يطول شرحها ونفاه إلى الشام واتفق موت قاضي القضاة شهاب الدين بن المجد عبد الله كما تقدم فولاه السلطان قضاء الشام عودا على بدء فاستناب ولده بدر الدين على نيابة القضاء الذي هو خطيب دمشق كانت وفاته في أواخر هذه السنة ودفن بالصوفية وكانت له يد طولى في المعاني والبيان ويفتى كثيرا وله مصنفات في المعاني مصنف مشهور اسمه للتخليص اختصر فيه المفتاح للسكاكي وكان مجموع الفضائل مات وكان عمره قريبا من السبعين أو جاوزها وممن توفي فيها رابع الحجة يوم الاحد
*3* الشيخ الأمام الحافظ ابن البرزالي
@ علم الدين أبو محمد القاسم بن محمد بن البرزالي مؤرخ الشام الشافعي ولد سنة وفاة الشيخ ابن أبي شامة سنة خمس وستين وستمائة وقد كتب تاريخا ذيل به على الشيخ شهاب الدين من حين وفاته ومولد البرزالي إلى أن توفي في هذه السنة وهو محرم فغسل وكفن ولم يستر رأسه وحمله الناس على نعشه وهم يبكون حوله وكان يوما مشهودا وسمع الكثير أزيد من ألف شيخ وخرج له المحدث شمس الدين ابن سعد مشيخة لم يكملها وقرأ شيئا كثيرا وأسمع شيئا كثيرا وكان له خط حسن وخلق حسن وهو مشكور عند القضاة ومشايخه أهل العلم سمعت العلامة ابن تيمية يقول نقل البرزالي نقر في حجر وكان أصحابه من كل الطوائف يحبونه ويكرمونه وكان له أولاد ماتوا قبله وكتبت ابنته فاطمة البخاري في ثلاثة عشر مجلدا فقابله لها كان يقرأ فيه على الحافظ المزي تحت القبة حتى صارت نسختها أصلا معتمدا يكتب منها الناس وكان شيخ حديث بالنورية
وفيها وقف كتبه بدار الحديث السنية وبدار الحديث القوصية وفي الجامع وغيره وعلى كراسي الحديث وكان متواضعا محببا إلى الناس متوددا إليهم توفي عن اربع وسبعين سنة رحمه الله
*3* المؤرخ شمس الدين
@ محمد بن إبراهيم الجوزي جمع تاريخا حافلا كتب فيه أشياء يستفيد منها الحافظ كالمزي والذهبي والبرزالي يكتبون عنه ويعتمدون على نقله وكان شيخا قد جاوز الثمانين وثقل سمعه وضعف خطه وهو والد الشيخ ناصر الدين محمد واخوه مجد الدين
*2* ثم دخلت سنة أربعين وسبعمائة
@ استهلت هذه السنة وسلطان المسلمين الملك الناصر وولاته وقضاته المذكورون في التي قبلها إلا الشافعي بالشام فتوفي القزويني وتولى العلامة السبكي ومما وقع الحوادث العظيمة الهائلة أن جماعة من رؤس النصارى اجتمعوا في كنيستهم وجمعوا من بيتهم مالا جزيلا فدفعوه إلى راهبين قدما عليها من بلاد الروم يحسنان صنعة النفط اسم أحدهما ملاني والاخر عازر فعملا كحطا من نفط وتلطفا حتى عملاه لا يظهر تأثيره لا بعد أربع ساعات وأكثر من ذلك فوضعا في شقوق دكاكين التجار في سوق الرجال عند الدهشة في عدة دكاكين من آخر النهار بحيث لا يشعر أحد بهما وهما في زي المسلمين فلما كان في أثناء الليل لم يشعر الناس إلا والنار قد عملت في تلك الدكاكين حتى تعلقت في دباربزينات المأذنة الشرقية المتجهة للسوق المذكور وأحرقت درابزينات وجاء نائب السلطنة تنكز والأمراء أمراء الألوف وصعدوا المنارة وهي تشعل نارا واحترسوا عن الجامع فلم ينله شيء من الحريق ولله الحمد والمنة وأما المأذنة فإنها تفجرت احجارها واحترقت السقالات التي تدل السلالم فهدمت وأعيد بناؤها بحجارة جدد وهي المنارة الشرقية التي جاء في الحديث أنه ينزل عليها عيسى ابن مريم كما سيأتي الكلام عليه في نزول عيسى عليه السلام والبلد محاصر بالدجال
والمقصود أن النصارى بعد ليال عمدوا إلىناحية الجامع من المغرب إلى القيسارية بكمالها وبما فيها من الأقواس والعدد فإنا لله وإنا إليه راجعون وتطاير شرر النار إلى ما حول القيسارية من الدور والمساكن والمدارس واحترق جانب من المدرسة الأمينية إلى جانب المدرسة المذكور وما كان مقصودهم الا وصول النار إلى معبد المسلمين فحال الله بينهم وبين ما يرومون وجاء نائب السلطنة والأمراء وحالوا بين الحريق والمسجد جزاهم الله خيرا ولما تحقق نائب السلطنة أن هذا من فعلهم أمر بمسك رؤس النصارى فأمسك منهم نحوا من ستين رجلا فأخذوا بالمصادرات والضرب والعقوبات وأنواع المثلات ثم بعد ذلك صلب منهم أزيد من عشرة على الجمال وطاف بهم في أرجاء البلاد وجعلوا يتماوتون واحدا بعد واحد ثم أحرقوا بالنار حتى صاروا رمادا لعنهم الله انتهى والله أعلم
*3* سبب مسك تنكز
@ لما كان يوم الثلاثاء الرابع والعشرين من ذي الحجة جاء الامير طشتمر من صغد مسرعا وركب جيش دمشق ملبسا ودخل نائب السلطنة من قصره مسرعا إلى دار السعادة وجاء الجيش فوقفوا على باب النصر وكان أراد أن يلبس ويقابل فعذلوه في ذلك وقالوا المصلحة الخروج إلى السلطان سامعا مطيعا فخرج بلا سلاح فلما برز إلى ظاهر البلد التف عليه الفخري وغيره وأخذوه وذهبوا به إلى ناحية الكسوة فلما كان عند قبة يلبغا نزلوا وقيدوه وخصاياه من قصره ثم ركب البريد وهو مقيد وساروا به إلى السلطان فلما وصل أمر بمسيره إلى الاسكندرية وسألوا عن ودائعه فأقر ببعض ثم عوقب حتى أقر بالباقي ثم قتلوه ودفنوه بالاسكندرية ثم نقلوه إلى تربته بدمشق رحمه الله وقد جاوز الستين وكان عادلا مهيبا عفيف الفرج واليد والناس في أيامه في غاية الرخص والأمن والصيانة فرحمه الله وبل بالرحمة ثراه
وله أوقاف كثيرة من ذلك مرستان بصغد وجامع بنابلس وعجلون وجامع بدمشق ودار حديث بالقدس ودمشق ومدرسة وخانقاه بالقدس ورباط وسوق موقوف على المسجد الاقصى وفتح شباكا في المسجد انتهى والله تعالى أعلم وممن توفي فيها من الاعيان:
*3* أمير المؤمنين المستكفي بالله
@ أبو الربيع سليمان بن الحاكم بأمر الله بن العباس أحمد بن أبي علي الحسن بن أبي بكر بن علي ابن أمير المؤمنين المسترشد بالله الهاشمي العباسي البغدادي الأصل والمولد مولده سنة ثلاث وثمانين وستمائة أو في التي قبلها وقرأ واشتغل قليلا وعهد إليه أبوه بالأمر وخطب له عند وفاة والده سنة إحدى وسبعمائة وفوض جميع ما يتعلق به من الحل والعقد إلى السلطان الملك الناصر وسار إلى غزو التتر فشهد مصاف شقحب ودخل دمشق في شعبان سنة اثنتين وسبعمائة وهو راكب مع السلطان وجميع كبراء الجيش مشاة ولما أعرض السلطان عن الامر وانعزل بالكرك النمس الأمراء من المستكفي أن يسلطن من ينهض بالملك فقلد الملك المظفر ركن الدين بيبرس الجاشنكير وعقد له اللواء وألبسه خلعة السلطنة ثم عاد الناصر إلى مصر وعذر الخليفة في فعله ثم غضب عليه وسيره إلى قوص فتوفى في هذه السنة في قوص في مستهل شعبان
*2* ثم دخلت سنة إحدى واربعين وسبعمائة
@ استهلت يوم الاربعاء وسلطان المسلمين الملك الناصر محمد بن الملك المنصور قلاوون وقضاته بمصر هم المذكورون في التي قبلها وليس في دمشق نائب سلطنة وإنما الذي يسد الامور الامير سيف الدين طشتمر الملقب بالحمص الأخضر الذي جاء بالقبض على الأمير سيف الدين تنكز ثم جاء المرسوم بالرجوع إلى صغد فركب من آخر النهار وتوجه إلى بلده وحواصل الأمير تنكز تحت الحوطة كما هي
وفي صبيحة يوم السبت رابع المحرم من السنة المذكورة قدم من الديار المصرية خمسة امراء الامير سيف الدين بشتك الناصري ومعه برصبغا الحاجب وطاشار الدويدار وبنعراوبطا فنزل بشتاك بالقصر الابلق والميادين وليس معه من مماليكه إلا القليل وإنما جاء لتجديد البيعة إلى السلطان لما توهموا من ممالأة بعض الأمراء لنائب الشام المنفصل وللحوطة على حواصل الأمير سيف الدين تنكز المنفصل عن نيابة الشام وتجهيزها للديار المصرية وفي صبيحة يوم الاثنين سادسه دخل الامير علاء الدين الطنبغا إلى دمشق نائبا وتلقاه الناس وبشتك والأمراء المصريون ونزلوا إلى عتبته فقبلوا العتبة الشريفة ورجعوا معه إلى دار السعادة وقرئ تقليده وفي يوم الاثنين ثالث عشرة مسك من الأمراء المقدمين أميران كبيران الجي بغا العادلي وطنبغا الحجي ورفعا إلى القعلة المنصورة واحتيط على حواصلهما وفي يوم الثلاثاء تحملوا بيت ملك الأمراء سيف الدين تنكز وأهله وأولاده إلى الديار المصرية وفي يوم الأربعاء خامس عشرة ركب نائب السلطنة الامير علاء الدين طنبغا ومعه الأمير سيف الدين بشتك الناصري والحاجة رقطية وسيف الدين قطلوبغا الفخري
وجماعة من الأمراء المقدمين واجتمعوا بسوق الخيل واستدعوا بمملوكي الأمير سيف الدين تنكز وهما جغاي وطغاي فأمر بتوسيطهما فوسطا وعلقا على الخشب ونودي عليهما هذا جزاء من تجاسر على السلطان الناصر
وفي يوم الثلاثاء الحادي والعشرين من هذا الشهر كانت وفاة الامير سيف الدين تنكز نائب الشام بقلعة اسكندرية قيل مخنوقا وقيل مسموما وهو الأصح وقيل غير ذلك وتأسف الناس عليه كثيرا وطال حزنهم عليه وفي كل وقت يتذكرون ما كان منه من الهيبة والصيانة والغيرة على حريم المسلمين ومحارم الاسلام ومن إقامته على ذوي الحاجات وغيرهم ويشتد تأسفهم عليه رحمه الله وقد أخبر القاضي أمين الدين ابن القلانسي رحمه الله شيخنا الحافظ العلامة عماد الدين ابن كثير رحمه الله أن الامير سيف الدين تنكز مسك يوم الثلاثاء ودخل مصر يوم الثلاثاء ودخل الاسكندرية يوم الثلاثاء وتوفي يوم الثلاثاء وصلى عبيه بالاسكندرية ودفن بمقبرتها في الثالث والعشرين من المحرم بالقرب من قبر القباري وكانت له جنازة جيدة
وفي يوم الخميس سابع شهر صفر قدم الامير سيف الدين طشتمر الذي مسك تنكز إلى دمشق فنزل بوطأة برزة بجيشه ومن معه ثم توجه إلى حلب المحروسة نائبا بها عوضا عن الطنبغا المنفصل عنها وفي صبيحة يوم الخميس ثالث عشر ربيع الاول نودي في البلد بجنازة الشيخ الصالح العابد الناسك القدوة الشيخ محمد بن تمام توفي بالصالحية فذهب الناس إلى جنازته إلى الجامع المظفري واجتمع الناس على صلاة الظهر فضاق الجامع المذكور عن أن يسعهم وصلى الناس في الطرقات وأرجاء الصالحية وكان الجمع كثيرا جدا لم يشهد الناس جنازة بعد جنازة الشيخ تقي الدين بن تيمية مثلها لكثرة من حضرها من الناس رجالا ونساء وفيهم القضاة والاعيان والأمراء وجمهور الناس يقاربون عشرين ألفا وانتظر الناس نائب السلطنة فاشتغل بكتاب ورد عليه من الديار المصرية فصلى عليه الشيخ بعد صلاة الظهر بالجامع المظفري ودفن عند اخيه
في تربة بين تربة الموفق وبين تربة الشيخ ابي عمر رحمهم الله وإيانا وفي أول شهر جمادي الاولى توفيت الشيخة العابدة الصالحة العالمة قارئة القرآن أم فاطمة عائشة بنت إبراهيم بن صديق زوجة شيخنا الحافظ جمال الدين المزي عشية يوم الثلاثاء مستهل هذا الشهر وصلى عليها بالجامع صبيحة يوم الاربعاء ودفنت بمقابر الصوفية غربي قبر الشيخ تقي الدين بن تيمية رحمهم الله كانت عديمة النظير في نساء زمانها لكثرة عبادتها وتلاوتها وإقرائها القرآن العظيم بفصاحة وبلاغة وأداء صحيح يعجز كثير من الرجال عن تجويده وختمت نساء كثيرا وقرأ عليها من النساء خلق وانتفعن بها وبصلاحها ودينها وزهدها في الدنيا وتقللها منها مع طول العمر بلغت ثمانين سنة أنفقتها في طاعة الله صلاة وتلاوة وكان الشيخ محسنا إليها مطيعا لا يكاد يخالفها لحبه لها طبعا وشرعا فرحمها الله وقدس روحها ونور مضجها بالرحمة آمين
وفي يوم الاربعاء الحادي والعشرين منه درس بمدرسة الشيخ أبي عمر بسفح قاسيون الشيخ الامام شمس الدين محمد بن أحمد بن عبدالهادي المقدسي الحنبلي في التدريس البكتمري عوضا عن القاضي برهان الدين الزرعي وحضر عنده المقادسة وكبار الحنابلة ولم يتمكن أهل المدينة من الحضور لكثرة المطر والوحل يومئذ وتكامل عمارة المنارة الشرقية في الجامع الأموي في العشر الاخير من رمضان واستحسن الناس بناءها وإتقانها وذكر بعضهم أنه لم يبن في الاسلام منارة مثلها ولله الحمد ووقع لكثير من الناس في غالب ظنونهم أنها المنارة البيضاء الشرقية التي ذكرت في حديث النواس بن سمعان في نزول عيسى ابن مريم على المنارة البيضاء في شرقي دمشق فلعل لفظ الحديث انقلب على بعض الرواة وإنما كان على المنارة الشرقية بدمشق وهذه المنارة مشهورة بالشرقية بمقابلتها أختها الغربية والله سبحانه وتعالى أعلم
وفي يوم الثلاثاء سلخ شهر شوال عقد مجلس في دار العدل بدار السعادة وحضرته يومئذ واجتمع القضاة والاعيان على العادة وأحضر يومئذ عثمان الدكاكي قبحه الله تعالى وادعى عليه بعظائم من القول لم يؤثر مثلها عن الحلاج ولا عن ابن أبي الغدافر السلقماني وقامت عليه البينة بدعوى الآلهية
لعنه الله وأشياء أخر من التنقيص بالانبياء ومخالطته أرباب الريب نم الباجريقية وغيرهم من الاتحادية عليهم لعائن الله ووقع منه في المجلس من إساءة الأدب على القاضي الحنبلي وتضمن ذلك تكفيره من المالكية أيضا فادعى أن له دوافع وقوادح في بعض الشهود فرد إلى السجن مقيدا مغلولا مقبوحا أمكن الله منه بقوته وتأييده ثم لما كان يوم الثلاثاء الحادي والعشرين من ذي القعدة أحضر عثمان الدكاكي المذكور إلى دار السعادة واقيم إلى بين يدي الامراء والقضاة وسئل عن القوادح في الشهود فعجز فلم يقدر وعجز عن ذلك فتوجه عليه الحكم فسئل القاضي المالكي الحكم عليه فحمد الله وأثنى عليه وصلى على رسوله ثم حكم باراقة دمه وإن تاب فأخذ المذكور فضربت رقبته بدمشق بسوق الخيل ونودي عليه هذا جزءا من يكون على مذهب الاتحادية وكان يوما مشهودا بدار السعادة حضر خلق من الاعيان والمشايخ وحضر شيخنا جمال الدين المزي الحافظ وشيخنا الحافظ شمس الدين الذهبي وتكلما وحرضا في القضية جدا وشهدا بزندقة المذكور بالاستفاضة وكذا الشيخ زين الدين أخو الشيخ تقي الدين بن تيمية وخرجا القضاة الثلاثة المالكي والحنفي والحنبلي وهم نفذوا حكمه في المجلس فحضورا قتل المذكور وكنت مباشرا لجميع ذلك من أوله إلى آخره
وفي يوم الجمعة الثامن والعشرين من ذي القعدة أفرج عن الاميرين العقيلين بالقلعة وهما طنبغا حجا والجي بغا وكذلك افرج عن خزاندارية تنكز الذين تأخروا بالقلعة وفرح الناس بذلك
*3* ذكر وفاة الملك الناصر محمد بن قلاوون
@ في صبيحة يوم الاربعاء السابع والعشرين من ذي الحجة قدم إلى دمشق الامير سيف الدين قطلوبغا الفخري فخرج نائب السلطنة وعامة الأمراء لتلقيه وكان قدومه على خيل البريد فأخبر بوفاة السلطان الملك الناصر كانت وفاته يوم الاربعاء آخره وأنه صلى عليه ليلة الجمعة بعد العشاء ودفن مع ابيه الملك المنصور على ولده ! اتوك وكان قبل موته أخذ العهد لابنه سيف الدين ابي بكر ولقبه بالملك المنصور فلما دفن السلطان يلية الجمعة حضره من الأمراء قليل وكان قد ولى عليه الأمير علم الدين الجاولي ورجل آخر منسوب إلى الصلاح يقال له الشيخ عمر بن محمد بن إبراهيم الجعبري وشخص آخر من الجبارية ودفن كما ذكرنا ولم يحضر ولده ولي عهده دفنه ولم يخرج من القلعة ليلتئذ عن مشورة الأمراء لئلا يتخبط الناس وصلى عليه القاضي عز الدين بن جماعة إماما والجاولي وايدغمش وأمير آخر والقاضي بهاء الدين بن حامد بن قاضي دمشق السبكي وجلس الملك المنصور سيف الدنيا والدين ابو المعالي أبو بكر على سرير المملكة وفي صبيحة يوم الخميس الحادي والعشرين من ذي الحجة سنة إحدى وأربعين وسبعمائة بايعه
الجيش المصري وقدم الفخري لأخذ البيعة من الشاميين ونزل بالقصر الابلق وبايع الناس للملك المنصور بن الناصر بن المنصور ودقت البشائر بالقلعة المنصورة بدمشق صبيحة يوم الخميس الثامن والعشرين منه وفرح الناس بالملك الجديد وترحموا على الملك ودعوا له وتاسفوا عليه رحمه الله
*2* ثم دخلت سنة إثنتين وأربعين وسبعمائة
@ استهلت بيوم الاحد وسلطان الاسلام بالديار المصرية والبلاد الشامية وما والاها الملك المنصور سيف الدين أبو بكر بن الملك السلطان الناصر ناصر الدين محمد بن السلطان الملك المنصور سيف الدين قلاوون الصالحي ونائب الشام الامير علاء الدين طنبغا وقضاة الشام ومصرهم المذكورون في التي قبلها وكذا المباشرون سوى الولاة شهر الله المحرم
*3* ولاية الخليفة الحاكم بأمر الله
@ وفي هذا اليوم بويع بالخلافة أمير المؤمنين أبو القاسم أحمد بن المستكفي بالله أبي الربيع سليمان العباسي ولبس السواد وجلس مع الملك المنصور على سرير المملكة وألبسه خلعة سوداء أيضا فجلسا وعليهما السواد وخطب الخليفة يومئذ خطبة بليغة فصيحة مشتملة على أشياء من المواعظ والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وخلع يومئذ على جماعة من الأمراء والاعيان وكان يوما مشهودا وكان أبو القاسم هذا قد عهد إليه أبوه بالخلافة ولكن لم يمكنه الناصر من ذلك وولى أبا إسحاق إبراهيم ابن أخي أبي الربيع ولقبه الواثق بالله وخطب له بالقاهرة جمعة واحدة فعزله المنصور وقرر أبا القاسم هذا وأمضى العهد ولقبه المستنصر بالله كما ذكرنا
وفي يوم الاحد ثامن المحرم مسك الامير سيف الدين بشتك الناصري آخر النهار وكان قد كتب تقليده بنيابة الشام وخلع عليه بذلك وبرز ثقله ثم دخل على الملك المنصور ليودعه فرحب به واجلسه واحضر طعاما وأكلا ونأسف الملك على فراقه وقال تذهب وتتركني وحدي ثم قام لتوديعه وذهب بشتك من بين يديه ثماني خطوات أو نحوها ثم تقدم إليه ثلاثة نفر فقطع أحدهم سيفه من سوطه بسكين ووضع الاخر يده على فمه وكتفه الاخر وقيدوه وذلك كله بحضرة السلطان ثم غيب ولم يدر أحد إلى أين صار ثم قالوا لمماليكه اذهبوا انتتم فائتوا بمركوب الامير غدا فهو بائت عند السلطان وأصبح السلطان وجلس على سرير المملكة وأمر بمسك جماعة من الأمراء وتسعة من الكبار واحتاطوا على حواصله وأمواله وأملاكه فيقال إنه وجد عنده من الذهب ألف ألف دينار وسبعمائة الف دينار
*3* وفاة شيخنا الحافظ أبي الحجاج المزي
@ تمرض أياما يسيرة مرضا لا يشغله عن شهود الجماعة وحضور الدروس وإسماع الحديث فلما كان يوم الجمعة حادي عشر صفر أسمع الحديث إلى قريب وقت الصلاة ثم دخل منزله ليتوضأ ويذهب للصلاة فاعترضه في باطنه مغص عظيم ظن أنه قولنج وما كان إلا طاعون فلم يقدر على حضور الصلاة فلما فرغنا من الصلاة أخبرت بانه منقطع فذهبت إليه فدخلت عليه فإذا هويرتعد رعدة شديدة من قوة الالم الذي هو فيه فسألته عن حاله فجعل يكرر الحمد الله ثم أخبرني بما حصل له من المرض الشديد وصلى الظهر بنفسه ودخل إلى الطهارة وتوضأ على البركة وهو في قوة الوجع ثم اتصل به هذا الحال إلى الغد من يوم السبت فلما كان وقت الظهر لم أكن حاضره إذ ذاك لكن أخبرتنا بنته زينب زوجتي أنه لما أذن الظهر تغير ذهنه قليلا فقالت يا أبة أذن الظهر فذكر الله وقال اريد أن اصلي فتيمم وصلى ثم اضطجع فجعل يقرأ آية الكرسي حتى جعل لا يفيض بها لسانه ثم قبضت روحه بين الصلاتين رحمه الله يوم السبت ثاني عشر صفر فلم يمكن تجهيزه تلك الليلة فلما كان من الغد يوم الاحد ثالث عشر صفر صبيحة ذلك اليوم غسل وكفن وصلى عليه بالجامع الاموي وحضر القضاة والاعيان وخلائق لا يحصون كثرة وخرج بجنازته من باب النصر وخرج نائب السلطنة الامير علاء الدين طنبغا ومعه ديوان السلطان والصاحب وكاتب السر وغيرهم من الامراء فصلوا علي خارج باب النصر أمهم عليه القاضي تقي الدين السبكي الشافعي وهو الذي صلى عليه بالجامع الاموي ثم ذهب به إلى مقابر الصوفية فدفن هناك إلى جانب زوجته المرأة الصالحة الحافظة لكتاب الله عائشة بن إبراهيم بن صديق غربي قبر الشيخ تقي الدين بن تيمية رحمهم الله أجمعين
*3* كائنة غريبة جدا
@ قدم يوم الاربعاء الثلاثين من صفر أمير من الديار المصرية ومعه البيعة للملك الاشرف علاء الدين كحك بن الملك الناصر وذلك بعد عزل أخيه المنصور لما صدر عنه من الافعال التي ذكر أنه تعاطاها من شرب المسكر وغشيان المنكرات وتعاطى ما لا يليق به ومعاشرة الخاصكية من المردان وغيرهم فتمالأ على خلعه كبار الأمراء لما رأوا الأمر تفاقم إلى الفساد العريض فأحضروا الخليفة الحاكم بأمر الله أبي الربيع سليمان فأثبت بين يديه ما نسب إلى الملك المنصور المذكور من الامور فحينئذ خلعه وخلعه الأمراء الكبار وغيرهم واستبدلوا مكانه اخاه هذا المذكور وسيروه إذ ذاك إلى قوص مضيقا عليه ومع إخوة له ثلاثة وقيل أكثر وأجلسوا الملك الأشرف هذا على السرير وناب له الأمير سيف الدين قوصون الناصري واستمرت الامور على السداد وجاءت إلى الشام فبايعه الأمراء يوم الأربعاء المذكور وضربت البشائر عشية الخميس مستهل ربيع الاو وخطب له بدمشق يوم الجمعة بحضرة نائب السلطنة والقضاة والامراء
وفي يوم الاربعاء سابع عشر ربيع الاول حضر بدار الحديث الاشرفية قاضي القضاة تقي الدين السبكي عوضا عن شيخنا الحافظ جمال الدين المزي ومشيخة دار الحديث النورية عوضا عن ابنه رحمه الله وفي شهر جمادي الاولى اشتهر أن نائب حلب الأمير سيف الدين طشتمر الملقب بالحمص الأخضر قائم في نصرة ابن السلطان الامير أحمد الذي بالكرك وأنه يستخدم لذلك ويجمع الجموع فالله أعلم وفي العشر الثاني منه وصلت الجيوش صحبة الامير سيف الدين قطلوبغا الفخري إلى الكرك في طلب ابن السلطان الامير أحمد وفي هذا الشهر كثر الكلام في امر الأمير أحمد بن الناصر الذي بالكرك بسبب محاصرة الجيش الذي صحبة الفخري له واشتهر أن نائب حلب الأمير سيف الدين طشتمر الملقب بالحمص الأخضر قائم بجنب اولاد السلطان الذين أخرجوا من الديار المصرية إلى الصعيد وفي القيام بالمدافعة عن الأمير أحمد ليصرف عنه الجيش وترك حصاره وعزم بالذهاب إلى الكرك لنصرة أحمد ابن استاذه وتهيأ له نائب الشام بدمشق ونادى في الجيش لملتقاه ومدافعته عما يريد من إقامة الفتنة وشق العصا واهتم الجند لذلك وتأهبوا واستعدوا ولحقهم في ذلك كلفة كثيرة وانزعج الناس بسبب ذلك وتخوفوا ان تكون فتنة وحسبوا إن وقع قتال بينهم أن تقوم العشيرات في الجبال وحوران وتتعطل مصالح الزراعات وغير ذلك ثم قدم من حلب صاحب السلطان في الرسلية إلى نائب دمشق الامير علاء الدين الطنبغا ومع مشافهة فاستمع لها فبعث معه صاحب الميسرة أمان الساقي فذهبا إلى حلب ثم رجعا في أواخر جمادي الآخرة وتوجها إلى الديار المصرية واشتهر أن الأمر على ما هو عليه حتى توافق على ما ذكر من رجوع أولاد الملك الناصر إلى مصر ما عدا المنصور وأن يخلى عن محاصرة الكرك
وفي العشر الأخير من جمادي الاولى توفي مظفر الدين موسى بن مهنا ملك العرب ودف بتدمر وفي صبيحة يوم الثلاثاء ثاني جمادي الاخرة عند طلوع الشمس توفي الخطيب بدر الدين محمد بن القاضي جلال الدين القزويني بدار الخطابة بعد رجوعه من الديار المصرية كما قدمنا فخطب جمعة واحدة وصلى بالناس إلى ليلة الجمعة الأخرى ثم مرض فخطب عنه أخوه تاج الدين عبدالرحيم على العادة ثلاثة جمع وهو مريض إلى أن توفي يومئذ وتأسف الناس عليه لحسن شكله وصباحة وجهه وحسن ملتقاه وتواضعه واجتمع الناس للصلاة عليه للظهر فتأخر تجهيزه إلى العصر فصلى عليه بالجامع قاضي القضاة تقي الدين السبكي وخرج به الناس إلى الصوفية وكانت جنازته حافلة جدا فدفن عند أبيه بالتربة التي أنشأها الخطيب بدر الدين هناك رحمه الله
وفي يوم الجمعة خامس الشهر بعد الصلاة خرج نائب السلطنة الأمير علاء الدين الطنبغا وجميع الجيش قاصدين للبلاد الحلبية للقبض على نائب حلب الأمير سيف الدين طشتمر لأجل ما أظهر من القيام مع ابن السلطان الأمير أحمد الذي في الكرك وخرج الناس في يوم شديد المطر كثير الوحل وكان يوما مشهدا عصيبا أحسن الله العقابة وأمر القاضي تقي الدين السبكي الخطيب المؤذنين بزيادة أذكار على الذي كان سنه فيهم الخطيب بدر الدين من التسبيح والتحميد والتهليل الكثير ثلاثا وثلاثين فزادهم السبكي قبل ذلك استغفر الله العظيم ثلاثا اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت ياذا الجلال والاكرام ثم أثبت ما في صحيح مسلم بعد صلاتي الصبح والمغرب اللهم اجرنا من النار سبعا اعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق ثلاثا وكانوا قبل تلك السنوات قد زادوا بعد التأذين الآية ليلة الجمعة والتسليم على رسول الله صلى الله عليه وسلم يبتدئ الرئيس منفردا ثم يعيد عليه الجماعة بطريقة حسنة وصار ذلك سببا لاجتماع الناس في صحن الجامع لاستماع ذلك وكلما كان المتبدىء حسن الصوت كانت الجماعة أكثر اجتماعا ولكن طال بسبب ذلك الفصل وتأخرت الصلاة عن أول وقتها انتهى
*3* كائنة غريبة جدا
@ وفي ليلة الاحد عشية السبت نزل الامير سيف الدين قطلوبغا الفخري بظاهر دمشق بين الجسورة وميدان الحصى بالاطلاب الذين جاءوا معه من البلاد المصرية لمحاصرة الكرك للقبض على ابن السلطان الأمير احمد بن الناصر فمكثوا على الثنية محاصرين مضيقين عليه إلى ان توجه نائب الشام إلى حلب ومضت هذه الأيام المذكورة فما درى الناس إلا وقد جاء الفخري وجموعه وقد بايعوا الأمير أحمد وسموه الناصر بن النصار وخلعوا بيعة أخيه الملك الأشرف علاء الدين كجك واعتلوا بصغره وذكروا إن أتابكة الامير سيف الدين قوصون الناصري قد عدى على ابني السلطان فقتلهما خنقا ببلاد الصعيد جهز اليهما من تولى ذلك وهما الملك المنصور أبو بكر ورمضان فتنكر الامير بسبب ذلك قالوا هذا يريد ان يجتاح هذا البيت ليتمكن هو من أخذ المملكة فحموا لذلك وبايعوا ابن استاذهم وجاءوا في الذهاب خلف الجيش ليكونوا عونا للأمير سيف الدين طشتمر نائب حلب ومن معه وقد كتبوا إلى الامراء يستميلونهم إلى هذا ولما نزلوا بظاهر دمشق خرج إليهم من بدمشق من الاكابر والقضاة والمباشرين مثل والي البر ووالي المدينة وابن سمندار وغيرهم فلما كان الصباح خرج أهالي دمشق عن بكرة ابيهم على عادتهم في قدوم السلاطين ودخلو الحجاج بل أكثر من ذلك من بعض الوجوه وخرج القضاة والصاحب والاعيان والولاة وغيرهم ودخل الامير سيف الدين قطلوبغا في دست نيابة السلطنة التي فوضها إليه الملك الناصر الجديد وعن يمينه الشافعي وعن شماله الحنفي على العادة والجيش كله محدق به في الحديد والعقارات والبوقات والنشابة السلطانية والسناجق الخليفية والسلطانية تخفق والناس في الدعاء والثناء للفخري وهم في غاية الاستبشار والفرح وربما نال بعض جهلة الناس من النائب الآخر الذي ذهب إلى حلب ودخلت الأطلاب بعده على ترتيبهم وكان يوما مشهودا فنزل شرقي دمشق قريبا من خان لاجين وبعث في هذا اليوم فرسم على القضاة والصاحب وأخذ من أموال الايتام وغيرها خمسمائة ألف وعوضهم عن ذلك بقرية من بيت المال وكتب بذلك سجلات واستخدم جيدا وانضاف إليه من الأمراء الذين كانوا قد تخلفوا بدمشق جماعة منهم تمر الساقي مقدم وابن قراسنقر وابن الكامل وابن المعظم وابن البلدي وغيرهم وبايع هؤلاء كلهم مع مباشري دمشق للملك الناصر بن الناصر وأقام الفخري على خان لاجين وخرج المتعيشون بالصنائع إلى عندهم وضربت البشائر بالقلعة صبيحة يوم الثلاثاء سادس عشر الشهر ونودي بالبلد إن سلطانكم الملك الناصر احمد بن الناصر محمد بن قلاوون ونائبكم سيف الدين قطلوبغا الفخري وفرح كثير من الناس بذلك وانضاف اليه نائب صغد وبايعه نائب بعلبك واستخدموا له رجالا وجندا ورجع إليه الأمير سيف الدين سنجر الجمقدار رأس الميمنة بدمشق وكان قد تأخر في السفر عن تائب دمشق علاء الدين الطنبغا بسبب مرض عرض له فلما قدم الفخري رجع اليه وبايع الناصر ابن الناصر ثم كاتب نائب حماة تغردمر الذي ناب بمصر للملك المنصور فأجابه إلى ذلك وقدم على العسكر يوم السبت السابع والعشرين من الشهر المذكور في تجمل عظيم وخزائن كثيرة وثقل هائل
وفي صبحية يوم الاحد الثامن والعشرين من الشهر المذكور كسفت الشمس قبل الظهر وفي صبيحة يوم الاثنين التاسع والعشرين من جمادي الآخرة قدم نائب غزة الأمير آق سنقر في جيش غزة وهو قريب من ألفين فدخلوا دمشق وقت الفجر وغدوا إلى معسكر الفخري فانضافوا إليهم ففرحوا بهم كثيرا وصار في قريب من خمسة آلاف مقاتل أو يزيدون
استهل شهر رجب الفرد والجماعة من أكابر التجار مطلوبون بسبب أموال طلبها منهم الفخري يقوى بها جيشه الذي معه ومبلغ ذلك الذي أراده منهم ألف ألف درهم ومعه مرسوم الناصر بن الناصر ببيع املاك الامير سيف الدين قوصون إتابك الملك الاشرف علاء الدين كجك ابن الناصر التي بالشام بسبب إبائه عن مبايعة أحمد بن الناصر فأشار على الفخري من أشار بأن يباع للتجار من أملاك الخاص ويجعل مال قوصون من الخاص فرسم بذلك وأن يباع للتجار قرية دوية قومت بألف ألف وخمسمائة ألف ثم لطف الله وأفرج عنهم بعد ليلتين او ثلاث وتعوضوا عن ذلك بحواصل قوصون واستمر الفخري بمن معه ومن اضيف إليه من الأمراء والاجناد مقيمين بثنية العقاب واستخدم من رجال البقاع جماعة كثيرة أكثر من ألف رام واميرهم يحفظ افواه الطرق وأزف قدوم الامير علاء الدين طنبغا بمن معه من عساكر دمشق وجمهور الحلبيين وطائفة الطرابلسيين وتأهب هؤلاء لهم فلما كان الحادي من الشهر اشتهر ان الطتبغا وصل إلى القسطل وبعث طلائعه فالتقت بطلائع الفخري ولم يكن بينهم قتال ولله الحمد والمنة وأرسل الفخري إلى
القضاة ونوابهم وجماعة من الفقهاء فخرجوا ورجع الشافعي من اثناء الطريق فلما وصلوا أمرهم بالسعي بينه وبين الطنبغا في الصلح وأن يوافق الفخري في أمره وأن يبايع الناصر بن الناصر فأبى فردهم إليه غير مرة وكل ذلك يمتنع عليهم فلما كان يوم الاثنين رابع عشرة عند العصر جاء يريد إلى متولي البلد عند العصر من جهة الفخري يأمره بغلق أبواب البلد فغلقت الأبواب وذلك لان العساكر توجهوا وتواقفوا للقتال فإنا لله وإنا أليه راجعون
وذلك أن الطنبغا لما علم أن جماعة قطلوبغا على ثنية العقاب دار الذروة من ناحية المعيصرة وجاء بالجيوش من هناك فاستدار له الامير سيف الدين قطلوبغا الفخري بجماعته إلى ناحيته ووقف له في طريقه وحال بينه وبين الوصول إلى البلد وانزعج الناس انزعاجا عظيما وغلقت القياسر والاسواق وخاف الناس بعضهم من بعض أن يكون نهب فركب متوولي البلد الامير ناصر الدين بن بكباشي ومعه أولاده ونوابه والرجالة فسار في البلد وسكن الناس ودعوا له فلما كان قريب المغرب فتح لهم باب الجابية ليدخل من هو من أهل البلد فجرت في الباب على ما قيل زحمة عظيمة وتسخط الجند على الناس في هذه الليلة واتفق انها ليلة الميلاد وبات المسلمون مهمومون بسبب العسكر واختلافهم فأصبحت أبواب البلد مغلقة في يوم الثلاثاء سوى باب الجابية والأمر على ما هو عليه فلما كان عشية هذا اليوم تقارب الجيشان واجتمع الطنبغا وأمراؤه واتفق أمراء دمشق وجمهورهم الذين هم معه على أن لا يقاتلو مسلما ولا يسلوا في وجه الفخري وأصحابه سيفا وكان قضاة الشام قد ذهبوا اليه مرارا للصلح فيأبي عليهم إلا الاستمرار على ما هو عليه وقويت نفسه عليه انتهى والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب
*3* عجيبة من عجائب الدهر
@ فبات الناس متقابلين في هذه الليلة وليس بين الجيشين إلا مقدار ميلين او ثلاثة وكانت ليلة مطيرة فما أصبح الصبح إلا وقد ذهب من جماعة الطنبغا إلى الفخري خلق كثير من أجناد الحلفاء ومن الأمراء والاعيان وطلعت الشمس وارتفعت قليلا فنفذ الطنبغا القضاة وبعض الأمراء إلى الفخري يتهدده ويتوعده ويقوى نفسه عليه فما ساروا عنه قليلا إلا ساقت العساكر من الميمنة والميسرة ومن القلب ومن كل جانب مقفرين إلى الفخري وذلك لما هم فيه من ضيق العيش وقلة ما بأيديهم من الاطعمة وعلف الدواب وكثرة ما معهم من الكلف فرأوا أن هذا حال يطول عليهم ومقتوا أمرهم غاية المقت وتطايبت قلوبهم وقلوب اولئك مع أهل البلد على كراهته لقوة نفسه فيما لا يجدي عليه ولا عليهم شيئا فبايعوا على المخامرة عليه فلم يبق معه سوى حاشيته في أقل من ساعة واحدة فلما رأى الحال على هذه الصفة كر راجعا هاربا من حيث جاء وصحبته الأمير سيف الدين رقطبة نائب طرابلس وأميران آخران والتقت العساكر والأمراء وجاءت البشارة إلى دمشق قبل الظهر ففرح الناس فرحا شديدا جدا الرجال والنساء والولدان حتى من لا نوبة له ودقت البشائر بالقلعة المنصورة فأرسلوا في طلب من هرب وجلس الفخري هنالك بقية اليوم يحلف الأمراء على أمره الذي جاء له فحلفوا له ودخل دمشق عشية يوم الخميس في أبهة عظيمة وحرمة وافرة فنزل القصر الأبلق ونزل الامير تغردمر بالميدان الكبير ونزل عماري بدار السعادة وأخرجوا الموساوي الذي كان معتقلا بالقلعة وجعلوه مشدا على حوطات حواصل الطنبغا وكان قد تغضب الفخري على جماعةمن الامراء منهم الامير حسام الدين السمقدار أمير حاجب بسبب أنه صاحب لعلاء الدين الطنبغا فلما وقع ما وقع هرب فيمن هرب ولكن لم يأت الفخري بل دخل البلد فتوسط في الامر لم يذهب مع ذاك ولا جاء مع هذا ثم إنه استدرك ما فاته فرجع من البار إلى الفخري وقيل بل رسم عليه حين جاء وهو مهموم جدا ثم إنه اعطى منديل الامان وكان معهم كاتب السر القاضي شهاب الدين بن فضل الله ثم أفرج عنهم ومنهم الامير سيف الدين حفطية كان شديد الحنق عليه فأطلقه من يومه وأعاده إلى الحجوبية وأظهر مكارم أخلاق عظيمة ورياسة كبيرة وكان للقاضي علاء الدين بن المنجا قاضي قضاة الحنابلة في هذه الكائنة سعى مشكور ومراجعة كبيرة للأمير علاء الدين الطنبغا حتى خيف عليه منه وخاطر بنفسه معه فأنجح الله مقصده وسلمه منه وكبت عدوه ولله الحمد والمنة
وفي يوم السبت السادس والعشرين منه قلد قضاء العساكر المنصورة الشيخ فخر الدين بن الصائغ عوضا عن القاضي الحنفي الذي كان مع النائب المنفصل وذلك أنهم نقموا عليه إفتاءه الطنبغا بقتال الفخري وفرح بولايته أصحاب الشيخ تقي الدين بن تيمية رحمه الله وذلك لأنه من أخص من صحبه قديما وأخذ عنه فوائد كثيرة وعلوما
وفي يوم الأربعاء سلخ رجب آخر النهار قدم الامير قماري من عند الملك الناصر بن الناصر من الكرك وأخبره بما جرى من أمرهم وأمر الطنبغا ففرح بذلك واخبر قماري بقدوم السلطان ففرح الناس بذلك واستعدوا له بآلات المملكة وكثرت مطالبته أرباب الاموال والذمة بالجزية وفي مستهل رجب من هذه السنة ركب الفخري في دست النيابة بالموكب المنصور وهو أول ركوبه فيه وإلى جانبه قماري وعلى قماري خلعة هائلة وكثر دعاء الناس للفخري يومئذ وكان يوما مشهودا وفي هذا اليوم خرج جماعة من المقدمين الالوف إلى الكرك بأخبار ابن السلطان بما جرى منهم تغردمر وإقبغا عبدا لواحد وهو الساقي وميكلي بغا وغيرهم وفي يوم السبت ثالثة ستدعى الفخري القاضي الشافعي وألح عليه في أحضار الكتب في سلة الحكم التي كانت أخذت من عند الشيخ تقي الدين ابن تيمية رحمه الله من القلعة المنصورة في أيام جلال الدين القزويني فأحضرها القاضي بعد جهد ومدافعة وخاف على نفسه منه فقبضها منه الفخري بالقصر وأذن له في الانصراف من عنده وهو متغضب عليه وربما هم بعزله لممانعته إياها وربما قال قائل هذه فيها كلام يتعلق بمسألة الزيارة فقال الفخري كان الشيخ أعلم بالله وبرسوله منكم واستبشر الفخري باحضارها إليه واستدعى بأخي الشيخ زين الدين عبد الرحمن وبالشيخ شمس الدين عبدالرحمن بن قيم الجوزية وكان له سعي مشكور فيها فهنأهما باحضاره الكتب وبيت الكتب تلك الليلة في خزانته للتبرك وصلى به الشيخ زين الدين اخو الشيخ صلاة المغرب بالقصر وأكرمه الفخري إكراما زائدا لمحبته الشيخ رحمه الله
وفي يوم الاحد رابعة دقت البشائر بالقلعة وفي باب الميدان لقدوم بشير بالقبض على قوصون بالديار المصرية واجتمع الناس لذلك واستبشر كثير منهم بذلك وأقبل جماعة من الامراء إلى الكرك لطاعة الناصر بن الناصر واجتمعوا مع الامراء الشاميين عند الكرك وطلبوا منه أن ينزل إليهم فابى وتوهم أن هذه الامور كلها مكيدة ليقبضوه ويسلموه إلى قوصون وطلب منهم أن ينظر في أمره وردهم إلى دمشق وفي هذه الايام وما قبلها وما بعدها أخذ الفخري من جماعة التجار بالاسواق وغيرها زكاة أموالهم سنة فتحصل من ذلك زيادة على مائة ألف وسبعة آلاف وصودر أهل الذمة بقريب من ذلك زيادة على الجزية التي اخذت منهم عن ثلاث سنين سلفا وتعجيلا ثم نودي في البلد يوم الاثنين الحادي والعشرين من الشهر مناداة صادرة من الفخري برفع الظلامات والطلبات واسقاط ما تبقى من الزكاة والمصادرة غير انهم احتاطوا على جماعة من المشاة المكثرين ليشتروا منهم بعض أملاك الخاص والبرهان بن بشارة الحنفي تحت المصادرة والعقوبة على طلب المال الذي وجده في طميرة وجدها فيما ذكر عنه والله أعلم
وفي يوم الجمعة الرابع والعشرين منه بعد الصلاة دخل الامراء الستة الذين توجهوا نحو الكرك لطلب السلطان أن يقدم إلى دمشق فأبى عليهم في هذا الشهر ووعدهم وقتا آخر فرجعوا وخرج الفخري لتلقيهم فاجتمعوا قبلي جامع القبيبات الكريمي ودخلوا كلهم إلى دمشق في جمع كثير من الاتراك الامراء والجند وعليهم خمدة لعدم قدوم السلطان أيده الله وفي يوم الاحد قدم البريد خلف قماري وغيره من الامراء يطلبهم إلى الكرك واشتهر أن السلطان رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام وهو يأمره بالنزول من الكرك وقبول المملكة فانشرح الناس لذلك
وتوفي الشيخ عمر بن أبي بكر بن اليثمي البسطي يوم الاربعاء التاسع والعشرين كان رجلا صالحا كثير التلاوة والصلاة والصدقة وحضور مجالس الذكر والحديث له همة وصولة على الفقراء المتشبهين بالصالحين وليسوا منهم سمع الحديث من الشيخ فخر الدين بن البخاري وغيره وقرأت عليه عن ابن البخاري مختصر المشيخة ولازم مجالس الشيخ تقي الدين بن تيمية رحمه الله وانتفع به ودفن بمقابر باب الصغير
وفي شهر رمضان المعظم أوله يوم الجمعة كان قد نودي في الجيش آن الرحيل لملتقى السلطان في سابع الشهر ثم تأخر ذلك إلى بعد العشر ثم جاء كتاب من السلطان بتأخر ذلك إلى بعد العيد وقدم في عاشر الشهر علاء الدين بن تقي الدين الحنفي ومع ولاية من السلطان الناصر بنظر البيمارستان النوري ومشيخة الربوة ومرتب على الجهات السلطانية وكان قد قدم قبله القاضي شهاب الدين بن البارزي بقضاء حمص من السلطان أيده الله تعالى ففرح الناس بذلك حيث تكلم السلطان في المملكة وباشر وأمر وولي ووقع ولله الحمد وفي يوم الاربعاء ثالث عشره دخل الامير سيف الدين طشتمر الملقب بالحمص الاخضر من البلاد الحلبية إلى دمشق المحروسة وتلقاه الفخري والأمراء والجيش بكماله ودخل في أبهة حسنة ودعا له الناس وفرحوا بقدومه بعد شتاته في البلاد وهربه من بين يدي الطنبغا حين قصده إلى حلب كما تقدم ذكره
وفي يوم الخميس رابع عشرة خرجت الجيوش من دمشق قاصدين إلى غزة لنظرة السلطان حين يخرج من الكرك السعيد فخرج يومئذ مقدمان تغردمر واقبغا عبد الواحد فبرزا إلى الكسوة فلما كان يوم السبت خرج الفخري ومعه طشتمر وجمهور الامراء ولم يقم بعده بدمشق إلا من احتيج لمقامهم لمهمات المملكة وخرج مع القضاة الاربعة وقاضي العساكر والموقعين والمصاحب وكاتب الجيش وخلق كثير
وتوفي الشيخ الصالح العابد الناسك احمد بن الملقب بالقصيدة ليلة الاحد الرابع والعشرين من رمضان وصلى عليه بجامع شكر ودفن بالصوفية قريبا من قبر الشيخ جمال الدين المزي تغمدهما الله برحمته وكان فيه صلاح كثير ومواظبة على الصلاة في جماعة وأمر بمعروف ونهى عن منكر مشكورا عند الناس بالخير وكان يكثر من خدمة المرضى بالمارستان وغيره وفيه إيثار وقناعة وتزهد كثير وله أحوال مشهورة رحمه الله وإيانا
واشتهر في أواخر الشهر المذكور أن السلطان الملك الناصر شهاب الدين أحمد خرج من الكرك المحروس صحبة جماعة من العرب والاتراك قاصدا إلى الديار المصرية ثم تحرر خروجه منها في يوم الاثنين ثامن عشر الشهر المذكور فدخل الديار المصرية بعد ايام هذا والجيش صامدون اليه فلما تحقق دخوله مصر حثوا في السير إلى الديار المصرية وبعث يستحثهم أيضا واشتهر أنه لم يجلس على سرير الملك حتى يقدم الامراء الشاميون صحبة نائبه الامير سيف الدين قطلوبغا الفخري ولهذا لم تدق البشائر بالقلاع الشامية ولا غيرها فيما بلغنا وجاءت الكتب والاخبار من الديار المصرية بان يوم الاثنين عاشر شوال كان إجلاس السلطان الملك الناصر شهاب الدين أحمد على سرير المملكة صعد هو والخليفة الحاكم بأمر الله أبو العباس أحمد بن المستكفي فوق المنبر وهما لابسان السواد والقضاة تحتهما على درج المنبر بحسب منازلهم فخطب الخليفة وخلع الاشرف كجك وولى هذا الناصر وكان يوما مشهودا وأظهر ولايته لطشتمر نيابة مصر والفخري دمشق وأيد غمش حلب فالله أعلم ودقت البشائر بدمشق ليلة الجمعة الحادي والعشرين من الشهر المذكور واستمرت إلى يوم الاثنين مستهل ذي القعدة وزينت البلد يوم الاحد ثالث عشرين منه واحتفل الناس بالزينة
وفي يوم الخميس المذكور دخل الامير سيف الدين الملك أحد الرؤس المشهورة بمصر إلى دمشق في طلب نيابة حماة حرسها الله تعالى فلما كان يوم الجمعة بعد الصلاة ورد البريد من الديار المصرية فأخبر أن طشتمر الحمص الاخضر مسك فتعجب الناس من هذه الكائنة كثيرا فخرج من بدمشق من أعيان الامراء أمير الحج وغيره وخيم بوطأة برزة وخرج إلى الحج امير فأخبره بذلك وامروه عن مرسوم السلطان أن ينوب بدمشق حتى يأتي المرسوم بما يعتمد أمير الحج فأجاب إلى ذلك وركب في الموكب يوم السبت السادس منه وأما الفخري فإنه لما تنسم هذا الخبر وتحققه وهو بالزعقة فرفى طائفة من مماليكه قريب من ستين أو أكثر فاحترق وساق سوقا حثيثا وجاءه الطلب من روائه من الديار المصرية في نحو من ألف فارس صحبة الاميرين الطنبغا المارداني ويبلغا التحتاوي ! ففاتهما وسبق واعترض له نائب غزة في جنده فلم يقدر عليه فسلطوا عليه العشيرات ينهبوه فلم يقدروا عليه إلا في شيء يسير وقتل منهم خلقا وقصد نحو صاحبه فيما يزعم الامير سيف الدين ايدغمش نائب حلب راجيا منه أن ينصره وأن يوافقه على ما قام بنفسه فلما وصل أكرمه وانزله وبات عنده فلما أصبح قبض عليه وقيده ورده على البريد إلى الديار المصرية ومعه التراسيم من الأمراء وغيرهم
ولما كان يوم الاثنين سلخ ذي القعدة خرج السلطان الملك الناصر شهاب الدين أحمد بن الناصر محمد بن المنصور من الديار المصرية في طائفة من الجيش قاصدا إلى الكرك المحروس ومعه أموال جزيلة وحواصل واشياء كثيرة فدخلها يوم الثلاثاء من ذي الحجة وصحبته طشتمر في محفة ممرضا والفخري مقيدا فاعتقلا بالكرك المحروس وطلب السلطان آلات من أخشاب ونحوها وحدادين وصناع ونحوها لاصلاح مهمات بالكرك وطلب أشياء كثيرة من دمشق فحملت اليه ولما كان يوم الاحد السابع والعشرين من ذي الحجة ورد الخبر بأن الامير ركن الدين بيبرس الاحمدي النائب بصغد ركب في مماليكه وخدمه ومن أطاعه وخرج منها فارا بنفسه من القبض عليه وذكر ان نائب غزة قصده ليقبض عليه بمرسوم السلطان ورد عليه من الكرك فهرب الاحمدي بسبب ذلك ولما وصل الخبر الى دمشق وليس بها نائب انزعج الامراء لذلك واجمتعوا بدار السعادة وضربوا في ذلك مشورة ثم جردوا إلى ناحية بعلبك اميرا ليصدوه عن الذهاب إلى البرية فلما أصبح الصباح من يوم الاثنين جاء الخبر بأنه في نواحي الكسوة ولامانع من خلاصة فركبوا كلهم ونادى المنادي من تأخر من الجند عن هذا النفير ! شنق واستوثقوا في الخروج وقصدوا ناحية الكسوة وبعثوا الرسل اليه فذكر اعتذارا في خروجه وتخلص منهم وذهب يوم ذلك ورجعوا وقد كانوا ملبسين في يم حار وليس معهم من الازواد مايكفيهم سوى يومهم ذلك فلما كانت ليلة الثلاثاء ركب الامراء في طلبه من ناحية ثنية العقاب فرجعوا في اليوم الثاني وهو في صحبتهم ونزل في القصور التي بناها تنكز رحمه الله في طريق داريا فأقام بها واجروا عليه مرتبا كاملا من الشعير والغنم وما يحتاج إليه مثله ومعه مماليكه وخدمه فلما كان يوم الثلاثاء سادس المحرم ورد كتاب من جهة السلطان فقرئ على الأمراء بدار السعادة يتضمن إكرامه واحترامه والصفح عنه لتقدم خدمة على السلطان الملك الناصر وابنه الملك المنصور ولما كان يوم الأربعاء سابع المحرم جاء كتاب إلى الأمير ركن الدين بيبرس نائب الغيبة ابن الحاجب المش بالقبض على الاحمدي فركب الجيش ملبسين يوم الخميس وأوكبوا بسوق الخيل وراسلوه وقد ركب في مماليكه بالعدد وأظهر الامتناع فكان جوابه أن لا أسمع ولا أطيع إلا لمن هو ملك الديار المصرية فاما من هو مقيم بالكرك ويصدر عنه ما يقال عنه من الافاعيل التي قد سارت بها الركبان فلا فلما بلغ الامراء هذا توقفوا في أمره وسكنوا ورجعوا إلى منازلهم ورجع هو إلى قصره
*2* ثم دخلت سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة
@ استهلت هذه السنة المباركة وسلطان المسلمين الملك الناصر ناصر الدين محمد بن الملك المنصور قلاوون وهو مقيم بالكرك قد حاز الحوصال السلطانية من قلعة الجبل إلى قلعة الكرك ونائبه الديار المصرية الامير سيف الدين آقسنقر السلارى الذي كان نائبا بغزة وقضاة الديار المصرية هم المذكورون في السنة الماضية سوى القاضي الحنفي وأما دمشق فليس لها نائب إلى حنيئذ غير ان الامير ركن الدين بيبرس الحاجب كان استنابه الفخري بدمشق نائب غيبته فهو الذي يسد الامور مع الحاجب ألمش وتمر المهمندار والامير سيف الدين الملقب بحلاوة والي البر والامير ناصر الدين ابن ركباس متولي البلد هؤلاء الذين يسدون الأشغال والامور السلطانية والقضاة هم الذين ذكرناها في السنة الخالية وخطيب البلد تاج الدين عبدالرحيم بن القاضي جلال الدين القزويني وكاتب السر القاضي شهاب الدين بن فضل الله واستهلت هذه السنة والأمير ركن الدين بيبرس الاحمدي نازل بقصر تنكز بطريق داريا وكتب السلطان واردة في كل وقت بالاحتياط عليه والقبض وأن يمسك ويرسل إلى الكرك هذا والأمراء يتوانون في أمره ويسوفون المراسيم وقتا بعد وقت وحينا بعد حين ويحملهم على ذلك أن الاحمدي لا ذنب له ومتى مسكه تطرف إلى غيره مع أن السلطان يبلغهم عنه احوال لا ترضيهم من اللعب والاجتماع مع الاراذل والاطراف ببلد الكرك مع قتله الفخري وطشتمر قتلا فظيعا وسلبه أهلهما وسلبه لما على الحريم من الثياب والحلى وإخراجهم في أسوإ حال من الكرك وتقريبه النصارى وحضورهم عنده فحمل الامراء هذه الصفات على أن بعثوا احدهم يكشف أمره فلم يصل اليه ورجع هاربا خائفا فلما رجع وأخبر الأمراء انزعجوا وتشوشوا كثيرا واجتمعوا بسوق الخيل مرارا وضربوا مشورة بينهم فاتفقوا على أن يخلعوه فكتبوا إلى المصريين بذلك واعلموا نائب حلب ايدغمش ونواب البلاد وبقوا متوهمين من هذا الحال كثيرا ومترددين ومنهم من يصانع في الظاهر وليس معهم في الباطن وقالوا لا سمع له ولا طاعة حتى يرجع إلى الديار المصرية ويجلس على سرير المملكة وجاء كتابه اليهم يعيبهم ويعنقهم في ذلك فلم يفد وركب الاحمدي في الموكب وركبوا عن يمينه وشماله وراحوا اليه إلى القصر فسلموا عليه وخدموه وتفاقم الامر وعظم الخطب وحملوا هموما عظيمة خوفا من أن يذهب الى الديار المصرية فيلف عليه المصريون فيتلف الشاميين فحمل الناس همهم فالله هو المسئول أن يحسن العاقبة فلما كان يوم الاحد السادس والعشرين من المحرم ورد مقدم البريدية ومعه كتب المصريين بأنه لم بلغهم خبر الشاميين كان عندهم من أمر السلطان اضعاف ما حصل عند الشاميين فبادروا إلى ما كانوا عزموا عليه ولكن ترددوا خوفا من الشاميين أن يخالفوهم فيه ويتقدموا في صحبة السلطان لقتالهم فلما أطمأنوا من جهة الشاميين صمموا على عزمهم فخلعوا الناصر أحمد وملكوا عليهم أخاه الملك الصالح إسماعيل ابن الناصر محمد بن المنصور جعله الله مباركا على المسلمين وأجلسوه على السرير يوم الثلاثاء العشرين من المحرم المذكور وجاء كتابه مسلما على أمراء الشام ومقدميه وجاءت كتب الامراء على الامراء بالسلام والاخبار بذلك ففرح المسلمون وأمراء الشام والخاصة والعامة بذلك فرحا شديدا ودقت البشائر بالقلعة المنصورة يومئذ ورسم بتزيين البلد فزين الناس صبيحة الثلاثاء السابع والعشرين منه ولما كان يوم الجمعة سلخ المحرم خطب بدمشق للملك الصالح عماد الدنيا والدين إسماعيل بن الناصر بن المنصور
وفي يوم الخميس سادس صفر درس بالصدرية صاحبنا الامام العلامة شمس الدين محمد بن أبي بكر بن أيوب الذرعي إمام الجوزية وحضر عنده الشيخ عز الدين بن المنجا الذي نزل له عنها وجماعة من الفضلاء وفي يوم الاثنين سادس عشر صفر دخل الامير سيف الدين تغردمر من الديار المصرية إلى دمشق ذاهبا إلى نيابة حلب المحروسة فنزل بالقابون
وفي يوم الثلاثاء ثامن عشر صفر توفي الشيخ الامام العالم العامل الزاهد عبد الله بن أبي الوليد المقري المالكي إمام المالكية هو وأخوه أبو عمرو بالجامع الاموي بمحراب الصحابة توفي ببستان بقية السحف وصلى عليه بالمصلى ودفن عند ابيه رحمهما الله بمقابر باب الصغير وحضر جنازته الأعيان والفقهاء والقضاة وكان رجلا صالحا مجمعا على ديانته وجلالته رحمه الله
وفي يوم الخميس العشرين من صفر دخل الامير ايدغمش نائب السلطنة بدمشق ودخل اليها من ناحية القابون قادما من حلب وتلقاه الجيش بكماله وعليه خلعة النيابة واحتفل الناس له وأشعلوا الشموع وخرج أهل الذمة من اليهود والنصارى يدعون له ومعهم الشموع وكان يوما مشهودا وصلى يوم الجمعة بالمقصورة من الجامع الأموي ومعه الأمراء والقضاة وقرئ تقليده هناك على السدة وعليه خلعته ومعه الأمير سيف الدين ملكتم الرحولي وعليه خلعة ايضا
وفي يوم الثلاثاء الخامس والعشرين من صفر دخل الامير علم الدين الجاولي دمشق المحروسة ذاهبا الى نيابة حماة المحروسة وتلقاه نائب السلطنة والأمراء إلى مسجد القدم وراح فنزل بالقابون وخرج القضاة والأعيان إليه وسمع عليه من مسند الشافعي فإنه يرويه وله فيه عمل ورتبه ترتيبا حسنا ورأيته وشرحه أيضا وله أوقاف عل الشافعية وغيرهم
وفي يوم الجمعة الثامن والعشرين منه عقد مجلس بعد الصلاة بالشباك الكمالي من مشهد عثمان بسبب القاضي فخر الدين المصري وصدر الدين عبدالكريم ابن القاضي جلال الدين القزويني بسبب العادلية الصغيرة فاتفق الحال على أن نزل صدر الدين عن تدريسها ونزل فخر الدين عن مائة وخمسين على الجامع وفي يوم الاحد سلخ الشهر المذكور حضر القاضي فخر الدين المصري ودرس بالعادلية الصغيرة وحضر الناس عنده على العادة وأخذ في قوله تعالى هذه بضاعتنا ردت الينا وفي آخر شهر ربيع الاول جاء المرسوم من الديار المصرية بأن يخرج تجريدة من دمشق بصحبة الامير حسام الدين السمقدار لحصار الكرك الذي تحصن فيه ابن السلطان احمد واستحوذ على ما عنده من الاموال التي أخذها من الخزائن من ديار مصر وبرز المنجنيق من القلعة إلى قبل جامع القبيبات فنصب هناك وخرج الناس للتفرج عليه ورمى به ومن نيتهم أن يستصحبوه معهم للحصار
وفي يوم الاربعاء ثاني ربيع الآخر قدم الامير علاء الدين الطنبغا المارداني من الديار المصرية على قاعدته وعادته وفي يوم االخميس عاشره دخل إلى دمشق الاميران الكبيران ركن الدين بيبرس الاحمدي من طرابلس وعلم الدين الجاولي من حماة سحرا وحضرا الموكب ووقفا مكتفين لنائب السلطنة الاحمدي عن يمينه والجاولي عن يساره ونزلا ظاهر البلد ثم بعد ايام يسيرة توجه
الاحمدي إلى الديار المصرية على عادته وقاعدته رأس مشورة وتوجه الجاولي إلى غزة المحروسة نائبا عليها وكان الامير بدر الدين مسعود بن الخطير على إمرة الطبلخانات بدمشق وفي يوم الخميس رابع عشرة خرجت التجريدة من دمشق سحرا إلى مدينة الكرك والامير شهاب الدين بن صبح والي الولاة بحوران مشد المجانيق وخرج الامير سيف الدين بهادر الشمس الملقب بحلاوة والي البر بدمشق الى ولاية الولاة بحوران وفي يوم الجمعة ثامن عشرة وقع بين النائب والقاضي الشافعي بسبب كتاب ورد من الديار المصرية فيه الوصاة بالقاضي السبكي المذكور ومعه التوقيع بالخطابة له مضافا إلى القضاء وخلعة من الديار المصرية فتغيظ عليه النائب لأجل اولاد الجلال لأنهم عندهم عائلة كثيرة وهم فقراء وقد نهاه عن السعي في ذلك فتقدم إليه يومئذ أن لا يصلي عنده في الشباك الكمالي فنهض من هناك وصلى في الغزالية وفي يوم الاحد العشرين منه دخل دمشق الامير سيف الدين اريغا زوج ابنة السلطان الملك الناصر مجتازا ذاهبا إلى طرابلس نائبا بها في تجمل وأبهة ونجائب وجنائب وعدة وسرك كامل وفي يوم الخميس الرابع والعشرين منه دخل الامير بدر الدين ابن الخطيري معزولا عن نيابة غزة المحروسة فأصبح يوم الخيمس فركب في الموكب وسير مع نائب السلطنة ونزل في داره وراح الناس للسلام عليه وفي يوم الثلاثاء ثالث عشر صفر زينت البلد لعافية السلطان الملك الصالح لمرض أصابه ثم شفى منه وفي يوم الجمعة السادس عشرينه قبل العصر ورد البريد من الديار المصرية بطلب قاضي القضاة تقي الدين السبكي اليها حاكمها بها فذهب الناس للسلام عليه ولتوديعه وذلك بعد ما أرجف الناس به كثيرا واشتهر انه سينعقد له مجلس للدعوى عليه بما دفعه من مال الايتام إلى الطنبغا وإلي الفخري وكتبت فتوى عليه بذلك في تغريمه وداروا بها على المفتيين فلم يكتب لهم احد فيها غير القاضي جلال الدين بن حسام الدين الحنفي رأيت خطه عليها وحده بعدالصلاة وسئلت في الافتاء عليها فامتنعت لما فيها من التشويش على الحاكم وفي أول مرسوم نائب السلطان أن يتأمل المفتون هذا السؤال ويفتوا بما يقتضيه حكم الشرع الشريف وكانوا له في نية عجيبة ففرج الله عنه بطلبه إلى الديار المصرية فسار إليها صحبة البريد ليلة الأحد وخرج الكبراء والاعيان لتوديعه وفي خدمته استهل جمادي الاخرة والتجريدة عمالة الى الكرك والجيش المجردون من الحلقة قريب من ألف ويزيدون ولما كان يوم الثلاثاء رابعه بعد الظهر مات الأمير علاء الدين ايدغمش نائب السلطنة بالشام المحروس في دار وحده في دار السعادة فدخلوا عليه وكشفوا أمره وأحصروا وخشوا أن يكون اعتراه سكتة ويقال إنه شفى فالله أعلم فانتظروا به إلى الغد احتياطا فلما أصبح الناس اجتمعوا للصلاة عليه فصلى عليه خارج باب النصر حيث يصلى على الجنائر وذهبوا به إلى نحو القبلة ورام بعض اهله أن يدفن في تربة غبريال إلى جانب جامع القبيبات فلم يمكن ذلك فدفن قبلي الجامع على حافة الطريق ولم يتهيأ دفنه إلا إلى بعدالظهر من يومئذ وعملوا عنده ختمة ليلة الجمعة رحمه الله وسامحه
واشتهر في اوائل هذا الشهر أن الحصار عمال على الكرك وأن أهل الكرك خرجت طائفة منهم فقتل منهم خلق كثير وقتل من الجيش واحد في ! الصار فنزل القاضي وجماعة ومعهم شيء من الجوهر وتراضوا على أن يسلموا البلد فلما أصبح أهل الحصن تحصنوا ونصبوا المجانيق واستعدوا فلما كان بعد أيام رموا منجنيق الجيش فكسروا السهم الذي له وعجزوا عن نقله فحرقوه برأي أمراء المقدمين وجرت امور فظيعة فالله يحسن العاقبة
ثم وقعت في أواخر هذا الشهر بين الجيش وأهل الكرك وقعة أخرى وذلك أن جماعة من رجال الكرك خرجوا إلى الجيش ورموهم بالنشاب فخرج الجيش لهم من الخيام ورجعوا مشاة ملبسين بالسلاح فقتلوا من أهل الكرك جماعة من النصارى وغيرهم وجرح من العسكر خلق وقتل واحد أو اثنان وأسر الأمير سيف الدين أبو بكر بن بهادر آص وقتل امير العرب وأسر آخرون فاعتقلوا بالكرك وجرت أمور منكرة ثم بعدها تعرض العسكر راجعين إلى بلادهم لم ينالوا مرادهم منها وذلك انهم رقهم البرد الشديد وقلة الزاد وحاصروا أولئك شديدا بلا فائدة فإن البلد بريد متطاولة ومجانيق ويشق على الجيش الاقامة هناك في كوانين والمنجنيق الذي حملوه معهم كسر فرجعوا ليتأهبوا لذلك
ولما كان في يوم الأربعاء الخامس والعشرين منه قدم من الديار المصرية على البريد القاضي بدر الدين بن فضل الله كاتبا على السر عوضا عن أخيه القاضي شهاب الدين ومعه كتب بالاحتياط على حواصل أخيه شهاب الدين وعلى حواصل القاضي عماد الدين ابن الشيرازي المحتسب فاحتيط على أموالهما وأخرج من في ديارهما من الحرم وضربت الأخشاب على الابواب ورسم على المحتسب بالعذراوية فسأل أن يحول إلى دار الحديث الاشرفية فحلو إليها وأما القاضي شهاب الدين فكان قد خرج ليلتقي الامير سيف الدين تغردمر الحموي الذي جاء تقليده بنيابة الشام بدمشق وكان بحلب وجاء هذا الامر وهو في أثناء الطريق فرسم برجعته ليصادر هو والمحتسب ولم يدر الناس ما ذنبهما
وفي يوم الاحد ثامن شهر رجب آخر النهار رجع قاضي القضاء تقي الدين السبكي إلى دمشق على القضاء ومعه تقليد بالخطابة أيضا وذهب الناس اليه للسلام عليه ودخل نائب السلطنة الأمير سيف الدين تغردمر الحموي بعد العصر الخامس عشرينه من حلب فتلقاه الأمراء إلى طريق القابون ودعا له الناس دعاء كثيرا وأحبوه لبغضهم النائب الذي كان قبله وهو علاء الدين ايدغمش سامحه الله تعالى فنزل بدار السعادة وحضر الموكب صبيحة يوم الاثنين واجتمع طائفة من العامة وسألوه أن لا يغير عليهم خطيبهم تاج الدين عبد الرحيم ابن جلال الدين فلم يلتفت إليهم بل عمل على تقليد القاضي تقي الدين السبكي الخطابة لبس الخلعة واكثر العوام لما سمعوا بذلك الغوغاء وصاروا يجتمعون حلقا حلقا بعدالصلوات ويكثرون الفرحة في ذلك لما منع ابن الجلال ولكن بقي هذا لم يباشر السبكي في المحراب واشتهر عن العوام كلام كثير وتوعدوا السبكي بالسفاهة عليه إن خطب وضاق بذلك ذرعا ونهوا عن ذلك فلم ينتهوا وقيل لهم ولكثير منهم الواجب عليكم السمع والطاعة لأولي الامر ولو أمر عليكم عبد حبشي فلم يرعووا فلما كان يوم الجمعة العشرين منه اشتهر بين العامة بأن القاضي نزل عن الخطابة لابن الجلال ففرح العوام بذلك وحشدوا في الجامع وجاء نائب السلطنة إلى المقوصرة والأمراء معه وخطب ابن الجلال على العادة وفرح الناس بذلك وأكثروا من الكلام ووالهرج ولما سلم عليهم الخطيب حين صعد ردوا عليه ردا بليغا وتكلفوا في ذلك وأظهرا بغضة القاضي السبكي وتجاهروا بذلك وأسمعوه كلاما كثيرا ولما قضيت الصلاة قرئ تقليد النيابة على السدة وخرج الناس فرحى يخطيبهم لكونه استمر عليهم واجتمعوا عليه يسلمون ويدعون له
وفي يوم الاربعاء ثالث شعبان درس القاضي برهان الدين بن عبدالحق بالمدرسة العذراوية بمرسوم سلطاني بتوليته وعزل القفجاري وعقد لهما مجلس يوم الثلاثاء بدار العدل فرجح جانب القاضي برهان الدين لحاجته وكونه لا وظيفة له
وفي يوم الجمعة توفي الشيخ شهاب الدين احمد ابن الجزري احد المسندين المكثرين الصالحين مات عن خمس وتسعين سنة رحمه الله وصلى عليه يوم الجمعة بالجامع المظفري ودفن بالرواحية وفي يوم الاربعاء السابع عشر منه توفي الشيخ الامام العالم العابد الناسك الصالح الشيخ شمس الدين محمد بن الزرير خطيب الجامع الكريمي بالقبيبات وصلى عليه بعد الظهر يومئذ بالجامع المذكور ودفن قبلي الجامع المذكور إلى جانب الطريق من الشرق رحمه الله
واشتهر في أوائل رمضان ان مولودا ولد له رأسان وأربع أيد وأحضر إلى بين يدي نائب السلطنة وذهب الناس للنظر إليه في محلة ظاهر باب الفراديس يقال لها حكى الوزير وكنت فيمن ذهب إليه في جماعة من الفقهاء يوم الخميس ثالث الشهر المذكور بعد العصر فأحضره أبوه وأسم ابيه سعادة وهو رجل من أهل الجبل فنظرت إليه فإذا هما ولدان مستقلان فكل قد اشتبكت
افخاذهما بعضهما ببعض وركب كل واحد منهما ودخل في الآخر والتحمت فصارت جثة واحدة وهماميتان فقالوا احدهما ذكر الآخر أنثى وهما ميتان حال رؤيتي إليهما وقالوا إنه تأخر موت أحدهما عن الآخر بيومين او نحوهما وكتب بذلك محضر جماعة من الشهود
وفي هذا اليوم احتيط على اربعة من الامراء وهم ابناء الكامل صلاح الدين محمد امير طبلخانات وغياث الدين محمد امير عشرة وعلاء الدين علي وابن ايبك الطويل طبلخانات أيضا وصلاح الدين خليل بن بلبان طرنا طبلخانات أيضا وذلك بسبب أنهم اتهموا على ممالأة الملك احمد بن الناصر الذي في الكرك ومكاتبته والله أعلم بحالهم فقيدوا وحملوا إلى القلعة المنصورة من باب اليسر مقابل باب دار السعادة الثلاث الطبلخانات والغياث من بابها الكبير وفرق بينهم في الاماكن وخرج المحمل يوم الخميس خمس عشرة ولبس الخطيب ابن الجلال خلعة استقرار الخطابة في هذا اليوم وركب بها مع القضاة على عادة الخطباء
وفي هذا الشهر نصب المنجنيق الكبير على باب الميدان الاخضر وطول اكتافه ثمانية عشر ذراعا وطول سهمه سبعة وعشرون ذراعا وخرج الناس للفرجة عليه ورمى به في يوم السبت حجرا زنته ستين رطلا فبلغ إلى مقابلة القصر من الميدان الكبير وذكر معلم المجانيق أنه ليس في حصون الاسلام مثله وأنه عمله الحاج محمد الصالحي ليكون بالكرك فقدر الله انه خرج ليحاصر به الكرك فالله يحسن العاقبة وفي أواخره أيضا مسك أربعة أمراء وهم أقبغا عبد الواحد الذي كان مباشرا الاستدارية للملك الناصر الكبير فصودر في أيام ابنه المنصور وأخرج إلى الشام فناب بحمص فسار سيرة غير مرضية وذمه الناس وعزل عنها وأعطى تقدمة ألف بدمشق وجعل رأس الميمنة فلما كان في هذه الأيام اتهم بممالأة السلطان أحمد بن الناصر الذي بالكرك فمسك وحمل إلى القلعة ومعه الأمير سيف الدين بلو والأمير سيف الدين سلامش وكلهم بطبلخانات فرفعوا إلى القعلة المنصورة فالله يحسن العاقبة
وفي هذا الشهر خرج قضاء حمص عن نيابة دمشق بمرسوم سلطاني مجدد للقاضي شهاب الدين البارزي وذلك بعد مناقشة كثيرة وقعت بينه وبين قاضي القضاة تقي الدين السبكي وانتصر له بعض الدولة واستخرج له المرسوم المذكور وفيه أيضا افرد قضاء القدس الشريف أيضا باسم القاضي شمس الدين بن سالم الذي كان مباشرها مدة طويلة قبل ذلك نيابة ثم عزل عنها وبقي مقيما ببلده غزة ثم أعيد اليها مستقلا بها في هذا الوقت وفي هذا الشهر رجع القاضي شهاب الدين ابن فضل الله من الديار المصرية ومعه تقويع بالمرتب الذي كان له اولا كل شهر ألف درهم وأقام بعمارته التي أنشأها بسفح قاسيون شرقي الصالحية بقرب حمام النحاس
وفي صبيحة مستهل ذي القعدة خرج المنجنيق قاصدا إلى الكرك على الجمال والعجل وصحبته الامير صارم الدين إبراهيم المسبقي أمير حاجب كان في الدولة السكرية هو المقدم عليه يحوطه ويحفظه ويتولى تسييره بطلبه وأصحابه وتجهز الجيش للذهاب إلى الكرك وتأهبوا أتم الجهاز وبرزت أثقالهم إلى ظاهر البلد وضربت الخيام فالله يحسن العاقبة
وفي يوم الاثنين رابعه توفي الطوشي سبل الدولة كافور السكري ودفن صبيحة يوم الثلاثاء خامسة في تربته التي أنشاها قديما ظاهر باب الجابية تجاه تربة الطواشي ظهير الدين الخازن بالقلعة كان قبيل مسجد الدبان رحمه الله وكان قديما للصاحب تقي الدين توبة التكريتي ثم اشتراه تنكز بعد مدة طويلة من ابني أخيه صلاح الدين وشرف الدين بمبلغ جيد وعوضهما إقطاعا بزيادة على ما كان بأيديهما وذلك رغبة في أمواله التي حصلها من ابواب السلطنة وقد تعصب عليه استاذه تنكز رحمه الله في وقت وصودر وجرت عليه فصول ثم سلم بعد ذلك ولما مات ترك اموالا جزيلة وأوقافا رحمه الله وخرجت التجريدة يوم الاربعاء سادسة والمقدم عليها الامير بدر الدين بن الخطير ومعه مقدم آخر وهو الامير علاء الدين بن قراسنقر وفي يوم السبت سلخ هذا الشهر توفي الشاب الحسن شهاب الدين أحمد بن فرج المؤذن بمأذنة العروس وكان شهيرا بحسن الصوت ذا حظوة عظيمة عند اهل البلد وكان رحمه الله كما في النفس وزيادة في حسن الصوت الرخيم المطرب وليس في القراء ولا في المؤذنين قريب منه ولا من يدانيه في وقته وكان في آخر وقته على طريقة حسنة وعمل صالح وانقطاع عن الناس وإقبال على شأن نفسه فرحمه الله وأكرم مثواه وصلى عليه بعد الظهر يومئذ ودفن عند اخيه بمقبرة الصوفية
وفي يوم الخميس خامس ذي الحجة توفي الشيخ بدر الدين بن نصحان شيخ القراء السبع في البلد الشهير بذلك وصلى عليه بالجامع بعدالظهر يومئذ ودفن بباب الفراديس رحمه الله
وفي يوم الأحد تاسعة وهو يوم عرفة حضر الاقراء بتربة أم الصالح عوضا عن الشيخ بدر الدين ابن نصحان القاضي شهاب الدين أحمد بن النقيب البعلبكي وحضر عنده جماعة من الفضلاء وبعض القضاة وكان حضوره بغتة وكان متمرضا فألقى شيئا من القراءات والاعراب عند قوله تعالى ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خيرا لأنفسهم وفي أواخر هذا الشهر غلا السعر جدا وقل الخبز وازدحم الناس على الافران زحمة عظيمة وبيع خبز الشعير المخلوط بالزيوان والنقارة وبلغت الغرارة بمائة وستة وثمانين درهما وتقلص السعر جدا حتى بيع الخبز كل رطل بدرهم وفوق ذلك بيسير ودونه بحسب طيبه ورداءته فانا لله وإنا إليه راجعون وكثر السؤال وجاع العيال وضعف كثير من الأسباب والاحوال ولكن لطف الله عظيم فإن الناس مترقبون مغلا
هائلا لم يسمع بمثله من مدة سنين عديدة وقد اقترب أوانه وشرع كثير من البلاد في حصاد الشعير وبعض القمح مع كثرة الفول وبوادر التوت فلولا ذلك لكان غير ذلك ولكن لطف الله بعباده وهو الحاكم المتصرف الفعال لما يريد لا إله إلا هو
*2* ثم دخلت سنة أربع وأربعين وسبعمائة
@ استهلت هذه السنة وسلطان المسلمين الملك الناصر عماد الدنيا والدين إسماعيل ابن الملك الناصر ناصر الدين محمد بن الملك المنصور سيف الدين قلاوون الصالحي ونائبه بالديار المصرية الامير سيف الدين آقسنقر السلاري وقضاته هم هم المتقدم ذكرهم في العام الماضي ونائبه بدمشق الامير سيف الدين تغردمر الحموي وقضاته هم المتقدم ذكرهم وكذلك الصاحب والخطيب وناظر الجامع ولخزانة ومشد الاوقاف وولاية المدينة
استهلت والجيوش المصرية والشامية محيطة بحصن الكرك محاصرون ويبالغون في امره والمنجنيق منصوب وأنواع آلات الحصار كثيرة وقد رسم بتجريدة من مصر والشام أيضا تخرج إليها وفي يوم الخميس عاشر صفر دخلت التجريدة من الكرك إلى دمشق واستمرت التجريدة الجديدة على الكرك ألفان من مصر وألفان من الشام والمنجنيق منقوض موضوع عند الجيش خارج الكرك والأمور متوقفة على وبرد الحصار بعد رجوع الأحمدي إلى مصر
وفي يوم السبت ثاني ربيع الاول توفي السيد الشريف عماد الدين الخشاب بالكوشك في درب السيرجي جوار المدرسة العزية وصلى عليه ضحى بالجامع الأموي ودفن بمقابر باب الصغير وكان رجلا شهما كثير العبادة والمحبة للسنة وأهلها ممن واظب الشيخ تقي الدين بن تيمية رحمه الله وانتفع به وكان من جملة أنصاره واعوانه على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو الذي بعثه إلى صيدنا يامع بعض القسيسين فلوث يده بالعذرة وضرب اللحمة التي يعظمونها هنالك واهانها غاية الاهانة لقوة إيمانه وشجاعته رحمه الله وإيانا
وفي يوم الخميس سابعه اجتمع الصاحب ومشد الدواوين ووكيل بيت المال ومشد الاوقاف ومباشر والجامع ومعهم العمالين بالقول والمعاول يحفرون إلى جانب السارية عند باب مشهد على تحت تلك الصخرة التي كانت هناك وذلك عن قول رجل جاهل زعم أن هناك مالا مدفونا فشاوروا نائب السلطنة فامرهم بالحفر واجتمع الناس والعامة فأمرهم فأخرجوا وأغلقت أبواب الجامع كلها ليتمكنوا من الحفر ثم حفروا ثانيا وثالثا فلم يجدوا شيئا إلا التراب المحض واشتهر هذا الحفير في البلد وقصده الناس للنظر إليه والتعجب من أمره وانفصل الحال على أن حبس هذا الزاعم لهذا المحال وطم الحفير كما كان
وفي يوم الاثنين ثامن عشر ربيع الأول قدم قاضي حلب ناصر الدين بن الخشاب على البريد مجتازا إلى دمشق فنزل بالعادلية الكبيرة وأخبر أنه صلى على المحدث البارع الفاضل الحافظ شمس الدين محمد بن علي بن أيبك السروجي المصري يوم الجمعة ثامن هذا الشهر بحلب رحمه الله ومولده سنة خمس عشرة وسبعمائة وكان قد أتقن طرفا جيدا في علم الحديث وحفظ أسماء الرجال وجمع وخرج
وفي مستهل ربيع الآخر وقع حريق عظيم بسفح قاسيون احترق به سوق الصالحية الذي بالقرب من جامع المظفري وكانت جملة الدكاكين التي احترقت قريبا من مائة وعشرين دكانا ولم ير حريق من زمان أكبر منه ولا أعظم فانا لله وإنا إليه راجعون وفي يوم الجمعة سادسة رسم بأن يذكر بالصلاة يوم الجمعة في سائر مواذن البلد كما يذكر في مواذن الجامع ففعل ذلك وفي يوم الثلاثاء عاشره طلب من القاضي تقي الدين السبكي قاضي قضاة الشافعية أن يقرض ديوان السلطان شيئا من أموال الغياب التي تحت يده فامتنع من ذلك امتناعا كثيرا فجاء شاد الدواوين وبعض حاشية نائب السلطنة ففتحوا مخزن الأيتام وأخذوا منه خمسين ألف درهم قهرا ودفعوها إلى بعض العرب عما كان تأخر له في الديوان السلطان ووقع أمر كثير لم يعهد مثله
وفي يوم الأربعاء عاشر جمادي الأولى توفي صاحبنا الشيخ الامام العالم العلامة الناقد البارع في فنون العلوم شمس الدين محمد بن الشيخ عماد الدين أحمد بن عبدالهادي المقدسي الحنبلي تغمده الله برحمته وأسكنه بحبوحة جنته مرض قريبا من ثلاثة أشهر بقرحة وحمى سل ثم تفاقم أمره وأفرط به إسهال وتزايد ضعفه إلى أن توفي يومئذ قبل أذان العصر فأخبرني والده أن آخر كلامه أن قال أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين فصلى عليه يوم الخميس بالجامع المظفري وحضر جنازته قضاة البلد وأعيان الناس من العلماء والأمراء والتجار والعامة وكانت جنازته حافلة مليحة عليها ضوء ونور ودفن بالروضة إلى جانب قبر السيف ابن المجد رحمهما الله تعالى وكان مولده في رجب سنة خمس وسبعمائة فلم يبلغ الأربعين وحصل من العلوم مالا يبلغه الشيوخ الكبار وتفنن في الحديث والنحو والتصريف والفقه والتفسير والاصلين والتاريخ والقراءات وله مجاميع وتعاليق مفيدة كثيرة وكان حافظا جيدا لأسماء الرجال وطرق الحديث عارفا بالجرح والتعديل بصيرا بعلل الحديث حسن الفهم له جيد المذاكرة صحيح الذهن مستقيما على طريقة السلف واتباع الكتاب والسنة مثابرا على فعل الخيرات
وفي يوم الثلاثاء سلخه درس بمحراب الحنابلة صاحبنا الشيخ الامام العلامة شرف الدين بن القاضي شرف الدين الحنبلي في حلقة الثلثاء عوضا عن القاضي تقي الدين بن الحافظ رحمه الله وحضر عنده القضاء والفضلاء وكان درسا حسنا أخذ في قوله تعالى إن الله يأمر بالعدل والاحسان وخرج إلى مسألة تفضيل بعض الأولاد وفي يوم الخميس ثاني شهر جمادي الأولى خرجت التجريدة إلى الكرك مقدمان من الامراء وهما الامير شهاب الدين بن صبح والامير سيف الدين قلاوون في أبهة عظيمة وتجمل وجيوش وبقارات وإزعاج كثيرة
وفي صبيحة يوم الأثنين الحادي والعشرين منه قتل بسوق الخيل حسن بن الشيخ السكاكيني على ما ظهر منه من الرفض الدال على الكفر المحض شهد عليه عند القاضي شرف الدين المالكي بشهادات كثيرة تدل على كفره وأنه رافضي جلد فمن ذلك تكفير الشيخين رضي الله عنهما وقذفه أمي المؤمنين عائشة وحفصة رضي الله عنهما وزعم أن جبريل غلط فأوحى إلى محمد وإنما كان مرسلا إلى على وغير ذلك من الأقوال البالطة القبيحة قبحه الله وقد فعل وكان والده الشيخ محمد السكاكيني يعرف مذهب الرافضة والشيعة جيدا وكانت له اسئلة على مذهب اهل الخير ونظم في ذلك قصيدة أجابه فيها شيخنا الامام العلامة شيخ الاسلام بن يتيمة رحمه الله وذكر غير واحد من أصحاب الشيخ أن السكاكيني مامات حتى رجع عن مذهبه وصار إلى قول أهل السنة فالله أعلم وأخبرت أن ولده حسنا هذا القبيح كان قد اراد قتل أبيه لما أظهر السنة
وفي ليلة الاثنين خامس شهر رجب وصل بدن الأمير سيف الدين تنكز نائب الشام كان إلى تربته التي الى جانب جامعة الذي أنشأه ظاهر باب النصر بدمشق نقل من الاسكندرية بعد ثلاث سنين ونصف أو أكثر بشافعة ابنته زوجة الناصر عند ولده السلطان الملك الصالح فأذن في ذلك وأرادوا أن يدفن بمدرسته بالقدس الشريف فلم يمكن فجيء به إلى تربته بدمشق وعملت له الختم وحضر القضاة والأعيان رحمه الله
وفي يوم الثلاثاء حادي عشر شعبان المبارك توفي صاحبنا الامير صلاح الدين يوسف التكريتي ابن اخي الصاحب تقي الدين بن توبة الوزير بمنزلة بالقصاعين كان شابا من أبناء الأربعين ذا ذكاء وفطنة وكلام وبصيرة جيدة وكان كثير المحبة إلى الشيخ تقي الدين بن تيمية رحمه الله ولأصحابه خصوصا ولكل من يراه من أهل العلم عموما وكان فيه إيثار وإحسان ومحبة الفقراء والصالحين ودفن بتربتهم بسفح قاسيون رحمه الله وفي يوم السبت الخامس عشر منه جاءت زلزلة بدمشق لم يشعر بها كثير من الناس لخفتها ولله الحمد والمنة ثم تواترت الاخبار بأنها شعثت في بلاد حلب شيئا كثيرا من العمران حتى سقط بعض الابراج بقلعة حلب وكثير من دورها ومساجدها ومشاهدها وجدرانها وأما في القلاع حولها فكثير جدا وذكروا ان مدينة منبج لم يبق منها إلا القليل وأن عامة السكانين بها هلكوا تحت الردم رحمهم الله
وفي اواخر شهر شوال خرجت التجاريد إلى الكرك وهما أميران مقدمان الأمير علاء الدين فراسنقر والأمير الحاج بيد مر واشتهر في هذه الأيام أن أمر الكرك قد ضعف وتفاقم عليهم الأمر وضاقت الارزاق عندهم جدا ونزل منها جماعات من رؤسائها وخاصكية الأمير أحمد بن الناصر مخامرين عليه فسيروا من الصبح الى قلاوون وصحبتهم مقدمون من الحلقة إلى الديار المصرية واخبروا أن الحواصل عند أحمد قد قلت جدا فالله المسئول أن يحسن العاقبة
وفي ليلة الأربعاء الثامن والعشرين من شهر ذي الحجة توفي القاضي الامام العلامة برهان الدين ابن عبدالحق شيخ الحنفية وقاضي القضاة بالديار المصرية مدة طويلة بعد ابن الحريري ثم عزل وأقام بدمشق ودرس في أيام تغردمر بالعذراوية لولده القاضي امين الدين فذكر بها الدرس يوم الاحد قبل وفاة والده بثلاثة أيام وكان موت برهان الدين رحمه الله ببستانه من أراضي الارزة بطريق الصالحية ودفن من الغد بسفح قاسيون بمقبرة الشيخ ابي عمر رحمه الله وصلى عليه بالجامع المظفري وحضر جنازته القضاة والاعيان والأكبار رحمه الله
*2* ثم دخلت سنة خمس وأربعين وسبعمائة
@ استهلت هذه السنة وسلطان الديار المصرية والديار الشامية وما يتعلق بذلك الملك الصالح بن إسماعيل بن السلطان الملك الناصر محمد بن الملك المنصور قلاوون وقضاته بالديار المصرية والشامية هم المذكورون في السنة المتقدمة ونائبه بمصر الحاج سيف الدين ووزيره المتقدم ذكره وناظر الخاص القاضي مكين الدين وناظر الجيوش القاضي علم الدين ابن القطب والمحتسب المتقدم وشاد الدواوين علم الدين الناصري وشاد الأوقاف الأمير حسام الدين النجيبي ووكيل بيت المال القاضي علاء الدين شرنوخ وناظر الخزانة القاضي تقي الدين بن أبي الطيب وبقية المباشرين والنظارهم المتقدم ذكرهم وكاتب السر القاضي بدر الدين بن فضل الله كاتب السر والقاضي أمين الدين ابن القلانسي والقاضي شهاب الدين بن القيسراني والقاضي شرف الدين بن شمس الدين بن الشهاب محمود والقاضي علاء الدين شرنوخ
شهر المحرم أول السبت استهل والحصار واقع بقلعة الكرك وأما البلد فأخذو استنيب فيه الأمير سيف الدين قبليه قدم اليها من الديار المصرية والتجاريد من الديار المصرية ومن دمشق محيطون بالقلعة والناصر احمد بن الناصر ممتنع من التسليم ومن الاجابة إلى الانابة ومن الدخول في طاعة أخيه وقد تفاقمت الامور وطالت الحروب وقتل خلق كثير بسبب ذلك من الجيوش ومن أهل الكرك وقد توجهت القضية إلى خير إن شاء الله وقبل ذلك بأيام يسيرة هرب من قلعة
الكرك الامير سيف الدين أبو بكر بن بهادرآص الذي كان أسر في أوائل حصار الكرك وجماعة من مماليك الناصر احمد كان اتهمهم بقتل الشهيب احمد الذي كان يعتنى به ويحبه واستبشر الجيوش بنزول أبي بكر من عنده وسلامته من يده وجهز إلى الديار المصرية معظما وهذا والمجانيق الثلاثة سلطة على القلعة من البلد تضرب عليها ليلا ونهارا وتدمر في بنائها من داخل فإن سورها لا يؤثر فيه شيء بالكلية ثم ذكر ان الحصار فتر ولكن مع الاحتياط على أن لا يدخل إلى القلعة ميرة ولا شيء مما يتسعينون به على المقام فيها فالله المسؤول أن يحسن العقابة وفي يوم الاربعاء الخامس والعشرين من صفر قدم البريد مسرعا من الكرك فأخبر بفتح القلعة وان بابها احرق وأن جماعة الأمير أحمد بن الناصر استغاثوا بالأمان وخرج أحمد مقيدا وسير على البريد إلى الديار المصرية وذلك يوم الاثنين بعدا لظهر الثالث والعشرين من هذا الشهر ولله عاقبة الأمور وفي صبيحة يوم الجمعة رابع ربيع الاول دقت البشائر بالقلعة وزينت البلد عن مرسوم السلطان الملك الصالح سرورا بفتح البلد واجتماع الكلمة عليه واستمرت الزينة إلى يوم الاثنين سابعه فرسم برفعها بعد الظهر فتشوش كثير من العوام وأرجف بعض الناس بأن أحمد قد ظهر أمره وبايعه الأمراء الذين هم عنده وليس لذلك حقيقة ودخلت الأطلاب من الكرك صبيحة يوم الأحد ثالث عشر ربيع الاول بالطبلخانات والجيوش واشتهر إعدام احمد بن الناصر
وفي يوم الجمعة حادي عشر ربيع الأول صلى بالجامع الأموي على الشيخ أمين الدين أبي حيان النحوي شيخ البلاد المصرية من مدة طويلة وكانت وفاته بمصر عن تسعين سنة وخمسة أشهر ثم اشتهر في ربيع الآخر قتل السلطان أحمد وحز رأسه وقطع يديه ودفن جثته بالكرك وحمل رأسه إلى أخيه الملك الصالح إسماعيل وحضر بين يديه في الرابع والعشرين من هذا الشهر ففرح الناس بذلك ودخل الشيخ أحمد الزرعي على السلطان الملك الصالح فطلب منه أشياء كثيرة من تبطيل المظالم ومكوسات وإطلاق طبلخانات للأمير ناصر الدين بن بكناش وإطلاق أمراء محبوسين بقلعة دمشق وغير ذلك فأجابه إلى جميع ذلك وكان جملة المراسيم التي أجيب فيها بضع وثلاثين مرسوما فلما كان آخر شهر ربيع الآخر قدمت المراسيم التي سألها الشيخ أحمد من الملك الصالح فأمضيت كلها أو كثير منها وافرج عن صلاح الدين بن الملك الكامل والامير سيف الدين بلو في يوم الخميس سلخ هذا الشهر ثم روجع في كثير منها وتوقف حالها
وفي هذا الشهر عملت منارة خارج باب الفرج وفتحت مدرسة كانت دارا قديمة فجعلت مدرسة للحنفية ومسجدا وعملت طهارة عامة ومصلى للناس وكل ذلك منسوب إلى الامير سيف الدين تقطم الخليلي أمير حاجب كان وهو الذي جدد الدار المعروفة به اليوم بالقصاعين
وفي ليلة الاثنين عاشر جمادي الآخرة ترفى صاحبنا المحدث تقي الدين محمد بن صدر الدين سليمان الجعبري زوج بنت الشيخ جمال الدين المزي والد شرف الدين عبد الله وجمال الدين إبراهيم وغيرهم وكان فقيها بالمدارس وشاهدا تحت الساعات وغيرها وعنده فضيلة جيدة في قراءة الحديث وشيء من العربية وله نظم مستحسن انقطع يومين وبعض الثالث وتوفي في الليلة المذكورة في وسط الليل وكنت عنده وقت العشاء الآخرة ليلتئذ وحدثني وضاحكني وكان خفيف الروح رحمه الله ثم توفي في بقية ليلته رحمه الله وكان أشهدني عليه بالتوبة من جميع ما يسخط الله عز وجل وأنه عازم على ترك الشهود أيضا رحمه الله صلى عليه ظهر يوم الاثنين ودفن بمقابر باب الصغير عند أبويه رحمهم الله
وفي يوم الجمعة ثاني عشرين شهر رجب خطب القاضي عماد الدين بن العز الحنفي بجامع تنكز خارج باب النصر عن نزول الشيخ نجم الدين علي بن داود القفجاري له عن ذلك وايضا نائب السلطنة الامير سيف الدين تغردمر وحضوره عنده في الجامع المذكور يومئذ
وفي يوم الجمعة تاسع عشرين رجب توفي القاضي الامام العالم جلال الدين أبو العباس أحمد ابن قاضي القضاة حسام الدين الرومي الحنفي وصلى عليه بعد صلاة الجمعة بمسجد دمشق وحضره القضاة والأعيان ودفن بالمدرسة التي أنشأها إلى جانب الزردكاش قريبا في الخاتونية الجوانية وكان قد ولى قضاء قضاة الحنفية في أيام ولاية أبيه الديار المصرية وكان مولده سنة أحدى وخمسين وستمائة وقدم الشام مع ابيه فأقاموا بها ثم لما ولى الملك المنصور لاجين ولى أباه قضاء الديار المصرية وولده هذا قضاء الشام ثم إنه عزل بعد ذلك واستمر على ثلاث مدراس من خيار مدارس الحنفية ثم حصل له صمم في آخر عمره وكان ممتعا بحواسه سواه وقواه وكان يذاكر في العلم وغير ذلك
وفي يوم الأربعاء الرابع والعشرين من شعبان توفي الشيخ نجم الدين علي بن داود القفجاري خطيب جامع تنكز ومدرس الظاهرية وقد نزل عنها قبل وفاته بقليل للقاضي عماد الدين بن العز الحنفي وصلى عليه بالجامع المذكور بعد صلاة الظهر يومئذ وعند باب النصر وعند جامع جراح ودفن بمقبرة ابن الشيرجي عند والده وحضره القضاة والاعيان وكان استاذا في النحو وله علوم أخر لكن كان نهاية في النحو والتصريف
وفي هذا اليوم توفي الشيخ الصالح العابد الناسك الشيخ عبد الله الضرير الزرعي وصلى عليه بعد الظهر بالجامع الأموي وبباب النصر وعند مقابر الصوفية ودفن بها قريبا من الشيخ تقي الدين ابن تيمية رحمه الله وكان كثير التلاوة حسنها وصحيحها كثير العبادة يقرئ الناس من دهر طويل ويقوم بهم العشر الأخير من رمضان في محراب الحنابلة بالجامع الأموي رحمه الله
وفي يوم الجمعة ثاني شهر رمضان المعظم توفي الشيخ الامام العالم العامل العابد الزاهد الورع أبو عمر بن أبي الوليد المالكي إمام محراب الصحابة الذي للمالكية وصلى عليه بعد الصلاة وحضر جنازته خلق كثير وجم غفير وتأسف الناس عليه وعلى صلاحه وفتاويه النافعة الكثيرة ودفن إلى جانب قبر أبيه واخيه إلى جانب قبر أبي الغندلاوي المالكي قريبا من مسجد التاريخ رحمه الله وولى مكانه في المحراب ولده وهو طفل صغير فاستنيب له إلى حين صلاحيته جبره ورحم اباه
وفي صبيحة ليلة الثلاثاء سادس رمضان وقع ثلج عظيم لم ير مثله بدمشق من مدة طويلة وكان الناس محتاجين إلى مطر فلله الحمد والمنة وتكاثف الثلج على الأسطحة وتراكم حتى أعيي الناس أمره ونقلوه عن الاسطحة إلى الأزقة يحمل ثم نودي بالأمر بازالته من الطرقات فإنه سدها وتعطلت معايش كثير من الناس فعوض الله الضعفاء بعملهم في الثلج ولحق الناس كلفة كبيرة وغرماة كثيرة فإنا لله وإنا اليه راجعون
وفي يوم الجمعة الثالث والعشرين من رمضان صلى بالجامع الأموي على نائب وهو الأمير علاء الدين الجاولي وقد تقدم شيء من ترجمته رحمه الله
وفي أول شوال يوم عيد الفطر وقع فيه ثلج عظيم بحيث لم يمكن الخطيب من الوصول إلى المصلى ولا خرج نائب السلطنة بل اجتمع الأمراء والقضاة بدار السعادة وحضر الخطيب فصل بهم العيد بها وكثير من الناس صلوا العيد في البيوت
وفي يوم الأحد الحادي والعشرين من ذي الحجة درس قاضي القضاة تقي الدين السبكي الشافعي بالشامية البرانية عن الشيخ شمس الدين ابن النقيب رحمه الله وحضر عنده القضاة والاعيان والأمراء وخلق من الفضلاء وأخذ في قوله تعالى قال رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب وما بعدها وفي ذي الحجة استفتى في قتل كلاب البلد فكتب جماعةمن أهل البلد في ذلك فرسم باخراجهم يوم الجمعة من البلد الخامس والعشرين منه لكن إلى الخندق ظاهر باب الصغير وكان الاولى قتلهم بالكلية وإحراقهم لئلا تنتن الناس بريحهم على ما أفتى به الامام مالك بن أنس من جواز قتل الكلاب ببلدة معينة للمصلحة إذا رأى الامام ذلك ولا يعارض ذلك النهي عن قتل الكلاب ولهذا كان عثمان بن عفان يأمر في خطبته بقتل الكلاب وذبح الحمام
*2* ثم دخلت سنة ست وأربعين وسبعمائة
@ استهلت هذه السنة وسلطان المسلمين بالديار المصرية والشامية والحرمين والبلاد الحلبية وأعمال ذلك الملك الصالح عماد الدين إسماعيل بن الناصر بن المنصور وقضاته بالديار المصرية والشامية هم المذكورون أيضا وفي يوم الجمعة سادس عشر محرم كملت عمارة الجامع الذي بالمزة الفوقانية الذي جدده وأنشأه الأمير بهاء الدين المرجاني الذي بنى والده مسجد الخيف بمنى وهو جامع حسن متسع فيه روح وإنشراح تقبل الله من بانيه وعقدت فيه الجمعة بجمع كثير وجم غفير من أهل المزة ومن حضر من أهل البلد وكنت أنا الخطيب يعني الشيخ عماد الدين المصنف تغمده الله برحمته ولله الحمد والمنة ووقع كلام وبحث في اشتراط المحلل في المسابقة وكان سببه أن الشيخ شمس الدين ابن قيم الجوزية صنف فيه مصنفا من قبل ذلك ونصر فيه ما ذهب اليه الشيخ تقي الدين بن تيمية في ذلك ثم صار يفتى به جماعة من الترك ولا يعزوه إلى الشيخ تقي الدين بن تيمية فاعتقد من اعتقد أنه قوله وهو مخالف للأئمة الاربعة فحصل عليه إنكار في ذلك وطلبه القاضي الشافعي وحصل كلام في ذلك وانفصل الحال على أن أظهر الشيخ شمس الدين بن قيم الجوزية الموافقة للجمهور
نة ست وأربعين وسبعمائة
@ استهلت هذه السنة وسلطان المسلمين بالديار المصرية والشامية والحرمين والبلاد الحلبية وأعمال ذلك الملك الصالح عماد الدين إسماعيل بن الناصر بن المنصور وقضاته بالديار المصرية والشامية هم المذكورون أيضا وفي يوم الجمعة سادس عشر محرم كملت عمارة الجامع الذي بالمزة الفوقانية الذي جدده وأنشأه الأمير بهاء الدين المرجاني الذي بنى والده مسجد الخيف بمنى وهو جامع حسن متسع فيه روح وإنشراح تقبل الله من بانيه وعقدت فيه الجمعة بجمع كثير وجم غفير من أهل المزة ومن حضر من أهل البلد وكنت أنا الخطيب يعني الشيخ عماد الدين المصنف تغمده الله برحمته ولله الحمد والمنة ووقع كلام وبحث في اشتراط المحلل في المسابقة وكان سببه أن الشيخ شمس الدين ابن قيم الجوزية صنف فيه مصنفا من قبل ذلك ونصر فيه ما ذهب اليه الشيخ تقي الدين بن تيمية في ذلك ثم صار يفتى به جماعة من الترك ولا يعزوه إلى الشيخ تقي الدين بن تيمية فاعتقد من اعتقد أنه قوله وهو مخالف للأئمة الاربعة فحصل عليه إنكار في ذلك وطلبه القاضي الشافعي وحصل كلام في ذلك وانفصل الحال على أن أظهر الشيخ شمس الدين بن قيم الجوزية الموافقة للجمهور


التوقيع :


اللهم صل على سيدنا محمد عبدك ونبيك ورسولك
النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم تسليما عدد مااحاط به علمك
وخط به قلمك واحصاه كتابك
وارض اللهم عن سادتنا ابي بكر وعمر وعثمان وعلي
وعن الصحابة أجمعين وعن التابعين وتابعيهم بإحسان الى يوم الدين





رد مع اقتباس
قديم 09-01-2006, 11:56 PM   رقم المشاركة : 17
الكاتب

أفاق : الاداره

مراقب

مراقب

أفاق : الاداره غير متواجد حالياً


الملف الشخصي









أفاق : الاداره غير متواجد حالياً


مشاركة: البداية والنهاية الجزء الرابع عشر

*3* وفاة الملك الصالح إسماعيل
@ في يوم الاربعاء ثالث شهر ربيع الاخر من هذه السنة أظهر موت السلطان الملك الصالح عماد الدين إسماعيل ابن الناصر بن المنصور آخر النهار وكان قد عهد بالأمر إلى أخيه لأبويه الملك الكامل سيف الدين أبي الفتوح شعبان فجلس على سرير المملكة يوم الخميس رابعه وكان يوما مشهودا ثم قدم الخبر إلى دمشق عشية الخميس ليلة الجمعة الثاني عشر منه وكان البريد قد انقطع عن الشام نحو عشرين يوما للشغل بمرض السلطان فقدم الأمير سيف الدين معزا للبيعة للملك الكامل فركب عليه الجيش لتلقيه فلما كان صبيحة الجمعة أخذت البيعة من النائب والمقدمين وبقية الأمراء والجند للسلطان الملك الكامل بدار السعادة ودقت البشائر وزين البلد وخطب الخطباء يومئذ للملك الكامل جعله الله وجها مباركا على المسلمين
وفي صبيحة يوم الاثنين الثاني والعشرين من ربيع الآخر درس القاضي جمال الدين حسين ابن قاضي القضاة تقي الدين السبكي الشافعي بالمدرسة الشامية البرانية نزل له أبوه عنها واستخرج له مرسوما سلطانيا بذلك فحضر عنده القضاة والاعيان وجماعة من الأمراء والفقهاء وجلس بين ابيه والقاضي الحنفي وأخذ في الدرس في قوله تعالى ولقد آتينا داود وسليمان علما وقالا الحمد الله الذي فضلنا على كثير من عباده المؤمنين الايات وتكلم الشريف مجد الدين المتكلم في الدرس بكلام فيه نكارة وبشاعة فشنع عليه الحاضرون فاستتيب بعد انقضاء الدرس وحكم باسلامه وقد طلب إلى الديار المصرية نائب دمشق الامير سيف الدين تغردمر وهو متمرض انقطع عن الجمعة بسبب المرض مرات والبريد يذهب إلى حلب لمجيء نائبها الامير سيف الدين يلبغا لنيابة دمشق وذكر أن الحاج ارقطيه تعين لنيابة حلب وفي يوم الجمعة رابع جمادي الاولى
خرجت أثقال الامير سيف الدين تغردمر النائب وخيوله وهجنه ومواليه وحواصله وطبلخاناته وأولاده في تجمل عظيم وأبهة هائلة جدا وخرجت المحافل والكحارات والمحفات لنسائه وبناته وأهله في هيبة عجيبة هذا كله وهو بدار السعادة فلما كان من وقت السحر في يوم السبت خامسة خرج الامير سيف الدين تغردمر بنفسه إلى الكسوة في محفة لمرضه مصحوبا بالسلامة فلما طلعت الشمس من يومئذ قدم من حلب استاذ دار الامير سيف الدين يلبغا ! البحتاوي فتسلم دار السعادة وفرح الناس بهم وذهب الناس للتهنئة والتودد إليهم
ولما كان يوم السبت الثاني عشر من جمادي الاولى خرج الجيش بكماله لتلقى نائب السلطنة الامير سيف الدين يلبغا فدخل في تجمل عظيم ثم جاء فنزل عند باب السر وقبل العتبه على العادة ثم مشى إلى دار السعادة
وفي عشية يوم الاثنين رابع عشرة قطع نائب السلطنة ممن وجب قطعه في الحبس ثلاثة عشر رجلا وأضاف إلى قطع اليد قطع الرجل من كل منهم لما بلغه أنه تكرر من جناياتهم وصلب ثلاثة بالمسامير ممن وجب قتله ففرح الناس بذلك لقمعه المفسدين وأهل الشرور والعيث والفساد
واشتهر في العشر الأوسط من جمادي الآخرة وفاة الأمير سيف الدين تغردمر بعد وصلوه إلى الديار المصرية بأيام وكان ذلك ليلة الخميس مستهل هذا الشهر وذكر انه رسم على ولده وأستاذ داره وطلب منهم مال جزيل فالله اعلم
وفي يوم الاثنين ثاني عشرة توفي القاضي علاء الدين بن العز الحنفي نائب الحكم ببستانه بالصالحية ودفن بها وذلك بعد عود المدرسة الظاهرية إليه وأخذه إياها من عمه القاضي عماد الدين إسماعيل كما قدمنا ولم يدرس فيها إلا يوما واحدا وهو متمرض ثم عاد إلى الصالحية فتمادى به مرضه إلى أن مات رحمه الله
وخرج الركب إلى الحجاز الشريف يوم السبت حادي عشر شوال وخرج ناس كثير من البلد ووقع مطر عظيم جدا ففرح الناس به من جهة أن المطر كان قليلا جدا في شهر رمضان وهو كانون الأصم فلما وقع هذا استبشروا به وخافوا على الحجاج ضرره ثم تداول المطر وتتابع ولله الحمد والمنة لكن ترحل الحجاج في أوحال كثيرة وزلق كثير والله المسلم والمعين والحامي ولما استقل الحجيج ذاهبين وقع عليه ممطر شديد بين الصمين فعوقهم أياما بها ثم تحاملوا إلى زرع فلم يصلوها إلا بعد جهد جهيد وامر شديد ورجع كثير منهم وأكثرهم وذكروا أشياء عظيمة حصلت لهم من الشدة وقوة الامطار وكثرة الاوحال ومنهم من كان تقدم إلى أرض بصرى فحصل لهم رفق بذلك والله المستعان وقيل إن نساء كثيرة من المخدرات مشين حفاة فيما بين زرع والصميين
وبعد ذلك وكان أمير الحاج سيف الدين ملك آص وقاضيه شهاب بن الشجرة الحاكم بمدينة بعلبك يومئذ والله المستعان انتهى
*2* ثم دخلت سنة سبع وأربعين وسبعمائة
@
استهلت هذه السنةوسلطان البلاد بالديار المصرية والشامية والحرمين وغير ذلك الملك الكامل سيف الدين شعبان بن الملك الناصر محمد بن الملك المنصور قلاوون وليس له بمصر نائب وقضاة مصرهم المذكورون في التي قبلها ونائب دمشق الأمير سيف الدين يلبغا ! البحتاوي وقضاة دمشق هم المذكورون في التي قبلها إلا أن قاضي القضاة عماد الدين بن إسماعيل الحنفي نزل عن القضاء لولده قاضي القضاة نجم الدين واستقل بالولاية وتدريس النورية وبقي والده على تدريس الريحانية ! وفي يوم الجمعة السادس عشر من المحرم من هذه السنة توفي الشيخ تقي الدين الشيخ الصالح محمد ابن الشيخ محمد بن قوام بزاويتهم بالسفح وصلى عليه الجمعة بجامع الأفرم ثم دفن بالزاوية وحضره القضاة والأعيان وخلق كثير وكان بينه وبين أخيه ستة أشهر وعشرون يوما وهذا أشد من ذلك
وفتحت في أول السنة القيسارية التي أنشأها الامير سيف الدين يلبغا نائب السلطنة ظاهر باب الفرج وضمنت ضمانا باهرا بنحو من سبعة آلاف كل شهر وداخلها قيسارية تجارة في وسطها بركة ومسجد وظاهرها دكاكين وأعاليها بيوت للسكن
وفي صبيحة يوم الاثنين ثاني عشر ربيع الاول عقد مجلس بمشهد عثمان للنور الخراساني وكان يقرأ القرآن في جامع تنكز ويعلم الناس اشياء من فرائض الوضوء والصلاة ادعى عليه فيه انه تكلم في بعض الائمة الاربعة وأنه تكلم في شيء من العقائد ويطلق عباراة زائدة على ما ورد به الحديث وشهد عليه ببعض اشياء متعددة فاقتضى الحال أن عزر في هذا اليوم وطيف به في البلد ثم رد إلى السجن معتقلا فلما كان يوم الخميس الثاني عشرين منه شفع فيه الأمير أحمد بن مهنا ملك العرب عند نائب السلطنة فاستحضره بين يديه وأطلقه إلى أهله وعياله ولما كان تاريخ يوم الجمعة ثالث عشر جمادي الأولى صلى نائب السلطنة الأمير سيف الدين يلبغا البحتاوي الناصري بجامع تنكز ظاهر دمشق برا باب النصر وصلى عنده القاضي الشافعي والمالكي وكبار الأمراء ولما أقيمت الصلاة صلى وقعد بعض ممالكيه عن الصلاة ومعه السلاح حراسة له ثم لما انصرف من الصلاة اجتمع بالأمراء المذكورين وتشاوروا طويلا ثم نهض النائب إلى دار السعادة فلما كان آخر النهار برز بخدمه ومماليكه وحشمه ووطاقه وسلاحه وحواصله ونزل قبلي مسجد القدم وخرج الجند والأمراء في آخر النهار وانزعج الناس واتفق طلوع القمر خاسفا ثم خرج الجيش ملبسا تحت الثياب وعليه التراكيس بالنشاب والخيول والجنابات ولا يدري الناس ما الخبر وكان
سبب ذلك أن نائب السلطنة بلغه أن نائب صغد قد ركب إليه ليقبض عليه فانزعج لذلك وقال لا أموت إلا على ظهر أفراسي لا على فراشي وخرج الجند والأمراء خوفا من أن يفوتهم بالفرار فنزلوا يمنة ويسرة فلم يذهب من تلك المنزلة بل استمر بها يعمل النيابة ويجتمع بالأمراء جماعة وفرادى ويستميلهم إلىما هو فيه من الرأي وهو خلع الملك الكامل شعبان لأنه يكثر من مسك الأمراء بغير سبب ويفعل أفعالا لا تليق بمثله وذكروا أمورا كثيرة وأن يروا أخاه امير حاجبي بن الناصر لحسن شكالته وجميل فعله ولم يزل يفتلهم في الذروة والغارب حتى أجابوه إلى ذلك ووافقوه عليه وسلموا له ما يدعيه وتابعوا على ما اشار إليه وبايعوه ثم شرع في البعث إلى نواب البلاد يستميلهم إلى ما مالأ عليه الدمشقيون وكثير من المصريين وشرع أيضا في التصرف في الامور العامة الكلية وأخرج بعض من كان الملك الكامل اعتقله بالقلعة المنصورة ورد إليه إقطاعه بعد ما بعث الملك الكامل إلى من أقلعه منشورة وعزل وولى وأخذ وأعطى وطلب التجار يوم الاربعاء ثامن عشرة ليباع عليهم غلال الحواصل السلطانية فيدفعوا أثمانها في الحال ثم يذهبوا فيتسلموها من البلاد البرانية وحضر عنده القضاة على العادة والأمراء والسادة وهذا كله وهو مخيم بالمكان المذكور لا يحصره بلد ولا يحويه سور
وفي يوم الخميس رابع جمادي الآخرة خرجت تجريدة نحو عشرة طليعة لتلقي من يقدم من الديار المصرية من الأسراء وغيرهم ببقاء الأمر على ما كان عليه فلم يصدقهم النائب وربما عاقب بعضهم ثم رفعهم إلى القلعة وأهل دمشق ما بين مصدق باختلاف المصريين وما بين قائل السلطان الكامل قائم الصورة مستمر على ما كان عليه والتجاريد المصرية واصلة قريبا ولا بد من وقوع خبطة عظيمة وتشوشت اذهان الناس وأحوالهم بسبب ذلك والله المسئول أن يحسن العقابة
وحاصل القضية أن العامة ما بين تصديق وتكذيب ونائب السلطنة وخواصه من كبار الامراء على ثقة من أنفسهم وأن الأمراء على خلف شديد في الديار المصرية بين السلطان الكامل شعبان وبين اخيه امير حاجي والجمهور مع اخيه أمير حاجي ثم جاءت الاخبار الى النائب بأن التجاريد المصرية خرجت تقصد الشام ومن فيه من الجند لتوطد الامر ثم إنه تراجعت رؤس الأمراء في الليل إلى مصر واجتمعوا إلى إخوانهم ممن هو مماليء لهم على السلطان فاجتمعوا ودعوا إلى سلطنة أمير حاجي وضربت الطبلخانات وصارت باقي النفوس متجاهرة على نية تأييده ونابذوا السلطان الكامل وعدوا عليه مساويه وقتل بعض الامراء وفر الكامل وأنصاره فاحتيط عليه وخرج أرغون العلائي زوج ابنته واستظهر ايضا امير حاجي فأجلسوه على السرير ولقبوه بالملك المظفر وجاءت الأخبار إلى النائب بذلك فضربت البشائر عنده وبعث إلى نائب القلعة فامتنع من ضربها وكان قد
طلب إلى الوطاق فامتنع من الحضور وأغلق باب القلعة فانزعج الناس واختبط البلد وتقلص وجود الخير وحصنت القلعة ودعوا للكامل بكرة وعشية على العادة وأرجف العامة بالجيش على عادتهم في كثرة فصولهم فحصل لبعضهم أذية فلما كان يوم الاثنين ثامن الشهر قدم نائب حماة إلى دمشق مطيغا لنائب السلطنة في تجمل وأبهة ثم أجريت له عادة أمثاله
وفي هذا اليوم وقعت بطاقة بقدوم الامير سيف الدين بيغرا حاجب الحجاب بالديار المصرية لأجل البيعة للسلطان الملك المظفر فدقت البشائر بالوطاق وأمر بتزيين البلد فزين الناس وليسوا منشرحين وأكثرهم يظن أن هذا مكر وخديعة وأن التجاريد المصرية واصله قريبا وامتنع نائب القلعة من دق البشائر وبالغ في تحصين القلعة وغلق بابها فلا يفتح إلا الخوخة البرانية والجوانية وهذا الصنيع هو الذي يشوش خواطر العامة يقولون لو كان ثم شيء له صحة كان نائب القلعة يطلع على هذا قبل الوطاق فلما كان يوم الثلاثاء بعد الزوال قدم الامير سيف الدين بيغرا إلى الوطاق وقد تلقوه وعظموه ومعه تقليد النيابة من المظفر إلى الامير سيف الدين يلبغا نائب السلطنة وكتاب إلى الامراء بالسلام ففرحوا بذلك وبايعوه وانضمت الكلمة ولله الحمد وركب بيغرا إلى القلعة فترجل وسل سيفه ودخل إلى نائب القلعة فبايعه سريعا ودقت البشائر في القلعة بعد المغرب حين بلغه الخبر وطابت أنفس الناس ثم اصبحت القلعة في الزينة وزادت الزينة في البلد وفرح الناس فلما كان يوم الخميس حادي عشر الشهر دخل نائب السلطنة من الوطاق إلى البلد والأطلاب بين يديه في تجمل وطبلخانات على عادة العرض وقد خرج أهل البلد إلى الفرجة وخرج أهل الذمة بالتوارة واشعلت الشموع وكان يوما مشهودا
وقد صلى في شهر رمضان من هذه السنة بالشامية البرانية صبي عمره ست سنين وقد رأيته وامتحنته فإذا هو يجيد الحفظ والاداء وهذا من أغرب ما يكون وفي العشر الاول من هذا الشهر فرغ من بناء الحمامين الذي بناهما نائب السلطنة بالقرب من الثابتية في خان السلطان العتيق وما حولها من الرباع والقرب وغير ذلك وفي يوم الأحد حادي عشره اجتمع نائب السلطنة والقضاة الاربعة ووكيل بيت المال والدولة عند تل المستقين من أجل أن نائب السلطنة قد عزم على بناء هذه البقعة جامعا بقدر جامع تنكز فاشتوروا هنالك ثم انفصل الحال على أن يعمل والله ولي التوفيق
وفي يوم الخميس ثالث ذي القعدة صلى على الشيخ زين الدين عبد الرحمن بن تيمية أخو الشيخ تقي الدين رحمهما الله تعالى وفي يوم السبت ثاني عشرة توفي الشيخ على القطناني بقطنا وكان قد اشتهر أمره في هذه السنين واتبعه جماعة من الفلاحين والشباب المنتمين إلى طريقة أحمد ابن الرفاعي وعظم أمره وسار ذكره وقصده الأكابر للزيارة مرات وكان يقيم السماعات على عادة
أمثاله وله أصحاب يظهرون إشارة باطلة وأحوالا مفتعلة وهذا مما كان ينقم عليه بسببه فإنه إن لم يكن يعلم بحاله فجاهل وإن كان يقرهم على ذلك فهو مثلهم والله سبحانه وتعالى أعلم وفي أواخر هذا الشهر أعني ذي الحجة من العيد وما بعده اهتم ملك الامراء في بناء الجامع الذي بناه تحت القلعة وكان تل المستقين وهدم ما كان هناك من أبنية وعملت السجل وأخذت احجار كثيرة من أرجاء البلد وأكثر ما أخذت الاحجار من الرحبة التي للمصريين من تحت المأذنة التي في رأس عقبة الكتاب وتيسر منها أحجار كثيرة والاحجار أيضا من جبل قاسيون وحمل على الجمال وغيرها وكان سلخ هذه السنة أعني سنة سبع واربعين وسبعمائة قد بلغت غرارة القمح إلى مائتين فما دونها وربما بيعت بأكثر من ذلك فإنا لله وإنا إليه راجعون
*2* ثم دخلت سنة ثمان وأربعين وسبعمائة
@ استهلت هذه السنة وسلطان البلاد المصرية والشامية والحرمين وغير ذلك الملك المظفر أمير حاجي ابن الملك الناصر محمد بن قلاوون ونائبه بالديار المصرية الامير سيف الدين ارقطية وقضاة مصر هم الذين كانوا في الماضية باعيانهم ونائبه بالشام المحروسة سيف الدين يلبغا الناصري وقضاة الشام هم المذكورون في التي قبلها بأعيانهم غير أن القاضي عماد الدين الحنفي نزل لولده قاضي القضاة نجم الدين فباشر في حياة أبيه وحاجب الحجاب فخر الدين إياس
واستهلت هذه السنة ونائب السلطنة في همة عالية في عمارة الجامع الذي قد شرع في بنائه غربي سوق الخيل بالمكان الذي كان يعرف بالتل المستقين
وفي ثالث المحرم توفي قاضي القضاة شرف الدين محمد بن أبي بكر الهمداني المالكي وصلى عليه بالجامع ودفن بتربته بميدان الحصا وتأسف الناس عليه لرياسته وديانته واخلاقه وإحسانه إلى كثير من الناس رحمه الله
وفي يوم الاحد الرابع والعشرين من المحرم وصل تقليد قضاء المالكية للقاضي جمال الدين المسلاتي الذي كان نائبا للقاضي شرف الدين قبله وخلع عليه من آخر النهار وفي شهر ربيع الاول أخذوا لبناء الجامع المجدد بسوق الخيل أعمدة كثيرة من البلد فظاهر البلد يعلقون ما فوقه من البناء ثم يأخذونه ويقيمون بدله دعامة وأخذوا من درب الصيقل وأخذوا العمود الذي كان بسوق العلبيين الذي في تلك الدخلة على رأسه مثل الكرة فيها حديد وقد ذكر الحافظ ابن عساكر انه كان فيه طلسم لعسر بول الحيوان إذا داروا بالدابة ينحل أراقيها فلما كان يوم الاحد السابع والعشرين من ربيع الاول من هذه السنة قلعوه من موضعه بعد ما كان له في هذا الموضع نحوا من اربعة آلاف سنة والله أعلم وقد رأيته في هذا اليوم وهو ممدود في سوق العلبيين على الاخشاب
ليجروه إلى الجامع المذكور من السوق الكبير ويخرجوا به من باب الجابية الكبير فلا إله إلا الله وفي أواخر شهر بيع الاخر ارتفع بناء الجامع الذي أنشأه النائب وجفت العين التي كانت تحت جداره حين اسسوه ولله الحمد
وفي سلخ ربيع الآخر وردت الأخبار من الديار المصرية بمسك جماعة من أعيان الأمراء كالحجازي وآقسنقر الناصري ومن لف لفهما فتحرك الجند بالشام ووقعت خبطة ثم استهل شهر جمادي الاولى والجند في حركة شديدة ونائب السلطنة يستدعى الامراء إلى دار السعادة بسبب ما وقع بالديار المصرية وتعاهد هؤلاء على أن لا يؤذي احد وأن يكونوا يدا واحدة وفي هذا اليوم تحول ملك الامراء من دار السعادة إلى القصر الابلق واحترز لنفسه وكذلك حاشيته وفي يوم الاربعاء الرابع عشر منه قدم امير من الديار المصرية على البريد ومعه كتاب من السلطان فيه التصريح بعزل ملك الامراء يلبغا نائب الشام فقرئ عليه بحضرة الأمراء بالقصر الابلق فتغمم لذلك وساءه وفيه طلبه إلى الديار المصرية على البريد ليولي نيابة الديار المصرية والظاهر أن ذلك خديعة له فأظهر الامتناع وأنه لا يذهب إلى الديار المصرية أبدا وقال إن كان السلطان قد استكثر على ولاية دمشق فيوليني أي البلاد شاء فأنا راض بها ورد الجواب بذلك ولما أصبح من الغد وهو يوم الخميس وهو خامس عشرة ركب فخيم قريبا من الجسورة في الموضع الذي خيم فيه عام أول وفي الشهر أيضا كما تقدم فبات ليلة الجمعة وأمر الأمراء بنصب الخيام هنالك على عادتهم عام أول
فلما كان يوم الجمعة سادس عشرة بعد الصلاة ما شعر الناس إلا والأمراء قد اجتمعوا تحت القلعة وأحضروا من القلعة سنجقين سلطانيين أصفرين وضربوا الطبول حربيا فاجتمعوا كلهم تحت السنجق السلطاني ولم يتأخر منهم سوى النائب وذويه كابنيه وإخوته وحشايته والأمير سيف الدين قلاوون أحد مقدمي الألوف وخبره أكبر أخبار الأمراء بعد النيابة فبعث إليه الامراء أن هلم إلى السمع والطاعة للسلطان فامتنع من ذلك وتكررت الرسل بينهم وبينه فلم يقبل فساروا إليه في الطبلخانات والبوقات ملبسين لأمة الحرب فلما انتهوا اليه وجدوه قد ركب خيوله ملبسا واستعد للهرب فلما واجههم هرب هو ومن معه وفروا فرار رجل واحد وساق الجند راءه فلم يكتنفوا له غبارا وأقبل العامة وتركمان القبيبات فانتهبوا ما بقي في معسكره من الشعير والاغنام والخيام حتى جعلوا يقطعون الخيام والاطناب قطعا قطعا فعدم له ولأصحابه من الامتعة ما يساوي ألف ألف درهم وانتدب لطلبه والمسير وراءه الحاجب الكبير الذي قدم من الديار المصرية قريبا شهاب الدين بن صبح احد مقدمي الالوف فسار على طريق الاشرفية ثم عدل إلى ناحية القريتين
ولما كان يوم الاحد قدم الامير فخر الدين إياس نائب صغد فيها فتلقاه الأمراء والمقدمون ثم
جاء فنزل القصر وركب من آخر النهار في الجحافل ولم يترك احدا من الجند بدمشق إلا ركب معه وساق وراء يلبغا فانبرا نحو البرية فجعلت الاعراب يعترضونه من كل جانب وما زالوا يكفونه حتى سار نحو حماة فخرج نائبها وقد ضعف أمره جدا وكل هو ومن معه من كثرة السوق ومصاولة الاعداء من كل جانب فألقى بيده وأخذ سيفه وسيوف من معه واعتقلوا بحماة وبعث بالسيوف إلى الديار المصرية وجاء الخبر إلى دمشق صبيحة يوم الاربعاء رابع عشر هذا الشهر فضربت البشائر بالقلعة وعلى باب الميادين على العادة وأحدقت العساكر بحماة من كل جانب ينتظرون ما رسم به السلطان من شأنه وقام إياس بجيش دمشق على حمص وكذلك جيش طرابلس ثم دخلت العساكر راجعة إلى دمشق يوم الخميس التاسع والعشرين من الشهر وقدم يلبغا وهو مقيد على كديش هو وأبوه وحوله الأمراء الموكلون به ومن معه من الجنود فدخلوا به بعد عشاء الآخرة فاجتازوا به فم السبعة بعد ما غلقت الأسواق وطفئت السرج وغلقت الطاقات ثم مروا على الشيخ رسلان والباب الشرقي على باب الصغير ثم من عند مسجد الديان على المصلى واستمروا ذاهبين نحو الديار المصرية وتواترت البريدية من السلطان بما رسم به في أمره وأصحابه الذين خرجوا معه من الاحتياط على حواصلهم وأموالهم وأملاكهم وغير ذلك وقدم البريد من الديار المصرية يوم الاربعاء ثالث جمادي الآخرة فأخبر بقتل يلبغا فيما بين قاقون وغبرة وأخذت رؤسهما إلى السلطان وكذلك قتل بغبرة الأمراء الثلاثة الذين خرجوا من مصر وحاكم الوزير ابن سرد ابن البغدادي والدوادار طغيتمر وبيدمر البدري أحد المقدمين كان قد نقم عليه السلطان ممالأة يلبغا فأخرجهم من مصر مسلوبين جميع أموالهم وسيرهم إلى الشام فلما كانوا بغزة لحقهم البريد بقتلهم حيث وجهم وكذلك رسم بقتل يلبغا حيث التقاه من الطريق فلما انفصل البريد من غزة التقى يلبغا في طريق وادي فحمة فخنقه ثم احتز رأسه وذهب به إلى السلطان وقدم أميران من الديار المصرية بالحوطة على حوصال يلبغا وطواشي من بيت المملكة فتسلم مصاغا وجواهر نفيسة جدا ورسم ببيع أملاكه ما كان وقفه على الجامع الذي كان قد شرع بعمارته بسوق الخيل وكان قد اشتهر أنه وقف عليه القيسارية التي كان أنشأها ظاهر باب الفرج والحمامين المتجاورين ظاهر باب الجابية غربي خان السلطان العتيق وخصصا في قرايا أخرى كان قد استشهد على نفسه بذلك قبل ذلك فالله أعلم ثم طلب بقية أصحابه من حماة فحملوا إلى الديار المصرية وعدم خبرهم فلا يدري على أي صفة هلكوا
وفي صبيحة يوم الثلاثاء الثامن عش من جمادي الآخرة من هذه السنة دخل الامير سيف الدين ارغون شاه دمشق المرحوسة نائبا عليها وكان قدومه من حلب انفصل عنها وتوجه اليها الامير فخر الدين إياس الحاجب فدخلها ارغون شاه في أبهة وعليه خلعة وعمامة بطرفين وهو قريب الشكل

شهر المحرم أول السبت استهل والحصار واقع بقلعة الكرك وأما البلد فأخذو استنيب فيه الأمير سيف الدين قبليه قدم اليها من الديار المصرية والتجاريد من الديار المصرية ومن دمشق محيطون بالقلعة والناصر احمد بن الناصر ممتنع من التسليم ومن الاجابة إلى الانابة ومن الدخول في طاعة أخيه وقد تفاقمت الامور وطالت الحروب وقتل خلق كثير بسبب ذلك من الجيوش ومن أهل الكرك وقد توجهت القضية إلى خير إن شاء الله وقبل ذلك بأيام يسيرة هرب من قلعة
من تنكز رحمه الله فنزل دار السعادة وحكم بها وفيه صرامة وشهامة
وفي يوم الخميس الثالث والعشرين منه صلى على الامير قراسنقر بالجامع الأموي وظاهر باب النصر وحضر القضاة والاعيان والأمراء ودفن بتربته بميدان الحصا بالقرب من جامع الكريمي وعملت ليلة النصف على العادة من إشعال القناديل ولم يشعل الناس لما هم فيه من الغلاء وتأخر المطر وقلة الغلة كل رطل إلا وقية بدرهم وهو متغير وسائر الاشياء غالية والزيت كل رطل بأربعة ونصف ومثله الشيرج والصابون والأرز والعنبريس كل رطل بثلاثة وسائر الاطعمات على هذا النحو ولس شيء قريب الحال سوى اللحم بدرهمين وربع ونحو ذلك وغالب أهل حوران يردون من الأماكن البعيدة ويجلبون القمح للمؤنة والبدار من دمشق وبيع عندهم القمح المغربل كل مد بأربعة دراهم وهم في جهد شديد والله هو المأمول المسئول وإذا سافر احد يشق عليه تحصيل الماء لنفسه ولفرسه ودابته لأن المياه التي في الدرب كلها نفذت وأما القدس فأشد حالا وأبلغ في ذلك
ولما كان العشر الاخير من شعبان من هذه السنة من الله سبحانه وتعالى وله الحمد والمنة على عباده بارسال الغيث المتدارك الذي احيى العباد والبلاد وتراجع الناس إلى أوطانهم لوجود الماء في الاودية والغدران وامتلأت بركة زرع بعد ان لم يكن فيها قطرة وجاءت بذلك البشائر إلى نائب السلطنة وذكر ان الماء عم البلاد كلها وأن الثلج على جبل بني هلال كثير وأما الجبال التي حول دشمق فعليها ثلوج كثيرة جدا واطمأنت القلوب وحصل فرج شديد ولله الحمد والمنة وذلك في آخر يوم بقي من تشرين الثاني
وفي يوم الثلاثاء الحادي والعشرين من رمضان توفي الشيخ عز الدين محمد الحنبلي بالصالحية وهو خطيب الجامع المظفري وكان من الصالحين المشهورين رحمه الله وكان كثيرا ما يلقن الاموات بعد دفنهم فلقنه الله حجته وثبته بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الاخرة
*3* مقتل المظفر وتولية الناصر حسن بن الناصر
@
وفي العشر الأخير من رمضان جاء البريد من نائب غزة إلى نائب دمشق بقتل السلطان الملك المظفر حاجي بن الناصر محمد وقع بينه وبين الأمراء فتحيزوا عنه إلى قبة النصر فخرج إليهم في طائفة قليلة فقتل في الحال وسحب إلى مقبرة هناك ويقال قطع قطعا فإنا لله وإنا اليه راجعون
ولما كان يوم الجمعة آخر النهار ورد من الديار المصرية أمير للبيعة لأخيه السلطان الناصر حسن ابن السلطان الناصر محمد بن قلاوون فدقت البشائر في القلعة المنصورة وزين البلد بكماله ولله الحمد في الساعة الراهنة من أمكن من الناس وما أصبح صباح يوم السبت إلا زين البلد بكماله ولله الحمد على انتظام الكلمة واجتماع الالفة وفي يوم الثلاثاء العشرين من شوال قدم الامير فخر الدين
إياس نائب حلب محتاطا عليه فاجتمع بالنائب في دار السعادة ثم أدخل القلعة مضيقا عليه ويقال إنه قد فوض امره إلى نائب دمشق فمهما فعل فيه فقد أمضى له فأقام بالقلعة المنصورة نحوا من جمعة ثم أركب على البريد ليسار به إلى الديار المصرية فلم يدر ما فعل به
وفي ليلة الاثنين ثالث شهر ذي القعدة توفي الشيخ الحافظ الكبير مؤرخ الاسلام وشيخ المحدثين شمس الدين أبو عبد الله محمد بن عثمان الذهبي بتربة أم الصالح وصلى عليه يوم الاثنين صلاة الظهر في جامع دمشق ودفن بباب الصغير وقد ختم به شيوخ الحديث وحفاظه رحمه الله
وفي يوم الاحد سادس عشر ذي القعدة حضرت تربة أم الصالح رحم الله واقفها عوضا عن الشيخ شمس الدين الذهبي وحضر جماعة من أعيان الفقهاء وبعض القضاة وكان درسا مشهودا ولله الحمد والمنة أوردت فيه حديث أحمد عن الشافعي عن مالك عن الزهري عن عبدالرحمن بن كعب بن مالك عن أبيه أن رسول صلى الله عليه وسلم قال إنما نسمة المؤمن طائر معلق في شجر الجنة حتى يرجعه إلى جسده يوم يبعثه وفي يوم الأربعاء تاسع عشره أمر نائب السلطنة بجماعة انتبهوا شيئا من الباعة فقطعوا إحدى عشر منهم وسمر عشر تسميرا تعزيرا وتأديبا انتهى والله أعلم
*2* ثم دخلت سنة تسع واربعين وسبعمائة
@
استهلت وسلطان البلاد المصرية والشامية الملك الناصر ناصر الدين حسن بن الملك المنصور ونائبه بالديار المصرية الأمير سيف الدين يلبغا ووزيره منجك وقضاته عز الدين بن جماعة الشافعي وتقي الدين الاخنائي المالكي وعلاء الدين بن التركماني الحنفي وموفق الدين المقدسي الحنبلي وكانت سره القاضي علاء الدين بن محيي الدين بن فضل الله العمري ونائب الشام المحروس بدمشق الامير سيف الدين أرغون شاه الناصري وحاجب الحجاب الامير طيردمر الاسماعيلي والقضاة بدمشق قاضي القضاة تقي الدين السبكي الشافعي وقاضي القضاة نجم الدين الحنفي وقاضي القضاة جلال الدين المسلاتي المالكي وقاضي القضاة علاء الدين بن منجا الحنبلي وكاتب سره القاضي ناصر الدين الحلبي الشافعي وهو قاضي العساكر بحلب ومدرس الاسدية بها أيضا مع إقامته بدمشق المحروسة وتواترت الاخبار بوقوع البلاد في أطراف البلاد فذكر عن بلاد القرم أمر هائل وموتان فيهم كثير ثم ذكر أنه انتقل إلى بلاد الفرنج حتى قيل إن أهل قبرص مات أكثرهم او يقارب ذلك وكذلك وقع بغزة أمر عظيم وقد جاءت مطالعة نائب غزة إلى نائب دمشق انه مات من يوم عاشوراء إلى مثله من شهر صفر نحو من بضعة عشر ألفا وقرئ البخاري في يوم الجمعة بعد الصلاة سابع ربيع الاول في هذه السنة وحضر القضاة وجماعة من الناس وقر أربعة بعد ذلك المقرؤن ودعا الناس برفع الوباء عن البلاد وذلك أن الناس لما بلغهم من حلول هذا المرض
في السواحل وغيرها من أرجاء البلاد يتوهمون ويخافون وقوعه بمدينة دمشق حماها الله وسلمها مع أنه قد مات جماعة من أهلها بهذا الداء وفي صبحية يوم تاسعه اجتمع الناس بمحراب الصحابة وقرأوا متوزعين سورة نوح ثلاثة آلاف مرة وثلثمائة وثلاثة وستين مرة عن رؤيا رجل أنه رأى رسول الله
ص أرشده إلى قراءة ذلك كذلك وفي هذا الشهر أيضا كثر الموت في الناس بأمراض الطواعين وزاد الأموات كل يوم على المائة فإنا لله وإنا إليه راجعون وإذا وقع في أهل بيت لا يكاد يخرج منه حتى يموت أكثرهم ولكنه بالنظر إلى كثرة أهل البلد قليل وقد توفي في هذه الأيام من هذا الشهر خلق كثير وجم غفير ولا سيما من النساء فإن الموت فيهن أكثر من الرجال بكثير كثير وشرع الخطيب في القنوت بسائر الصلوات والدعاء برفع الوباء من المغرب ليلة الجمعة سادس شهر ربيع الآخر من هذه السنة وحصل للناس بذلك خضوع وخشوع وتضرع وإنابة وكثرت الأموات في هذا الشهر جدا وزادوا على المائتين في كل يوم فإنا لله وإنا اليه راجعون وتضاعف عدد الموتى منهم وتعطلت مصالح الناس وتأخرت الموتى عن إخراجهم وزاد ضمان الموتى جدا فتضرر الناس ولا سيما الصعاليك فإنه يؤخذ على الميت شيء كثير جدا فرسم نائب السلطنة بابطال ضمان النعوش والمغسلين والحمالين ونودي بابطال ذلك في يوم الاثنين سادس عشر ربيع الاخر ووقف نعوش كثيرة في أرجاء البلد واتسع الناس بذلك ولكن كثرت الموتى فالله المتسعان
وفي يوم الاثنين الثالث والعشرين منه نودي في البلد أن يصوم الناس ثلاثة أيام وأن يخرجوا في اليوم الرابع وهو يوم الجمعة إلى عند مسجد القدم يتضرعون إلى الله ويسألونه في رفع الوباء عنهم فصام أكثر الناس ونام الناس في الجامع وأحيوا الليل كما يفعلون في شهر رمضان فلما أصبح الناس يوم الجمعة السابع والعشرين منه خرج الناس يوم الجمعة من كل فج عميق واليهود والنصارى والسامرة والشيوخ والعجائز والصبيان والفقراء والأمراء والكبراء والقضاة من بعد صلاة الصبح فما زالوا هنالك يدعون الله تعالى حتى تعالى النهار جدا وكان يوما مشهودا
وفي يوم الخميس عاشر جمادي الاولى صلى الخطيب بعد صلاة الظهر على ستة عشر ميتا جملة واحدة فتهول الناس من ذلك وانذعروا وكان الوباء يومئذ كثيرا ربما يقارب الثلثمائة بالبلد وحواضره فإنا لله وإنا اليه راجعون وصلى بعد صلاة على خمسة عشر ميتا بجامع دمشق وصلى على إحدى عشر نفسا رحمهم الله
وفي يوم الاثنين الحادي والعشرين منه رسم نائب السلطنة بقتل الكلاب من البلد وقد كانت كثيرة بأرجاء البلد وربما ضرت الناس وقطعت عليهم الطرقات في أثناء الليل أما تنجيسها الأماكن
فكثير قد عم الابتلاء به وشق الاحتراز منه وقد جمعت جزءا من الاحاديث الواردة في قتلهم واختلاف الائمة في نسخ ذلك وقد كان عمر رضي الله عنه يأمر في خطبته بذبح الحمام وقتل الكلاب ونص مالك في رواية ابن وهب على جواز قتل كلاب بلدة بعينها وإذا أذن الامام في ذلك للمصلحة
وفي يوم الاثنين الثامن والعشرين منه توفي زين الدين عبد الرحمن بن شيخنا الحافظ المزي بدار الحديث النورية وهو شيخها ودفن بمقابر الصوفية على والده وفي منتصف شهر جمادي الاخرة قوى الموت وتزايد وبالله المستعان ومات خلائق من الخاصة والعامة ممن نعرفهم وغيرهم رحمهم الله وأدخلهم جنته وبالله المستعان وكان يصلى في أكثر الايام في الجامع على أزيد من مائة ميت فإنا لله وإنا اليه راجعون وبعض الموتى لا يؤتى بهم إلى الجامع وأما حول البلد وارجائها فلا يعلم عدد من يموت بها إلا الله عز وجل رحمهم الله آمين
وفي يوم الاثنين السابع والعشرين منه توفي الصدر شمس الدين بن الصباب التاجر السفارباتي المدرسة الصابية التي هي دار قرآن بالقرب من الظاهرية وهي قبلي العادلية الكبيرة وكانت هذه البقعة برهة من الزمان خربة شنيعة فعمرها هذا الرجل وجعلها دار قرآن ودار حديث للحنابلة ووقف هو وغيره عليهاأوقافا جيدة رحمه الله تعالى
وفي يوم الجمعة ثامن شهر رجب صلى بعد الجمعة بالجامع الاموي على غئاب على القاضي علاء الدين بن قاضي شهبة ثم صلى على إحدى وأربعين نفسا جملة واحدة فلم يتسع داخل الجامع لصفهم بل خرجوا ببعض الموتى إلى ظاهر باب السر وخرج الخطيب والنقيب فصلى عليهم كلهم هناك وكان وقتا مشهودا وعبرة عظيمة فإنا لله وإنا اليه راجعون
وفي هذا اليوم توفي التاجر المسمى بافريدون الذي بنى المدرسة التي بظاهر باب الجابية تجاه تربة بهادرآص حائطها من حجارة ملونه وجعلها دارا للقرآن العظيم ووقف عليها أوقافا جيدة وكان مشهورا مشكورا رحمه الله وأكرم مثواه
وفي يوم السبت ثالث رجب صلى على الشيخ على المغربي احد أصحاب الشيخ تقي الدين بن تيمية بالجامع الافرمي بسفح قاسيون ودفن بالسفح رحمه الله وكانت له عبادة وزهادة وتقشف وورع ولم يتول في هذه الدنيا وظيفة بالكلية ولم يكن له مال بل كان يأتي بشيء من الفتوح يستنفقه قليلا قليلا وكان يعاني التصوف وترك زوجة وثلاثة أولاد رحمه الله
وفي صبيحة يوم الاربعاء سابع رجب صلى على القاضي زين الدين بن النجيح نائب القاضي الحنبلي بالجامع المظفري ودفن بسفح قاسيون وكان مشكورا في القضاء لديه فضائل كثيرة وديانة وعبادة وكان من أصحاب الشيخ تقي الدين بن تيميةوكان قد وقع بينه وبين القاضي
الشافعي مشاجرات بسبب أمور ثم اصطلحا فيما بعد ذلك
وفي يوم الاثنين ثاني عشره بعد أذان الظهر حصل بدمشق وما حولها ريح شديدة أثارت غبارا شديدا أصفر الجو منه ثم اسود حتى أظلمت الدنيا وبقي الناس في ذلك نحوا من ربع ساعة يستجيرون الله وييستغفرون ويبكون مع ما هم فيه من شدة الموت الذريع ورجا الناس أن هذا الحال يكون ختام ما هم فيه من الطاعون فلم يزدد الأمر إلا شدة وبالله المستعان وبلغ المصلى عليهم في الجامع الاموي إلى نحو المائة وخمسين واكثر من ذلك خارجا عمن لا يؤتي بهم إليه من أرجاء البلد وممن يموت من أهل الذمة وأما حواضر البلد وما حولها فأمر كثير يقال إنه بلغ ألفا في كثير من الايام فإنا لله وإنا إليه راجعون وصلى بعد الظهر من هذا اليوم بالجامع المظفري على الشيخ إبراهيم بن المحب الذي كان يحدث في الجامع الأموي وجامع تنكز وكان مجلسه كثير الجمع لصلاحه وحسن ما كان يؤديه من المواعيد النافعة ودفن بسفح قاسيون وكانت جنازته حافلة رحمه الله وعملت المواعيد بالجامع الأموي ليلة سبع وعشرين من رجب يقولون ليلة المعراج ولم يجتمع الناس فيه على العادة لكثرة من مات منهم ولشغل كثير من الناس بمرضاهم وموتاهم واتفق في هذه الليلة أنه تأخر جماعة من الناس في الخيم ظاهر البلد فجاؤا ليدخلوا من باب النصر على عادتهم في ذلك فكأنه اجتمع خلق منهم بين البابين فهلك كثير منهم كنحو ما يهلك الناس في هذا الحين على الجنائز فانزعج نائب السلطنة فخرج فوجدهم فأمر بجمعهم فلما أصبح الناس أمر بتسميرهم ثم عفا عنهم وضرب متولي البلد ضربا شديدا وسمر نائبه في الليل وسمر البواب بباب النصر وأمر أن لا يمشي أحد بعد عشاء الآخرة ثم تسمح لهم في ذلك
واستهل شهر شعبان والفناء في الناس كثير جدا وربما أنتنت البلد فإنا لله وإنا إليه راجعون وتوفي الشيخ شمس الدين بن الصلاح مدرس القيمرية الكبرة بالمطرزيين يوم الخميس ثالث عشر شعبان وفي يوم الجمعة رابع عشر شعبان صلى بعد الصلاة على جماعة كثيرة منهم القاضي عماد الدين ابن الشيرازي محتسب البلد وكان من أكابر رؤساء دمشق وولى نظر الجامع مدة وفي بعض الاوقات نظر الاوقاف وجمع له في وقت بينهما ودفن بسفح قاسيون
وفي العشر الاخير من شهر شوال توفي الامير قرابغادو يدار النائب بداره غربي حكر السماق وقد أنشأ له إلى جانبها تربة ومسجدا وهو الذي أنشأ السويقة المجددة عند داره وعمل لها بابين شرقياوغربيا وضمنت بقيمة كثيرة بسبب جاهه ثم بارت وهجرت لقلة الحاجة إليها وحضر الأمراء والقضاة والأكابر جنازته ودفن بتربته هناك وترك اموالا جزيلة وحواصل كثيرة جدا أخذه مخدومة نائب السلطنة وفي يوم الثلاثاء سابع شهر ذي القعدة توفي خطيب الجامع الخطيب تاج الدين عبدالرحيم ابن القاضي جلال الدين محمد بن عبد الرحيم القزويني بدار الخطابة مرض يومين وأصابه ما أصاب الناس من الطاعون وكذلك عامة أهل بيته من جواريه وأولاده وتبعه أخوه بعد يومين صدر الدين عبدالكريم وصلى على الخطيب تاج الدين بعد الظهر يومئذ عند باب الخطابة ودفن بتربتهم بالصوفية عند أبيه وأخويه بدر الدين محمد وجمال الدين عبد الله رحمهم الله
وفي يوم الخميس تاسعه اجتمع القضاة وكثير من الفقهاء المفتيين عند نائب السلطنة بسبب الخطابة فطلب إلى المجلس الشيخ جمال الدين بن محمود بن جملة فولاه إياه نائب السلطنة واتزعت من يده وظائف كان يباشرها ففرقت على الناس فولى القاضي بهاء الدين أبو البقاء تدريس الظاهرية البرانية وتوزع الناس بقية جهاته ولم يبق بيده سوى الخطابة وصلى بالناس يومئذ الظهر ثم خلع عليه في بكرة نهار الجمعة وصلى بالناس يومئذ وخطبهم على قاعدة الخطباء
وفي يوم عرفة وكان يوم السبت توفي القاضي شهاب الدين بن فضل الله كاتب الاسرار الشريفة بالديار المصرية والبلاد الشامية ثم عزل عن ذلك ومات وليس يباشر شيئا من ذلك من رياسة وسعادة وأموال جزيلة وأملاك ومرتبات كثيرة وعمر دارا هائلة بسفح قاسيون بالقرب من الركنية شرقيها ليس بالسفح مثلها وقد انتهت إليه رياسة الانشاء وكان يشبه بالقاضي الفاضل في زمانه وله مصنفات عديدة بعبارات سعيدة وكان حسن المذاكرة سريع الاستحضار جيد الحفظ فصيح اللسان جميل الاخلاق يحب العلماء والفقراء ولم يجاوز الخمسين توفي بدارهم داخل باب الفراديس وصلى عليه بالجامع الاموي ودفن بالسفح مع أبيه وأخيه بالقرب من اليغمورية سامحه الله وغفر له
وفي هذا اليوم توفي الشيخ عبدالله بن رشيق المغربي كاتب امصنفات شيخنا العلامة ابن تيمية كان أبصر بخط الشيخ منه إذا عزب شيء منه على الشيخ استخرجه أبو عبد الله هذا وكان سريع الكتابة لا بأس به دينا عابدا كثير التلاوة حسن الصلاة له عيال وعليه ديون رحمه الله وغفر له آمين
*2* ثم دخلت سنة خمسين وسبعمائة
@ استهلت هذه السنة وسلطان البلاد المصرية والشامية والحرمين وغير ذلك من البلاد الملك الناصر حسن بن الناصر محمد بن قلاوون ونائب الديار المصرية ومدير ممالكه والاتابك سيف الدين يلبغا وقضاة الديار المصرية هم المذكورون في التي قبلها ونائب الشام الامير سيف الدين ارغون شاه الناصري وقضاة دمشق هم المذكورون في التي قبلها وكذلك أرباب الوظائف سوى الخطيب وسوى المحتسب وفي هذه السنة ولله الحمد تقصار أمر الطاعون جدا ونزل ديوان المواريث إلى العشرين وما حولها بعد أن بلغ الخمسمائة في اثناء سنة تسع وأربعين ثم تقدم ولكن لم يرتفع بالكلية فإن في يوم الاربعاء رابع شهر المحرم توفي الفقيه شهاب الدين احمد بن الثقة هو وابنه وأخوه في ساعة واحدة بهذا المرض وصلى عليهم جميعا ودفنوا في قبر واحد رحمهم الله تعالى
وفي يوم الاربعاء الخامس والعشرين من المحرم توفي صاحبنا الشيخ الامام العالم العابد الزاهد الناسك الخاشع ناصر الدين محمد بن محمد بن محمد بن عبد القادر بن الصائغ الشافعي مدرس العمادية كان رحمه الله لديه فضائل كثيرة على طريقة السلف الصالح وفيه عبادة كثيرة وتلاوة وقيام ليل وسكون حسن وخلق حسن جاوز الاربعين بنحو من ثلاث سنين رحمه الله وأكرم مثواه وفي يوم الاربعاء ثالث صفر باشر تقي الدين بن رافع المحدث مشيخة دار الحديث النورية وحضر عنده جماعة من الفضلاء والقضاة والاعيان انتهى والله تعالى أعلم
*3* مسك نائب السلطنة ارغون شاه
@ وفي ليلة الخميس الثالث والعشرين من ربيع الاول مسك نائب السلطنة بدمشق الامير سيف الدين أرغون شاه وكان قد انتقل إلى القصر الابلق بأهله فما شعر بوسط الليل إلا ونائب طرابلس الامير سيف الدين الجي بغا المظفري الناصري ركب إليه في طائفة من الأمراء الألوف وغيرهم فأحاطوا به ودخل عليه من دخل وهو مع جواريه نائم فخرج إليهم فقبضوا عليه وقيدوه ورسموا عليه واصبح الناس أكثرهم لا يشعر بشيء مما وقع فتحدث الناس بذلك واجتمعت الأتراك إلى الامير سيف الدين الجي بغا المذكور ونزل بظاهر البلد واحتيط على حواصل أرغون شاه فبات عزيزا وأصبح ذليلا وأمسى علينا نائب السلطنة فاصبح وقد أحاط به الفقر والمسكنة فسبحان من بيده الامر مالك الملك يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء ويعز من يشاء ويذل من يشاء وهذا كما قال الله تعالى أفأ من أهل القرى ان يأتيهم بأسنا بياتا وهم نائمون أو أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحى وهم يلعبون أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون ثم لما كان ليلة الجمعة الرابع والعشرين من ربيع الاول أصبح مذبوحا فأثبت محضر بأنه ذبح نفسه فالله تعالى أعلم

*3* كائنة عجيبة غريبة جدا
@ ثم لما كان يوم الثلاثاء الثامن والعشرين من ربيع الاول سنة خمسين وسبعمائة وقع اختلاف بين جيش دمشق وبين الامير سيف الدين ألجي بغا نائب طرابلس الذي جاء فأمسك نائب دمشق الامير سيف الدين أرغون شاه الناصري ليلة الخميس وقتله ليلة الجمعة كما تقدم وأقام بالميدان الأخضر يستخلص أمواله وحواصله ويجمعها عنده فأنكر عليه الامراء الكبار وأمروه أن يحمل الاموال إلى قلعة السلطان فلم يقبل منهم فاتهموه في امره وشكوا في الكتاب على يده من الامر بمسكه وقتله وركبوا ملبسين تحت القلعة وأبواب الميادين وركب هو في أصحابه وهم في دون المائة وقائل يقول هم ما بين السبعين إلى الثمانين والتسعين جعلوا يحملون على الجيش حمل المستقتلين إنما يدافعهم مدافعة المتبرئين وليس معهم مرسوم بقتلهم ولا قتالهم فلهذا ولى اكثرهم منهزمين فخرج جماعة الجيش حتى بعض الأمراء المقدمين وهو الأمير الكبير سيف الدين ألجي بغا العادلي فقطعت يده اليمنى وقد قارب التسعين وقتل آخرون من أجناد الحلقة والمستخدمين ثم انفصل الحال على أن أخذ ألجي بغا المظفري من خيول أرغون شاه المرتبطة في اسطبله ما أراد ثم انصرف من ناحية المزة صاغرا على عقبيه ومعه الأموال التي جمعها من حواصل ارغون شاه واستمر ذاهبا ولم يتبعه أحد من الجيش وصحبته الأمير فخر الدين إياس الذي كان حاجبا وناب في حلب في العام الماضي فذهبا بمن معهما إلى طرابلس وكتب أمراء الشام إلى السلطان يعلمونه بما وقع فجاء البريد بأنه ليس عند السلطان علم بما وقع بالكلية وأن الكتاب الذي جاء على يديه مفتعل وجاء الأمر لأربعة آلاف من الجيش الشامي أن يسيروا وراءه ليمسكوه ثم أضيف نائب صغد مقدما على الجميع فخرجوا في العشر الأول من ربيع الآخر وفي يوم الأربعاء سادس ربيع الآخرة خرجت العساكر في طلب سيف الدين ألجي بغا العادلي في المعركة وهو أحد أمراء الألوف المقدمين ولما كانت ليلة الخميس سابعه نودي بالبلد على من يقربها من الاجناد أن لا يتأخر أحد عن الخروج بالغد فأصبحوا في سرعة عظيمة واستنيب في البلد نيابة عن النائب الراتب الامير بدر الدين الخطير فحكم بدار السعادة على عادة النواب وفي ليلة السبت بين العشاءين سادس عشره دخل الجيش الذين خرجوا في طلب ألجي بغا المظفري وهو معهم أسير ذليل حقير وكذلك الفخر إياس الحاجب مأسور معهم فأودعا في القلعة مهانين من جسر باب النصر الذي تجاه دار السعادة وذلك بحضور الأمير بدر الدين الخطير نائب الغيبة ففرح الناس بذلك فرحا شديدا ولله الحمد والمنة فلما كان يوم الاثنين الثامن عشر منه خرجا من القلعة إلى سوق الخيل فوسطا بحضرة الجيش وعلقت جثتمها على الخسب ليراهما الناس فمكثا أياما ثم أنزلا فدفنا بمقابر المسلمين
وفي أوائل شهر جمادي الآخرة جاء الخبر بموت نائب حلب سيف الدين قطلبشاه ففرح كثير من الناس بموته وذلك لسوء أعماله في مدينة حماة في زمن الطاعون وذكر أنه كان يحتاط على التركة وإن كان فيها ولد ذكر أو غيره ويأخذ من أموال الناس جهرة حتى حصل له منها شيء كثير ثم نقل إلى حلب بعد نائبها الأمير سيف الدين ارقطيه الذي كان عين لنيابة دمشق بعد موت ارغون شاه وخرج الناس لتلقيه فما هو إلا أن برز منزلة واحدة من حلب فمات بتلك المنزلة فلما صار قطلبشاه إلى حلب لم يقم بها إلا يسيرا حتى مات ولم ينتفع بتلك الأموال التي جمعها لا في دنياه ولا في أخراه
ولما كان يوم الخميس الحادي عشر من جمادي الآخرة دخل الأمير سيف الدين أيتمش الناصري من الديار المصرية إلى دمشق نائبا عليها وبين يديه الجيش على العادة فقبل العتبة ولبس الحياصة والسيف وأعطى تقليده ومنشوره هنالك ثم وقف في الموكب على عادة النواب ورجع إلى دار السعادة وحكم وفرح الناس به وهو حسن الشكل تام الخلقة وكان الشام بلا نائب مستقل قريبا من شهرين ونصف وفي يوم دخوله حبس أربعة أمراء من الطبلخانات وهم القاسمي وأولاد آل أبو بكر اعتقلهم في القلعة لممالأتهم ألجي بغا المظفري على أرغون شاه نائب الشام
وفي يوم الاثنين خمس عشر جمادي الآخرة حكم القاضي نجم الدين بن القضاي عماد الدين الطرسوسي الحنفي وذلك بتوقيع سلطاني وخلعة من الديار المصرية وفي يوم الثلاثاء سادس عشر جمادي الآخرة حصل الصلح بين قاضي القضاة تقي الدين السبكي وبين الشيخ شمس الدين ابن قيم الجوزية على يدي الأمير سيف الدين بن فضل ملك العرب في بستان قاضي القضاة وكان قد نقم عليه إكثاره من الفتيا بمسألة الطلاق
وفي يوم الجمعة السادس والعشرين منه نقلت جثة الأمير سيف الدين أرغون شاه من مقابر الصوفية إلى تربته التي أنشأها تحت الطارمة وشرع في تكميل التربة والمسجد الذي قبلها وذلك انه عاجلته المنية على يدي ألجي بغا المظفري قبل إتمامهما وحين قتلوه ذبحا ودفنوه ليلا في مقابر الصوفية قريبا من قبر الشيخ تقي الدين ابن الصلاح ثم حول إلى تربته في الليلة المذكورة وفي يوم السبت تاسع عشر رجب أذن المؤذنون للفجر قبل الوقت بقريب من ساعة فصلى الناس في الجامع الاموي على عادتهم في ترتيب الأئمة ثم رأوا الوقت باقيا فاعاد الخطيب الفجر بعد صلاة الائمة كلهم وأقيمت الصلاة ثانيا وهذا شيء لم يتفق مثله
وفي يوم الخميس ثامن شهر شعبان توفي قاضي القضاة علاء الدين بن منجا الحنبلي بالمسمارية وصلى عليه الظهر بالجامع الاموي ثم بظاهر باب النصر ودفن بسفح قاسيون رحمه الله
وفي يوم الاثنين رمضان بكرة النهار استدعى الشيخ جمال الدين المرداوي من الصالحية إلى دار السعادة وكان تقليد القضاء لمذهبه قد وصل إليه قبل ذلك بأيام فأحضرت الخلعة بين يدي النائب والقضاة الباقين وأريد على لبسها وقبول الولاية فامتنع فألحوا عليه فصمم وبالغ في الامتناع ورخج وهو مغضب فراح إلى الصالحية فبالغ الناس في تعظيمه وبقي القضاة يوم ذلك في دار السعادة ثم بعثوا إليه بعد الظهر فحضر من الصالحية فلم يزالوا به حتى قبل ولبس الخلعة وخرج إلى الجامع فقرئ تقليده بعد العصر واجتمع معه القضاة وهنأه الناس وفرحوا به لديانته وصيانته وفضيلته وأمانته وبعد هذا اليوم بأيام حكم الفقيه شمس الدين محمد بن مفلح الحنبلي نيابة عن قاضي القضاة جمال الدين المرداوي المقدسي وابن مفلح زوج ابنته وفي العشر الأخير من ذي القعدة حضر الفقيه الامام المحدث المفيد أمين الدين الايجي الملكي مشيخة دار الحديث بالمدرسة الناصرية الجوانية نزل له عنها الصدر أمين الدين ابن القلانسي وكيل بيت المال وحضر عنده الأكبار والأعيان وفي أواخر هذه السنة تكامل بناء التربة التي تحت الطارمة المنسوبة إلى الامير سيف الدين أرغون شاه الذي كان نائب السلطنة بدمشق وكذلك القبلي منها وصلى فيها الناس وكان قبل ذلك مسجدا صغيرا فعمره وكبره وجاء كأنه جامع تقبل الله منه انتهى
*2* ثم دخلت سنة إحدى وخمسين وسبعمائة
@ استهلت وسلطان الشام وخصر الناصر حسن بن الناصر محمد بن قلاوون ونائبه بمصر الامير سيف الدين يلبغا وأخوه سيف الدين منجك الوزير والمشارون جماعة من المقدمين بديار مصر وقضاة مصر وكاتب السر هم الذين كانوا في السنة الماضية ونائب الشام الأمير سيف الدين ارتيمش الناصري والقضاة هم القضاة سوى الحنبلي فإنه الشيخ جمال الدين يوسف المرداوي وكاتب السر وشيخ الشيوخ تاج الدين وكاتب الدست هم المتقدمون وأضيف اليهم شرف الدين عبد الوهاب بن القاضي علاء الدين بن شمرنوخ والمحتسب القاضي عماد الدين بن العزفور وشاد الأوقاف الشريف وناظر الجامع فخر الدين بن العفيف وخطيب البلد جمال الدين محمود ابن جملة رحمه الله
وفي يوم السبت عاشر المحرم نودي بالبلد من جهة نائب السلطان عن كتاب جاءه من الديار المصرية أن لا تلبس النساء إلا كمام الطوال العرض ولا البرد الحرير ولا شيئا من اللباسات والثياب الثمينة ولا الأقمشة القصار وبلغنا أنهم بالديار المصرية شددوا في ذلك جدا حتى قيل إنهم غرقوا بعض النساء بسبب ذلك فالله أعلم
وجددت وأكلمت في أول هذه السنة دار قرى قبلي تربة امرأة تنكز بمحلة باب الخواصين حولها وكانت قاعة صورة مدرسة الطواشي صفي الدين عنبر مولى ابن حمزة وهو أحد الكبار الأجواد تقبل الله منه وفي يوم الأحد خامس شهر جمادي الأولى فتحت المدرسة الطيبانية التي كانت دارا للأمير سيف الدين طيبان بالقرب من الشامية الجوانية بينها وبين أم الصالح اشتريت من ثلثة الذي وصى به وفتحت مدرسة وحول لها شباك إلى الطريق في ضفتها القبلية منها وحضر الدرس بها في هذا اليوم الشيخ عماد الدين بن شرف الدين بن عم الشيخ كمال الدين بن الزملكاني بوصية الواقف له بذلك وحضر عنده قاضي القضاة السبكي والمالكي وجماعة من الأعيان وأخذ في قوله تعالى ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها الآية واتفق في ليلة الأحد السادس والعشرين من جمادي الأولى انه لم يحضر أحد من المؤذنين على السدة في جامع دمشق وقت إقامة الصلاة للمغرب سوى مؤذن واحد فانتظر من يقيم معه الصلاة فلم يجيء احد غير مقدار درجة أو ازيد منها فأقام هو الصلاة وحده فلما أحرم الامام بالصلاة تلاحق المؤذنون في أثناء الصلاة حتى بلغوا دون العشرة وهذا أمر غريب من عدة ثلاثين مؤذن أو أكثر لم يحضر سوى مؤذن واحد وقد أخبر خلق من المشايخ أنهم لم يروا نظير هذه الكائنة
وفي يوم الاثنين سابع عشر جمادي الآخرة اجتمع القضاة بمشهد عثمان وكان الفاضل الحنبلي قد حكم في دار المعتمد الملاصقة لمدرسة الشيخ أبي عمر يلبغا وكانت وقفا لتضاف إلى دار القرآن ووقف عليها أوقاف للفقراء فمنعه الشافعي من ذلك من أجل أنه يؤول أمرها أن تكون دار حديث ثم فتحوا بابا آخر وقالوا هذه الدار لم يستهدم جميعها وما صادف الحكم محلا لأن مذهب الامام أحمد أن الوقف يباع إذا استهدم بالكلية ولم يبق ما ينتفع به فحكم القاضي الحنفي باثباتها وقفا كما كانت ونفذه الشافعي والمالكي وانفصل الحال على ذلك وجرت أمور طويلة وأشياء عجيبة
وفي يوم الأربعاء السابع والعشرين من جمادي الآخرة أصبح بواب المدرسة المستجدة التي يقال لها الطيبانية إلى جانب أم الصالح مقتولا مذبوحا وقد أخذت من عنده أموال من المدرسة المذكورة ولم يطلع على فاعل ذلك وكان البواب رجلا صالحا مشكورا رحمه الله
*3* ترجمة الشيخ شمس الدين بن قيم الجوزرية
@ وفي ليلة الخميس ثالث عشر رجب وقت أذان العشاء توفي صاحبنا الشيخ الامام العلامة شمس الدين محمد بن أبي بكر بن أيوب الزرعي إمام الجوزية وابن قيمها وصلى عليه بعد صلاة الظهر من الغد بالجامع الاموي ودفن عند والدته بمقابر الباب الصغير رحمه الله ولد في سنة إحدى وتسعين وستمائة وسمع الحديث واشتغل بالعلم وبرع في علوم متعددة لا سيما علم التفسير والحديث والاصلين ولما عاد الشيخ تقي الدين ابن تيمية من الديار المصرية في سنة ثنتي عشرة وسبعمائة لازمة إلى أن مات الشيخ فأخذ عنه علما جما مع ما سلف له من الاشتغال فصار فريدا في بابه في فنون كثيرة مع كثرة الطلب ليلا ونهارا وكثرة الابتهال وكان حسن القراءة والخلق كثير التودد لا يحسد أحدا ولايؤذيه ولا يستعيبه ولا يحقد على أحد وكنت من أصحب الناس له وأحب الناس إليه ولا أعرف في هذا العالم في زماننا أكثر عبادة منه وكانت له طريقة في الصلاة يطيلها جدا ويمد ركوعها وسجودها ويلومه كثير من أصحابه في بعض الأحيان فلا يرجع ولا ينزع عن ذلك رحمه الله وله من التصانيف الكبار والصغار شيء كثير وكتب بخطه الحسن شيئا كثيرا واقتنى من الكتب مالا يتهيأ لغيره تحصيل عشرة من كتب السلف والخلف وبالجملة كان قليل البصير في مجموعة وأموره وأحواله والغالب عليه الخير والأخلاق الصالحة سامحه الله ورحمه وقد كان متصديا للافتاء بمسألة الطلاق التي اختارها الشيخ تقي الدين ابن تيمية وجرت بسببها فصول يطول بسطها مع قاضي القضاة تقي الدين السبكي وغيره وقد كانت جنازته حافلة رحمه الله شهدها القضاة والأعيان والصالحون من الخاصة والعامة وتزاحم الناس على حمل نعشه وكمل له من العمر ستون سنة رحمه الله
وفي يوم الاثنين ثاني عشر شهر شعبان ذكر الدرس بالصدرية شرف الدين عبد الله بن الشيخ الامام العلامة شمس الدين بن قيم الجوزية عوضا عن أبيه رحمه الله فأفاد وأجاد وسرد طرفا صالحا في فضل العلم وأهله وانتهى والله تعالى أعلم
ومن العجائب والغرائب التي لم يتفق مثلها ولم يقع من نحو مائتي سنة وأكثر انه بطل الوقيد بجامع دمشق في ليلة النصف من شعبان فلم يزد في وقيده قنديل واحد على عادة لياليه في سائر السنة ولله الحمد والمنة وفرح أهل العلم بذلك وأهل الديانة وشكروا الله تعالى على تبيطيل هذه البدعة الشنعاء التي كان يتولد بسببها شرور كثيرة بالبلد والستيجار بالجامع الأموي وكان ذلك بمرسوم السلطان الملك الناصر حسن بن الملك النصار محمد بن قلاوون خلد الله ملكه وشيد أركانه وكان الساعي لذلك بالديار المصرية الأمير حسام الدين أبو بكر بن النجيبي بيض الله وجهه وقد كان مقيما في هذا الحين بالديار المصرية وقد كنت رأيت عنده فتيا عليها خط الشيخ تقي الدين بن تيمية والشيخ كمال الدين بن الزملكاني وغيرهما في إبطال هذه البدعة فأنفذ الله ذلك والله الحمد والمنة وقد كانت هذه البدعة قد استقرت بين أظهر الناس من نحو سنة خمسين وأربعمائة وإلى زماننا هذا وكم سعى فيها من فقيه وقاض ومفت وعالم وعابد وأمير وزاهد ونائب سلطنة وغيرهم ولم ييسر الله ذلك إلا في عامنا هذا والمسؤل من الله إطالة عمر هذا السلطان ليعلم الجهلة الذين استقر في أهانهم إذا أبطل هذا الوقيد في عام يموت سلطان الوقت وكان هذا لا حقيقة له ولادليل عليه إلا مجرد الوهم والخيال
وفي مستهل شهر رمضان اتفق أمر غريب لم يتفق مثله من مدة متطاولة فيما يتعلق بالفقهاء والمدارس وهو أنه كان قد توفي ابن الناصح الحنبلي بالصالحية وكان بيده نصف تدريس الضاحية التي للحنابلة بالصالحية والنصف الاخر للشيخ شرف الدين ابن القاضي شرف الدين الحنبلي شيخ الحنابلة بدمشق فاستنجز مرسوما بالنصف الاخر وكانت بيده ولاية متقدمة من القاضي علاء الدين ابن المنجا الحنبلي فعارضه في ذلك قاضي القضاة جمال الدين المرداوي الحنبلي ولى فيها نائبه شمس الدين بن مفلح ودرس بها قاضي القضاة في صدر هذا اليوم فدخل القضاة الثلاثة الباقون ومعهم الشيخ شرف الدين المذكور إلى نائب السلطنة وأنهوا إليه صورة الحال فرسم له بالتدريس فركب القضاة المذكورون وبعض الحجاب في خدمته إلى المدرسة المذكورة واجتمع الفضلاء والأعيان ودرس الشيخ شرف الدين المذكور وبث فضائل كثيرة وفرح الناس
وفي شوال كان في جملة من توجه إلى الحج في هذا العام نائب الديار المصرية ومدبر ممالكها الامير سيف الدين يلبغا الناصري ومعه جماعة من الامراء فلما استقل الناس ذاهبين نهض جماعة من الأمراء على أخيه الأمير سيف الدين منجك وهو وزير المملكة وأستاذ دار الاستادارية وهو باب الحوائج في دولتهم وغليه يرحل ذوو الحاجات بالذهب والهدايا فأمسكوه وجاءت البريدية إلى الشام في أواخر هذا الشهر بذلك وبعد أيام يسيرة وصل الأمير سيف الدين شيخون وهو من أكابر الدولة المصرية تحت الترسيم فأدخل إلى قلعة دمشق ثم أخذ منها بعد ليلة فذهب به إلى الاسكندرية فالله أعلم وجاء البريد بالاحتياط على ديوانه وديوان منجك بالشام وأيس من سلامتهما وكذلك وردت الأخبار بمسك يلبغا في أثناء الطريق وأرسل سيفه إلي السلطان وقدم أمير من الديار المصرية فحلف الأمراء بالطاعة إلى السلطان وكذلك سار إلى حلب فحلف من بها من الأمراء ثم عاد راجعا إلى الديار المصرية وحصل له من الأموال شيء كثير من النواب والأمراء
وفي يوم الخميس العشرين من ذي القعدة مسك الأميران الكبيران الشاميان المقدمان شهاب الدين أحمد بن صبح وملك آص من دار السعادة بحضرة نائب السلطنة والأمراء ورفعا إلى القلعة المنصورة سير بهما ماشيين من دار السعادة إلى باب القلعة من ناحية دار الحديث وقيدا وسجنا بها وجاء الخبر بأن السلطان استوزر بالديار المصرية القاضي علم الدين زينور وخلع عليه خلعة سنية لم يسمع بمثلها من أعصار متقادمة وباشر وخلع على الأمراء والمقدمين وكذلك خلع على الأمير سيف الدين طسبغا وأعيد إلى مباشرة الدويدارية بالديار المصرية وجعل مقدما وفي أوائل شهر ذي الحجة اشتهر أن نائب صغد شهاب الدين أحمد بن مشد الشريخانات طلب إلى الديار المصرية فامتنع من إجابة الداعي ونقض العهد وحصن قلعتها وحصل فيها عددا ومددا وادخر أشياء كثيرة بسبب الاقامة بها والامتناع فيها فجاءت البريدية إلى نائب دمشق بأن يركب هو
وجميع جيش دمشق إليه فتجهز الجيش لذلك وتأهبوا ثم خرجت الأطلاب على راياتها فلما برز منها بعض بدا لنائب السلطنة فردهم وكان له خبرة عظيمة ثم استقر الحال على تجريد أربعة مقدمين بأربعة آلاف إليه
وفي يوم الخميس ثاني عشره وقعت كائنة غريبة بمنى وذلك أنه اختلف الأمراء المصريون والشاميون مع صاحب اليمن الملك المجاهد فاقتتلوا قتالا شديدا قريبا من وادي محسر ثم انجلت الوقعة عن أسر صاحب اليمن الملك المجاهد فحمل مقيدا إلى مصر كذلك جاءت بها كتب الحجاج وهم أخبروا بذلك واشتهر في أواخر ذي الحجة أن نائب حلب الأمير سيف الدين أرغون الكاملي قد خرج عنها بمماليكه وأصحابه فرام الجيش الحلبي رده فلم يتسطيعوا ذلك وجرح منهم جراحات كثيرة وقتل جماعةفإنا لله وإنا إليه راجعون واستمر ذاهبا وكان في أمله فيما ذكر أن يتلقى سيف الدين يلبغا في أثناء طريق الحجاز فيتقدم معه إلى دمشق وإن كان نائب دمشق قد اشتغل في حصار صغد أن يهجم عليها بغتة فيأخذها فلما سار بمن معه وأخذته القطاع من كل جانب ونهبت حواصله وبقي تجريدة في نفر يسير من مماليكه فاجتاز بحماة ليهربه نائبها فأبى عليه فلما اجتاز بحمص وطن نفسه على المسير إلى السلطان بنفسه فقدم به نائب حمص وتلقاه بعض الحجاب وبعض مقدمين الالوف ودخل يوم الجمعة بعد الصلاة سابع عشرين الشهر وهو في أبهة فنزل بدار السعادة في بعض قاعات الدويدارية انتهى
*2* ثم دخلت سنة اثنتين وخمسين وسبعمائة
@ استهلت هذه السنة وسلطان البلاد الشامية والديار المصرية والحرمين الشريفين ما يلحق بذلك من الأقاليم والبلدان الملك الناصر حسن بن السلطان الملك محمد بن السلطان الملك المنصور قلاوون الصالحي ونائبه بالديار المصرية الامير سيف الدين يلبغا الملقب بحارس الطير وهو عوضا عن الأمير سيف الدين يلبغا أروش الذي راح إلى بلاد الحجاز ومعه جماعة من الأمراء بقصد الحج الشريف فعزله السلطان في غيبته وأمسك على شيخون واعتقله وأخذ منجك الوزير وهو استاذ دار ومقدم ألف مصطفى أمواله واعتاض عنه وولى مكانه في الوزارة القاضي علم الدين ابن زينور واسترجع إلى وظيفة الدويدارية الأمير سيف الدين طسبغا الناصري وكان أميرا بالشام مقيما منذ عزل إلى أن أعيد في أواخر السنة كما تقدم وأما كاتب السر بمصر وقضاتها فهم المذكورون في التي قبلها
واستهلت هذه السنة ونائب صغدقد حصن القلعة واعد فيها عدتها وما ينبغي لها من الأطعمات والذخائر والعدد والرجال وقد نابذ المملكة وحارب وقد قصدته العساكر من كل جانب من الديار المصرية ودمشق وطرابلس وغيرها والأخبار قد ضمنت عن يلبغا ومن معه ببلاد الحجاز ما يكون من أمره ونائب دمشق في احتراز وخوف من أن يأتي إلى بلاد الشام فيدهمها بمن معه والقلوب وجلة من ذلك فإنا لله وإنا إليه راجعون وفيها ورد الخير ان صاحب اليمن حج في هذه السنة فوقع بينه وبين صاحب مكة عجلان بسب أنه أراد أن يولي عليها أخاه بعيثه فاشتكى عجلان ذلك إلى أمراء المصريين وكبيرهم إذ ذاك الأمير سيف الدين بزلار ومعم طائفة كثيرة وقد أمسكوا أخاهم يلبغا وقديوه فقوى رأسه عليهم واستخف بهم فصبروا حتى قضى الحج وفرغ الناس من المناسك فلما كان يوم ! النقر الأول يوم الخميس تواقفوا هم وهو فقتل من الفريقين خلق كثير والأكثر من اليمنيين وكانت الوقعة قريبة من وادي محسر وبقي الحجيج خائفين أن تكون الدائرة على الأتراك فتنهب الاعراب أموالهم وربما قتلوهم ففرج الله ونصر الاتراك على أهل اليمن ولجأ الملك المجاهد إلى جبل فلم يعصمه من الاتراك بل أسروه ذليلا حقيرا وأخذوه مقيدا أسيرا وجاءت عوام الناس إلى اليمنيين فنهبوا شيئا كثيرا ولم يتركوا لهم جليلا ولا حقيرا ولا قليلا ولا كثيرا واحتاط الامراء على حواصل الملك وأمواله وأمتعته وأثقاله وساروا بخيله وجماله وأدلوا على صنديد من رحله ورجاله واستحضروا معهم طفيلا الذي كان حاصر المدينة النبوية في العام الماضي وقيدوه أيضا وجعلوا الغل في عنقه واستقاوه كما يستاق الأسير في وثاقه مصحوبا بهمه وحتفه وانشمروا عن تلك البلاد إلى ديارهم راجعين وقد فعلوا فعلة تذكر بعدهم إلى حين
ودخل الركب الشامي إلى دمشق يوم الثلاثاء الثالث والعشرين من المحرم على العادة المستمرة والقاعدة المستقرة وفي هذا اليوم قدمت البريدية من تلقاء مدينة صغد مخبرة بأن الأمير شهاب الدين احمد ابن مشد الشرنجاتاه الذي كان قد تمرد بها وطفى وبغى حتى استحوز عليها وقطع سببها وقتل الفرسان والرجالة وملأها أطعمة واسلحة ومماليكه ورجاله فعند ما تحقق مسك يلبغا أروش خضعت تلك النفوس وخمدت ناره وسكن شراره وحار بثاره ووضح قراره وأناب إلى التوبة والاقلاع ورغب إلى السلامة والخلاص وخشع ولات حين مناص وأرسل سيفه إلى السلطان ثم توجه بنفسه على البريد إلى حضرة الملك الناصر والله المسؤل أن يحسن عليه وأن يقبل بقلبه إليه
وفي يوم الأحد خامس صفر قدم من الديار المصرية الأمير سيف الدين أرغون الكاملي معادا إلى نيابة حلب وفي صحبته الأمير سيف الدين طشبغا الدوادار بالديار المصرية وهو زوج ابنة نائب الشام فتلقاه نائب الشام وأعيان الأمراء ونزل طشبغا الدوادار عند زوجته بدار منجي في محلة مسجد القصب التي كانت تعرف بدار حنين بن حندر وقد جددت في السنة الماضية وتوجها في الليلة الثانية من قدومها إلى حلب وفي يوم الأربعاء رابع عشر ربيع الاول اجتمع
القضاة الثلاثة وطلبوا الحنبلي ليتكلموا معه فيما يتعلق بدار المعتمد التي بجوار مدرسة الشيخ أبي عمر التي حكم بنقض وقفها وهدم بابها وإضافتها إلى دار القرآن المذكورة وجاء مرسوم السلطان يوفق ذلك وكان القضاي الشافعي قد أراد منعه من ذلك فلما جاء مرسوم السلطان اجتمعوا لذلك فلم يحضر القضاي الحنبلي قال حتى يجيء نائب السلطنة ولما كان يوم الخميس خامس عشر ربيع الاول حضر القضاي حسين ولد قاضي القضاة تقي الدين السبكي عن أبيه مشيخة دار الحديث الاشرفية وقرئ عليه شيء كان قد خرجه له بعض المحدثين وشاع في البلد أنه نزل له عنها وتكلموا في ذلك كلاما كثيرا وانتشر القول في ذلك وذكر بعضهم أنه نزل له عن الغزالية والعادلية واستخلفه في ذلك فالله أعلم
وفي سحر ليلة الخميس خامس شهر جمادي الآخرة وقع حريق عظيم بالجوانيين في السوق الكبير واحترقت دكاكين الفواخرة والمناجليين وفرجة الغرابيل وإلى درب القلى ثم إلى قريب درب العميد وصارت تلك الناحية دكا بلقعا فإنا لله وإنا إليه راجعون وجاء نائب السلطنة بعد الاذان إلى هناك ورسم بطفي النار وجاء المتولي والقاضي الشافعي والحجاب وشرع الناس في طفي النار ولو تركوها لحرقت شيئا كثيرا ولم يفقد فيما بلغنا أحد من الناس ولكن هلك للناس شيئ كثير من المتاع والأثاث والاملاك وغير ذلك واحترق للجامع من الرباع في هذا الحريق ما يساوي مائة ألف درهم انتهى والله أعلم
*3* كائنة غريبة جدا
@ وفي يوم الاحد خامس عشر جمادي الاولى استسلم القاضي الحنبلي جماعة من اليهود كان قد صدر منهم نوع استهزاء بالاسلام وأهله فإنهم حملوا رجلا منهم صفة ميت على نعش ويهللون كتهليل المسلمين أمام الميت ويقرأون قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد فسمع بهم من بحارتهم من المسلمين فأخذوهم إلى ولي الامر نائب السلطنة فدفعهم إلى الحنبلي فاقتضى الحال استسلامهم فأسلم يومئذ منهم ثلاثة وتبع أحدهم ثلاثة أطفال وأسلم في اليوم الثاني ثمانية آخرون فأخذهم المسلمون وطافوا بهم في الأسواق يهللون ويكبرون وأعطاهم أهل الاسواق شيئا كثيرا وراحوا بهم إلى الجامع فصلوا ثم أخذوهم إلى دار السعادة فاستطلقوا لهم شيئا ورجعوا وهم في ضجيج وتهليل وتقديس وكان يوما مشهودا ولله الحمد والمنة انتهى والله أعلم
*3* مملكة السلطان الملك الصالح صلاح الدين بن الملك الناصر محمد بن الملك المنصور قلاوون الصالحي
@ في العشر الأوسط من شهر رجب الفرد وردت البريدية من الديار المصرية بعزل السلطان الملك الناصر حسن بن الناصر بن قلاوون لاختلاف الأمراء عليه وأجتماعهم على أخيه الملك الصالح وأمه صالحة بنت ملك الامراء تنكز الذي كان نائب الشام مدة طويلة وهو ابن أربع عشرة سنة وجاءت الأمراء للحلف فدقت البشائر وزين البلد على العادة وقيل إن الملك الناصر حسن خلق ورجعت الامراء الذين كانوا باسكندرية مثل شيخون ومنجك وغيرهما وأرسلوا إلى يلبغا فجيء به من الكرك وكان مسجونا بها من مرجعه من الحج فلما عاد إلى الديار المصرية شفع في صاحب اليمن الملك المجاهد الذي كان مسجونا في الكرك فأخرج وعاد إلى الديار الحجازية وأما الأمراء الذين كانوا من ناحية السلطان حين مسك معارضة أمير أخوروميكلي بغا الفخري وغيرهما فاحتيط عليهم وأرسلوا إلى الاسكندرية وخطب للملك الصالح بجامع دمشق يوم الجمعة السابع عشر من شهر رجب وحضر نائب السلطنة والأمراء والقضاة للدعاء له بالمقصورة على العادة
وفي أثناء العشر الاخير من رجب عزل نائب السلطنة سيف الدين أيتمش عن دمشق مطلوبا إلى الديار المصرية فسار إليها يوم الخميس وفي يوم الاثنين حادي عشر شعبان قدم الأمير سيف الدين أرغون الكاملي الذي كان نائبا على الديار الحلبية من هناك فدخل دمشق في هذا اليوم في أبهة عظيمة وخرج الامراء والمقدمون وارباب الوظائف لتلقيه إلى أثناء الطريق منهم من وصل إلى حلب وحماة وحمص وجرى في هذا اليوم عجائب لم تر من دهور واستبشر الناس به لصرامته وشهامته وحدته وما كان من لين الذي قبله ورخاوته فنزل دار السعادة على العادة وفي يوم السبت وقف في موكب هائل قيل إنه لم ير مثله من مدة طويلة ولما سير إلى ناحية باب الفرج اشتكى إليه ثلاث نسوة على أمير كبير يقال له الطرخاين فأمر بإنزاله عن فرسه فأنزل وأوقف معهن في الحكومة واستمر بطلان الوقيد في الجامع الاموي في هذا العام أيضا كالذي قبله حسب مرسوم السلطان الناصر حسن رحمه الله ففرح أهل الخير بذلك فرحا شديدا وهذا شيء لم يعهد مثله من نحو ثلثمائة سنة ولله الحمد والمنة ونودي في البلد في هذا اليوم والذي بعده عن النائب من وجد جنديا سكرانا فلينزله عن فرسه وليأخذ ثيابه ومن أحضره من الجند إلى دار السعادة فله خبزه ففرح الناس بذلك واحتجر على الخمارين والعصارين ورخصت الاعتاب وجادت الاخباز واللحم بعد أن كان بلغ كل رطل أربعة ونصفا فصار بدرهمين ونصف وأقل وأصلحت المعايش من هيبة النائب وصار له صيت حسن وذكر جميل في الناس بالعدل وجودة القصد وصحة الفهم وقوة العدل والادراك
وفي يوم الاثنين ثامن عشر شعبان وصل الأمير أحمد بن شاد الشريخاناه الذي كان قد عصى في صغد وكان من أمره ما كان فاعتقل بالاسكندرية ثم أخرج في هذه الدولة وأعطىنيابة حماة فدخل دمشق في هذا اليوم سائرا إلى حماة فركب مع النائب مع الموكب وسير عن يمينه ونزل في خدمته إلى دار السعادة ورحل بين يديه وفي يوم الخميس الحادي والعشرين منه دخل الامير سيف الدين يلبغا الذي كان نائبا بالديار المصرية ثم مسك بالحجاز وأودع الكرك ثم أخرج في هذه الدولة وأعطى نيابة حلب فتلقاه نائب السلطنة وأنزل دار السعادة حين أضافه ونزل وطاقه بوطأة برزة وضربت له خيمة بالميدان الاخضر
*2* ثم دخلت سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة
@ استهلت هذه السنة وسلطان الديار المصرية والبلاد الشامية والحرمين الشريفين وما يتبع ذلك الملك الصالح صلاح الدين صالح بن السلطان الملك الناصر محمد بن الملك المنصور قلاوون والخليفة الذي يدعى له المعتضد بأمر الله ونائب الديار المصرية الأمير سيف الدين قبلاي وقضاة مصرهم المذكورون في التي قبلها والوزير القاضي ابن زنبور واولوا الامر الذين يدبرون المملكة فلا تصدر الامور إلا عن آرائهم لصغر السلطان المذكور جماعة من أعيانهم ثلاثة سيف الدين شيخون وطار وحر عيمش ونائب دمشق الأمير سيف الدين أرغون الكاملي وقضاتها هم المذكورون في التي قبلها ونائب البلاد الحلبية الأمير سيف الدين يلبغا أروش ونائب طرابلس الامير سيف الدين بكلمش ونائب حماة الامير شهاب الدين احمد بن مشد الشريخانة ووصل بعض الحجاج إلى دمشق في تاسع الشهر وهذا نادر وأخبروا بموت المؤذن شمس الدين بن سعيد بعد منزلة العلاء في المدابغ
وفي ليلة الاثنين سادس عشر صفر في هذه السنة وقع حريق عظيم عند باب جيرون شرقية فاحترق به دكان القفاعي الكبيرة المزخرفة وما حولها واتسع اتساعا فظيعا واتصل الحريق بالباب الاصفر من النحاس فبادر ديوان الجامع اليه فكشطوا ما عليه من النحاس ونقلوه من يومه إلى خزانة الحاصل بمقصورة الحلبية بمشهد على ثم عدوا عليه يكسرون خشبه بالفؤس الحداد والسواعد الشداد وإذا هو من خشب الصنوبر الذي في غاية ما يكون من القوة والثبات وتأسف الناس عليه لكونه كان من محاسن البلد ومعالمه وله في الوجود ما ينيف عن أربعة آلاف سنة انتهى والله أعلم
*3* ترجمة باب جيرون المشهرو بدمشق
@ الذي كان هلاكه وذهابه وكسره في هذه السنة وهو باب سر في جامع دمشق لم ير باب أوسع ولا أعلى منه فيما يعرف من الأبنية في الدنيا وله علمان من نحاس أصفر بمسامير نحاس أصفر أيضا بارزة من عجائب الدنيا ومحاسن دمشق ومعالمها وقد تم بناؤها وقد ذكرته العرب في أشعارها والناس وهو منسوب إلى ملك يقال له جيرون بن سعد بن عاد بن عوص بن أدم بن سام بن نوح وهو الذي بناه وكان بناؤه له قبل الخليل عليه السلام بل قبل ثمود وهود أيضا على ما ذكره الحافظ ابن عساكر في تاريخه وغيره وكان فوقه حصن عظيم وقصر منيف ويقال بل هو منسوب إلى اسم المارد الذي بناه لسليمان عليه السلام وكان اسم ذلك الماردجيرون والأول أظهر وأشهر فعلى الاول يكون لهذا الباب من المدد المتطاولة ما يقارب خمسة آلاف سنة ثم كان انجعاف هذا الباب لا من تلقاء نفسه بل بالأيدي العادية عليه بسبب ما ناله من شوط حريق اتصل إليه حريق وقع من جانبه في صبيحة ليلة الاثنين السادس عشر من صفر سنة ثلاث وخسمين وسبعمائة فتبادر ديوان الجامعية ففرقوا شمله وقضموا ثمله وعروا جلده النحاس عن بدنه الذي هو من خشب الصنوبر الذي كأن الصانع قد فرغ منه يومئذ وقد شاهدت الفؤس تعمل فيه ولا تكاد تحيل فيه إلا بمشقة فسبحان الذي خلق الذين بنوه أولا ثم قدر أهل هذا الزمان على أن هدموه بعد هذه المدد المتطاولة والأمم المتداولة ولكن لكل اجل كتاب ولا إله إلا رب العباد

*3* بيان تقدم مدة هذا الباب وزيادتها على مدة اربعة الاف سنة بل يقارب الخمسة
@ ذكر الحافظ ابن عساكر في أول تاريخه باب بناء دمشق بسنده عن القاضي يحيى بن حمزه ! التيلهي الحاكم بها في الزمن المتقدم وقد كان هذا القاضي من تلاميذ ابن عمر والأوزاعي قال لما فتح عبد الله بن علي دمشق بعد حصارها يعني وانتزعها من أيدي بني أمية وسلبهم ملكهم هدموا سور دمشق فوجدوا حجرا مكتوبا عليه باليونانية فجاء راهب فقرأه لهم فإذا هو مكتوب عليه ويك أمراء الجبابرة من رأسك بسوء قصمه الله إذا وهي منك جيرون الغربي من باب البريد وتلك من خمسة أعين ينقض سورك على يديه بعد أربعة آلاف سنة تعيشين رغدا فإذا وهي منك جيرون الشرقي أؤمل لك ممن يعوض لك قال فوجدنا الخمسة أعين عبد الله بن علي بن عبدالله ابن عباس بن عبد المطلب عين بن عين بن عين بن عين بن عين فهذا يقتضي أنه كان بسورها سنينا إلى حين إخرابه على يد عبد الله بن علي أربعة آلاف سنة وقد كان إخرابه له في سنة ثنتين وثلاثين ومائة كما ذكرنا في التاريخ الكبير فعلى هذا يكون لهذا الباب إلى يوم خرب من هذه السنة أعني سنة ثنتين وثلاثين ومائة أربعة آلاف وستمائةوإحدى وعشرين سنةوالله أعلم
وقد ذكر ابن عساكر عن بعضهم أن نوحا عليه السلام هو الذي أسس دمشق بعد حران وذلك بعد مضي الطوفان وقيل بناها دمسغس غلام ذي القرنين عن إشارته وقيل عاد الملقب بدمشيق وهو غلام الخليل وقيل غير ذلك من الأقوال وأظهرها أنها من بناء اليونان لأن محاريب معابدها كانت موجهة إلى القطب الشمالي ثم كان بعدهم النصارى فصلوا فيها إلى الشرق ثم كان فيها بعدهم أجمعين أمة المسلمين فصلوا إلى الكعبة المشرفة وذكر ابن عساكر وغيره أن أبوابها كانت سبعة كل منها يتخذ عنده عيد لهيكل من الهياكل السبعة فباب القمر باب السلامة وكانوا يسمونه باب الفراديس الصغير ولعطارد باب الفراديس الكبير وللزهرة باب توما وللشمس الباب الشرقي وللمريخ باب الجابية وللمشتري باب الجابية الصغير ولزحل باب كيسان
وفي أوائل شهر رجب الفرد اشتهر أن نائب حلب يلبغا أروش اتفق مع نائب طرابلس بكلمش ونائب حلب أمير أحمد بن مشد الشريخانة على الخروج عن طاعة السلطان حتى يمسك شيخون وطار وهما عضدا الدولة بالديار المصرية وبعثوا إلى نائب دمشق وهو الامير سيف الدين أرغون الكاملي فأبى عليهم ذلك وكاتب إلى الديار المصرية بما وقع من الامر وانزعج الناس لذلك وخافوا من غائلة هذا الامر وبالله المتسعان ولما كان يوم الاثنين ثامن الشهر جمع نائب السلطنة الأمراء عنده بالقصر الابلق واستحلفهم بيعة اخرى لنائب السلطنة الملك الصالح فحلفوا واتفقوا على السمع والطاعة والاستمرار على ذلك وفي ليلة الاربعاء سابع عشر رجب جاءت الجبلية الذين جمعوهم من البقاع لأجل حفظ ثنية العقاب من قدوم العساكر الحلبية ومن معهم من أهل طرابلس وحماة وكان هؤلاء الجبلية قريبا من أربعة آلاف فحصل بسببهم ضرر كثير على أهل برزة وما جاورهم من الثمار وغيرها
وفي يوم السبت العشرين منه ركب نائب السلطنة سيف الدين أرغون ومعه الجيوش الدمشقية قاصدين ناحية الكسوة ليلا يقاتلون المسلمين ولم يبق في البلد من الجند احد وأصبح الناس وليس لهم نائب ولا عسكر وخلت الديار منهم ونائب الغيبة الامير سيف الدين الجي بغا العادلي وانتقل الناس من البساتين ومن طرف العقبية وغيرها إلى المدينة وأكثر الأمراء نقلت حواصلهم وأهاليهم إلى القلعة المنصورة فإنا لله وإنا إليه راجعون ولما اقترب دخول الامير يلبغا بمن معه انزعج الناس وانتقل أهل القرى الذين في طريقه وسرى ذلك إلى أطراف الصالحية والبساتين وحواضر البلد وغلقت أبواب البلد إلى ما يلي القلعة كباب النصر وباب الفرج وكذا باب الفراديس وخلت أكثر المحال من أهاليهم ونقلوا حوائجهم وحواصلهم وأنعامهم إلى البلد على الدواب والحمالين وبلغهم أن أطراف الجيش انتهبوا ما في القرايا في طرقهم من الشعير والتبن وبعض الانعام للأكل وربما وقع فساد غير هذا من بعض الجهلة فخاف الناس كثيرا وتشوشت خواطرهم انتهى
*3* دخول يبلغا اروش إلى دمشق
@ ولما كان يوم الاربعاء الرابع والعشرين من رجب دخل الامير سيف الدين يلبغا أروش نائب حلب إلى دمشق المحروسة بمن معه من العساكر الحلبية وغيرهم وفي صحبته نائب طرابلس الامير سيف الدين بكلمش ونائب حماة الأمير شهاب الدين أحمد ونائب صغد الامير علاء الدين طيبغا ملقب برتاق وكان قد توجه قبله قبل بيوم ومعه نواب قلاع كثيرة من بلاد حلب وغيرها في عدد كثير من الاتراك والتركمان فوقف في سوق الخيل مكان نواب السلطان تحت القلعة واستعرض الجيوش الذين وفدوا معه هناك فدخلوا في تجمل كثير ملبسين وكان عدة
من كان معه من أمراء الطبلخانات قريبا من ستين أمير أو يزيدون أو ينقصون على ما استفاض عن غير واحد ممن شاهد ذلك ثم سار قريبا من الزوال للمخيم الذي ضرب له قبل مسجد القدم عند قبة يلبغا عند الجدول الذي هنالك وكان يوما مشهودا هائلا لما عاين الناس من كثرة الجيوش والعدد وعذر كثير من الناس صاحب دمشق في ذهابه بمن معه لئلا يقابل هؤلاء فنسأل الله أن يجمع قلوبهم على ما فيه صلاح المسلمين وقد أرسل إلى نائب القلعة وهو الامير سيف الدين إباجي يطلب منه حواصل أرغون التي عنده فامتنع عليه أيضا وقد حصن القلعة وسترها وأرصد فيها الرجال والرماة والعدد وهيأنها بعض المجانيق ليبعد بها فوق الابرجة وأمر أهل البلد أن لا يفتحوا الدكاكين ويغلقوا الأسواق وجعل يغلق أبواب البلد إلا بابا أو بابين منها واشتد حنق العسكر عليه وهموا بأشياء كثيرة من الشر ثم يرعوون عن الناس والله المسلم غير أن إقبال العسكر وأطرافه قد عاثوا فيما جاوروه من القرايا والبساتين والكروم والزروع فيأخذون ما يأكلون وتأكل دوابهم وأكثر من ذلك فإنا لله وإنا إليه راجعون ونهبت قرايا كثيرة وفجروا بنساء وبنات وعظم الخطب وأما التجار ومن يذكر بكثرة مال فأكثرهم مختف لا يظهر لما يخشى من المصادرة نسأل الله أن يحسن عاقبتهم
واستهل شهر شعبان واهل البلد من خوف شديد واهل القرايا والحواضر في نقلة أثاثهم وبقارهم ودوابهم وأبنائهم ونسائهم وأكثر أبواب البلد مغلقة سوى بابي الفراديس والجابية وفي كل يوم نسمع بأمور كثيرة من النهب للقرايا والحواضر حتى انتقل كثير من أهل الصالحية أو أكثرهم وكذلك من أهل العقبية وسائر حواضر البلد فنزلوا عند معارفهم وأصحابهم ومنهم من نزل على قارعة الطريق بنسائهم وأولادهم فلا حول ولا قوة غلا بالله العلي العظيم وقال كثير من المشايخ الذين أدركوا زمن قازان إن هذا الوقت كان اصعب من ذلك لما ترك الناس من ورائهم من الغلات والثمار التي هي عمدة قوتهم في سنتهم وأما أهل البلد ففي قلق شديد ايضا لما يبلغهم عنهم من الفجور بالنساء ويجعلون يدعون عقيب الصلوات عليهم يصرحون بأسمائهم ويعنون بأسماء أمرائهم وأتباعهم ونائب القلعة الامير سيف الدين إباجي في كل وقت يسكن جأش الناس ويقوى عزمهم ويبشرهم بخروج العساكر المنصورة من الديار المصرية صحبة السلطان إلى بلاد غزة حيث الجيش الدمشقي ليجيئوا كلهم في خدمته وبين يديه وتدق البشائر فيفرح الناس ثم تسكن الاخبار وتبطل الروايات فتقلق ويخرجون في كل يوم وساعة في تجمل عظيم ووعد وهيآت حسنة ثم جاء السلطان أيده الله تعالى وقد ترجل الامراء بين يديه من حين بسط له عند مسجد الدبان إلى داخل القلعة المنصورة وهو لابس قباء أحمر له قيمته على فرس أصيلة مؤدبة معلمة المشي على القوس لا تحيد عنه وهو حسن الصورة مقبول الطلعة عليه بهاء المملكة والرياسة والخز فوق رأسه يحمله بعض الأمراء الأكابر وكلما عاينه من عاينه من الناس يبتلهون بالدعاء بأصوات عالية والنساء بالزغرطة وفرح الناس فرحا شديدا وكان يوما مشهودا وأمرا حميدا جعله الله مباركا على المسلمين فنزل بالقلعة المنصورة وقد قدم معه الخليفة المعتضد أبو الفتح بن أبي بكر المستكفي بالله ابي الربيع سليمان بن الحاكم بأمر الله أبي العباس أحمد وكان راكبا إلى جانبه من ناحية اليسار ونزل بالمدرسة الدماغية في أواخر هذا اليوم سائر الأمراء مع نائب الشام ومقدمهم طار وشيخون في طلب يلبغا ومن معه من البغاة المفسدين
وفي يوم الجمعة ثانية حضر السلطان أيده الله إلى الجامع الاموي وصلى فيه الجمعة بالمشهد الذي يصلى فيه نواب السلطان أيده الله فكثر الدعاء والمحبة له ذاهبا وآيبا تقبل الله منه وكذلك فعل الجمعة الأخرى وهي تاسع الشهر وفي يوم السبت عاشره اجتمعنا يقول الشيخ عماد الدين بن كثير المصنف رحمه الله بالخليفة المعتضد بالله أبي الفتح بن أبي بكر بن المستكفي بالله أبي الربيع سليمان بن الحاكم بأمر الله أبي العباس أحمد وسلمنا عليه وهو نازل بالمدرسة الدماغية داخل باب الفرج وقرأت عنده جزءا فيه ما رواه أحمد بن حنبل عن محمد بن إدريس الشافعي في مسنده وذلك عن الشيخ عز الدين بن الضيا الحموي بسماعه من ابن البخاري وزينب بنت مكي عن أحمد بن الحصين عن ابن المذهب عن أبي بكر بن مالك عن عبد الله بن أحمد عن أبيه فذكرهما والمقصود أنه شاب حسن الشكل مليح الكلام متواضع جيد الفهم حلو العبارة رحم الله سلفه
وفي رابع عشره قدم البريد من بلاد حلب بسيوف الأمراء الممسوكين من أصحاب يلبغا وفي يوم الخميس خامس عشره نزل السلطان الملك الصالح من الطارمة إلى القصر الأبلق في أبهة المملكة ولم يحضر يوم الجمعة إلى الصلاة بل اقتصر على الصلاة بالقصر المذكور وفي يوم الجمعة باكرا النهار دخل الامير سيف الدين شيخون وطار بمن معهما من العساكر من بلاد حلب وقد فات تدارك يلبغا وأصحابه لدخولهم بلاد زلغادر التركماني بمن بقي معهم وهم القليل وقد أسر جماعة من الامراء الذين كانوا معه وهم في القيود والسلاسل صحبة الاميرين المذكورين فدخلا على السلطان وهو بالقصر الأبلق فسلما عليه وقبلا الأرض وهنآه بالعيد ونزل طار بدار أيتمش بالشرق الشمالي ونزل شيخون بدار إياس الحاجب بالقرب من الظاهرية البرانية ونزل بقية الجيش في أرجاء البلد وأما الامير سيف الدين أرغون فأقام بحلب نائبا عن سؤاله إلى ما ذكر وخوطب في تقليده بألقاب هائلة ولبس خلعة سنية وعظم تعظيما زائدا ليكون هناك إلبا على يلبغا وأصحابه لشدة ما بينهما من العداوة ثم صلى السلطان بمن معه من المصريين ومن انضاف إليهم من الشاميين صلاة عيد الفطر بالميدان الأخضر وخطب بهم القاضي تاج الدين المناوي المصري قاضي العسكر المصري بمرسوم السلطان وذويه وخلع عليه انتهى والله سبحانه وتعالى أعلم
*3* قتل الامراء السبعة من اصحاب يلبغا
@ وفي يوم الاثنين ثالث شوال قبل العصر ركب السلطان من القصر إلى الطارمة وعلى رأسه القبة والطير يحملهما الامير بدر الدين بن الخطير فجلس في الطارمة ووقف الجيش بين يديه تحت القلعة وأحضروا الأمراء الذين قدموا بهم من بلاد حلب فجعلوا يوقفون الامير منهم ثم يشاورون عليه فمنهم من يشفع فيه ومنهم من يؤمر بتوسيطه فوسط سبعة خمس طبلخانات ومقدما ألف منهم نائب صغد برناق وشفع في الباقين فردوا إلى السجن وكانوا خمسة آخرين وفي يوم الاربعاء خامسةمسك جماعة من أمراء دمشق سبعة وتحولت دول كثيرة وتأمر جماعة من الاجناد وغيرهم انتهى
*3* خروج السلطان من دمشق متوجها إلى بلاد مصر
@ وفي يوم الجمعة سابع شوال ركب السلطان في جيشه من القصر الابلق قاصد لصلاة الجمعة بالجامع الاموي فلما انتهى إلى باب النصر ترجل الجيش بكماله بين يديه مشاة وذلك في يوم شات كثير الوحل فصلى بالمقصورة إلى جانب المصحف العثماني وليس معه في الصف الاول أحد بل بقية الامراء خلفه صفوف فسمع خطبة الخطيب ولما فرغ من الصلاة قرئ كتاب باطلاق أعشار الاوقاف وخرج السلطان بمن معه من باب النصر فركب الجيش واستقل ذاهبا نحو الكسوة بمن معه من العساكر المنصورة مصحوبين بالسلامة والعافية المستمرة وخرج السلطان وليس بدمشق نائب سلطنة وبها الامير بدر الدين بن الخطير هو الذي يتكلم في الامور نائب غيبة حتى يقدم اليها نائبها ويتعين لها وجاءت الاخبار بوصول السلطان إلى الديار المصرية سالما ودخلها في أبهة عيظمة في أواخر ذي القعدة وكان يوما مشهودا وخلع على امراء كلهم ولبس خلعة نيابة الشام الامير علاء الدين المارداني ومسك الأمير علم الدين بن زنبور وتولية الوزارة الصاحب موفق الدين وفي صبيحة يوم السبت خامس الحجة دخل الامير علاء الدين على الجمدار من الديار المصرية إلى دمشق المحروسة في ابهة هائلة وموكب حافل مستوليا نيابة بها وبين يديه الاسراء على العادة فوقف عند تربة بهادر آص حتى استعرض عليه الجيش فلحقهم فدخل دار السعادة فنزلها على عادة النواب قبله جعله الله وجها مباركا على المسلمين وفي يوم السبت ثالث عشرة قدم دوادار السلطان الامير عز الدين مغلطاي من الديار المصرية فنزل القصر الابلق ومن عزمه الذهاب الى البلاد الحلبية ليجهز الجيوش نحو يلبغا وأصحابه انتهى والله تعالى أعلم


التوقيع :


اللهم صل على سيدنا محمد عبدك ونبيك ورسولك
النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم تسليما عدد مااحاط به علمك
وخط به قلمك واحصاه كتابك
وارض اللهم عن سادتنا ابي بكر وعمر وعثمان وعلي
وعن الصحابة أجمعين وعن التابعين وتابعيهم بإحسان الى يوم الدين





رد مع اقتباس
قديم 09-02-2006, 12:19 AM   رقم المشاركة : 18
الكاتب

أفاق : الاداره

مراقب

مراقب

أفاق : الاداره غير متواجد حالياً


الملف الشخصي









أفاق : الاداره غير متواجد حالياً


مشاركة: البداية والنهاية الجزء الرابع عشر

*2* ثم دخلت سنة أربع وخمسين وسبعمائة
@ استهلت هذه السنة وسلطان الاسلام بالديار المصرية والبلاد الشامية والمملكة الحلبية وما والاها والحرمين الشريفين الملك الصالحي صلاح الدين صالح بن الملك الناصر محمد بن الملك المنصور قلاوون الصاحلي ونائبه بالديار المصرية الامير سيف الدين قبلاي والمشار إليهم في تدبير المملكة الامراء سيف الدين شيخون وسيف الدين طار وسيف الدين صرغتمش الناصري وقضاة القضاة وكاتب السر هناك هم المذكورون في السنة الماضية ونائب حلب الامير سيف الدين أرغون الكاملي لأجل مقاتلة اولئك الامراء الثلاثة يلبغا وامير احمد وبكلمش الذين فعلوا ما ذكرنا في رجب من السنة الماضية ثم لجأوا إلى بلاد البلبيسين في خفارة زلغادر التركماني ثم إنه احتال عليهم من خوفه من صاحب مصر وأسلمهم إلى قبضة نائب حلب المذكور ففرح المسلمون بذلك فرحا شديدا ولله الحمد والمنة ونائب طرابلس الامير سيف الدين أيتمش الذي كان نائب دمشق كما ذكرنا تقلبت به الأحوال حتى استنيب في طرابلس حين كان السلطان بدمشق كما تقدم
واستهلت هذه السنة وقد تواترت الاخبار بأن الامراء الثلاثة يلبغا وبكلمش وامير أحمد قد حصلوا في قبضة نائب حلب الامير سيف الدين أرغون وهم مسجونون بالقلعة بها ينتظر ما يرسم به فيهم وقد فرح المسلمون بذلك فرحا شديدا وفي يوم السبت سابع عشر المحرم وصل إلى دمشق الأمير عز الدين مغلطاي الدويدار عائدا من البلاد الحلبية وفي صحبته رأس يلبغا الباغي أمكن الله منه بعد وصول صاحبيه بكلمش الذي كان نائبا بطرابلس وأمير احمد الذي كان نائب حماة فقطعت رؤسهما بحلب بين يدي نائبها سيف الدين ارغون الكاملي وسيرت إلى مصر ولما وصل يلبغا بعدهما فعل به كفعلهما جهرة بعد العصر بسوق الخيل بين يدي نائب السلطنة والجيش برمته والعامة على الاحاجير يتفرجون ويفرحون بمصرعة وسر المسلمون كلهم ولله الحمد والمنة
وفي يوم الجمعة الثامن والعشرين من شهر ربيع الاول أقيمت جمعة جيدة بمحلة الشاغور بمسجد هناك يقال له مسجد المزار وخطب فيه جمال الدين عبد الله بن الشيخ شمس الدين بن قيم الجوزية ثم وقع في ذلك كلام فأفضى الحال أن أهل المحلة ذهبوا إلى سوق الخيل يوم موكبه وحملوا سناجق خليفتين من جامعهم ومصاحف واشتملوا إلى نائب السلطنة وسألوا منه أن تستمر الخطبة عندهم فأجابهم إلى ذلك في الساعة الراهنة ثم وقع نزاع في جواز ذلك ثم حكم القاضي الحنبلي لهم بالاستمرار وجرت خطوب طويلة بعد ذلك وفي يوم الاحد سابع ربيع الآخر توفي الأمير الكبير سيف الدين الجي بغا العادلي ودفن بتربته التي كان أنشأها قديما ظاهر باب الجابية وهي مشهورة تعرف به وكان له في الامرة قريبا
من ستين سنة وقد كان أصابه في نوبة أرغون شاه وقضيته ضربة أصابت يده اليمنى واستمر مع ذلك على إمرته وتقدمته محترما معظما إلى ان توفي رحمه الله تعالى عليه
*3* ذكر أمر غريب جدا
@ لما ذهبت لتهنئة الامير ناصر الدين ابن الاقوس بنيابة بعلبك وجدت هنالك شابا فذكر لي من حضر أن هذا هو الذي كان أنثى ثم ظهر له ذكر وقد كان أمره اشتهر ببلاد طرابلس وشاع بين الناس بدمشق وغير ذلك وتحدث الناس به فلما رأيته وعليه قبعة تركية استدعيته إلى وسالته بحضرة من حضر فقلت له كيف كان أمرك فاستحيي وعلاه خجل يشبه النساء فقال كنت امرأة مدة خمس عشرة سنة وزوجوني بثلاثة أزواج لا يقدرون على وكلهم يطلق ثم اعترضني حال غريب فغارت ثدياي وصغرت وجعل النوم يعتريني ليلا ونهارا ثم جعل يخرج من محل الفرج شيء قليل قليلا ويتزايد حتى برز شبه ذكر وأنثيان فسألته أهو كبير أم صغير فاستحيي ثم ذكر أنه صغير بقدر الأصبغ فسألته هل احتلم فقال احتلم مرتين منذ حصل له ذلك وكان له قريبا من ستة أشهر إلى حين أخبرني وذكر أنه يحسن صنعة النساء كلها من الغزل والتطريز والزركاش وغير ذلك فقلت له ما كان اسمك وانت على صفة النساء فقال نفيسة فقلت واليوم فقال عبد الله وذكر انه لما حصل له هذا الحال كتمه عن أهله حتى عن أبيه ثم عزموا على تزويجه على رابع فقال لأمه إن الامر ما صفته كيت وكيت فلما اطلع أهله على ذلك أعلموا به نائب السلطنة هناك وكتب بذلك محضرا واشتهر أمره فقدم ددمشق ووقف بين يدي نائب السلطنة بدمشق فسأله فأخبره كما أخبرني فأخذه الحاجب سيف الدين كحلن ابن الاقوس عنده والبسه ثياب الاجناد وهو شاب حسن على وجهه وسمته ومشيته وحديثه أنوثة النساء فسبحان الفعال لما يشاء فهذا أمر لم يقع مثله في العالم إلا قليلا جدا وعندي أن ذكره كان غائرا في جوزة طير فافرخا ثم لما بلغ ظهر قليلا قليلا حتى تكامل ظهروه فتبينوا أنه كان ذكرا وذكر لي أن ذكره برز مختونا فسمى ختان القمر فهذا يوجد كثيرا والله أعلم
وفي يوم الثلاثاء خامس شهر رجب قدم الأمير عز الدين بقطية الدويدار من الديار الحلبية وخبرعما اتفق عليه العساكر الحلبية من ذهابهم مع نائبهم ونواب تلك الحصون وعساكر خلف بن زلغادر التركماني الذي كان اعان يلبغا وذويه على خروجه على السلطان وقدم معه إلى دمشق وكان من أمره ما تقدم بسطه في السنة الماضية وأنهم نهبوا أمواله وحواصله وأسروا خلقا من بنيه وذويه وحريمه وأن الجيش أخذ شيئا كثيرا من الاغنام والابقار والرقيق والدواب والامتعة وغير ذلك وأنه لجأ إلى ابن أرطنا فاحتاط عليه واعتقله عنده وراسل السلطان بامره ففرح الناس براحة الجيش الحلبي وسلامته بعدما قاسوا شديدا وتعبا كثيرا وفي يوم الاربعاء ثالث عشرة كان قدوم الامراء الذين كانوا مسجونين بالاسكندرية من لدن عود السلطان إلى الديار المصرية ممن كان اتهم بممالأة يلبغا او خدمته كالأمير سيف الدين ملك اجي وعلاء الدين علي السيمقدار وساطلمس الجلالي ومن معهم
وفي أول شهر رمضان اتفق أن جماعة من المفتيين أفتوا باحد قولي العلماء وهما وجهان لأصحابنا الشافعي وهو جواز استعادة ما استهدم من الكنائس فتعصب عليهم قاضي القضاة تقي الدين السبكي فقرعهم في ذلك ومعهم من الافتاء وصنف في ذلك مصنفا يتضمن المنع من ذلك سماه الدسائس في الكنائس وفي خامس شهر رمضان قدم بالامير ابو الغادر التركماني الذي كان مؤازرا ليلبغا في العام الماضي على تلك الافاعيل القبيحة وهو مضيق عليه فأحضر بين يدي النائب ثم اودع القلعة المنصورة في هذا اليوم
*2* ثم دخلت سنة خمس وخمسين وسبعمائة
@ استهلت هذه السنة وسلطان الديار المصرية والبلاد الشامية وما يتبع ذلك والحرمين الشريفين وما والاهما من بلاد الحجاز وغيرها الملك الصالح صلاح الدين بن الملك الناصر محمد بن الملك المنصور قلاوون الصالحي وهو ابن بنت تنكز نائب الشام وكان في الدولة الناصرية ونائبه بالديار المصرية الأمير سيف الدين قبلاي الناصري ووزيره القاضي موفق الدين وقضاة مصرهم المذكورون في العام الماضي ومنهم قاضي القضاة عز الدين بن جماعة الشافعي وقد جاور في هذه السنة في الحجاز الشريف والقاضي تاج الدين المناوي يسد المنصب عنه وكاتب السر القاضي علاء الدين ابن فضل الله العدوي ومدبروا المملكة الامراء الثلاثة سيف الدين شيخون وصرغتمش الناصري والأمير الكبير الدوادار عز الدين مغلطاي الناصري ودخلت هذه السنة والأمير سيف الدين شيخون في الاحداث من مدة شهر أو قريب ونائب دمشق الامير علاء الدين أمير على المارداني وقضاة دمشق هم المذكورون في التي قبلها وناظر الدواوين الصاحب شمس الدين موسى بن التاج إسحاق وكاتب السر القاضي ناصر الدين بن الشرف يعقوب وخطيب البلد جمال الدين محمود بن جملة ومحتسبه الشيخ علاء الدين الانصاري قريب الشيخ بهاء الدين بن إمام المشهد وهو مدرس الأمينية مكانه أيضا
وفي شهر ربيع الآخر قدم الأمير علاء الدين مغلطاي الذي كان مسجونا بالاسكندرية ثم أفرج عنه وقد كان قبل ذلك هو الدولة وأمر بالمسير إلى الشام ليكون عند حمزة أيتمش نائب طرابلس وأما منجك الذي كان وزيره بالديار المصرية وكان معتقلا بالاسكندرية مع مغلطاي فإنه صار إلى صغد مقيما بها بطالا كما أن مغلطاي أمر بالمقام بطرابلس بطالا إلى حين يحكم الله عز وجل
انتهى والله أعلم
*3* نادرة من الغرائب
@ في يوم الاثنين السادس عشر من جمادي الأولى اجتاز رجل من الروافض من أهل الحلة بجامع دمشق وهو يسب أول من ظلم آل محمد ويكرر ذلك لايفتر ولم يصل مع الناس ولا صلى على الجنازة الحاضرة على أن الناس في الصلاة وهو يكرر ذلك ويرفع صوته به فلما فرغنا من الصلاة نبهت عليه الناس فأخذوه وإذا قاضي القضاة الشافعي في تلك الجنازة حاضر مع الناس فجئت إليه واستنطقته من الذي ظلم آل محمد فقال أبو بكر الصديق ثم قال جهرة والناس يسمعون لعن الله ابا بكر وعمر وعثمان ومعاوية ويزيد فأعاد ذلك مرتين فأمر به الحاكم إلى السجن ثم استحضره المالكي وجلده بالسياط وهو مع ذلك يصرح بالسب واللعن والكلام الذي لا يصدر إلا عن شقى واسم هذا اللعين على بن أبي الفضل بن محمد بن حسين بن كثير قبحه الله وأخزاه ثم لما كان يوم الخميس سابع عشره عقد له مجلس بدار السعادة وحضر القضاة الاربعة وطلب إلى هنالك فقدر الله أن حكم نائب المالكي بقتله فأخذ سريعا فضرب عنقه تحت القلعة وحرقه العامة وطافوا برأسه البلد ونادوا عليه هذا جزءا من سب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ناظرت هذا الجاهل بدار القاضي المالكي وإذا عنده شيء مما يقوله الرافضة العلاة وقد تلقى عن أصحاب ابن مطهر اشياء في الكفر والزندقة قبحه الله وإياهم وورد الكتاب بالزام أهل الذمة بالشروط العمرية
وفي يوم الجمعة ثامن عشر رجب الفرد قرئ بجامع دمشق بالمقصورة بحضرة نائب السلطنة وأمراء الأعراب وكبار الأمراء وأهل الحل والعقد والعامة كتاب السلطان بالزام أهل الذمة بالشروط العمرية وزيادات أخر منها أن لايستخدموا في شيء من الدواوين السلطانية والأمراء ولا في شيء من الاشياء وأن لا تزيد عمامة أحدهم عن عشرة أذرع ولا يركبوا الخيل ولا البغال ولكن الحمير بالكف عرضا وأن لا يدخلوا إلا بالعلامات من جرس أو بخاتم نحاس أصفر أو رصاص ولا تدخل نساؤهم مع المسلمات الحمامات وليكن لهن حمامات تختص بهن وأن يكون إزار النصرانية من كتان أزرق واليهودية من كتان أصفر وأن يكون أحد خفيها أسود والآخر أبيض وان يحكم حكم مواريثهم على الاحكام الشرعية واحترقت باسورة باب الجابية في ليلة الاحد العشرين من جمادي الاخرة وعدم المسلمون تلك الاطعمات والحواصل النافعة من الباب الجواني إلى الباب البراني وفي مستهل شهر رمضان عمل الشيخ الامام العالم البارع شمس الدين بن النقاش المصري الشافعي ورد دمشق بالجامع الاموي نجاه محراب الصحابة ميعادا للوعظ واجتمع عنده خلق من الأعيان والفضلاء والعامة وشكروا كلامه وطلاقه عبارته من غير تلعثم ولا تخليط ولا توقف وطال ذلك إلى قريب العصر
وفي صبيحة يوم الأحد ثالثه صلى بجامع دمشق بالصحن تحت النسر على القاضي كمال الدين حسين ابن قاضي القضاة تقي الدين السبكي الشافعي ونائبه وحضر نائب السلطنة الامير علاء الدين علي وقضاة البلد والأعيان والدولة كثير من العامة وكانت جنازته محسودة وحضر والده قاضي القضاة وهو يهادي بين رجلين فظهر عليه الحزن والكآبة فصلى عليه إماما وتأسف الناس عليه لسماحة اخلاقه وأنجماعه على نفسه لا يتعدى شره إلى غيره وكان يحكم جيدا نظيف العرض في ذلك وكان قد درس في عدة مدارس منها الشامية البرانية والعذراوية وأفتى وتصدر وكانت لديه فضيلة جيدة بالنحو والفقه والفرائض وغير ذلك ودفن بسفح قاسيون في تربة معروفة لهم رحمهم الله
*3* عودة الملك الناصر حسن بن الملك الناصر محمد بن قلاوون
@ وذلك يوم الاثنين ثاني شهر شوال اتفق جمهو الامراء مع الامي شيخون وصرغتمش في غيبة طاز في الصيد على خلع الملك الصالح صالح بن الناصر وأمه بنت تنكز وإعادة أخيه الملك الناصر حسن وكان ذلك يومئذ وألزم الصالح بيته مضيقا عليه وسلم إلى أمه خوندة بنت الامير سيف الدين تنكز نائب الشام كان وقطلبوطار وأمسك أخوه سنتم وأخو السلطان الصالح لأمه عمر بن أحمد بن بتكتمر الساقي ووقعت خطبة عظيمة بالديار المصرية ومع هذا فلم يقبل البريد إلى الشام وخبر البيعة إلا يوم الخميس الثالث عشر من هذا الشهر قدم بسببها الامير عز الدين أيدمر الشمسي وبايع النائب بعدما خلع عليه خلعة سنية والامراء بدار السعادة على العادة ودقت البشائر وزين البلد وخطب له الخطيب يوم الجمعة على المنبر بحضرة نائب السلطنة والقضاة والدولة وفي صبيحة يوم الخميس تاسع عشر شوال دخل دمشق الامير سيف الدين منجك على نيابة طرابلس ونزل القصر الابلق مع الأمير عز الدين أيدمر فأقام أياما عديدة ثم سار إلى بلده بعد ايام وفي صبيحة يوم الخميس السادس والعشرين منه دخل الامير سيف الدين طاز من الديار المصرية في جماعة من اصحابه مجتازا إلى نيابة حلب المحروسة فتلقاه نائب السلطنة إلى قريب من جامع كريم الدين بالقبيبات وشيعه إلى قريب من باب الفراديس فسار ونزل بوطأة برزة فبات هنالك ثم أصبح غاديا وقد كان نظير الامير شيخون ولكن قوى عليه فسيره إلى بلاد حلب وهو محبب إلى العامة لما له من السعي المشكور في أمور كبار كما تقدم
*2* ثم دخلت سنة ست وخمسين وسبعمائة
@
استهلت هذه السنة وسلطان الاسلام والمسلمين السلطان الملك الناصر حسن بن الملك الناصر محمد بن الملك المنصور قلاوون الصالحي وليس بالديار المصرية نائب ولا وزير وقضاتها هم المذكورون في التي قبلها ونائب دمشق الأمير علي المارداني والقضاة والحاجب والخطيب وكاتب السرهم
المذكورون في التي قبلها ونائب حلب الأمير سيف الدين طاز ونائب طرابلس منجك ونائب حماة استدمر العمري ونائب صغد الامير شهاب الدين بن صبح ونائب حمص الامير ناصر الدين ابن الاقوس ونائب بعلبك الحاج كامل
وفي يوم الاثنين تاسع صفر مسك الامير أرغون الكاملي الذي ناب بدمشق مدة ثم بعدها بحلب ثم طلب إلى الديار المصرية حين وليها طاز فقبض عليه وأرسل إلى الاسكندرية معتقلا وفي يوم السبت من شهر صفر قدم تقليد قضاء الشافعية بدمشق وأعمالها لقاضي القضاة تاج الدين عبد الوهاب ابن قاضي القضاة تقي الدين السبكي على قاعدة والده وذلك في حياة أبيه وذهبت الناس للسلام عليه
وفي صبيحة يوم الاحد السادس والعشرين من ربيع الآخر توجه قاضي القضاة تقي الدين السبكي بعد استقلال ولده تاج الدين عبد الوهاب في قضاء القضاة ومشيخة دار الحديث الاشرفية مسافرا نحو الديار المصرية في محفة ومعه جماعة من أهله وذويه منهم سبطه القاضي بدر الدين بن أبي الفتح وآخرون وقد كان الناس ودعوه قبل ذلك وعنده ضعف ومن الناس من يخاف عليه وعثاء السفر مع الكبر والضعف
ولما كان يوم الجمعة سادس شهر جمادي الآخرة صلى بعد الظهر على قاضي القضاة تقي الدين ابن علي بن عبد الكافي بن تمام السبكي المصري الشافعي توفي بمصر ليلة الاثنين ثالثة ودفن من صبيحة ذلك اليوم وقد أكمل ثلاثا وتسعين سنة ودخل في الرابعة أشهرا وولى الحكم بدمشق نحوا من سبع عشرة سنة ثم نزل عن ذلك لولده قاضي القضاة تاج الدين عبد الوهاب ثم رحل في محفة إلى الديار المصرية كما ذكرنا ولما وصل مصر أقام دون الشهر ثم توفي كما ذكرنا وجاءت التعزية ومرسوم باستقرار ولده في مدرسته اليعقوبية والقيمرية وبتشريف تطييبا لقلبه وذهب الناس إلى تعزيته على العادة وقد سمع قاضي القضاة السبكي الحديث في شبيبته بديار مصر ورحل إلى الشام وقرأ بنفسه وكتب وخرج وله تصانيف كثيرة منتشرة كثيرة الفائدة وما زال في مدة القضاء يصنف ويكتب إلى حين وفاته وكان كثير التلاوة وذكر لي أنه كان يقوم من الليل رحمه الله
وفي شهر جمادي الاولى من هذه السنة أشتهر أخذ الفرنج المخذولين لمدينة طرابلس المغرب وقرأت من كتاب لقاضي قضاة المالكية أن اخذهم إياها كان ليلة الجمعة مستهل ربيع الاول من هذه السنة ثم بعد خمسة عشر يوما استعادها المسلمون وقتلوا منهم أضعاف ما قتلوا أولا من المسلمين ولله الحمد والمنة وأرسل الدولة إلى الشام يطلبون من اموال أوقاف الاساري ما يستنقذون به من بقي في أيديهم من المسلمين وفي يوم الاربعاء حادي عشر رجب الفرد من هذه السنة حكم القاضي المالكي
وهو قاضي القضاة جمال الدين السملاتي بقتل نصراني من قرية الرأس من معاملة بعلبك اسمه داود بن سالم ثبت عليه بمجلس الحكم في بعلبك انه اعترف بما شهد عليه أحمد بن نور الدين علي بن غازي من قرية اللبوة من الكلام السيء الذي نال به من رسول الله
ص وسبه وقذفه بكلام لا يليق ذكره فقتل لعنه الله يومئذ بعد أذان العصر بسوق الخيل وحرقه الناس وشفى الله صدور قوم مؤمنين ولله الحمد والمنة
وفي صبيحة يوم الأحد رابع عشر شعبان درس القاضي بهاء الدين أبو البقاء السبكي بالمدرسة القيمرية نزل له عنها ابن عمه قاضي القضاة تاج الدين عبد الوهاب ابن قاضي القضاة تقي السبكي وحضر عنده القضاة والاعيان وأخذ في قوله تعالى ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة وصلى في هذا اليوم بعد الظهر على الشيخ الشاب الفاضل المحصل جمال الدين عبد الله بن العلامة شمس الدين بن قيم الجوزية الحنبلي ودفن عند أبيه بمقابر باب الصغير وكانت جنازته حافلة وكانت لديه علوم جيدة وذهنه حاضر خارق أفتى ودرس وأعاد وناظر وحج مرات عديدة رحمه الله وبل بالرحمة ثراه
وفي يوم الاثنين تاسع عشر شوال وقع حريق هائل في سوق القطانين بالنهار وذهب إليه نائب السلطنة والحجبة والقضاة حتى اجتهد الفعول والمتبرعون في إخماده وطفيه حتى سكن شره وذهب بسببه دكاكين ودور كثيرة جدا فانا لله وإنا اليه راجعون وقد رأيته من الغد والنار كما هي عمالة والدخان صاعد والناس يطفونه بالماء الكثير الغمر والنار لا تخمد لكن هدمت الجدران وخربت المساكن وانتقل السكان انتهى والله أعلم
*2* ثم دخلت سنة سبع وخمسين وسبعمائة
@
استهلت هذه السنة وسلطان البلاد بالديار المصرية والشامية والحرمين وغير ذلك الملك الناصر حسن بن الملك الناصر محمد بن الملك المنصور قلاوون الصالحي ولا نائب ولا وزير بمصر وإنما يرجع تدبير المملكة إلى الامير سيف الدين شيخون ثم الامير سيف الدين صرغتمش ثم الآمير عز الدين مغلطاي الدوايدار وقضاة مصرهم المذكورون في التي قبلها سوى الشافعي فإنه ابن المتوفي قاضي القضاة تاج الدين عبد الوهاب بن تقي الدين السبكي ونائب حلب الامير سيف الدين طاز وطرابلس الامير سيف الدين منجك وبصغد الامير شهاب الدين بن صبح وبحماة يدمر العمري وبحمص علاء الدين بن المعظم وببعلبك الامير ناصر الدين الاقوس
وفي العشر الاول من ربيع الاول تكامل إصلاح بلاط الجامع الاموي وغسل فصوص المقصورة والقبة وبسط بسطا حسنا وبيضت أطباق القناديل وأضاء حاله جدا وكان
المستحث على ذلك الأمير علاء الدين ايدغمش أحد أمراء الطبلخانات بمرسوم نائب السلطنة له في ذلك
وفي يوم الجمعة الثامن والعشرين من ربيع الاخر من هذه السنة صلى على الأمير سيف الدين براق أمير أرجو بجامع تنكز ودفن بمقابر الصوفية وكان مشكور السيرة كثير الصلاة والصدقة محبا للخير وأهله من أكبر أصحاب الشيخ تقي الدين بن تيمية رحمه الله تعالى وقد رسم لولديه ناصر الدين محمد وسيف الدين أبي بكر كل منهما بعشرة أرماح ولناصر الدين بمكان أبيه في الوظيفة باصطبل السلطان وفي يوم الخميس رابع شهر جمادي الأولى خلع على الأميرين الأخوين ناصر الدين محمد وسيف الدين أبي بكر ولدي الأمير سيف الدين براق رحمه الله تعالى بأميرين عشرتين
ووقع في هذا الشهر نزاع بين الحنابلة في مسألة المناقلة وكان ابن قاضي الجبل الحنبلي يحكم بالمناقلة في قرار دار الأمير سيف الدين طيدمر الاسماعيلي حاجب الحجاب إلى أرض أخرى يجعلها وقفا على ما كانت قرار داره عليه ففعل ذلك بطريقة ونقذه القضاة الثلاثة الشافعي والحنفي والمالكي فغضب القاضي الحنبلي وهو قاضي القضاة جمال الدين المرداوي المقدسي من ذلك وعقد بسبب ذلك مجالس وتطاول الكلام فيه وادعى كثير منهم أن مذهب الامام احمد في المناقلة إنما هو في حال الضرورة وحيث لا يمكن الانتفاع بالموقوف فأما المناقلة لمجرد المصلحة والمنفعة الراجحة فلا وامتنعوا من قبول ما قرره الشيخ تقي الدين ابن تيمية في ذلك ونقله عن الامام أحمد من وجوه كثيرة من طريق ابنيه صالح وحرب وأبي داود وغيرهم انها تجوز للمصلحة الراجحة وصنف في ذلك مسألة مفردة وقفت عليها يعني الشيخ عماد الدين ابن كثير فرأيتها في غاية الحسن والافادة بحيث لا يتخالج من اطلع عليها ممن يذوق طعم الفقه انها مذهب الامام احمد رحمه الله فقد احتج أحمد في ذلك في رواية ابنه صالح بما رواه عن يزيد بن عوف عن المسعودي عن القاسم بن محمد أن عمر كتب إلى ابن مسعود أن يحول المسجد الجامع بالكوفة إلى موضع سوق التمارين ويجعل السوق في مكان المسجد الجامع العتيق ففعل ذلك فهذا فيه أوضح دلالة على ما استدل به فيها من النقل بمجرد المصلحة فإنه لا ضرورة إلى جعل المسجد العتيق سوقا على أن الاسناد فيه انقطاع بين القاسم وبين عمر وبين القاسم وابن مسعود ولكن قد جزم به صاحب المذهب واحتج به وهو ظاهر واضح في ذلك فعقد المجلس في يوم الاثنين الثامن والعشرين من الشهر
وفي ليلة الاربعاء الرابع والعشرين من جمادي الاولى وقع حريق عظيم ظاهر باب الفرج احترق فيه بسببه قياسير كثيرة لطازويلبغا وقيسرية الطوشاي لبنت تكز واخر كثيرة ودور ودكاكين وذهب للناس شيء كثير من الامتعة والنحاس والبضائع وغير ذلك مما يقاوم ألف
ألف وأكثر خارجا عن الاموال فإنا لله وإنا اليه راجعون وقد ذكر كثير من الناس أنه كان في هذه القياسير شر كثير من الفسق والربا والزغل وغير ذلك
وفي السابع والعشرين من جمادي الاولى ورد الخبر بأن الفرنج لعنهم الله استحوذوا على مدينة صغد قدموا في سبعة مراكب وقتلوا طائفة من أهلها ونهبوا شيئا كثيرا واسروا أيضا وهجموا على الناس وقت الفجر يوم الجمعة وقد قتل منهم المسلمون خلقا كثيرا وكسروا مركبا من مراكبهم وجاء الفرنج في عشية السبت قبل العصر وقدم الوالي وهو جريح مثقل وأمر نائب السلطنة عند ذلك بتجهيز الجيش إلى تلك الناحية فساروا تلك الليلة ولله الحمد وتقدمهم حاجب الحجاب وتحدر إليهم نائب صغد الامير شهب الدين بن صبح فسبق الجيش الدمشقي ووجد الفرنج قد برزوا بما غنموا من الأمتعة والأسارى إلى جزيرة تلقاء صيدا في البحر وقد أسر المسلمون منهم في المعركة شيخا وشابا م نأبناء أشرافهم وهو الذي عاقهم عن الذهاب فراسلهم الجيش في إنفكاك الاساري من ايديهم فبادرهم عن كل رأس بخمسائة فأخذوا من ديوان الاسارى مبلغ ثلاثين ألفا ولم يبق معهم ولله الحمد أحد واستمر الصبي من الفرنج مع المسلمين وأسلم ودفع إليهم الشيخ الجريح وعطش الفرنج عطشا شديدا وارادوا أن يرووا من نهر هناك فبادرهم الجيش إليه فمنعوهم أن ينالوا منه قطرة واحدة فرحلوا ليلة الثلاثاء منشمرين بما معهم من الغنائم وبعثت رؤس جماعة من الفرنج ممن قتل في المعركة فنصبت على القلعة بدمشق وجاء الخبر في هذا الوقت بأن إيناس قد أحاط بها الفرنج وقد أخذوا الربيض وهم محاصرون القلعة وفيها نائب البلد وذكروا أنهم قتلوا خلقا كثيرا من أهلها فإنا لله وإنا اليه راجعون وذهب صاحب حلب في جيش كثيف نحوهم والله المسئول ان يظفرهم بحوله وقوته وشاع بين العامة أيضا أن الاسكندرية محاصرة ولم يتحقق ذلك إلى الان وبالله المستعان وفي يوم السبت رابع جمادي الاخرة قدم رؤس من قتلى الفرنج على صيدا وهي بضع وثلاثون رأسا فنصبت على شرافات القلعة ففرح المسلمون بذلك ولله الحمد
وفي ليلة الأربعاء الثاني والعشرين من جمادي الآخرة وقع حريق عظيم داخل باب الصغير من مطبخ السكر الذي عند السويقة الملاصقة لمسجد الشناشين فاحترق المطبخ وما حوله إلى حمام أبي نصر واصتل بالسويقة المذكورة وما هنالك من الاماكن فكان قريبا أو أكثر من الحريق ظاهر باب الفرج فإنا لله وإنا اليه راجعون وحضر نائب السلطنة وذلك أنه كان وقت صلاة العشاء ولكن كان الريح قويا وذلك بتقدير العزيز العليم
وتوفي الشيخ عز الدين محمد بن إسماعيل بن عمر الحموي احمد مشايخ الرواة في ليلة الثلاثاء الثامن والعشرين من جمادي الآخرة وصلى عليه من الغد بالجامع الأموي بعد الظهر ودفن بمقابر
باب الصغير وكان مولده في ثاني ربيع الاول سنة ثمانين وستمائة فجمع الكثير وتفرد بالرواية عن جماعة في آخر عمره وانقطع بوته سماع السنن الكبير للبيهقي رحمه الله
ووقع حريق عظيم ليلة الجمعة خامس عشر رجب بمحلة الصالحية من سفح قاسيون فاحترق السوق القبلي من جامع الحنابلة بكماله شرقا وغربا وجنوبا وشمالا فإنا لله وإنا اليه راجعون
وفي يوم الجمعة خامس شهر رمضان خطب بالجامع الذي أنشاه سيف الدين يلبغا الناصري غربي سوق الخيل وفتح في هذا اليوم وجاء في غاية الحسن والبهاء وخطب الشيخ ناصر الدين بن الربوة الحنفي وكان قد نازعه فيه الشيخ شمس الدين الشافعي الموصلي وأظهر ولاية من واقفه يلبغا المذكور ومراسيم شريفة سلطانية ولكن قد قوى عليه ابن الربوة بسبب أنه نائب عن الشيخ قوام الدين الاتقاني الحنفي وهو مقيم بمصر ومعه ولاية من السلطان متأخرة عن ولاية الموصلي فرسم لابن الربوة فلبس يومئذ الخلعة السوداء من دار السعادة وجاؤا بين يديه بالسناجق السود الخليفية والمؤذنون يكبرون على العادة وخطب يومئذ خطبة حسنة أكثرها في فضائل القرآن وقرأ في المحراب بأول سورة طه وحضر كثير من الأمراء والعامة والخاصة وبعض القضاة وكان يوما مشهودا وكنت ممن حضر قريبا منه والعجب أني وقفت في شهر ذي القعدة على كتاب أرسله بعض الناس إلى صاحب له من بلاد طرابلس وفيه والمخدوم يعرف الشيخ عماد الدين بما جرى في بلاد السواحل من الحريق من بلاد طرابلس إلى آخر معاملة بيروت إلى جميع كسروان أحرق الجبال كلها ومات الوحوش كلها مثل النمور والدب والثعلب والخنزير من الحريق ما بقي للوحوش موضع يهربون فيه وبقي الحريق عليه أياما وهرب الناس إلى جانب البحر من خوف النار واحترق زيتون كثير فلما نزل المطر أطفأه باذن الله تعالى يعني الذي وقع في تشرين وذلك في ذي القعدة من هذه السنة قال ومن العجب أن ورقة من شجرة وقعت في بيت من مدخنته فاحرقت جميع ما فيه من الاثاث والثياب وغير ذلك ومن حلية حرير كثير وغالب هذه البلاد للدرذية والرافضة نقلته من خط كاتبه محمد بن يلبان إلى صاحبه وهما عندي بقبان فيالله العجب
وفي هذا الشهر يعني ذي القعدة وقع بين الشيخ إسماعيل بن العز الحنفي وبين أصحابه من الحنفية مناقشة سبب اعتدائه على بعض الناس في محاكمة فاقتضى ذلك إحضاره إلى مجلس الحكم ثلاثة أيام كمثل المتمرد عندهم فلما لم يحضر فيها حكم عليه القاضي شهاب الدين الكفري نائب الحنفي باسقاط عدالته ثم ظهر خبره بأنه قصد بلاد مصر فأرسل النائب في اثره من يرده فعنفه ثم أطلقه إلى منزله وشفع فيه قاضي القضاة الحنفي فاستحسن ذلك ولله الحمد والمنة
*2* ثم دخلت سنة ثمان وخمسين وسبعمائة
@ استهلت هذه السنة والخليفة أمير المؤمنين المعتضد بالله أبو بكر بن المستكفي بالله أبي الربيع سليمان العباسي وسلطان الاسلام بالديار المصرية وما يتبعها وبالبلاد الشامية وما والاها والحرمين الشريفين وغير ذلك الملك الناصر حسن بن الملك الناصر محمد بن الملك المنصور قلاوون الصالحي وليس له بمصر نائب ولا وزير وإنما ترجع الامور إصدارا وإيرادا إلى الاميرين الكبيرين سيف الدين شيخون وصرغتمش الناصريين وقضاة مصرهم المذكورون في التي قبلها ونائب الشام بدمشق الامير علاء الدين أمير علي المارداني وقضاة دمشق هم المذكورون في التي قبلها انتهى
*3* كائنة غريبة جدا
@ لما كان يوم الاربعاء الرابع والعشرين من رجب من هذه السنة نهدت جماعة من مجاوري الجامع بدمشق من مشهد على وغيره واتبعهم جماعة من الفقراء والمغاربة وجاؤا إلى أماكن متهمة بالخمر وبيع الحشيش فكسروا أشياء كثيرة من أواني الخمر وأراقوا ما فيها واتلفوا شيئا كثيرا من الحشيش وغيره ثم انتقلوا إلى حكر السماق وغيرهم فثار عليهم من البارذارية والكلابرية وغيرهم من الرعاع فتناوشوا وضربت عليهم ضرابات بالايدي وغيرهم وربما سل بعض الفسار السيوف عليهم كما ذكر وقد رسم ملك الامراء لوالي المدينة ووالي البر أن يكونوا عضدا لهم وعونا على الخمارين والحشاشة فنصروهم عليهم غير انه كثر معهم الضجيج ونصبوا راية واجتمع عليهم خلق كثير ولما كان في أواخر النهار تقدم جماعة من النقباء والخزاندارية ومعهم جنازير فأخذوا جماعة من مجاوري الجامع وضربوا بالمقارع وطيف بهم في البلد ونادوا عليهم هذا جزاء من يتعرض لما لا يعنيه تحت علم السلطان فتعجب الناس من ذلك وأنكروه حتى أنه أنكر اثنان من العامة على المنادية فضرب بعض الجند احدهم بدبوس فقتله وضرب الآخر فيقال إنه مات أيضا فإنا لله وإنا اليه راجعون
وفي شعبان من هذه السنة حكى عن جارية من عتيقات الامير سيف الدين تمر المهمندار أنها حملت قريبا من سبعين يوما ثم شرعت تطرح ما في بطنها فوضعت في قرب من أربعين يوما في أيام متتالية ومتفرقة أربع عشرة بنتا وصبيا بعدهن قل من يعرف شكل الذكر من الأنثى
وجاء الخبر بأن الأمير سيف الدين شيخون مدبر الممالك بالديار المصرية والشامية ظفر عليه مملوك من مماليك السلطان فضربه بالسيف ضربات فجرحه في أماكن في جسده منها ما هو في وجهه ومنها ما هو في يده فحمل إلى منزله صريعا طريحا جريحا وغضب لذلك طوائف من الامراء حتى قيل إنهم ركبوا ودعوا إلى المبارزة فلم يجي اليهم وعظم الخطب بذلك جدا واتهمو به الأمير سيف الدين صرغتمش وغيره وأن هذا إنما فعل عن ممالأة منهم فالله أعلم
*3* وفاة أرغون الكاملي باني البيمارستان بحلب
@ كانت وفاته بالقدس الشريف في يوم الخميس السادس والعشرين من شوال من هذه السنة ودفن بتربة أنشأها غربي المسجد بشماله وقد ناب بدمشق مدة بعد حلب ثم جرت الكائنة التي أصلها يلبغا قبحه الله في أيامه ثم صار إلى نيابة حلب ثم سجن بالاسكندرية مدة ثم أفرج عنه فأقام بالقدس الشريف إلى أن كانت وفاته كما ذكرنا في التاريخ المذكور عزره الشريف ابن زريك والله أعلم
*3* وفاة الأمير شيخون
@ ورد الخبر من الديار المصرية بوفاة الأمير شيخون ليلة الجمعة السادس والعشرين من ذي القعدة ودفن من الغد بتربته وقد ابتنى مدرسة هائلة وجعل فيها المذاهب الأربعة ودار للحديث وخانقاه للصوفية ووقف عليها شيئا كثيرا وقرر فيها معاليم وقراءة دارة وترك أموالا جزيلة وحواصل كثيرة ودواوين في سائر البلاد المصرية والشامية وخلف بنات وزوجة وورث البقية أولاد السلطان المذكور بالولاء ومسك بعد وفاته أمراء كثيرون بمصر كانوا من حزبه من أشهرهم عز الدين بقطاي والدوادار وابن قوصون وأمه أخت السلطان خلف عليها شيخون بعد قوصون انتهى والله أعلم
*2* ثم دخلت سنة تسع وخمسين وسبعمائة
@ استهلت هذه السنة وسلطان الاسلام بالبلاد المصرية والشامية والحرمين الشريفين وما يتبع ذلك الملك الناصر حسن بن الملك الناصر محمد بن الملك المنصور قلاوون بن عبد الله الصالحي وقد قوى جانبه وحاشيته بموت الأمير شيخون كما ذكرنا في سادس عشرين ذي القعدة من السنة الماضية وصار إليه من ميراثه من زهرة الحياة شيء كثير من القناطير المنقطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث وكذلك من المماليك والأسلحة والعدة والبرك والمتاجر ما يشق حصره ويتعذر إحصاؤه ها هنا وليس في الديار المصرية فيما بلغنا إلى الآن نائب ولا وزير والقضاة هم المذكورون في التي قبلها وأما دمشق فنائبها وقضاتها هم المذكورون في التي قبلها سوى الحنفي فإنه قاضي القضاة شرف الدين الكفري عوضا عن نجم الدين الطوسي توفي في شعبان من السنة الماضية ونائب حلب سيف الدين طاز وطرابلس منجك وحماة استدمر العمري وصغد شهاب الدين بن صبح وبحمص صلاح الدين خليل بن خاض برك وببعلبك ناصر الدين الاقوس

وفي صبيحة يوم الاثنين رابع عشر المحرم خرجت أربعة آلاف مع أربع مقدمين إلىناحية حلب نصرة لجيش حلب على مسك طاز ان امتنع من السلطنة كما أمر ولما كان يوم الحادي والعشرين من المحرم نادى المنادي من جهة نائب السلطنة أن يركب من بقي من الجند في الحديد ويوافوه إلى سوق الخيل فركب معهم قاصدا ناحية ثنية العقاب ليمنع الامير طاز من دخول البلد لما تحقق مجيئه في جيشه قاصدا إلى الديار المصرية فانزعج الناس لذلك وأخليت دار السعادة من الحواصل والحريم إلى القلعة وتحصن كثير من الامراء بدورهم داخل البلد وأغلق باب النصر فاستوحش الناس من ذلك بعض الشيء ثم غلقت أبواب البلد كلها إلا بأبي الفراديس والفرج وباب الجابية أيضا لأجل دخول الحجاج ودخل المحمل صبيحة يوم الجمعة الثالث والعشرين من المحرم ولم يشعر به كثير من الناس لشغلهم بما هم فيه من أمر طاز وأمر العشير بحوران وجاء الخبر بمسك الامير سيف الدين طيدمر الحاجب الكبير بأرض حوران وسجنه بقلعة صرخد وجاء سيفه صحبة الامير جمال الدين الحاجب فذهب به إلى الوطاق عند الثنية وقد وصل طاز بجنوده إلى باب القطيفة وتلاقى شاليشه بشاليش نائب الشام ولم يكن منهم قتال ولله الحمد ثم تراسل هو والنائب في الصلح على أن يسلم طاز نفسه ويركب في عشرة سروج إلى السلطان وينسلخ مما هو فيه ويكاتب فيه النائب وتلطفوا بأمره عند السلطان وبكل ما يقدر عليه فأجاب إلى ذلك وأرسل يطلب من يشهده على وصيته فأرسل إليه نائب السلطنة القاضي شهاب الدين قاضي العسكر فذهب إليه فأوصى لولده ! وأم ولده ولوالده نفسه وجعل الناظر على وصيته الأمير علاء الدين أمير على المارداني نائب السلطنة وللأمير صرغتمش ورجع النائب من الثنية عشية يوم السبت بين العشاءين الرابع والعشرين منه وتضاعفت الادعية له وفرح الناس بذلك فرحا شديدا ودعوا إلى الامير طاز بسب إجابته إلى السمع والطاعة وعدم مقاتلته مع كثرة من كان معه من الجيوش وقوة من كان يحرضه على ذلك من اخويه وذويه وقد اجتمعت بنائب السلطنة الامير علاء الدين أمير علي المارداني فأخبرني بملخص ما وقع منذ خرج إلى أن رجع ومضمون كلامه أن الله لطف بالمسلمين لطفا عظيما غذ لم يقع بينهم قتال فإنه قال لما وصل طاز إلى القطيفة وقد نزلنا نحن بالقرب من خان لاجين أرسلت إليه مملوكا من مماليكي أقول له إن المرسوم الشريف قد ورد بذهابك إلى الديار المصرية في عشرة سروج فقط فإذا جئت هكذا فأهلا وسهلا وإن لم تفعل فأنت أصل الفتنة وركبت ليلة الجمعة طول الليل في الجيش وهو ملبس فرجع مملوكي ومعه مملوكه سريعا يقول إنه يسأل أن يدخل بطلبه كما خرج يطلبه من مصر فقلت لا سبيل إلى ذلك إلا في عشرة سروج كما رسم السلطان فرجع وجاءني الأمير الذي جاء من مصر بطلبه فقال إنه يطلب منك أن يدخل في مماليكه فإذا جاوز دمشق إلى الكسوة نزل جيشه هناك وركب هو في عشرة سروج كما رسم فقلت لا سبيل إلى أن يدخل دمشق ويتجاوز بطلبه أصلا وإن كان عنده خيل ورجال وعدة فعندي أضعاف ذلك فقال لي الأمير يا خوند لا يكون تنسى قيمته فقلت لا يقع إلا ما تسمع فرجع فما هو إلا أن ساق مقدار رمية سهم وجاء بعض الجواسيس الذين لنا عندهم فقال ياخوندها قد وصل جيش حماة وطرابلس ومن معهم من جيش دمشق
الذين كانوا قد خرجوا بسببه وقد اتفقوا هم وهو قال فحينئذ ركبت في الجيش وأرسلت طليعتين أمامي وقلت تراءوا للجيوش الذين جاءوا حتى يروكم فيعلموا أنا قد أحطنا بهم من كل جانب فحينئذ جاءت البرد من جهته بطلب الامان ويجهرون بالاجابة إلى ان يركب في عشرة سروج ويترك طلبه بالقطيفة وذلك يوم الجمعة فلما كان الليل ركبت أنا والجيش في السلاح طول الليل وخشيت أن تكون مكيدة وخديعة فجاءتنا الجواسيس فأخبرونا أنهم قد أوقدوا نشابهم ورماحهم وكثيرا من سلاحهم فتحققنا عند ذلك طاعته وإجابته لكل ما رسم به فلما أصبح يوم السبت وصى وركب في عشرة سروج وسار نحو الديار المصرية ولله الحمد والمنة
وفي يوم الاثنين الرابع والعشرين من صفر دخل حاجب الحجاب الذي كان سجن في قلعة صرخد مع البريدي الذي قدم بسبه من الديار المصرية وتلقاه جماعة من الأمراء والكبراء وتصدق بصدقات كثيرة في داره وفرحوا به فرحا شديدا وهو والناس يقولون إنه ذاهب إلى الديار المصرية معظما مكرما على تقدمة الف ووظائف هناك فلما كان يوم الخميس السابع والعشرين منه لم يفجأ الناس إلا وقد دخل القلعة المنصورة معتقلا بها مضيقا عليه فتعجب الناس من هذه الترحة من تلك الفرحة فما شاء الله كان
وفي يوم الاربعاء رابع ربيع الاول عقد مجلس بسبب الحاجب بالمشهد من الجامع وفي يوم الخميس أحضر الحاجب من القلعة إلى دار الحديث واجتمع القضاة هناك بسبب دعاوي لطبون منه حق بعضهم ثم لما كان يوم الاثنين تاسعه قدم من الديار المصرية مقدم البريدية بطلب الحاجب المذكور فأخرج من القلعة السلطانية وجاء إلى نائب السلطنة فقبل قدمه ثم خرج إلى منزله وركب من يومه قاصدا إلى الديار المصرية مكرما وخرج بين يديه خلق من العوام والحرافيش يدعون له وهذا أغرب ما أرخ فهذا الرجل نالته شدة عظيمة بسبب سجنه بصرخد ثم أفرج عنه ثم حبس في قلعة دمشق ثم أفرج عنه وذلك كله في نحوشهر
ثم جاءت الاخبار في يوم الاحد ثاني عشر جمادي الاولى بعزل نائب السلطنة عن دمشق فلم يركب في الموكب يوم الاثنين ولا حضر في دار العدل ثم تحققت الاخبار بذلك وبذهابه إلى نيابة حلب ومجيء نائب حلب إلى دمشق فتأسف كثير من الناس عليه لديانته وجوده وحسن معاملته لأهل العلم ولكن حاشيته لا ينفذون أوامره فتولد بسبب ذلك فساد عريض وحموا كثيرا من البلاد فوقعت الحروب بين أهلها بسبب ذلك وهاجت العشيرات فإنا لله وإنا اليه راجعون وفي صبيحة يوم السبت الخامس والعشرين خرج الامير علي المارداني من دمشق في طلبه مستعجلا في أبهة النيابة قاصدا إلى حلب المرحوسة وقد ضرب وطاقه بوطأة برزة فخرج الناس للتفرج على طلبه وفي هذا اليوم بعد خروج النائب بقليل دخل الامير سيف الدين طيدمر الحاجب من الديار المصرية عائدا إلى وظيفة الحجوبية في أبهة عظيمة وتلقاه الناس بالشموع ودعوا له ثم ركب من يومه إلى خدمة ملك الامراء إلى وطأة برزة فقبل يده وخلع عليه الأمراء واصطلحا انتهى والله أعلم
*3* دخول نائب السلطنة منجك إلى دمشق
@ كان ذلك في صبيحة يوم الخميس الرابع والعشرين من جمادي الاخرة من ناحية حلب وبين يديه الامراء والجيش على العادة وأوقدت الشموع وخرج الناس ومنهم من باب على الاسطحة وكان يوما هائلا
وفي أواخر شهر رجب برز نائب السلطنة إلى الربوة وأحضر القضاة وولاة الامور ورسم باحضار المفتيين وكنت فيمن طلب يومئذ إلى الربوة فركبت إليها وكان نائب السلطنة عزم يومئذ على تخريب المنازل المبنية بالربوة وغلق الحمام من اجل هذه فيما ذكر أنها بنيت ليقضي فيها وهذا الحمام أوساخه صائرة إلى النهر الذي يشرب منه الناس فاتفق الحال في آخر الأمر على إبقاء المساكن ورد المرتفقات المسلطة على نوره وناس ويترك ما هو مسلط على بردى فانكف الناس عن الذهاب إلى الربوة بالكلية ورسم يومئذ بتضييق أكمام النساء وأن تزال الاجراس والركب عن الحمير التي للمكارية
وفي أوائل شهر شعبان ركب نائب السلطنة يوم الجمعة بعد العصر ليقف على الحائط الرومي الذي بالرحبية فخاف أهل الأسواق وغلقوا دكاكينهم عن آخرهم واعتقدوا أن نائب السلطنة أمر بذلك فغضب من ذلك وتنصل منه ثم إنه أمر بهدم الحائط المذكور وأن ينقل إلى العمارة التي استجدها خارج باب النصر في دار الصناعة التي إلى جانب دار العدل أمر ببنائها خانا ونقلت تلك الاحجار اليها انتهى والله أعلم
*3* عزل القضاة الثلاثة بدمشق
@ ولما كان يوم الثلاثاء تاسع شعبان قدم من الديار المصرية بريدي ومعه تذكرة ورقة فيها السلام على القضاة المستجدين وأخبر بعزل القاضي الشافعي والحنفي والمالكي وأنه ولى قضاة الشافعية القاضي بهاء الدين أبو البقا السبكي وقضاء الحنفية الشيخ جمال الدين بن السراج الحنفي وذهب الناس إلى السلام عليهم والتهنئة لهم واحتفلوا بذلك وأخبروا أن القاضي المالكي سيقدم من الديار المصرية ولما كان يوم السبت السابع والعشرين من شعبان وصل البريد من الديار المصرية ومعه تقليدان وخلعتان للقاضي الشافعي والقاضي الحنفي فلبسا الخلعتين وجاءا من دار السعادة إلى الجامع الأموي وجلسا في محراب المقصورة وقرأ تقليد قاضي القضاة بهاء الدين أبي البقاء الشافعي الشيخ نور الدين بن الصارم المحدث على السدة تجاه المحراب وقرا تقليد قاضي القضاة جمال الدين بن السراج الحنفي الشيخ عماد الدين بن السراج المحدث أيضا على السدة ثم حكما هنالك ثم جاء أيضا إلى الغزالية فدرس بها قاضي القضاة بهاء الدين أبو البقاء وجلس الحنفي إلى جانبه عن يمينه وحضرت عنده فأخذ في صيام يوم الشك ثم جاء معه إلى المدرسة النورية فدرس بها قاضي القضاة جمال الدين المذكور وحضر عنده قاضي القضاة بهاء الدين وذكروا أنه أخذ في قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط الآية ثم انصرف بهاء الدين إلى المدرسة العادلية الكبيرة فدرس بها قوله تعالى إن الله يأمرك أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل الآية وفي صبيحة يوم الأربعاء ثامن شهر رمضان دخل القاضي المالكي من الديار المصرية فلبس الخلعة يومئذ ودخل المقصورة من الجامع الاموي وقرئ تقليده هنالك بحضرة القضاة والأعيان قرأه الشيخ نور الدين بن الصارم المحدث وهو قاضي القضاة شرف الدين أحمد بن الشيخ شهاب الدين عبدالرحمن بن الشيخ شمس الدين محمد بن عسكر العراقي البغدادي قدم الشام مرارا ثم استوطن الديار المصرية بعد ما حكم ببغداد نيابة عن قطب الدين الاخوي ودرس بالمستنصرية بعد أبيه وحكم بدمياط أيضا ثم نقل إلى قضاء المالكية بدمشق وهو شيخ حسن كثير التودد ومسدد العبارة حسن البشر عند اللقاء مشكور في مباشرته عفة ونزاهة وكرم الله يوفقه ويسدده
*3* مسك الأمير طرغتمش أتابك الامراء بالديار المصرية
@ ورد لخبر إلينا بمسكه يوم السبت الخامس والعشرين من رمضان هذا وأنه قبض عليه بحضرة السلطان يوم الاثنين العشرين منه ثم اختلفت الرواية عن قتله غير أنه احتيط على حواصله وأمواله وصودر أصحابه وأتباعه فكان فيمن ضرب وعصر تحت المصادرة القاضي ضياء الدين ابن خطيب بيت الابار واشتهر أنه مات تحت العقوبة وقد كان مقصدا للواردين إلى الديار المصرية لا سيما أهل بلدة دمشق وقد بشار عدة وظائف وكان في آخر عمره قد فوض اليه نظر جميع الاوقاف ببلاد السلطان وتكلم في أمر الجامع الاموي وغيره فحصل بسبب ذلك قطع أرزاق جماعات من الكتبة وغيرهم ومالأ الامير صرغتمش في أمور كثيرة خاصة وعامة فهلك بسببه وقد قارب الثمانين انتهى

*3* إعادة القضاة
@ وقد كان صرغتمش عزل القضاة الثلاثة بدمشق وهم الشافعي والحنفي والمالكي كما تقدم وعزل قبلهم ابن جماعة وولى ابن عقيل فلما مسك صرغتمش رسم السلطان باعادة القضاة على ما كانوا عليه ولما ورد الخبر بذلك إلى دمشق امتنع القضاة الثلاثة من الحكم غير أنهم حضروا ليلة العيد لرؤيةالهلال بالجامع الأموي وركبوا مع النائب صبيحة العيد إلى المصلى على عادة القضاة وهم على وجل وقد انتقلوا من مدارس الحكم فرجع قاضي القضاة أبو البقاء الشافعي إلى بستانه بالزعيفرية ورجع قاضي القضاة ابن السراج إلى داره بالتعديل وارتحل قاضي القضاة شرف الدين المالكي إلى الصالحية داخل الصمصامية وتألم كثير من الناس بسببه لأنه قد قدم غريبا من الديار المصرية وهو فقير ومتدين وقد باشر الحكم جيدا ثم تبين بآخرة أنه لم يعزل وأنه مستمر كما سنذكره ففرح أصحابه وأحبابه وكثير من الناس بذلك فلم كان يوم الأحد رابع شوال قدم البريد وصحبته تقليد الشافعي قاضي القضاة تاج الدين ابن السبكي وتقليد الحنفي قاضي القضاة شرف الدين الكفري واستمر قاضي القضاة شرف الدين المالكي العراقي على قضاء المالكية لأن السلطان تذكر أنه كان شافهه بولاية القضاء بالشام وسيره بين يديه إلى دمشق فحمدت سيرته كما حسنت سريرته إن شاء الله وفرح الناس له بذلك
وفي ذي القعدة توفي المحدث شمس الدين محمد بن سعد الحنبلي يوم الاثنين ثالثة ودفن من الغد بالسفح وقد قارب الستين وكتب كثيرا وخرج وكانت له معرفة جيدة بأسماء الاحرار ورواتها من الشيوخ المتأخرين وقد كتب للحافظ البرزالي قطعة كبيرة من مشايخه وخرج له عن كل حديثا أو أكثر وأثبت له ما سمعه عن كل منهم ولم يتم حتى توفي البرزالي رحمه الله
وتوفي بهاء الدين ابن المرجاني باني جامع الفوقاني وكان مسجدا في الاصل فبناه جامعا وجعل فيه خطبة وكنت أول من خطب فيه سنة ثمان واربعين وسبعمائة وسمع شيئا من الحديث وبلغنا مقتل الامير سيف الدين بن فضل بن عيسى بن مهنا أحد أمراء الاعراب الاجواد الانجاد وقد ولي إمرة آل مهنا غير مرة كما وليها أبوه من قبله عدا عليه بعض بني عمه فقتله من غير قصد بقتله كما ذكر لكن لما حمل عليه السيف أراد أن يدفع عن نفسه وبنفسه فضربه بالسيف برأسه ففلقه فلم يعش بعده إلا أياما قلائل ومات رحمه الله انتهى
*3* عزل منجك عن دمشق
@ ولما كان يوم الأحد ثاني ذي الحجة قدم امير من الديار المصرية ومعه تقليد نائب دمشق وهو الامير سيف الدين منجك بنيابة صغد المحروسة فأصبح من الغد وهو يوم عرفة وقد انتقل من دار السعادة إلى سطح المزة قاصدا إلى صغد المحروسة فعمل العيد بسطح المزة ثم ترحل نحو صغد وطمع كثيرمن المفسدين والخمارين وغيرهم وفرحوا بزواله عنهم وفي يوم العيد قرئ كتاب السلطان بدار السعادة على الامراء وفيه التصريح باستنابة أميره على المارداني عليهم وعوده إليه والامر بطاعته وتعظيمه واحترامه والشكر له والثناء عليه وقدم الامير شهاب الدين بن صبح من نيابة صغد ونزل بداره بظاهر البلد بالقرب من الشامية البرانية وصل البريد يوم السبت الحادي والعشرين من ذي الحجة بنفي صاحب الحجاب طيدمر الاسماعيلي إلى مدينة حماة بطالا من سرجين لا غير والله أعلم
*2* ثم دخلت سنة ستين وسبعمائة
@ استهلت هذه السنة وملك الديار المصرية والشامية وما يتبع ذلك من الممالك الاسلامية الملك الناصر حسن بن السلطان الملك الناصر محمد بن السلطان الملك المنصور قلاوون الصالحي وقضاته بمصرهم المذكورون في السنة التي قبلها ونائبه بدمشق الامير علاء الدين أمير علي المارداني وقضاة الشام هم المذكورون في التي قبلها غير المالكي فإنه عزل جمال الدين المسلاتي بشرف الدين العراقي وحاجب الحجاب الامير شهاب الدين بن صبح وخطباء البلد كانت أكثرها المذكورون وفي صبيحة يوم الاربعاء ثالث المحرم دخل الامير علاء الدين أمير على نائب السلطنة إلى دمشق من نيابة حلب ففرح الناس به وتلقوه إلى أثناء الطريق وحملت له العمامة الشجوع في طرقات البلد وليس الأمير شهاب الدين بن صبح خلعة الحجابة الكبيرة بدمشق عوضا عن نيابة صغد
ووردت كتب الحجاج يوم السبت الثالث عشر منه مؤرخة سابع عشرين ذي الحجة من العلا وذكروا أن صاحب المدينة النبوية عدا عليه فداويان عند لبسه خلعة السلطان وقت دخول المحمل إلى المدينة الشريفة فقتلاه فعدت عبيدة على الحجيج الذين هم داخل المدينة فنهبوا من أموالهم وقتلا بعضهم وخرجوا وكانوا قد أغلقوا أبواب المدينة دون الجيش فحرق بعضها ودخل الجيش السلطاني فاستنقذوا الناس من ايدي الظالمين ودخل المحمل السلطاني إلى دمشق يوم السبت العشرين من هذا الشهر على عادته وبين يدي المحمل الفداويان اللذان قتلا صاحب المدينة وقد ذكرت عنه أمور شنيعة بشعة من غلوه في الرفض المفرط ومن قوله إنه لو تمكن لاخرج الشخين من الحجرة وغير ذلك من عبارات مؤدية لعدم إيمانه إن صح عنه والله أعلم
وفي صبيحة يوم الثلاثاء سادس صفر مسك الامير شهاب الدين بن صبح حاجب الحجاب وولداه الاميران وحبسوا في القلعة المنصورة ثم سافر به الامير ناصر الدين بن خاربك بعد أيام إلى الديار المصرية وفي رجل ابن صبح قيد وذكر انه فك من رجله في اثناء الطريق وفي يوم الاثنين ثالث عشر صفر قدم نائب طرابلس الامير سيف الدين عبد الغني فأدخل القلعة ثم سافر به الامير علاء الدين بن أبي بكر إلى الديار المصرية محتفظا به مضيقا عليه وجاء الخبر بأن منجك سافر من صغد على البريد مطلوبا إلى السلطان فلما كان بينه وبين غزة بريد واحد دخل بمن معه من خدمه التيه فارا من السلطان وحين وصل الخبر إلى نائب غزة اجتهد في طلبه فأعجزه وتفارط الامر انتهى والله اعلم
*3* مسك الامير علي المارداني نائب الشام
@ وأصل ذلك أنه في صبيحة يوم الاربعاء الثاني والعشرين من رجب ركب الجيش إلى تحت القلعة ملبسين وضربت البشائر في القلعة في ناحية الطارمة وجاء الامراء بالطبلخانات من كل جانب والقائم بأعباء الامر الامير سيف الدين بيدمر الحاجب ونائب السلطنة داخل دار السعادة والرسل مرددة بينه وبين الجيش ثم خرج فحمل على سروج يسيرة محتاطا عليه إلى ناحية الديار المصرية واستوحش من أهل الشام عند باب النصر فتباكى الناس رحمة له واسفة عليه لديانته وقلة أذيته واذية الرعية وإحسانه إلى العلماء والفقراء والقضاة
ثم في صبيحة يوم الخميس الثالث والعشرين منه احتيط على الأمراء الثلاثة وهم الأمير سيف الدين طيبفا حجي أحد مقدمي الالوف والامير سيف الدين فطليخا الدوادار أحد المقدمين أيضا والامير علاء الدين أيدغمش المارداني أحد أمراء الطبلخانات وكان هؤلاء مممن حضر نائب السلطنة المذكور وهم جلساؤه وسماره والذين بسفارته أعطوا الاجناد والطبلخانات والتقادم فرفعوا إلى القلعة المنصورة معتقلين بها مع من بها من الأمراء ثم ورد الخبر بأن الامير علي رد من الطريق بعد مجاوزته غزة وأرسل إليه بتقليد نيابة صغد المحروسة فتماثل الحال وفرح بذلك أصحابه وأحبابه وقدم متسلم دمشق الذي خلع عليه بنيابتها بالديار المصرية في يوم الخميس سادس عشر شهر رجب بعد أن استعفى من ذلك مرارا وباس الارض مرارا فلم يعفه السلطان وهو الامير سيف الدين استدمر اخو يلبغا البحناوي الذي كان نائب الشام وبنته اليوم زوجة السلطان قدم متسلمة إلى دمشق يوم الخميس سلخ الشهر فنزل في دار السعادة وراح القضاة والأعيان للسلام عليه والتودد إليه وحملت إليه الضيافات والتقادم انتهى والله أعلم
*3* كائنة وقعت بقرية حوران فأوقع الله بهم بأسا شديدا في هذا الشهر الشريف
@ وذلك أنهم أشهر أهل قرية بحروان وهي خاص لنائب الشام وهم حلبية يمن ويقال لهم بنو لبسه وبني ناشي وهي حصينة مينعة يضوى اليها كل مفسد وقاطع ومارق ولجأ اليهم أحد شياطين رويمن العشير وهو عمر المعروف بالدنيط فأعدوا عددا كثيرة ونهبوا ليغنموا العشير وفي هذا الحين بدرهم وإلى الولاة المعروف بشنكل منكل فجاء إليهم ليردهم ويهديهم وطلب منهم عمر الدنيط فأبوا عليه وراموا مقاتلته وهم جمع كثير وجم غفير فتأخر عنهم وكتب إلى نائب السلطنة ليمده بجيش عونا له عليهم وعلى أمثالهم فجهز له جماعة من أمراء الطبلخانات والعشراوات ومائة من جند الحلقة الرماة فلما بغتهم في بلدهم تجمعوا لقتال العسكر ورموه بالحجارة والمقاليع وحجزوا بينهم وبين البلد فعند ذلك رمتهم الاتراك بالنبال من كل جانب فقتلوا منهم فوق المائة ففروا على أعقابهم وأسر منهم والي الولاة نحوا من ستين رجلا وأمر بقطع رءوس القتلى وتعليقها في أعناق هؤلاء الأسرى ونهبت بيوت الفلاحين كلهم وسلمت إلى مماليك نائب السلطنة لم يفقد منها ما يساوي ثلاثمائة درهم وكر راجعا إلى بصرى وشيوخ العشيرات معه فاخبر ابن الامير صلاح الدين ابن خاص ترك وكان من جملة أمراء الطبلخانات الذين قاتلوهم بمبسوط ما يخصه وأنه كان إذا أعيا بعض تلك الاسرى من الجرحى أمر المشاعلي بذبحه وتعليق رأسه على بقية الاسرى وفعل هذا بهم غير مرة حتى أنه قطع رأس شاب منهم وعلق رأسه على أبيه شيخ كبير فإنا لله وإنا اليه راجعون حتى قدم بهم بصرى فشنكل طائفة من أوئلك المأسورين وشنكل آخرين ووسط الاخرين وحبس بعضهم في القلعة وعلق الرءوس على أخشاب نصبها حول قلعة بصرى فحصل بذلك تنكيل شديد لم يقع مثله في هذا الاوان بأهل حوران وهذا كله سلط عليهم بما كسبت أيديهم وما ربك بظلام للعبيد وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون فإنا لله وإنا اليه راجعون انتهى
*3* دخول نائب السطنة الامير سيف الدين استدمر البحناوي
@ في صبيحة يوم الاثنين حادي عشر شعبان من هذه السنة كان دخول الامير سيف الدين استدمر البحناوي نائبا على دمشق من جهة الديار المصرية وتلقاه الناس واحتلفوا له احتفالا زائدا وشاهدته حين ترجل لتقبيل العتبة وبعضده الأمير سيف الدين بيدمر الذي كان حاجب الحجاب وعين لنيابة حلب المحروسة فاستقبل القبلة وسجد عند القبلة وقد بسط له عندها مفارش وصمدة هائلة ثم إنه ركب فتعضده بيدمر أيضا وسار نحو الموكب فأركب ثم عاد إلى دار السعادة على عادة من تقدمه من النواب وجاء تقليد الامير سيف الدين بيدمر من آخر النهار لنيابة حلب المرحوسة وفي آخر نهار الثلاثاء بعدالعصر ورد البريد البشيري وعلى يديه مرسوم شريف بنفي القاضي بهاء الدين أبو البقاء وأولاده واهله إلى طرابلس بلا وظيفة فشق ذلك عليه وعلى أهليه ومن يليه وتغمم له كثير من الناس وسافر ليلة الجمعة وقد أذن له في الاستنابة في جهاته فاستناب ولده الكبير عز الدين واشتهر في شوال ان الامير سيف الدين منجك الذي كان نائب السلطنة بالشام وهرب ولم يطلع له خبر فلما كان في هذا الوقت ذكر أنه مسك ببلد بحران من مقاطعة ماردين في زي فقير وانه احتفظ عليه وأرسل السلطان قراره وعجب كثير من الناس من ذلك ثم لم يظهر لذلك حقيقة وكان الذين رأوه ظنوا انه هو فإذا هو فقير من جملة الفقراء يشبهه من بعض الوجوه واشتهر في ذي القعدة أن الامير عز الدين فياض بن مهنا ملك العرب خرج عن طاعة السلطان وتوجه نحو العراق فوردت المراسيم السلطانية لمن بأرض الرحبة من العساكر الدمشقية وهم أربعة مقدمين في أربعة آلاف وكذلك جيش حلب وغيره بتطلبه وإحضاره إلى بين يدي السلطان فسعوا في ذلك بكل ما يقدرون عليه فعجوا عن لحاقه والدخول وراءه إلى البراري وتفارط الحال وخلص إلى أرض العراق فضاق النطاق وتعذر اللحاق
*2* ثم دخلت سنة إحدى وستين وسبعمائة
@ استهلت وسلطان المسلمين الملك الناصر حسن بن الملك الناصر محمد بن الملك المنصور قلاوون وقضاة مصر والشام هم المذكورون في التي قبلها ونائب الشام الامير سيف الدين استدمر اخو يلبغا البحناوي وكاتب السر القاضي أمين الدين بن القلانسي
وفي مستهل المحرم جاء الخبر بموت الشيخ صلاح الدين العلائي بالقدس الشريف ليلة الاثنين ثالث المحرم وصلى عليه من الغد بالمسجد الاقصى بعد صلاة الظهر ودفن بمقبرة نائب الرحبة وله من العمر ست وستون سنة وكان مدة مقامه بالقدس مدرسا بالمدرسة الصلاحية وشيخا بدار الحديث السكرية ثلاثين سنة وقد صنف وألف وجمع وخرج وكانت له يد طولى بمعرفة العالي والنازل وتخريج الاجزاء والفوائد وله مشاركة قوية في الفقه واللغة والعربية والادب وفي كتابته ضعف لكن مع صحة وضبط لما يشكل وله عدة مصنفات وبلغني أنه وقفها على الخانقاه السمساطية بدمشق وقد ولى بعده التدريس بالصرخصية الخطيب برهان الدين ابن جماعة والنظر بها وكان معه تفويض منه متقدم التاريخ
وفي يوم الخميس السادس من محرم احتيط على متولي البر ابن بهادر الشيرجي ورسم عليه بالعذراوية بسبب أنه اتهم بأخذ مطلب من نعمان البلقاء هو وكحلن الحاجب وقاضي حسان والظاهر أن هذه مرافعة من خصم عدو لهم وأنه لم يكن من هذا شيء والله أعلم ثم ظهر على رجل يزور المراسيم الشريفة وأخذ بسببه مدرس الصارمية لأنه كان عنده في المدرسة المذكورة وضرب بين يدي ملك الامراء وكذلك على الشيخ زين الدين زيد المغربي الشافعي وذكر عنه أن يطلب مرسوما لمدرسة الاكرية وضرب أيضا ورسم عليه في حبس السد وكذلك حبس الامير شهاب الدين الذي كان متولي البلد لأنه كان قد كتب له مرسوما شريفا بالولاية فلما فهم ذلك كاتب السر أطلع عليه نائب السلطنة فانفتح عليه الباب وحبسوا كلهم بالسد وجاءت كتب الحجاج ليلة السبت الخامس عشر من المحرم وخبرت بالخصب والرخص والأمن ولله الحمد والمنة ودخل المحمل بعد المغرب ليلة السبت الحادي والعشرين منه ثم دخل الحجيج بعده في الطين والرمض وقد لقوا من ذلك من بلاد حوران عناء وشدة ووقعت جمالات كثيرة وسبيت نساء كثيرة فإنا لله وإنا إليه راجعون وحصل للناس تعب شديد ولما كان يوم الاثنين الرابع والعشرين قطعت يد الذي زور المراسيم واسمه السراج عمر القفطي المصري وهو شاب كاتب مطيق على ما ذكر وحمل في قفص على جمل وهو مقطعوع اليد ولم يحسم بعدو الدم ينصب منها واركب معه الشيخ زين الدين زيد على جمل وهو منكوس وجهه إلى ناحية دبر الجمل وهو عريان مكشوف الرأس وكذلك البدر الحمصي على جمل آخر واركب الوالي شهاب الدين على جمل آخر وعليه تخفيفه صغيرة وخف وقباء وطيف بهم في محال البلد ونودي عليهم هذا جزاء من يزور على السلطان ثم أودعوا حبس الباب الصغير وكانوا قبل هذا التعزير في حبس السد ومنه اخذوا وأشهروا فإنا لله وإنا اليه راجعون انتهى
*3* مسك منجك وصفة الظهرو عليه وكان مختفيا بدمشق حوالي سنة
@ لما كان يوم الخميس السابع والعشرين من المحرم جاء ناصح إلى نائب السلطنة الأمير سيف الدين استدمر فأخبره بأن منجك في دار الشرف الاعلى فأرسل من فوره إلى ذلك المنزل الذي هو فيه بعض الحجبة ومن عنده من خواصه فأحضر إلى بين يديه محتفظا عليه جدا بحيث إن بعضهم رزفه من ورائه واحتضنه فلما واجهه نائب السلطنة أكرمه وتلقاه وأجلسه معه على مقعدته وتلطف به وسقاه وأضافه وقد قيل إنه كان صائما فأفطر عنده واعطاه من ملابسه وقيده وأرسله إلى السلطان في ليلته ليلة الجمعة مع جماعة من الجند وبعض الامراء منهم حسام الدين أمير حاجب وقد كان ارسل نائب السلطنة ولده بسيف منجك من اوائل النهار وتعجب الناس من هذه القضية جدا وما كان يظن كثير من الناس إلا أنه قد عدم باعتبار انه في بعض البلاد النائية ولم يشعر الناس أنه في وسط دشمق وأنه يمشي بينهم متنكرا وقد ذكر أنه كان يحضر الجمعات بجامع دمشق ويمشي بين الناس متنكرا في لبسه وهيئته ومع هذا لن يغني حذر من قدر ولكل أجل كتاب وأرسل ملك الامراء بالسيف وبملابسه التي كان يتنكر بها وبعث هو مع جماعة من الأمراء الحجبة وغيرهم وجيش كثيف إلى الديار المصرية مقيدا محتفظا عليه ورجع ابن ملك الامراء بالتحف والهدايا والخلع والانعام لوالده ولحاجب الحجاب ولبس ذلك الامراء يوم الجمعة واحتفل الناس بالشموع وغيرها ثم تواترت الاخبار بدخول منجك إلى السلطان وعفوه عفه وخلعته الكاملة عليه وإطلاقه له الحسام والخيول المسومة والألبسة المفتخرة والاموال والامان وتقديم الامراء والاكبار له من سائر صنوف التحف وقدوم الامير على من صغد قاصدا إلى حماة لنيابتها فنزل القصر الابلق ليلة الخميس رابع صفر وتوجه ليلة الاحد سابعه
وفي يوم الخميس الثامن عشر من صفر قدم القاضي بهاء الدين أبو البقاء من طرابلس بمرسوم شريف ان يعود إلى دمشق على وظائفه المبقاة عليه وقد كان ولده ولي الدين ينوب عنه فيها فتلقاه كثير من الناس إلى أثناء الطريق وبرز إليه قاضي القضاة تاج الدين إلى حرستا وراح الناس إلى تهنئته إلى داره وفرحوا برجوعه إلى وطنه ووقع مطر عظيم في اول هذا الشهر وهو أثناء شهر شباط وثلج عظيم فرويت البساتين التي كانت لها عن الماء عدة شهور ولا يحصل لأحد من الناس سقى إلا بكلفة عظيمة ومشقة ومبلغ كثير حتى كاد الناس يقتتلون عليه بالأيدي والدبابيس وغير ذلك من البذل الكثير وذلك في شهور كانون الاول والثاني وأول شباط وذلك لقلة مياه الانهار وضعفها وكذلك بلاد حوران أكثرهم يروون من أماكن بعيدة في هذه الشهور ثم من الله تعالى فجرت الاودية وكثرت الامطار والثلوج وغزرت الانهار ولله الحمد والمنة توالت الامطار فكأنه حصل السيل في هذه السنة من كانون إلى شباط فكان شباط هو كانون وكانون لم يسل فيه ميزاب واحد ووصل في هذا الشهر الامير سيف الدين منجك إلى القدس الشريف ليبتني للسلطان مدرسةوخانقاه غربي المسجد الشريف وأحضر الفرمان الذي كتب له بماء الذهب إلى دمشق وشاهده الناس ووقعت على نسخته وفيها تعظيم زائد ومدح وثناء له وشكر على متقدم خدمة لهذه الدولة والعفو عما مضى من زلاته وذكر سيرته بعبارة حسنة
وفي أوائل شهر ربيع الآخر رسم على المعلم سنجر مملوك ابن هلال صاحب الاموال الجزيلة بمرسوم شريف قدم مع البريد وطلب منه ستمائة ألف درهم واحتيط على العمارة التي أنشاها عند باب النطافيين ليجعلها مدرسة ورسم بأن يعمر مكانها مكتب للأيتام وأن يوقف عليهم كتابتهم جارية عليهم وكذلك رسم بأن يجعل في كل مدرسة من مدارس المملكة الكبار وهذا مقصد جيد وسلم المعلم سنجر إلى شاد الدواوين يستخلص منه المبلغ المذكور سريعا فعاجل بحمل مائتي ألف وسيرت مع أمير عشرة إلى الديار المصرية
*3* الأحتياط على الكتبة والدواوين
@ وفي يوم الاربعاء خامس عشر ربيع الآخر ورد من الديار المصرية أمير معه مرسوم بالاحتياط على دواوين السلطان بسبب ما أكلوا من الاموال المرتبة للناس من الصدقات السلطانية وغير ذلك فرسم عليهم بدار العدل البرانية وألزموا بأموال جزيلة كثيرة بحيث احتاجوا إلى بيع أثاثهم وأقمشتهم وفرشهم وامتعتهم وغيرها حتى ذكر ان منهم من لم يكن له شيء يعطيه فأحضر بناته إلى الدكة ليبيعهن فتابكى الناس وانتحبوا رحمة ورقة لأبيهن ثم أطلق بعضهم وهم الضعفاء منهم والفقراء الذين لا شيء معهم وبقيت الغرامة على الكبراء منهم كالصاحب والمستوفيين ثم شدددت عليهم المطالبة وضربوا ضربا مبرحا وألزموا الصاحب بمال كثير بحيث إنه احتاج إلى أن سأل من الأمراء والأكابر والتجار بنفسه وباوراقه فأسعفوه بمبلغ كثير يقارب ما ألزم به بعد أن عرى ليضرب ولكن ترك واشتهر أنه قد عين عوضه من الديار المصرية انتهى
*3* موت فياض بن مهنا
@ ورد الخبر بذلك يوم السبت الثامن عشر منه فاستبشر بذلك كثير من الناس وارسل إلى السلطان مبشرين بذلك لأنه كان قد خرج عن الطاعة وفارق الجماعة فمات موتة جاهلية بأرض الشقاق والنفاق وقد ذكرت عن هذا أشياء صدرت عنه من ظلم الناس والافطار في شهر رمضان بلا عذر وأمره أصحابه وذويه بذلك في هذا الشهر الماضي فإنا لله وإنا إليه راجعون جاوز السبعين انتهى والله أعلم
*3* كائنة عجيبة جدا هي المعلم سنجر مملوك بن هلال
@ في اليوم الرابع والعشرين من ربيع الآخر أطلق المعلم الهلالي بعد أن استوفوا منه تكميل ستمائة ألف درهم فبات في منزله عند باب النطافيين سرورا بالخلاص ولما أصبح ذهب إلى الحمام وقد ورد البريد من جهة السلطان من الديار المصرية بالاحتياط على أمواله وحواصله فأقبلت الحجبة ونقباء النقبة والأعوان من كل مكان فقصدوا داره فاحتاطوا بها وعليها بما فيها ورسم عليه وعلى ولديه وأخرجت نساؤه من المنزل في حالة صعبة وفتشوا النساء وانتزعوا عنهن الحلي والجواهر والنفائس واجتمعت العامة والغوغاء وحضر بعض القضاة ومعه الشهود بضبط الاموال والحجج والرهون وأحضروا المعلم ليستعلموا منه جلية ذلك فوجداو من حاصل الفضة أول يوم ثلثمائة ألف وسبعين ألفا ثم صناديق أخرى لم تفتح وحواصل لم يصلوا اليها لضيق الوقت ثم أصحبوا يوم الاحد في مثل ذلك وقد بات الحرس على الابواب والاسطحة لئلا يعدى عليها في الليل وبا هو وأولاده بالقلعة المنصورة محتفظا عليهم وقد رق له كثير من الناس لما أصابه من المصيبة العظيمة بعد التي قبلها سريعا
وفي أواخر هذا الشهر توفي الامير ناصر الدين محمد بن الدوادار السكري كان ذا مكانة عند استاذه ومنزلة عالية ونال من السعادة في وظيفته أقصاها ثم قلب الله قلب أستاذه عليه فضربه وصادره وعزله وسجنه ونزل قدره عند الناس وآل به الحال إلى أنه كان يقف على أتباعه بفرسه ويشتري منهم ويحاككهم ويحمل حاجته معه في سرجه وصار ممثلة بين الناس بعد أن كان في غاية ما يكون فيه الدويدارية من العز والجاه والمال والرفعة في الدنيا وحق على الله تعالى أن لا يرفع شيئا من أمر الدينا الاوضعة
وفي صبيحة يوم الاحد سابع عشرة أفرج عن المعلم الهلالي وعن ولديه وكانوا معتقلين بالقلعة المنصورة وسلمت اليهم دورهم وحواصلهم ولكن أخذ ما كان حاصلا في داره وهو ثلاثمائة ألف وعشرون ألفا وختم على حججه ليعقد لذلك مجلس ليرجع رأس ماله منها عملا بقوله تعالى وإن
تبتم فلكم رءوس اموالكم لا تظلمون ولا تظلمون ونودي عليه في البلد إنما فعل به ذلك لأنه لا يؤدي الزكاة ويعامل بالربا وحاجب السلطان ومتولى البلد وبقية المتعممين والمشاعلية تنادي عيه في أسواق البلد وارجائها
وفي اليوم الثامن والعشرين منه ورد المرسوم السلطاني الشريف باطلاق الدواوين إلى ديارهم وأهاليهم ففرح الناس بسبب ذلك لخلاصهم مما كانوا فيه من العقوبة والمصادرة البليغة ولكن لم يستمر بهم في مباشراتهم
وفي أواخر الشهر تكلم الشيخ شهاب الدين المقدسي الواعظم قدم من الديار المصرية تجاه محراب الصحابة واجتمع الناس إليه وحضر من قضاة القضاة الشافعي والمالكي فتكلم على تفسير آيات من القرآن وأشار إلى أشياء من إشارات الصوفية بعبارات طلقة معربة حلوة صادعة للقلوب فأفاد وأجاد وودع الناس بعوده إلى بلده ولما دعا استنهض الناس للقيام فقاموا في حال الدعاء وقد اجتمعت به بالمجلس فرايته حسن الهيئة والكلام والتأدب فالله يصلحه وإيانا آمين
وفي مستهل جمادي الآخرة ركب الامير سيف الدين بيدمر نائب حلب القصد غزو بلاد سيس في جيش لقاه الله النصر والتأييد وفي مستهل هذا الشهر أصبح أهل القلعة وقد نزل جماعة من أمراء الاعراب من أعالي مجلسهم في عمائم وحبال الى الخندق وخاضوه وخرجوا من عند جسر الزلابية فانطلق اثنان وأمسك الثالث الذي تبقى في السجن وكأنه كان يمسك لهم الحبال حتى تدلوا فيها فاشتد نكير نائب السلطنة على نائب القلعة وضرب ابنيه النقيب وأخاه وسجنهما وكاتب في هذه الكائنة إلى السلطان فرود المرسوم بعزل نائب القلعة وإخراجه منها وطلبه لمحاسبة ما قبض من الاموال السلطانية في مدة ست سني مباشرته وعزل ابنه عن النقابة ابنه الآخر عن استدرائه السلطان فنزلوا من عزهم إلى عزلهم
وفي يوم الاثنين سابع عشره جاء الأمير تاج الدين جبريل من عند الامير سيف الدين بيدمر نائب حلب وقد فتح بلدين من بلاد سيس وهما طرسوس وأذنة وأرسل مفاتيحهما صحبة جبريل المذكور إلى السلطان أيده الله ثم افتتح حصونا أخر كثيرة في أسرع مدة وأيسر كلفة وخطب القاضي ناصر الدين كاتب السر خطبة بليغة حسنة وبلغني في كتاب أن أبوبا كنيسة أذنة حملت إلى الديار المصرية في المراكب قلت وهذه هي أبواب الناصرية التي بالسفح أخذها سيس عام قازان وذلك في سنة تسع وتسعين وستمائة فاستنفذت ولله الحمد في هذه السنة
وفي أواخر هذا الشهر بلغنا أن الشيخ قطب الدين هرماس الذي كان شيخ السلطان طرد عن جناب مخدومه وضرب وصودر وخربت داره إلى الاساس ونفي إلى مصياف فاجتاز بدمشق ونزل بالمدرسة الجليلة ظاهر باب الفرج وزرته فيمن سلم عليه فإذاهو شيخ حسن عنده ما يقال ويتلفظ معربا جيدا ولديه فضيلة وعنده تواضع وتصوف فالله يحسن عاقبته ثم تحول إلى العذراوية
وفي صبيحة يوم السبت سابع شهر رجب توجه الشيخ شرف الدين أحمد بن الحسن بن قاضي الجبل الحنبلي إلى الديار المصرية مطلوبا على البريد إلى السلطان لتدريس الطائفة الحنبلية بالمدرسة التي أنشاها السلطان بالقاهرة المعزية وخرج لتوديعه القضاة والاعيان إلى اثناء الطريق كتب الله سلامته انتهى والله تعالى أعلم
*3* مسك نائب السلطنة استدمر البحناوي
@ وفي صبيحة يوم الاربعاء الخامس والعشرين من رجب قبض على نائب السلطنة الأمير سيف الدين استدمر أخي يلبغا البحناوي عن كتاب ورد من السلطان صحبة الدوادار الصغير وكان يومئذ راكبا بناحية ميدان ابن بابك فلما رجع إلى عند مقابر اليهود والنصارى احتاط عليه الحاجب الكبير ومن معه من الجيش والزموه بالذهاب إلى ناحية طرابلس فذهب من على طريق الشيخ رسلان ولم يمكن من المسير إلى دار السعادة ورسم عليه من الجند من أوصله إلى طرابلس مقيما بها بطالا فسبحان من بيده ملكوت كل شيء يفعل ما يشاء وبقي البلد بلا نائب يحكم فيه الحاجب الكبير عن مرسوم السلطان وعين للنيابة الامير سيف الدين بيدمر النائب بحلب
وفي شعبان وصل تقليد الامير سيف الدين بيدمر بنيابة دمشق ورسم له أن يركب في طائفة من جيش حلب ويقصد الامير خيار بن مهنا ليحضره إلى خدمة السلطان وكذلك رسم لنائب حماة وحمص أن يكونا عونا للأمير سيف الدين بيدمر في ذلك فلما كان يوم الجمعة رابعه التقوا مع خيار عند سلمية فكانت بينهم مناوشات فأخبرني الامير تاج الدين الدودار وكان مشاهد الوقعة أن الاعراب احاطوا بهم من كل جانب وذلك لكثرة العرب وكانوا نحو الثمانمائة وكانت الترك من حماة وحمص وحلب مائة وخمسين فرموا الاعراب بالنشاب فقتلوا منهم طائفة كثيرة ولم يقتل من الترك سوى رجل واحد رماه بعض الترك ظانا أنه من العرب بناشج فقتله ثم حجز بينهم الليل وخرجت الترك من الدائرة ونهبت أموال من الترك ومن العرب وجرت فتنة وجردت امراء عدة من دمشق لتدارك الحال وأقام نائب السلطنة هناك ينتظر ورودهم وقدم الامير عمر الملقب بمصمع بن موسى بن مهنا من الديار المصرية أميرا على الاعراب وفي صحبته الامير بدر الدين ابن جماز اميران على الاعراب فنزل مصمع بالقصر الابلق ونزل الامير رملة بالتوزية على عادته ثم توجها إلى ناحية خيار بمن معها من عرب الطاعة ممن أضيف اليهم من تجريدة دمشق ومن يكون معهم من جيش حماة وحمص لتحصيل الامير خيار وإحضاره إلى الخدمة الشريفة فالله تعالى يحسن العاقبة
*3* دخول نائب السلطنة الامير سيف الدين بيدمر إلى دمشق
@ وذلك صبيحة يوم السبت التاسع عشر من شعبان أقبل بجيشه من ناحية حلب وقد بات بوطأة برزة ليلة السبت وتلقاه الناس إلى حماة ودونها وجرت له وقعة مع العرب كما ذكرنا فلما كان هذا اليوم دخل في أبهة عظيمة وتجمل حافل فقبل العتبة على العادة ومشى إلى دار السعادة ثم أقبلت جنائبه في لبوس هائلة باهرة وعدد كثير وعدد ثمينة وفرح المسلمون به لشهامته وصرامته وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر والله تعالى يؤيده ويسدده
وفي يوم الجمعة ثاني شهر رمضان خطبت الحنابلة بجامع القبيبات وعزل عنه القاضي شهاب الدين قاضي العسكر الحنبلي بمرسوم نائب السلطان لأنهكان يعرف أنه كان مختصرا بالحنابلة منذ عين إلى هذا الحين
وفي يوم الجمعة السادس عشر نه قتل عثمان بن محمد المعروف بابن دبادب الدقاق بالحديد على ما شهد عليه به جماعة لا يمكن تواطؤهم على الكذب أنه كان يكثر من شتم الرسول ص فرفع إلى الحاكم المالكي وادعى عليه فأظهر التجابن ثم استقر امره على أن قتل قبحه الله وابعده ولا رحمه
وفي يوم الاثنين السادس والعشرين منه قتل محمد المدعو زبالة الذي بهتار لابن معبد على ما صدر منه من سب النبي ص ودعواه أشياء كفرية وذكر عنه انه كان يكثر الصلاة والصيام ومع هذا يصدر منه أحوال بشعة في حق أبي بكر وعمر وعائشة أم المؤمنين وفي حق النبي ص فضربت عنقه أيضا في هذا اليوم في سوق الخيل ولله الحمد والمنة
وفي ثالث عشر شوال خرج المحمل السلطاني وأميره الأمير ناصر الدين بن قراسنقر وقاضي الحجيج الشيخ شمس الدين محمد بن سند المحدث أحد المفتيين
وفي اواخر شهر شوال أخذ رجل يقال له حسن كان خياطا بمحلة الشاغور ومن شأنه أن ينتصر لفرعون لعنه الله ويزعم انه مات على الاسلام ويحتج بأنه في سورة يونس حين أدركه الغرق قال آمنت أنه لاإله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين ولا يفهم معنى قوله الان وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين ولا معنى قوله فأخذه الله نكال الاخرة والاولى ولا معنى قوله فأخذناه أخذا وبيلا إلى غير ذلك من الايات والاحاديث الكثيرة الدالة على أن فرعون أكفر الكافرين كما هو مجمع عليه بين اليهود والنصارى والمسلمين
وفي صبيحة يوم الجمعة سادس القعدة قدم البريد بطلب نائب السلطنة إلى الديار المصرية في تكريم وتعظيم على عادة تنكز فتوجه النائب إلى الديار المصرية وقد استصحب معه تحفا سنية وهدايا معظمة تصلح للايوان الشريف في صبيحة السبت رابع عشره خرج ومعه القضاة والأعيان من الحجبة والأمراء لتوديعه وفي أوائل ذي الحجة ورد كتاب من نائب السلطنة بخطه إلى قاضي القضاة تاج الدين الشافعي يستدعيه إلى القدس الشريف وزيارة قبر الخليل ويذكر فيه ما عامله به السلطان من الاحسان ولااكرام والاحترام والاطلاق والانعام من الخيل والتحف والمال والغلات فتوجه نحوه قاضي القضاة يوم الجمعة بعد الصلاة رابعه على ستة من خيل ابريد ومعه تحف وما يناسب من الهدايا وعاد عشية يوم الجمعة ثامن عشره إلى بستانه
ووقع في هذا الشهر والذي قبله سيول كثيرة جدا في أماكن متعددة من ذلك ما شاهدنا آثاره في مدينة بعلبك أتلف شيئا كثيرا من الاشجار واخترق أماكن كثيرة متعددة عندهم وبقي آثار سيحه على أماكن كثيرة من ذلك سيل وقع بأرض جعلوص اتلف شيئا كثيرا جدا وغرق فيه قاضي تلك الناحية ومع بعض الاخيار كانوا وقوفا على أكمة فدهمهم أمر عظيم ولم يستيطعوا دفعه ولا منعه فهلكوا ومن ذلك سيل وقع بناحية حسة جمال فهلك به شيء كثير من الاشجار والاغنام والاعناب وغيرها ومن ذلك سيل بأرض حلب هلك به خلق كثير من التركمان وغيرهم رجالا ونساء وأطفالا وغنما وإبلا قرأته من كتبا من شاهد ذلك عيانا وذكر أنه سقط عليهم برد وزنت الواحدة منه فبلغت زنتها سبعمائة درهم وفيه ما هو أكبر من ذلك وأصغر انتهى
*3* الامر بالزام القلندرية بترك حلق لحاهم وحواجبهم وشواربهم وذلك محرم بالاجماع حسب ما حكاه ابن حازم وإنما ذكره بعض الفقهاء بالكراهية
@ ورد كتاب من السلطان أيده الله إلى دمشق في يوم الثلاثاء خامس عشر ذي الحجة بالزامهم بزي المسلمين وترك زي الأعاجم والمجوس فلا يمكن أحد منهم من الدخول إلى بلاد السلطان حتى يترك هذا الزي المبتدع واللباس المستشنع ومن لا يلتزم بذلك يعزر شرعا ويقلع قراره قلعا وكان اللائق ان يؤمروا بترك أكل الحشيشة الخسيسة وإقامة الحد عليهم بأكلها وسكرها كما أفتى بذلك بعض الفقهاء واالمقصود انهم نودي عليهم بذلك في جميع أرجاء البلد ونواحيه في صبيحة يوم الاربعاء ولله الحمد والمنة
وبلغنا في هذا الشهر وفاة الشيخ الصالح الشيخ احمد بن موسى الزرعي بمدينة جبراص يوم الثلاثاء خامس ذي الحجة وكان من المبتلين بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والقيام في مصالح الناس عند السلطان والدولة وله وجاهة عند الخاص والعام رحمه الله والأمير سيف الدين كحلن بن الاقوس الذي كان حاجبا بدمشق وأميرا ثم عزل عن ذلك كله ونفاه السلطان إلى طرابلس فمات هناك
وقدم نائب السلطنة الامير سيف الدين بيدمر عائدا من الديار المصرية وقد لقى من السلطان إكراما وإحسانا زائدا فاجتاز في طريقه بالقدس الشريف فاقام به يوم عرفة والنحر ثم سلك على طريق غابة أرصوف يصطاد بها فأصابه وعك منعه عن ذلك فاسرع السير فدخل دمشق من صبيحة يوم الاثنين الحادي والعشرين منه في ابهة هائلة ورياسة طائلة وتزايد وخرج العامة للتفرج عليه والنظر إليه في مجيئه هذا فدخل وعليه قباء معظم ومطرز وبين يديه ما جرت به العادة من الحوفية والشاليشية وغيرهم ومن نيته الاحسان إلى الرعية والنظر في احوال الاوقاف وإصلاحها على طريقة تنكز رحمه الله انتهى والله أعلم
*2* ثم دخلت سنة إثنتين وستين وسبعمائة
@ استهلت هذه السنة المباركة وسلطان الاسلام بالديار المصرية والشامية والحرمين الشريفين وما يتبع ذلك ويلتحق به الملك الناصر حسن بن الملك النصار محمد بن الملك المنصور قلاوون الصالحي ولا نائب له بالديار المصرية وقضاته بها هم المذكورون في العام الماضي ووزيره القاضي بن الخصيب ونائب الشام بدمشق الأمير سيف الدين بيدمر الخوارزمي والقضاة والخطيب وبقية الأشراف وناظر الجيش والمحتسب هم المذكورون في العام الماضي والوزير ابن قزوينه وكاتب السر القاضي امين الدين بن القلانسي ووكيل بيت المال القاضي صلاح الدين الصغدي وهو أحد موقعي الدست الاربعة وشاد الاوقاف الأمير ناصر الدين بن فضل الله وحاجب الحجاب اليوسفي وقد توجه إلى الديار المصرية ليكون بها امير جنهار ومتولي البلد ناصر الدين ونقيب النقباء بان الجشاعي وفي صبيحة يوم الاثنين سادس المحرم قدم الامير على نائب حماة منها فدخل دمشق مجتازا إلى الديار المصرية ونزل في القصر الابلق ثم تحول إلى دار دويداره يلبغا الذي جدد فيها مساكن كثيرة بالقصاعين وتردد الناس إليه للسلام عليه فأقام بها إلى صبيحة يوم الخميس تاسعة فسار إلى الديار المصرية
وفي يوم الاحد تاسع عشر المحرم أحضر حسن بن الخياط من محلة الشاغور إلى مجلس الحكم المالكي من السجن وناظر في إيمان فرعون وادعى عليه بدعاوي لانتصاره لفرعون لعنه الله وصدق ذلك باعترافه اولا ثم بمناظرته في ذلك ثانيا وثالثا وهو شيخ كبير جاهل عامي ذا نص لا يقيم دليلا ولا يحسنه وإنما قام في مخيلته شبهة يحتج عليها بقوله إخبارا عن فرعون حين أدركه الغرق وأحيط به ورأى بأس الله وعاين عذابه الاليم فقال حين الغرق إذا آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين قال الله تعالى الان وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية فاعتقد هذا العامي أن هذا الايمان الذي صدر من فرعون والحالة هذه ينفعه وقد قال تعالى فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنة الله التي قد خلت في عباده وخسر هنالك الكافرون وقال تعالى إن الذين حقت عليهم كلمت ربك لا يؤمنون به ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الاليم قال قد اجيبت دعوتكما الاية ثم حضر في يوم آخر وهو مصمم على ضلاله فضرب بالسياط فأظهر التوبة ثم اعيد إلى السجن في زنجير ثم احضر يوما ثالثا وهو يستهل بالتوبة فيما يظهر فنودي عليه في البلد ثم أطلق
وفي ليلة الثلاثاء الرابع عشر طلع القمر خاسفا كله ولكن كان تحت السحاب فلما ظهر وقت العشاء وقد أخذ في الجلاء صلى الخطيب صلاة الكسوف قبل العشاء وقرأ في الاولى بسورة العنكبوت وفي الأخرى بسوة يس ثم صعد المنبر فخطب ثم نزل بعد العشاء وقدمت كتب الحجاج يخبرون بالرخص والأمن واستمرت زيادة الماء من أول ذي الحجة وقبلها إلى هذه الايام من آخر هذا الشهر والأمر على حاله وهذا شيء لم يعهد كما أخبر به عامة الشيوخ وسببه أنه جاء ماء من بعض الجبال أنهال في طريق النهر
ودخل المحمل السلطاني يوم الثلاثاء الحادي والعشرين من المحرم قبل الظهر ومسك أمير الحاج شركتمر المارداني الذي كان مقيما بمكة شرفها الله تعالى وحماها من الاوغاد فلما عادت التجريدة مع الحجاج إلى دمشق صحبة القراسنقر من ساعة وصوله إلى دمشق فقيد وسير إلى الديار المصرية على البريد وبلغنا أن الامير سند أمير مكة غرر بجند السلطان الذين ساروا صحبة ابن قراسنقر وكبسهم وقتل من حواشيهم واخذ خيولهم وأنهم ساروا جرائد بغير شيء مسلوبين إلى الديار المصرية فإنا لله وإنا اليه راجعون وفي أول شوال اشتهر فيه وتواتر خبر الفناء الذي بالديار المصرية بسبب كثيرة المستنقعات من فيض انيل عندهم على خلاف المعتاد فبلغنا أنه يموت من أهلها كل يوم فوق الالفين فأما المرض فكثير جدا وغلت الاسعار لقلة من يتعاطى الأشغال وغلا السكر والامياه والفاكهة جدا وتبرز السلطان إلى ظاهر البلد وحصل له تشويش أيضا ثم عوفي بحمد الله
وفي ثالث ربيع الاخر قدم من الديار المصرية ابن الحجاف رسول صاحب العراق لخطبة بنت السلطان فأجابهم إلى ذلك بشرط ان يصدقها مملكة بغداد واعطاهم مستحقا سلطانيا وأطلق لهم من التحف والخلع والاموال شيئا كثيرا ورسم الرسول بمشترى قرية من بيت المال لتوقف على الخانقاه التي يريد أن يتخذها بدمشق قريبا من الطواويس وقد خرج لتلقيه نائب الغيبة وهو حاجب الحجاب والدولة والاعيان وقرأت في يوم الاحد سابع شهر ربيع الآخر كتابا ورد من حلب بخط الفقيه العدل شمس الدين العراقي من أهلها ذكر فيه أنه كان في حضرة نائب السلطنة في دار العدل يوم الاثنين السابع عشر من ربيع الاول وأنه أحضر رجل قد ولد له ولد عاش ساعة ومات وأحضره معه وشاهده الحضارون وشاهده كاتب الكتاب فإذا هو شكل سوى له على كل كتف رأس بوجه مستدير والوجهان إلى ناحية واحدة فسبحان الخلاق العليم
وبلغنا انه في هذا الشهر سقطت المنارة التي بنيت للمدرسة السلطانية بمصر وكانت مستجدة على صفة غريبة وذلك أنها منارتان على أصل واحد فوق قبو الباب الذي للمدرسة المذكورة فلما سقطت أهلكت خلقا كثيرا من الصناع بالمدرسة والمارة والصبيان الذين في مكتب المدرسة ولم ينج من الصبيان فيما ذكر شيء سوى ستة وكان جملة من هلك بسببها نحو ثلثمائة نفس وقيل أكثر وقيل أقل فإنا لله وإنا إليه راجعون وخرج نائب السلطنة الامير سيف الدين بيدمر الى الغيضة لاصلاحها وإزالة ما فيها من الاشجار والمؤذية والدغل يوم الاثنين التاسع والعشرين من الشهر وكان سلخه وخرج معه جميع الجيش من الأمراء وأصحابه وأجناد الحلقة برمتهم لم يتأخر منهم أحد وكلهم يعملون فيها بأنفسهم وغلمانهم وأحضر اليهم خلق من فلاحي المرج والغوطة وغير ذلك ورجع يوم السبت خامس الشهر الداخل وقد نظفوها من الغل والدغل والغش
واتفقت كائنة غريبة لبعض السؤال وهو أنه اجتمع جماعة منهم قبل الفجر ليأخذوا خبزا من صدقة تربة امرأة ملك الأمراء تنكز عند باب الخواصين فتضاربوا فيما بينهم فعمدوا إلى رجل منهم فخنقوه خنقا شديدا واخذوا منه جرابا فيه نحو من اربعة ألاف درهم وشيء الذهب وذهبوا على حمية وافاق هو من الغشي فلم يجدهم واشتكىأمره إلى متولي البلد فلم يظفر بهم إلى الان وقد أخبرني الذي أخذوا منه أنهم أخذوا منه ثلاثة آلاف درهم معاملة وألف درهم بندقية ودينارين وزنهما ثلاثة دنانير كذا قال لي إن كان صادقا
وفي صبيحة يوم السبت خامس جمادي الاولى طلب قاضي القضاة شرف الدين الحنفي للشيخ علي بن البنا وقد كان يتكلم في الجامع الاموي على العوام وهو جالس على الارض شيء من الوعظيات وما أشبهها من صدره فكأنه تعرض في غضون كلامه لأبي حنيفة رحمه الله فأحضر فاستتيب من ذلك ومنعه قاضي القضاة شرف الدين الكفري من الكلام على الناس وسجنه وبلغني أنه حكم باسلامه وأطلقه من يومه وهذا المذكور ابن البنا عنده زهادة وتعسف وهو مصري يسمع الحديث ويقرؤه ويتكلم بشيء من الوعظيات والرقائق وضرب أمثال وقد مال اليه كثير من العوام واستحلوه وكلامه قريب إلى مفهومهم وربما أضحك في كلامه وحاضرته وهو مطبوع قريب إلى الفهم ولكنه أشار فيما ذكر عنه في شطحته إلى بعض الاشياء التي لا تنبغي أن تذكر والله الموفق ثم إنه جلس للناس في يوم الثلاثاء ثامنه فتكلم على عادته فتطلبه القاضي المذكور فيقال إن المذكور تعنت انتهى والله أعلم
*3* سلطنة الملك المنصور صلاح الدين محمد
@ ابن الملك المظفر حاجي بن الملك الناصر محمد بن الملك المنصور قلاوون بن عبد الله الصالحي وزوال دولة عمه الملك الناصر حسن بن الملك الناصر محمد بن الملك المنصور قلاوون
لما كثر طمعه وتزايد شرهه وساءت سيرته إلى رعيته وضيق عليهم في معايشهم واكسابهم وبنى البنايات الجبارة التي لا يحتاج إلى كثير منها واستحوذ على كثير من أملاك بيت المال وامواله واشترى منه قرايا كثيرة ومدنا أيضا ورساتبق وشق ذلك على الناس جدا ولم يتجاسر أحد من القضاة ولا الولاة ولا العلماء ولا الصلحاء على الانكار عليه ولا الهجوم عليه ولا النصيحة له بما هو المصلحة له وللمسلمين انتقم الله نه فسلط عليه جنده وقلب قلوب رعيته من الخاصة والعامة عليه لما قطع من أرزاقهم ومعاليمهم وجوامكهم واخبازهم واضاف ذلك جميعه إلى خاصته فقلت الأمراء والاجناء والمقدمون والكتاب والموقعون ومس الناس الضرر وتعدى على جوامكهم وأولادهم ومن يلوذ بهم فعند ذلك قدر الله تعالى هلاكه على يد أحد خواصه وهو الامير الكبير سيف الدين يلبغا الخاصكي وذلك أنه أراد السلطان مسكه فاعتد لذلك وركب السلطان لمسكه فركب هو في جيش وتلاقيا في ظاهر القاهرة حيث كانوا نزولا في الوطاقات فهز السلطان بعد كل حساب وقد قتل من الفريقين طائفة ولجأ السلطان إلى قلعة الجبل كلاولاوزر ولن ينجي حذر من قدر فبات الجيش بكماله محدقا بالقلعة فهم بالهرب في الليل على هجن كان قد اعتدها ليهرب إلى الكرك فلما برز مسك واعتقل ودخل به إلى دار يلبغا الخاصكي المذكور وكان آخر العهد به وذلك في يوم الاربعاء تاسع جمادي الاولى من هذه السنة وصارت الدولة والمشورة متناهية إلى الامير سيف الدين يلبغا الخاصكي فاتفقت الاراء واجتعت الكلمة وانعقدت البيعة للملك المنصور صلاح الدين محمد بن المظفر حاجي وخطب الخطباء وضربت السكة وسارت البريدية للبيعة باسمه الشريف هذا وهو ابن ثنتي عشرة وقيل أربع عشرة ومن الناس من قال ست عشرة ورسم في عود الامور الى ما كانت عليه في أيام والده الناصر محمد بن قلاوون وأن يبطل جميع ما كان أخذه الملك الناصر حسن وأن تعاد المرتبات والجوامك التي كان قطعها وأمر باحضار طار وطاشتمر القاسمي من سجن اسكندرية إلى بين يديه ليكونا أنابكا وجاء الخبر إلى دمشق صحبة الامير سيف الدين بزلار شاد التربخاناة أحد أمراء الطبلخانات بمصر صبيحة يوم الاربعاء سادس عشر الشهر فضربت البشائر بالقلعة وطلبلخانات الأمراء على أبوابهم وزين البلد بكماله وأخذت البيعة له صبيحة يومه بدار السعادة وخلع عن نائب السلطنة تشريف هائل وفرح أكثر الامراء والجند والعامة ولله الأمر وله الحكم قال تعالى قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء
وتذل من تشاء الاية ووجد على حجر بالحميرية فقرئت للمأمون فإذا مكتوب
ما اختلف الليل والنهار ولا * دارت نجوم السماء في الفلك
إلا لنقل النعيم من ملك * قد زال سلطانه إلى ملك
وملك ذي العرش دائم أبدا * ليس بفان ولا بمشترك
وروى عن سليمان بن عبد الملك بن مروان انه خرج يوما لصلاة الجمعة وكان سوى الخلق حسنة وقد لبس حلة خضراء وهو شاب ممتلئ شبابا وينظر في اعطافه ولباسه فأعجبه ذلك من نفسه فلم بلغ إلى صرحة الدار تلقته جنية في صورة جارية من حظاياه فأنشدته
أنت نعم لو كنت تبقي * غير أن لا حياة للآنسان
ليس فيما علمت فيك عيب * يذكر غير أنك فإن
فصعد المنبر الذي في جامع دمشق وخطب الناس وكان جهوري الصوت يسمع أهل الجامع وهو قائم على المنبر فضعف صوته قليلا قليلا حتى لم يسمعه أهل المقصورة فلما فرغ من الصلاة حمل إلى منزله فاستحضر تلك الجارية التي تبدت تلك الجنية على صورتها وقال كيف انشدتيني تينك البيتين فقالت ما أنشدتك شيئا فقال الله أكبر نعيت والله إلى نفسي فأوصى أن يكون الخليفة من بعده ابن عمه عمر بن عبدالعزيز رحمه الله
وقدم نائب طرابلس المعزول عليلا والأمير سيف الدين استدمر الذي كان نائب دمشق وكانا مقيمان بطرابلس جميعا في صبيحة يوم السبت السادس والعشرين منه فدخلا دار السعادة فلم يحتفل بهما نائب السلطنة
وتكامل في هذا الشهر تجديد الرواق غربي باب الناطفانيين غصلاحا بداربزيناته وتبييضا لجدرانه ومحراب فيه وجعل له شبابيك في الدرابزينات ووقف فيه قراءة قرآن بعد المغرب وذكروا أن شخصا رأى مناما فقصه على نائب السلطنة فأمر باصلاحه وفيه نهض بناء المدرسة التي إلى جانب هذا المكان من الشباك وقد كان أسسها أولا علم الدين بن هلال فلما صودر أخذت منه وجعلت مضافة إلى السلطان فبنوا فوق الأساسات وجعلوا لها خمسة شبابيك من شرقها وبابا قبليا ومحرابا وبركة وعراقية وجعلوا حائطها بالحجارة البيض والسود وكملوا عاليها بالاجر وجاءت في غاية الحسن وقد كان السلطان الناصر حسن قد رسم بأن تجعل مكتبا للأيتام فلم يتم أمرها حتى قتل كما ذكرنا
واشتهر في هذا الشهر أن بقرة كانت تجيء من ناحية باب الجابية تقصد جراء لكلبة قد ماتت امهم وهي في ناحية كنيسة مريم في خرابة فتجيء إليهم فتنسطح على شقها فترضع اولئك الجراء
منها تكرر هذا منها مرارا وأخبرني في المحدث المفيد التقي نور الدين احمد بن المقصوص بمشاهدته ذلك
وفي العشر الاوسط من جمادي الاخرة نادى مناد من جهة نائب السلطنة حرسه الله تعالى في البلد أن النساء يمشين في تستر ويلبسن أزرهن إلى أسفل من سائر ثيابهم ولا يظهرن زينة ولا يدا فامتثلن ذلك ولله الحمد والمنة وقدم أمير العرب جبار بن مهنا في أبهة هائلة وتلقاه نائب السلطنة إلى أثناء الطريق وهو قاصد إلى الابواب الشريفة وفي أواخر رجب قدم الامير سيف الدين تمر المهمندار من نيابة غزة حاجب الحجاب بدمشق وعلى مقدمة رأس الميمنة وأطلق نائب السلطنة مكوسات كثيرة مثل مكس الحداية والخزل المرددن الحلب والطبابي وأبطل ما كان يؤخذ من المحتسبين زيادة على نصف درهم وما يؤخذ من أجرة عدة الموتى كل ميت بثلاثة ونصف وجعل العدة التي في القيسارية للحاجة مسبلة لا تنحجر على أحد في تغسيل ميت وهذا حسن جدا وكذلك منع التحجر في بيع البلح المختص به وبيع مثل بقية الناس من غير طرحان فرخص على الناس في هذه السنة جدا حتى قيل إنه بيع القنطار بعشرة وما حولها
وفي شهر شعبان قدم الامير جبار بن مهنا من الديار المصرية فنزل القصر الابلق وتلقاه نائب السلطنة واكرم كل منهما الآخر ثم ترحل بعد أيام قلائل وقدم الأمراء الذين كانوا بحبس الاسكندرية في صبيحة يوم الجمعة سابعة وفيهم الامير شهاب الدين بن صبح وسيف الدين طيدمر الحاجب وطيبرف ومقدم ألف وعمر شاه وهذا ونائب السلطنة الأمير سيف الدين بيدمر أعزه الله يبطل المكوسات شيئا بعد شيء مما فيه مضرة بالمسلمين وبلغني عنه أن من عزمه ان يبطل جميع ذلك إن أمكنه الله من ذلك آمين انتهى
*3* تنبيه على واقعة غريبة واتفان عجيب
@ نائب السلطنة الأمير سيف الدين بيدمر فيما بلغنا في نفسه عتب على أتابك الديار المصرية الامير سيف الدين يلبغا الحاصكي مدبر الدولة بها وقد توسم وتوهم منه أنه يسعى في صرفه عن الشام وفي نفس نائبنا قوة وصرامة شديدة فتنسم منه ببعض الاباء عن طاعة يلبغا مع استمراره على طاعة السلطان وأنه إن اتفق عزل من قبل يلبغا أنه لا يسمع ولا يطيع فعمل أعمالا واتفق في غضون هذا الحال موت نائب القلعة المنصورة بدمشق وهو الأمير سيف الدين برناق الناصري فأرسل نائب السلطنة من اصحابه وحاشيته من يتسلم القلعة برمتها ودخل هو بنفسه إليها وطلب الامير زين الدين زبالة الذي كان فقيها ثم نائبها وهو من أخبر الناس بها وبخطاتها وحواصلها فدار معه فيها وأراه حصونها وبروجها ومفاتحها واغلاقها ودورها وقصورها وعددها وبركتها وما هو معد فيها ولها وتعجب الناس من هذا الاتفاق في هذا الحال حيث لم يتفق ذلك لأحد من النواب قبله قط وفتح الباب الذي هو تجاه دار السعادة وجعل نائب السلطنة يدخل منه إلى القلعة ويخرج بخدمة وحشمه وأبهته يكشف امرها وينظر في مصالحها أيده الله
ولما كان يوم السبت خامس عشر شعبان ركب في الموكب على العادة واستدعى الامير سيف الدين استدمر الذي كان نائب الشام وهو في منزله كالمعتقل فيه لا يركب ولا يراه احد فأحضره إليه وركب معه وكذلك الأمراء الذين قدموا من الديار المصرية طبترق وهو أحد أمراء الألوف وطيدمر الحاجب كان وأما ابن صبح وعمر شاه فإنهما كانا قد سافرا يوم الجمعة عشية النهار والمقصود أنه سيرهم وجميع الأمراء بسوق الخيل ونزل بهم كلهم إلى دار السعادة فتعاهدوا وتعاقدوا واتفقوا على أن يكونوا كلهم كتفا واحدا وعصبة واحدة على مخالفة من أرادهم بسوء وأنهم يد على من سواهم ممن أراد عزل أحد منهم أو قتله وان من قاتلهم قاتلوه وان السلطان هو ابن اسناذهم الملك المنصورين حاجي بن الناصر بن المنصور قلاوون فطاوعوا كلهم لنائب السلطنة على ما أراد من ذلك وحلفوا له وخرجوا من عنده على هذا الجلف وقام نائب السلطنة على عادته في عظمة هائلة وأبهة كثيرة والمسئول من الله حسن العاقبة
وفي صبيحة يوم الأحد سادس عشر شعبان أبطل ملك الأمراء المكس الذي يؤخذ من الملح وأبطل مكس الافراح وأبطل أن لا تغني امرأة لرجال ولا رجل لنساء وهذا في غاية ما يكون من المصلحة العظيمة الشامل نفعها وفي يوم الثلاثاء ثامن عشرة شرع نائب السلطنة سيف الدين بيدمر في نصف مجانيق على أعالي بروج القلعة فنصبت أربع مجانيق من جهاتها الأربع وبلغني أنه نصب آخر في أرضها عند البحرة ثم نصب آخر وآخر حتى شاهد الناس ستة مجانيق على ظهور الابرجة واخرج منها القلعية وأسكنها خلقا من الأكراد والتركمان وغيرهم من الرجال الانجاد ونقل اليها من الغلات والاطعمة والامتعة وآلات الحرب شيئا كثيرا واستعد للحصار إن حوصر فيها بما يحتاج إليه من جميع ما يرصد من القلاع بما يفوت الحصر ولما شاهد أهل البساتين المجانيق قد نصبت في القلعة انزعجوا وانتقل أكثرهم من البستاتين إلى البلد ومنهم من أودع عند أهل البلد نفائس أموالهم وأمتعتهم والعاقبة إلى خير إن شاء الله تعالى
وجاءتني فتيا صورتها ما تقول السادة العلماء في ملك اشترى غلاما فأحسن إليه وأعطاه وقدمه ثم إنه وثب على سيده فقتله وأخذ ماله ومنع ورثته منه وتصرف في المملكة وأرسل إلى بعض نواب البلاد ليقدم عليه ليقتله فهل له الامتناع منه وهل إذا قاتل دون نفسه وماله حتى يقتل يكون شهيدا أم لا وهل يثاب الساعي في خلاص حق ورثة الملك المقتول من القصاص والمال أفتونا مأجورين
فقلت للذي جاءني بها من جهة الامير إن كان مراده خلاص ذمته فيما بينه وبين الله تعالى فهو أعلم بينته في الذي يقصده ولا يسعى في تحصيل حق معين إذا ترتب على ذلك مفسدة راجحة على ذلك فيؤخر الطلب إلى وقت إمكانه بطريقة وإن كان مراده بهذا الاستفتاء أن يتقوى بها في جمع الدولة والأمراء عليه فلا بد أن يكتب عليها كبار القضاة والمشايخ أولا ثم بعد ذلك بقية المفتيين بطريقة والله الموفق للصواب
هذا وقد اجتمع على الامير نائب السلطنة جميع أمراء الشام حتى قيل إن فيهم من نواب السلطنة سبعة عشر أميرا وكلهم يحضر معه المواكب الهائلة وينزلون معه إلى دار السعادة ويمد لهم الأسمطة ويأكل معهم وجاء الخبر بأن الامير منجك الطرجاقسي المقيم ببيت المقدس قد أظهر الموافقة لنائب السلطنة فأرسل له جبريل ثم عاد فأخبر بالموافقة وأنه قد استحوذ إلى غزة ونائبه وقد جمع وحشد واستخدم طوائف ومسك على الجادة فلا يدع أحدا يمر إلا أن يفتش ما معه لاحتمال إيصال كتب من ها هنا إلى ها هنا ومع هذا كله فالمعدلة ثابتة جدا والأمن حاصل هناك فلا يخاف أحده وكذلك بدمشق وضواحيها لا يهاج أحد ولا يتعدى أحد على أحد ولا ينهب أحد لأحد شيئا ولله الحمد غير أن بعض أهل البساتين توهموا وركبوا إلى المدينة وتحولوا وأودع بعضهم نفائس ما عندهم وأقاموا بها على وجل ذلك لما رأوا المجانيق الستة منصوبة على رؤرس قلال الأبراج التي للقلعة ثم أحضر نائب السلطنة القضاة الاربعة والأمرءا كلهم وكتبوا مكتوبا سطره بينهم كاتب السر أنهم راضون بالسلطان كارهون ليلبغا وأنهم لا يريدونه ولا يوافقون على تصرفه في المملكة وشهد عليهم القضاة بذلك وأرسلوا المكتوب مع مملوك للأمير طيبغا الطويل نظير يلبغا بالديار المصرية وأرسل منجك إلى نائب السلطنة يستحثه في الحضور إليه في الجيش ليناجزوا المصريين فعين نائب الشام من الجيش طائفة يبرزون بين يديه وخرجت التجريدة ليلة السبت التاسع والعشرين من شعبان صحبة استدمر الذي كان نائب الشام مددا للأمير منجك في ألفين ويذكر الناس أن نائب السلطنة بمن بقي من الجيش يذهبون على إثرهم ثم خرجت أخرى بعدها ثلاثة آلاف ليلة الثلاثاء الثامن من رمضان كما سيأتي
وتوفي الشيخ الحافظ علاء الدين مغلطاي المصري بها في يوم الثلاثاء الرابع والعشرين من شعبان من هذه السنة وفن من الغد بالزيدانية وقد كتب الكثير وصنف وجمع وكانت عنده كتب كثيرة رحمه الله
وفي مستهل رمضان أحضر جماعة من التجار إلى دار العدل ظاهر باب النصر ليباع شيء عليهم من القند والفولاذ والزجاج مما هو في حواصل يلبغا فامتنعوا من ذلك خوفا من استعادته منهم على تقدير فضرب بعضهم منهم شهاب الدين ابن الصواف بين يدي الحاجب وشاد الدواوين ثم أفرج عنهم في اليوم الثاني ففرج الله بذلك
وخرجت التجريدة ليلة الثلاثاء بعد العشاء صحبة ثلاثة مقدمين منهم عراق ثم ابن صبح ثم ابن طرغية ودخل نائب طرابلس الامير سيف الدين تومان إلى دمشق صبيحة يوم الاربعاء عاشر رمضان فتلقاه ملك الأمراء سيف الدين بيدمر إلى الأقصر ودخلا معا في أبهة عظيمة فنزل تومان في القصر الأبلق وبرز من معه من الجيوش إلى عند قبة يلبغا هذاوالقلعة منصوب عليها المجانيق وقد ملئت حرسا شديدا ونائب السلطنة في غاية التحفظ ولما اصبح يوم الخميس صمم تومان تمر على ملك الامراء في الرحيل إلى غزة ليتوافى هو وبقية من تقدمه من الجيش الشامي ومنجك ومن معه هنالك ليقضي الله أمرا كان مفعولا فأجابه إلى ذلك وامر بتقدم السبق بين يديه في هذا اليوم فخرج السبق وأغلقت القلعة بابها المسلوك الذي عند دار الحديث فاستوحش الناس من ذلك والله يحسن العاقبة
*3* خروج ملك الأمراء بيدمر من دمشق إلى غزة
@ صلى الجمعة بالمقصورة الثاني عشر من رمضان نائب السلطنة ونائب طرابلس ثم اجتمعا بالخطبة في مقصورة الخطابة ثم راح لدار السعادة ثم خرج طلبه في تجمل هائل على ما ذكر بعد العصر وخرج معهم فاستعرضهم ثم عاد إلى دار السعادة فبات إلى أن صلى الصبح ثم ركب خلف الجيش هو ونائب طرابلس وخرج عامة من بقي من الجيش من الأمراء وبقية الحلقة وسلمهم الله وكذلك خرج القضاة وكذا كاتب السر ووكيل بيت المال وغيرهم من كتاب الدست واصبح الناس يوم السبت وليس أحد من الجند بدمشق سوى نائب الغيبة الأمير سيف الدين بن حمزة التركماني وقربه والي البر ومتولي البلد الامير بدر الدين صدقة بن أوحد ومحتسب البلد ونواب القضاة والقلعة على حالها والمجانيق منصوبة كما هي ولما كان صبح يوم الاحد رجع القضاة بكرة ثم رجع ملك الأمراء في اثناء النهار هو وتومان تمر وهم كلهم في لبس وأسلحة تامة وكل منهما خائف من الآخر ان يمكسه فدخل هذا دار السعادة وراح الاخر إلى القصر الابلق ولما كان بعد العصر قدم منجك واستدمر كان نائب السلطنة بدمشق وهما مغلولان قد كسرهما من كان قدم على منجك من العساكر التي جهزها بيدمر إلى منجك وقوة له على المصريين وكان ذلك على يدي الامير سيف الدين تمر حاجب الحجاب ويعرف بالمهمندار قال لمنجك كلنا في خدمة من بمصر ونحن لا نطيعك على نصرة بيدمر فتقاولا ثم تقاتلا فهزم منجك وذهب تمر ومنجك ومن كان معهما كابن صبح وطيدمر ولما أصبح الصباح من يوم الاثنين خامس عشر لم يوجد لتومان تمر وطبترق
ولا أحد من أمراء دمشق عين ولا أثر قد ذهبوا كلهم إلى طاعة صاحب مصر ولم يبق بدمشق من أمرائها سوى ابن قراسنقر من الأمراء المتقدمين وسوى بيدمر ومنجك واستدمر والقلعة قد هيئت والمجانيق منصوبة على حالها والناس في خوف شديد من دخول بيدمر إلى القلعة فيحصل بعد ذلك عند قدوم الجيش المصري حصار وتعب ومشقة على الناس والله يحسن العاقبة
ولما كان في أثناء نهار الاثنين سادس عشره دقت البشائر في القلعة وأظهر أن يلبغا الخاصكي قد نفاه السلطان إلى الشام ثم ضربت وقت الغرب ثم بعد العشاء في صبيحة يوم الثلاثاء أيضا وفي كل ذلك يركب الأمراء الثلاثة منجك وبيدمر واستدمر ملبسين ويخرجون إلى خارج البلد ثم يعودون والناس فيما يقال ما بين مصدق ومكذب ولكن قد شرع إلى تستير القلعة وتهيء الحصار فإنا لله وإنا اليه راجعون
ثم تبين أن هذه البشائر لا حقيقة لها فاهتم في عمل ستائر القلعة وحمل الزلط والاحجار اليها الاغنام والحواصل وقد وردت الاخبار بأن الركاب الشريف السلطاني وصحبته يلبغا في جميع جيش مصر قد عدا غزة فعند ذلك خرج الصاحب وكاتب السر والقاضي الشافعي وناظر الجيش ونقابؤه ومتولي البلد وتوجهوا تلقاء حماة لتلقي الامير على الذي قد جاءه تقليد دمشق وبقي البلد شاغرا عن حاكم فيها سوى المحتسب وبعض القضاة والناس كغنم لا راعي لهم ومع هذا الاحوال صالحة والأمور ساكنة لا يعدو أحد على أحد فيما بلغنا هذا وبيدمر ومنجك واستدمر في تحصين القلعة وتحصيل العدد والاقوات فيها والله غالب على أمره أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة الستائر تعمل فوق الابرجة وصلى الامير بيدمر صلاة الجمعة تاسع عشر الشهر في الشباك الكمالي في مشهد عثمان وصلى عنده منجك إلى جانبه داخل موضع القضاة وليس هناك أحد من الحجبة ولا النقباء وليس في البلد أحد من المباشرين بالكلية ولا من الجند إلا القليل وكلهم قد سافروا إلى ناحية السلطان والمباشرون إلى ناحية حماة لتلقي الامير على نائب الشام المرحوس ثم عاد إلى القلعة
ولم يحضر الصلاة استدمر لأنه قيل كان منقطعا أو قد صلى في القلعة وفي يوم السبت العشرين من الشهر وصل البريد من جهة السلطان من أبناء الرسول إلى نائب دمشق يستعلم طاعته او مخالفته وبعث عليه فيما اعتمده من استحوذ على القلعة ويخطب فيها وادخار الالات والاطعمات فيها وعدم المجانيق والستائر عليها وكيف تصرف في الاموال السلطانية تصرف الملك والملوك فتنصل ملك الامراء من ذلك وذكر انه إنما أرصد في القلعة جنادتها وأنه لم يدخلها وأن أبوابها مفتوحة وهي قلعة السلطان وإنما له غريم بينه وبينه الشرع
والقضاة الاربعة يعني بذلك يلبغا وكتب الجواب وأرسله صحبة البريدي وهو كتكلدي مملوك بقطبة الدويدار وأرسل في صحبته الامير صارم الدين أحد أمراء العشرات من يوم ذلك
وفي يوم الاثنين الثاني والعشرين من رمضان تصبح أبواب البلد مغلقة إلى قريب الظهر وليس ثم مفتوح سوى باب النصر والفرج والناس في حصر شديد وانزعاج فإنا لله وإنا اليه راجعون ولكن قد اقترب وصول السلطان والعساكر المنصورة وفي صبيحة الاربعاء أصبح الحال كما كان وأزيد ونزل الامير سيف الدين يلبغا الخاصكي بقبة يلبغا وامتد طلبه من سيف داريا إلى القبة المذكورة في أبهة عظيمة وهيئة حسنة وتأخر الركاب الشريف بتأخره عن الصميين بعد ودخل بيدمر في هذا اليوم إلى القلعة وتحصن بها وفي يوم الخميس الخامس والعشرين منه استمرت الابواب كلها مغلقة سوى باب النصر والفرج وضاق النطاق وانحصر الناس جدا وقطع المصريون نهر بانياس والفرع الداخل اليها وإلى دار السعادة من القنوات واحتاجوا لذلك أن يقطعوا القنوات ليسدوا الفرع المذكور فانزعج اهل البلد لذلك وملؤا ما في بيوتهم من برك المدراس وبيعت القربة بدرهم والحق بنصف ثم أرسلت القنوات وقت العصر من يومئذ ولله الحمد والمنة فانشرح الناس لذلك واصبح الصباح يوم الجمعة والأبواب مغلقة ولم يفتح باب النصر والفرج إلى بعد طلوع الشمس بزمان فأرسل يلبغا من جهته أربعة أمراء وهم الأمير زين الدين زبالة الذي كان نائب القلعة والملك صلاح الدين ابن الكامل والشيخ علي الذي كان نائب الرحبة من جهة بيدمر وامير آخر فدخلوا البلد وكسروا أقفال أبواب البلد وفتحوا الابواب فلما رأى بيدمر ذلك أرسل مفاتيح البلد اليهم انتهى
*3* وصول السلطان لذلك المنصور إلى المصطبة غربي عقبة سجورا
@ كان ذلك في يوم الجمعة السادس والعشرين من شهر رمضان في جحافل عظيمة كالجبال فنزل عند المصطبة المنسوبة إلى عم ابنته الملك الاشرف خليل بن المنصور قلاوون وجاءت الأمراء ونواب البلاد لتقبيل يده والأرض بين يديه كنائب حلب ونائب حماة وهو الأمير علاء الدين المارداني وقد عين لنيابة دمشق وكتب بتقليده بذلك وارسل إليه وهو بحماة فلما كان يوم السبت السابع والعشرين منه خلع على الامير علاء الدين على المرداني بنيابة دمشق وأعيد اليها عودا على بدء ثم هذه الكرة الثالثة وقبل يد السلطان وركب عن يمينه وخرج أهل البلد لتهنئته هذا والقلعة محصنة بيد بيدمر وقد دخلها ليلة الجمعة واحتمى بها هو ومنجك واستدمر ومن معه من الاعوان بها ولسان حال القدر يقول أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة
ولما كان يوم الاحد طلب قضاة القضاة وأرسلوا إلى بيدمر وذويه بالقلعة ليصالحوه على شيء مميسور يشترطونه وكان ما ستذكره انتهى والله تعالى أعلم
*3* سبب خروج بيدمر من القلعة وصفة ذلك
@ لما كان يوم الاحد الثامن والعشرين منه أرسل قضاة القضاة ومعهم الشيخ شرف الدين ابن قاضي الجبل الحنبلي والشيخ سراج الدين الهندي الحنفي قاضي العسكر المصري للحنفية إلى بيدمر ومن معه ليتكلموا معهم في الصلح لينزلوا على ما يشترطون قبل أن يشرعوا في الحصار والمجانيق التي قد استدعى بها من صغد وبعلبك واحضر من رجال النقاعين نحو من ستة آلاف رام فلما اجتمع به القضاة ومن معهم واخبروه عن السلطان وأعيان الامراء بأنهم قد كتبوا له أمانا إن أناب إلى المصالحة فطلب أن يكون بأهله ببيت المقدس وطلب أن يعطى منجك كذا بناحية بلاد سيس ليسترزق هنالك وطلب استدمر ان يكون بشمقدارا للأمير سيف الدين يلبغا الخاصكي فرجع القضاة إلى السلطان ومعهم الامير زين الدين جبريل الحاجب كان فاخبروا السلطان والأمراء بذلك فأجيبوا إليه وخلع السلطان والأمراء على جبريل خلعا فرجع في خدمة القضاة ومعهم الامير استبغابن الابوبكري فدخلوا القلعة وباتوا هنالك كلهم وانتقل الامير بيدمر باهله واثاثه إلى داره بالمطرزين فلما اصبح يوم الاثنين التاسع والعشرين منه خرج الأمراء الثلاثة من القلعة ومعهم جبريل فدخل القضاة وسلموا القلعة بما فيها من الحواصل إلى الأمير استبغابن الابوبكري انتهى
*3* دخول السلطان محمد بن الملك امير حاج بن الملك محمد ابن الملك قلاوون إلى دمشق في جيشه وأمرائه
@ لما كان صبيحة يوم الإثنين التاسع والعشرين من رمضان من هذه السنة رجع القضاة إلى الوطاق الشريف وفي صحبتهم الأمراء لاذين كانوا بالقلعة وقد أعطوا الامان من جهة السلطان ومن معهم وذويهم فدخل القضاة وحجب الأمراء المذكورون فخلع على القضاة الاربعة وانصرفوا راجعين مجبورين وأما الأمراء المذكورون فإنهم أركبوا على خيل ضعيفة وخلف كل واحد منهم وساقي أخذ بوسطه قبل وفي يد كل واحد من الوساقية خنجر كبير مسلول لئلا يستنقذه منه أحد فيقتله بها فدخل جهرة بين الناس ليروهم ذلتهم التي قد لبستهم وقد أحدق الناس بالطريق من كل جانب فقام كثير من الناس الله أعلم بعدتهم إلا أنهم قد يقاربون المائة ألف أو يزيدون عليها فرأى الناس منظرا فظيعا فدخل بهم الوساقية الى الميدان الاخضر الذي فيه القصر فاجلسوا هنالك وهم ستة نفر الثلاثة النواب وجبريل وابن استدمر وسادس وظن كل منهم أن يفعل بهم فاقرة فانا لله وإنا إليه راجعون وأرسلت الجيوش داخلة إلى دمشق أطلابا في تجمل عظيم ولبس الحرب بنهر النصر وخيول وأسلحة روماح ثم دخل السلطان في آخر ذلك كله بعد العصر بزمن وعليه من أنواع الملابس قباز بخاري والقبة والطير يحملهما على رأسه الامير سيف الدين تومان نمر الذي كان نائب طرابلس والأمراء مشاة بين يديه والبسط تحت قدمي فرسه والبشائر تضرب خلفه فدخل القلعة المنصورة المنصورية لا البدرية ورأى ما قد ارصد بها من المجانيق والأسلحة فاشتد حنقه على بيدمر واصحابه كثيرا ونزل الطارمة وجلس على سرير المملكة ووقف الأمراء والنواب بين يديه ورجع الحق إلى نصابه وقد كان بين دخوله ودخول عمه الصالح صالح في أول يوم من رمضان وهذا في التاسع والعشرين منه وقد قيل إنه سلخه والله اعلم وشرع الناس في الزينة
وفي صبيحة يوم الثلاثاء سلخ الشهر نقل الأمراء المغضوب عليهم الذين ضل سعيهم فيما كانوا أبرموه من ضمير سوء للمسلمين إلى القلعة فأنزلوا في أبراجها مهانين مفرقا بينهم بعد ما كانوا بها آمنين حاكمين أصبحوا معتقلين مهانين خائفين فجاروا بعد ما كانوا رؤساء وأصبحوا بعد عزهم اذلاء ونقبت أصحاب هؤلاء ونودي عليهم في البلد ووعد من دل على أحد منهم بمال جزيل وولاية إمرة بحسب ذلك ورسم في هذا اليوم على الرئيس أمين الدين ابن القلانسي كاتب السر وطلب منه ألف ألف درهم وسلم إلى الامير زين الدين زبالة نائب القلعة وقد أعيد اليها وأعطى تقدمة ابن قراسنقر وأمره أن يعاقبه إلى ان يزن هذا المبلغ وصلى السلطان وأمراؤه بالميدان الاخضر صلاة العيد ضرب له خام عظيم وصلى به خطيبا القاضي تاج الدين الساوي الشافعي قاضي العسكر المنصورة للشافعية ودخل الأمراء مع السلطان للقلعة من باب المدرسة ومدلهم سماطا هائلا أكلوا منه ثم رجعوا إلى دورهم وقصورهم وحمل الطير في هذا اليوم على رأس السلطان الامير على نائب دمشق وخلع عليه خلعة هائلة
وفي هذا اليوم مسك الامير تومان تمر الذي كان نائب طرابلس ثم قدم على بيدمر فكان معه ثم قفل إلى المصريين واعتذر إليهم فعذروه فيما بيدو للناس ودخل وهو حامل الخبز على رأس السلطان يوم الدخول ثم ولوه نيابة حمص فصغروه وحقروه ثم لما استمر ذاهبا إليها فكان عند القابون أرسلوا إليه فأمسكوه وردوه وطلب منه المائة ألف التي كان قبضها من بيدمر ثم ردوه إلى نيابة حمص
وفي يوم الخميس اشتهر الخبر بأن طائفة من الجيش بمصر من طواشية وخاصكية ملكوا عليهم حسين الناصر ثم اختلفوا فيما بينهم واقتتلوا وأن الأمر قد انفصل ورد حسين للمحل الذي كان معتقلا فيه وأطفأ الله شر هذه الطائفة ولله الحمد
وفي آخر هذا اليوم لبس القاضي ناصر الدين بن يعقوب خلعة كتابة السر الشريفية والمدرستين ومشيخة الشيوخ عوضا عن الرئيس علاء الدين بن القلانسي عزل وصودر وراح الناس لتهنئته بالعود إلى وظيفته كما كان
وفي صبيحة يوم الجمعة ثالث شوال مسك جماعة من الامراء الشاميين منهم الحاجبان صلاح الدين وحسام الدين والمهمندار ابن أخي الحاجب الكبير تمر وناصر الدين ابن الملك صلاح الدين ابن الكامل وابن حمزة والطرخاني واثنان أخوان وهما طيبغا زفر وبلجات كلهم طبلخانات وأخرجوا خير وتمر حاجب الحجاب وكذلك الحجوبية أيضا لقاربي أحد أمراء مصر
وفي يوم الثلاثاء سابع شوال مسك ستة عشر أميرا من أمراء العرب بالقلعة المنصورة منهم عمر بن موسى بن مهنا الملقب المصمع الذي كان أمير العرب في وقت ومعيقل بن فضل بن مهنا وآخرون وذكروا أن سبب ذلك أن طائفة من آل فضل عرضوا للأمير سيف الدين الاحمدي الذي استاقوه على حلب وأخذوا منه شيئا من بعض الامتعة وكادت الحرب تقع بينهم وفي ليلة الخميس بعد المغرب حمل تسعة عشر أميرا من الاتراك والعرب على البريد مقيدين في الاغلال أيضا إلى الديار المصرية منهم بيدمر ومنجك واستدمر وجبريل وصلاح الدين الحاجب وحسام الدين أيضا وبلجك وغيرهم ومعهم نحو من مائتي فارس ملبسين بالسلاح متوكلين بحفظهم وساروا بهم نحو الديار المصرية وأمروا جماعة من البطالين مهم أولاد لاقوش وأطلق الرئيس أمين الدين بن القلانسي من المصادرة والترسيم بالقلعة بعد ما وزن بعض ما طلب منه وصار إلى منزله وهنأه الناس
*3* خروج السلطان من دمشق قاصدا مصر
@ ولما كان يوم الجمعة عاشر شهر شوال خرج طلب يلبغا الخاصكي صبيحته في تجمل عظيم لم ير الناس في هذه المدد مثله من تجائب وجنائب ومماليك وعظمة هائلة وكانت عامة الطلاب قد تقدمت قبله بيوم وحضر السلطان إلى الجامع الاموي قبل أذان الظهر فصلى في مشهد عثمان و ومن معه من أمراء المصريين ونائب الشام وخرج من فوره من باب النصر ذهبا نحو الكسوة والناس في الرقات والأسطحة على العادة كانت الزينة قد بقي أكثرها في الصاغة والخواصين وباب البريد إلى هذا اليوم فاستمرت نحو العشرة أيام
وفي يوم السبت حادي عشر شوال خلع على الشيخ علاء الدين الأنصاري باعادة الحسبة إليه وعزل عماد الدين ابن السيرجي وخرج المحمل يوم الخميس سادس عشر شوال على العادة والامير مصطفى البيري وتوفي يوم الخميس ويوم الجمعة أربعة أمراء بدمشق وهم طشتمر وفر وطيبغا القبل ونوروز أحد مقدمي الالوف وتمر المهمندار وقد كان مقدم ألف وحاجب الحجاب وعمل نيابة غزة في وقت ثم تعصب عليه المصريون فعزلوه عن الامرة وكان مريضا فاستمر مريضا إلى أن توفي يوم الجمعة ودفن يوم السبت بتربته التي أنشأها بالصوفية لكنه لم يدفن فيها بل على بابها كأنه مودع أو ندم على بنائها فوق قبور المسلمين رحمه الله
وتوفي الامير ناصر الدين بن لاقوش يوم الاثنين العشرين من شوال ودفن بالقبيبات وقد تاب ببعلبك وبحمص ثم قطع خبره هو وأخوه كحلن ونفوا عن البلد إلى بلدان شتى ثم رضى عنهم الامير يلبغا وأعاد عليهم أخبارا بطبلخانات فلما لبث ناصر الدين إلا يسيرا حتى توفي إلى رحمة الله تعالى وقد أثر آثارا حسنة كثيرة منها عند عقبة الرمانة خان مليح نافع وله ببعلبك جامع وحمام وخان وغير ذلك وله من العمر ست وخمسون سنة
وفي يوم الاحد السادس والعشرين منه درس القاضي نور الدين محمد بن قاضي القضاة بهاء الدين ابن ابي البقاء الشافعي بالمدرسة الاتابكية نزل له عنها والده بتوقيع سلطاني وحضر عنده القضاة والاعيان وأخذ في قوله تعالى الحج أشهر معلومات وفي هذا اليوم درس القاضي نجم الدين احمد بن عثمان النابلسي الشافعي المعروف بابن الجابي بالمدرسة العصرونية استنزل له عنها القاضي امين الدين بن القلانسي في مصادراته وفي صبيحة يوم الاثنين التاسع والعشرين من شوال درس القاضي ولي الدين عبد الله بن القاضي بهاء الدين أبي البقاء بالمدرستين الرواحية ثم القيمرية نزل له عنهما والده المذكور بتوقيع سلطاني وحضر عنده فيهما القضاة والأعيان
وفي صبيحة يوم الخميس سلخ شوال شهر الشيخ أسدد بن الشيخ الكردي على جمل وطيف به في حواضر البلد ونودي عليه هذا جزاء من يخامر على السلطان ويفسد ثواب السلطان ثم أنزل عن الجمل وحمل على حمار وطيف به في البلد ونودي عليه بذلك ثم ألزم السجن وطلب منه مال جزيل وقد كان المذكور من أعوان بيدمر المتقدم ذكره وأنصاره وكان هو المتسلم للقلعة في ايامه
وفي صبيحة يوم الاثنين حادي عشر ذي القعدة خلع على قاضي القضاة بدر الدين بن أبي الفتح بقضاء العسكر الذي كان متوفرا عن علاء الدين بن شمرنوخ وهنأه الناس بذلك وركب البغلة بالزناري مضافا إلى ما بيده من نيابة الحكم والتدريس وفي يوم الاثنين ثامن عشرة أعيد تدريس الركنية بالصالحية إلى قاضي القضاة شرف الدين الكفري الحنفي استرجعها بمرسوم شريف سلطاني من يد القاضي عماد الدين بن العز وخلع على الكفري وذهب الناس أليه للتهنئة بالمدرسة المذكورة
وفي شهر ذي الحجة أشتهر وقوع فتن بين الفلاحين بناحية عجلون وأنهم اقتتلوا فقتل من الفريقين اليمنى والقيسى طائفة وأن عين حيتا التي هي شرقي عجلون دمرت وخربت وقطع أشجارها ودمرت بالكلية وفي صبيحة يوم السبت الثاني والعشرين من ذي الحجة لم تفتح أباب دمشق إلى ما بعد طلوع الشمس فأنكر الناس ذلك وكان سببه الاحتياط على أمير يقال له كسبغا كان يريد
الهرب إلى بلاد الشرق فاحتيط عليه حتى امسكوه
وفي ليلة الأربعاء السادس والعشرين من ذي الحجة قدم الامير سيف الدين طاز من القدس فنزل بالقصر الابلق وقد عمى من الكحل حين كان مسجونا بالاسكندرية فأطلق كما ذكرنا ونزل ببيت المقدس مدة ثم جاءه تقليد بأنه يكون ظرخاناي نزل حيث شاء من بلاد السلطان غير أنه لا يدخل ديار مصر فجاء فنزل بالقصر الأبلق وجاء الناس إليه على طبقاتهم نائب السلطنة فمن دونه يسلمون عليه وهو لا يبصر شيئا وهو على عزم ان يشتري أو يستكري له دارا بدمشق يسكنها انتهى والله سبحانه وتعالى أعلم
*2* ثم دخلت سنة ثلاث وستين وسبعمائة
@ استهلت هذه السنة وسلطان الديار المصرية والشامية والحرمين الشريفين وما والاهما من الممالك الاسلامية السلطان الملك المنصور صلاح الدين محمد بن الملك المظفر أمير حاج بن الملك المنصور قلاوون وهو شاب دون العشرين ومدبر الممالك بين يديه الامير يلبغا ونائب الديار المصرية طشتمر وقضاتها هم المذكورون في التي قبلها والوزير سيف الدين قزوينه وهو مريض مدنف ونائب الشام بدمشق الامير علاء الدين المارداني وقضاته هم المذكورون في التي قبلها وكذلك الخطيب ووكيل بيت المال والمحتسب علاء الدين الانصاري عاد إليها في السنة المنفصلة وحاجب الحجاب قماري والذي يليه السليماني وآخر من مصر أيضا وكاتب السر القاضي ناصر الدين محمد بن يعقوب الحلبي وناظر الجامع القاضي تقي الدين بن مراجل وأخبرني قاضي القضاة تاج الدين الشافعي أنه جدد في أول هذه السنة قاضي حنفي بمدينة صغد المحروسة مع الشافعي فصار في كل من حماة وطرابلس وصغد قاضيان شافعي وحنفي
وفي ثاني المحرم قدم نائب السلطنة بعد غيبة نحو من خمسة عشر يوما وقد اوطأ بلاد فرير بالرعب وأخذ من مقدميهم طائفة فأودعهم الحبس وكان قد اشتهر انه قصد العشيرات المواسين ببلاد عجلون فسألته عن ذلك حين سلمت عليه فأخبرني أنه لم يتعد ناحية فرير وان العشيرات قد اصطلحوا واتفقوا وأن التجريدة عندهم هناك قال وقد كبس الاعراب من حرم الترك فهزمهم الترك وقتلوا منهم خلقا كثيرا ثم ظهر للعرب كمين فلجأ الترك إلى وادي صرح فحصروهم هنالك ثم ولت الاعراب فرارا ولم يقتل من الترك أحد وإنما جرح منهم أمير واحد فقط وقتل من الاعراب فوق الخمسين
نفسا وقدم الحجاج يوم الاحد الثاني والعشرين من المحرم ودخل المحمل السلطاني ليلة الاثنين بعد العشاء ولم يحتفل لدخوله كما جرت به العادة وذلك لشدة ما نال الركب في الرجعة من بريز إلى هنا من البرد الشديد بحيث إنه قد قيل إنه مات منهم بسبب ذلك نحو المائة فإنا لله وإنا اليه راجعون ولكن اخبروا برخص كثير وآمن وبموت نفسه أخي عجلان صاحب مكة وقد استبشر بموته أهل تلك البلاد لبغية على أخيه عجلان العادل فيهم انتهى والله أعلم
*3* منام غريب جدا
@ ورأيت يعني المصنف في ليلة الاثنين الثاني والعشرين من المحرم سنة ثلاث وستين وسبعمائة الشيخ محي الدين النواوي رحمه الله فقلت له يا سيدي الشيخ لم لا أدخلت في شرحك المهذب شيئا من مصنفات ابن حزم فقال ما معناه إنه لايحبه فقلت له أنت معذور فيه فإنه جمع بين طرفي النقيضين في اصوله وفروعه أما هو في الفروع فظارهي جامد يابس وفي الاصول تول مائع قرمطة القرامطة وهرس الهرائسة ورفعت بها صوتي حتى سمعت وأنا نائم ثم اشرت له إلى أرض خضرا تشبه النخيل بل هي أردأ شكلا نه لا ينتفع بها في استغلال ولا رعى فقلت له هذه أرض ابن حزم التي زرعها قال أنظر هل ترى فيها شجرا مثمرا أوشيئا ينتفع به فقلت إنما تصلح للجلوس عليها في ضوء القمر فهذا حاصل ما رأيته ووقع في خلدي أن ابن حزم كان حاضرنا عندما أشرت للشيخ محي الدين إلى الأرض المنسوبة لابن حزم وهو ساكت لا يتكلم
وفي يوم الخميس الثالث والعشرين من صفر خلع على القاضي عماد الدين بن الشيرجي بعود الحسبة إليه بسبب ضعف علاء الدين الانصاري عن القيام بها لشغله بالمرض المدنف وهنأه الناس على العادة وفي يوم السادس والعشرين من صفر توفي الشيخ علاء الدين الانصاري المذكور بالمدرسة الامينية وصلى عليه الظهر بالجامع الاموي ودفن بمقابر باب الصغير خلف محراب جامع جراح في تربة هنالك وقد جاوز الاربعين سنة ودرس في الامينية وفي الحسبة مرتين وترك اولادا صغارا واموالا جزيلة سامحه الله ورحمه وولى المدرسة بعده قاضي القضاة تاج الدين بن السبكي بمرسوم كريم شريف
وفي العشر الاخير من صفر بلغنا وفاة قاضي قضاة المالكية الاخنائي بمصر وتولية أخيه برهان الدين ابن قاضي القضاة علم الدين الاخنائي الشافعي أبوه قاضيا مكان أخيه وقد كان على الحسبة بمصر مشكور السيرة فيها واضيف اليه نظر الخزانة كما كان أخوه وفي صبيحة يوم الاحد رابع شهر ربيع الاول كان ابتداء حضور قاضي القضاة تاج الدين أبو نصر عبدالوهاب ابن قاضي القضاة تقي الدين بن الحسن بن عبد الكافي السبكي الشافعي تدريس الامينية عوضا عن الشيخ علاء الدين المحتسب بحكم وفاته رحمه الله كما ذكرنا وحضر عنده خلق من العلماء والأمراء والفقهاء والعامة وكان درسا حافلا أخذ في قوله تعالى أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله الآية وما بعدها فاستنبط أشياء حسنة وذكر ضربا من العلوم بعبارة طلقة جارية معسولة أخذ ذلك من غير تلعثم ولا تلجلج ولا تكلف فأجاد وأفاد وشكره الخاصة والعامة من الحاضرين وغيرهم حتى قال بعض الاكابر إنه لم يسمع درسا مثله
وفي يوم الاثنين الخامس والعشرين منه توفي الصدر برهان الدين بن لؤلؤ الحوضي في داره بالقصاعين ولم يمرض إلا يوما واحدا وصلى عليه من الغد بجامع دشمق بعد صلاة الظهر وخرجوا به من باب النصر فخرج نائب السلطنة الامير على فصلى عليه إماما خارج باب النصر ثم ذهبوا به فدفنوه بمقابرهم بباب الصغير فدفن عند أبيه رحمه الله كان رحمه الله فيه مروءة وقيام مع الناس وله وجاهة عند الدولة وقبول عند نواب السلطنة وغيرهم ويحب العلماء وأهل الخير ويواظب على سماع مواعيد الحديث والخير وكان له مال وثروة ومعروف قارب الثمانين رحمه الله
وجاء البريد من الديار المصرية فأخبر بموت الشيخ شمس الدين محمد بن النقاش المصري بها وكان واعظا باهرا وفصيحا ماهرا ونحويا شاعرا له يد طولي في فنون متعددة وقدرة علىنسج الكلام ودخول على الدولة وتحصيل الاموال وهو من أبناء الاربعين رحمه الله
وأخبر البريد بولاية قاضي القضاة شرف الدين المالكي البغدادي الذي كان قاضيا بالشام للمالكية ثم عزل بنظر الخزانة بمصر فإنه رتب له معلوم وافر يكفيه ويفضل عنه ففرح بذلك من يحبه
وفي يوم الاحد السابع عشر من ربيع الآخر توفي الرئيس آمين الدين محمد بن الصدر جمال الدين أحمد بن الرئيس شرف الدين محمد بن القلانسي أحد من بقي من رؤساء البلد وكبرائها وقد كان باشر مباشرات كبار كأبيه وعمه علاء الدين ولكن فاق هذا على اسلافه فإنه باشر وكالة المال مدة وولى قضاء العساكر أيضا ثم ولى كتابة السر مع مشيخة الشيوخ وتدريس الناصرية والشامية الجوانية وكان قد درس في العصرونية من قبل سنة ست وثلاثين ثم لما قدم السلطان في السنة الماضية عزل عن مناصبه الكبار وصودر بمبلغ كثير يقارب مائتي ألف فباع كثيرا من أملاكه وما بقي بيده من وظائفه شيء وبقي خاملا مدة إلى يومه هذا فتوفي بغتة وكان قد تشوش قليلا لم يشعر به أحد وصلى عليه العصر بجامع دمشق وخرجوا به من باب الناطفاينين إلى تربتهم التي بسفح قاسيون رحمه الله
وفي صبيحة يوم الاثنين ثامن عشره خلع على القاضي جمال الدين بن قاضي القضاة شرف الدين الكفري الحنفي وجعل مع ابيه شريكا في القضاء ولقب في التوقيع الوارد صحبة البريد من جهة السلطان قاضي القضاة فلبس الخلعة بدار السعادة وجاء ومعه قاضي القضاة تاج الدين السبكي
إلى النورية فقعد في المسجد ووضعت الربعة فقرئت وقرئ القرآن ولم يكن ردسا وجاءت الناس للتهنئة بما حصل من الولاية له مع أبيه
وفي صبيحة يوم الثلاثاء توفي الشيخ الصالح العابد الناسك الجامع فتح الدين بن الشيخ زين الدين الفارقي إمام دار الحديث الاشرفية وخازن الاثر بها ومؤذن في الجامع وقد أتت عليه تسعون سنة في خير وصيانة وتلاوة وصلاة كثيرة وإنجماع عن الناس صلى عليه صبيحة يومئذ وخرج به من باب النصر إلى نحو الصالحية رحمه الله
وفي صبيحة يوم الاثنين عاشر جمادي الاولى ورد البريد وهو قرابغاد وأدار نائب الشام الصغير ومعه تقليد بقضاء قضاة الحنفية للشيخ جمال الدين يوسف بن قاضي القضاة شرف الدين الكفري بمتقضى نزول أبيه له عن ذلك ولبس الخلعة بدار السعادة وأجلس تحت المالكي ثم جاؤا إلى المقصورة من الجامع وقرئ تقليده هنالك قرأه شمس الدين بن السبكي نائب الحسبة واستناب اثنين من اصحابهم وهما شمس الدين بن منصور وبدر الدين بن الخراش ثم جاء معه إلى النورية فدرس بها ولم يحضره والده بشيء من ذلك انتهى والله أعلم
*3* موت الخليفة المعتضد بالله
@ كل ذلك في العشر الاوسط من جمادي الأولى بالقاهرة وصلى عليه يوم الخميس أخبرني بذلك قاضي القضاة تاج الدين الشافعي عن كتاب اخيه الشيخ بهاء الدين رحمهما الله
*3* خلافة المتوكل على الله
@ ثم بويع بعده ولده المتوكل على الله على أبو عبد الله محمد بن المعتضد ابي بكر أبي الفتح بن المستكفي بالله أبي الربيع سليمان بن الحاكم بامر الله أبي العباس أحمد رحم لله أسلافه
وفي جمادي الاولى توجه الرسول من الديار المصرية ومعه صناجق خليفية وسلطانية وتقاليد وخلع وتحف لصاحبي الموصل وسنجار من جهة صاحب مصر ليخطب له فيهما وولى قاضي القضاة تاج الدين الشافعي السبكي الحاكم بدمشق لقاضيهما من جهته تقليدين حسب ما أخبرني بذلك وأرسلا مع ما أرسل به السلطان إلى البلدين وهذا امر غريب لم يقع مثله فيما تقدم فيما أعلم والله أعلم
وفي جمادي الاخرة خرج نائب السلطنة إلى مرج الفسولة ومعه حجبته ونقباء النقباء وكاتب السر وذووه ومن عزمهم الاقامة مدة فقدم من الديار المصرية أمير على البريد فأسرعوا الاوبة فدخلوا في صبيحة الاحد الحادي والعشرين منه واصبح نائب السلطنة فحضر الموكب على العادة وخلع على الامير سيف الدين يلبغا الصالحي وجاء النص من الديار المصرية بخلعة دوادار عوضا عن سيف الدين كحلن وخلع في هذا اليوم على الصدر شمس الدين بن مرقي بتوقيع الدست وجهات أخر قدم بها من الديار المصرية فانتشر الخبر في هذا اليوم باجلاس قاضي القضاة شمس الدين الكفري الحنفي فوق قاضي القضاة المالكية لكن لم يحضر في هذا اليوم وذلك بعد ما قد امر باجلاس المالكي فوقه
وفي ثاني رجب توفي القاضي الامام العالم شمس الدين بن مفلح المقدسي الحنبلي نائب مشيخة قاضي القضاة جمال الدين يوسف بن محمد المقدسي الحنبلي وزوج ابنته وله منها سبعة أولاد ذكرو وإناث وكان بارعا فاضلا متفننا في علوم كثيرة ولا سيما علم الفروع كان غاية في نقل مذهب الامام أحمد وجمع مصنفات كثيرة منها كتاب المقنع نحوا من ثلاثين مجلدا كما أخبرني بذلك عنه قاضي القضاة جمال الدين وعلق على محفوظة أحكام الشيخ مجد الدين بن تيمية مجلدين وله غير ذلك من الفوائد والتعليقات رحمه الله توفي عن نحو خمسين سنة وصلى عليه بعد الظهر من يوم الخميس ثاني الشهر بالجامع المظفري ودفن بمقبره الشيخ الموفق وكانت له جناز حافلة حضرها القضاة كلهم وخلق من الاعيان رحمه الله وأكرم مثواه
وفي صبيحة يوم السبت رابع رجب ضرب نائب السلطنة جماعة من أهل قبر عاتكة أساؤا الادب على النائب ومماليكه بسبب جامع للخطبة جدد بناحيتهم فأراد بعض الفقراء أن يأخذ ذلك الجامع ويجعله زاوية للرقاصين فحكم القاضي الحنبلي بجعله جامعا قد نصب فيه مبنر وقد قدم شيخ الفقراء على يديه مرسوم شريف بتسليمه اليه فأنفت أنفس أهله تلك الناحية من عوده زاوية بعد ما كان جامعا وأعظموا ذلك فتكلم بعضهم بكلام سيء فاستحضر نائب السلطنة طائفة منهم وضربهم بالمقارع بين يديه ونودي عليهم في البلد فأراد بعض العامة إنكارا لذلك وحدد ميعاد حديث يقرأ بعد المغرب تحت قبة النسر على الكرسي ألذي يقرأ عليه المصحف رتبة أحد اولاد القاضي عماد الدين بن الشيرازي وحدث فيه الشيخ عماد الدين بن السراج واجتمع عنده خلق كثير وجم غفير وقرأ في السيرة النبوية من خطى وذلك في العشر الاول من هذا الشهر
*3* أعجوبة من العجائب
@ وحضر شاب عجمي من بلاد تبريز وخراسان يزعم أنه يحفظ البخاري ومسلما وجامع المسانيد والكشاف للزمخشري وغير ذلك من محاضيرها في فنون أخر فلما كان يوم الاربعاء سلخ شهر رجب قرأ في الجامع الاموي بالحائط الشمالي منه عند باب الكلاسة من أول صحيح البخاري إلى أثناء كتاب العلم منه من حفظه وأنا أقابل عليه من نسخة بيدي فادى جيدا غير أنه يصحف بعضا الكلمات لعجم فيه وربما لحن أيضا في بعض الاحيان واجتمع خلق كثير من العامة والخاصة وجماعة من المحدثين فاعجب ذلك جماعة كثيرين وقال آخرون منهم إن سرد بقية
الكتاب على هذا المنوال لعظيم جدا فاجتمعنا في اليوم الثاني وهو مستهل شعبان في المكان المذكور وحضر قاضي القضاة الشافعي وجماعة من الفضلاء واجتمع العامة محدقين فقرأ على العادة غير أنه لم يطول كأول يوم وسقط عليه بعض الاحاديث وصحف ولحن في بعض الالفاظ ثم جاء القاضيان الحفني والمالكي فقرأ بحضرتهما أيضا بعض الشيء هذا والعامة محتفون به متعجبون من أمره ومنهم من يتقرب بتقبيل يديه وفرح بكتابتي له بالسماع على الاجازة وقال أنا ما خرجت من بلادي إلا إلى القصد إليك وأن تجيزني وذكرك في بلادنا مشهور ثم رجع إلى مصر ليلة الجمعة وقد كارمه القضاة والاعيان بشيء من الدراهم يقارب الألف
*3* عزل الامير علي عن نيابة دمشثق
@ في يوم الاحد حادي عشر شعبان ورد البريد من الديار المصرية وعلى يديه مرسوم شريف بعزل الامير على عن نيابة دمشق فأحضر الأمراء إلى دار السعادة وقرئ المرسوم الشريف عليهم بحضوره وخلع عليه خلعة وردت مع البريد ورسم له بقرية دومة واخرى في بلاد طرابلس على سبيل الراتب وأن يكون في أي البلاد شاء من دمشق أو القدس او الحجاز فانتقل من يومه من دار السعادة وبباقي أصحابه ومماليكه واستقر نزوله في دار الخليلي بالقصاعين التي جددها وزاد فيها دويداره يلبغا وهي دار هائلة وراح الناس للتأسف عليه والحزن له انتهى
*3* طلب قاضي القضاة تاج الدين عبدالوهاب ابن السيكي الشافعي إلى الديار المصرية
@ ورد البريد بطلبه من آخر نهار الاحد بعد العصر الحادي عشر من شعبان سنة ثلاث وستين وسبعمائة فأرسل إليه حاجب الحجاب قماري وهو نائب الغيبة أن يسافر من يومه فاستنظرهم إلى الغد فأمهل وقد ورد الخبر بولاية أخيه الشيخ بهاء الدين بن السبكي بقضاء الشام عوضا عن أخيه تاج الدين وأرسل يستنيب ابن أختهما قاضي القضاة تاج الدين في التأهب والسير وجاء الناس إليه ليودعوه ويستوحشون له وركب من بستانه بعد العصر يوم الاثنين ثاني عشر شعبان متوجها على البريد إلى الديار المصرية وبين يديه قضاة القضاة والاعيان حتى قاضي القضاة بهاء الدين أبو البقاء السبكي حتى ردهم قريبا من الجسورة ومنهم من جاوزها والله المسؤل في حسن الخاتمة في الدنيا والآخرة انتهى والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب
*3* اعجوبة اخرى غريبة
@ لما كان يوم الثلاثاء العشرين من شعبان دعيت إلى بستان الشيخ العلامة كمال الدين بن الشريشي شيخ الشافعية وحضر جماعة الاعيان منهم الشيخ العلامة شمس الدين بن الموصلي الشافعي والشيخ الامام العلامة صلاح الدين الصفدي وكيل بيت المال والشيخ الامام العلامة شمس الدين الموصلي الشافعي والشيخ الامام العلامة مجد الدين محمد بن يعقوب الشيرازي من ذرية الشيخ أبي إسحق الفيروزابادي من أئمة اللغويين والخطيب الامام العلامة صدر الدين بن العز الحنفي احد البلغاء الفضلاء والشيخ الامام العلامة نور الدين علي بن الصارم أحد القراء المحدثين البلغاء وأحضروا نيفا واربعين مجلدا من كتاب المنتهى في اللغة للتميمي البرمكي وقف الناصرية وحضر ولد الشيخ كمال الدين بن الشريشني وهو العلامة بدر الدين محمد واجتمعنا كلنا عليه وأخذ كل منا مجلدا بيده من تلك المجلدات ثم أخذنا نسأله عن بيوت الشعر المستشهد عليها بها فينشر كلا منها ويتكلم عليه بكلام مبين مفيد فجزم الحاضرون والسامعون انه يحفظ جميع شواهد اللغة ولا يشذ عنه منها إلا القليل الشاذ وهذا من أعجب العجائب وأبلغ الاعراب
*3* دخول نائب السلطنة سيف الدين تشتمر
@ وذلك في أوائل رمضان يوم الشبت ضحى والحجبة بين يديه والجيش بكماله فتقدم إلى سوق الخيل فأركب فيه ثم جاء ونزل عند باب السر وقيل العتبة ثم مشى الى دار السعادة والناس بين يديه وكان أول شيء حكم فيه أن أمر بصلب الذي كان قتل بالامس والي الصالحية وهو ذاهب الى صلاة الجمعة ثم هرب فتبعه الناس فقتل منهم آخر وجرح آخرين ثم تكاثروا عليه فمسك ولما صلب طافوا به على حمل الى الصالحية فمات هناك بعد أيام وقاسى أمرا شديدا من العقوبات وقد ظهر بعد ذلك على انه قتل خلقا كثيرا من الناس قبحه الله
*3* قدوم قاضي القضاة بهاء الدين احمد بن تقي الدين عوضا عن أخيه قاضي القضاة تاج الدين بن عبد الوهاب
@ قدم يوم الثلاثاء قبل العصر فبدأ بملك الامراء فسلم عليه ثم مشى الى دار الحديث فصلى هناك ثم مشى الى المدرسة الركنية فنزل بها عن ابن أخيه قاضي القضاة بدر الدين بن ابي الفتح قاضي العساكر وذهب الناس للسلام عليه وهو يكره من يلقبه بقاضي القضاة وعليه تواضع وتقشف ويظهر عليه تأسف على مفارقة بلده ووطنه وولده وأهله والله المسئول المأمول أن يحسن العاقبة
وخرج المحمل السلطاني يوم الخميس ثامن عشر شوال وأمير الحاج الملك صلاح الدين بن الملك الكامل بن السعيد العادل الكبير وقاضيه الشيخ بهاء الدين بن سبع مدرس الامينية ببعلبك وفي هذا الشهر وقع الحكم بما يخص المجاهدين من وقف المدرسة التقوية اليهم وأذن القضاة الاربعة إليهم بحضرة ملك الأمراء في ذلك
وفي ليلة الاحد ثالث شهر ذي القعدة توفي القاضي ناصر الدين محمد بن يعقوب كاتب السر وشيخ الشيوخ ومدرس الناصرية الجوانية والشامية الجوانية بدمشق ومدرس الاسدية بحلب وقد باشر كتابة السر بحلب أيضا وقضاء العساكر وأفتى بزمان ولاية الشيخ كمال الدين الزملكاني قضاء حلب أذن له هنالك في حدود سنة سبع وعشرين وسبعمائة ومولده سنة سبع وسبعمائة وقد قرأ التنبيه ومختصر ابن الحاجب في الاصول وفي العربية وكان عنده نباهة وممارسة للعلم وفيه جودة طباع وإحسان بحسب ما يقدر عليه وليس يتوسم منه سوء وفيه ديانة وعفة حلف لي في وقت بالايمان المغلظة أنه لم يمكن قط منه فاحشة اللواط ولا خطر له ذلك ولم يزن ولم يشرب مسكرا ولا أكل حشيشة فرحمه الله وأكرم مثواه صلى عليه بعد الظهر يومئذ وخرج بالجنازة من باب النصر فخرج نائب السلطنة من دار السعادة فحضر الصلاة عليه هنالك ودفن بمقبرة لهم بالصوفية وتأسفوا عيه وترحموا وتزاحم جماعة من الفقهاء بطلب مدارسة انتهى
*2* ثم دخلت سنة أربع وستين وسبعمائة
@ استهلت هذه السنة وسلطان الاسلام بالديار المصرية والشامية والحجازية وما يتبعهما من الاقاليم والرساتيق الملك المنصور صلاح الدين محمد بن الملك المنصور المظفري حاجي بن الملك الناصر محمد ابن الملك المنصور قلاوون الصالحي ومدير الممالك بين يديه وأتابك العساكر سيف الدين يلبغا وقضاة مصرهم المذكورون في التي قبلها غير أن ابن جماعة قاضي الشافعية وموفق الدين قاضي الحنابلة في الحجاز الشريف ونائب دمشق الامير سيف الدين قشتمر المنصوري وقاضي قضاة الشافعية الشيخ بهاء الدين ابن قاضي القضاة تقي الدين السبكي وأخوه قاضي القضاة الشافعية الشيخ بهاء الدين ابن قاضي القضاة تقي الدين السبكي وأخوه قاضي القضاة تاج الدين مقيم بمصر وقاضي قضاة الحنفية الشيخ جمال الدين ابن قاضي القضاة شرف الدين الكفري آثره والده بالمنصب وأقام على تدريس الركنية يتعبد ويتلو ويجمع على العبادة وقاضي قضاة المالكية جمال الدين المسلاتي وقاضي قضاة الحنابلة الشيخ جمال الدين المرداوي محمود بن جملة ومحتسب البلد الشيخ عماد الدين الشيرجي وكاتب السر جمال الدين عبد الله بن الاثير قدم من الديار المصرية عوضا عن ناصر الدين بن يعقوب وكان قدومه يوم سلخ السنة الماضية وناظر الدواوين بدر الدين حسن بن النابلسي وناظر الخزانة القاضي تقي الدين بن مراجل ودخل المحمل السلطاني يوم الجمعة الثاني والعشرين من المحرم بعد العصر خوفا من المطر وكان وقع مطر شديد قبل أيام فتلف منه غلات كثيرة بحوران وغيرها ومشاطيخ وغير ذلك فإنا لله وإنا اليه راجعون
وفي ليلة الاربعاء السابع والعشرين منه بعد عشاء الاخرة قبل دقة القلعة دخل فارس من ناحية باب الفرج إلى ناحية باب القلعة الجوانية ومن ناحية الباب المذكور سلسلة ومن ناحية باب النصر أخرى جددتا لئلا يمر راكب على باب القلعة المنصورة فساق هذا الفارس المذكور على السلسلة الواحدة فقطعها ثم مر على الاخرى فقطعها وخرج من باب النصر ولم يعرف لأنه ملثم وفي حادي عشر صفر وقبله بيوم قدم البريد من الديار المصرية بطلب الامير سيف الدين زبالة أحد أمراء الالوف إلى الديار المصرية مكرما وقد كان عزل عن نيابة القلعة بسبب ما تقدم وجاء البريد أيضا ومعه التواقيع التي كانت بأيدي ناس كثير زيادات على الجامع ردت إليهم واقروا على ما بأيديهم من ذلك وكان ناظر الجامع الصاحب تقي الدين بن مراجل قد سعى برفع ما زيد بعد التذكرة التي كانت في أيام صرغتمش فلم يف ذلك وتوجه الشيخ بهاء الدين بن السبكي قاضي قضاة الشام الشافعي من دمشق إلى الديار الصمرية يوم الاحد سادس عشر صفر من هذه السنة وخرج القضاة والاعيان لتوديعه وقد كان أخبرنا عند توديعه بان أخاه قاضي القضاة تاج الدين قد لبس خلعة القضاء بالديار المصرية وهو متوجه إلى الشام عند وصوله إلى ديار مصر وذكر لنا أن أخاه كاره للشام وأنشدني القاضي صلاح الدين الصفدي ليلة الجمعة رابع عشره لنفسه فيما عكس عن المتنبي في يديه من قصيدته وهو قوله
إذا اعتاد الفتى خوض المنايا * فأيسر ما يمر به الوصول
دخول دمشق يكسبنا نحولا * كأن لها دخولا في البرايا
إذا اعتاد الغريب الخوض فيها * فايسر ما يمر به المنايا
وهذا شعر قوي وعكس جلي لفظا ومعنى
وفي ليلة الجمعة الحادي والعشرين من صفر عملت خيمة حافلة بالمارستان الدقاقي جوار الجامع سبب تكامل تجديده قريب السقف مبنيا باللبن حتى قناطره الاربع بالحجارة البلق وجعل في أعاليه قمريات كبار مضيئة وفتق في قبلته إيوانا حسنا زاد في أغمافه أضعاف ما كان وبيضه جميعه بالجص الحسن المليح وجددت فيه خزائن ومصالح وفرش ولحف جدد واشياء حسنة فأثابه الله وأحسن جزاءه آمين وحضر الخيمة جماعات من الناس من الخاص والعوام ولما كانت الجمعة الأخرى دخله نائب السلطنة بعد الصلاة فأعجبه ما شاهده من العمارات وأخبره بما كانت عليه حاله قبل هذه العمارة فاستجاد ذلك م صنيع الناظر
وفي اول ربيع الاخر قدم قاضي القضاة تاج الدين السبكي من الديار المصرية على قضاء الشام عودا على بدء يوم الثلاثاء رابع عشره فبدأ بالسلام على نائب السلطنة بدار السعادة ثم ذهب إلى دار الامير علي بالقصاعين فسلم عليه ثم جاء إلى العادلية قبل الزوال ثم جاءه الناس من الخاص والعام يسلمون عليه ويهنونه بالعود وهو يتودد ويترحب بهم ثم لما كان صبح يوم الخميس سادس عشره لبس الخلعة بدار السعادة ثم جاء في أبهة هائلة لابسها إلى العادلية فقرئ تقليده بها بحضرة القضاة والاعيان وهنأه الناس والشعراء والمداح
وأخبر قاضي القضاة تاج الدين بموت حسين بن الملك الناصر ولم يكن بقي من بنيه لصلبه سواه ففرح بذلك كثير من الأمراء وكبار الدولة لما كان فيه من حدة وارتكاب أمور منكرة وأخبر بموت القاضي فخر الدين سليمان بن القاضي عماد الدين بن الشيرجي وقد كان اتفق له من الأمر أنه قلد حسبة دمشق عوضا عن أبيه نزل له عنها باختياره لكبره وضعفه وخلع عليه بالديار المصرية ولم يبق إلا أن يركب على البريد فتمرض يوما وثانيا وتوفي إلى رحمة الله تعالى فتألم والده بسبب ذلك تألما عظيما وعزاه الناس فيه ووجدته صابرا محتسبا باكيا مسترجعا موجعا انتهى
*3* بشارة عظيمة بوضع الشطر من مكس الغنم
@ مع ولاية سعد الدين ماجد بن التاج إسحاق من الديار المصرية على نظر الدواوين قبله ففرح الناس بولاية هذا وقدومه وبعزل الاول وانصرافه عن البلد فرحا شديدا ومع مرسوم شريف بوضع نصف مكس الغنم وكان عبرته أربعة دراهم ونصف فصار إلى درهمين وربع درهم وقد نودي بذلك في البلد يوم الاثنين العشرين من شهر ربيع الاخر ففرح الناس بذلك فرحا شديدا ولله الحمد والمنة وتضاعفت أدعيتهم لمن كان السبب في ذلك وذلك أنه يكثر الجلب برخص اللحم على الناس ويأخذ الديوان نظيرا ما ما كان يأخذ قبل ذلك وقد الله تعالى قدوم وفود بتجائر متعددة وأخذ منها الديوان السلطاني في الزكاة والوكالة وقدم مراكب كثيرة فأخذ منها في العشر أضعاف ما أطلق من المكس ولله الحمد والمنة ثم قرئ على الناس في يوم الجمعة بعد صلاة الجمعة قبل العصر
وفي يوم الاثنين العشرين منه ضرب الفقيه شمس الدين بن الصفدي بدرا السعادة بسبب خانقاه الطواويس فإنه جاء في جماعة منهم يتظلمون من كاتب السر الذي هو شيخ الشيوخ وقد تكلم معهم فيما يتعلق بشرط الواقف مما فيه مشقة عليهم فتكلم الصفدي المذكور بكلام فيه غلظ فبطح ليضرب فشفع فيه ثم تكلم فشفع فيه ثم بطح الثالثة فضرب ثم أمر به إلى السجن ثم أخرج بعد ليلتين أو ثلاثة
وفي صبيحة يوم الاحد السادس والعشرين منه درس قاضي القضاة الشافعي بمدارسه وحضر درس الناصرية الجوانية بمقتضى شرط الواقف الذي أثبته أخوه بعد موت القاضي ناصر الدين كاتب السر وحضر عنده جماعة من الأعيان وبعض القضاة وأخذ في سورة الفتح قرئ عليه من تفسير والده في قوله إنا فتحنا لك فتحا مبينا
وفي مستهل جمادي الاولى يوم الجمعة بعد صلاة الفجر مع الامام الكبير صلى عليى القاضي قطب الدين محمد بن الحسن الحاكم بحمص جاء إلى دمشق لتلقي أخي زوجته قاضي القضاة تاج الدين السبكي الشافعي فتمرض من مدة ثم كانت وفاته بدمشق فصلى عليه بالجامع كما ذكرنا وخارج باب الفرج ثم صعدوا به إلى سفح جبل قاسيون وقد جاوز الثمانين بسنتين وقد حدث وروى شيئا يسيرا رحمه الله
وفي يوم الأحد ثالثه قدم قاضيا الحنفية والحنابلة بحلب والخطيب بها والشيخ شهاب الدين الاذرعي والشيخ زين الدين الباريني وآخرون معهم فنزلوا بالمدرسة الاقبالية وهم وقاضي قضاتهم الشافعي وهو كمال الدين المصري مطلوبون إلى الديار المصرية فتحرر ما ذكروه عن قاضيهم وما نقموه عليه من السيرة السيئة فيما يذكرون في المواقف الشريفة بمصر وتوجهوا إلى الديار المصرية يوم السبت عاشره
وفي يوم الخميس قدم الامير زين الدين زبالة نائب القلعة من الديار المصرية على البريد في تجمل عظيم هائل وتلقاه الناس بالشموع في أثناء الطريق ونزل بدار الذهب وراح الناس للسلام عليه وتهنئته بالعود إلى نيابة القلعة على عادته وهذه ثالث مرة وليها لأنه مشكور السيرة فيها وله فيها سعى محمود في أوقات متعددة
وفي يوم الخميس الحادي والعشرين صلى نائب السلطنة والقاضيان الشافعي والحنفي وكاتب السر وجماعة من الأمراء والأعيان بالمقصورة وقرئ كتاب السلطان على السدة بوضع مكس الغنم إلى كل رأس بدرهمين فتضاعفت الأدعية لولي الامر ولمن كان السبب في ذلك
*3* غريبة من الغرائب وعجيبة من العجائب
@ وقد كثرت المياه في هذا الشهر وزادت الانهار زيادة كثيرة جدا بحيث إنه فاض الماء في سوق الخيل من نهر بردى حتى عم جميع العرصة المعروفة بموقف الموكب بحيث إنه اجريت فيه المراكب بالكلك وركبت فيه المارة من جانب إلى جانب واستمر ذلك جمعا متعددة وامتنع نائب السلطنة والجيش من الوقوف هناك وربما وقف نائب السلطنة بعض الايام تحت الطارمة تجاه باب الاسطبل السلطاني وهذا أمر لم يعهد مثله ولا رأيته قط في مدة عمري وقد سقطت بسبب ذلك بنايات ودور كثيرة وتعطلت طواحين كثيرة غمرها الماء
وفي ليلة الثلاثاء العشرين من جمادي الاولى توفي الصدر شمس الدين عبد الرحمن ابن الشيخ عز الدين بن منجي التنوخي بعد العشاء الآخرة وصلى عليه بجامع دمشق بعد صلاة الظهر ودفن بالسفح وفي صبيحة هذا اليوم توفي الشيخ ناصر الدين محمد بن أحمد القونوي الحنفي خطيب جامع يلبغا وصلى عليه عقيب صلاة الظهر أيضا ودفن بالصوفية وقد باشر عوضه الخطابة والامامة
قاضي القضاة كمال الدين الكفري الحنفي وفي عصر هذا اليوم توفي القاضي علاء الدين بن القاضي شرف الدين بن القاضي شمس الدين بن الشهاب محمود الحلبي أحد موقعي الدست بدمشق وصلى عليه يوم الاربعاء ودفن بالسفح
وفي يوم الجمعة الثالث والعشرين منه خطب قاضي القضاة جمال الدين الكفري الحنفي بجامع يلبغا عوضا عن الشيخ ناصر الدين بن القونوي رحمه الله تعالى وحضر عنده نائب السلطنة الامير سيف الدين قشتمر وصلى معه قاضي القضاة تاج الدين الشافعي بالشباك الغربي القبلي منه وحضر خلق من الامراء والاعيان وكان يوما مشهودا وخطب ابن نباتة بأداء حسن وفصاحة بليغة هذا مع علم أن كل مركب صعب وفي يوم السبت خامس عشر جمادي الاخرة توجه الشيخ شرف الدين القاضي الحنبلي إلى الديار المصرية بطلب الامير سيف الدين يلبغا في كتاب كتبه اليه يستدعيه ويستحثه في القدوم عليه
وفي يوم الثلاثاء ثاني شهر رجب سقط اثنان سكارى من سطح بحارة اليهود أحدهما مسلم والاخر يهودي فمات المسلم من ساعته وانقلعت عين اليهودي وانكسرت يده لعنه الله وحمل إلى نائب السلطنة فلم يحر جوابا
ورجع الشيخ شرف الدين بن قاضي الجبل بعد ما قارب غزة لما بلغه من الوباء بالديار المصرية فعاد إلى القدس الشريف ثم رجع إلى وطنه فأصاب السنة وقد وردت كتب كثيرة تخبر بشدة الوباء والطاعون بمصر وأنه يضبط من أهلها في النهار نحو الألف وأنه مات جماعة ممن يعرفون كولدي قاضي القضاة تاج الدين المناوي وكاتب الحكم ابن الفرات وأهل بيته أجمعين فإنا لله وإنا اليه راجعون
وجاء الخبر في اواخر شهر رجب بموت جماعة بمصر منهم أبو حاتم ابن الشيخ بهاء الدين السبكي المصري بمصر وهو شاب لم يستكمل العشرين وقد درس بعدة جهات بمصر وخطب ففقده والده وتأسف الناس عليه وعزوا فيه عمه قاضي القضاة تاج الدين السبكي قاضي الشافعية بدمشق وجاء الخبر بموت قاضي القضاة شهاب الدين أحمد الرباجي المالكي كان بحلب وليها مرتين ثم عزل فقصد مصر واستوطنها مدة ليتمكن من السعي في العودة فأدركته منيته في هذه السنة من الفناء وولدان له معه أيضا وفي يوم السبت سادس شعبان توجه نائب السلطنة في صحبة جمهور الامراء إلى ناحية تدمر لأجل الاعراب من أصحاب خيار بن مهنا ومن التف عليه منهم وقد دمر بعضهم بلد تدمر وحرقوا كثيرا من أشجارها ورعوها وانتهبوا شيئا كثيرا وخرجوا من الطاعة وذلك بسبب قطع إقطاعاتهم وتملك أملاكهم والحيلولة عليهم فركب نائب السلطنة بمن معه كما ذكرنا
لطردهم عن تلك الناحية وفي صحبتهم الأمير حمزة ابن الخياط أحد أمراء الطبلخانات وقد كان حاجبا لخيار قبل ذلك فرجع عنه وألب عليه عند الامير الكبير يلبغا الخاصكي ووعده إن هو امره وكبره أن يظفره بخيار وأن يأتيه برأسه ففعل معه ذلك فقدم إلى دمشق ومعه مرسوم بركوب الجيش معه إلى خيار وأصحابه فساروا كما ذكرنا فوصلوا إلى تدمر وهربت الاعراب من بين يدي نائب الشام يمينا وشمالا ولم يواجهوه هيبة له ولكنهم يتحرفون على حمزة بن الخياط ثم بلغنا أنهم يبتوا الجيش فقتلوا منه طائفة جرحوا آخرين وأسروا آخرين فإنا لله وإنا إليه راجعون
*3* سلطنة الملك الأشرف ناصر الدين
@ شعبان بن حسن بن الملك النصر محمد بن قلاوون في يوم الثلاثاء خامس عشر شعبان
لما كان عشية السبت تاسع عشر شعبان من هذه السنة أعني سنة أربع وستين وسبعمائة قدم أمير من الديار المصرية فنزل بالقصر الأبلق وأخبر بزوال مملكة الملك المنصور بن المظفر حاجي بن الملك الناصر محمد بن قلاوون ومسك واعتقل وبويع للملك الاشرف شعبان بن حسين الناصر بن المنصور قلاوون وله من العمر قريب العشرين فدقت البشائر بالقلعة المنصورة وأصبح الناس يوم الاحد في الزينة وأخبرني قاضي القضاة تاج الدين والصاحب سعد الدين ماجد ناظر الدواوين أنه لما كان يوم الثلاثاء الخامس عشر من شعبان عزل الملك المنصور وأودع منزله وأجلس الملك الاشرف ناصر الدين شعبان على سرير الملك وبويع لذلك وقد وقع رعد في هذا اليوم ومطر كثير وجرت المزاريب فصار غدرانا في الطرقات وذلك في خامس حزيران فتعجب الناس من ذلك هذا وقد وقع وباء في مصر في أول شعبان فتزايد وجمهوره في اليهود وقد وصلوا إلى الخمسين في كل يوم وبالله المستعان
وفي يوم الاثنين سابعه اشتهر الخبر عن الجيش بأن الاعراب اعترضوا التجريدة القاصدين إلى الرحبة وواقفوهم وقتلوا منهم ونهبوا وجرحوا وقد سار البريد خلف النائب والأمراء ليقدموا إلى البلد لأجل البيعة للسلطان الجديد جعله الله مباركا على المسلمين ثم قدم جماعة من الأمراء المنهزمين من الاعراب في أسوإ حال وذلة ثم جاء البريد من الديار المصرية بردهم إلى العسكر الذي مع نائب السلطنة على تدمر متوعدين بأنواع العقوبات وقطع الاقطاعات وفي شهر رمضان تفاقم الحال بسبب الطاعون فإنا لله وإنا اليه راجعون وجمهوره في اليهود لعله قد فقد منهم من مستهل شعبان إلى مستهل رمضان نحو الألف نسمة خبيثة كما أخبرني بذلك القاضي صلاح الدين الصفدي وكيل بيت المال ثم كثر ذلك فيهم في شهر رمضان جدا وعدة العدة من المسلمين والذمة بالثمانين
وفي يوم السبت حادي عشره صلينا بعد الظهر على الشيخ المعمر الصدر بدر الدين محمد ابن الرقاق المعروف بابن الجوجي وعلى الشيخ صلاح الدين محمد بن شاكر الليثي تفرد في صناعته وجمع تاريخا مفيدا نحوا من عشر مجلدات وكان يحفظ ويذاكر ويفيد رحمه الله وسامحه انتهى
*3* وفاة الخطيب جمال الدين محمود بن جمله ومباشرة تاج الدين بعده
@ كانت وفاته يوم الاثنين بعد الظهر قريبا من العصر فصلى بالناس بالمحراب صلاة العصر قاضي القضاة تاج الدين السبكي الشافعي عوضا عنه وصلى بالناس الصبح أيضا وقرأ بآخر المائدة من قوله يوم يجمع الله الرسل ثم لما طلعت الشمس وزال وقت الكراهة صلى على الخطيب جمال الدين عند باب الخطابة وكان الجمع في الجامع كثيرا وخرج بجنازته من باب البريد وخرج معه طائفة من العوام وغيرهم وقد حضر جنازته بالصالحية على ما ذكر جم غفير وخلق كثير ونال قاضي القضاة الشافعي بعض الجهلة إساءة أدب فاخذ منهم جماعة وأدبوا وحضر هو بنفسه صلاة الظهر يومئذ وكذا باشر الظهر والعصر في بقية الايام يأتي للجامع في محفل من الفقهاء والاعيان وغيرهم ذهابا وإيابا وخطب عنه يوم الجمعة الشيخ جمال الدين بن قاضي القضاة ومنع تاج الدين من المباشرة حتى يأتي التشريف
وفي يوم الاثنين بعد العصر صلى على الشيخ شهاب الدين أحمد بن عبد الله البعلبكي المعروف بابن النقيب ودفن بالصوفية وقد قار السبعين وجاوزها وكان بارعا في القراءات والنحو والتصريف والعربية وله يد في الفقه وغير ذلك وولى مكانه مشيخة الاقراء بأم الصالح شمس الدين محمد بن اللبان وبالتربة الأشرفية الشيخ أمين الدين عبد الوهاب بن السلام وقدم نائب السلطنة من ناحية الرحبة وتدمر وفي صحبته الجيش الذين كانوا معه بسبب محاربته إلى اولاد مهنا وذويهم من الاعراب في يوم الاربعاء سادس شوال
وفي ليلة الأحد عاشره توفي الشيخ صلاح الدين خليل بن أيبك وكيل بيت المال وموقع الدست وصلى عليه صبيحة الاحد بالجامع ودفن بالصوفية وقد كتب الكثير من التاريخ واللغة والأدب وله الاشعار الفائقة والفنون المتنوعة وجمع وصنف وألف وكتب ما يقارب مئين من المجلدات

@ وحضر شاب عجمي من بلاد تبريز وخراسان يزعم أنه يحفظ البخاري ومسلما وجامع المسانيد والكشاف للزمخشري وغير ذلك من محاضيرها في فنون أخر فلما كان يوم الاربعاء سلخ شهر رجب قرأ في الجامع الاموي بالحائط الشمالي منه عند باب الكلاسة من أول صحيح البخاري إلى أثناء كتاب العلم منه من حفظه وأنا أقابل عليه من نسخة بيدي فادى جيدا غير أنه يصحف بعضا الكلمات لعجم فيه وربما لحن أيضا في بعض الاحيان واجتمع خلق كثير من العامة والخاصة وجماعة من المحدثين فاعجب ذلك جماعة كثيرين وقال آخرون منهم إن سرد بقية
@ وحضر شاب عجمي من بلاد تبريز وخراسان يزعم أنه يحفظ البخاري ومسلما وجامع المسانيد والكشاف للزمخشري وغير ذلك من محاضيرها في فنون أخر فلما كان يوم الاربعاء سلخ شهر رجب قرأ في الجامع الاموي بالحائط الشمالي منه عند باب الكلاسة من أول صحيح البخاري إلى أثناء كتاب العلم منه من حفظه وأنا أقابل عليه من نسخة بيدي فادى جيدا غير أنه يصحف بعضا الكلمات لعجم فيه وربما لحن أيضا في بعض الاحيان واجتمع خلق كثير من العامة والخاصة وجماعة من المحدثين فاعجب ذلك جماعة كثيرين وقال آخرون منهم إن سرد بقية
وفي يوم السبت عاشره جمع القضاة والاعيان بدار السعادة وكتبوا خطوطهم بالرضى بخطابة قاضي القضاة تاج الدين السبكي بالجامع الأموي وكاتب نائب السلطنة في ذلك
وفي يوم الأحد حادي عشره استقر عزل نائب السلطنة سيف الدين قشتمر عن نيابة دمشق وأمر بالمسير إلى نيابة صفد فأنزل أهله بدار طيبغا حجى من الشرق الاعلى وبرز هو إلى سطح المزة ذاهبا إلى ناحية صفد وخرج المحمل صحبة الحجيج وهم جم غفير وخلق كثير يوم الخميس رابع عشر شوال
وفي يوم الخميس الحادي والعشرين من شوال توفي القاضي أمين الدين أبو حيان ابن أخي قاضي القضاة تاج الدين المسلاتي المالكي وزوج ابنته ونائبه في الحكم ملطقا وفي القضاة والتدريس في غيبته فعالجته المنية
ومن غريب ما وقع في أواخر هذا لاشهر أنه اشتهر بين النساء وكثير من العوام أن رجلا رأى مناما فيه أنه رأى النبي ص عند شجرة توتة عند مسجد ضرار خارج باب شرقي فتبادر النساء إلى تخليق تلك التوتة وأخذوا اوراقها للاستشفاء من الوباء ولكن لم يظهر صدق ذلك المنام ولا يصح عمن يرويه
وفي يوم الجمعة سابع شهر ذي القعدة خطب بجامع دمشق قاضي القضاة تاج الدين السبكي خطبة بليغة فصيحة أداها أداء حسنا وقد كان يحس من طائفة من العوام أن يشوشوا فلم يتكلم أحد منهم بل ضجوا عند الموعظة وغيرها وأعجبهم الخطيب وخطبته وأداؤه وتبليغه ومهابته واستمر يخطب هو بنفسه
وفي يوم الثلاثاء ثامن عشره توفي الصاحب تقي الدين سليمان بن مراجل ناظر الجامع الأموي وغيره وقد باشر نظر الجامع في ايام تنكز وعمر الجانب الغربي من الحائط القبلي وكمل رخامه كله وفتق محرابا للحنفية في الحائط القبلي ومحرابا للحنابلة فيه أيضا في غربيه وأثر أشياء كثيرة فيه وكانت له هم وينسب إلى أمانة وصرامة ومبشارة مشكورة مشهورة ودفن بتربة أنشأها تجاه داره بالقبيبات رحمه الله وقد جاوز الثمانين وفي يوم الأربعاء تاسع عشرة توفي الشيخ بهاء الدين عبد الوهاب الاخميمي المصري إمام مسجد درب الحجر وصلى عليه بعد العصر بالجامع الاموي ودفن بقصر ابن الحلاج عند الطيوريين بزاوية لبعض الفقراء الخزنة هناك وقد كان له يد في أصول الفقه وصنف في الكلام كتابا مشتملا على أشياء مقبولة وغير مقبولة انتهى
*3* دخول نائب السلطنة منكلي بغا
@ في يوم الخميس السابع والعشرين من ذي القعدة دخل نائب السلطنة منكلي بغا من حلب إلى دمشق نائبا عليها في تجمل هائل ولكنه مستمرض في بدنه بسبب ما كان ناله من التعب في مصابرة الاعراب فنزل دار السعادة على العادة وفي يوم الاثنين مستهل ذي الحجة خلع على قاضي القضاة تاج الدين السبكي الشافعي للخطابة بجامع دمشق واستمر على ما كان عليه يخطب بنفسه كل جمعة وفي يوم الثلاثاء ثانية قدم القاضي فتح الدين بن الشهيد ولبس الخلعة وراح الناس لتهنئته
وفي يوم الخميس حضر القاضي فتح الدين بن الشهيد كاتب السر مشيخة السميساطية وحضر عنده القضاة والاعيان بعد الظهر وخلع عليه لذلك أيضا وحضر فيها من الغد على العادة وخلع في هذا اليوم على وكيل بيت المال الشيخ جمال الدين بن الرهاوي وعلى الشيخ شهاب الدين الزهري بفتيا دار العدل أنتهى
*2* ثم دخلت سنة خمس وستين وسبعمائة
@ استهلت هذه السنة وسلطان الديار المصرية والشامية والحرمين وما يتبع ذلك الملك الاشرف ناصر الدين شعبان بن سيدي حسين بن السلطان الملك الناصر محمد بن المنصور قلاوون الصالحي وهو في عمر عشر سنين ومدبر الممالك بين يديه الامير الكبير نظام الملك سيف الدين يلبغا الخاصكي وقضاة مصرهم المذكورون في السنة التي قبلها ووزيرها فخر الدين بن قزوينه ونئاب دمشق الأمير سيف الدين منكلي بغا الشمس وهو مشكور السيرة وقضاتها هم المذكورون في السنة التي قبلها وناظر الدواوين بها الصاحب سعد الدين ماجد وناظر الجيس علم الدين داود وكاتب السر القاضي فتح الدين بن الشهيد ووكيل بيت المال القاضي جمال الدين بن الرهاوي
استهلت هذه السنة وداء الفناء موجود في الناس إلا أنه خف وقل ولله الحمد وفي يوم السبت توجه قاضي القضاة وكان بهاء الدين أبو البقاء السبكي إلى الديار المصرية مطلوبا من جهة الامير يلبغا وفي الكتاب إجابته له إلى مسائل وتوجه بعده قاضي القضاة تاج الدين الحاكم بدمشق وخطيبها يوم الاثنين الرابع عشر من المحرم على خيل البريد وتوجه بعدهما الشيخ شرف الدين ابن قاضي الجبل الحنبلي مطلوبا إلى الديار المصرية وكذلك توجه الشيخ زين الدين المنفلوطي مطلوبا
وتوفي في العشر الاوسط من المحرم صاحبنا الشيخ شمس الدين العطار الشافعي كان لديه فضيلة واشتغال وله فهم وعلق بخطه فوائد جيدة وكان إماما بالسجن من مشهد على بن الحسين بجامع دمشق ومصدرا بالجامع وفقيها بالمدارس وله مدرسة الحديث الوادعية وجاوز الخمسين بسنوات ولم يتزوج قط وقدم الركب الشامي إلى دمشق في اليوم الرابع والعشرين من المحرم وهم شاكرون مثنون في كل خير بهذه السنة أمنا ورخصا ولله الحمد
وفي يوم الاحد حادي عشر صفر درس بالمدرسة الفتحية صاحبنا الشيخ عماد الدين إسماعيل بن خليفة الشافعي وحضر عنده جماعة من الاعيان والفضلاء وأخذ في قوله تعالى إن عدة الشهور عند الله اثني عشر شهرا وفي يوم الخميس خامس عشره نودي في البلد على أهل الذمة بالزامهم بالصغار وتصغير العمائم وأن لا يستخدموا في شيء من الاعمال وأن لا يركبوا الخيل ولا البغال ويركبون الحمير بالأكف بالعرض وان يكون في رقابهم ورقاب نسائهم في الحمامات أجراس وأن يكون أحد النعلين أسود مخالفا للون الاخرى ففرح بذلك المسلمون ودعوا للآمر بذلك
وفي يوم الاحد ثالث ربيع الاول قدم قاضي القضاة تاج الدين من الديار المصرية مستمرا على القضاة والخطابة فتلقاه الناس وهنأوه بالعود والسلام وفي يوم الخميس سابعه لبس القاضي الصاحب البهنسي الخلعة لنظر الدواوين بدمشق وهنأه الناس وباشر بصرامة واستعمل في غالب الجهات من بناء السبيل
وفي يوم الاثنين جمادى عشره ركب قاضي القضاة بدر الدين بن أبي الفتح على خيل البريد إلى الديار المصرية لتوليه قضاء قضاة الشافعية بدمشق عن رضا من خالة قاضي القضاة تاج الدين ونزوله عن ذلك
وفي يوم الخميس خامس ربيع الاول احترقت الباسورة التي ظاهر باب الفرج على الجسر ونال حجارة الباب شيء من حريقها فاتسعت وقد حضر طفيها نائب السلطنة والحاجب الكبير ونائب القلعة والولاة وغيرهم وفي صبيحة هذا اليوم زاد النهر زيادة عظيمة سبب كثرة الأمطار وذلك في أوائل كانون الثاني وركب الماء سوق الخيل بكماله ووصل إلى ظاهر باب الفراديس وتلك النواحي وكسر جسر الخشب الذي عند جامع يلبغا وجاء فصدم به جسر الزلابية فكسره أيضا
وفي يوم الخميس ثاني عشره صرف حاجب الحجاب قماري عن المباشرة بدار السعادة وأخذت القضاة من يدة وانصرف إلى داره في أقل من الناس واستبشر بذلك كثير من الناس لكثرة ما كان يفتات على الأحكام الشرعية
وفي أواخره اشتهر موت القاضي تاج الدين المناوي بديار مصر وولاية قاضي القضاة بهاء الدين ابن أبي البقاء السبكي مكانه بقضاء العساكر بها ووكالة السلطان أيضا ورتب له مع ذلك كفايته وتولى في هذه الأيام الشيخ سراج الدين البلقيني إفتاء دار العدل مع الشيخ بهاء الدين أحمد بن قاضي القضاة السبكي بالشام وقد ولى هو أيضا القضاء بالشام كما تقدم ثم عاد إلى مصر موقرا مكرما وعاد أخوه تاج الدين إلى الشام وكذلك ولو مع البلقيني إفتاء دار العدل الحنفي شيخا يقال له الشيخ شمس الدين بن الصائغ وهو مفتي حنفي أيضا وفي يوم الاثنين سابع ربيع الأول توفي الشيخ نور الدين محمد بن الشيخ أبي بكر قوام بزوايتهم بسفح جبل قاسيون وغدا الناس إلى جنازته وقد كان من العلماء الفضلاء الفقهاء بمذهب الشافعي درس بالناصرية البرانية مدة سنين بعد أبيه وبالرباط الدويداري داخل باب الفرج وكان يحضر المدارس ونزل عندنا بالمدرسة النجيبية وكان يحب السنة ويفهمها جيدا رحمه الله
وفي مستهل جمادي الاولى ولى قاضي القضاة تاج الدين الشافعي مشيخة دار الحديث بالمدرسة التي فتحت بدرب القلبي وكانت دارا لوافقها جمال الدين عبد الله بن محمد بن عيسى التدمري الذي كان استاذا للأمير طاز وجعل فيها درس للحنابلة وجعل المدرس لهم الشيخ برهان الدين إبراهيم ابن قيم الجوزية وحضر الدرس وحضر عنده بعض الحنابلة بالدرس ثم جرت أمور يطول بسطها واستحضر نائب السلطنة شهود الحنابلة بالدرس واستفرد كلا منهم وسأله كيف شهد في أصل الكتاب المحضر الذي أثبتوا عليهم فاضطروا في الشهادات فضبط ذلك عليهم وفيه مخالفة كبيرة لما شهدوا به في أصل المحضر وشنع عليهم كثير من الناس ثم ظهرت ديون كثيرة لبيت طار على جمال الدين التدمري الواقف وطلب من القاضي المالكي أن يحكم بابطال ما حكم به الحنبلي فتوقف في ذلك وفي يوم الاثنين الحادي والعشرين منه قرئ كتاب السلطان بصرف الوكلاء من أبواب القضاة الأربعة فصرفوا
وفي شهر جمادي الاخرة توفي الشيخ شمس الدين شيخ الحنابلة بالصالحية يوعرف بالبيري يوم الخميس ثامنه صلى عليه بالجامع المظفري بعدا لعصر ودفن بالسفح وقد قارب الثمانين وفي الرابع عشر منه عقد بدار السعادة مجلس حافل اجتمع فيه القضاة الأربعة وجماعة من المفتيين وطلبت فحضرت معهم بسبب المدرسة التدمرية وقرابة الواقف ودعواهم أنه وقف عليهم الثلث فوقف الحنبلي في أمرهم ودافعهم عن ذلك أشد الدفاع
وفي العشر الاول من رجب وجد جراد كثير منتشر ثم تزايد وتراكم وتضاعف وتفاقم الامر بسببه وسد الارض كثرة وعاث يمينا وشمالا وأفسد شيئا كثيرا من الكروم والمقاني والزروعات النفيسة وأتلف للناس شيئا كثيرا فإنا لله وإنا اليه راجعون
وفي يوم الاثنين ثالث شعبان توجه القضاة ووكيل بيت المال إلى باب كيسان فوقفوا عليه وعلى هيئته ومن نية نائب السلطنة فتحه ليتفرج الناس به وعدم للناس غلات كثيرة وأشياء من أنواع الزروع بسبب كثرة الجراد فإنا لله وإنا اليه راجعون
*3* فتح باب كيسان بعد غلقه نحوا من مائتي سنة
@ وفي يوم الاربعاء السادس والعشرين من شعبان اجتمع نائب السلطنة والقضاة عند باب كيسان وشرع الصناع في فتحه عن مرسوم السلطان الوارد من الديار المصرية وأمر نائب السلطنة وإذن القضاة في ذلك واستهل رمضان وهم في العمل فيه وفي العشر الأخير من شعبان توفي الشريف شمس الدين محمد بن علي بن الحسن بن حمزة الحسيني المحدث المحصل المؤلف لاشياء مهمة وفي الحديث قرأ وسمع وجمع وكتب أسماء رجال بمسند الامام احمد واختصر كتابا في أسماء الرجال مفيدا وولى مشيخة الحديث التي وقفها في داره بهاء الدين القاسم بن عساكر داخل باب توما وختمت البخاريات في آخر شهر رمضان
ووقع بين الشيخ عماد الدين بن السراج قارئ البخاري عند محراب الصحابة وبين الشيخ بدر الدين بن الشيخ جمال الدين الشريشني وتها ترا على رؤس الاشهاد بسبب لفظه يبتز بمعنى يدخر وفي نسخة يتير فحكى ابن السراج عن الحافظ المزي أن الصواب يبتز من قول العرب عزيز وصدق في ذلك فكأن منازعه خطأ ابن المزي فانتصر الآخر للحافظ المزي فقاد منه بالقول ثم قام والده الشيخ جمال الدين المشار اليه فكشف رأسه على طريقة الصوفية فكأن ابن السراج لم يلتفت اليه وتدافعوا إلى القاضي الشافعي فانتصر للحافظ المزي وجرت أمور ثم اصلطحوا غير مرة وعزم اولئك على كتب محضر على ابن السراج ثم انطفأت تلك الشرور
وكثر الموت في أثناء شهر رمضان وقاربت العدة المائة وربما جاوزت المائة وربما كانت اقل منها وهو الغالب ومات جماعة من الأصحاب والمعارف فإنا لله وإنا اليه راجعون وكثر الجراد في البساتين وعظم الخطب بسبب وأتلف شيئا كثيرا من الغلات والثمار والخضراوات وغلت الاسعار وقلت الثمار وارتفعت قيم الاشياء فبيع الدبس بما فوق المائتين القنطار والرز بأزيد من ذلك وتكامل فتح باب كيسان وسموه الباب القبلي ووضع الجسر منه إلى الطريق السالكة وعرضه أزيد من عشرة أذرع بالنجاري لأجل عمل الباسورة جنبتيه ودخلت المارة عليه من المشاة والركبان وجاء في غاية الحسن وسلك الناس في حارات اليهود وانكشف دخلهم وأمن الناس من دخنهم وغشهم ومكرهم وخبثهم وانفرج الناس بهذا الباب المبارك
واستهل شوال والجراد قد أتلف شيئا كثيرا من البلاد ورعى الخضروات والاشجار وأوسع أهل الشام في الفساد وغلت الأسعار واستمر الفناء وكثر الضجيج والبكاء وفقدنا كثيرا من الأصحاب والأصدقاء فلان مات وقد تناقص الفناء في هذه المدة وقل الوقع وتناقص للخمسين وفي شهر ذي القعدة تقاصر الفناء ولله الحمد ونزل العدد إلى العشرين فما حولها وفي رابعه دخل بالفيل والزرافة إلى مدينة دمشق من القاهرة فأنزل في الميدان الأخضر قريبا من القصر الأبلق وذهب الناس للنظر اليهما على العادة
وفي يوم الجمعة تاسعه صلى على الشيخ جمال الدين عبد الصمد بن خليل البغدادي المعروف بابن الخضري محدث بغداد وواعظها كان من أهل السنة والجماعة رحمه الله انتهى
*3* تجديد خطبة ثانية داخل سور دمشق منذ فتوح الشام
@ اتفق ذلك في يوم الجمعة الثالث ثم تبين أنه الرابع والعشرين من ذي القعدة من هذه السنة بالجامع الذي جدد بناءه نائب الشام سيف الدين متكلي بغا بدرب البلاغة قبلي مسجد درب الحجر داخل باب كيسان المجدد فتحه في هذا الحين كما تقدم وهو معروف عند العامة بمسجد الشاذوري وإنما هو في تاريخ ابن عساكر مسجد الشهرزوري وكان المسجد رث الهيئة قد تقادم عهده مدة دهر وهجر فلا يدخله أحد من الناس إلا قليل فوسعه من قبليه وسقفه جديدا وجعل له صرحة شمالية مبلطة ورواقات على هيئة الجوامع والداخل بأبوابه على العادة وداخل ذلك رواق كبير له جناحان شرقي وغربي بأعمدة وقناطر وقد كان قديما كنيسة فأخذت منهم قبل الخمسمائة وعملت مسجدا فلم يزل كذلك إلى هذا الحين فلما كمل كما ذكرنا وسيق اليه الماء من القنوات ووضع فيه منبر مستعمل كذلك فيومئذ ركب نائب السلطنة ودخل البلد من باب كيسان وانعطف على حارة اليهود حتى انتهى إلى الجامع المذكور وقد استكف الناس عنده من قضاة واعيان وخاصة وعامة وقد عين لخطابته الشيخ صدر الدين بن منصور الحنفي مدرس الناجية وإمام الحنفية بالجامع الأموي فلما أذن الأذان الاول تعذر عليه الخروج من بيت الخطابة قيل لمرض عرض له وقيل لغير ذلك من حصر أو نحوه فخطب الناس يومئذ قاضي القضاة جمال الدين الحنفي الكفري خدمة لنائب السلطنة
واستهل شهر ذي الحجة وقد رفع الله الوباء عن دمشق وله الحمد والمنة وأهل البلد يموتون على العادة ولا يمرض احد بتلك العلة ولكن المرض المعتاد انتهى
*2* ثم دخلت سنة ست وستين وسبعمائة
@ استهلت هذه السنة والسلطان الملك الاشرف ناصر الدين شعبان والدولة بمصر والشام هم هم ودخل المحمل السلطاني صبيحة يوم الاثنين الرابع والعشرين منه وذكروا انهم نالهم في الرجعة شدة شديدة من الغلاء وموت الجمال وهرب الجمالين وقدم مع الركب ممن خرج من الديار المصرية قاضي القضاة بدر الدين بن أبي الفتح وقد سبقه التقليد بقضاء القضاة مع خالد تاج الدين يحكم فيما يحكم فيه مستقلا معه ومنفردا بعده
وفي شهر الله المحرم رسم نائب السلطنة بتخريب قريتين من وادي التيم وهم مشعرا وتلبناثا وسبب ذلك أنهما عاصيان وأهلهما مفسدان في الارض والبلدان والأرض حصينان لا يصل إليهما إلا بكلفة كثيرة لا يرتقي إليهما إلا فارس فارس فخربتا وعمر بدلهما في أسفل الوادي بحث يصل اليهما حكم الحاكم والطلب بسهولة فأخبرني الملك صلاح الدين ابن الكالم أن بلدة تلبتاثا عمل فيها ألف فارس ونقل نقضها إلى أسفل الوادي خمسمائة حمار عدة أيام
وفي يوم الجمعة سادس صفر بعد الصلاة صلى على قاضي القضاة جمال الدين يوسف بن قاضي القضاة شرف الدين احمد بن اقضى القضاة بن الحسين المزي الحنفي وكانت وفاته ليلة الجمعة المذكورة بعد مرض قريب من شهر وقد جاوز الاربعين بثلاث من السنين ولي قضاء قضاة الحنفية وخطب بجامع يلبغا وأحضر مشيخة النفيسية ودرس بأماكن من مدارس الحنفية وهو أول من خطب بالجامع المستجد داخل باب كيسان بحضرة نائب السلطنة
وفي صفر كانت وفاة الشيخ جمال الدين عمر بن القضاي عبدا لحي بن إدريس الحنبلي محتسب بغداد وقاضي الحنابلة بها فتعصبت عليه الروافض حتى ضرب بين يدي الوزارة ضربا مبرحا كانت سبب موته سريعا رحمه الله وكان من القائمين بالحق الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر من أكبر المنكرين على الروافض وغيرهم من أهل البدع رحمه الله وبل بالرحمة ثراه
وفي يوم الاربعاء تاسع صفر حضر مشيخة النفيسية الشيخ شمس الديب بن سند وحضر عنده قاضي القضاة تاج الدين وجماعة من الأعيان وأورد حديث عبادة بن الصامت لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب أسنده عن قاضي القضاة المشار إليه
وجاء البريد من الديار المصرية بطلب قاضي القضاة تاج الدين إلى هناك فسير أهله قبله على الجمال وخرجوا يوم الجمعة حادي عشر ربيع الاول جماعة من أهل بيتهم لزيارة أهاليهم هناك فاقام هو بعدهم إلى أن قدم نائب السلطنة من الرحبة وركب على البريد وفي يوم الاثنين خامس عشر جمادي الاخرة رجع قاضي القضاة تاج الدين السبكي من الديار المصرية على البريد وتلقاه الناس إلى أثناء الطريق واحتفلوا للسلام عليه وتهنئته بالسلامة انتهى والله اعلم
*3* قتل الرافضي الخبيث
@ وفي يوم الخميس سابع عشره أول النهار وجد رجل بالجامع الاموي اسمه محمود بن إبراهيم الشيرازي وهو يسب الشيخين ويصرح بلعنتهما فرفع إلى القاضي المالكي قاضي القضاة جمال الدين المسلاتي فاستتابه عن ذلك وأحضر الضراب فأول ضربة قال لا إله إلا الله على ولي الله ولما ضرب الثانية لعن أبا بكر وعمر فالتهمه العامة فأوسعوه ضربا مبرحا بحيث كاد يهلك فجعل القاضي يستكفهم عنه فلم يستطع ذلك فجعل الرافضي يسب ويعلن الصحابة وقال كانوا على الضلال فعند ذلك حمل إلى نائب السلطنة وشهد عليه قوله بأنهم كانوا على الضلالة فعند ذلك حكم عليه القاضي باراقاة دمه فأخذ إلى ظهر البلد فضربت عنقه وأحرقته العامة قبحه الله وكان ممن يقرأ بمدرسة أبي عمر ثم ظهر عليه الرفض فسجنه الحنبلي أربعين يوما فلم ينفع ذلك وما زال يصرح في كل موطن يأمر فيه بالسب حتى كان يومه هذا أظهر مذهبه في الجامع وكان سبب قتله قبحه الله كما قبح من كان قبله وقتل بقتله في سنة خمس وخسمين
*3* استنابه ولي الدين ابن أبي البقاء السبكي
@ وفي آخر هذا اليوم أعني يوم الخميس ثامن عشره حكم أقضي القضاة ولي الدين بن قاضي القضاة بهاء الدين بن أبي البقاء بالمدرسة العادلية الكبيرة نيابة عن قاضي القضاة تاج الدين مع استنابة أقضى القضاة شمس الدين العزي وأقضى القضاة بدر الدين بن وهيبة وأما قاضى القضاة بدر الدين بن أبي الفتح فهو نائب أيضا ولكنه بتوقيع شريف أنه يحكم مستقلا مع قاضي القضاة تاج الدين
وفي يوم الاثنين الثاني والعشرين منه استحضر نائب السلطنة الامير ناصر الدين بن العاوي متولي البلد ونقم عليه أشياء وأمر بضربه فضرب بين يديه على أكتافه ضربا ليس بمبرح ثم عزله واستدعى بالأمير علم الدين سليمان أحد الأمراء العشراوات ابن الأمير صفي الدين بن أبي القاسم البصراوي أحد أمراء الطبلخانات كان قد ولي شد الدواوين ونظر القدس والخليل وغير ذلك من الولايات الكبار وهو ابن الشيخ فخر الدين عثمان بن الشيخ صفي الدين ابي القاء التميمي الحنفي وبأيديهم تدريس الامينية التي ببصرى والحكيمية ازيد من مائة سنة فولاه ابلد على تكره منه فألزمه بها وخلع عليه وقد كان وليها قبل ذلك فأحسن السيرة وشكر سعيه لديانته وأمانته وعفته وفرح الناس ولله الحمد
*3* ولاية قاضي القضاة بهاء الدين السبكي قضاء مصر بعد عزل عز الدين بن جماعة نفسه
@ ورد الخبر مع البريد من الديار المصرية بأن قاضي القضاة عز الدين عبدالعزيز ابن قاضي القضاة بدر الدين بن جماعة عزل نفسه عن القضاء يوم الاثنين السادس عشر من هذا الشهر وصمم على ذلك فبعث الامير الكبير يلبغا اليه الأمراء يسترضونه فلم يقبل فركب اليه بنفسه ومع القضاة والاعيان فتلطفوا به فلم يقبل وصمم على الانعزال فقال له الامير الكبير فعين لنا من يصلح بعدك قال ولا أقول لكم شيئا غير انه لا يتولى رجل واحد ثم ولوا من شئتم فأخبرني قاضي القضاة تاج الدين السبكي أنه قال لا تولوا ابن عقيل فعين الامير الكبير قاضي القضاة بهاء الدين ابا البقاء فقيل إنه أظهر الامتناع ثم قبل ولبس الخلعة وباشر يوم الاثنين الثالث والعشرين من جمادي الاخرة قاضي القضاة الشيخ بهاء الدين بن قاضي القضاة تقي الدين السبكي قضاء العساكر الذي كان بيد أبي البقاء
وفي يوم الاثنين سابع رجب توفي الشيخ علي المراوحي خادم الشيخ أسد المرواحي البغدادي وكان فيه مروءة كثيرة ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويدخل على النواب ويرسل إلى الولاة فتقبل رسالته وله قبول عند الناس وفيه بر وصدقة وإحسان إلى المحاويج وبيده مال جيد يتجرله فيه تعلل مدة طويله ثم كانت وفاته في هذا اليوم فصلى عليه الظهر بالجامع ثم حمل إلى سفح قاسيون رحمه الله
وفي صبيحة يوم الثلاثاء السابع والعشرين من شعبان قدم الامير سيف الدين بيدمر الذي كان نائب الشام فنزل بداره عند مأذنة فيروز وذهب الناس للسلام عليه بعد ما سلم على نائب السلطنة بدار السعادة وقد رسم له بطبلخانتين وتقدمة ألف وولاية الولاة من غزة إلى أقصى بلاد الشام وأكرمه ملك الامراء إكراما زائدا وفرحت العامة بذلك فرحا شديدا بعوده إلى الولاية وختمت البخاريات بالجامع الاموي وغيره في عدة أماكن من ذلك ستة مواعيد تقرأ على الشيخ عماد الدين ابن كثير في اليوم أولها بمسجد ابن هشام بكرة قبل طلوع الشمس ثم تحت النسر ثم بالمدرسة النورية وبعد الظهر بجامع تنكز ثم بالمدرسة العزية ثم بالكوشك لأم الزوجة الست أسماء بنت الوزير ابن السلعوس إلى اذان العصر ثم من بعد العصر بدار ملك الأمراء أمير علي بمحلة القضاعين إلى قريب الغروب ويقرأ صحيح مسلم بحراب الحنابلة داخل باب الزيارة بعد قبة النسر وقبل النورية والله المسئول وهو المعين الميسر المسهل وقد قرئ في هذه الهيئة في عدة أماكن اخر من دور الامراء وغيرهم ولم يعهد مثل هذا في السنين الماضية فلله الحمد والمنة
وفي يوم الثلاثاء عاشر شوال توفي الشيخ نور الدين على من أبي الهيجاء الكركي الشوبكي ثم الدمشقي الشافعي كان معنا في المقري والكتاب وختمت أنا وهو في سنة إحدى عشرة ونشأ في صيانة وعفاف وقرأ على الشيخ بدر الدين بن شيحان للسبع ولم يكمل عليه ختمة واشتغل في المنهاج للنواوي فقرأ كثيرا منه أو أكثر وكان ينقل منه ويستحضر وكان خفيف الروح تحبه الناس لذلك ويرغبون في عشرته لذلك رحمه الله كان يستحضر المتشابه في القرآن استحضارا حسنا متقنا كثيرا التلاوة له حسن الصلاة يقوم الليل وقرأ على صحيح البخاري بمشهد ابن هشام عدة سنين ومهر فيه وكان صوته جهوريا فصيح العبارة ثم ولى مشيخة الحلبية بالجامع وقرأ في عدة كراسي بالحائط الشمالي وكان مقبولا عند الخاصة والعامة وكان يداوم على قيام الشعر الاخير في محراب الصحابة مع عدة قراء يبتون فيه ويبيتون الليل ولما كان في هذه السنة أحيا ليلة العيد وحده بالمحراب المذكور ثم مرض خمسة أيام ثم مات بعد الظهر يوم الثلاثاء عاشر شوال بدرب العميد وصلى عليه العصر بالجامع الاموي ودفن بمقابر الباب الصغير عنده والده في تربة لهم وكانت جنازته حافلة وتأسف الناس عليه رحمه الله وبل بالرحمة ثراه وقد قارب خمسا وستين سنة وترك بنتا سباعية اسمها عائشة وقد أقرأها شيئا من القرآن إلى تبارك وحفظها الابعين النواوية جبرها ربها ورحم أباها آمين
وخرج المحمل الشامي والحجيج يوم الخميس ثاني عشرة وأمرهم الأمير علاء الدين علي بن علم الدين الهلالي أحد أمراء الطبلخانات
وتوفي الشيخ عبد الله الملطي يوم السبت رابع عشرة وكان مشهورا بالمجاورة بالكلاسة في الجامع الاموي له اشياء كثيرة من الطراريح والالات الفقرية ويلبس على طريقة الحريرية وشكله مزعج ومن الناس من كان يعتقد فيه الصلاح وكنت ممن يكرهه طبعا وشرعا أيضا
وفي يوم الخميس الخامس والعشرين من ذي القعدة قدم البريد من ناحية المشرق ومعهم قماقم ماء من عين هناك من خاصيته انه يتبعه طير يسمى السمرمر أصفر الريش قريب من شكل الخطاف من شأنه إذا قدم الجراد إلى البلد الذي هو فيه أنه يفنيه ويأكله أكلا سريعا فلا يلبث الجراد إلا قليلا حتى يرحل أو يؤكل على ما ذكر ولم أشاهد ذلك
وفي المنتصف من ذي الحجة كمل بناء القيسارية التي كانت معملا بالقرب من دار الحجارة قبلي سوق الدهشة الذي للرجال وفتحت وأكريت دهشة لقماش النساء وذلك كله بمرسوم ملك الأمراء ناظر الجامع المعمور رحمه الله وأخبرني الصدر عز الدين الصيرفي المشارف بالجامع أنه غرم عليها من مال الجامع قريب ثلاثين ألف درهم انتهى
*3* طرح مكس القطن المغزول البلدي والمجلوب
@ وفي أواخر هذا الشهر جاء المرسوم الشريف بطرح مكس القطن المغزول البلدي والجلب أيضا ونودي بذلك في البلد فكثرت الدعوات لمن أمر بذلك وفرح المسلمون بذلك فرحا شديدا ولله الحمد والمنة
*2* ثم دخلت سنة سبع وستين وسبعمائة
@ استهلت وسلطان البلاد المصرية والشامية والحرمين الشريفين وما يتبع ذلك من الاقاليم الملك الأشرف بن الحسين بن الملك الناصر محمد بن قلاوون وعمره عشر سنين فما فوقها وأتابك العساكر ومدبر ممالكه الامير سيف الدين يلبغا الخاصكي وقاضي قضاة الشافعية بمصر بهاء الدين أبو البقاء السبكي وبقية القضاة هم المذكورون في السنة الماضية ونائب دمشق الامير سيف الدين منكلي بغا وقضاة دمشق هم المذكورون في التي قبلها سوى الحنفي فإنه الشيخ جمال الدين بن السراج شيخ الحنفية والخطابة بيد قاضي القضاة تاج الدين الشافعي وكاتب السر وشيخ الشيوخ القاضي فتح الدين بن الشهيد ووكيل بيت المال الشيخ جمال الدين بن الرهاوي ودخل المحمل السلطاني يوم الجمعة بعد العصر قريب الغروب ولم يشعر بذل أكثر أهل البلد وذلك لغيبة النائب في السرحة مما يلي ناحية الفرات ليكون كالرد للتجريدة التي تعينت لتخريب الكبيسات اليت هي إقطاع خيار بن مهنا من زمن السلطان اويس ملك العراق انتهى
*3* استيلاء الفرنج لعنهم الله على الاسكندرية
@ وفي العشر الاخير من شهر الله المحرم احتيط على الفرنج بمدينة دمشق واودعوا في الحبوس في القلعة المنصورة واشتهر أن سبب ذلك أن مدينة الاسكندرية محاصرة بعدة شواين وذكر أن صاحب قبرص معهم وأن الجيش المصري صمدوا إلى حراسة مدينة الاسكندرية حرسها الله تعالى وصانها وحماها وسيأتي تفصيل أمرها في الشهر الاتي فإنه وضح لنا فيه ومكث القوم بعد الاسكندرية بأيام فيما بلغنا بعد ذلك حاصرها أمير من التتار يقال له مامية واستعان بطائفة من الفرنج ففتحوها قسرا وقتلوا من اهلها خلقا وغنموا شيئا كثيرا واستقرت عليها يدمامية ملكا عليها
وفي يوم الجمعة سلخ هذا الشهر توفي الشيخ برهان الدين إبراهيم بن الشيخ شمس الدين بن قيم الجوزية ببستانه بالمزة ونقل إلى عند والده بمقابر باب الصغير فصلى عليه بعد صلاة العصر بجامع جراح وحضر جنازته القضاة والاعيان وخلق من التجار والعامة وكانت جنازته حافلة وقد بلغ من العمر ثمانيا وأربعين سنة وكان بارعا فاضلا في النحو والفقه وفنون أخر على طريقة والده رحمهما الله تعالى وكان مدرسا بالصدرية والتدمرية وله تصدير بالجامع وخطابة بجامع ابن صلحان وترك مالا جزيلا يقارب المائة ألف درهم انتهى
ثم دخل شهر صفر وأوله الجمعة أخبرني بعض علماء السير أنه اجتمع في هذا اليوم يوم الجمعة مستهل هذا الشهر الكواكب السبعة سوى المريخ في برجا العقرب ولم يتفق مثل هذا من سنين متطاولة فأما المريخ فإنه كان قد سبق إلى برج القوس فيه ووردت الاخبار بما وقع من الأمر الفظيع بمدينة الاسكندرية من الفرنج لعنهم الله وذلك أنهم وصلو اليها في يوم الاربعاء الثاني والعشرين من شهر الله المحرم فلم يجدوا بها نائبا ولا جيشا ولا حافظا للبحر ولا ناصرا فدخلوها يوم الجمعة بكرة النهار بعد ما حرقوا أبوابا كبيرة منها وعاثوا في أهلها فسادا يقتلون الرجال ويأخذون الأموال ويأسرون النساء والاطفال فالحكم لله العلي الكبير المتعال واقاموا بها يوم الجمعة والسبت والاحد والاثنين والثلاثاء فلما كان صبيحة يوم الاربعاء قدم الشاليش المصري فأقلعت الفرنج لعنهم الله عنها وقد أسروا خلقا كثيرا يقاومون الاربعة آلاف واخذوا من الاموال ذهبا وحريرا وبهارا وغير ذلك مالا يحد ولا يوصف وقدم السلطان والأمير الكبير يلبغا ظهر يومئذ وقد تفارط الحال وتحولت الغنائم كلها إلى الشوائن بالبحر فسمع للأسارى من للعويل والبكاء والشكوى والجأر إلى الله والاستغاثة به وبالمسلمين ما قطع الاكباد وذرفت له العيون واصم الاسماع فإنا لله وإنا اليه راجعون ولما بغلت الاخبار إلى أهل دمشق شق عليهم ذلك جدا وذكر ذلك الخطيب يوم الجمعة على المنبر فتباكى الناس كثيرا فإنا لله وإنا اليه راجعون وجاء المرسوم الشريف من الديار المصرية إلى
نائب السلطنة بمسك النصارى من الشام جملة واحدة وأن يأخذ منهم ربع أموالهم لعمارة ما خرب من الاسكندرية ولعمارة مراكب تغزو الفرنج فأهانوا النصارى وطلبوا من بيوتهم بعنف وخافوا أن يقتلوا ولم يفهموا ما يراد بهم فهربوا كل مهرب ولم تكن هذه الحركة شرعية ولا يجوز اعتمادها شعا وقد طلبت يوم السبت السادس عشر من صفر إلى الميدان الاخضر للاجتماع بنائب السلطنة وكان اجتمعنا بعد العصر يومئذ بعد الفراغ من لعب الكرة فرأيت منه أنسا كثيرا ورأيته كامل الرأي والفهم حسن العبارة كريم المجالسة فذكرت له أن هذا لا يجوز اعتماده في النصارى فقال إن بعض فقهاء مصر أفتى للأمير الكبير بذلك فقلت له هذا مما لايسوغ شرعا ولا يجوز لأحد أن بفتي بهذا ومتى كانوا باقين على الذمة يؤدون إلينا الجزية ملتزمين بالذلة والصغار وأحكام الملة قائمة لا يجوز أن يؤخذ منهم الدرهم الواحد الفرد فوق ما يبذلونه من الجزية ومثل هذا لايخفى على الامير فقال كيف أصنع وقد ورد المرسوم بذلك ولا يمكنني أن أخالفه وذكرت له اشياء كثيرة مما ينبغي اعتماده في حق أهل قبرص من الارهاب ووعيد العقاب وأنه يجوز ذلك وإن لم يفعل ما يتوعدهم به كما قال سليمان بن داود عليهما السلام ائتوني بالسكين أشقه نصفين كما هو الحديث مبسوط في الصحيحين فجعل يعجبه هذا جدا وذكر أن هذا كان في قلبه وأني كاشفته بهذا وأنه كتب به مطالعة إلى الديار المصرية وسيأتي جوابها بعد عشرة أيام فتجيء حتى تقف على الجواب وظهر منه إحسان وقبول وإكرام زائد رحمه الله ثم اجتمعت به في دار السعادة في أوائل شهر ربيع الاول فبشرني أنه قد رسم بعمل الشواني والمراكب لغزو الفرنج ولله الحمد والمنة ثم في صبيحة يوم الاحد طلب النصارى الذين اجتمعوا في كنيستهم إلى بين يديه وهم قريب من أربعمائة فحلفهم كم أموالهم وألزمهم بأداء الربع من أموالهم فإنا لله وانا اليه راجعون وقد امروا إلى الولاة باحضار من في معالمتهم ووالي البر قد خرج إلى القرايا بسبب لك وجردت امراء إلى النواحي لاستخلاص الاموال من النصارى في القدس وغير ذلك
وفي أول شهر ربيع الاول كان سفر قاضي القضاة تقي الدين السبكي الشافعي إلى القاهرة وفي يوم الاربعاء خامس ربيع الاول اجتمعت بنائب السلطنة بدار السعادة وسألته عن جواب المطالعة فذكر لي أنه جاء المرسوم الشريف السلطاني بعمل الشواني والمراكب لغزو قبرص وقتال الفرنج ولله الحمد والمنة وأمر نائب السلطنة بتجهيز القطاعين والنشارين من دمشق إلى الغابة التي بالقرب من بيروت وأن يشرع في عمل الشواني في آخر يوم من هذا الشهر وهو يوم الجمعة وفتحت دار القرآن التي وقفها الشريف التعاداني إلى جانب حمام الكاس شمالي المدرسة البادرائية وعمل فيها وظيفة حديث وحضر واقفها يومية قاضي القضاة تاج الدين السبكي انتهى والله أعلم
*3* عقد مجلس بسبب قاضي القضاة تاج الدين السبكي
@ ولما كان يوم الاثنين الرابع والعشرين من ربيع الاول عقد مجلس حافل بدار السعادة بسبب ما رمى به قاضي القضاة تاج الدين الشافعي ابن قاضي القضاة تقي الدين السبكي وكنت ممن طلب اليه فحضرته فيمن حضر وقد اجتمع فيه القضاة الثلاثة وخلق من المذاهب الاربعة وآخرون من غيرهم بحضرة نائب الشام سيف الدين منكلي بغا وكان قد سافر هو إلى الديار المصرية إلى الابواب الشريفة واستنجز كتابا إلى نائب السلطنة لجمع هذا المجلس ليسأل عنه الناس وكان قد كتب فيه محضران متعاكسان احدهما له والاخر عليه وفي الذي عليه خط القاضيين المالكي والحنبلي وجماعة آخرين وفيه عظائم واشياء منكرة جدا ينبو السمع عن استماعه وفي الاخر خطوط جماعات من المذاهب بالثناء عيه وفيه خطى باني ما رأيت فيه إلا خيرا ولما اجتمعوا أمر نائب السلطنة بأن يمتاز هؤلاء عن هؤلاء في المجالس فصارت كل طائفة وحدها وتحاذوا فيما بينهم وتأصل عنه نائبه القاضي شمس الدين الغزي والنائب الآخر بدر الدين بن وهبة وغيرهما وصرح قاضي القضاة جمال الدين الحنبلي بأنه قد ثبت عنده ما كتب به خطه فيه وأجابه بعض الحاضرين منهم بدائم النفوذ فبادر القاضي الغزي فقال للحنبلي أنت قد ثبتت عداوتك لقاضي القضاة تاج الدين فكثر القول وارتفعت الأصوات وكثر الجدال والمقال وتكلم قاضي القضاة جمال الدين المالكي أيضا بنحو ما قال الحنبلي فأجيب بمثل ذلك أيضا وطال المجلس فانفصلوا عل مثل ذلك ولما بلغت الباب امر نائب السلطنة برجوعي إليه فإذا بقية الناس من الطرفين والقضاة الثلاثة جلوس فأشار نائب السلطنة بالصلح بينهم وبين قاضي القضاة تاج الدين يعني وأن يرجع القاضيان عما قالا فأشار الشيخ شرف الدين بن قاضي الجبل وأشرت أنا أيضا بذلك فلان المالكي وامتنع الحنبلي فقمنا والأمر باق على ما تقدم ثم اجتمعنا يوم الجمعة بعدا لعصر عند نائب السلطنة عن طلبه فتراضوا كيف يكون جواب الكتابات مع مطالعة نائب السلطنة ففعل ذلك وسار البريد بذلك إلى الديار المصرية ثم اجتمعنا أيضا يوم الجمعة بعد الصلاة التاسع عشر من ربيع الآخر بدار السعادة وحضر القضاة الثلاثة وجماعة آخرون واجتهد نائب السلطنة على الصلح بين القضاة وقاضي الشافعية وهو بمصر فحصل خلف وكلام طويل ثم كان الأمر أن سكنت أنفس جماعة منهم إلى ذلك على ما سنذكره في الشهر الاتي
وفي مستهل ربيع الآخر كانت وفاة المعلم داود الذي كان مباشرا لنظارة الجيش وأضيف اليه نظر الدواوين إلى آخر وقت فاجتمع له هاتان الوظيفتان ولم يجتمعا لأحد قبله كما في علمي وكان من أخبر الناس بنظر الجيش وأعلمهم بأسماء رجاله ومواضع الاقطاعات وقد كان والده نائبا لنظار الجيوش وكان يهوديا قرائيا فأسلم ولده هذا قبل وفاة نفسه بسنوات عشر او نحوها وقد كان ظاهره جيدا والله أعلم بسره وسريرته وقد تمرض قبل وفاته بشهر أو نحوه حتى كانت وفاته في هذا اليوم فصلى عليه بالجامع الأموي تجاه النسر بعد الصعر ثم حمل إلى تربة له أعدها في بستانه بحوش وله من العمر قريب الخمسين
وفي أوائل هذا الشهر ورد المسروم الشريف السلطاني بالرد على نساء النصارى ما كان أخذ منهن مع الجباية التي كان تقدم اخذها منهن وإن كان الجميع ظلما ولكن الأخذ من النساء أفحش وأبلغ في الظلم والله اعلم وفي يوم الاثنين الخامس عشر منه أمر نائب السلطنة أعزه الله بكبس بساتين أهل الذمة فوجد فيها من الخمر المعتصر من الخوابي والحباب فأريقت عن آخرها ولله الحمد والمنة بحيث جرت في الازقة والطرقات وفاض نهر توزا من ذلك وأمر بمصادرة أهل الذمة الذين وجد عندهم ذلك بمال جزيل وهم تحت الجباية وبعد ايام نودي في البلد بان نساء أهل الذمة لا تدخل الحمامت مع المسلمات بل تدخل حمامات تختص بهن ومن دخل من أهل الذمة الرجال مع الرجال المسلمين يكون في رقاب الكفار علامات يعرفون بها من أجراس وخواتيم ونحو ذلك وأمر نساء أهل الذمة بأن تلبس المرأة خفيها مخالفين في اللون بأن يكون احدهما أبيض والاخر أصفر أو نحو ذلك
ولما كان يوم الجمعة التاسع عشر من الشهر أعني ربيع الاخر طلب القضاة الثلاثة وجماعة من المفتيين فمن ناحية الشافعي نائباه وهما القاضي شمس الدين الغزي والقاضي بدر الدين بن وهبة والشيخ جمال الدين بن قاضي الزبداني والمصنف الشيخ عماد الدين بن كثير والشيخ بدر الدين حسن الزرعي والشيخ تقي الدين الفارقي ومن الجانب الآخر قاضيا القضاة جمال الدين المالكي والحنبلي والشيخ شرف الدين بن قاضي الجبل الحنبلي والشيخ جمال الدين ابن الشريشني والشيخ عز الدين بن حمزة بن شيخ السلامية الحنبلي وعماد الدين الحنائي فاجتمعت مع نائب السلطنة بالقاعة التي في صدر إيوان دار السعادة وجلس نائب السلطنة في صدر المكان وجلسنا حوله فكان أول ما قال كنا نحن الترك وغيرنا إذا اختلفنا واختصمنا نجيء بالعلماء فيصلحون بيننا فصرنا نحن إذا اختلفت العلماء واختصموا فيمن يصلح بينهم وشرع في تأنيب من شنع على الشافعي بما تقدم ذكره من تلك الاقوال والافاعيل التي كتبت في تلك الاوراق وغير وأن هذا يشفي الأعداء بنا واشار بالصلح بين القضاة بعضهم من بضع فصمم بعضهم وامتنع وجرت مناقشات من بعض الحاضرين فيما بينهم ثم حصل بحث في مسائل ثم قال نائب السلطنة أخيرا أما سمعتم قول الله تعالى عفا الله عما سلف فلانت القلوب عند ذلك وأمر كاتب السر أن يكتب مضمون ذلك في مطالعة إلى الديار المصرية ثم خرجنا على ذلك انتهى والله اعلم
*3* عودة قاضي القضاة السبكي إلى دمشق
@ في يوم الاربعاء التاسع والعشرين من جمادي الاولى قدم من ناحية الكسوة وقد تلقاه جماعةمن الاعيان إلى الصمين وما فوقها فلما وصل إلى الكسوة كثر الناس جدا وقاربها قاضي قضاة الحنفية الشيخ جمال الدين بن السراج فلما أشرف من عقبة شحورا تلقاه خلائق لا يحصون كثرة واشعلت الشموع حتى مع النساء والناس في سرور عظيم فلما كان قريبا من الجسورة تلقته الخلائق الخليفيين مع الجوامع والمؤذنون يكبرون والناس في سرور عظيم ولما قرب باب النصر وقع مطر عظيم والناس معه لا تسعهم الطرقات يدعون له ويفرحون بقدومه فدخل دار السعادة وسلم على نائب السلطنة ثم دخل الجامع بعد الصعر ومعه شموع كثيرة والرؤساء أكثر من العامة ولما كان يوم الجمعة ثاني شهر جمادي الاخرة ركب قاضي القضاة السبكي إلى دار السعادة وقد استدعى نائب السلطنة بالقاضيين المالكي والحنبلي فأصلح بينهم وخرج من عنده ثلاثتهم يتماشون إلى الجامع فدخلوا دار الخطابة فاجتمعوا هناك وضيفهما الشافعي ثم حضرا خطبته الحافلة البليغة الفصيحة ثم خرجوا ثلاثتهم من جوا إلى دار المالكي فاجتمعوا هنالك وضيفهم المالكي هنالك ما تيسر والله الموفق للصواب
وفي أوائل هذا الشهر وردت المراسيم الشريفة السلطانية من الديار المصرية بأن يجعل للأمير من إقطاعه النصف خاصا له وفي النصف الاخر يكون لأجناده فحصل بهذا رفق عظيم بالجند وعدل كثير ولله الحمد وأن يتجهز الاجناد ويحرصوا على السبق والرمي بالنشاب وأن يكونوا مستعدين متى استنفروا نفروا فاستعدوا لذلك وتأهبوا لقتال الفرنج كما قال الله تعالى وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم الاية وثبت في الحديث أن رسول الله
ص قال على المنبر ألا إن القوة الرمي وفي الحديث الاخر ارموا واركبوا وأن ترموا أحب إلي
وفي يوم الاثنين بعد الظهر عقد مجلس بدار السعادة للكشف على قاضي القضاة جمال الدين المرداوي الحنبلي بمقتضى مرسوم شريف ورد من الديار المصرية بذلك وذلك بسبب ما يعتمده كثير من شهود مجلسه من بيع اوقاف لم يستوف فيها شرائط المذهب وإثبات إعسارات أيضا كذلك وغير ذلك انتهى
*3* الوقعة بين الامراء بالديار المصرية
@ وفي العشر الأخير من جمادي الاخرة ورد الخبر بأن الأمير الكبير يلبغا الخاصكي خرج عليه جماعة من الامراء مع الامير سيف الدين طيبغا الطويل فبرز اليهم إلى قبة القصر فالقتوا معه هنالك فقتل جماعة وجرح آخرين وانفصل الحال على مسك طيبغا الطويل وهو جريح ومسك أرغون السعردي الدويدار وخلق من امراء الالوف والطبلخانات وجرت خبطة عظيمة استمر فيها الامير الكبير يلبغا على عزه وتأييده ونصره ولله الحمد والمنة وفي ثاني رجب يوم السبت توجه الأمير سيف الدين بيدمر الذي كان نائب دمشق إلى الديار المصرية بطلب الامير يلبغا ليؤكد أمره في دخول البحر لقتال الفرنج وفتح قبرص إن شاء الله انتهى والله تعالى أعلم
*3* مما يتعلق بأمر بغداد
@ اخبرني الشيخ عبد الرحمن البغدادي احد رؤساء بغداد وأصحاب التجارات والشيخ شهاب الدين العطار السمسار في الشرب بغدادي أيضا أن بغداد بعد أن استعادها اويس ملك العراق وخراسان من يد الطواشي مرجان واستحضره فأكرمه وأطلق له فاتفقا أن اصل الفتنة من الامير أحمد أخو الوزير فأحضره السلطان إلى بين يديه وضربه بسكين في كرشه فشقه وأمر بعض الامراء فقتله فانتصر أهل السنة لذلك نصرة عظيمة وأخذ خشبته أهل باب الازج فأحرقوه وسكنت الامور وتشفوا بمقتل الشيخ جمال الدين الانباري الذي قتله الوزير الرافضي فأهلكه الله بعده سريعا انتهى
*3* وفاة قاضي القضاة عز الدين عبد العزيز بن حاتم الشافعي
@ وفي العشر الاول من شهر شعبان قدم كتاب من الديار المصرية بوفاة قاضي القضاة بدر الدين محمد ابن جماعة بمكة شرفها الله في العاشر من جمادي الآخرة ودفن في الحادي عشر في باب المعلى وذكروا أنه توفي وهو يقرأ القرآن وأخبرني صاحب الشيخ محيي الدين الرحبي حفظه الله تعالى أنه كان يقول كثيرا اشتهى أن اموت وأنا معزول وأن تكون وفاتي بأحذ الحرمين فأعطاه الله ما تمناه عزل نفسه في السنة الماضية وهاجر إلى مكة ثم قدم المدينة لزيارة رسول الله
ص ثم عاد إلى مكة وكانت وفاته بها في الوقت المذكور فرحمه الله وبل بالرحمة ثراه وقد كان مولده في سنة أربع وتسعين فتوفي عن ثلاث وسبعين سنة وقد نال العز عزا في الدنيا ورفعة هائلة ومناصب وتداريس كبار ثم عزل نفسه وتفرغ للعبادة والمجاورة بالحرمين الشريفين فيقال له ما قلته في بعض المراثي
فكأنك قد اعلمت بالموت حتى تزودت له من خيار الزاد
وحضر عندي في يوم الثلاثاء تاسع شوال البترك بشارة الملقب بميخائيل وأخبرني أن المطارنة بالشام بايعوه على أن جعلوه بتركا بدمشق عوضا عن البترك بانطاكية فذكرت له أن هذا أمر مبتدع في دنيهم فإنه لا تكون البتاركة إلا أربعة بالاسكندرية وبالقدس وبانطاكية وبرومية فنقل بترك رومية إلى اسطنبول وهي القسطنطينية وقد انكر عليهم كثير منهم إذ ذاك فهذا الذي ابتدعوه في هذا الوقت أعظم من ذلك لكن اعتذر بأنه في الحقيقة هو عن إنطاكية وإنما اذن له في المقام بالشام الشريف لأجل أنه أمره نائب السلطنة ان يكتب عنه وعن أهل ملتهم إلى صاحب قبرص يذكر له ما حل بهم من الخزي والنكال والجناية بسبب عدوان صاحب قبرص على مدينة الاسكندرية وأحضر لي الكتب اليه وإلى ملك اسطنبول وقرأها على من لفظه لعنه الله ولعن المكتوب إليهم أيضا وقد تكلمت معه في دينهم ونصوص ما يعتقده كل من الطوائف الثلاثة وهم الملكية واليعقوبية ومنهم الافرنج القبط والنسطورية فإذا هو يفهم بعض الشيء ولكن حاصله أنه حمار من أكفر الكفار لعنه الله
وفي هذا الشهر بلغنا استعادة السلطان أويس ابن الشيخ حسن ملك العراق وخراسان لبغداد من يد الطواشي مرجان الذي كان نائبه عليهما وامتنع من طاعة أويس فجاء إليه في جحافل كثيرة فهرب مرجان ودخل أويس إلى بغداد دخولا هائلا وكان يوما مشهودا
وفي يوم السبت السابع والعشرين من شعبان قدم الأمير سيف الدين بيدمر من الديار المصرية على البريد أمير مائة مقدم ألف وعلى نيابة يلبغا في جميع دواوينه بدمشق وغيرها وعلى إمارة البحر وعمل المراكب فلما قدم أمر بجمع جميع النشارين والنجارين والحدادين وتجهزيهم لبيروت لقطع الاخشاب فسيروا يوم الأربعاء ثاني رمضان وهو عازم على اللحاق بهم إلى هنالك وبالله المستعان ثم اتبعوا بآخرين من نجارين وحدادين وعتالين وغير ذلك وجعلوا كل من وجدوه من ركاب الحمير ينزلونه ويركبوا إلى ناحية البقاع وسخروا لهم من الصناع وغيرهم وجرت خطبة عظيمة وتباكى عوائلهم وأطفالهم ولم يسلفوا شيئا من أجورهم وكان من اللائق أن يسلفوه حتى يتركوه إلى أولادهم
وخطب برهان الدين المقدسي الحنفي بجامع يلبغا عن تقي الدين ابن قاضي القضاة شرف الدين الكفري بمرسوم شريف ومرسوم نائب صفد استدمر أخي يلبغا وشق ذلك عليه وعلى جده وجماعتهم وذلك يوم الجمعة الرابع من رمضان هذا وحضر عنده خلق كثير
وفي يوم الخميس الرابع والعشرين منه قرئ تقليد قاضي القضاة شرف الدين بن قاضي الجبل لقضاء الحنابلة عوضا عن قاضي القضاة جمال الدين المرداوي عزل هو والمالكي معه أيضا بسبب أمور تقدم نسبتها لهما وقرئ التقليد بمحراب الحنابلة وحضر عنده الشافعي والحنفي وكان المالكي معتكفا بالقاعة من المنارة الغربية فلم يخرج اليهم لأنه معزول أيضا برأي قاضي حماة وقد وقعت شرور وتخبيط بالصالحية وغيرها
وفي صبيحة يوم الاربعاء الثلاثين من شهر رمضان خلع على قاضي القضاة سرى الدين إسماعيل المالكي قدم من حماة علي قضاء المالكية عوضا عن قاضي القضاة جمال الدين المسلاتي عزل عن المنصب وقرئ تقليده بمقصروة المالكية من الجامع وحضر عنده القضاة والاعيان
وفي صبيحة يوم الاربعاء سابع شوال قدم الامير خيار بن مهنا إلى دمشق سامعا مطيعا بعد ان جرت بينه وبين الجيوش حروب متطاولة كل ذلك ليطأ البساط فأبى خوفا من المسك والحبس او القتل فبعد ذلك كله قدم هذا اليوم قاصدا الديار المصرية ليصطلح مع الأمير الكبير يلبغا فتلقاه الحجبة والمهمندارية والخلق وخرج الناس للفرجة فنزل القصر الابلق وقدم معه نائب حماة عمر شاه فنزل معه وخرج معه ثاني يوم الى الديار المصرية وأقرأني القاضي ولي الدين عبد الله وكيل بيت المال كتاب والده قاضي القضاة بهاء الدين ابن ابي البقاء قاضي قضاة الشافعية بالديار المصرية أن الأمير الكبير جدد درسا بجامع ابن طولون فيه سبعة مدرسين للحنفية وجعل لك فقيه منهم في الشهر أربعين درهما واردب قمح وذكر فيه أن جماعة من غير الحنفية انتقلوا إلى مذهب ابي حنيفة لينزلوا في هذا الدرس
*3* درس التفسر بالجامع الاموي
@ وفي صبيحة يوم الاربعاء الثامن والعشرين من شوال سنة سبع وستين وسبعمائة حضر الشيخ العلامة الشيخ عماد الدين بن كثير درس التفسير الذي أنشأه ملك الأمراء نائب السلطنة الامير سيف الدين منكلي بغا رحمه الله تعالى من أوقاف الجامع الذي جددها في حال نظره عليه أثابه الله وجعل من الطلبة سائر المذاهب خمسة عشر طالبا لكل طالب في الشهر عشرة دراهم وللمعيد عشرون ولكاتب الغيبة عشرون وللمدرس ثمانون وتصدق حين دعوته لحضور الدرس فحضر واجتمع القضاة والأعيان وأخذ في أول تفسير الفاتحة وكان يوما مشهودا ولله الحمد والمنة وبه التوفيق والعفة انتهى قضاة الحنابلة الشيخ شرف الدين احمد بن الحسن بن قاضي الجبل المقدسي وناظر الدواوين سعد الدين بن التاج إسحاق وكاتب السر فتح الدين بن الشيهد وهو شيخ الشيوخ أيضا وناظر الجيوش الشامية برهان الدين بن الحلي ووكيل بيت المال القاضي ولي الدين بن قاضي القضاة بهاء الدين ابي البقاء انتهى
*3* سفر نائب السلطنة إلى الديار المصرية
@ لما كانت ليلة الحادي والعشرين قدم طشتمر دويدار يلبغا على البريد فنزل بدار السعادة ثم ركب هو ونائب السلطنة بعد العشاء الاخيرة في المشاعل والحجبة بين أيديهما والخلائق بدعون لنائبهم واستمروا كذلك ذاهبين إلى الديار المصرية فأكرمه يلبغا وأنعم عليه وسأله أن يكون ببلاد حلب فأجابه إلى ذلك وعاد فنزل بدار سنجر الاسماعيلي وارتحل منها إلى حلب وقد اجتمعت به هنالك وتأسف الناس عليه وناب في الغيبة الامير سيف الدين زبالة إى ان قدم النائب المعز السيفي قشتمر عبدالغني على ما سيأتي وتوفي القاضي شمس الدين بن منصور الحنفي الذي كان نائب الحكم رحمه الله يوم السبت السادس والعشرين من المحرم ودفن بالباب الصغير وقد قارب الثمانين
وفي هذا اليوم او الذي بعده توفي القاضي شهاب الدين أحمد ابن الوزوازة ناظر الاوقاف بالصالحية وفي صبيحة يوم الجمعة ثالث صفر نودي في البلد أن لا يتخلف احد من أجناد الحلقة عن السفر إلى بيروت فاجتمع الناس لذلك فبادر الناس والجيش ملبسين إلى سطح المزة وخرج ملك الامراء أمير على كان نائب الشام من داره داخل باب الجابية في جماعته ملبسين في هيئة حسن وتجمل هائل وولده الامير ناصر الدين محمد وطلبه معه وقد جاء نائب الغيبة والحجبة إلى بين يديه إلى وطاقه وشارووه في الامر فقال ليس لي ها هنا أمر ولكن إذا حضر الحرب والقتال فلى هناك أمر وخرج خلق من الناس متبرعين وخطب قاضي القضاة تاج الدين الشافعي بالناس يوم الجمعة على العادة وحرض الناس على الجهاد وقد ألبس جماعة من غلمانه اللأمة والخوذ وهو على عزم المسير مع الناس إلى بيروت ولله الحمد والمنة ولما كان من آخر النهار رجع الناس إلى منازلهم وقد ورد الخبر بأن المراكب التي رؤيت في البحر إنما هي مراكب تجار لا مراكب قتال فطابت قلوب الناس ولكن ظهر منهم استعداد عظيم ولله الحمد
وفي ليلة الاحد خامس صفر قدم بالأمير سيف الدين شرشي الذي كان إلى آخر وقت نائب حلب محتاطا عليه بعدالعشاء الآخرة إلى دار السعادة بدمشق فسير معزولا عن حلب إلى طرابلس بطالا وبعث في سرجين صحبة الأمير علاء الدين بن صبح
وبلغنا وفاة الشيخ جمال الدين بن نابتة حامل لواء شعراء زمانه بديار مصر بمرستان الملك المنصور قلاوون وذلك يوم الثلاثاء سابع صفر من هذه السنة رحمه الله تعالى وفي ليلة ثامنه هرب أهل حبس السد من سجنهم وخرج أكثرهم فأرسل الولاة صبيحة يومئذ في اثرهم فمسك كثير ممن هرب فضربوهم أشد الضرب وردوهم إلى شر المنقلب
وفي يوم الأربعاء خامس عشره نودي بالبلدان أن لا يعامل الفرنج بالبنادقة والحبوبة والكيتلان واجتمعت في آخر هذا اليوم بالأمير زين الدين زبالة نائب الغيبة النازل بدار الذهب فأخبرني أن البريدي أخبره أن صاحب قبرص رأى في النجوم أن قبرص مأخذوة فجهز مركبين من الاسرى الذي عنده من المسلمين إلى يلبغا ونادى في بلاده أن من كتم مسلما صغيرا أو كبيرا قتل وكان من عزمه أن لا لايبقى أحدا من الاسارى إلا أرسله
وفي آخر نهار الاربعاء خامس عشرة قدم من الديار المصرية قاضي القضاة جمال الدين المسلاتي المالكي الذي كان قاضي المالكية فعزل في أواخر رمضان من العام الماضي فحج ثم قصد الديار المصرية فدخلها لعله يستغيث فلم يصادفه قبول فادعى عليه بعض الحجاب وحصل له ما يسوءه ثم خرج إلى الشام فجاء فنزل في التربة الكاملية شمالي الجامع ثم انتقل إلى منزل ابنته متمرضا والطلابات والدعاوي والمصالحات عنه كثيرة جدا فأحسن الله عاقبته
وفي يوم الاحد بعد العصر دخل الامير سيف الدين طيبغا الطويل من القدس الشريف إلى دمشق فنزل بالقصر الابلق ورحل بعد يومين أو ثلاثة إلى نيابة حماة حرسها الله بتقليد من الديار المصرية وجاءت الاخبار بتولية الامير سيف الدين منكلي بغا نيابة حلب عوضا عن نيابة دمشق وأنه حصل له من التشريف والتكريم والتشاريف بديار مصر شيء كثير ومال جزيل وخيول وأقمشة وتحف يشق حصرها وأنه قد استقر بدمشق الامير سيف الدين اقشتمر عبد الغني الذي كان حاجب الحجاب بمصر وعوض عنه في الحجوبية الامير علاء الدين طبغا أستاذ دار يلبغا وخلع على الثلاثة في يوم واحد وفي يوم الاحد حادي عشر ربيع الاول اشتهر في البلد قضية الفرنج أيضا بمدينة الاسكندرية وقدم بريدي من الديار المصرية بذلك واحتيط على من كان بدمشق من الفرنج وسجنوا بالقلعة وأخذت حواصلهم وأخبرني قاضي القضاة تاج الدين الشافعي يومئذ أن أصل ذلك أن سبعة مراكب من التجار من البنادقة من الفرنج قدموا إلى الاسكندرية فباعوا بها واشتروا وبلغ الخبر إلى الامير الكبير يلبغا أن مركبا من هذه السبعة إلى صاحب قبرص فأرسل إلى الفرنج يقول لهم أن يسلموا هذه المركب فامتنعوا من ذلك وبادروا إلىمراكبهم فأرسل في آثارهم ستة وشواني مشحونة بالمقاتلة فالتقوا هم والفرنج في البحر فقتل من الفريقين خلق ولكن من الفرنج أكثر وهربوا فارين بما معهم من البضائع فجاء الامير على الذي كان نائب دمشق أيضا في جيش مبارك ومعه ولده ومماليكه في تجمل هائل فرجع الامير علي واستمر نائب السلطة حتى وقف على بيروت ونظر في امرها وعاد سريعا وقد بلغني ان الفرنج جاؤا طرابلس غزاة وأخذوا مركبا للمسلمين من المينا وحرقوه والناس ينظرون ولا يستطيعون دفعهم ولا منعهم وأن الفرنج كروا راجعين وقد اسروا ثلاثة من المسلمين فإنا لله وإنا اليه راجعون انتهى والله أعلم
*3* مقتل يلبغا الامير الكبير
@ جاء الخبر بقتله الينا بدمشق في ليلة الاثنين السابع عشر من ربيع الاخر مع اسيرين جاءا على البريد من الديار المصرية فأخبرا بمقتله في يوم الاربعاء ثاني عشر هذا الشهر تمالأ عليه مماليكه حتى قتلوه يومئذ وتغيرت الدولة ومسك من أمراء الألوف والطبلخانات جماعة كثيرة واختبطت الامور جدا وجرت أحوال صعبة وقام بأعباء القضية الامير سيف الدين طيتمر النظامي وقوى جانب السلطان ورشد وفرح أكثر الامراء بمصر بما وقع وقدم نائب السلطنة إلى دمشق من بيروت فأمر بدق البشائر وزينت البلد ففعل ذلك وأطلقت الفرنج الذين كانوا بالقلعة المنصورة فلم يهن ذلك على الناس وهذا آخر ما وجد من التاريخ والحمد لله وحده وصلواته على نبينا محمد وآله


التوقيع :


اللهم صل على سيدنا محمد عبدك ونبيك ورسولك
النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم تسليما عدد مااحاط به علمك
وخط به قلمك واحصاه كتابك
وارض اللهم عن سادتنا ابي بكر وعمر وعثمان وعلي
وعن الصحابة أجمعين وعن التابعين وتابعيهم بإحسان الى يوم الدين





رد مع اقتباس
قديم 09-02-2006, 12:30 AM   رقم المشاركة : 19
الكاتب

أفاق : الاداره

مراقب

مراقب

أفاق : الاداره غير متواجد حالياً


الملف الشخصي









أفاق : الاداره غير متواجد حالياً


مشاركة: البداية والنهاية الجزء الرابع عشر

*2* ثم دخلت سنة أربع وخمسين وسبعمائة
@ استهلت هذه السنة وسلطان الاسلام بالديار المصرية والبلاد الشامية والمملكة الحلبية وما والاها والحرمين الشريفين الملك الصالحي صلاح الدين صالح بن الملك الناصر محمد بن الملك المنصور قلاوون الصاحلي ونائبه بالديار المصرية الامير سيف الدين قبلاي والمشار إليهم في تدبير المملكة الامراء سيف الدين شيخون وسيف الدين طار وسيف الدين صرغتمش الناصري وقضاة القضاة وكاتب السر هناك هم المذكورون في السنة الماضية ونائب حلب الامير سيف الدين أرغون الكاملي لأجل مقاتلة اولئك الامراء الثلاثة يلبغا وامير احمد وبكلمش الذين فعلوا ما ذكرنا في رجب من السنة الماضية ثم لجأوا إلى بلاد البلبيسين في خفارة زلغادر التركماني ثم إنه احتال عليهم من خوفه من صاحب مصر وأسلمهم إلى قبضة نائب حلب المذكور ففرح المسلمون بذلك فرحا شديدا ولله الحمد والمنة ونائب طرابلس الامير سيف الدين أيتمش الذي كان نائب دمشق كما ذكرنا تقلبت به الأحوال حتى استنيب في طرابلس حين كان السلطان بدمشق كما تقدم
واستهلت هذه السنة وقد تواترت الاخبار بأن الامراء الثلاثة يلبغا وبكلمش وامير أحمد قد حصلوا في قبضة نائب حلب الامير سيف الدين أرغون وهم مسجونون بالقلعة بها ينتظر ما يرسم به فيهم وقد فرح المسلمون بذلك فرحا شديدا وفي يوم السبت سابع عشر المحرم وصل إلى دمشق الأمير عز الدين مغلطاي الدويدار عائدا من البلاد الحلبية وفي صحبته رأس يلبغا الباغي أمكن الله منه بعد وصول صاحبيه بكلمش الذي كان نائبا بطرابلس وأمير احمد الذي كان نائب حماة فقطعت رؤسهما بحلب بين يدي نائبها سيف الدين ارغون الكاملي وسيرت إلى مصر ولما وصل يلبغا بعدهما فعل به كفعلهما جهرة بعد العصر بسوق الخيل بين يدي نائب السلطنة والجيش برمته والعامة على الاحاجير يتفرجون ويفرحون بمصرعة وسر المسلمون كلهم ولله الحمد والمنة
وفي يوم الجمعة الثامن والعشرين من شهر ربيع الاول أقيمت جمعة جيدة بمحلة الشاغور بمسجد هناك يقال له مسجد المزار وخطب فيه جمال الدين عبد الله بن الشيخ شمس الدين بن قيم الجوزية ثم وقع في ذلك كلام فأفضى الحال أن أهل المحلة ذهبوا إلى سوق الخيل يوم موكبه وحملوا سناجق خليفتين من جامعهم ومصاحف واشتملوا إلى نائب السلطنة وسألوا منه أن تستمر الخطبة عندهم فأجابهم إلى ذلك في الساعة الراهنة ثم وقع نزاع في جواز ذلك ثم حكم القاضي الحنبلي لهم بالاستمرار وجرت خطوب طويلة بعد ذلك وفي يوم الاحد سابع ربيع الآخر توفي الأمير الكبير سيف الدين الجي بغا العادلي ودفن بتربته التي كان أنشأها قديما ظاهر باب الجابية وهي مشهورة تعرف به وكان له في الامرة قريبا
من ستين سنة وقد كان أصابه في نوبة أرغون شاه وقضيته ضربة أصابت يده اليمنى واستمر مع ذلك على إمرته وتقدمته محترما معظما إلى ان توفي رحمه الله تعالى عليه
*3* ذكر أمر غريب جدا
@ لما ذهبت لتهنئة الامير ناصر الدين ابن الاقوس بنيابة بعلبك وجدت هنالك شابا فذكر لي من حضر أن هذا هو الذي كان أنثى ثم ظهر له ذكر وقد كان أمره اشتهر ببلاد طرابلس وشاع بين الناس بدمشق وغير ذلك وتحدث الناس به فلما رأيته وعليه قبعة تركية استدعيته إلى وسالته بحضرة من حضر فقلت له كيف كان أمرك فاستحيي وعلاه خجل يشبه النساء فقال كنت امرأة مدة خمس عشرة سنة وزوجوني بثلاثة أزواج لا يقدرون على وكلهم يطلق ثم اعترضني حال غريب فغارت ثدياي وصغرت وجعل النوم يعتريني ليلا ونهارا ثم جعل يخرج من محل الفرج شيء قليل قليلا ويتزايد حتى برز شبه ذكر وأنثيان فسألته أهو كبير أم صغير فاستحيي ثم ذكر أنه صغير بقدر الأصبغ فسألته هل احتلم فقال احتلم مرتين منذ حصل له ذلك وكان له قريبا من ستة أشهر إلى حين أخبرني وذكر أنه يحسن صنعة النساء كلها من الغزل والتطريز والزركاش وغير ذلك فقلت له ما كان اسمك وانت على صفة النساء فقال نفيسة فقلت واليوم فقال عبد الله وذكر انه لما حصل له هذا الحال كتمه عن أهله حتى عن أبيه ثم عزموا على تزويجه على رابع فقال لأمه إن الامر ما صفته كيت وكيت فلما اطلع أهله على ذلك أعلموا به نائب السلطنة هناك وكتب بذلك محضرا واشتهر أمره فقدم ددمشق ووقف بين يدي نائب السلطنة بدمشق فسأله فأخبره كما أخبرني فأخذه الحاجب سيف الدين كحلن ابن الاقوس عنده والبسه ثياب الاجناد وهو شاب حسن على وجهه وسمته ومشيته وحديثه أنوثة النساء فسبحان الفعال لما يشاء فهذا أمر لم يقع مثله في العالم إلا قليلا جدا وعندي أن ذكره كان غائرا في جوزة طير فافرخا ثم لما بلغ ظهر قليلا قليلا حتى تكامل ظهروه فتبينوا أنه كان ذكرا وذكر لي أن ذكره برز مختونا فسمى ختان القمر فهذا يوجد كثيرا والله أعلم
وفي يوم الثلاثاء خامس شهر رجب قدم الأمير عز الدين بقطية الدويدار من الديار الحلبية وخبرعما اتفق عليه العساكر الحلبية من ذهابهم مع نائبهم ونواب تلك الحصون وعساكر خلف بن زلغادر التركماني الذي كان اعان يلبغا وذويه على خروجه على السلطان وقدم معه إلى دمشق وكان من أمره ما تقدم بسطه في السنة الماضية وأنهم نهبوا أمواله وحواصله وأسروا خلقا من بنيه وذويه وحريمه وأن الجيش أخذ شيئا كثيرا من الاغنام والابقار والرقيق والدواب والامتعة وغير ذلك وأنه لجأ إلى ابن أرطنا فاحتاط عليه واعتقله عنده وراسل السلطان بامره ففرح الناس براحة الجيش الحلبي وسلامته بعدما قاسوا شديدا وتعبا كثيرا وفي يوم الاربعاء ثالث عشرة كان قدوم الامراء الذين كانوا مسجونين بالاسكندرية من لدن عود السلطان إلى الديار المصرية ممن كان اتهم بممالأة يلبغا او خدمته كالأمير سيف الدين ملك اجي وعلاء الدين علي السيمقدار وساطلمس الجلالي ومن معهم
وفي أول شهر رمضان اتفق أن جماعة من المفتيين أفتوا باحد قولي العلماء وهما وجهان لأصحابنا الشافعي وهو جواز استعادة ما استهدم من الكنائس فتعصب عليهم قاضي القضاة تقي الدين السبكي فقرعهم في ذلك ومعهم من الافتاء وصنف في ذلك مصنفا يتضمن المنع من ذلك سماه الدسائس في الكنائس وفي خامس شهر رمضان قدم بالامير ابو الغادر التركماني الذي كان مؤازرا ليلبغا في العام الماضي على تلك الافاعيل القبيحة وهو مضيق عليه فأحضر بين يدي النائب ثم اودع القلعة المنصورة في هذا اليوم
*2* ثم دخلت سنة خمس وخمسين وسبعمائة
@ استهلت هذه السنة وسلطان الديار المصرية والبلاد الشامية وما يتبع ذلك والحرمين الشريفين وما والاهما من بلاد الحجاز وغيرها الملك الصالح صلاح الدين بن الملك الناصر محمد بن الملك المنصور قلاوون الصالحي وهو ابن بنت تنكز نائب الشام وكان في الدولة الناصرية ونائبه بالديار المصرية الأمير سيف الدين قبلاي الناصري ووزيره القاضي موفق الدين وقضاة مصرهم المذكورون في العام الماضي ومنهم قاضي القضاة عز الدين بن جماعة الشافعي وقد جاور في هذه السنة في الحجاز الشريف والقاضي تاج الدين المناوي يسد المنصب عنه وكاتب السر القاضي علاء الدين ابن فضل الله العدوي ومدبروا المملكة الامراء الثلاثة سيف الدين شيخون وصرغتمش الناصري والأمير الكبير الدوادار عز الدين مغلطاي الناصري ودخلت هذه السنة والأمير سيف الدين شيخون في الاحداث من مدة شهر أو قريب ونائب دمشق الامير علاء الدين أمير على المارداني وقضاة دمشق هم المذكورون في التي قبلها وناظر الدواوين الصاحب شمس الدين موسى بن التاج إسحاق وكاتب السر القاضي ناصر الدين بن الشرف يعقوب وخطيب البلد جمال الدين محمود بن جملة ومحتسبه الشيخ علاء الدين الانصاري قريب الشيخ بهاء الدين بن إمام المشهد وهو مدرس الأمينية مكانه أيضا
وفي شهر ربيع الآخر قدم الأمير علاء الدين مغلطاي الذي كان مسجونا بالاسكندرية ثم أفرج عنه وقد كان قبل ذلك هو الدولة وأمر بالمسير إلى الشام ليكون عند حمزة أيتمش نائب طرابلس وأما منجك الذي كان وزيره بالديار المصرية وكان معتقلا بالاسكندرية مع مغلطاي فإنه صار إلى صغد مقيما بها بطالا كما أن مغلطاي أمر بالمقام بطرابلس بطالا إلى حين يحكم الله عز وجل
انتهى والله أعلم
*3* نادرة من الغرائب
@ في يوم الاثنين السادس عشر من جمادي الأولى اجتاز رجل من الروافض من أهل الحلة بجامع دمشق وهو يسب أول من ظلم آل محمد ويكرر ذلك لايفتر ولم يصل مع الناس ولا صلى على الجنازة الحاضرة على أن الناس في الصلاة وهو يكرر ذلك ويرفع صوته به فلما فرغنا من الصلاة نبهت عليه الناس فأخذوه وإذا قاضي القضاة الشافعي في تلك الجنازة حاضر مع الناس فجئت إليه واستنطقته من الذي ظلم آل محمد فقال أبو بكر الصديق ثم قال جهرة والناس يسمعون لعن الله ابا بكر وعمر وعثمان ومعاوية ويزيد فأعاد ذلك مرتين فأمر به الحاكم إلى السجن ثم استحضره المالكي وجلده بالسياط وهو مع ذلك يصرح بالسب واللعن والكلام الذي لا يصدر إلا عن شقى واسم هذا اللعين على بن أبي الفضل بن محمد بن حسين بن كثير قبحه الله وأخزاه ثم لما كان يوم الخميس سابع عشره عقد له مجلس بدار السعادة وحضر القضاة الاربعة وطلب إلى هنالك فقدر الله أن حكم نائب المالكي بقتله فأخذ سريعا فضرب عنقه تحت القلعة وحرقه العامة وطافوا برأسه البلد ونادوا عليه هذا جزءا من سب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ناظرت هذا الجاهل بدار القاضي المالكي وإذا عنده شيء مما يقوله الرافضة العلاة وقد تلقى عن أصحاب ابن مطهر اشياء في الكفر والزندقة قبحه الله وإياهم وورد الكتاب بالزام أهل الذمة بالشروط العمرية
وفي يوم الجمعة ثامن عشر رجب الفرد قرئ بجامع دمشق بالمقصورة بحضرة نائب السلطنة وأمراء الأعراب وكبار الأمراء وأهل الحل والعقد والعامة كتاب السلطان بالزام أهل الذمة بالشروط العمرية وزيادات أخر منها أن لايستخدموا في شيء من الدواوين السلطانية والأمراء ولا في شيء من الاشياء وأن لا تزيد عمامة أحدهم عن عشرة أذرع ولا يركبوا الخيل ولا البغال ولكن الحمير بالكف عرضا وأن لا يدخلوا إلا بالعلامات من جرس أو بخاتم نحاس أصفر أو رصاص ولا تدخل نساؤهم مع المسلمات الحمامات وليكن لهن حمامات تختص بهن وأن يكون إزار النصرانية من كتان أزرق واليهودية من كتان أصفر وأن يكون أحد خفيها أسود والآخر أبيض وان يحكم حكم مواريثهم على الاحكام الشرعية واحترقت باسورة باب الجابية في ليلة الاحد العشرين من جمادي الاخرة وعدم المسلمون تلك الاطعمات والحواصل النافعة من الباب الجواني إلى الباب البراني وفي مستهل شهر رمضان عمل الشيخ الامام العالم البارع شمس الدين بن النقاش المصري الشافعي ورد دمشق بالجامع الاموي نجاه محراب الصحابة ميعادا للوعظ واجتمع عنده خلق من الأعيان والفضلاء والعامة وشكروا كلامه وطلاقه عبارته من غير تلعثم ولا تخليط ولا توقف وطال ذلك إلى قريب العصر
وفي صبيحة يوم الأحد ثالثه صلى بجامع دمشق بالصحن تحت النسر على القاضي كمال الدين حسين ابن قاضي القضاة تقي الدين السبكي الشافعي ونائبه وحضر نائب السلطنة الامير علاء الدين علي وقضاة البلد والأعيان والدولة كثير من العامة وكانت جنازته محسودة وحضر والده قاضي القضاة وهو يهادي بين رجلين فظهر عليه الحزن والكآبة فصلى عليه إماما وتأسف الناس عليه لسماحة اخلاقه وأنجماعه على نفسه لا يتعدى شره إلى غيره وكان يحكم جيدا نظيف العرض في ذلك وكان قد درس في عدة مدارس منها الشامية البرانية والعذراوية وأفتى وتصدر وكانت لديه فضيلة جيدة بالنحو والفقه والفرائض وغير ذلك ودفن بسفح قاسيون في تربة معروفة لهم رحمهم الله
*3* عودة الملك الناصر حسن بن الملك الناصر محمد بن قلاوون
@ وذلك يوم الاثنين ثاني شهر شوال اتفق جمهو الامراء مع الامي شيخون وصرغتمش في غيبة طاز في الصيد على خلع الملك الصالح صالح بن الناصر وأمه بنت تنكز وإعادة أخيه الملك الناصر حسن وكان ذلك يومئذ وألزم الصالح بيته مضيقا عليه وسلم إلى أمه خوندة بنت الامير سيف الدين تنكز نائب الشام كان وقطلبوطار وأمسك أخوه سنتم وأخو السلطان الصالح لأمه عمر بن أحمد بن بتكتمر الساقي ووقعت خطبة عظيمة بالديار المصرية ومع هذا فلم يقبل البريد إلى الشام وخبر البيعة إلا يوم الخميس الثالث عشر من هذا الشهر قدم بسببها الامير عز الدين أيدمر الشمسي وبايع النائب بعدما خلع عليه خلعة سنية والامراء بدار السعادة على العادة ودقت البشائر وزين البلد وخطب له الخطيب يوم الجمعة على المنبر بحضرة نائب السلطنة والقضاة والدولة وفي صبيحة يوم الخميس تاسع عشر شوال دخل دمشق الامير سيف الدين منجك على نيابة طرابلس ونزل القصر الابلق مع الأمير عز الدين أيدمر فأقام أياما عديدة ثم سار إلى بلده بعد ايام وفي صبيحة يوم الخميس السادس والعشرين منه دخل الامير سيف الدين طاز من الديار المصرية في جماعة من اصحابه مجتازا إلى نيابة حلب المحروسة فتلقاه نائب السلطنة إلى قريب من جامع كريم الدين بالقبيبات وشيعه إلى قريب من باب الفراديس فسار ونزل بوطأة برزة فبات هنالك ثم أصبح غاديا وقد كان نظير الامير شيخون ولكن قوى عليه فسيره إلى بلاد حلب وهو محبب إلى العامة لما له من السعي المشكور في أمور كبار كما تقدم
*2* ثم دخلت سنة ست وخمسين وسبعمائة
@
استهلت هذه السنة وسلطان الاسلام والمسلمين السلطان الملك الناصر حسن بن الملك الناصر محمد بن الملك المنصور قلاوون الصالحي وليس بالديار المصرية نائب ولا وزير وقضاتها هم المذكورون في التي قبلها ونائب دمشق الأمير علي المارداني والقضاة والحاجب والخطيب وكاتب السرهم
المذكورون في التي قبلها ونائب حلب الأمير سيف الدين طاز ونائب طرابلس منجك ونائب حماة استدمر العمري ونائب صغد الامير شهاب الدين بن صبح ونائب حمص الامير ناصر الدين ابن الاقوس ونائب بعلبك الحاج كامل
وفي يوم الاثنين تاسع صفر مسك الامير أرغون الكاملي الذي ناب بدمشق مدة ثم بعدها بحلب ثم طلب إلى الديار المصرية حين وليها طاز فقبض عليه وأرسل إلى الاسكندرية معتقلا وفي يوم السبت من شهر صفر قدم تقليد قضاء الشافعية بدمشق وأعمالها لقاضي القضاة تاج الدين عبد الوهاب ابن قاضي القضاة تقي الدين السبكي على قاعدة والده وذلك في حياة أبيه وذهبت الناس للسلام عليه
وفي صبيحة يوم الاحد السادس والعشرين من ربيع الآخر توجه قاضي القضاة تقي الدين السبكي بعد استقلال ولده تاج الدين عبد الوهاب في قضاء القضاة ومشيخة دار الحديث الاشرفية مسافرا نحو الديار المصرية في محفة ومعه جماعة من أهله وذويه منهم سبطه القاضي بدر الدين بن أبي الفتح وآخرون وقد كان الناس ودعوه قبل ذلك وعنده ضعف ومن الناس من يخاف عليه وعثاء السفر مع الكبر والضعف
ولما كان يوم الجمعة سادس شهر جمادي الآخرة صلى بعد الظهر على قاضي القضاة تقي الدين ابن علي بن عبد الكافي بن تمام السبكي المصري الشافعي توفي بمصر ليلة الاثنين ثالثة ودفن من صبيحة ذلك اليوم وقد أكمل ثلاثا وتسعين سنة ودخل في الرابعة أشهرا وولى الحكم بدمشق نحوا من سبع عشرة سنة ثم نزل عن ذلك لولده قاضي القضاة تاج الدين عبد الوهاب ثم رحل في محفة إلى الديار المصرية كما ذكرنا ولما وصل مصر أقام دون الشهر ثم توفي كما ذكرنا وجاءت التعزية ومرسوم باستقرار ولده في مدرسته اليعقوبية والقيمرية وبتشريف تطييبا لقلبه وذهب الناس إلى تعزيته على العادة وقد سمع قاضي القضاة السبكي الحديث في شبيبته بديار مصر ورحل إلى الشام وقرأ بنفسه وكتب وخرج وله تصانيف كثيرة منتشرة كثيرة الفائدة وما زال في مدة القضاء يصنف ويكتب إلى حين وفاته وكان كثير التلاوة وذكر لي أنه كان يقوم من الليل رحمه الله
وفي شهر جمادي الاولى من هذه السنة أشتهر أخذ الفرنج المخذولين لمدينة طرابلس المغرب وقرأت من كتاب لقاضي قضاة المالكية أن اخذهم إياها كان ليلة الجمعة مستهل ربيع الاول من هذه السنة ثم بعد خمسة عشر يوما استعادها المسلمون وقتلوا منهم أضعاف ما قتلوا أولا من المسلمين ولله الحمد والمنة وأرسل الدولة إلى الشام يطلبون من اموال أوقاف الاساري ما يستنقذون به من بقي في أيديهم من المسلمين وفي يوم الاربعاء حادي عشر رجب الفرد من هذه السنة حكم القاضي المالكي
وهو قاضي القضاة جمال الدين السملاتي بقتل نصراني من قرية الرأس من معاملة بعلبك اسمه داود بن سالم ثبت عليه بمجلس الحكم في بعلبك انه اعترف بما شهد عليه أحمد بن نور الدين علي بن غازي من قرية اللبوة من الكلام السيء الذي نال به من رسول الله
ص وسبه وقذفه بكلام لا يليق ذكره فقتل لعنه الله يومئذ بعد أذان العصر بسوق الخيل وحرقه الناس وشفى الله صدور قوم مؤمنين ولله الحمد والمنة
وفي صبيحة يوم الأحد رابع عشر شعبان درس القاضي بهاء الدين أبو البقاء السبكي بالمدرسة القيمرية نزل له عنها ابن عمه قاضي القضاة تاج الدين عبد الوهاب ابن قاضي القضاة تقي السبكي وحضر عنده القضاة والاعيان وأخذ في قوله تعالى ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة وصلى في هذا اليوم بعد الظهر على الشيخ الشاب الفاضل المحصل جمال الدين عبد الله بن العلامة شمس الدين بن قيم الجوزية الحنبلي ودفن عند أبيه بمقابر باب الصغير وكانت جنازته حافلة وكانت لديه علوم جيدة وذهنه حاضر خارق أفتى ودرس وأعاد وناظر وحج مرات عديدة رحمه الله وبل بالرحمة ثراه
وفي يوم الاثنين تاسع عشر شوال وقع حريق هائل في سوق القطانين بالنهار وذهب إليه نائب السلطنة والحجبة والقضاة حتى اجتهد الفعول والمتبرعون في إخماده وطفيه حتى سكن شره وذهب بسببه دكاكين ودور كثيرة جدا فانا لله وإنا اليه راجعون وقد رأيته من الغد والنار كما هي عمالة والدخان صاعد والناس يطفونه بالماء الكثير الغمر والنار لا تخمد لكن هدمت الجدران وخربت المساكن وانتقل السكان انتهى والله أعلم
*2* ثم دخلت سنة سبع وخمسين وسبعمائة
@
استهلت هذه السنة وسلطان البلاد بالديار المصرية والشامية والحرمين وغير ذلك الملك الناصر حسن بن الملك الناصر محمد بن الملك المنصور قلاوون الصالحي ولا نائب ولا وزير بمصر وإنما يرجع تدبير المملكة إلى الامير سيف الدين شيخون ثم الامير سيف الدين صرغتمش ثم الآمير عز الدين مغلطاي الدوايدار وقضاة مصرهم المذكورون في التي قبلها سوى الشافعي فإنه ابن المتوفي قاضي القضاة تاج الدين عبد الوهاب بن تقي الدين السبكي ونائب حلب الامير سيف الدين طاز وطرابلس الامير سيف الدين منجك وبصغد الامير شهاب الدين بن صبح وبحماة يدمر العمري وبحمص علاء الدين بن المعظم وببعلبك الامير ناصر الدين الاقوس
وفي العشر الاول من ربيع الاول تكامل إصلاح بلاط الجامع الاموي وغسل فصوص المقصورة والقبة وبسط بسطا حسنا وبيضت أطباق القناديل وأضاء حاله جدا وكان
المستحث على ذلك الأمير علاء الدين ايدغمش أحد أمراء الطبلخانات بمرسوم نائب السلطنة له في ذلك
وفي يوم الجمعة الثامن والعشرين من ربيع الاخر من هذه السنة صلى على الأمير سيف الدين براق أمير أرجو بجامع تنكز ودفن بمقابر الصوفية وكان مشكور السيرة كثير الصلاة والصدقة محبا للخير وأهله من أكبر أصحاب الشيخ تقي الدين بن تيمية رحمه الله تعالى وقد رسم لولديه ناصر الدين محمد وسيف الدين أبي بكر كل منهما بعشرة أرماح ولناصر الدين بمكان أبيه في الوظيفة باصطبل السلطان وفي يوم الخميس رابع شهر جمادي الأولى خلع على الأميرين الأخوين ناصر الدين محمد وسيف الدين أبي بكر ولدي الأمير سيف الدين براق رحمه الله تعالى بأميرين عشرتين
ووقع في هذا الشهر نزاع بين الحنابلة في مسألة المناقلة وكان ابن قاضي الجبل الحنبلي يحكم بالمناقلة في قرار دار الأمير سيف الدين طيدمر الاسماعيلي حاجب الحجاب إلى أرض أخرى يجعلها وقفا على ما كانت قرار داره عليه ففعل ذلك بطريقة ونقذه القضاة الثلاثة الشافعي والحنفي والمالكي فغضب القاضي الحنبلي وهو قاضي القضاة جمال الدين المرداوي المقدسي من ذلك وعقد بسبب ذلك مجالس وتطاول الكلام فيه وادعى كثير منهم أن مذهب الامام احمد في المناقلة إنما هو في حال الضرورة وحيث لا يمكن الانتفاع بالموقوف فأما المناقلة لمجرد المصلحة والمنفعة الراجحة فلا وامتنعوا من قبول ما قرره الشيخ تقي الدين ابن تيمية في ذلك ونقله عن الامام أحمد من وجوه كثيرة من طريق ابنيه صالح وحرب وأبي داود وغيرهم انها تجوز للمصلحة الراجحة وصنف في ذلك مسألة مفردة وقفت عليها يعني الشيخ عماد الدين ابن كثير فرأيتها في غاية الحسن والافادة بحيث لا يتخالج من اطلع عليها ممن يذوق طعم الفقه انها مذهب الامام احمد رحمه الله فقد احتج أحمد في ذلك في رواية ابنه صالح بما رواه عن يزيد بن عوف عن المسعودي عن القاسم بن محمد أن عمر كتب إلى ابن مسعود أن يحول المسجد الجامع بالكوفة إلى موضع سوق التمارين ويجعل السوق في مكان المسجد الجامع العتيق ففعل ذلك فهذا فيه أوضح دلالة على ما استدل به فيها من النقل بمجرد المصلحة فإنه لا ضرورة إلى جعل المسجد العتيق سوقا على أن الاسناد فيه انقطاع بين القاسم وبين عمر وبين القاسم وابن مسعود ولكن قد جزم به صاحب المذهب واحتج به وهو ظاهر واضح في ذلك فعقد المجلس في يوم الاثنين الثامن والعشرين من الشهر
وفي ليلة الاربعاء الرابع والعشرين من جمادي الاولى وقع حريق عظيم ظاهر باب الفرج احترق فيه بسببه قياسير كثيرة لطازويلبغا وقيسرية الطوشاي لبنت تكز واخر كثيرة ودور ودكاكين وذهب للناس شيء كثير من الامتعة والنحاس والبضائع وغير ذلك مما يقاوم ألف
ألف وأكثر خارجا عن الاموال فإنا لله وإنا اليه راجعون وقد ذكر كثير من الناس أنه كان في هذه القياسير شر كثير من الفسق والربا والزغل وغير ذلك
وفي السابع والعشرين من جمادي الاولى ورد الخبر بأن الفرنج لعنهم الله استحوذوا على مدينة صغد قدموا في سبعة مراكب وقتلوا طائفة من أهلها ونهبوا شيئا كثيرا واسروا أيضا وهجموا على الناس وقت الفجر يوم الجمعة وقد قتل منهم المسلمون خلقا كثيرا وكسروا مركبا من مراكبهم وجاء الفرنج في عشية السبت قبل العصر وقدم الوالي وهو جريح مثقل وأمر نائب السلطنة عند ذلك بتجهيز الجيش إلى تلك الناحية فساروا تلك الليلة ولله الحمد وتقدمهم حاجب الحجاب وتحدر إليهم نائب صغد الامير شهب الدين بن صبح فسبق الجيش الدمشقي ووجد الفرنج قد برزوا بما غنموا من الأمتعة والأسارى إلى جزيرة تلقاء صيدا في البحر وقد أسر المسلمون منهم في المعركة شيخا وشابا م نأبناء أشرافهم وهو الذي عاقهم عن الذهاب فراسلهم الجيش في إنفكاك الاساري من ايديهم فبادرهم عن كل رأس بخمسائة فأخذوا من ديوان الاسارى مبلغ ثلاثين ألفا ولم يبق معهم ولله الحمد أحد واستمر الصبي من الفرنج مع المسلمين وأسلم ودفع إليهم الشيخ الجريح وعطش الفرنج عطشا شديدا وارادوا أن يرووا من نهر هناك فبادرهم الجيش إليه فمنعوهم أن ينالوا منه قطرة واحدة فرحلوا ليلة الثلاثاء منشمرين بما معهم من الغنائم وبعثت رؤس جماعة من الفرنج ممن قتل في المعركة فنصبت على القلعة بدمشق وجاء الخبر في هذا الوقت بأن إيناس قد أحاط بها الفرنج وقد أخذوا الربيض وهم محاصرون القلعة وفيها نائب البلد وذكروا أنهم قتلوا خلقا كثيرا من أهلها فإنا لله وإنا اليه راجعون وذهب صاحب حلب في جيش كثيف نحوهم والله المسئول ان يظفرهم بحوله وقوته وشاع بين العامة أيضا أن الاسكندرية محاصرة ولم يتحقق ذلك إلى الان وبالله المستعان وفي يوم السبت رابع جمادي الاخرة قدم رؤس من قتلى الفرنج على صيدا وهي بضع وثلاثون رأسا فنصبت على شرافات القلعة ففرح المسلمون بذلك ولله الحمد
وفي ليلة الأربعاء الثاني والعشرين من جمادي الآخرة وقع حريق عظيم داخل باب الصغير من مطبخ السكر الذي عند السويقة الملاصقة لمسجد الشناشين فاحترق المطبخ وما حوله إلى حمام أبي نصر واصتل بالسويقة المذكورة وما هنالك من الاماكن فكان قريبا أو أكثر من الحريق ظاهر باب الفرج فإنا لله وإنا اليه راجعون وحضر نائب السلطنة وذلك أنه كان وقت صلاة العشاء ولكن كان الريح قويا وذلك بتقدير العزيز العليم
وتوفي الشيخ عز الدين محمد بن إسماعيل بن عمر الحموي احمد مشايخ الرواة في ليلة الثلاثاء الثامن والعشرين من جمادي الآخرة وصلى عليه من الغد بالجامع الأموي بعد الظهر ودفن بمقابر
باب الصغير وكان مولده في ثاني ربيع الاول سنة ثمانين وستمائة فجمع الكثير وتفرد بالرواية عن جماعة في آخر عمره وانقطع بوته سماع السنن الكبير للبيهقي رحمه الله
ووقع حريق عظيم ليلة الجمعة خامس عشر رجب بمحلة الصالحية من سفح قاسيون فاحترق السوق القبلي من جامع الحنابلة بكماله شرقا وغربا وجنوبا وشمالا فإنا لله وإنا اليه راجعون
وفي يوم الجمعة خامس شهر رمضان خطب بالجامع الذي أنشاه سيف الدين يلبغا الناصري غربي سوق الخيل وفتح في هذا اليوم وجاء في غاية الحسن والبهاء وخطب الشيخ ناصر الدين بن الربوة الحنفي وكان قد نازعه فيه الشيخ شمس الدين الشافعي الموصلي وأظهر ولاية من واقفه يلبغا المذكور ومراسيم شريفة سلطانية ولكن قد قوى عليه ابن الربوة بسبب أنه نائب عن الشيخ قوام الدين الاتقاني الحنفي وهو مقيم بمصر ومعه ولاية من السلطان متأخرة عن ولاية الموصلي فرسم لابن الربوة فلبس يومئذ الخلعة السوداء من دار السعادة وجاؤا بين يديه بالسناجق السود الخليفية والمؤذنون يكبرون على العادة وخطب يومئذ خطبة حسنة أكثرها في فضائل القرآن وقرأ في المحراب بأول سورة طه وحضر كثير من الأمراء والعامة والخاصة وبعض القضاة وكان يوما مشهودا وكنت ممن حضر قريبا منه والعجب أني وقفت في شهر ذي القعدة على كتاب أرسله بعض الناس إلى صاحب له من بلاد طرابلس وفيه والمخدوم يعرف الشيخ عماد الدين بما جرى في بلاد السواحل من الحريق من بلاد طرابلس إلى آخر معاملة بيروت إلى جميع كسروان أحرق الجبال كلها ومات الوحوش كلها مثل النمور والدب والثعلب والخنزير من الحريق ما بقي للوحوش موضع يهربون فيه وبقي الحريق عليه أياما وهرب الناس إلى جانب البحر من خوف النار واحترق زيتون كثير فلما نزل المطر أطفأه باذن الله تعالى يعني الذي وقع في تشرين وذلك في ذي القعدة من هذه السنة قال ومن العجب أن ورقة من شجرة وقعت في بيت من مدخنته فاحرقت جميع ما فيه من الاثاث والثياب وغير ذلك ومن حلية حرير كثير وغالب هذه البلاد للدرذية والرافضة نقلته من خط كاتبه محمد بن يلبان إلى صاحبه وهما عندي بقبان فيالله العجب
وفي هذا الشهر يعني ذي القعدة وقع بين الشيخ إسماعيل بن العز الحنفي وبين أصحابه من الحنفية مناقشة سبب اعتدائه على بعض الناس في محاكمة فاقتضى ذلك إحضاره إلى مجلس الحكم ثلاثة أيام كمثل المتمرد عندهم فلما لم يحضر فيها حكم عليه القاضي شهاب الدين الكفري نائب الحنفي باسقاط عدالته ثم ظهر خبره بأنه قصد بلاد مصر فأرسل النائب في اثره من يرده فعنفه ثم أطلقه إلى منزله وشفع فيه قاضي القضاة الحنفي فاستحسن ذلك ولله الحمد والمنة
*2* ثم دخلت سنة ثمان وخمسين وسبعمائة
@ استهلت هذه السنة والخليفة أمير المؤمنين المعتضد بالله أبو بكر بن المستكفي بالله أبي الربيع سليمان العباسي وسلطان الاسلام بالديار المصرية وما يتبعها وبالبلاد الشامية وما والاها والحرمين الشريفين وغير ذلك الملك الناصر حسن بن الملك الناصر محمد بن الملك المنصور قلاوون الصالحي وليس له بمصر نائب ولا وزير وإنما ترجع الامور إصدارا وإيرادا إلى الاميرين الكبيرين سيف الدين شيخون وصرغتمش الناصريين وقضاة مصرهم المذكورون في التي قبلها ونائب الشام بدمشق الامير علاء الدين أمير علي المارداني وقضاة دمشق هم المذكورون في التي قبلها انتهى
*3* كائنة غريبة جدا
@ لما كان يوم الاربعاء الرابع والعشرين من رجب من هذه السنة نهدت جماعة من مجاوري الجامع بدمشق من مشهد على وغيره واتبعهم جماعة من الفقراء والمغاربة وجاؤا إلى أماكن متهمة بالخمر وبيع الحشيش فكسروا أشياء كثيرة من أواني الخمر وأراقوا ما فيها واتلفوا شيئا كثيرا من الحشيش وغيره ثم انتقلوا إلى حكر السماق وغيرهم فثار عليهم من البارذارية والكلابرية وغيرهم من الرعاع فتناوشوا وضربت عليهم ضرابات بالايدي وغيرهم وربما سل بعض الفسار السيوف عليهم كما ذكر وقد رسم ملك الامراء لوالي المدينة ووالي البر أن يكونوا عضدا لهم وعونا على الخمارين والحشاشة فنصروهم عليهم غير انه كثر معهم الضجيج ونصبوا راية واجتمع عليهم خلق كثير ولما كان في أواخر النهار تقدم جماعة من النقباء والخزاندارية ومعهم جنازير فأخذوا جماعة من مجاوري الجامع وضربوا بالمقارع وطيف بهم في البلد ونادوا عليهم هذا جزاء من يتعرض لما لا يعنيه تحت علم السلطان فتعجب الناس من ذلك وأنكروه حتى أنه أنكر اثنان من العامة على المنادية فضرب بعض الجند احدهم بدبوس فقتله وضرب الآخر فيقال إنه مات أيضا فإنا لله وإنا اليه راجعون
وفي شعبان من هذه السنة حكى عن جارية من عتيقات الامير سيف الدين تمر المهمندار أنها حملت قريبا من سبعين يوما ثم شرعت تطرح ما في بطنها فوضعت في قرب من أربعين يوما في أيام متتالية ومتفرقة أربع عشرة بنتا وصبيا بعدهن قل من يعرف شكل الذكر من الأنثى
وجاء الخبر بأن الأمير سيف الدين شيخون مدبر الممالك بالديار المصرية والشامية ظفر عليه مملوك من مماليك السلطان فضربه بالسيف ضربات فجرحه في أماكن في جسده منها ما هو في وجهه ومنها ما هو في يده فحمل إلى منزله صريعا طريحا جريحا وغضب لذلك طوائف من الامراء حتى قيل إنهم ركبوا ودعوا إلى المبارزة فلم يجي اليهم وعظم الخطب بذلك جدا واتهمو به الأمير سيف الدين صرغتمش وغيره وأن هذا إنما فعل عن ممالأة منهم فالله أعلم
*3* وفاة أرغون الكاملي باني البيمارستان بحلب
@ كانت وفاته بالقدس الشريف في يوم الخميس السادس والعشرين من شوال من هذه السنة ودفن بتربة أنشأها غربي المسجد بشماله وقد ناب بدمشق مدة بعد حلب ثم جرت الكائنة التي أصلها يلبغا قبحه الله في أيامه ثم صار إلى نيابة حلب ثم سجن بالاسكندرية مدة ثم أفرج عنه فأقام بالقدس الشريف إلى أن كانت وفاته كما ذكرنا في التاريخ المذكور عزره الشريف ابن زريك والله أعلم
*3* وفاة الأمير شيخون
@ ورد الخبر من الديار المصرية بوفاة الأمير شيخون ليلة الجمعة السادس والعشرين من ذي القعدة ودفن من الغد بتربته وقد ابتنى مدرسة هائلة وجعل فيها المذاهب الأربعة ودار للحديث وخانقاه للصوفية ووقف عليها شيئا كثيرا وقرر فيها معاليم وقراءة دارة وترك أموالا جزيلة وحواصل كثيرة ودواوين في سائر البلاد المصرية والشامية وخلف بنات وزوجة وورث البقية أولاد السلطان المذكور بالولاء ومسك بعد وفاته أمراء كثيرون بمصر كانوا من حزبه من أشهرهم عز الدين بقطاي والدوادار وابن قوصون وأمه أخت السلطان خلف عليها شيخون بعد قوصون انتهى والله أعلم
*2* ثم دخلت سنة تسع وخمسين وسبعمائة
@ استهلت هذه السنة وسلطان الاسلام بالبلاد المصرية والشامية والحرمين الشريفين وما يتبع ذلك الملك الناصر حسن بن الملك الناصر محمد بن الملك المنصور قلاوون بن عبد الله الصالحي وقد قوى جانبه وحاشيته بموت الأمير شيخون كما ذكرنا في سادس عشرين ذي القعدة من السنة الماضية وصار إليه من ميراثه من زهرة الحياة شيء كثير من القناطير المنقطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث وكذلك من المماليك والأسلحة والعدة والبرك والمتاجر ما يشق حصره ويتعذر إحصاؤه ها هنا وليس في الديار المصرية فيما بلغنا إلى الآن نائب ولا وزير والقضاة هم المذكورون في التي قبلها وأما دمشق فنائبها وقضاتها هم المذكورون في التي قبلها سوى الحنفي فإنه قاضي القضاة شرف الدين الكفري عوضا عن نجم الدين الطوسي توفي في شعبان من السنة الماضية ونائب حلب سيف الدين طاز وطرابلس منجك وحماة استدمر العمري وصغد شهاب الدين بن صبح وبحمص صلاح الدين خليل بن خاض برك وببعلبك ناصر الدين الاقوس
وفي صبيحة يوم الاثنين رابع عشر المحرم خرجت أربعة آلاف مع أربع مقدمين إلىناحية حلب نصرة لجيش حلب على مسك طاز ان امتنع من السلطنة كما أمر ولما كان يوم الحادي والعشرين من المحرم نادى المنادي من جهة نائب السلطنة أن يركب من بقي من الجند في الحديد ويوافوه إلى سوق الخيل فركب معهم قاصدا ناحية ثنية العقاب ليمنع الامير طاز من دخول البلد لما تحقق مجيئه في جيشه قاصدا إلى الديار المصرية فانزعج الناس لذلك وأخليت دار السعادة من الحواصل والحريم إلى القلعة وتحصن كثير من الامراء بدورهم داخل البلد وأغلق باب النصر فاستوحش الناس من ذلك بعض الشيء ثم غلقت أبواب البلد كلها إلا بأبي الفراديس والفرج وباب الجابية أيضا لأجل دخول الحجاج ودخل المحمل صبيحة يوم الجمعة الثالث والعشرين من المحرم ولم يشعر به كثير من الناس لشغلهم بما هم فيه من أمر طاز وأمر العشير بحوران وجاء الخبر بمسك الامير سيف الدين طيدمر الحاجب الكبير بأرض حوران وسجنه بقلعة صرخد وجاء سيفه صحبة الامير جمال الدين الحاجب فذهب به إلى الوطاق عند الثنية وقد وصل طاز بجنوده إلى باب القطيفة وتلاقى شاليشه بشاليش نائب الشام ولم يكن منهم قتال ولله الحمد ثم تراسل هو والنائب في الصلح على أن يسلم طاز نفسه ويركب في عشرة سروج إلى السلطان وينسلخ مما هو فيه ويكاتب فيه النائب وتلطفوا بأمره عند السلطان وبكل ما يقدر عليه فأجاب إلى ذلك وأرسل يطلب من يشهده على وصيته فأرسل إليه نائب السلطنة القاضي شهاب الدين قاضي العسكر فذهب إليه فأوصى لولده ! وأم ولده ولوالده نفسه وجعل الناظر على وصيته الأمير علاء الدين أمير على المارداني نائب السلطنة وللأمير صرغتمش ورجع النائب من الثنية عشية يوم السبت بين العشاءين الرابع والعشرين منه وتضاعفت الادعية له وفرح الناس بذلك فرحا شديدا ودعوا إلى الامير طاز بسب إجابته إلى السمع والطاعة وعدم مقاتلته مع كثرة من كان معه من الجيوش وقوة من كان يحرضه على ذلك من اخويه وذويه وقد اجتمعت بنائب السلطنة الامير علاء الدين أمير علي المارداني فأخبرني بملخص ما وقع منذ خرج إلى أن رجع ومضمون كلامه أن الله لطف بالمسلمين لطفا عظيما غذ لم يقع بينهم قتال فإنه قال لما وصل طاز إلى القطيفة وقد نزلنا نحن بالقرب من خان لاجين أرسلت إليه مملوكا من مماليكي أقول له إن المرسوم الشريف قد ورد بذهابك إلى الديار المصرية في عشرة سروج فقط فإذا جئت هكذا فأهلا وسهلا وإن لم تفعل فأنت أصل الفتنة وركبت ليلة الجمعة طول الليل في الجيش وهو ملبس فرجع مملوكي ومعه مملوكه سريعا يقول إنه يسأل أن يدخل بطلبه كما خرج يطلبه من مصر فقلت لا سبيل إلى ذلك إلا في عشرة سروج كما رسم السلطان فرجع وجاءني الأمير الذي جاء من مصر بطلبه فقال إنه يطلب منك أن يدخل في مماليكه فإذا جاوز دمشق إلى الكسوة نزل جيشه هناك وركب هو في عشرة سروج كما رسم فقلت لا سبيل إلى أن يدخل دمشق ويتجاوز بطلبه أصلا وإن كان عنده خيل ورجال وعدة فعندي أضعاف ذلك فقال لي الأمير يا خوند لا يكون تنسى قيمته فقلت لا يقع إلا ما تسمع فرجع فما هو إلا أن ساق مقدار رمية سهم وجاء بعض الجواسيس الذين لنا عندهم فقال ياخوندها قد وصل جيش حماة وطرابلس ومن معهم من جيش دمشق
الذين كانوا قد خرجوا بسببه وقد اتفقوا هم وهو قال فحينئذ ركبت في الجيش وأرسلت طليعتين أمامي وقلت تراءوا للجيوش الذين جاءوا حتى يروكم فيعلموا أنا قد أحطنا بهم من كل جانب فحينئذ جاءت البرد من جهته بطلب الامان ويجهرون بالاجابة إلى ان يركب في عشرة سروج ويترك طلبه بالقطيفة وذلك يوم الجمعة فلما كان الليل ركبت أنا والجيش في السلاح طول الليل وخشيت أن تكون مكيدة وخديعة فجاءتنا الجواسيس فأخبرونا أنهم قد أوقدوا نشابهم ورماحهم وكثيرا من سلاحهم فتحققنا عند ذلك طاعته وإجابته لكل ما رسم به فلما أصبح يوم السبت وصى وركب في عشرة سروج وسار نحو الديار المصرية ولله الحمد والمنة
وفي يوم الاثنين الرابع والعشرين من صفر دخل حاجب الحجاب الذي كان سجن في قلعة صرخد مع البريدي الذي قدم بسبه من الديار المصرية وتلقاه جماعة من الأمراء والكبراء وتصدق بصدقات كثيرة في داره وفرحوا به فرحا شديدا وهو والناس يقولون إنه ذاهب إلى الديار المصرية معظما مكرما على تقدمة الف ووظائف هناك فلما كان يوم الخميس السابع والعشرين منه لم يفجأ الناس إلا وقد دخل القلعة المنصورة معتقلا بها مضيقا عليه فتعجب الناس من هذه الترحة من تلك الفرحة فما شاء الله كان
وفي يوم الاربعاء رابع ربيع الاول عقد مجلس بسبب الحاجب بالمشهد من الجامع وفي يوم الخميس أحضر الحاجب من القلعة إلى دار الحديث واجتمع القضاة هناك بسبب دعاوي لطبون منه حق بعضهم ثم لما كان يوم الاثنين تاسعه قدم من الديار المصرية مقدم البريدية بطلب الحاجب المذكور فأخرج من القلعة السلطانية وجاء إلى نائب السلطنة فقبل قدمه ثم خرج إلى منزله وركب من يومه قاصدا إلى الديار المصرية مكرما وخرج بين يديه خلق من العوام والحرافيش يدعون له وهذا أغرب ما أرخ فهذا الرجل نالته شدة عظيمة بسبب سجنه بصرخد ثم أفرج عنه ثم حبس في قلعة دمشق ثم أفرج عنه وذلك كله في نحوشهر
ثم جاءت الاخبار في يوم الاحد ثاني عشر جمادي الاولى بعزل نائب السلطنة عن دمشق فلم يركب في الموكب يوم الاثنين ولا حضر في دار العدل ثم تحققت الاخبار بذلك وبذهابه إلى نيابة حلب ومجيء نائب حلب إلى دمشق فتأسف كثير من الناس عليه لديانته وجوده وحسن معاملته لأهل العلم ولكن حاشيته لا ينفذون أوامره فتولد بسبب ذلك فساد عريض وحموا كثيرا من البلاد فوقعت الحروب بين أهلها بسبب ذلك وهاجت العشيرات فإنا لله وإنا اليه راجعون وفي صبيحة يوم السبت الخامس والعشرين خرج الامير علي المارداني من دمشق في طلبه مستعجلا في أبهة النيابة قاصدا إلى حلب المرحوسة وقد ضرب وطاقه بوطأة برزة فخرج الناس للتفرج على طلبه وفي هذا اليوم بعد خروج النائب بقليل دخل الامير سيف الدين طيدمر الحاجب من الديار المصرية عائدا إلى وظيفة الحجوبية في أبهة عظيمة وتلقاه الناس بالشموع ودعوا له ثم ركب من يومه إلى خدمة ملك الامراء إلى وطأة برزة فقبل يده وخلع عليه الأمراء واصطلحا انتهى والله أعلم
*3* دخول نائب السلطنة منجك إلى دمشق
@ كان ذلك في صبيحة يوم الخميس الرابع والعشرين من جمادي الاخرة من ناحية حلب وبين يديه الامراء والجيش على العادة وأوقدت الشموع وخرج الناس ومنهم من باب على الاسطحة وكان يوما هائلا
وفي أواخر شهر رجب برز نائب السلطنة إلى الربوة وأحضر القضاة وولاة الامور ورسم باحضار المفتيين وكنت فيمن طلب يومئذ إلى الربوة فركبت إليها وكان نائب السلطنة عزم يومئذ على تخريب المنازل المبنية بالربوة وغلق الحمام من اجل هذه فيما ذكر أنها بنيت ليقضي فيها وهذا الحمام أوساخه صائرة إلى النهر الذي يشرب منه الناس فاتفق الحال في آخر الأمر على إبقاء المساكن ورد المرتفقات المسلطة على نوره وناس ويترك ما هو مسلط على بردى فانكف الناس عن الذهاب إلى الربوة بالكلية ورسم يومئذ بتضييق أكمام النساء وأن تزال الاجراس والركب عن الحمير التي للمكارية
وفي أوائل شهر شعبان ركب نائب السلطنة يوم الجمعة بعد العصر ليقف على الحائط الرومي الذي بالرحبية فخاف أهل الأسواق وغلقوا دكاكينهم عن آخرهم واعتقدوا أن نائب السلطنة أمر بذلك فغضب من ذلك وتنصل منه ثم إنه أمر بهدم الحائط المذكور وأن ينقل إلى العمارة التي استجدها خارج باب النصر في دار الصناعة التي إلى جانب دار العدل أمر ببنائها خانا ونقلت تلك الاحجار اليها انتهى والله أعلم
*3* عزل القضاة الثلاثة بدمشق
@ ولما كان يوم الثلاثاء تاسع شعبان قدم من الديار المصرية بريدي ومعه تذكرة ورقة فيها السلام على القضاة المستجدين وأخبر بعزل القاضي الشافعي والحنفي والمالكي وأنه ولى قضاة الشافعية القاضي بهاء الدين أبو البقا السبكي وقضاء الحنفية الشيخ جمال الدين بن السراج الحنفي وذهب الناس إلى السلام عليهم والتهنئة لهم واحتفلوا بذلك وأخبروا أن القاضي المالكي سيقدم من الديار المصرية ولما كان يوم السبت السابع والعشرين من شعبان وصل البريد من الديار المصرية ومعه تقليدان وخلعتان للقاضي الشافعي والقاضي الحنفي فلبسا الخلعتين وجاءا من دار السعادة إلى الجامع الأموي وجلسا في محراب المقصورة وقرأ تقليد قاضي القضاة بهاء الدين أبي البقاء الشافعي الشيخ نور الدين بن الصارم المحدث على السدة تجاه المحراب وقرا تقليد قاضي القضاة جمال الدين بن السراج الحنفي الشيخ عماد الدين بن السراج المحدث أيضا على السدة ثم حكما هنالك ثم جاء أيضا إلى الغزالية فدرس بها قاضي القضاة بهاء الدين أبو البقاء وجلس الحنفي إلى جانبه عن يمينه وحضرت عنده فأخذ في صيام يوم الشك ثم جاء معه إلى المدرسة النورية فدرس بها قاضي القضاة جمال الدين المذكور وحضر عنده قاضي القضاة بهاء الدين وذكروا أنه أخذ في قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط الآية ثم انصرف بهاء الدين إلى المدرسة العادلية الكبيرة فدرس بها قوله تعالى إن الله يأمرك أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل الآية وفي صبيحة يوم الأربعاء ثامن شهر رمضان دخل القاضي المالكي من الديار المصرية فلبس الخلعة يومئذ ودخل المقصورة من الجامع الاموي وقرئ تقليده هنالك بحضرة القضاة والأعيان قرأه الشيخ نور الدين بن الصارم المحدث وهو قاضي القضاة شرف الدين أحمد بن الشيخ شهاب الدين عبدالرحمن بن الشيخ شمس الدين محمد بن عسكر العراقي البغدادي قدم الشام مرارا ثم استوطن الديار المصرية بعد ما حكم ببغداد نيابة عن قطب الدين الاخوي ودرس بالمستنصرية بعد أبيه وحكم بدمياط أيضا ثم نقل إلى قضاء المالكية بدمشق وهو شيخ حسن كثير التودد ومسدد العبارة حسن البشر عند اللقاء مشكور في مباشرته عفة ونزاهة وكرم الله يوفقه ويسدده
*3* مسك الأمير طرغتمش أتابك الامراء بالديار المصرية
@ ورد لخبر إلينا بمسكه يوم السبت الخامس والعشرين من رمضان هذا وأنه قبض عليه بحضرة السلطان يوم الاثنين العشرين منه ثم اختلفت الرواية عن قتله غير أنه احتيط على حواصله وأمواله وصودر أصحابه وأتباعه فكان فيمن ضرب وعصر تحت المصادرة القاضي ضياء الدين ابن خطيب بيت الابار واشتهر أنه مات تحت العقوبة وقد كان مقصدا للواردين إلى الديار المصرية لا سيما أهل بلدة دمشق وقد بشار عدة وظائف وكان في آخر عمره قد فوض اليه نظر جميع الاوقاف ببلاد السلطان وتكلم في أمر الجامع الاموي وغيره فحصل بسبب ذلك قطع أرزاق جماعات من الكتبة وغيرهم ومالأ الامير صرغتمش في أمور كثيرة خاصة وعامة فهلك بسببه وقد قارب الثمانين انتهى
*3* إعادة القضاة
@ وقد كان صرغتمش عزل القضاة الثلاثة بدمشق وهم الشافعي والحنفي والمالكي كما تقدم وعزل قبلهم ابن جماعة وولى ابن عقيل فلما مسك صرغتمش رسم السلطان باعادة القضاة على ما كانوا عليه ولما ورد الخبر بذلك إلى دمشق امتنع القضاة الثلاثة من الحكم غير أنهم حضروا ليلة العيد لرؤيةالهلال بالجامع الأموي وركبوا مع النائب صبيحة العيد إلى المصلى على عادة القضاة وهم على وجل وقد انتقلوا من مدارس الحكم فرجع قاضي القضاة أبو البقاء الشافعي إلى بستانه بالزعيفرية ورجع قاضي القضاة ابن السراج إلى داره بالتعديل وارتحل قاضي القضاة شرف الدين المالكي إلى الصالحية داخل الصمصامية وتألم كثير من الناس بسببه لأنه قد قدم غريبا من الديار المصرية وهو فقير ومتدين وقد باشر الحكم جيدا ثم تبين بآخرة أنه لم يعزل وأنه مستمر كما سنذكره ففرح أصحابه وأحبابه وكثير من الناس بذلك فلم كان يوم الأحد رابع شوال قدم البريد وصحبته تقليد الشافعي قاضي القضاة تاج الدين ابن السبكي وتقليد الحنفي قاضي القضاة شرف الدين الكفري واستمر قاضي القضاة شرف الدين المالكي العراقي على قضاء المالكية لأن السلطان تذكر أنه كان شافهه بولاية القضاء بالشام وسيره بين يديه إلى دمشق فحمدت سيرته كما حسنت سريرته إن شاء الله وفرح الناس له بذلك
وفي ذي القعدة توفي المحدث شمس الدين محمد بن سعد الحنبلي يوم الاثنين ثالثة ودفن من الغد بالسفح وقد قارب الستين وكتب كثيرا وخرج وكانت له معرفة جيدة بأسماء الاحرار ورواتها من الشيوخ المتأخرين وقد كتب للحافظ البرزالي قطعة كبيرة من مشايخه وخرج له عن كل حديثا أو أكثر وأثبت له ما سمعه عن كل منهم ولم يتم حتى توفي البرزالي رحمه الله
وتوفي بهاء الدين ابن المرجاني باني جامع الفوقاني وكان مسجدا في الاصل فبناه جامعا وجعل فيه خطبة وكنت أول من خطب فيه سنة ثمان واربعين وسبعمائة وسمع شيئا من الحديث وبلغنا مقتل الامير سيف الدين بن فضل بن عيسى بن مهنا أحد أمراء الاعراب الاجواد الانجاد وقد ولي إمرة آل مهنا غير مرة كما وليها أبوه من قبله عدا عليه بعض بني عمه فقتله من غير قصد بقتله كما ذكر لكن لما حمل عليه السيف أراد أن يدفع عن نفسه وبنفسه فضربه بالسيف برأسه ففلقه فلم يعش بعده إلا أياما قلائل ومات رحمه الله انتهى
*3* عزل منجك عن دمشق
@ ولما كان يوم الأحد ثاني ذي الحجة قدم امير من الديار المصرية ومعه تقليد نائب دمشق وهو الامير سيف الدين منجك بنيابة صغد المحروسة فأصبح من الغد وهو يوم عرفة وقد انتقل من دار السعادة إلى سطح المزة قاصدا إلى صغد المحروسة فعمل العيد بسطح المزة ثم ترحل نحو صغد وطمع كثيرمن المفسدين والخمارين وغيرهم وفرحوا بزواله عنهم وفي يوم العيد قرئ كتاب السلطان بدار السعادة على الامراء وفيه التصريح باستنابة أميره على المارداني عليهم وعوده إليه والامر بطاعته وتعظيمه واحترامه والشكر له والثناء عليه وقدم الامير شهاب الدين بن صبح من نيابة صغد ونزل بداره بظاهر البلد بالقرب من الشامية البرانية وصل البريد يوم السبت الحادي والعشرين من ذي الحجة بنفي صاحب الحجاب طيدمر الاسماعيلي إلى مدينة حماة بطالا من سرجين لا غير والله أعلم
*2* ثم دخلت سنة ستين وسبعمائة
@ استهلت هذه السنة وملك الديار المصرية والشامية وما يتبع ذلك من الممالك الاسلامية الملك الناصر حسن بن السلطان الملك الناصر محمد بن السلطان الملك المنصور قلاوون الصالحي وقضاته بمصرهم المذكورون في السنة التي قبلها ونائبه بدمشق الامير علاء الدين أمير علي المارداني وقضاة الشام هم المذكورون في التي قبلها غير المالكي فإنه عزل جمال الدين المسلاتي بشرف الدين العراقي وحاجب الحجاب الامير شهاب الدين بن صبح وخطباء البلد كانت أكثرها المذكورون وفي صبيحة يوم الاربعاء ثالث المحرم دخل الامير علاء الدين أمير على نائب السلطنة إلى دمشق من نيابة حلب ففرح الناس به وتلقوه إلى أثناء الطريق وحملت له العمامة الشجوع في طرقات البلد وليس الأمير شهاب الدين بن صبح خلعة الحجابة الكبيرة بدمشق عوضا عن نيابة صغد
ووردت كتب الحجاج يوم السبت الثالث عشر منه مؤرخة سابع عشرين ذي الحجة من العلا وذكروا أن صاحب المدينة النبوية عدا عليه فداويان عند لبسه خلعة السلطان وقت دخول المحمل إلى المدينة الشريفة فقتلاه فعدت عبيدة على الحجيج الذين هم داخل المدينة فنهبوا من أموالهم وقتلا بعضهم وخرجوا وكانوا قد أغلقوا أبواب المدينة دون الجيش فحرق بعضها ودخل الجيش السلطاني فاستنقذوا الناس من ايدي الظالمين ودخل المحمل السلطاني إلى دمشق يوم السبت العشرين من هذا الشهر على عادته وبين يدي المحمل الفداويان اللذان قتلا صاحب المدينة وقد ذكرت عنه أمور شنيعة بشعة من غلوه في الرفض المفرط ومن قوله إنه لو تمكن لاخرج الشخين من الحجرة وغير ذلك من عبارات مؤدية لعدم إيمانه إن صح عنه والله أعلم
وفي صبيحة يوم الثلاثاء سادس صفر مسك الامير شهاب الدين بن صبح حاجب الحجاب وولداه الاميران وحبسوا في القلعة المنصورة ثم سافر به الامير ناصر الدين بن خاربك بعد أيام إلى الديار المصرية وفي رجل ابن صبح قيد وذكر انه فك من رجله في اثناء الطريق وفي يوم الاثنين ثالث عشر صفر قدم نائب طرابلس الامير سيف الدين عبد الغني فأدخل القلعة ثم سافر به الامير علاء الدين بن أبي بكر إلى الديار المصرية محتفظا به مضيقا عليه وجاء الخبر بأن منجك سافر من صغد على البريد مطلوبا إلى السلطان فلما كان بينه وبين غزة بريد واحد دخل بمن معه من خدمه التيه فارا من السلطان وحين وصل الخبر إلى نائب غزة اجتهد في طلبه فأعجزه وتفارط الامر انتهى والله اعلم
*3* مسك الامير علي المارداني نائب الشام
@ وأصل ذلك أنه في صبيحة يوم الاربعاء الثاني والعشرين من رجب ركب الجيش إلى تحت القلعة ملبسين وضربت البشائر في القلعة في ناحية الطارمة وجاء الامراء بالطبلخانات من كل جانب والقائم بأعباء الامر الامير سيف الدين بيدمر الحاجب ونائب السلطنة داخل دار السعادة والرسل مرددة بينه وبين الجيش ثم خرج فحمل على سروج يسيرة محتاطا عليه إلى ناحية الديار المصرية واستوحش من أهل الشام عند باب النصر فتباكى الناس رحمة له واسفة عليه لديانته وقلة أذيته واذية الرعية وإحسانه إلى العلماء والفقراء والقضاة
ثم في صبيحة يوم الخميس الثالث والعشرين منه احتيط على الأمراء الثلاثة وهم الأمير سيف الدين طيبفا حجي أحد مقدمي الالوف والامير سيف الدين فطليخا الدوادار أحد المقدمين أيضا والامير علاء الدين أيدغمش المارداني أحد أمراء الطبلخانات وكان هؤلاء مممن حضر نائب السلطنة المذكور وهم جلساؤه وسماره والذين بسفارته أعطوا الاجناد والطبلخانات والتقادم فرفعوا إلى القلعة المنصورة معتقلين بها مع من بها من الأمراء ثم ورد الخبر بأن الامير علي رد من الطريق بعد مجاوزته غزة وأرسل إليه بتقليد نيابة صغد المحروسة فتماثل الحال وفرح بذلك أصحابه وأحبابه وقدم متسلم دمشق الذي خلع عليه بنيابتها بالديار المصرية في يوم الخميس سادس عشر شهر رجب بعد أن استعفى من ذلك مرارا وباس الارض مرارا فلم يعفه السلطان وهو الامير سيف الدين استدمر اخو يلبغا البحناوي الذي كان نائب الشام وبنته اليوم زوجة السلطان قدم متسلمة إلى دمشق يوم الخميس سلخ الشهر فنزل في دار السعادة وراح القضاة والأعيان للسلام عليه والتودد إليه وحملت إليه الضيافات والتقادم انتهى والله أعلم
*3* كائنة وقعت بقرية حوران فأوقع الله بهم بأسا شديدا في هذا الشهر الشريف
@ وذلك أنهم أشهر أهل قرية بحروان وهي خاص لنائب الشام وهم حلبية يمن ويقال لهم بنو لبسه وبني ناشي وهي حصينة مينعة يضوى اليها كل مفسد وقاطع ومارق ولجأ اليهم أحد شياطين رويمن العشير وهو عمر المعروف بالدنيط فأعدوا عددا كثيرة ونهبوا ليغنموا العشير وفي هذا الحين بدرهم وإلى الولاة المعروف بشنكل منكل فجاء إليهم ليردهم ويهديهم وطلب منهم عمر الدنيط فأبوا عليه وراموا مقاتلته وهم جمع كثير وجم غفير فتأخر عنهم وكتب إلى نائب السلطنة ليمده بجيش عونا له عليهم وعلى أمثالهم فجهز له جماعة من أمراء الطبلخانات والعشراوات ومائة من جند الحلقة الرماة فلما بغتهم في بلدهم تجمعوا لقتال العسكر ورموه بالحجارة والمقاليع وحجزوا بينهم وبين البلد فعند ذلك رمتهم الاتراك بالنبال من كل جانب فقتلوا منهم فوق المائة ففروا على أعقابهم وأسر منهم والي الولاة نحوا من ستين رجلا وأمر بقطع رءوس القتلى وتعليقها في أعناق هؤلاء الأسرى ونهبت بيوت الفلاحين كلهم وسلمت إلى مماليك نائب السلطنة لم يفقد منها ما يساوي ثلاثمائة درهم وكر راجعا إلى بصرى وشيوخ العشيرات معه فاخبر ابن الامير صلاح الدين ابن خاص ترك وكان من جملة أمراء الطبلخانات الذين قاتلوهم بمبسوط ما يخصه وأنه كان إذا أعيا بعض تلك الاسرى من الجرحى أمر المشاعلي بذبحه وتعليق رأسه على بقية الاسرى وفعل هذا بهم غير مرة حتى أنه قطع رأس شاب منهم وعلق رأسه على أبيه شيخ كبير فإنا لله وإنا اليه راجعون حتى قدم بهم بصرى فشنكل طائفة من أوئلك المأسورين وشنكل آخرين ووسط الاخرين وحبس بعضهم في القلعة وعلق الرءوس على أخشاب نصبها حول قلعة بصرى فحصل بذلك تنكيل شديد لم يقع مثله في هذا الاوان بأهل حوران وهذا كله سلط عليهم بما كسبت أيديهم وما ربك بظلام للعبيد وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون فإنا لله وإنا اليه راجعون انتهى
*3* دخول نائب السطنة الامير سيف الدين استدمر البحناوي
@ في صبيحة يوم الاثنين حادي عشر شعبان من هذه السنة كان دخول الامير سيف الدين استدمر البحناوي نائبا على دمشق من جهة الديار المصرية وتلقاه الناس واحتلفوا له احتفالا زائدا وشاهدته حين ترجل لتقبيل العتبة وبعضده الأمير سيف الدين بيدمر الذي كان حاجب الحجاب وعين لنيابة حلب المحروسة فاستقبل القبلة وسجد عند القبلة وقد بسط له عندها مفارش وصمدة هائلة ثم إنه ركب فتعضده بيدمر أيضا وسار نحو الموكب فأركب ثم عاد إلى دار السعادة على عادة من تقدمه من النواب وجاء تقليد الامير سيف الدين بيدمر من آخر النهار لنيابة حلب المرحوسة وفي آخر نهار الثلاثاء بعدالعصر ورد البريد البشيري وعلى يديه مرسوم شريف بنفي القاضي بهاء الدين أبو البقاء وأولاده واهله إلى طرابلس بلا وظيفة فشق ذلك عليه وعلى أهليه ومن يليه وتغمم له كثير من الناس وسافر ليلة الجمعة وقد أذن له في الاستنابة في جهاته فاستناب ولده الكبير عز الدين واشتهر في شوال ان الامير سيف الدين منجك الذي كان نائب السلطنة بالشام وهرب ولم يطلع له خبر فلما كان في هذا الوقت ذكر أنه مسك ببلد بحران من مقاطعة ماردين في زي فقير وانه احتفظ عليه وأرسل السلطان قراره وعجب كثير من الناس من ذلك ثم لم يظهر لذلك حقيقة وكان الذين رأوه ظنوا انه هو فإذا هو فقير من جملة الفقراء يشبهه من بعض الوجوه واشتهر في ذي القعدة أن الامير عز الدين فياض بن مهنا ملك العرب خرج عن طاعة السلطان وتوجه نحو العراق فوردت المراسيم السلطانية لمن بأرض الرحبة من العساكر الدمشقية وهم أربعة مقدمين في أربعة آلاف وكذلك جيش حلب وغيره بتطلبه وإحضاره إلى بين يدي السلطان فسعوا في ذلك بكل ما يقدرون عليه فعجوا عن لحاقه والدخول وراءه إلى البراري وتفارط الحال وخلص إلى أرض العراق فضاق النطاق وتعذر اللحاق
*2* ثم دخلت سنة إحدى وستين وسبعمائة
@ استهلت وسلطان المسلمين الملك الناصر حسن بن الملك الناصر محمد بن الملك المنصور قلاوون وقضاة مصر والشام هم المذكورون في التي قبلها ونائب الشام الامير سيف الدين استدمر اخو يلبغا البحناوي وكاتب السر القاضي أمين الدين بن القلانسي
وفي مستهل المحرم جاء الخبر بموت الشيخ صلاح الدين العلائي بالقدس الشريف ليلة الاثنين ثالث المحرم وصلى عليه من الغد بالمسجد الاقصى بعد صلاة الظهر ودفن بمقبرة نائب الرحبة وله من العمر ست وستون سنة وكان مدة مقامه بالقدس مدرسا بالمدرسة الصلاحية وشيخا بدار الحديث السكرية ثلاثين سنة وقد صنف وألف وجمع وخرج وكانت له يد طولى بمعرفة العالي والنازل وتخريج الاجزاء والفوائد وله مشاركة قوية في الفقه واللغة والعربية والادب وفي كتابته ضعف لكن مع صحة وضبط لما يشكل وله عدة مصنفات وبلغني أنه وقفها على الخانقاه السمساطية بدمشق وقد ولى بعده التدريس بالصرخصية الخطيب برهان الدين ابن جماعة والنظر بها وكان معه تفويض منه متقدم التاريخ
وفي يوم الخميس السادس من محرم احتيط على متولي البر ابن بهادر الشيرجي ورسم عليه بالعذراوية بسبب أنه اتهم بأخذ مطلب من نعمان البلقاء هو وكحلن الحاجب وقاضي حسان والظاهر أن هذه مرافعة من خصم عدو لهم وأنه لم يكن من هذا شيء والله أعلم ثم ظهر على رجل يزور المراسيم الشريفة وأخذ بسببه مدرس الصارمية لأنه كان عنده في المدرسة المذكورة وضرب بين يدي ملك الامراء وكذلك على الشيخ زين الدين زيد المغربي الشافعي وذكر عنه أن يطلب مرسوما لمدرسة الاكرية وضرب أيضا ورسم عليه في حبس السد وكذلك حبس الامير شهاب الدين الذي كان متولي البلد لأنه كان قد كتب له مرسوما شريفا بالولاية فلما فهم ذلك كاتب السر أطلع عليه نائب السلطنة فانفتح عليه الباب وحبسوا كلهم بالسد وجاءت كتب الحجاج ليلة السبت الخامس عشر من المحرم وخبرت بالخصب والرخص والأمن ولله الحمد والمنة ودخل المحمل بعد المغرب ليلة السبت الحادي والعشرين منه ثم دخل الحجيج بعده في الطين والرمض وقد لقوا من ذلك من بلاد حوران عناء وشدة ووقعت جمالات كثيرة وسبيت نساء كثيرة فإنا لله وإنا إليه راجعون وحصل للناس تعب شديد ولما كان يوم الاثنين الرابع والعشرين قطعت يد الذي زور المراسيم واسمه السراج عمر القفطي المصري وهو شاب كاتب مطيق على ما ذكر وحمل في قفص على جمل وهو مقطعوع اليد ولم يحسم بعدو الدم ينصب منها واركب معه الشيخ زين الدين زيد على جمل وهو منكوس وجهه إلى ناحية دبر الجمل وهو عريان مكشوف الرأس وكذلك البدر الحمصي على جمل آخر واركب الوالي شهاب الدين على جمل آخر وعليه تخفيفه صغيرة وخف وقباء وطيف بهم في محال البلد ونودي عليهم هذا جزاء من يزور على السلطان ثم أودعوا حبس الباب الصغير وكانوا قبل هذا التعزير في حبس السد ومنه اخذوا وأشهروا فإنا لله وإنا اليه راجعون انتهى
*3* مسك منجك وصفة الظهرو عليه وكان مختفيا بدمشق حوالي سنة
@ لما كان يوم الخميس السابع والعشرين من المحرم جاء ناصح إلى نائب السلطنة الأمير سيف الدين استدمر فأخبره بأن منجك في دار الشرف الاعلى فأرسل من فوره إلى ذلك المنزل الذي هو فيه بعض الحجبة ومن عنده من خواصه فأحضر إلى بين يديه محتفظا عليه جدا بحيث إن بعضهم رزفه من ورائه واحتضنه فلما واجهه نائب السلطنة أكرمه وتلقاه وأجلسه معه على مقعدته وتلطف به وسقاه وأضافه وقد قيل إنه كان صائما فأفطر عنده واعطاه من ملابسه وقيده وأرسله إلى السلطان في ليلته ليلة الجمعة مع جماعة من الجند وبعض الامراء منهم حسام الدين أمير حاجب وقد كان ارسل نائب السلطنة ولده بسيف منجك من اوائل النهار وتعجب الناس من هذه القضية جدا وما كان يظن كثير من الناس إلا أنه قد عدم باعتبار انه في بعض البلاد النائية ولم يشعر الناس أنه في وسط دشمق وأنه يمشي بينهم متنكرا وقد ذكر أنه كان يحضر الجمعات بجامع دمشق ويمشي بين الناس متنكرا في لبسه وهيئته ومع هذا لن يغني حذر من قدر ولكل أجل كتاب وأرسل ملك الامراء بالسيف وبملابسه التي كان يتنكر بها وبعث هو مع جماعة من الأمراء الحجبة وغيرهم وجيش كثيف إلى الديار المصرية مقيدا محتفظا عليه ورجع ابن ملك الامراء بالتحف والهدايا والخلع والانعام لوالده ولحاجب الحجاب ولبس ذلك الامراء يوم الجمعة واحتفل الناس بالشموع وغيرها ثم تواترت الاخبار بدخول منجك إلى السلطان وعفوه عفه وخلعته الكاملة عليه وإطلاقه له الحسام والخيول المسومة والألبسة المفتخرة والاموال والامان وتقديم الامراء والاكبار له من سائر صنوف التحف وقدوم الامير على من صغد قاصدا إلى حماة لنيابتها فنزل القصر الابلق ليلة الخميس رابع صفر وتوجه ليلة الاحد سابعه
وفي يوم الخميس الثامن عشر من صفر قدم القاضي بهاء الدين أبو البقاء من طرابلس بمرسوم شريف ان يعود إلى دمشق على وظائفه المبقاة عليه وقد كان ولده ولي الدين ينوب عنه فيها فتلقاه كثير من الناس إلى أثناء الطريق وبرز إليه قاضي القضاة تاج الدين إلى حرستا وراح الناس إلى تهنئته إلى داره وفرحوا برجوعه إلى وطنه ووقع مطر عظيم في اول هذا الشهر وهو أثناء شهر شباط وثلج عظيم فرويت البساتين التي كانت لها عن الماء عدة شهور ولا يحصل لأحد من الناس سقى إلا بكلفة عظيمة ومشقة ومبلغ كثير حتى كاد الناس يقتتلون عليه بالأيدي والدبابيس وغير ذلك من البذل الكثير وذلك في شهور كانون الاول والثاني وأول شباط وذلك لقلة مياه الانهار وضعفها وكذلك بلاد حوران أكثرهم يروون من أماكن بعيدة في هذه الشهور ثم من الله تعالى فجرت الاودية وكثرت الامطار والثلوج وغزرت الانهار ولله الحمد والمنة توالت الامطار فكأنه حصل السيل في هذه السنة من كانون إلى شباط فكان شباط هو كانون وكانون لم يسل فيه ميزاب واحد ووصل في هذا الشهر الامير سيف الدين منجك إلى القدس الشريف ليبتني للسلطان مدرسةوخانقاه غربي المسجد الشريف وأحضر الفرمان الذي كتب له بماء الذهب إلى دمشق وشاهده الناس ووقعت على نسخته وفيها تعظيم زائد ومدح وثناء له وشكر على متقدم خدمة لهذه الدولة والعفو عما مضى من زلاته وذكر سيرته بعبارة حسنة
وفي أوائل شهر ربيع الآخر رسم على المعلم سنجر مملوك ابن هلال صاحب الاموال الجزيلة بمرسوم شريف قدم مع البريد وطلب منه ستمائة ألف درهم واحتيط على العمارة التي أنشاها عند باب النطافيين ليجعلها مدرسة ورسم بأن يعمر مكانها مكتب للأيتام وأن يوقف عليهم كتابتهم جارية عليهم وكذلك رسم بأن يجعل في كل مدرسة من مدارس المملكة الكبار وهذا مقصد جيد وسلم المعلم سنجر إلى شاد الدواوين يستخلص منه المبلغ المذكور سريعا فعاجل بحمل مائتي ألف وسيرت مع أمير عشرة إلى الديار المصرية
*3* الأحتياط على الكتبة والدواوين
@ وفي يوم الاربعاء خامس عشر ربيع الآخر ورد من الديار المصرية أمير معه مرسوم بالاحتياط على دواوين السلطان بسبب ما أكلوا من الاموال المرتبة للناس من الصدقات السلطانية وغير ذلك فرسم عليهم بدار العدل البرانية وألزموا بأموال جزيلة كثيرة بحيث احتاجوا إلى بيع أثاثهم وأقمشتهم وفرشهم وامتعتهم وغيرها حتى ذكر ان منهم من لم يكن له شيء يعطيه فأحضر بناته إلى الدكة ليبيعهن فتابكى الناس وانتحبوا رحمة ورقة لأبيهن ثم أطلق بعضهم وهم الضعفاء منهم والفقراء الذين لا شيء معهم وبقيت الغرامة على الكبراء منهم كالصاحب والمستوفيين ثم شدددت عليهم المطالبة وضربوا ضربا مبرحا وألزموا الصاحب بمال كثير بحيث إنه احتاج إلى أن سأل من الأمراء والأكابر والتجار بنفسه وباوراقه فأسعفوه بمبلغ كثير يقارب ما ألزم به بعد أن عرى ليضرب ولكن ترك واشتهر أنه قد عين عوضه من الديار المصرية انتهى
*3* موت فياض بن مهنا
@ ورد الخبر بذلك يوم السبت الثامن عشر منه فاستبشر بذلك كثير من الناس وارسل إلى السلطان مبشرين بذلك لأنه كان قد خرج عن الطاعة وفارق الجماعة فمات موتة جاهلية بأرض الشقاق والنفاق وقد ذكرت عن هذا أشياء صدرت عنه من ظلم الناس والافطار في شهر رمضان بلا عذر وأمره أصحابه وذويه بذلك في هذا الشهر الماضي فإنا لله وإنا إليه راجعون جاوز السبعين انتهى والله أعلم
*3* كائنة عجيبة جدا هي المعلم سنجر مملوك بن هلال
@ في اليوم الرابع والعشرين من ربيع الآخر أطلق المعلم الهلالي بعد أن استوفوا منه تكميل ستمائة ألف درهم فبات في منزله عند باب النطافيين سرورا بالخلاص ولما أصبح ذهب إلى الحمام وقد ورد البريد من جهة السلطان من الديار المصرية بالاحتياط على أمواله وحواصله فأقبلت الحجبة ونقباء النقبة والأعوان من كل مكان فقصدوا داره فاحتاطوا بها وعليها بما فيها ورسم عليه وعلى ولديه وأخرجت نساؤه من المنزل في حالة صعبة وفتشوا النساء وانتزعوا عنهن الحلي والجواهر والنفائس واجتمعت العامة والغوغاء وحضر بعض القضاة ومعه الشهود بضبط الاموال والحجج والرهون وأحضروا المعلم ليستعلموا منه جلية ذلك فوجداو من حاصل الفضة أول يوم ثلثمائة ألف وسبعين ألفا ثم صناديق أخرى لم تفتح وحواصل لم يصلوا اليها لضيق الوقت ثم أصحبوا يوم الاحد في مثل ذلك وقد بات الحرس على الابواب والاسطحة لئلا يعدى عليها في الليل وبا هو وأولاده بالقلعة المنصورة محتفظا عليهم وقد رق له كثير من الناس لما أصابه من المصيبة العظيمة بعد التي قبلها سريعا
وفي أواخر هذا الشهر توفي الامير ناصر الدين محمد بن الدوادار السكري كان ذا مكانة عند استاذه ومنزلة عالية ونال من السعادة في وظيفته أقصاها ثم قلب الله قلب أستاذه عليه فضربه وصادره وعزله وسجنه ونزل قدره عند الناس وآل به الحال إلى أنه كان يقف على أتباعه بفرسه ويشتري منهم ويحاككهم ويحمل حاجته معه في سرجه وصار ممثلة بين الناس بعد أن كان في غاية ما يكون فيه الدويدارية من العز والجاه والمال والرفعة في الدنيا وحق على الله تعالى أن لا يرفع شيئا من أمر الدينا الاوضعة
وفي صبيحة يوم الاحد سابع عشرة أفرج عن المعلم الهلالي وعن ولديه وكانوا معتقلين بالقلعة المنصورة وسلمت اليهم دورهم وحواصلهم ولكن أخذ ما كان حاصلا في داره وهو ثلاثمائة ألف وعشرون ألفا وختم على حججه ليعقد لذلك مجلس ليرجع رأس ماله منها عملا بقوله تعالى وإن
تبتم فلكم رءوس اموالكم لا تظلمون ولا تظلمون ونودي عليه في البلد إنما فعل به ذلك لأنه لا يؤدي الزكاة ويعامل بالربا وحاجب السلطان ومتولى البلد وبقية المتعممين والمشاعلية تنادي عيه في أسواق البلد وارجائها
وفي اليوم الثامن والعشرين منه ورد المرسوم السلطاني الشريف باطلاق الدواوين إلى ديارهم وأهاليهم ففرح الناس بسبب ذلك لخلاصهم مما كانوا فيه من العقوبة والمصادرة البليغة ولكن لم يستمر بهم في مباشراتهم
وفي أواخر الشهر تكلم الشيخ شهاب الدين المقدسي الواعظم قدم من الديار المصرية تجاه محراب الصحابة واجتمع الناس إليه وحضر من قضاة القضاة الشافعي والمالكي فتكلم على تفسير آيات من القرآن وأشار إلى أشياء من إشارات الصوفية بعبارات طلقة معربة حلوة صادعة للقلوب فأفاد وأجاد وودع الناس بعوده إلى بلده ولما دعا استنهض الناس للقيام فقاموا في حال الدعاء وقد اجتمعت به بالمجلس فرايته حسن الهيئة والكلام والتأدب فالله يصلحه وإيانا آمين
وفي مستهل جمادي الآخرة ركب الامير سيف الدين بيدمر نائب حلب القصد غزو بلاد سيس في جيش لقاه الله النصر والتأييد وفي مستهل هذا الشهر أصبح أهل القلعة وقد نزل جماعة من أمراء الاعراب من أعالي مجلسهم في عمائم وحبال الى الخندق وخاضوه وخرجوا من عند جسر الزلابية فانطلق اثنان وأمسك الثالث الذي تبقى في السجن وكأنه كان يمسك لهم الحبال حتى تدلوا فيها فاشتد نكير نائب السلطنة على نائب القلعة وضرب ابنيه النقيب وأخاه وسجنهما وكاتب في هذه الكائنة إلى السلطان فرود المرسوم بعزل نائب القلعة وإخراجه منها وطلبه لمحاسبة ما قبض من الاموال السلطانية في مدة ست سني مباشرته وعزل ابنه عن النقابة ابنه الآخر عن استدرائه السلطان فنزلوا من عزهم إلى عزلهم
وفي يوم الاثنين سابع عشره جاء الأمير تاج الدين جبريل من عند الامير سيف الدين بيدمر نائب حلب وقد فتح بلدين من بلاد سيس وهما طرسوس وأذنة وأرسل مفاتيحهما صحبة جبريل المذكور إلى السلطان أيده الله ثم افتتح حصونا أخر كثيرة في أسرع مدة وأيسر كلفة وخطب القاضي ناصر الدين كاتب السر خطبة بليغة حسنة وبلغني في كتاب أن أبوبا كنيسة أذنة حملت إلى الديار المصرية في المراكب قلت وهذه هي أبواب الناصرية التي بالسفح أخذها سيس عام قازان وذلك في سنة تسع وتسعين وستمائة فاستنفذت ولله الحمد في هذه السنة
وفي أواخر هذا الشهر بلغنا أن الشيخ قطب الدين هرماس الذي كان شيخ السلطان طرد عن جناب مخدومه وضرب وصودر وخربت داره إلى الاساس ونفي إلى مصياف فاجتاز بدمشق ونزل بالمدرسة الجليلة ظاهر باب الفرج وزرته فيمن سلم عليه فإذاهو شيخ حسن عنده ما يقال ويتلفظ معربا جيدا ولديه فضيلة وعنده تواضع وتصوف فالله يحسن عاقبته ثم تحول إلى العذراوية
وفي صبيحة يوم السبت سابع شهر رجب توجه الشيخ شرف الدين أحمد بن الحسن بن قاضي الجبل الحنبلي إلى الديار المصرية مطلوبا على البريد إلى السلطان لتدريس الطائفة الحنبلية بالمدرسة التي أنشاها السلطان بالقاهرة المعزية وخرج لتوديعه القضاة والاعيان إلى اثناء الطريق كتب الله سلامته انتهى والله تعالى أعلم
*3* مسك نائب السلطنة استدمر البحناوي
@ وفي صبيحة يوم الاربعاء الخامس والعشرين من رجب قبض على نائب السلطنة الأمير سيف الدين استدمر أخي يلبغا البحناوي عن كتاب ورد من السلطان صحبة الدوادار الصغير وكان يومئذ راكبا بناحية ميدان ابن بابك فلما رجع إلى عند مقابر اليهود والنصارى احتاط عليه الحاجب الكبير ومن معه من الجيش والزموه بالذهاب إلى ناحية طرابلس فذهب من على طريق الشيخ رسلان ولم يمكن من المسير إلى دار السعادة ورسم عليه من الجند من أوصله إلى طرابلس مقيما بها بطالا فسبحان من بيده ملكوت كل شيء يفعل ما يشاء وبقي البلد بلا نائب يحكم فيه الحاجب الكبير عن مرسوم السلطان وعين للنيابة الامير سيف الدين بيدمر النائب بحلب
وفي شعبان وصل تقليد الامير سيف الدين بيدمر بنيابة دمشق ورسم له أن يركب في طائفة من جيش حلب ويقصد الامير خيار بن مهنا ليحضره إلى خدمة السلطان وكذلك رسم لنائب حماة وحمص أن يكونا عونا للأمير سيف الدين بيدمر في ذلك فلما كان يوم الجمعة رابعه التقوا مع خيار عند سلمية فكانت بينهم مناوشات فأخبرني الامير تاج الدين الدودار وكان مشاهد الوقعة أن الاعراب احاطوا بهم من كل جانب وذلك لكثرة العرب وكانوا نحو الثمانمائة وكانت الترك من حماة وحمص وحلب مائة وخمسين فرموا الاعراب بالنشاب فقتلوا منهم طائفة كثيرة ولم يقتل من الترك سوى رجل واحد رماه بعض الترك ظانا أنه من العرب بناشج فقتله ثم حجز بينهم الليل وخرجت الترك من الدائرة ونهبت أموال من الترك ومن العرب وجرت فتنة وجردت امراء عدة من دمشق لتدارك الحال وأقام نائب السلطنة هناك ينتظر ورودهم وقدم الامير عمر الملقب بمصمع بن موسى بن مهنا من الديار المصرية أميرا على الاعراب وفي صحبته الامير بدر الدين ابن جماز اميران على الاعراب فنزل مصمع بالقصر الابلق ونزل الامير رملة بالتوزية على عادته ثم توجها إلى ناحية خيار بمن معها من عرب الطاعة ممن أضيف اليهم من تجريدة دمشق ومن يكون معهم من جيش حماة وحمص لتحصيل الامير خيار وإحضاره إلى الخدمة الشريفة فالله تعالى يحسن العاقبة
*3* دخول نائب السلطنة الامير سيف الدين بيدمر إلى دمشق
@ وذلك صبيحة يوم السبت التاسع عشر من شعبان أقبل بجيشه من ناحية حلب وقد بات بوطأة برزة ليلة السبت وتلقاه الناس إلى حماة ودونها وجرت له وقعة مع العرب كما ذكرنا فلما كان هذا اليوم دخل في أبهة عظيمة وتجمل حافل فقبل العتبة على العادة ومشى إلى دار السعادة ثم أقبلت جنائبه في لبوس هائلة باهرة وعدد كثير وعدد ثمينة وفرح المسلمون به لشهامته وصرامته وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر والله تعالى يؤيده ويسدده
وفي يوم الجمعة ثاني شهر رمضان خطبت الحنابلة بجامع القبيبات وعزل عنه القاضي شهاب الدين قاضي العسكر الحنبلي بمرسوم نائب السلطان لأنهكان يعرف أنه كان مختصرا بالحنابلة منذ عين إلى هذا الحين
وفي يوم الجمعة السادس عشر نه قتل عثمان بن محمد المعروف بابن دبادب الدقاق بالحديد على ما شهد عليه به جماعة لا يمكن تواطؤهم على الكذب أنه كان يكثر من شتم الرسول ص فرفع إلى الحاكم المالكي وادعى عليه فأظهر التجابن ثم استقر امره على أن قتل قبحه الله وابعده ولا رحمه
وفي يوم الاثنين السادس والعشرين منه قتل محمد المدعو زبالة الذي بهتار لابن معبد على ما صدر منه من سب النبي ص ودعواه أشياء كفرية وذكر عنه انه كان يكثر الصلاة والصيام ومع هذا يصدر منه أحوال بشعة في حق أبي بكر وعمر وعائشة أم المؤمنين وفي حق النبي ص فضربت عنقه أيضا في هذا اليوم في سوق الخيل ولله الحمد والمنة
وفي ثالث عشر شوال خرج المحمل السلطاني وأميره الأمير ناصر الدين بن قراسنقر وقاضي الحجيج الشيخ شمس الدين محمد بن سند المحدث أحد المفتيين
وفي اواخر شهر شوال أخذ رجل يقال له حسن كان خياطا بمحلة الشاغور ومن شأنه أن ينتصر لفرعون لعنه الله ويزعم انه مات على الاسلام ويحتج بأنه في سورة يونس حين أدركه الغرق قال آمنت أنه لاإله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين ولا يفهم معنى قوله الان وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين ولا معنى قوله فأخذه الله نكال الاخرة والاولى ولا معنى قوله فأخذناه أخذا وبيلا إلى غير ذلك من الايات والاحاديث الكثيرة الدالة على أن فرعون أكفر الكافرين كما هو مجمع عليه بين اليهود والنصارى والمسلمين
وفي صبيحة يوم الجمعة سادس القعدة قدم البريد بطلب نائب السلطنة إلى الديار المصرية في تكريم وتعظيم على عادة تنكز فتوجه النائب إلى الديار المصرية وقد استصحب معه تحفا سنية وهدايا معظمة تصلح للايوان الشريف في صبيحة السبت رابع عشره خرج ومعه القضاة والأعيان من الحجبة والأمراء لتوديعه وفي أوائل ذي الحجة ورد كتاب من نائب السلطنة بخطه إلى قاضي القضاة تاج الدين الشافعي يستدعيه إلى القدس الشريف وزيارة قبر الخليل ويذكر فيه ما عامله به السلطان من الاحسان ولااكرام والاحترام والاطلاق والانعام من الخيل والتحف والمال والغلات فتوجه نحوه قاضي القضاة يوم الجمعة بعد الصلاة رابعه على ستة من خيل ابريد ومعه تحف وما يناسب من الهدايا وعاد عشية يوم الجمعة ثامن عشره إلى بستانه
ووقع في هذا الشهر والذي قبله سيول كثيرة جدا في أماكن متعددة من ذلك ما شاهدنا آثاره في مدينة بعلبك أتلف شيئا كثيرا من الاشجار واخترق أماكن كثيرة متعددة عندهم وبقي آثار سيحه على أماكن كثيرة من ذلك سيل وقع بأرض جعلوص اتلف شيئا كثيرا جدا وغرق فيه قاضي تلك الناحية ومع بعض الاخيار كانوا وقوفا على أكمة فدهمهم أمر عظيم ولم يستيطعوا دفعه ولا منعه فهلكوا ومن ذلك سيل وقع بناحية حسة جمال فهلك به شيء كثير من الاشجار والاغنام والاعناب وغيرها ومن ذلك سيل بأرض حلب هلك به خلق كثير من التركمان وغيرهم رجالا ونساء وأطفالا وغنما وإبلا قرأته من كتبا من شاهد ذلك عيانا وذكر أنه سقط عليهم برد وزنت الواحدة منه فبلغت زنتها سبعمائة درهم وفيه ما هو أكبر من ذلك وأصغر انتهى
*3* الامر بالزام القلندرية بترك حلق لحاهم وحواجبهم وشواربهم وذلك محرم بالاجماع حسب ما حكاه ابن حازم وإنما ذكره بعض الفقهاء بالكراهية
@ ورد كتاب من السلطان أيده الله إلى دمشق في يوم الثلاثاء خامس عشر ذي الحجة بالزامهم بزي المسلمين وترك زي الأعاجم والمجوس فلا يمكن أحد منهم من الدخول إلى بلاد السلطان حتى يترك هذا الزي المبتدع واللباس المستشنع ومن لا يلتزم بذلك يعزر شرعا ويقلع قراره قلعا وكان اللائق ان يؤمروا بترك أكل الحشيشة الخسيسة وإقامة الحد عليهم بأكلها وسكرها كما أفتى بذلك بعض الفقهاء واالمقصود انهم نودي عليهم بذلك في جميع أرجاء البلد ونواحيه في صبيحة يوم الاربعاء ولله الحمد والمنة
وبلغنا في هذا الشهر وفاة الشيخ الصالح الشيخ احمد بن موسى الزرعي بمدينة جبراص يوم الثلاثاء خامس ذي الحجة وكان من المبتلين بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والقيام في مصالح الناس عند السلطان والدولة وله وجاهة عند الخاص والعام رحمه الله والأمير سيف الدين كحلن بن الاقوس الذي كان حاجبا بدمشق وأميرا ثم عزل عن ذلك كله ونفاه السلطان إلى طرابلس فمات هناك
وقدم نائب السلطنة الامير سيف الدين بيدمر عائدا من الديار المصرية وقد لقى من السلطان إكراما وإحسانا زائدا فاجتاز في طريقه بالقدس الشريف فاقام به يوم عرفة والنحر ثم سلك على طريق غابة أرصوف يصطاد بها فأصابه وعك منعه عن ذلك فاسرع السير فدخل دمشق من صبيحة يوم الاثنين الحادي والعشرين منه في ابهة هائلة ورياسة طائلة وتزايد وخرج العامة للتفرج عليه والنظر إليه في مجيئه هذا فدخل وعليه قباء معظم ومطرز وبين يديه ما جرت به العادة من الحوفية والشاليشية وغيرهم ومن نيته الاحسان إلى الرعية والنظر في احوال الاوقاف وإصلاحها على طريقة تنكز رحمه الله انتهى والله أعلم
*2* ثم دخلت سنة إثنتين وستين وسبعمائة
@ استهلت هذه السنة المباركة وسلطان الاسلام بالديار المصرية والشامية والحرمين الشريفين وما يتبع ذلك ويلتحق به الملك الناصر حسن بن الملك النصار محمد بن الملك المنصور قلاوون الصالحي ولا نائب له بالديار المصرية وقضاته بها هم المذكورون في العام الماضي ووزيره القاضي بن الخصيب ونائب الشام بدمشق الأمير سيف الدين بيدمر الخوارزمي والقضاة والخطيب وبقية الأشراف وناظر الجيش والمحتسب هم المذكورون في العام الماضي والوزير ابن قزوينه وكاتب السر القاضي امين الدين بن القلانسي ووكيل بيت المال القاضي صلاح الدين الصغدي وهو أحد موقعي الدست الاربعة وشاد الاوقاف الأمير ناصر الدين بن فضل الله وحاجب الحجاب اليوسفي وقد توجه إلى الديار المصرية ليكون بها امير جنهار ومتولي البلد ناصر الدين ونقيب النقباء بان الجشاعي وفي صبيحة يوم الاثنين سادس المحرم قدم الامير على نائب حماة منها فدخل دمشق مجتازا إلى الديار المصرية ونزل في القصر الابلق ثم تحول إلى دار دويداره يلبغا الذي جدد فيها مساكن كثيرة بالقصاعين وتردد الناس إليه للسلام عليه فأقام بها إلى صبيحة يوم الخميس تاسعة فسار إلى الديار المصرية
وفي يوم الاحد تاسع عشر المحرم أحضر حسن بن الخياط من محلة الشاغور إلى مجلس الحكم المالكي من السجن وناظر في إيمان فرعون وادعى عليه بدعاوي لانتصاره لفرعون لعنه الله وصدق ذلك باعترافه اولا ثم بمناظرته في ذلك ثانيا وثالثا وهو شيخ كبير جاهل عامي ذا نص لا يقيم دليلا ولا يحسنه وإنما قام في مخيلته شبهة يحتج عليها بقوله إخبارا عن فرعون حين أدركه الغرق وأحيط به ورأى بأس الله وعاين عذابه الاليم فقال حين الغرق إذا آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين قال الله تعالى الان وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية فاعتقد هذا العامي أن هذا الايمان الذي صدر من فرعون والحالة هذه ينفعه وقد قال تعالى فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنة الله التي قد خلت في عباده وخسر هنالك الكافرون وقال تعالى إن الذين حقت عليهم كلمت ربك لا يؤمنون به ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الاليم قال قد اجيبت دعوتكما الاية ثم حضر في يوم آخر وهو مصمم على ضلاله فضرب بالسياط فأظهر التوبة ثم اعيد إلى السجن في زنجير ثم احضر يوما ثالثا وهو يستهل بالتوبة فيما يظهر فنودي عليه في البلد ثم أطلق
وفي ليلة الثلاثاء الرابع عشر طلع القمر خاسفا كله ولكن كان تحت السحاب فلما ظهر وقت العشاء وقد أخذ في الجلاء صلى الخطيب صلاة الكسوف قبل العشاء وقرأ في الاولى بسورة العنكبوت وفي الأخرى بسوة يس ثم صعد المنبر فخطب ثم نزل بعد العشاء وقدمت كتب الحجاج يخبرون بالرخص والأمن واستمرت زيادة الماء من أول ذي الحجة وقبلها إلى هذه الايام من آخر هذا الشهر والأمر على حاله وهذا شيء لم يعهد كما أخبر به عامة الشيوخ وسببه أنه جاء ماء من بعض الجبال أنهال في طريق النهر
ودخل المحمل السلطاني يوم الثلاثاء الحادي والعشرين من المحرم قبل الظهر ومسك أمير الحاج شركتمر المارداني الذي كان مقيما بمكة شرفها الله تعالى وحماها من الاوغاد فلما عادت التجريدة مع الحجاج إلى دمشق صحبة القراسنقر من ساعة وصوله إلى دمشق فقيد وسير إلى الديار المصرية على البريد وبلغنا أن الامير سند أمير مكة غرر بجند السلطان الذين ساروا صحبة ابن قراسنقر وكبسهم وقتل من حواشيهم واخذ خيولهم وأنهم ساروا جرائد بغير شيء مسلوبين إلى الديار المصرية فإنا لله وإنا اليه راجعون وفي أول شوال اشتهر فيه وتواتر خبر الفناء الذي بالديار المصرية بسبب كثيرة المستنقعات من فيض انيل عندهم على خلاف المعتاد فبلغنا أنه يموت من أهلها كل يوم فوق الالفين فأما المرض فكثير جدا وغلت الاسعار لقلة من يتعاطى الأشغال وغلا السكر والامياه والفاكهة جدا وتبرز السلطان إلى ظاهر البلد وحصل له تشويش أيضا ثم عوفي بحمد الله
وفي ثالث ربيع الاخر قدم من الديار المصرية ابن الحجاف رسول صاحب العراق لخطبة بنت السلطان فأجابهم إلى ذلك بشرط ان يصدقها مملكة بغداد واعطاهم مستحقا سلطانيا وأطلق لهم من التحف والخلع والاموال شيئا كثيرا ورسم الرسول بمشترى قرية من بيت المال لتوقف على الخانقاه التي يريد أن يتخذها بدمشق قريبا من الطواويس وقد خرج لتلقيه نائب الغيبة وهو حاجب الحجاب والدولة والاعيان وقرأت في يوم الاحد سابع شهر ربيع الآخر كتابا ورد من حلب بخط الفقيه العدل شمس الدين العراقي من أهلها ذكر فيه أنه كان في حضرة نائب السلطنة في دار العدل يوم الاثنين السابع عشر من ربيع الاول وأنه أحضر رجل قد ولد له ولد عاش ساعة ومات وأحضره معه وشاهده الحضارون وشاهده كاتب الكتاب فإذا هو شكل سوى له على كل كتف رأس بوجه مستدير والوجهان إلى ناحية واحدة فسبحان الخلاق العليم
وبلغنا انه في هذا الشهر سقطت المنارة التي بنيت للمدرسة السلطانية بمصر وكانت مستجدة على صفة غريبة وذلك أنها منارتان على أصل واحد فوق قبو الباب الذي للمدرسة المذكورة فلما سقطت أهلكت خلقا كثيرا من الصناع بالمدرسة والمارة والصبيان الذين في مكتب المدرسة ولم ينج من الصبيان فيما ذكر شيء سوى ستة وكان جملة من هلك بسببها نحو ثلثمائة نفس وقيل أكثر وقيل أقل فإنا لله وإنا إليه راجعون وخرج نائب السلطنة الامير سيف الدين بيدمر الى الغيضة لاصلاحها وإزالة ما فيها من الاشجار والمؤذية والدغل يوم الاثنين التاسع والعشرين من الشهر وكان سلخه وخرج معه جميع الجيش من الأمراء وأصحابه وأجناد الحلقة برمتهم لم يتأخر منهم أحد وكلهم يعملون فيها بأنفسهم وغلمانهم وأحضر اليهم خلق من فلاحي المرج والغوطة وغير ذلك ورجع يوم السبت خامس الشهر الداخل وقد نظفوها من الغل والدغل والغش
واتفقت كائنة غريبة لبعض السؤال وهو أنه اجتمع جماعة منهم قبل الفجر ليأخذوا خبزا من صدقة تربة امرأة ملك الأمراء تنكز عند باب الخواصين فتضاربوا فيما بينهم فعمدوا إلى رجل منهم فخنقوه خنقا شديدا واخذوا منه جرابا فيه نحو من اربعة ألاف درهم وشيء الذهب وذهبوا على حمية وافاق هو من الغشي فلم يجدهم واشتكىأمره إلى متولي البلد فلم يظفر بهم إلى الان وقد أخبرني الذي أخذوا منه أنهم أخذوا منه ثلاثة آلاف درهم معاملة وألف درهم بندقية ودينارين وزنهما ثلاثة دنانير كذا قال لي إن كان صادقا
وفي صبيحة يوم السبت خامس جمادي الاولى طلب قاضي القضاة شرف الدين الحنفي للشيخ علي بن البنا وقد كان يتكلم في الجامع الاموي على العوام وهو جالس على الارض شيء من الوعظيات وما أشبهها من صدره فكأنه تعرض في غضون كلامه لأبي حنيفة رحمه الله فأحضر فاستتيب من ذلك ومنعه قاضي القضاة شرف الدين الكفري من الكلام على الناس وسجنه وبلغني أنه حكم باسلامه وأطلقه من يومه وهذا المذكور ابن البنا عنده زهادة وتعسف وهو مصري يسمع الحديث ويقرؤه ويتكلم بشيء من الوعظيات والرقائق وضرب أمثال وقد مال اليه كثير من العوام واستحلوه وكلامه قريب إلى مفهومهم وربما أضحك في كلامه وحاضرته وهو مطبوع قريب إلى الفهم ولكنه أشار فيما ذكر عنه في شطحته إلى بعض الاشياء التي لا تنبغي أن تذكر والله الموفق ثم إنه جلس للناس في يوم الثلاثاء ثامنه فتكلم على عادته فتطلبه القاضي المذكور فيقال إن المذكور تعنت انتهى والله أعلم
*3* سلطنة الملك المنصور صلاح الدين محمد
@ ابن الملك المظفر حاجي بن الملك الناصر محمد بن الملك المنصور قلاوون بن عبد الله الصالحي وزوال دولة عمه الملك الناصر حسن بن الملك الناصر محمد بن الملك المنصور قلاوون
لما كثر طمعه وتزايد شرهه وساءت سيرته إلى رعيته وضيق عليهم في معايشهم واكسابهم وبنى البنايات الجبارة التي لا يحتاج إلى كثير منها واستحوذ على كثير من أملاك بيت المال وامواله واشترى منه قرايا كثيرة ومدنا أيضا ورساتبق وشق ذلك على الناس جدا ولم يتجاسر أحد من القضاة ولا الولاة ولا العلماء ولا الصلحاء على الانكار عليه ولا الهجوم عليه ولا النصيحة له بما هو المصلحة له وللمسلمين انتقم الله نه فسلط عليه جنده وقلب قلوب رعيته من الخاصة والعامة عليه لما قطع من أرزاقهم ومعاليمهم وجوامكهم واخبازهم واضاف ذلك جميعه إلى خاصته فقلت الأمراء والاجناء والمقدمون والكتاب والموقعون ومس الناس الضرر وتعدى على جوامكهم وأولادهم ومن يلوذ بهم فعند ذلك قدر الله تعالى هلاكه على يد أحد خواصه وهو الامير الكبير سيف الدين يلبغا الخاصكي وذلك أنه أراد السلطان مسكه فاعتد لذلك وركب السلطان لمسكه فركب هو في جيش وتلاقيا في ظاهر القاهرة حيث كانوا نزولا في الوطاقات فهز السلطان بعد كل حساب وقد قتل من الفريقين طائفة ولجأ السلطان إلى قلعة الجبل كلاولاوزر ولن ينجي حذر من قدر فبات الجيش بكماله محدقا بالقلعة فهم بالهرب في الليل على هجن كان قد اعتدها ليهرب إلى الكرك فلما برز مسك واعتقل ودخل به إلى دار يلبغا الخاصكي المذكور وكان آخر العهد به وذلك في يوم الاربعاء تاسع جمادي الاولى من هذه السنة وصارت الدولة والمشورة متناهية إلى الامير سيف الدين يلبغا الخاصكي فاتفقت الاراء واجتعت الكلمة وانعقدت البيعة للملك المنصور صلاح الدين محمد بن المظفر حاجي وخطب الخطباء وضربت السكة وسارت البريدية للبيعة باسمه الشريف هذا وهو ابن ثنتي عشرة وقيل أربع عشرة ومن الناس من قال ست عشرة ورسم في عود الامور الى ما كانت عليه في أيام والده الناصر محمد بن قلاوون وأن يبطل جميع ما كان أخذه الملك الناصر حسن وأن تعاد المرتبات والجوامك التي كان قطعها وأمر باحضار طار وطاشتمر القاسمي من سجن اسكندرية إلى بين يديه ليكونا أنابكا وجاء الخبر إلى دمشق صحبة الامير سيف الدين بزلار شاد التربخاناة أحد أمراء الطبلخانات بمصر صبيحة يوم الاربعاء سادس عشر الشهر فضربت البشائر بالقلعة وطلبلخانات الأمراء على أبوابهم وزين البلد بكماله وأخذت البيعة له صبيحة يومه بدار السعادة وخلع عن نائب السلطنة تشريف هائل وفرح أكثر الامراء والجند والعامة ولله الأمر وله الحكم قال تعالى قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء
وتذل من تشاء الاية ووجد على حجر بالحميرية فقرئت للمأمون فإذا مكتوب
ما اختلف الليل والنهار ولا * دارت نجوم السماء في الفلك
إلا لنقل النعيم من ملك * قد زال سلطانه إلى ملك
وملك ذي العرش دائم أبدا * ليس بفان ولا بمشترك
وروى عن سليمان بن عبد الملك بن مروان انه خرج يوما لصلاة الجمعة وكان سوى الخلق حسنة وقد لبس حلة خضراء وهو شاب ممتلئ شبابا وينظر في اعطافه ولباسه فأعجبه ذلك من نفسه فلم بلغ إلى صرحة الدار تلقته جنية في صورة جارية من حظاياه فأنشدته
أنت نعم لو كنت تبقي * غير أن لا حياة للآنسان
ليس فيما علمت فيك عيب * يذكر غير أنك فإن
فصعد المنبر الذي في جامع دمشق وخطب الناس وكان جهوري الصوت يسمع أهل الجامع وهو قائم على المنبر فضعف صوته قليلا قليلا حتى لم يسمعه أهل المقصورة فلما فرغ من الصلاة حمل إلى منزله فاستحضر تلك الجارية التي تبدت تلك الجنية على صورتها وقال كيف انشدتيني تينك البيتين فقالت ما أنشدتك شيئا فقال الله أكبر نعيت والله إلى نفسي فأوصى أن يكون الخليفة من بعده ابن عمه عمر بن عبدالعزيز رحمه الله
وقدم نائب طرابلس المعزول عليلا والأمير سيف الدين استدمر الذي كان نائب دمشق وكانا مقيمان بطرابلس جميعا في صبيحة يوم السبت السادس والعشرين منه فدخلا دار السعادة فلم يحتفل بهما نائب السلطنة
وتكامل في هذا الشهر تجديد الرواق غربي باب الناطفانيين غصلاحا بداربزيناته وتبييضا لجدرانه ومحراب فيه وجعل له شبابيك في الدرابزينات ووقف فيه قراءة قرآن بعد المغرب وذكروا أن شخصا رأى مناما فقصه على نائب السلطنة فأمر باصلاحه وفيه نهض بناء المدرسة التي إلى جانب هذا المكان من الشباك وقد كان أسسها أولا علم الدين بن هلال فلما صودر أخذت منه وجعلت مضافة إلى السلطان فبنوا فوق الأساسات وجعلوا لها خمسة شبابيك من شرقها وبابا قبليا ومحرابا وبركة وعراقية وجعلوا حائطها بالحجارة البيض والسود وكملوا عاليها بالاجر وجاءت في غاية الحسن وقد كان السلطان الناصر حسن قد رسم بأن تجعل مكتبا للأيتام فلم يتم أمرها حتى قتل كما ذكرنا
واشتهر في هذا الشهر أن بقرة كانت تجيء من ناحية باب الجابية تقصد جراء لكلبة قد ماتت امهم وهي في ناحية كنيسة مريم في خرابة فتجيء إليهم فتنسطح على شقها فترضع اولئك الجراء
منها تكرر هذا منها مرارا وأخبرني في المحدث المفيد التقي نور الدين احمد بن المقصوص بمشاهدته ذلك
وفي العشر الاوسط من جمادي الاخرة نادى مناد من جهة نائب السلطنة حرسه الله تعالى في البلد أن النساء يمشين في تستر ويلبسن أزرهن إلى أسفل من سائر ثيابهم ولا يظهرن زينة ولا يدا فامتثلن ذلك ولله الحمد والمنة وقدم أمير العرب جبار بن مهنا في أبهة هائلة وتلقاه نائب السلطنة إلى أثناء الطريق وهو قاصد إلى الابواب الشريفة وفي أواخر رجب قدم الامير سيف الدين تمر المهمندار من نيابة غزة حاجب الحجاب بدمشق وعلى مقدمة رأس الميمنة وأطلق نائب السلطنة مكوسات كثيرة مثل مكس الحداية والخزل المرددن الحلب والطبابي وأبطل ما كان يؤخذ من المحتسبين زيادة على نصف درهم وما يؤخذ من أجرة عدة الموتى كل ميت بثلاثة ونصف وجعل العدة التي في القيسارية للحاجة مسبلة لا تنحجر على أحد في تغسيل ميت وهذا حسن جدا وكذلك منع التحجر في بيع البلح المختص به وبيع مثل بقية الناس من غير طرحان فرخص على الناس في هذه السنة جدا حتى قيل إنه بيع القنطار بعشرة وما حولها
وفي شهر شعبان قدم الامير جبار بن مهنا من الديار المصرية فنزل القصر الابلق وتلقاه نائب السلطنة واكرم كل منهما الآخر ثم ترحل بعد أيام قلائل وقدم الأمراء الذين كانوا بحبس الاسكندرية في صبيحة يوم الجمعة سابعة وفيهم الامير شهاب الدين بن صبح وسيف الدين طيدمر الحاجب وطيبرف ومقدم ألف وعمر شاه وهذا ونائب السلطنة الأمير سيف الدين بيدمر أعزه الله يبطل المكوسات شيئا بعد شيء مما فيه مضرة بالمسلمين وبلغني عنه أن من عزمه ان يبطل جميع ذلك إن أمكنه الله من ذلك آمين انتهى
*3* تنبيه على واقعة غريبة واتفان عجيب
@ نائب السلطنة الأمير سيف الدين بيدمر فيما بلغنا في نفسه عتب على أتابك الديار المصرية الامير سيف الدين يلبغا الحاصكي مدبر الدولة بها وقد توسم وتوهم منه أنه يسعى في صرفه عن الشام وفي نفس نائبنا قوة وصرامة شديدة فتنسم منه ببعض الاباء عن طاعة يلبغا مع استمراره على طاعة السلطان وأنه إن اتفق عزل من قبل يلبغا أنه لا يسمع ولا يطيع فعمل أعمالا واتفق في غضون هذا الحال موت نائب القلعة المنصورة بدمشق وهو الأمير سيف الدين برناق الناصري فأرسل نائب السلطنة من اصحابه وحاشيته من يتسلم القلعة برمتها ودخل هو بنفسه إليها وطلب الامير زين الدين زبالة الذي كان فقيها ثم نائبها وهو من أخبر الناس بها وبخطاتها وحواصلها فدار معه فيها وأراه حصونها وبروجها ومفاتحها واغلاقها ودورها وقصورها وعددها وبركتها وما هو معد فيها ولها وتعجب الناس من هذا الاتفاق في هذا الحال حيث لم يتفق ذلك لأحد من النواب قبله قط وفتح الباب الذي هو تجاه دار السعادة وجعل نائب السلطنة يدخل منه إلى القلعة ويخرج بخدمة وحشمه وأبهته يكشف امرها وينظر في مصالحها أيده الله
ولما كان يوم السبت خامس عشر شعبان ركب في الموكب على العادة واستدعى الامير سيف الدين استدمر الذي كان نائب الشام وهو في منزله كالمعتقل فيه لا يركب ولا يراه احد فأحضره إليه وركب معه وكذلك الأمراء الذين قدموا من الديار المصرية طبترق وهو أحد أمراء الألوف وطيدمر الحاجب كان وأما ابن صبح وعمر شاه فإنهما كانا قد سافرا يوم الجمعة عشية النهار والمقصود أنه سيرهم وجميع الأمراء بسوق الخيل ونزل بهم كلهم إلى دار السعادة فتعاهدوا وتعاقدوا واتفقوا على أن يكونوا كلهم كتفا واحدا وعصبة واحدة على مخالفة من أرادهم بسوء وأنهم يد على من سواهم ممن أراد عزل أحد منهم أو قتله وان من قاتلهم قاتلوه وان السلطان هو ابن اسناذهم الملك المنصورين حاجي بن الناصر بن المنصور قلاوون فطاوعوا كلهم لنائب السلطنة على ما أراد من ذلك وحلفوا له وخرجوا من عنده على هذا الجلف وقام نائب السلطنة على عادته في عظمة هائلة وأبهة كثيرة والمسئول من الله حسن العاقبة
وفي صبيحة يوم الأحد سادس عشر شعبان أبطل ملك الأمراء المكس الذي يؤخذ من الملح وأبطل مكس الافراح وأبطل أن لا تغني امرأة لرجال ولا رجل لنساء وهذا في غاية ما يكون من المصلحة العظيمة الشامل نفعها وفي يوم الثلاثاء ثامن عشرة شرع نائب السلطنة سيف الدين بيدمر في نصف مجانيق على أعالي بروج القلعة فنصبت أربع مجانيق من جهاتها الأربع وبلغني أنه نصب آخر في أرضها عند البحرة ثم نصب آخر وآخر حتى شاهد الناس ستة مجانيق على ظهور الابرجة واخرج منها القلعية وأسكنها خلقا من الأكراد والتركمان وغيرهم من الرجال الانجاد ونقل اليها من الغلات والاطعمة والامتعة وآلات الحرب شيئا كثيرا واستعد للحصار إن حوصر فيها بما يحتاج إليه من جميع ما يرصد من القلاع بما يفوت الحصر ولما شاهد أهل البساتين المجانيق قد نصبت في القلعة انزعجوا وانتقل أكثرهم من البستاتين إلى البلد ومنهم من أودع عند أهل البلد نفائس أموالهم وأمتعتهم والعاقبة إلى خير إن شاء الله تعالى
وجاءتني فتيا صورتها ما تقول السادة العلماء في ملك اشترى غلاما فأحسن إليه وأعطاه وقدمه ثم إنه وثب على سيده فقتله وأخذ ماله ومنع ورثته منه وتصرف في المملكة وأرسل إلى بعض نواب البلاد ليقدم عليه ليقتله فهل له الامتناع منه وهل إذا قاتل دون نفسه وماله حتى يقتل يكون شهيدا أم لا وهل يثاب الساعي في خلاص حق ورثة الملك المقتول من القصاص والمال أفتونا مأجورين
فقلت للذي جاءني بها من جهة الامير إن كان مراده خلاص ذمته فيما بينه وبين الله تعالى فهو أعلم بينته في الذي يقصده ولا يسعى في تحصيل حق معين إذا ترتب على ذلك مفسدة راجحة على ذلك فيؤخر الطلب إلى وقت إمكانه بطريقة وإن كان مراده بهذا الاستفتاء أن يتقوى بها في جمع الدولة والأمراء عليه فلا بد أن يكتب عليها كبار القضاة والمشايخ أولا ثم بعد ذلك بقية المفتيين بطريقة والله الموفق للصواب
هذا وقد اجتمع على الامير نائب السلطنة جميع أمراء الشام حتى قيل إن فيهم من نواب السلطنة سبعة عشر أميرا وكلهم يحضر معه المواكب الهائلة وينزلون معه إلى دار السعادة ويمد لهم الأسمطة ويأكل معهم وجاء الخبر بأن الامير منجك الطرجاقسي المقيم ببيت المقدس قد أظهر الموافقة لنائب السلطنة فأرسل له جبريل ثم عاد فأخبر بالموافقة وأنه قد استحوذ إلى غزة ونائبه وقد جمع وحشد واستخدم طوائف ومسك على الجادة فلا يدع أحدا يمر إلا أن يفتش ما معه لاحتمال إيصال كتب من ها هنا إلى ها هنا ومع هذا كله فالمعدلة ثابتة جدا والأمن حاصل هناك فلا يخاف أحده وكذلك بدمشق وضواحيها لا يهاج أحد ولا يتعدى أحد على أحد ولا ينهب أحد لأحد شيئا ولله الحمد غير أن بعض أهل البساتين توهموا وركبوا إلى المدينة وتحولوا وأودع بعضهم نفائس ما عندهم وأقاموا بها على وجل ذلك لما رأوا المجانيق الستة منصوبة على رؤرس قلال الأبراج التي للقلعة ثم أحضر نائب السلطنة القضاة الاربعة والأمرءا كلهم وكتبوا مكتوبا سطره بينهم كاتب السر أنهم راضون بالسلطان كارهون ليلبغا وأنهم لا يريدونه ولا يوافقون على تصرفه في المملكة وشهد عليهم القضاة بذلك وأرسلوا المكتوب مع مملوك للأمير طيبغا الطويل نظير يلبغا بالديار المصرية وأرسل منجك إلى نائب السلطنة يستحثه في الحضور إليه في الجيش ليناجزوا المصريين فعين نائب الشام من الجيش طائفة يبرزون بين يديه وخرجت التجريدة ليلة السبت التاسع والعشرين من شعبان صحبة استدمر الذي كان نائب الشام مددا للأمير منجك في ألفين ويذكر الناس أن نائب السلطنة بمن بقي من الجيش يذهبون على إثرهم ثم خرجت أخرى بعدها ثلاثة آلاف ليلة الثلاثاء الثامن من رمضان كما سيأتي
وتوفي الشيخ الحافظ علاء الدين مغلطاي المصري بها في يوم الثلاثاء الرابع والعشرين من شعبان من هذه السنة وفن من الغد بالزيدانية وقد كتب الكثير وصنف وجمع وكانت عنده كتب كثيرة رحمه الله
وفي مستهل رمضان أحضر جماعة من التجار إلى دار العدل ظاهر باب النصر ليباع شيء عليهم من القند والفولاذ والزجاج مما هو في حواصل يلبغا فامتنعوا من ذلك خوفا من استعادته منهم على تقدير فضرب بعضهم منهم شهاب الدين ابن الصواف بين يدي الحاجب وشاد الدواوين ثم أفرج عنهم في اليوم الثاني ففرج الله بذلك
وخرجت التجريدة ليلة الثلاثاء بعد العشاء صحبة ثلاثة مقدمين منهم عراق ثم ابن صبح ثم ابن طرغية ودخل نائب طرابلس الامير سيف الدين تومان إلى دمشق صبيحة يوم الاربعاء عاشر رمضان فتلقاه ملك الأمراء سيف الدين بيدمر إلى الأقصر ودخلا معا في أبهة عظيمة فنزل تومان في القصر الأبلق وبرز من معه من الجيوش إلى عند قبة يلبغا هذاوالقلعة منصوب عليها المجانيق وقد ملئت حرسا شديدا ونائب السلطنة في غاية التحفظ ولما اصبح يوم الخميس صمم تومان تمر على ملك الامراء في الرحيل إلى غزة ليتوافى هو وبقية من تقدمه من الجيش الشامي ومنجك ومن معه هنالك ليقضي الله أمرا كان مفعولا فأجابه إلى ذلك وامر بتقدم السبق بين يديه في هذا اليوم فخرج السبق وأغلقت القلعة بابها المسلوك الذي عند دار الحديث فاستوحش الناس من ذلك والله يحسن العاقبة
*3* خروج ملك الأمراء بيدمر من دمشق إلى غزة
@ صلى الجمعة بالمقصورة الثاني عشر من رمضان نائب السلطنة ونائب طرابلس ثم اجتمعا بالخطبة في مقصورة الخطابة ثم راح لدار السعادة ثم خرج طلبه في تجمل هائل على ما ذكر بعد العصر وخرج معهم فاستعرضهم ثم عاد إلى دار السعادة فبات إلى أن صلى الصبح ثم ركب خلف الجيش هو ونائب طرابلس وخرج عامة من بقي من الجيش من الأمراء وبقية الحلقة وسلمهم الله وكذلك خرج القضاة وكذا كاتب السر ووكيل بيت المال وغيرهم من كتاب الدست واصبح الناس يوم السبت وليس أحد من الجند بدمشق سوى نائب الغيبة الأمير سيف الدين بن حمزة التركماني وقربه والي البر ومتولي البلد الامير بدر الدين صدقة بن أوحد ومحتسب البلد ونواب القضاة والقلعة على حالها والمجانيق منصوبة كما هي ولما كان صبح يوم الاحد رجع القضاة بكرة ثم رجع ملك الأمراء في اثناء النهار هو وتومان تمر وهم كلهم في لبس وأسلحة تامة وكل منهما خائف من الآخر ان يمكسه فدخل هذا دار السعادة وراح الاخر إلى القصر الابلق ولما كان بعد العصر قدم منجك واستدمر كان نائب السلطنة بدمشق وهما مغلولان قد كسرهما من كان قدم على منجك من العساكر التي جهزها بيدمر إلى منجك وقوة له على المصريين وكان ذلك على يدي الامير سيف الدين تمر حاجب الحجاب ويعرف بالمهمندار قال لمنجك كلنا في خدمة من بمصر ونحن لا نطيعك على نصرة بيدمر فتقاولا ثم تقاتلا فهزم منجك وذهب تمر ومنجك ومن كان معهما كابن صبح وطيدمر ولما أصبح الصباح من يوم الاثنين خامس عشر لم يوجد لتومان تمر وطبترق
ولا أحد من أمراء دمشق عين ولا أثر قد ذهبوا كلهم إلى طاعة صاحب مصر ولم يبق بدمشق من أمرائها سوى ابن قراسنقر من الأمراء المتقدمين وسوى بيدمر ومنجك واستدمر والقلعة قد هيئت والمجانيق منصوبة على حالها والناس في خوف شديد من دخول بيدمر إلى القلعة فيحصل بعد ذلك عند قدوم الجيش المصري حصار وتعب ومشقة على الناس والله يحسن العاقبة
ولما كان في أثناء نهار الاثنين سادس عشره دقت البشائر في القلعة وأظهر أن يلبغا الخاصكي قد نفاه السلطان إلى الشام ثم ضربت وقت الغرب ثم بعد العشاء في صبيحة يوم الثلاثاء أيضا وفي كل ذلك يركب الأمراء الثلاثة منجك وبيدمر واستدمر ملبسين ويخرجون إلى خارج البلد ثم يعودون والناس فيما يقال ما بين مصدق ومكذب ولكن قد شرع إلى تستير القلعة وتهيء الحصار فإنا لله وإنا اليه راجعون
ثم تبين أن هذه البشائر لا حقيقة لها فاهتم في عمل ستائر القلعة وحمل الزلط والاحجار اليها الاغنام والحواصل وقد وردت الاخبار بأن الركاب الشريف السلطاني وصحبته يلبغا في جميع جيش مصر قد عدا غزة فعند ذلك خرج الصاحب وكاتب السر والقاضي الشافعي وناظر الجيش ونقابؤه ومتولي البلد وتوجهوا تلقاء حماة لتلقي الامير على الذي قد جاءه تقليد دمشق وبقي البلد شاغرا عن حاكم فيها سوى المحتسب وبعض القضاة والناس كغنم لا راعي لهم ومع هذا الاحوال صالحة والأمور ساكنة لا يعدو أحد على أحد فيما بلغنا هذا وبيدمر ومنجك واستدمر في تحصين القلعة وتحصيل العدد والاقوات فيها والله غالب على أمره أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة الستائر تعمل فوق الابرجة وصلى الامير بيدمر صلاة الجمعة تاسع عشر الشهر في الشباك الكمالي في مشهد عثمان وصلى عنده منجك إلى جانبه داخل موضع القضاة وليس هناك أحد من الحجبة ولا النقباء وليس في البلد أحد من المباشرين بالكلية ولا من الجند إلا القليل وكلهم قد سافروا إلى ناحية السلطان والمباشرون إلى ناحية حماة لتلقي الامير على نائب الشام المرحوس ثم عاد إلى القلعة
ولم يحضر الصلاة استدمر لأنه قيل كان منقطعا أو قد صلى في القلعة وفي يوم السبت العشرين من الشهر وصل البريد من جهة السلطان من أبناء الرسول إلى نائب دمشق يستعلم طاعته او مخالفته وبعث عليه فيما اعتمده من استحوذ على القلعة ويخطب فيها وادخار الالات والاطعمات فيها وعدم المجانيق والستائر عليها وكيف تصرف في الاموال السلطانية تصرف الملك والملوك فتنصل ملك الامراء من ذلك وذكر انه إنما أرصد في القلعة جنادتها وأنه لم يدخلها وأن أبوابها مفتوحة وهي قلعة السلطان وإنما له غريم بينه وبينه الشرع
والقضاة الاربعة يعني بذلك يلبغا وكتب الجواب وأرسله صحبة البريدي وهو كتكلدي مملوك بقطبة الدويدار وأرسل في صحبته الامير صارم الدين أحد أمراء العشرات من يوم ذلك
وفي يوم الاثنين الثاني والعشرين من رمضان تصبح أبواب البلد مغلقة إلى قريب الظهر وليس ثم مفتوح سوى باب النصر والفرج والناس في حصر شديد وانزعاج فإنا لله وإنا اليه راجعون ولكن قد اقترب وصول السلطان والعساكر المنصورة وفي صبيحة الاربعاء أصبح الحال كما كان وأزيد ونزل الامير سيف الدين يلبغا الخاصكي بقبة يلبغا وامتد طلبه من سيف داريا إلى القبة المذكورة في أبهة عظيمة وهيئة حسنة وتأخر الركاب الشريف بتأخره عن الصميين بعد ودخل بيدمر في هذا اليوم إلى القلعة وتحصن بها وفي يوم الخميس الخامس والعشرين منه استمرت الابواب كلها مغلقة سوى باب النصر والفرج وضاق النطاق وانحصر الناس جدا وقطع المصريون نهر بانياس والفرع الداخل اليها وإلى دار السعادة من القنوات واحتاجوا لذلك أن يقطعوا القنوات ليسدوا الفرع المذكور فانزعج اهل البلد لذلك وملؤا ما في بيوتهم من برك المدراس وبيعت القربة بدرهم والحق بنصف ثم أرسلت القنوات وقت العصر من يومئذ ولله الحمد والمنة فانشرح الناس لذلك واصبح الصباح يوم الجمعة والأبواب مغلقة ولم يفتح باب النصر والفرج إلى بعد طلوع الشمس بزمان فأرسل يلبغا من جهته أربعة أمراء وهم الأمير زين الدين زبالة الذي كان نائب القلعة والملك صلاح الدين ابن الكامل والشيخ علي الذي كان نائب الرحبة من جهة بيدمر وامير آخر فدخلوا البلد وكسروا أقفال أبواب البلد وفتحوا الابواب فلما رأى بيدمر ذلك أرسل مفاتيح البلد اليهم انتهى
*3* وصول السلطان لذلك المنصور إلى المصطبة غربي عقبة سجورا
@ كان ذلك في يوم الجمعة السادس والعشرين من شهر رمضان في جحافل عظيمة كالجبال فنزل عند المصطبة المنسوبة إلى عم ابنته الملك الاشرف خليل بن المنصور قلاوون وجاءت الأمراء ونواب البلاد لتقبيل يده والأرض بين يديه كنائب حلب ونائب حماة وهو الأمير علاء الدين المارداني وقد عين لنيابة دمشق وكتب بتقليده بذلك وارسل إليه وهو بحماة فلما كان يوم السبت السابع والعشرين منه خلع على الامير علاء الدين على المرداني بنيابة دمشق وأعيد اليها عودا على بدء ثم هذه الكرة الثالثة وقبل يد السلطان وركب عن يمينه وخرج أهل البلد لتهنئته هذا والقلعة محصنة بيد بيدمر وقد دخلها ليلة الجمعة واحتمى بها هو ومنجك واستدمر ومن معه من الاعوان بها ولسان حال القدر يقول أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة
ولما كان يوم الاحد طلب قضاة القضاة وأرسلوا إلى بيدمر وذويه بالقلعة ليصالحوه على شيء مميسور يشترطونه وكان ما ستذكره انتهى والله تعالى أعلم
*3* سبب خروج بيدمر من القلعة وصفة ذلك
@ لما كان يوم الاحد الثامن والعشرين منه أرسل قضاة القضاة ومعهم الشيخ شرف الدين ابن قاضي الجبل الحنبلي والشيخ سراج الدين الهندي الحنفي قاضي العسكر المصري للحنفية إلى بيدمر ومن معه ليتكلموا معهم في الصلح لينزلوا على ما يشترطون قبل أن يشرعوا في الحصار والمجانيق التي قد استدعى بها من صغد وبعلبك واحضر من رجال النقاعين نحو من ستة آلاف رام فلما اجتمع به القضاة ومن معهم واخبروه عن السلطان وأعيان الامراء بأنهم قد كتبوا له أمانا إن أناب إلى المصالحة فطلب أن يكون بأهله ببيت المقدس وطلب أن يعطى منجك كذا بناحية بلاد سيس ليسترزق هنالك وطلب استدمر ان يكون بشمقدارا للأمير سيف الدين يلبغا الخاصكي فرجع القضاة إلى السلطان ومعهم الامير زين الدين جبريل الحاجب كان فاخبروا السلطان والأمراء بذلك فأجيبوا إليه وخلع السلطان والأمراء على جبريل خلعا فرجع في خدمة القضاة ومعهم الامير استبغابن الابوبكري فدخلوا القلعة وباتوا هنالك كلهم وانتقل الامير بيدمر باهله واثاثه إلى داره بالمطرزين فلما اصبح يوم الاثنين التاسع والعشرين منه خرج الأمراء الثلاثة من القلعة ومعهم جبريل فدخل القضاة وسلموا القلعة بما فيها من الحواصل إلى الأمير استبغابن الابوبكري انتهى
*3* دخول السلطان محمد بن الملك امير حاج بن الملك محمد ابن الملك قلاوون إلى دمشق في جيشه وأمرائه
@ لما كان صبيحة يوم الإثنين التاسع والعشرين من رمضان من هذه السنة رجع القضاة إلى الوطاق الشريف وفي صحبتهم الأمراء لاذين كانوا بالقلعة وقد أعطوا الامان من جهة السلطان ومن معهم وذويهم فدخل القضاة وحجب الأمراء المذكورون فخلع على القضاة الاربعة وانصرفوا راجعين مجبورين وأما الأمراء المذكورون فإنهم أركبوا على خيل ضعيفة وخلف كل واحد منهم وساقي أخذ بوسطه قبل وفي يد كل واحد من الوساقية خنجر كبير مسلول لئلا يستنقذه منه أحد فيقتله بها فدخل جهرة بين الناس ليروهم ذلتهم التي قد لبستهم وقد أحدق الناس بالطريق من كل جانب فقام كثير من الناس الله أعلم بعدتهم إلا أنهم قد يقاربون المائة ألف أو يزيدون عليها فرأى الناس منظرا فظيعا فدخل بهم الوساقية الى الميدان الاخضر الذي فيه القصر فاجلسوا هنالك وهم ستة نفر الثلاثة النواب وجبريل وابن استدمر وسادس وظن كل منهم أن يفعل بهم فاقرة فانا لله وإنا إليه راجعون وأرسلت الجيوش داخلة إلى دمشق أطلابا في تجمل عظيم ولبس الحرب بنهر النصر وخيول وأسلحة روماح ثم دخل السلطان في آخر ذلك كله بعد العصر بزمن وعليه من أنواع الملابس قباز بخاري والقبة والطير يحملهما على رأسه الامير سيف الدين تومان نمر الذي كان نائب طرابلس والأمراء مشاة بين يديه والبسط تحت قدمي فرسه والبشائر تضرب خلفه فدخل القلعة المنصورة المنصورية لا البدرية ورأى ما قد ارصد بها من المجانيق والأسلحة فاشتد حنقه على بيدمر واصحابه كثيرا ونزل الطارمة وجلس على سرير المملكة ووقف الأمراء والنواب بين يديه ورجع الحق إلى نصابه وقد كان بين دخوله ودخول عمه الصالح صالح في أول يوم من رمضان وهذا في التاسع والعشرين منه وقد قيل إنه سلخه والله اعلم وشرع الناس في الزينة
وفي صبيحة يوم الثلاثاء سلخ الشهر نقل الأمراء المغضوب عليهم الذين ضل سعيهم فيما كانوا أبرموه من ضمير سوء للمسلمين إلى القلعة فأنزلوا في أبراجها مهانين مفرقا بينهم بعد ما كانوا بها آمنين حاكمين أصبحوا معتقلين مهانين خائفين فجاروا بعد ما كانوا رؤساء وأصبحوا بعد عزهم اذلاء ونقبت أصحاب هؤلاء ونودي عليهم في البلد ووعد من دل على أحد منهم بمال جزيل وولاية إمرة بحسب ذلك ورسم في هذا اليوم على الرئيس أمين الدين ابن القلانسي كاتب السر وطلب منه ألف ألف درهم وسلم إلى الامير زين الدين زبالة نائب القلعة وقد أعيد اليها وأعطى تقدمة ابن قراسنقر وأمره أن يعاقبه إلى ان يزن هذا المبلغ وصلى السلطان وأمراؤه بالميدان الاخضر صلاة العيد ضرب له خام عظيم وصلى به خطيبا القاضي تاج الدين الساوي الشافعي قاضي العسكر المنصورة للشافعية ودخل الأمراء مع السلطان للقلعة من باب المدرسة ومدلهم سماطا هائلا أكلوا منه ثم رجعوا إلى دورهم وقصورهم وحمل الطير في هذا اليوم على رأس السلطان الامير على نائب دمشق وخلع عليه خلعة هائلة
وفي هذا اليوم مسك الامير تومان تمر الذي كان نائب طرابلس ثم قدم على بيدمر فكان معه ثم قفل إلى المصريين واعتذر إليهم فعذروه فيما بيدو للناس ودخل وهو حامل الخبز على رأس السلطان يوم الدخول ثم ولوه نيابة حمص فصغروه وحقروه ثم لما استمر ذاهبا إليها فكان عند القابون أرسلوا إليه فأمسكوه وردوه وطلب منه المائة ألف التي كان قبضها من بيدمر ثم ردوه إلى نيابة حمص
وفي يوم الخميس اشتهر الخبر بأن طائفة من الجيش بمصر من طواشية وخاصكية ملكوا عليهم حسين الناصر ثم اختلفوا فيما بينهم واقتتلوا وأن الأمر قد انفصل ورد حسين للمحل الذي كان معتقلا فيه وأطفأ الله شر هذه الطائفة ولله الحمد
وفي آخر هذا اليوم لبس القاضي ناصر الدين بن يعقوب خلعة كتابة السر الشريفية والمدرستين ومشيخة الشيوخ عوضا عن الرئيس علاء الدين بن القلانسي عزل وصودر وراح الناس لتهنئته بالعود إلى وظيفته كما كان
وفي صبيحة يوم الجمعة ثالث شوال مسك جماعة من الامراء الشاميين منهم الحاجبان صلاح الدين وحسام الدين والمهمندار ابن أخي الحاجب الكبير تمر وناصر الدين ابن الملك صلاح الدين ابن الكامل وابن حمزة والطرخاني واثنان أخوان وهما طيبغا زفر وبلجات كلهم طبلخانات وأخرجوا خير وتمر حاجب الحجاب وكذلك الحجوبية أيضا لقاربي أحد أمراء مصر
وفي يوم الثلاثاء سابع شوال مسك ستة عشر أميرا من أمراء العرب بالقلعة المنصورة منهم عمر بن موسى بن مهنا الملقب المصمع الذي كان أمير العرب في وقت ومعيقل بن فضل بن مهنا وآخرون وذكروا أن سبب ذلك أن طائفة من آل فضل عرضوا للأمير سيف الدين الاحمدي الذي استاقوه على حلب وأخذوا منه شيئا من بعض الامتعة وكادت الحرب تقع بينهم وفي ليلة الخميس بعد المغرب حمل تسعة عشر أميرا من الاتراك والعرب على البريد مقيدين في الاغلال أيضا إلى الديار المصرية منهم بيدمر ومنجك واستدمر وجبريل وصلاح الدين الحاجب وحسام الدين أيضا وبلجك وغيرهم ومعهم نحو من مائتي فارس ملبسين بالسلاح متوكلين بحفظهم وساروا بهم نحو الديار المصرية وأمروا جماعة من البطالين مهم أولاد لاقوش وأطلق الرئيس أمين الدين بن القلانسي من المصادرة والترسيم بالقلعة بعد ما وزن بعض ما طلب منه وصار إلى منزله وهنأه الناس
*3* خروج السلطان من دمشق قاصدا مصر
@ ولما كان يوم الجمعة عاشر شهر شوال خرج طلب يلبغا الخاصكي صبيحته في تجمل عظيم لم ير الناس في هذه المدد مثله من تجائب وجنائب ومماليك وعظمة هائلة وكانت عامة الطلاب قد تقدمت قبله بيوم وحضر السلطان إلى الجامع الاموي قبل أذان الظهر فصلى في مشهد عثمان و ومن معه من أمراء المصريين ونائب الشام وخرج من فوره من باب النصر ذهبا نحو الكسوة والناس في الرقات والأسطحة على العادة كانت الزينة قد بقي أكثرها في الصاغة والخواصين وباب البريد إلى هذا اليوم فاستمرت نحو العشرة أيام
وفي يوم السبت حادي عشر شوال خلع على الشيخ علاء الدين الأنصاري باعادة الحسبة إليه وعزل عماد الدين ابن السيرجي وخرج المحمل يوم الخميس سادس عشر شوال على العادة والامير مصطفى البيري وتوفي يوم الخميس ويوم الجمعة أربعة أمراء بدمشق وهم طشتمر وفر وطيبغا القبل ونوروز أحد مقدمي الالوف وتمر المهمندار وقد كان مقدم ألف وحاجب الحجاب وعمل نيابة غزة في وقت ثم تعصب عليه المصريون فعزلوه عن الامرة وكان مريضا فاستمر مريضا إلى أن توفي يوم الجمعة ودفن يوم السبت بتربته التي أنشأها بالصوفية لكنه لم يدفن فيها بل على بابها كأنه مودع أو ندم على بنائها فوق قبور المسلمين رحمه الله
وتوفي الامير ناصر الدين بن لاقوش يوم الاثنين العشرين من شوال ودفن بالقبيبات وقد تاب ببعلبك وبحمص ثم قطع خبره هو وأخوه كحلن ونفوا عن البلد إلى بلدان شتى ثم رضى عنهم الامير يلبغا وأعاد عليهم أخبارا بطبلخانات فلما لبث ناصر الدين إلا يسيرا حتى توفي إلى رحمة الله تعالى وقد أثر آثارا حسنة كثيرة منها عند عقبة الرمانة خان مليح نافع وله ببعلبك جامع وحمام وخان وغير ذلك وله من العمر ست وخمسون سنة
وفي يوم الاحد السادس والعشرين منه درس القاضي نور الدين محمد بن قاضي القضاة بهاء الدين ابن ابي البقاء الشافعي بالمدرسة الاتابكية نزل له عنها والده بتوقيع سلطاني وحضر عنده القضاة والاعيان وأخذ في قوله تعالى الحج أشهر معلومات وفي هذا اليوم درس القاضي نجم الدين احمد بن عثمان النابلسي الشافعي المعروف بابن الجابي بالمدرسة العصرونية استنزل له عنها القاضي امين الدين بن القلانسي في مصادراته وفي صبيحة يوم الاثنين التاسع والعشرين من شوال درس القاضي ولي الدين عبد الله بن القاضي بهاء الدين أبي البقاء بالمدرستين الرواحية ثم القيمرية نزل له عنهما والده المذكور بتوقيع سلطاني وحضر عنده فيهما القضاة والأعيان
وفي صبيحة يوم الخميس سلخ شوال شهر الشيخ أسدد بن الشيخ الكردي على جمل وطيف به في حواضر البلد ونودي عليه هذا جزاء من يخامر على السلطان ويفسد ثواب السلطان ثم أنزل عن الجمل وحمل على حمار وطيف به في البلد ونودي عليه بذلك ثم ألزم السجن وطلب منه مال جزيل وقد كان المذكور من أعوان بيدمر المتقدم ذكره وأنصاره وكان هو المتسلم للقلعة في ايامه
وفي صبيحة يوم الاثنين حادي عشر ذي القعدة خلع على قاضي القضاة بدر الدين بن أبي الفتح بقضاء العسكر الذي كان متوفرا عن علاء الدين بن شمرنوخ وهنأه الناس بذلك وركب البغلة بالزناري مضافا إلى ما بيده من نيابة الحكم والتدريس وفي يوم الاثنين ثامن عشرة أعيد تدريس الركنية بالصالحية إلى قاضي القضاة شرف الدين الكفري الحنفي استرجعها بمرسوم شريف سلطاني من يد القاضي عماد الدين بن العز وخلع على الكفري وذهب الناس أليه للتهنئة بالمدرسة المذكورة
وفي شهر ذي الحجة أشتهر وقوع فتن بين الفلاحين بناحية عجلون وأنهم اقتتلوا فقتل من الفريقين اليمنى والقيسى طائفة وأن عين حيتا التي هي شرقي عجلون دمرت وخربت وقطع أشجارها ودمرت بالكلية وفي صبيحة يوم السبت الثاني والعشرين من ذي الحجة لم تفتح أباب دمشق إلى ما بعد طلوع الشمس فأنكر الناس ذلك وكان سببه الاحتياط على أمير يقال له كسبغا كان يريد
الهرب إلى بلاد الشرق فاحتيط عليه حتى امسكوه
وفي ليلة الأربعاء السادس والعشرين من ذي الحجة قدم الامير سيف الدين طاز من القدس فنزل بالقصر الابلق وقد عمى من الكحل حين كان مسجونا بالاسكندرية فأطلق كما ذكرنا ونزل ببيت المقدس مدة ثم جاءه تقليد بأنه يكون ظرخاناي نزل حيث شاء من بلاد السلطان غير أنه لا يدخل ديار مصر فجاء فنزل بالقصر الأبلق وجاء الناس إليه على طبقاتهم نائب السلطنة فمن دونه يسلمون عليه وهو لا يبصر شيئا وهو على عزم ان يشتري أو يستكري له دارا بدمشق يسكنها انتهى والله سبحانه وتعالى أعلم
*2* ثم دخلت سنة ثلاث وستين وسبعمائة
@ استهلت هذه السنة وسلطان الديار المصرية والشامية والحرمين الشريفين وما والاهما من الممالك الاسلامية السلطان الملك المنصور صلاح الدين محمد بن الملك المظفر أمير حاج بن الملك المنصور قلاوون وهو شاب دون العشرين ومدبر الممالك بين يديه الامير يلبغا ونائب الديار المصرية طشتمر وقضاتها هم المذكورون في التي قبلها والوزير سيف الدين قزوينه وهو مريض مدنف ونائب الشام بدمشق الامير علاء الدين المارداني وقضاته هم المذكورون في التي قبلها وكذلك الخطيب ووكيل بيت المال والمحتسب علاء الدين الانصاري عاد إليها في السنة المنفصلة وحاجب الحجاب قماري والذي يليه السليماني وآخر من مصر أيضا وكاتب السر القاضي ناصر الدين محمد بن يعقوب الحلبي وناظر الجامع القاضي تقي الدين بن مراجل وأخبرني قاضي القضاة تاج الدين الشافعي أنه جدد في أول هذه السنة قاضي حنفي بمدينة صغد المحروسة مع الشافعي فصار في كل من حماة وطرابلس وصغد قاضيان شافعي وحنفي
وفي ثاني المحرم قدم نائب السلطنة بعد غيبة نحو من خمسة عشر يوما وقد اوطأ بلاد فرير بالرعب وأخذ من مقدميهم طائفة فأودعهم الحبس وكان قد اشتهر انه قصد العشيرات المواسين ببلاد عجلون فسألته عن ذلك حين سلمت عليه فأخبرني أنه لم يتعد ناحية فرير وان العشيرات قد اصطلحوا واتفقوا وأن التجريدة عندهم هناك قال وقد كبس الاعراب من حرم الترك فهزمهم الترك وقتلوا منهم خلقا كثيرا ثم ظهر للعرب كمين فلجأ الترك إلى وادي صرح فحصروهم هنالك ثم ولت الاعراب فرارا ولم يقتل من الترك أحد وإنما جرح منهم أمير واحد فقط وقتل من الاعراب فوق الخمسين
نفسا وقدم الحجاج يوم الاحد الثاني والعشرين من المحرم ودخل المحمل السلطاني ليلة الاثنين بعد العشاء ولم يحتفل لدخوله كما جرت به العادة وذلك لشدة ما نال الركب في الرجعة من بريز إلى هنا من البرد الشديد بحيث إنه قد قيل إنه مات منهم بسبب ذلك نحو المائة فإنا لله وإنا اليه راجعون ولكن اخبروا برخص كثير وآمن وبموت نفسه أخي عجلان صاحب مكة وقد استبشر بموته أهل تلك البلاد لبغية على أخيه عجلان العادل فيهم انتهى والله أعلم
*3* منام غريب جدا
@ ورأيت يعني المصنف في ليلة الاثنين الثاني والعشرين من المحرم سنة ثلاث وستين وسبعمائة الشيخ محي الدين النواوي رحمه الله فقلت له يا سيدي الشيخ لم لا أدخلت في شرحك المهذب شيئا من مصنفات ابن حزم فقال ما معناه إنه لايحبه فقلت له أنت معذور فيه فإنه جمع بين طرفي النقيضين في اصوله وفروعه أما هو في الفروع فظارهي جامد يابس وفي الاصول تول مائع قرمطة القرامطة وهرس الهرائسة ورفعت بها صوتي حتى سمعت وأنا نائم ثم اشرت له إلى أرض خضرا تشبه النخيل بل هي أردأ شكلا نه لا ينتفع بها في استغلال ولا رعى فقلت له هذه أرض ابن حزم التي زرعها قال أنظر هل ترى فيها شجرا مثمرا أوشيئا ينتفع به فقلت إنما تصلح للجلوس عليها في ضوء القمر فهذا حاصل ما رأيته ووقع في خلدي أن ابن حزم كان حاضرنا عندما أشرت للشيخ محي الدين إلى الأرض المنسوبة لابن حزم وهو ساكت لا يتكلم
وفي يوم الخميس الثالث والعشرين من صفر خلع على القاضي عماد الدين بن الشيرجي بعود الحسبة إليه بسبب ضعف علاء الدين الانصاري عن القيام بها لشغله بالمرض المدنف وهنأه الناس على العادة وفي يوم السادس والعشرين من صفر توفي الشيخ علاء الدين الانصاري المذكور بالمدرسة الامينية وصلى عليه الظهر بالجامع الاموي ودفن بمقابر باب الصغير خلف محراب جامع جراح في تربة هنالك وقد جاوز الاربعين سنة ودرس في الامينية وفي الحسبة مرتين وترك اولادا صغارا واموالا جزيلة سامحه الله ورحمه وولى المدرسة بعده قاضي القضاة تاج الدين بن السبكي بمرسوم كريم شريف
وفي العشر الاخير من صفر بلغنا وفاة قاضي قضاة المالكية الاخنائي بمصر وتولية أخيه برهان الدين ابن قاضي القضاة علم الدين الاخنائي الشافعي أبوه قاضيا مكان أخيه وقد كان على الحسبة بمصر مشكور السيرة فيها واضيف اليه نظر الخزانة كما كان أخوه وفي صبيحة يوم الاحد رابع شهر ربيع الاول كان ابتداء حضور قاضي القضاة تاج الدين أبو نصر عبدالوهاب ابن قاضي القضاة تقي الدين بن الحسن بن عبد الكافي السبكي الشافعي تدريس الامينية عوضا عن الشيخ علاء الدين المحتسب بحكم وفاته رحمه الله كما ذكرنا وحضر عنده خلق من العلماء والأمراء والفقهاء والعامة وكان درسا حافلا أخذ في قوله تعالى أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله الآية وما بعدها فاستنبط أشياء حسنة وذكر ضربا من العلوم بعبارة طلقة جارية معسولة أخذ ذلك من غير تلعثم ولا تلجلج ولا تكلف فأجاد وأفاد وشكره الخاصة والعامة من الحاضرين وغيرهم حتى قال بعض الاكابر إنه لم يسمع درسا مثله

وفي يوم الاثنين الخامس والعشرين منه توفي الصدر برهان الدين بن لؤلؤ الحوضي في داره بالقصاعين ولم يمرض إلا يوما واحدا وصلى عليه من الغد بجامع دشمق بعد صلاة الظهر وخرجوا به من باب النصر فخرج نائب السلطنة الامير على فصلى عليه إماما خارج باب النصر ثم ذهبوا به فدفنوه بمقابرهم بباب الصغير فدفن عند أبيه رحمه الله كان رحمه الله فيه مروءة وقيام مع الناس وله وجاهة عند الدولة وقبول عند نواب السلطنة وغيرهم ويحب العلماء وأهل الخير ويواظب على سماع مواعيد الحديث والخير وكان له مال وثروة ومعروف قارب الثمانين رحمه الله
وجاء البريد من الديار المصرية فأخبر بموت الشيخ شمس الدين محمد بن النقاش المصري بها وكان واعظا باهرا وفصيحا ماهرا ونحويا شاعرا له يد طولي في فنون متعددة وقدرة علىنسج الكلام ودخول على الدولة وتحصيل الاموال وهو من أبناء الاربعين رحمه الله
وأخبر البريد بولاية قاضي القضاة شرف الدين المالكي البغدادي الذي كان قاضيا بالشام للمالكية ثم عزل بنظر الخزانة بمصر فإنه رتب له معلوم وافر يكفيه ويفضل عنه ففرح بذلك من يحبه
وفي يوم الاحد السابع عشر من ربيع الآخر توفي الرئيس آمين الدين محمد بن الصدر جمال الدين أحمد بن الرئيس شرف الدين محمد بن القلانسي أحد من بقي من رؤساء البلد وكبرائها وقد كان باشر مباشرات كبار كأبيه وعمه علاء الدين ولكن فاق هذا على اسلافه فإنه باشر وكالة المال مدة وولى قضاء العساكر أيضا ثم ولى كتابة السر مع مشيخة الشيوخ وتدريس الناصرية والشامية الجوانية وكان قد درس في العصرونية من قبل سنة ست وثلاثين ثم لما قدم السلطان في السنة الماضية عزل عن مناصبه الكبار وصودر بمبلغ كثير يقارب مائتي ألف فباع كثيرا من أملاكه وما بقي بيده من وظائفه شيء وبقي خاملا مدة إلى يومه هذا فتوفي بغتة وكان قد تشوش قليلا لم يشعر به أحد وصلى عليه العصر بجامع دمشق وخرجوا به من باب الناطفاينين إلى تربتهم التي بسفح قاسيون رحمه الله
وفي صبيحة يوم الاثنين ثامن عشره خلع على القاضي جمال الدين بن قاضي القضاة شرف الدين الكفري الحنفي وجعل مع ابيه شريكا في القضاء ولقب في التوقيع الوارد صحبة البريد من جهة السلطان قاضي القضاة فلبس الخلعة بدار السعادة وجاء ومعه قاضي القضاة تاج الدين السبكي
إلى النورية فقعد في المسجد ووضعت الربعة فقرئت وقرئ القرآن ولم يكن ردسا وجاءت الناس للتهنئة بما حصل من الولاية له مع أبيه
وفي صبيحة يوم الثلاثاء توفي الشيخ الصالح العابد الناسك الجامع فتح الدين بن الشيخ زين الدين الفارقي إمام دار الحديث الاشرفية وخازن الاثر بها ومؤذن في الجامع وقد أتت عليه تسعون سنة في خير وصيانة وتلاوة وصلاة كثيرة وإنجماع عن الناس صلى عليه صبيحة يومئذ وخرج به من باب النصر إلى نحو الصالحية رحمه الله
وفي صبيحة يوم الاثنين عاشر جمادي الاولى ورد البريد وهو قرابغاد وأدار نائب الشام الصغير ومعه تقليد بقضاء قضاة الحنفية للشيخ جمال الدين يوسف بن قاضي القضاة شرف الدين الكفري بمتقضى نزول أبيه له عن ذلك ولبس الخلعة بدار السعادة وأجلس تحت المالكي ثم جاؤا إلى المقصورة من الجامع وقرئ تقليده هنالك قرأه شمس الدين بن السبكي نائب الحسبة واستناب اثنين من اصحابهم وهما شمس الدين بن منصور وبدر الدين بن الخراش ثم جاء معه إلى النورية فدرس بها ولم يحضره والده بشيء من ذلك انتهى والله أعلم
*3* موت الخليفة المعتضد بالله
@ كل ذلك في العشر الاوسط من جمادي الأولى بالقاهرة وصلى عليه يوم الخميس أخبرني بذلك قاضي القضاة تاج الدين الشافعي عن كتاب اخيه الشيخ بهاء الدين رحمهما الله
*3* خلافة المتوكل على الله
@ ثم بويع بعده ولده المتوكل على الله على أبو عبد الله محمد بن المعتضد ابي بكر أبي الفتح بن المستكفي بالله أبي الربيع سليمان بن الحاكم بامر الله أبي العباس أحمد رحم لله أسلافه
وفي جمادي الاولى توجه الرسول من الديار المصرية ومعه صناجق خليفية وسلطانية وتقاليد وخلع وتحف لصاحبي الموصل وسنجار من جهة صاحب مصر ليخطب له فيهما وولى قاضي القضاة تاج الدين الشافعي السبكي الحاكم بدمشق لقاضيهما من جهته تقليدين حسب ما أخبرني بذلك وأرسلا مع ما أرسل به السلطان إلى البلدين وهذا امر غريب لم يقع مثله فيما تقدم فيما أعلم والله أعلم
وفي جمادي الاخرة خرج نائب السلطنة إلى مرج الفسولة ومعه حجبته ونقباء النقباء وكاتب السر وذووه ومن عزمهم الاقامة مدة فقدم من الديار المصرية أمير على البريد فأسرعوا الاوبة فدخلوا في صبيحة الاحد الحادي والعشرين منه واصبح نائب السلطنة فحضر الموكب على العادة وخلع على الامير سيف الدين يلبغا الصالحي وجاء النص من الديار المصرية بخلعة دوادار عوضا عن سيف الدين كحلن وخلع في هذا اليوم على الصدر شمس الدين بن مرقي بتوقيع الدست وجهات أخر قدم بها من الديار المصرية فانتشر الخبر في هذا اليوم باجلاس قاضي القضاة شمس الدين الكفري الحنفي فوق قاضي القضاة المالكية لكن لم يحضر في هذا اليوم وذلك بعد ما قد امر باجلاس المالكي فوقه
وفي ثاني رجب توفي القاضي الامام العالم شمس الدين بن مفلح المقدسي الحنبلي نائب مشيخة قاضي القضاة جمال الدين يوسف بن محمد المقدسي الحنبلي وزوج ابنته وله منها سبعة أولاد ذكرو وإناث وكان بارعا فاضلا متفننا في علوم كثيرة ولا سيما علم الفروع كان غاية في نقل مذهب الامام أحمد وجمع مصنفات كثيرة منها كتاب المقنع نحوا من ثلاثين مجلدا كما أخبرني بذلك عنه قاضي القضاة جمال الدين وعلق على محفوظة أحكام الشيخ مجد الدين بن تيمية مجلدين وله غير ذلك من الفوائد والتعليقات رحمه الله توفي عن نحو خمسين سنة وصلى عليه بعد الظهر من يوم الخميس ثاني الشهر بالجامع المظفري ودفن بمقبره الشيخ الموفق وكانت له جناز حافلة حضرها القضاة كلهم وخلق من الاعيان رحمه الله وأكرم مثواه
وفي صبيحة يوم السبت رابع رجب ضرب نائب السلطنة جماعة من أهل قبر عاتكة أساؤا الادب على النائب ومماليكه بسبب جامع للخطبة جدد بناحيتهم فأراد بعض الفقراء أن يأخذ ذلك الجامع ويجعله زاوية للرقاصين فحكم القاضي الحنبلي بجعله جامعا قد نصب فيه مبنر وقد قدم شيخ الفقراء على يديه مرسوم شريف بتسليمه اليه فأنفت أنفس أهله تلك الناحية من عوده زاوية بعد ما كان جامعا وأعظموا ذلك فتكلم بعضهم بكلام سيء فاستحضر نائب السلطنة طائفة منهم وضربهم بالمقارع بين يديه ونودي عليهم في البلد فأراد بعض العامة إنكارا لذلك وحدد ميعاد حديث يقرأ بعد المغرب تحت قبة النسر على الكرسي ألذي يقرأ عليه المصحف رتبة أحد اولاد القاضي عماد الدين بن الشيرازي وحدث فيه الشيخ عماد الدين بن السراج واجتمع عنده خلق كثير وجم غفير وقرأ في السيرة النبوية من خطى وذلك في العشر الاول من هذا الشهر
*3* أعجوبة من العجائب
@ وحضر شاب عجمي من بلاد تبريز وخراسان يزعم أنه يحفظ البخاري ومسلما وجامع المسانيد والكشاف للزمخشري وغير ذلك من محاضيرها في فنون أخر فلما كان يوم الاربعاء سلخ شهر رجب قرأ في الجامع الاموي بالحائط الشمالي منه عند باب الكلاسة من أول صحيح البخاري إلى أثناء كتاب العلم منه من حفظه وأنا أقابل عليه من نسخة بيدي فادى جيدا غير أنه يصحف بعضا الكلمات لعجم فيه وربما لحن أيضا في بعض الاحيان واجتمع خلق كثير من العامة والخاصة وجماعة من المحدثين فاعجب ذلك جماعة كثيرين وقال آخرون منهم إن سرد بقية
الكتاب على هذا المنوال لعظيم جدا فاجتمعنا في اليوم الثاني وهو مستهل شعبان في المكان المذكور وحضر قاضي القضاة الشافعي وجماعة من الفضلاء واجتمع العامة محدقين فقرأ على العادة غير أنه لم يطول كأول يوم وسقط عليه بعض الاحاديث وصحف ولحن في بعض الالفاظ ثم جاء القاضيان الحفني والمالكي فقرأ بحضرتهما أيضا بعض الشيء هذا والعامة محتفون به متعجبون من أمره ومنهم من يتقرب بتقبيل يديه وفرح بكتابتي له بالسماع على الاجازة وقال أنا ما خرجت من بلادي إلا إلى القصد إليك وأن تجيزني وذكرك في بلادنا مشهور ثم رجع إلى مصر ليلة الجمعة وقد كارمه القضاة والاعيان بشيء من الدراهم يقارب الألف
*3* عزل الامير علي عن نيابة دمشثق
@ في يوم الاحد حادي عشر شعبان ورد البريد من الديار المصرية وعلى يديه مرسوم شريف بعزل الامير على عن نيابة دمشق فأحضر الأمراء إلى دار السعادة وقرئ المرسوم الشريف عليهم بحضوره وخلع عليه خلعة وردت مع البريد ورسم له بقرية دومة واخرى في بلاد طرابلس على سبيل الراتب وأن يكون في أي البلاد شاء من دمشق أو القدس او الحجاز فانتقل من يومه من دار السعادة وبباقي أصحابه ومماليكه واستقر نزوله في دار الخليلي بالقصاعين التي جددها وزاد فيها دويداره يلبغا وهي دار هائلة وراح الناس للتأسف عليه والحزن له انتهى
*3* طلب قاضي القضاة تاج الدين عبدالوهاب ابن السيكي الشافعي إلى الديار المصرية
@ ورد البريد بطلبه من آخر نهار الاحد بعد العصر الحادي عشر من شعبان سنة ثلاث وستين وسبعمائة فأرسل إليه حاجب الحجاب قماري وهو نائب الغيبة أن يسافر من يومه فاستنظرهم إلى الغد فأمهل وقد ورد الخبر بولاية أخيه الشيخ بهاء الدين بن السبكي بقضاء الشام عوضا عن أخيه تاج الدين وأرسل يستنيب ابن أختهما قاضي القضاة تاج الدين في التأهب والسير وجاء الناس إليه ليودعوه ويستوحشون له وركب من بستانه بعد العصر يوم الاثنين ثاني عشر شعبان متوجها على البريد إلى الديار المصرية وبين يديه قضاة القضاة والاعيان حتى قاضي القضاة بهاء الدين أبو البقاء السبكي حتى ردهم قريبا من الجسورة ومنهم من جاوزها والله المسؤل في حسن الخاتمة في الدنيا والآخرة انتهى والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب
*3* اعجوبة اخرى غريبة
@ لما كان يوم الثلاثاء العشرين من شعبان دعيت إلى بستان الشيخ العلامة كمال الدين بن الشريشي شيخ الشافعية وحضر جماعة الاعيان منهم الشيخ العلامة شمس الدين بن الموصلي الشافعي والشيخ الامام العلامة صلاح الدين الصفدي وكيل بيت المال والشيخ الامام العلامة شمس الدين الموصلي الشافعي والشيخ الامام العلامة مجد الدين محمد بن يعقوب الشيرازي من ذرية الشيخ أبي إسحق الفيروزابادي من أئمة اللغويين والخطيب الامام العلامة صدر الدين بن العز الحنفي احد البلغاء الفضلاء والشيخ الامام العلامة نور الدين علي بن الصارم أحد القراء المحدثين البلغاء وأحضروا نيفا واربعين مجلدا من كتاب المنتهى في اللغة للتميمي البرمكي وقف الناصرية وحضر ولد الشيخ كمال الدين بن الشريشني وهو العلامة بدر الدين محمد واجتمعنا كلنا عليه وأخذ كل منا مجلدا بيده من تلك المجلدات ثم أخذنا نسأله عن بيوت الشعر المستشهد عليها بها فينشر كلا منها ويتكلم عليه بكلام مبين مفيد فجزم الحاضرون والسامعون انه يحفظ جميع شواهد اللغة ولا يشذ عنه منها إلا القليل الشاذ وهذا من أعجب العجائب وأبلغ الاعراب
*3* دخول نائب السلطنة سيف الدين تشتمر
@ وذلك في أوائل رمضان يوم الشبت ضحى والحجبة بين يديه والجيش بكماله فتقدم إلى سوق الخيل فأركب فيه ثم جاء ونزل عند باب السر وقيل العتبة ثم مشى الى دار السعادة والناس بين يديه وكان أول شيء حكم فيه أن أمر بصلب الذي كان قتل بالامس والي الصالحية وهو ذاهب الى صلاة الجمعة ثم هرب فتبعه الناس فقتل منهم آخر وجرح آخرين ثم تكاثروا عليه فمسك ولما صلب طافوا به على حمل الى الصالحية فمات هناك بعد أيام وقاسى أمرا شديدا من العقوبات وقد ظهر بعد ذلك على انه قتل خلقا كثيرا من الناس قبحه الله
*3* قدوم قاضي القضاة بهاء الدين احمد بن تقي الدين عوضا عن أخيه قاضي القضاة تاج الدين بن عبد الوهاب
@ قدم يوم الثلاثاء قبل العصر فبدأ بملك الامراء فسلم عليه ثم مشى الى دار الحديث فصلى هناك ثم مشى الى المدرسة الركنية فنزل بها عن ابن أخيه قاضي القضاة بدر الدين بن ابي الفتح قاضي العساكر وذهب الناس للسلام عليه وهو يكره من يلقبه بقاضي القضاة وعليه تواضع وتقشف ويظهر عليه تأسف على مفارقة بلده ووطنه وولده وأهله والله المسئول المأمول أن يحسن العاقبة
وخرج المحمل السلطاني يوم الخميس ثامن عشر شوال وأمير الحاج الملك صلاح الدين بن الملك الكامل بن السعيد العادل الكبير وقاضيه الشيخ بهاء الدين بن سبع مدرس الامينية ببعلبك وفي هذا الشهر وقع الحكم بما يخص المجاهدين من وقف المدرسة التقوية اليهم وأذن القضاة الاربعة إليهم بحضرة ملك الأمراء في ذلك
وفي ليلة الاحد ثالث شهر ذي القعدة توفي القاضي ناصر الدين محمد بن يعقوب كاتب السر وشيخ الشيوخ ومدرس الناصرية الجوانية والشامية الجوانية بدمشق ومدرس الاسدية بحلب وقد باشر كتابة السر بحلب أيضا وقضاء العساكر وأفتى بزمان ولاية الشيخ كمال الدين الزملكاني قضاء حلب أذن له هنالك في حدود سنة سبع وعشرين وسبعمائة ومولده سنة سبع وسبعمائة وقد قرأ التنبيه ومختصر ابن الحاجب في الاصول وفي العربية وكان عنده نباهة وممارسة للعلم وفيه جودة طباع وإحسان بحسب ما يقدر عليه وليس يتوسم منه سوء وفيه ديانة وعفة حلف لي في وقت بالايمان المغلظة أنه لم يمكن قط منه فاحشة اللواط ولا خطر له ذلك ولم يزن ولم يشرب مسكرا ولا أكل حشيشة فرحمه الله وأكرم مثواه صلى عليه بعد الظهر يومئذ وخرج بالجنازة من باب النصر فخرج نائب السلطنة من دار السعادة فحضر الصلاة عليه هنالك ودفن بمقبرة لهم بالصوفية وتأسفوا عيه وترحموا وتزاحم جماعة من الفقهاء بطلب مدارسة انتهى
*2* ثم دخلت سنة أربع وستين وسبعمائة
@ استهلت هذه السنة وسلطان الاسلام بالديار المصرية والشامية والحجازية وما يتبعهما من الاقاليم والرساتيق الملك المنصور صلاح الدين محمد بن الملك المنصور المظفري حاجي بن الملك الناصر محمد ابن الملك المنصور قلاوون الصالحي ومدير الممالك بين يديه وأتابك العساكر سيف الدين يلبغا وقضاة مصرهم المذكورون في التي قبلها غير أن ابن جماعة قاضي الشافعية وموفق الدين قاضي الحنابلة في الحجاز الشريف ونائب دمشق الامير سيف الدين قشتمر المنصوري وقاضي قضاة الشافعية الشيخ بهاء الدين ابن قاضي القضاة تقي الدين السبكي وأخوه قاضي القضاة الشافعية الشيخ بهاء الدين ابن قاضي القضاة تقي الدين السبكي وأخوه قاضي القضاة تاج الدين مقيم بمصر وقاضي قضاة الحنفية الشيخ جمال الدين ابن قاضي القضاة شرف الدين الكفري آثره والده بالمنصب وأقام على تدريس الركنية يتعبد ويتلو ويجمع على العبادة وقاضي قضاة المالكية جمال الدين المسلاتي وقاضي قضاة الحنابلة الشيخ جمال الدين المرداوي محمود بن جملة ومحتسب البلد الشيخ عماد الدين الشيرجي وكاتب السر جمال الدين عبد الله بن الاثير قدم من الديار المصرية عوضا عن ناصر الدين بن يعقوب وكان قدومه يوم سلخ السنة الماضية وناظر الدواوين بدر الدين حسن بن النابلسي وناظر الخزانة القاضي تقي الدين بن مراجل ودخل المحمل السلطاني يوم الجمعة الثاني والعشرين من المحرم بعد العصر خوفا من المطر وكان وقع مطر شديد قبل أيام فتلف منه غلات كثيرة بحوران وغيرها ومشاطيخ وغير ذلك فإنا لله وإنا اليه راجعون
وفي ليلة الاربعاء السابع والعشرين منه بعد عشاء الاخرة قبل دقة القلعة دخل فارس من ناحية باب الفرج إلى ناحية باب القلعة الجوانية ومن ناحية الباب المذكور سلسلة ومن ناحية باب النصر أخرى جددتا لئلا يمر راكب على باب القلعة المنصورة فساق هذا الفارس المذكور على السلسلة الواحدة فقطعها ثم مر على الاخرى فقطعها وخرج من باب النصر ولم يعرف لأنه ملثم وفي حادي عشر صفر وقبله بيوم قدم البريد من الديار المصرية بطلب الامير سيف الدين زبالة أحد أمراء الالوف إلى الديار المصرية مكرما وقد كان عزل عن نيابة القلعة بسبب ما تقدم وجاء البريد أيضا ومعه التواقيع التي كانت بأيدي ناس كثير زيادات على الجامع ردت إليهم واقروا على ما بأيديهم من ذلك وكان ناظر الجامع الصاحب تقي الدين بن مراجل قد سعى برفع ما زيد بعد التذكرة التي كانت في أيام صرغتمش فلم يف ذلك وتوجه الشيخ بهاء الدين بن السبكي قاضي قضاة الشام الشافعي من دمشق إلى الديار الصمرية يوم الاحد سادس عشر صفر من هذه السنة وخرج القضاة والاعيان لتوديعه وقد كان أخبرنا عند توديعه بان أخاه قاضي القضاة تاج الدين قد لبس خلعة القضاء بالديار المصرية وهو متوجه إلى الشام عند وصوله إلى ديار مصر وذكر لنا أن أخاه كاره للشام وأنشدني القاضي صلاح الدين الصفدي ليلة الجمعة رابع عشره لنفسه فيما عكس عن المتنبي في يديه من قصيدته وهو قوله
إذا اعتاد الفتى خوض المنايا * فأيسر ما يمر به الوصول
دخول دمشق يكسبنا نحولا * كأن لها دخولا في البرايا
إذا اعتاد الغريب الخوض فيها * فايسر ما يمر به المنايا
وهذا شعر قوي وعكس جلي لفظا ومعنى
وفي ليلة الجمعة الحادي والعشرين من صفر عملت خيمة حافلة بالمارستان الدقاقي جوار الجامع سبب تكامل تجديده قريب السقف مبنيا باللبن حتى قناطره الاربع بالحجارة البلق وجعل في أعاليه قمريات كبار مضيئة وفتق في قبلته إيوانا حسنا زاد في أغمافه أضعاف ما كان وبيضه جميعه بالجص الحسن المليح وجددت فيه خزائن ومصالح وفرش ولحف جدد واشياء حسنة فأثابه الله وأحسن جزاءه آمين وحضر الخيمة جماعات من الناس من الخاص والعوام ولما كانت الجمعة الأخرى دخله نائب السلطنة بعد الصلاة فأعجبه ما شاهده من العمارات وأخبره بما كانت عليه حاله قبل هذه العمارة فاستجاد ذلك م صنيع الناظر
وفي اول ربيع الاخر قدم قاضي القضاة تاج الدين السبكي من الديار المصرية على قضاء الشام عودا على بدء يوم الثلاثاء رابع عشره فبدأ بالسلام على نائب السلطنة بدار السعادة ثم ذهب إلى دار الامير علي بالقصاعين فسلم عليه ثم جاء إلى العادلية قبل الزوال ثم جاءه الناس من الخاص والعام يسلمون عليه ويهنونه بالعود وهو يتودد ويترحب بهم ثم لما كان صبح يوم الخميس سادس عشره لبس الخلعة بدار السعادة ثم جاء في أبهة هائلة لابسها إلى العادلية فقرئ تقليده بها بحضرة القضاة والاعيان وهنأه الناس والشعراء والمداح
وأخبر قاضي القضاة تاج الدين بموت حسين بن الملك الناصر ولم يكن بقي من بنيه لصلبه سواه ففرح بذلك كثير من الأمراء وكبار الدولة لما كان فيه من حدة وارتكاب أمور منكرة وأخبر بموت القاضي فخر الدين سليمان بن القاضي عماد الدين بن الشيرجي وقد كان اتفق له من الأمر أنه قلد حسبة دمشق عوضا عن أبيه نزل له عنها باختياره لكبره وضعفه وخلع عليه بالديار المصرية ولم يبق إلا أن يركب على البريد فتمرض يوما وثانيا وتوفي إلى رحمة الله تعالى فتألم والده بسبب ذلك تألما عظيما وعزاه الناس فيه ووجدته صابرا محتسبا باكيا مسترجعا موجعا انتهى
*3* بشارة عظيمة بوضع الشطر من مكس الغنم
@ مع ولاية سعد الدين ماجد بن التاج إسحاق من الديار المصرية على نظر الدواوين قبله ففرح الناس بولاية هذا وقدومه وبعزل الاول وانصرافه عن البلد فرحا شديدا ومع مرسوم شريف بوضع نصف مكس الغنم وكان عبرته أربعة دراهم ونصف فصار إلى درهمين وربع درهم وقد نودي بذلك في البلد يوم الاثنين العشرين من شهر ربيع الاخر ففرح الناس بذلك فرحا شديدا ولله الحمد والمنة وتضاعفت أدعيتهم لمن كان السبب في ذلك وذلك أنه يكثر الجلب برخص اللحم على الناس ويأخذ الديوان نظيرا ما ما كان يأخذ قبل ذلك وقد الله تعالى قدوم وفود بتجائر متعددة وأخذ منها الديوان السلطاني في الزكاة والوكالة وقدم مراكب كثيرة فأخذ منها في العشر أضعاف ما أطلق من المكس ولله الحمد والمنة ثم قرئ على الناس في يوم الجمعة بعد صلاة الجمعة قبل العصر
وفي يوم الاثنين العشرين منه ضرب الفقيه شمس الدين بن الصفدي بدرا السعادة بسبب خانقاه الطواويس فإنه جاء في جماعة منهم يتظلمون من كاتب السر الذي هو شيخ الشيوخ وقد تكلم معهم فيما يتعلق بشرط الواقف مما فيه مشقة عليهم فتكلم الصفدي المذكور بكلام فيه غلظ فبطح ليضرب فشفع فيه ثم تكلم فشفع فيه ثم بطح الثالثة فضرب ثم أمر به إلى السجن ثم أخرج بعد ليلتين أو ثلاثة
وفي صبيحة يوم الاحد السادس والعشرين منه درس قاضي القضاة الشافعي بمدارسه وحضر درس الناصرية الجوانية بمقتضى شرط الواقف الذي أثبته أخوه بعد موت القاضي ناصر الدين كاتب السر وحضر عنده جماعة من الأعيان وبعض القضاة وأخذ في سورة الفتح قرئ عليه من تفسير والده في قوله إنا فتحنا لك فتحا مبينا
وفي مستهل جمادي الاولى يوم الجمعة بعد صلاة الفجر مع الامام الكبير صلى عليى القاضي قطب الدين محمد بن الحسن الحاكم بحمص جاء إلى دمشق لتلقي أخي زوجته قاضي القضاة تاج الدين السبكي الشافعي فتمرض من مدة ثم كانت وفاته بدمشق فصلى عليه بالجامع كما ذكرنا وخارج باب الفرج ثم صعدوا به إلى سفح جبل قاسيون وقد جاوز الثمانين بسنتين وقد حدث وروى شيئا يسيرا رحمه الله
وفي يوم الأحد ثالثه قدم قاضيا الحنفية والحنابلة بحلب والخطيب بها والشيخ شهاب الدين الاذرعي والشيخ زين الدين الباريني وآخرون معهم فنزلوا بالمدرسة الاقبالية وهم وقاضي قضاتهم الشافعي وهو كمال الدين المصري مطلوبون إلى الديار المصرية فتحرر ما ذكروه عن قاضيهم وما نقموه عليه من السيرة السيئة فيما يذكرون في المواقف الشريفة بمصر وتوجهوا إلى الديار المصرية يوم السبت عاشره
وفي يوم الخميس قدم الامير زين الدين زبالة نائب القلعة من الديار المصرية على البريد في تجمل عظيم هائل وتلقاه الناس بالشموع في أثناء الطريق ونزل بدار الذهب وراح الناس للسلام عليه وتهنئته بالعود إلى نيابة القلعة على عادته وهذه ثالث مرة وليها لأنه مشكور السيرة فيها وله فيها سعى محمود في أوقات متعددة
وفي يوم الخميس الحادي والعشرين صلى نائب السلطنة والقاضيان الشافعي والحنفي وكاتب السر وجماعة من الأمراء والأعيان بالمقصورة وقرئ كتاب السلطان على السدة بوضع مكس الغنم إلى كل رأس بدرهمين فتضاعفت الأدعية لولي الامر ولمن كان السبب في ذلك
*3* غريبة من الغرائب وعجيبة من العجائب
@ وقد كثرت المياه في هذا الشهر وزادت الانهار زيادة كثيرة جدا بحيث إنه فاض الماء في سوق الخيل من نهر بردى حتى عم جميع العرصة المعروفة بموقف الموكب بحيث إنه اجريت فيه المراكب بالكلك وركبت فيه المارة من جانب إلى جانب واستمر ذلك جمعا متعددة وامتنع نائب السلطنة والجيش من الوقوف هناك وربما وقف نائب السلطنة بعض الايام تحت الطارمة تجاه باب الاسطبل السلطاني وهذا أمر لم يعهد مثله ولا رأيته قط في مدة عمري وقد سقطت بسبب ذلك بنايات ودور كثيرة وتعطلت طواحين كثيرة غمرها الماء
وفي ليلة الثلاثاء العشرين من جمادي الاولى توفي الصدر شمس الدين عبد الرحمن ابن الشيخ عز الدين بن منجي التنوخي بعد العشاء الآخرة وصلى عليه بجامع دمشق بعد صلاة الظهر ودفن بالسفح وفي صبيحة هذا اليوم توفي الشيخ ناصر الدين محمد بن أحمد القونوي الحنفي خطيب جامع يلبغا وصلى عليه عقيب صلاة الظهر أيضا ودفن بالصوفية وقد باشر عوضه الخطابة والامامة
قاضي القضاة كمال الدين الكفري الحنفي وفي عصر هذا اليوم توفي القاضي علاء الدين بن القاضي شرف الدين بن القاضي شمس الدين بن الشهاب محمود الحلبي أحد موقعي الدست بدمشق وصلى عليه يوم الاربعاء ودفن بالسفح
وفي يوم الجمعة الثالث والعشرين منه خطب قاضي القضاة جمال الدين الكفري الحنفي بجامع يلبغا عوضا عن الشيخ ناصر الدين بن القونوي رحمه الله تعالى وحضر عنده نائب السلطنة الامير سيف الدين قشتمر وصلى معه قاضي القضاة تاج الدين الشافعي بالشباك الغربي القبلي منه وحضر خلق من الامراء والاعيان وكان يوما مشهودا وخطب ابن نباتة بأداء حسن وفصاحة بليغة هذا مع علم أن كل مركب صعب وفي يوم السبت خامس عشر جمادي الاخرة توجه الشيخ شرف الدين القاضي الحنبلي إلى الديار المصرية بطلب الامير سيف الدين يلبغا في كتاب كتبه اليه يستدعيه ويستحثه في القدوم عليه
وفي يوم الثلاثاء ثاني شهر رجب سقط اثنان سكارى من سطح بحارة اليهود أحدهما مسلم والاخر يهودي فمات المسلم من ساعته وانقلعت عين اليهودي وانكسرت يده لعنه الله وحمل إلى نائب السلطنة فلم يحر جوابا
ورجع الشيخ شرف الدين بن قاضي الجبل بعد ما قارب غزة لما بلغه من الوباء بالديار المصرية فعاد إلى القدس الشريف ثم رجع إلى وطنه فأصاب السنة وقد وردت كتب كثيرة تخبر بشدة الوباء والطاعون بمصر وأنه يضبط من أهلها في النهار نحو الألف وأنه مات جماعة ممن يعرفون كولدي قاضي القضاة تاج الدين المناوي وكاتب الحكم ابن الفرات وأهل بيته أجمعين فإنا لله وإنا اليه راجعون
وجاء الخبر في اواخر شهر رجب بموت جماعة بمصر منهم أبو حاتم ابن الشيخ بهاء الدين السبكي المصري بمصر وهو شاب لم يستكمل العشرين وقد درس بعدة جهات بمصر وخطب ففقده والده وتأسف الناس عليه وعزوا فيه عمه قاضي القضاة تاج الدين السبكي قاضي الشافعية بدمشق وجاء الخبر بموت قاضي القضاة شهاب الدين أحمد الرباجي المالكي كان بحلب وليها مرتين ثم عزل فقصد مصر واستوطنها مدة ليتمكن من السعي في العودة فأدركته منيته في هذه السنة من الفناء وولدان له معه أيضا وفي يوم السبت سادس شعبان توجه نائب السلطنة في صحبة جمهور الامراء إلى ناحية تدمر لأجل الاعراب من أصحاب خيار بن مهنا ومن التف عليه منهم وقد دمر بعضهم بلد تدمر وحرقوا كثيرا من أشجارها ورعوها وانتهبوا شيئا كثيرا وخرجوا من الطاعة وذلك بسبب قطع إقطاعاتهم وتملك أملاكهم والحيلولة عليهم فركب نائب السلطنة بمن معه كما ذكرنا
لطردهم عن تلك الناحية وفي صحبتهم الأمير حمزة ابن الخياط أحد أمراء الطبلخانات وقد كان حاجبا لخيار قبل ذلك فرجع عنه وألب عليه عند الامير الكبير يلبغا الخاصكي ووعده إن هو امره وكبره أن يظفره بخيار وأن يأتيه برأسه ففعل معه ذلك فقدم إلى دمشق ومعه مرسوم بركوب الجيش معه إلى خيار وأصحابه فساروا كما ذكرنا فوصلوا إلى تدمر وهربت الاعراب من بين يدي نائب الشام يمينا وشمالا ولم يواجهوه هيبة له ولكنهم يتحرفون على حمزة بن الخياط ثم بلغنا أنهم يبتوا الجيش فقتلوا منه طائفة جرحوا آخرين وأسروا آخرين فإنا لله وإنا إليه راجعون
*3* سلطنة الملك الأشرف ناصر الدين
@ شعبان بن حسن بن الملك النصر محمد بن قلاوون في يوم الثلاثاء خامس عشر شعبان
لما كان عشية السبت تاسع عشر شعبان من هذه السنة أعني سنة أربع وستين وسبعمائة قدم أمير من الديار المصرية فنزل بالقصر الأبلق وأخبر بزوال مملكة الملك المنصور بن المظفر حاجي بن الملك الناصر محمد بن قلاوون ومسك واعتقل وبويع للملك الاشرف شعبان بن حسين الناصر بن المنصور قلاوون وله من العمر قريب العشرين فدقت البشائر بالقلعة المنصورة وأصبح الناس يوم الاحد في الزينة وأخبرني قاضي القضاة تاج الدين والصاحب سعد الدين ماجد ناظر الدواوين أنه لما كان يوم الثلاثاء الخامس عشر من شعبان عزل الملك المنصور وأودع منزله وأجلس الملك الاشرف ناصر الدين شعبان على سرير الملك وبويع لذلك وقد وقع رعد في هذا اليوم ومطر كثير وجرت المزاريب فصار غدرانا في الطرقات وذلك في خامس حزيران فتعجب الناس من ذلك هذا وقد وقع وباء في مصر في أول شعبان فتزايد وجمهوره في اليهود وقد وصلوا إلى الخمسين في كل يوم وبالله المستعان
وفي يوم الاثنين سابعه اشتهر الخبر عن الجيش بأن الاعراب اعترضوا التجريدة القاصدين إلى الرحبة وواقفوهم وقتلوا منهم ونهبوا وجرحوا وقد سار البريد خلف النائب والأمراء ليقدموا إلى البلد لأجل البيعة للسلطان الجديد جعله الله مباركا على المسلمين ثم قدم جماعة من الأمراء المنهزمين من الاعراب في أسوإ حال وذلة ثم جاء البريد من الديار المصرية بردهم إلى العسكر الذي مع نائب السلطنة على تدمر متوعدين بأنواع العقوبات وقطع الاقطاعات وفي شهر رمضان تفاقم الحال بسبب الطاعون فإنا لله وإنا اليه راجعون وجمهوره في اليهود لعله قد فقد منهم من مستهل شعبان إلى مستهل رمضان نحو الألف نسمة خبيثة كما أخبرني بذلك القاضي صلاح الدين الصفدي وكيل بيت المال ثم كثر ذلك فيهم في شهر رمضان جدا وعدة العدة من المسلمين والذمة بالثمانين
وفي يوم السبت حادي عشره صلينا بعد الظهر على الشيخ المعمر الصدر بدر الدين محمد ابن الرقاق المعروف بابن الجوجي وعلى الشيخ صلاح الدين محمد بن شاكر الليثي تفرد في صناعته وجمع تاريخا مفيدا نحوا من عشر مجلدات وكان يحفظ ويذاكر ويفيد رحمه الله وسامحه انتهى
*3* وفاة الخطيب جمال الدين محمود بن جمله ومباشرة تاج الدين بعده
@ كانت وفاته يوم الاثنين بعد الظهر قريبا من العصر فصلى بالناس بالمحراب صلاة العصر قاضي القضاة تاج الدين السبكي الشافعي عوضا عنه وصلى بالناس الصبح أيضا وقرأ بآخر المائدة من قوله يوم يجمع الله الرسل ثم لما طلعت الشمس وزال وقت الكراهة صلى على الخطيب جمال الدين عند باب الخطابة وكان الجمع في الجامع كثيرا وخرج بجنازته من باب البريد وخرج معه طائفة من العوام وغيرهم وقد حضر جنازته بالصالحية على ما ذكر جم غفير وخلق كثير ونال قاضي القضاة الشافعي بعض الجهلة إساءة أدب فاخذ منهم جماعة وأدبوا وحضر هو بنفسه صلاة الظهر يومئذ وكذا باشر الظهر والعصر في بقية الايام يأتي للجامع في محفل من الفقهاء والاعيان وغيرهم ذهابا وإيابا وخطب عنه يوم الجمعة الشيخ جمال الدين بن قاضي القضاة ومنع تاج الدين من المباشرة حتى يأتي التشريف
وفي يوم الاثنين بعد العصر صلى على الشيخ شهاب الدين أحمد بن عبد الله البعلبكي المعروف بابن النقيب ودفن بالصوفية وقد قار السبعين وجاوزها وكان بارعا في القراءات والنحو والتصريف والعربية وله يد في الفقه وغير ذلك وولى مكانه مشيخة الاقراء بأم الصالح شمس الدين محمد بن اللبان وبالتربة الأشرفية الشيخ أمين الدين عبد الوهاب بن السلام وقدم نائب السلطنة من ناحية الرحبة وتدمر وفي صحبته الجيش الذين كانوا معه بسبب محاربته إلى اولاد مهنا وذويهم من الاعراب في يوم الاربعاء سادس شوال
وفي ليلة الأحد عاشره توفي الشيخ صلاح الدين خليل بن أيبك وكيل بيت المال وموقع الدست وصلى عليه صبيحة الاحد بالجامع ودفن بالصوفية وقد كتب الكثير من التاريخ واللغة والأدب وله الاشعار الفائقة والفنون المتنوعة وجمع وصنف وألف وكتب ما يقارب مئين من المجلدات

@ وحضر شاب عجمي من بلاد تبريز وخراسان يزعم أنه يحفظ البخاري ومسلما وجامع المسانيد والكشاف للزمخشري وغير ذلك من محاضيرها في فنون أخر فلما كان يوم الاربعاء سلخ شهر رجب قرأ في الجامع الاموي بالحائط الشمالي منه عند باب الكلاسة من أول صحيح البخاري إلى أثناء كتاب العلم منه من حفظه وأنا أقابل عليه من نسخة بيدي فادى جيدا غير أنه يصحف بعضا الكلمات لعجم فيه وربما لحن أيضا في بعض الاحيان واجتمع خلق كثير من العامة والخاصة وجماعة من المحدثين فاعجب ذلك جماعة كثيرين وقال آخرون منهم إن سرد بقية
@ وحضر شاب عجمي من بلاد تبريز وخراسان يزعم أنه يحفظ البخاري ومسلما وجامع المسانيد والكشاف للزمخشري وغير ذلك من محاضيرها في فنون أخر فلما كان يوم الاربعاء سلخ شهر رجب قرأ في الجامع الاموي بالحائط الشمالي منه عند باب الكلاسة من أول صحيح البخاري إلى أثناء كتاب العلم منه من حفظه وأنا أقابل عليه من نسخة بيدي فادى جيدا غير أنه يصحف بعضا الكلمات لعجم فيه وربما لحن أيضا في بعض الاحيان واجتمع خلق كثير من العامة والخاصة وجماعة من المحدثين فاعجب ذلك جماعة كثيرين وقال آخرون منهم إن سرد بقية
وفي يوم السبت عاشره جمع القضاة والاعيان بدار السعادة وكتبوا خطوطهم بالرضى بخطابة قاضي القضاة تاج الدين السبكي بالجامع الأموي وكاتب نائب السلطنة في ذلك
وفي يوم الأحد حادي عشره استقر عزل نائب السلطنة سيف الدين قشتمر عن نيابة دمشق وأمر بالمسير إلى نيابة صفد فأنزل أهله بدار طيبغا حجى من الشرق الاعلى وبرز هو إلى سطح المزة ذاهبا إلى ناحية صفد وخرج المحمل صحبة الحجيج وهم جم غفير وخلق كثير يوم الخميس رابع عشر شوال
وفي يوم الخميس الحادي والعشرين من شوال توفي القاضي أمين الدين أبو حيان ابن أخي قاضي القضاة تاج الدين المسلاتي المالكي وزوج ابنته ونائبه في الحكم ملطقا وفي القضاة والتدريس في غيبته فعالجته المنية
ومن غريب ما وقع في أواخر هذا لاشهر أنه اشتهر بين النساء وكثير من العوام أن رجلا رأى مناما فيه أنه رأى النبي ص عند شجرة توتة عند مسجد ضرار خارج باب شرقي فتبادر النساء إلى تخليق تلك التوتة وأخذوا اوراقها للاستشفاء من الوباء ولكن لم يظهر صدق ذلك المنام ولا يصح عمن يرويه
وفي يوم الجمعة سابع شهر ذي القعدة خطب بجامع دمشق قاضي القضاة تاج الدين السبكي خطبة بليغة فصيحة أداها أداء حسنا وقد كان يحس من طائفة من العوام أن يشوشوا فلم يتكلم أحد منهم بل ضجوا عند الموعظة وغيرها وأعجبهم الخطيب وخطبته وأداؤه وتبليغه ومهابته واستمر يخطب هو بنفسه
وفي يوم الثلاثاء ثامن عشره توفي الصاحب تقي الدين سليمان بن مراجل ناظر الجامع الأموي وغيره وقد باشر نظر الجامع في ايام تنكز وعمر الجانب الغربي من الحائط القبلي وكمل رخامه كله وفتق محرابا للحنفية في الحائط القبلي ومحرابا للحنابلة فيه أيضا في غربيه وأثر أشياء كثيرة فيه وكانت له هم وينسب إلى أمانة وصرامة ومبشارة مشكورة مشهورة ودفن بتربة أنشأها تجاه داره بالقبيبات رحمه الله وقد جاوز الثمانين وفي يوم الأربعاء تاسع عشرة توفي الشيخ بهاء الدين عبد الوهاب الاخميمي المصري إمام مسجد درب الحجر وصلى عليه بعد العصر بالجامع الاموي ودفن بقصر ابن الحلاج عند الطيوريين بزاوية لبعض الفقراء الخزنة هناك وقد كان له يد في أصول الفقه وصنف في الكلام كتابا مشتملا على أشياء مقبولة وغير مقبولة انتهى
*3* دخول نائب السلطنة منكلي بغا
@ في يوم الخميس السابع والعشرين من ذي القعدة دخل نائب السلطنة منكلي بغا من حلب إلى دمشق نائبا عليها في تجمل هائل ولكنه مستمرض في بدنه بسبب ما كان ناله من التعب في مصابرة الاعراب فنزل دار السعادة على العادة وفي يوم الاثنين مستهل ذي الحجة خلع على قاضي القضاة تاج الدين السبكي الشافعي للخطابة بجامع دمشق واستمر على ما كان عليه يخطب بنفسه كل جمعة وفي يوم الثلاثاء ثانية قدم القاضي فتح الدين بن الشهيد ولبس الخلعة وراح الناس لتهنئته
وفي يوم الخميس حضر القاضي فتح الدين بن الشهيد كاتب السر مشيخة السميساطية وحضر عنده القضاة والاعيان بعد الظهر وخلع عليه لذلك أيضا وحضر فيها من الغد على العادة وخلع في هذا اليوم على وكيل بيت المال الشيخ جمال الدين بن الرهاوي وعلى الشيخ شهاب الدين الزهري بفتيا دار العدل أنتهى
*2* ثم دخلت سنة خمس وستين وسبعمائة
@ استهلت هذه السنة وسلطان الديار المصرية والشامية والحرمين وما يتبع ذلك الملك الاشرف ناصر الدين شعبان بن سيدي حسين بن السلطان الملك الناصر محمد بن المنصور قلاوون الصالحي وهو في عمر عشر سنين ومدبر الممالك بين يديه الامير الكبير نظام الملك سيف الدين يلبغا الخاصكي وقضاة مصرهم المذكورون في السنة التي قبلها ووزيرها فخر الدين بن قزوينه ونئاب دمشق الأمير سيف الدين منكلي بغا الشمس وهو مشكور السيرة وقضاتها هم المذكورون في السنة التي قبلها وناظر الدواوين بها الصاحب سعد الدين ماجد وناظر الجيس علم الدين داود وكاتب السر القاضي فتح الدين بن الشهيد ووكيل بيت المال القاضي جمال الدين بن الرهاوي
استهلت هذه السنة وداء الفناء موجود في الناس إلا أنه خف وقل ولله الحمد وفي يوم السبت توجه قاضي القضاة وكان بهاء الدين أبو البقاء السبكي إلى الديار المصرية مطلوبا من جهة الامير يلبغا وفي الكتاب إجابته له إلى مسائل وتوجه بعده قاضي القضاة تاج الدين الحاكم بدمشق وخطيبها يوم الاثنين الرابع عشر من المحرم على خيل البريد وتوجه بعدهما الشيخ شرف الدين ابن قاضي الجبل الحنبلي مطلوبا إلى الديار المصرية وكذلك توجه الشيخ زين الدين المنفلوطي مطلوبا
وتوفي في العشر الاوسط من المحرم صاحبنا الشيخ شمس الدين العطار الشافعي كان لديه فضيلة واشتغال وله فهم وعلق بخطه فوائد جيدة وكان إماما بالسجن من مشهد على بن الحسين بجامع دمشق ومصدرا بالجامع وفقيها بالمدارس وله مدرسة الحديث الوادعية وجاوز الخمسين بسنوات ولم يتزوج قط وقدم الركب الشامي إلى دمشق في اليوم الرابع والعشرين من المحرم وهم شاكرون مثنون في كل خير بهذه السنة أمنا ورخصا ولله الحمد
وفي يوم الاحد حادي عشر صفر درس بالمدرسة الفتحية صاحبنا الشيخ عماد الدين إسماعيل بن خليفة الشافعي وحضر عنده جماعة من الاعيان والفضلاء وأخذ في قوله تعالى إن عدة الشهور عند الله اثني عشر شهرا وفي يوم الخميس خامس عشره نودي في البلد على أهل الذمة بالزامهم بالصغار وتصغير العمائم وأن لا يستخدموا في شيء من الاعمال وأن لا يركبوا الخيل ولا البغال ويركبون الحمير بالأكف بالعرض وان يكون في رقابهم ورقاب نسائهم في الحمامات أجراس وأن يكون أحد النعلين أسود مخالفا للون الاخرى ففرح بذلك المسلمون ودعوا للآمر بذلك
وفي يوم الاحد ثالث ربيع الاول قدم قاضي القضاة تاج الدين من الديار المصرية مستمرا على القضاة والخطابة فتلقاه الناس وهنأوه بالعود والسلام وفي يوم الخميس سابعه لبس القاضي الصاحب البهنسي الخلعة لنظر الدواوين بدمشق وهنأه الناس وباشر بصرامة واستعمل في غالب الجهات من بناء السبيل
وفي يوم الاثنين جمادى عشره ركب قاضي القضاة بدر الدين بن أبي الفتح على خيل البريد إلى الديار المصرية لتوليه قضاء قضاة الشافعية بدمشق عن رضا من خالة قاضي القضاة تاج الدين ونزوله عن ذلك
وفي يوم الخميس خامس ربيع الاول احترقت الباسورة التي ظاهر باب الفرج على الجسر ونال حجارة الباب شيء من حريقها فاتسعت وقد حضر طفيها نائب السلطنة والحاجب الكبير ونائب القلعة والولاة وغيرهم وفي صبيحة هذا اليوم زاد النهر زيادة عظيمة سبب كثرة الأمطار وذلك في أوائل كانون الثاني وركب الماء سوق الخيل بكماله ووصل إلى ظاهر باب الفراديس وتلك النواحي وكسر جسر الخشب الذي عند جامع يلبغا وجاء فصدم به جسر الزلابية فكسره أيضا
وفي يوم الخميس ثاني عشره صرف حاجب الحجاب قماري عن المباشرة بدار السعادة وأخذت القضاة من يدة وانصرف إلى داره في أقل من الناس واستبشر بذلك كثير من الناس لكثرة ما كان يفتات على الأحكام الشرعية
وفي أواخره اشتهر موت القاضي تاج الدين المناوي بديار مصر وولاية قاضي القضاة بهاء الدين ابن أبي البقاء السبكي مكانه بقضاء العساكر بها ووكالة السلطان أيضا ورتب له مع ذلك كفايته وتولى في هذه الأيام الشيخ سراج الدين البلقيني إفتاء دار العدل مع الشيخ بهاء الدين أحمد بن قاضي القضاة السبكي بالشام وقد ولى هو أيضا القضاء بالشام كما تقدم ثم عاد إلى مصر موقرا مكرما وعاد أخوه تاج الدين إلى الشام وكذلك ولو مع البلقيني إفتاء دار العدل الحنفي شيخا يقال له الشيخ شمس الدين بن الصائغ وهو مفتي حنفي أيضا وفي يوم الاثنين سابع ربيع الأول توفي الشيخ نور الدين محمد بن الشيخ أبي بكر قوام بزوايتهم بسفح جبل قاسيون وغدا الناس إلى جنازته وقد كان من العلماء الفضلاء الفقهاء بمذهب الشافعي درس بالناصرية البرانية مدة سنين بعد أبيه وبالرباط الدويداري داخل باب الفرج وكان يحضر المدارس ونزل عندنا بالمدرسة النجيبية وكان يحب السنة ويفهمها جيدا رحمه الله
وفي مستهل جمادي الاولى ولى قاضي القضاة تاج الدين الشافعي مشيخة دار الحديث بالمدرسة التي فتحت بدرب القلبي وكانت دارا لوافقها جمال الدين عبد الله بن محمد بن عيسى التدمري الذي كان استاذا للأمير طاز وجعل فيها درس للحنابلة وجعل المدرس لهم الشيخ برهان الدين إبراهيم ابن قيم الجوزية وحضر الدرس وحضر عنده بعض الحنابلة بالدرس ثم جرت أمور يطول بسطها واستحضر نائب السلطنة شهود الحنابلة بالدرس واستفرد كلا منهم وسأله كيف شهد في أصل الكتاب المحضر الذي أثبتوا عليهم فاضطروا في الشهادات فضبط ذلك عليهم وفيه مخالفة كبيرة لما شهدوا به في أصل المحضر وشنع عليهم كثير من الناس ثم ظهرت ديون كثيرة لبيت طار على جمال الدين التدمري الواقف وطلب من القاضي المالكي أن يحكم بابطال ما حكم به الحنبلي فتوقف في ذلك وفي يوم الاثنين الحادي والعشرين منه قرئ كتاب السلطان بصرف الوكلاء من أبواب القضاة الأربعة فصرفوا
وفي شهر جمادي الاخرة توفي الشيخ شمس الدين شيخ الحنابلة بالصالحية يوعرف بالبيري يوم الخميس ثامنه صلى عليه بالجامع المظفري بعدا لعصر ودفن بالسفح وقد قارب الثمانين وفي الرابع عشر منه عقد بدار السعادة مجلس حافل اجتمع فيه القضاة الأربعة وجماعة من المفتيين وطلبت فحضرت معهم بسبب المدرسة التدمرية وقرابة الواقف ودعواهم أنه وقف عليهم الثلث فوقف الحنبلي في أمرهم ودافعهم عن ذلك أشد الدفاع
وفي العشر الاول من رجب وجد جراد كثير منتشر ثم تزايد وتراكم وتضاعف وتفاقم الامر بسببه وسد الارض كثرة وعاث يمينا وشمالا وأفسد شيئا كثيرا من الكروم والمقاني والزروعات النفيسة وأتلف للناس شيئا كثيرا فإنا لله وإنا اليه راجعون
وفي يوم الاثنين ثالث شعبان توجه القضاة ووكيل بيت المال إلى باب كيسان فوقفوا عليه وعلى هيئته ومن نية نائب السلطنة فتحه ليتفرج الناس به وعدم للناس غلات كثيرة وأشياء من أنواع الزروع بسبب كثرة الجراد فإنا لله وإنا اليه راجعون
*3* فتح باب كيسان بعد غلقه نحوا من مائتي سنة
@ وفي يوم الاربعاء السادس والعشرين من شعبان اجتمع نائب السلطنة والقضاة عند باب كيسان وشرع الصناع في فتحه عن مرسوم السلطان الوارد من الديار المصرية وأمر نائب السلطنة وإذن القضاة في ذلك واستهل رمضان وهم في العمل فيه وفي العشر الأخير من شعبان توفي الشريف شمس الدين محمد بن علي بن الحسن بن حمزة الحسيني المحدث المحصل المؤلف لاشياء مهمة وفي الحديث قرأ وسمع وجمع وكتب أسماء رجال بمسند الامام احمد واختصر كتابا في أسماء الرجال مفيدا وولى مشيخة الحديث التي وقفها في داره بهاء الدين القاسم بن عساكر داخل باب توما وختمت البخاريات في آخر شهر رمضان
ووقع بين الشيخ عماد الدين بن السراج قارئ البخاري عند محراب الصحابة وبين الشيخ بدر الدين بن الشيخ جمال الدين الشريشني وتها ترا على رؤس الاشهاد بسبب لفظه يبتز بمعنى يدخر وفي نسخة يتير فحكى ابن السراج عن الحافظ المزي أن الصواب يبتز من قول العرب عزيز وصدق في ذلك فكأن منازعه خطأ ابن المزي فانتصر الآخر للحافظ المزي فقاد منه بالقول ثم قام والده الشيخ جمال الدين المشار اليه فكشف رأسه على طريقة الصوفية فكأن ابن السراج لم يلتفت اليه وتدافعوا إلى القاضي الشافعي فانتصر للحافظ المزي وجرت أمور ثم اصلطحوا غير مرة وعزم اولئك على كتب محضر على ابن السراج ثم انطفأت تلك الشرور
وكثر الموت في أثناء شهر رمضان وقاربت العدة المائة وربما جاوزت المائة وربما كانت اقل منها وهو الغالب ومات جماعة من الأصحاب والمعارف فإنا لله وإنا اليه راجعون وكثر الجراد في البساتين وعظم الخطب بسبب وأتلف شيئا كثيرا من الغلات والثمار والخضراوات وغلت الاسعار وقلت الثمار وارتفعت قيم الاشياء فبيع الدبس بما فوق المائتين القنطار والرز بأزيد من ذلك وتكامل فتح باب كيسان وسموه الباب القبلي ووضع الجسر منه إلى الطريق السالكة وعرضه أزيد من عشرة أذرع بالنجاري لأجل عمل الباسورة جنبتيه ودخلت المارة عليه من المشاة والركبان وجاء في غاية الحسن وسلك الناس في حارات اليهود وانكشف دخلهم وأمن الناس من دخنهم وغشهم ومكرهم وخبثهم وانفرج الناس بهذا الباب المبارك
واستهل شوال والجراد قد أتلف شيئا كثيرا من البلاد ورعى الخضروات والاشجار وأوسع أهل الشام في الفساد وغلت الأسعار واستمر الفناء وكثر الضجيج والبكاء وفقدنا كثيرا من الأصحاب والأصدقاء فلان مات وقد تناقص الفناء في هذه المدة وقل الوقع وتناقص للخمسين وفي شهر ذي القعدة تقاصر الفناء ولله الحمد ونزل العدد إلى العشرين فما حولها وفي رابعه دخل بالفيل والزرافة إلى مدينة دمشق من القاهرة فأنزل في الميدان الأخضر قريبا من القصر الأبلق وذهب الناس للنظر اليهما على العادة
وفي يوم الجمعة تاسعه صلى على الشيخ جمال الدين عبد الصمد بن خليل البغدادي المعروف بابن الخضري محدث بغداد وواعظها كان من أهل السنة والجماعة رحمه الله انتهى
*3* تجديد خطبة ثانية داخل سور دمشق منذ فتوح الشام
@ اتفق ذلك في يوم الجمعة الثالث ثم تبين أنه الرابع والعشرين من ذي القعدة من هذه السنة بالجامع الذي جدد بناءه نائب الشام سيف الدين متكلي بغا بدرب البلاغة قبلي مسجد درب الحجر داخل باب كيسان المجدد فتحه في هذا الحين كما تقدم وهو معروف عند العامة بمسجد الشاذوري وإنما هو في تاريخ ابن عساكر مسجد الشهرزوري وكان المسجد رث الهيئة قد تقادم عهده مدة دهر وهجر فلا يدخله أحد من الناس إلا قليل فوسعه من قبليه وسقفه جديدا وجعل له صرحة شمالية مبلطة ورواقات على هيئة الجوامع والداخل بأبوابه على العادة وداخل ذلك رواق كبير له جناحان شرقي وغربي بأعمدة وقناطر وقد كان قديما كنيسة فأخذت منهم قبل الخمسمائة وعملت مسجدا فلم يزل كذلك إلى هذا الحين فلما كمل كما ذكرنا وسيق اليه الماء من القنوات ووضع فيه منبر مستعمل كذلك فيومئذ ركب نائب السلطنة ودخل البلد من باب كيسان وانعطف على حارة اليهود حتى انتهى إلى الجامع المذكور وقد استكف الناس عنده من قضاة واعيان وخاصة وعامة وقد عين لخطابته الشيخ صدر الدين بن منصور الحنفي مدرس الناجية وإمام الحنفية بالجامع الأموي فلما أذن الأذان الاول تعذر عليه الخروج من بيت الخطابة قيل لمرض عرض له وقيل لغير ذلك من حصر أو نحوه فخطب الناس يومئذ قاضي القضاة جمال الدين الحنفي الكفري خدمة لنائب السلطنة
واستهل شهر ذي الحجة وقد رفع الله الوباء عن دمشق وله الحمد والمنة وأهل البلد يموتون على العادة ولا يمرض احد بتلك العلة ولكن المرض المعتاد انتهى
*2* ثم دخلت سنة ست وستين وسبعمائة
@ استهلت هذه السنة والسلطان الملك الاشرف ناصر الدين شعبان والدولة بمصر والشام هم هم ودخل المحمل السلطاني صبيحة يوم الاثنين الرابع والعشرين منه وذكروا انهم نالهم في الرجعة شدة شديدة من الغلاء وموت الجمال وهرب الجمالين وقدم مع الركب ممن خرج من الديار المصرية قاضي القضاة بدر الدين بن أبي الفتح وقد سبقه التقليد بقضاء القضاة مع خالد تاج الدين يحكم فيما يحكم فيه مستقلا معه ومنفردا بعده
وفي شهر الله المحرم رسم نائب السلطنة بتخريب قريتين من وادي التيم وهم مشعرا وتلبناثا وسبب ذلك أنهما عاصيان وأهلهما مفسدان في الارض والبلدان والأرض حصينان لا يصل إليهما إلا بكلفة كثيرة لا يرتقي إليهما إلا فارس فارس فخربتا وعمر بدلهما في أسفل الوادي بحث يصل اليهما حكم الحاكم والطلب بسهولة فأخبرني الملك صلاح الدين ابن الكالم أن بلدة تلبتاثا عمل فيها ألف فارس ونقل نقضها إلى أسفل الوادي خمسمائة حمار عدة أيام
وفي يوم الجمعة سادس صفر بعد الصلاة صلى على قاضي القضاة جمال الدين يوسف بن قاضي القضاة شرف الدين احمد بن اقضى القضاة بن الحسين المزي الحنفي وكانت وفاته ليلة الجمعة المذكورة بعد مرض قريب من شهر وقد جاوز الاربعين بثلاث من السنين ولي قضاء قضاة الحنفية وخطب بجامع يلبغا وأحضر مشيخة النفيسية ودرس بأماكن من مدارس الحنفية وهو أول من خطب بالجامع المستجد داخل باب كيسان بحضرة نائب السلطنة
وفي صفر كانت وفاة الشيخ جمال الدين عمر بن القضاي عبدا لحي بن إدريس الحنبلي محتسب بغداد وقاضي الحنابلة بها فتعصبت عليه الروافض حتى ضرب بين يدي الوزارة ضربا مبرحا كانت سبب موته سريعا رحمه الله وكان من القائمين بالحق الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر من أكبر المنكرين على الروافض وغيرهم من أهل البدع رحمه الله وبل بالرحمة ثراه
وفي يوم الاربعاء تاسع صفر حضر مشيخة النفيسية الشيخ شمس الديب بن سند وحضر عنده قاضي القضاة تاج الدين وجماعة من الأعيان وأورد حديث عبادة بن الصامت لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب أسنده عن قاضي القضاة المشار إليه
وجاء البريد من الديار المصرية بطلب قاضي القضاة تاج الدين إلى هناك فسير أهله قبله على الجمال وخرجوا يوم الجمعة حادي عشر ربيع الاول جماعة من أهل بيتهم لزيارة أهاليهم هناك فاقام هو بعدهم إلى أن قدم نائب السلطنة من الرحبة وركب على البريد وفي يوم الاثنين خامس عشر جمادي الاخرة رجع قاضي القضاة تاج الدين السبكي من الديار المصرية على البريد وتلقاه الناس إلى أثناء الطريق واحتفلوا للسلام عليه وتهنئته بالسلامة انتهى والله اعلم
*3* قتل الرافضي الخبيث
@ وفي يوم الخميس سابع عشره أول النهار وجد رجل بالجامع الاموي اسمه محمود بن إبراهيم الشيرازي وهو يسب الشيخين ويصرح بلعنتهما فرفع إلى القاضي المالكي قاضي القضاة جمال الدين المسلاتي فاستتابه عن ذلك وأحضر الضراب فأول ضربة قال لا إله إلا الله على ولي الله ولما ضرب الثانية لعن أبا بكر وعمر فالتهمه العامة فأوسعوه ضربا مبرحا بحيث كاد يهلك فجعل القاضي يستكفهم عنه فلم يستطع ذلك فجعل الرافضي يسب ويعلن الصحابة وقال كانوا على الضلال فعند ذلك حمل إلى نائب السلطنة وشهد عليه قوله بأنهم كانوا على الضلالة فعند ذلك حكم عليه القاضي باراقاة دمه فأخذ إلى ظهر البلد فضربت عنقه وأحرقته العامة قبحه الله وكان ممن يقرأ بمدرسة أبي عمر ثم ظهر عليه الرفض فسجنه الحنبلي أربعين يوما فلم ينفع ذلك وما زال يصرح في كل موطن يأمر فيه بالسب حتى كان يومه هذا أظهر مذهبه في الجامع وكان سبب قتله قبحه الله كما قبح من كان قبله وقتل بقتله في سنة خمس وخسمين
*3* استنابه ولي الدين ابن أبي البقاء السبكي
@ وفي آخر هذا اليوم أعني يوم الخميس ثامن عشره حكم أقضي القضاة ولي الدين بن قاضي القضاة بهاء الدين بن أبي البقاء بالمدرسة العادلية الكبيرة نيابة عن قاضي القضاة تاج الدين مع استنابة أقضى القضاة شمس الدين العزي وأقضى القضاة بدر الدين بن وهيبة وأما قاضى القضاة بدر الدين بن أبي الفتح فهو نائب أيضا ولكنه بتوقيع شريف أنه يحكم مستقلا مع قاضي القضاة تاج الدين
وفي يوم الاثنين الثاني والعشرين منه استحضر نائب السلطنة الامير ناصر الدين بن العاوي متولي البلد ونقم عليه أشياء وأمر بضربه فضرب بين يديه على أكتافه ضربا ليس بمبرح ثم عزله واستدعى بالأمير علم الدين سليمان أحد الأمراء العشراوات ابن الأمير صفي الدين بن أبي القاسم البصراوي أحد أمراء الطبلخانات كان قد ولي شد الدواوين ونظر القدس والخليل وغير ذلك من الولايات الكبار وهو ابن الشيخ فخر الدين عثمان بن الشيخ صفي الدين ابي القاء التميمي الحنفي وبأيديهم تدريس الامينية التي ببصرى والحكيمية ازيد من مائة سنة فولاه ابلد على تكره منه فألزمه بها وخلع عليه وقد كان وليها قبل ذلك فأحسن السيرة وشكر سعيه لديانته وأمانته وعفته وفرح الناس ولله الحمد
*3* ولاية قاضي القضاة بهاء الدين السبكي قضاء مصر بعد عزل عز الدين بن جماعة نفسه
@ ورد الخبر مع البريد من الديار المصرية بأن قاضي القضاة عز الدين عبدالعزيز ابن قاضي القضاة بدر الدين بن جماعة عزل نفسه عن القضاء يوم الاثنين السادس عشر من هذا الشهر وصمم على ذلك فبعث الامير الكبير يلبغا اليه الأمراء يسترضونه فلم يقبل فركب اليه بنفسه ومع القضاة والاعيان فتلطفوا به فلم يقبل وصمم على الانعزال فقال له الامير الكبير فعين لنا من يصلح بعدك قال ولا أقول لكم شيئا غير انه لا يتولى رجل واحد ثم ولوا من شئتم فأخبرني قاضي القضاة تاج الدين السبكي أنه قال لا تولوا ابن عقيل فعين الامير الكبير قاضي القضاة بهاء الدين ابا البقاء فقيل إنه أظهر الامتناع ثم قبل ولبس الخلعة وباشر يوم الاثنين الثالث والعشرين من جمادي الاخرة قاضي القضاة الشيخ بهاء الدين بن قاضي القضاة تقي الدين السبكي قضاء العساكر الذي كان بيد أبي البقاء
وفي يوم الاثنين سابع رجب توفي الشيخ علي المراوحي خادم الشيخ أسد المرواحي البغدادي وكان فيه مروءة كثيرة ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويدخل على النواب ويرسل إلى الولاة فتقبل رسالته وله قبول عند الناس وفيه بر وصدقة وإحسان إلى المحاويج وبيده مال جيد يتجرله فيه تعلل مدة طويله ثم كانت وفاته في هذا اليوم فصلى عليه الظهر بالجامع ثم حمل إلى سفح قاسيون رحمه الله
وفي صبيحة يوم الثلاثاء السابع والعشرين من شعبان قدم الامير سيف الدين بيدمر الذي كان نائب الشام فنزل بداره عند مأذنة فيروز وذهب الناس للسلام عليه بعد ما سلم على نائب السلطنة بدار السعادة وقد رسم له بطبلخانتين وتقدمة ألف وولاية الولاة من غزة إلى أقصى بلاد الشام وأكرمه ملك الامراء إكراما زائدا وفرحت العامة بذلك فرحا شديدا بعوده إلى الولاية وختمت البخاريات بالجامع الاموي وغيره في عدة أماكن من ذلك ستة مواعيد تقرأ على الشيخ عماد الدين ابن كثير في اليوم أولها بمسجد ابن هشام بكرة قبل طلوع الشمس ثم تحت النسر ثم بالمدرسة النورية وبعد الظهر بجامع تنكز ثم بالمدرسة العزية ثم بالكوشك لأم الزوجة الست أسماء بنت الوزير ابن السلعوس إلى اذان العصر ثم من بعد العصر بدار ملك الأمراء أمير علي بمحلة القضاعين إلى قريب الغروب ويقرأ صحيح مسلم بحراب الحنابلة داخل باب الزيارة بعد قبة النسر وقبل النورية والله المسئول وهو المعين الميسر المسهل وقد قرئ في هذه الهيئة في عدة أماكن اخر من دور الامراء وغيرهم ولم يعهد مثل هذا في السنين الماضية فلله الحمد والمنة

وفي يوم الثلاثاء عاشر شوال توفي الشيخ نور الدين على من أبي الهيجاء الكركي الشوبكي ثم الدمشقي الشافعي كان معنا في المقري والكتاب وختمت أنا وهو في سنة إحدى عشرة ونشأ في صيانة وعفاف وقرأ على الشيخ بدر الدين بن شيحان للسبع ولم يكمل عليه ختمة واشتغل في المنهاج للنواوي فقرأ كثيرا منه أو أكثر وكان ينقل منه ويستحضر وكان خفيف الروح تحبه الناس لذلك ويرغبون في عشرته لذلك رحمه الله كان يستحضر المتشابه في القرآن استحضارا حسنا متقنا كثيرا التلاوة له حسن الصلاة يقوم الليل وقرأ على صحيح البخاري بمشهد ابن هشام عدة سنين ومهر فيه وكان صوته جهوريا فصيح العبارة ثم ولى مشيخة الحلبية بالجامع وقرأ في عدة كراسي بالحائط الشمالي وكان مقبولا عند الخاصة والعامة وكان يداوم على قيام الشعر الاخير في محراب الصحابة مع عدة قراء يبتون فيه ويبيتون الليل ولما كان في هذه السنة أحيا ليلة العيد وحده بالمحراب المذكور ثم مرض خمسة أيام ثم مات بعد الظهر يوم الثلاثاء عاشر شوال بدرب العميد وصلى عليه العصر بالجامع الاموي ودفن بمقابر الباب الصغير عنده والده في تربة لهم وكانت جنازته حافلة وتأسف الناس عليه رحمه الله وبل بالرحمة ثراه وقد قارب خمسا وستين سنة وترك بنتا سباعية اسمها عائشة وقد أقرأها شيئا من القرآن إلى تبارك وحفظها الابعين النواوية جبرها ربها ورحم أباها آمين
وخرج المحمل الشامي والحجيج يوم الخميس ثاني عشرة وأمرهم الأمير علاء الدين علي بن علم الدين الهلالي أحد أمراء الطبلخانات
وتوفي الشيخ عبد الله الملطي يوم السبت رابع عشرة وكان مشهورا بالمجاورة بالكلاسة في الجامع الاموي له اشياء كثيرة من الطراريح والالات الفقرية ويلبس على طريقة الحريرية وشكله مزعج ومن الناس من كان يعتقد فيه الصلاح وكنت ممن يكرهه طبعا وشرعا أيضا
وفي يوم الخميس الخامس والعشرين من ذي القعدة قدم البريد من ناحية المشرق ومعهم قماقم ماء من عين هناك من خاصيته انه يتبعه طير يسمى السمرمر أصفر الريش قريب من شكل الخطاف من شأنه إذا قدم الجراد إلى البلد الذي هو فيه أنه يفنيه ويأكله أكلا سريعا فلا يلبث الجراد إلا قليلا حتى يرحل أو يؤكل على ما ذكر ولم أشاهد ذلك
وفي المنتصف من ذي الحجة كمل بناء القيسارية التي كانت معملا بالقرب من دار الحجارة قبلي سوق الدهشة الذي للرجال وفتحت وأكريت دهشة لقماش النساء وذلك كله بمرسوم ملك الأمراء ناظر الجامع المعمور رحمه الله وأخبرني الصدر عز الدين الصيرفي المشارف بالجامع أنه غرم عليها من مال الجامع قريب ثلاثين ألف درهم انتهى
*3* طرح مكس القطن المغزول البلدي والمجلوب
@ وفي أواخر هذا الشهر جاء المرسوم الشريف بطرح مكس القطن المغزول البلدي والجلب أيضا ونودي بذلك في البلد فكثرت الدعوات لمن أمر بذلك وفرح المسلمون بذلك فرحا شديدا ولله الحمد والمنة
*2* ثم دخلت سنة سبع وستين وسبعمائة
@ استهلت وسلطان البلاد المصرية والشامية والحرمين الشريفين وما يتبع ذلك من الاقاليم الملك الأشرف بن الحسين بن الملك الناصر محمد بن قلاوون وعمره عشر سنين فما فوقها وأتابك العساكر ومدبر ممالكه الامير سيف الدين يلبغا الخاصكي وقاضي قضاة الشافعية بمصر بهاء الدين أبو البقاء السبكي وبقية القضاة هم المذكورون في السنة الماضية ونائب دمشق الامير سيف الدين منكلي بغا وقضاة دمشق هم المذكورون في التي قبلها سوى الحنفي فإنه الشيخ جمال الدين بن السراج شيخ الحنفية والخطابة بيد قاضي القضاة تاج الدين الشافعي وكاتب السر وشيخ الشيوخ القاضي فتح الدين بن الشهيد ووكيل بيت المال الشيخ جمال الدين بن الرهاوي ودخل المحمل السلطاني يوم الجمعة بعد العصر قريب الغروب ولم يشعر بذل أكثر أهل البلد وذلك لغيبة النائب في السرحة مما يلي ناحية الفرات ليكون كالرد للتجريدة التي تعينت لتخريب الكبيسات اليت هي إقطاع خيار بن مهنا من زمن السلطان اويس ملك العراق انتهى
*3* استيلاء الفرنج لعنهم الله على الاسكندرية
@ وفي العشر الاخير من شهر الله المحرم احتيط على الفرنج بمدينة دمشق واودعوا في الحبوس في القلعة المنصورة واشتهر أن سبب ذلك أن مدينة الاسكندرية محاصرة بعدة شواين وذكر أن صاحب قبرص معهم وأن الجيش المصري صمدوا إلى حراسة مدينة الاسكندرية حرسها الله تعالى وصانها وحماها وسيأتي تفصيل أمرها في الشهر الاتي فإنه وضح لنا فيه ومكث القوم بعد الاسكندرية بأيام فيما بلغنا بعد ذلك حاصرها أمير من التتار يقال له مامية واستعان بطائفة من الفرنج ففتحوها قسرا وقتلوا من اهلها خلقا وغنموا شيئا كثيرا واستقرت عليها يدمامية ملكا عليها
وفي يوم الجمعة سلخ هذا الشهر توفي الشيخ برهان الدين إبراهيم بن الشيخ شمس الدين بن قيم الجوزية ببستانه بالمزة ونقل إلى عند والده بمقابر باب الصغير فصلى عليه بعد صلاة العصر بجامع جراح وحضر جنازته القضاة والاعيان وخلق من التجار والعامة وكانت جنازته حافلة وقد بلغ من العمر ثمانيا وأربعين سنة وكان بارعا فاضلا في النحو والفقه وفنون أخر على طريقة والده رحمهما الله تعالى وكان مدرسا بالصدرية والتدمرية وله تصدير بالجامع وخطابة بجامع ابن صلحان وترك مالا جزيلا يقارب المائة ألف درهم انتهى
ثم دخل شهر صفر وأوله الجمعة أخبرني بعض علماء السير أنه اجتمع في هذا اليوم يوم الجمعة مستهل هذا الشهر الكواكب السبعة سوى المريخ في برجا العقرب ولم يتفق مثل هذا من سنين متطاولة فأما المريخ فإنه كان قد سبق إلى برج القوس فيه ووردت الاخبار بما وقع من الأمر الفظيع بمدينة الاسكندرية من الفرنج لعنهم الله وذلك أنهم وصلو اليها في يوم الاربعاء الثاني والعشرين من شهر الله المحرم فلم يجدوا بها نائبا ولا جيشا ولا حافظا للبحر ولا ناصرا فدخلوها يوم الجمعة بكرة النهار بعد ما حرقوا أبوابا كبيرة منها وعاثوا في أهلها فسادا يقتلون الرجال ويأخذون الأموال ويأسرون النساء والاطفال فالحكم لله العلي الكبير المتعال واقاموا بها يوم الجمعة والسبت والاحد والاثنين والثلاثاء فلما كان صبيحة يوم الاربعاء قدم الشاليش المصري فأقلعت الفرنج لعنهم الله عنها وقد أسروا خلقا كثيرا يقاومون الاربعة آلاف واخذوا من الاموال ذهبا وحريرا وبهارا وغير ذلك مالا يحد ولا يوصف وقدم السلطان والأمير الكبير يلبغا ظهر يومئذ وقد تفارط الحال وتحولت الغنائم كلها إلى الشوائن بالبحر فسمع للأسارى من للعويل والبكاء والشكوى والجأر إلى الله والاستغاثة به وبالمسلمين ما قطع الاكباد وذرفت له العيون واصم الاسماع فإنا لله وإنا اليه راجعون ولما بغلت الاخبار إلى أهل دمشق شق عليهم ذلك جدا وذكر ذلك الخطيب يوم الجمعة على المنبر فتباكى الناس كثيرا فإنا لله وإنا اليه راجعون وجاء المرسوم الشريف من الديار المصرية إلى
نائب السلطنة بمسك النصارى من الشام جملة واحدة وأن يأخذ منهم ربع أموالهم لعمارة ما خرب من الاسكندرية ولعمارة مراكب تغزو الفرنج فأهانوا النصارى وطلبوا من بيوتهم بعنف وخافوا أن يقتلوا ولم يفهموا ما يراد بهم فهربوا كل مهرب ولم تكن هذه الحركة شرعية ولا يجوز اعتمادها شعا وقد طلبت يوم السبت السادس عشر من صفر إلى الميدان الاخضر للاجتماع بنائب السلطنة وكان اجتمعنا بعد العصر يومئذ بعد الفراغ من لعب الكرة فرأيت منه أنسا كثيرا ورأيته كامل الرأي والفهم حسن العبارة كريم المجالسة فذكرت له أن هذا لا يجوز اعتماده في النصارى فقال إن بعض فقهاء مصر أفتى للأمير الكبير بذلك فقلت له هذا مما لايسوغ شرعا ولا يجوز لأحد أن بفتي بهذا ومتى كانوا باقين على الذمة يؤدون إلينا الجزية ملتزمين بالذلة والصغار وأحكام الملة قائمة لا يجوز أن يؤخذ منهم الدرهم الواحد الفرد فوق ما يبذلونه من الجزية ومثل هذا لايخفى على الامير فقال كيف أصنع وقد ورد المرسوم بذلك ولا يمكنني أن أخالفه وذكرت له اشياء كثيرة مما ينبغي اعتماده في حق أهل قبرص من الارهاب ووعيد العقاب وأنه يجوز ذلك وإن لم يفعل ما يتوعدهم به كما قال سليمان بن داود عليهما السلام ائتوني بالسكين أشقه نصفين كما هو الحديث مبسوط في الصحيحين فجعل يعجبه هذا جدا وذكر أن هذا كان في قلبه وأني كاشفته بهذا وأنه كتب به مطالعة إلى الديار المصرية وسيأتي جوابها بعد عشرة أيام فتجيء حتى تقف على الجواب وظهر منه إحسان وقبول وإكرام زائد رحمه الله ثم اجتمعت به في دار السعادة في أوائل شهر ربيع الاول فبشرني أنه قد رسم بعمل الشواني والمراكب لغزو الفرنج ولله الحمد والمنة ثم في صبيحة يوم الاحد طلب النصارى الذين اجتمعوا في كنيستهم إلى بين يديه وهم قريب من أربعمائة فحلفهم كم أموالهم وألزمهم بأداء الربع من أموالهم فإنا لله وانا اليه راجعون وقد امروا إلى الولاة باحضار من في معالمتهم ووالي البر قد خرج إلى القرايا بسبب لك وجردت امراء إلى النواحي لاستخلاص الاموال من النصارى في القدس وغير ذلك
وفي أول شهر ربيع الاول كان سفر قاضي القضاة تقي الدين السبكي الشافعي إلى القاهرة وفي يوم الاربعاء خامس ربيع الاول اجتمعت بنائب السلطنة بدار السعادة وسألته عن جواب المطالعة فذكر لي أنه جاء المرسوم الشريف السلطاني بعمل الشواني والمراكب لغزو قبرص وقتال الفرنج ولله الحمد والمنة وأمر نائب السلطنة بتجهيز القطاعين والنشارين من دمشق إلى الغابة التي بالقرب من بيروت وأن يشرع في عمل الشواني في آخر يوم من هذا الشهر وهو يوم الجمعة وفتحت دار القرآن التي وقفها الشريف التعاداني إلى جانب حمام الكاس شمالي المدرسة البادرائية وعمل فيها وظيفة حديث وحضر واقفها يومية قاضي القضاة تاج الدين السبكي انتهى والله أعلم
*3* عقد مجلس بسبب قاضي القضاة تاج الدين السبكي
@ ولما كان يوم الاثنين الرابع والعشرين من ربيع الاول عقد مجلس حافل بدار السعادة بسبب ما رمى به قاضي القضاة تاج الدين الشافعي ابن قاضي القضاة تقي الدين السبكي وكنت ممن طلب اليه فحضرته فيمن حضر وقد اجتمع فيه القضاة الثلاثة وخلق من المذاهب الاربعة وآخرون من غيرهم بحضرة نائب الشام سيف الدين منكلي بغا وكان قد سافر هو إلى الديار المصرية إلى الابواب الشريفة واستنجز كتابا إلى نائب السلطنة لجمع هذا المجلس ليسأل عنه الناس وكان قد كتب فيه محضران متعاكسان احدهما له والاخر عليه وفي الذي عليه خط القاضيين المالكي والحنبلي وجماعة آخرين وفيه عظائم واشياء منكرة جدا ينبو السمع عن استماعه وفي الاخر خطوط جماعات من المذاهب بالثناء عيه وفيه خطى باني ما رأيت فيه إلا خيرا ولما اجتمعوا أمر نائب السلطنة بأن يمتاز هؤلاء عن هؤلاء في المجالس فصارت كل طائفة وحدها وتحاذوا فيما بينهم وتأصل عنه نائبه القاضي شمس الدين الغزي والنائب الآخر بدر الدين بن وهبة وغيرهما وصرح قاضي القضاة جمال الدين الحنبلي بأنه قد ثبت عنده ما كتب به خطه فيه وأجابه بعض الحاضرين منهم بدائم النفوذ فبادر القاضي الغزي فقال للحنبلي أنت قد ثبتت عداوتك لقاضي القضاة تاج الدين فكثر القول وارتفعت الأصوات وكثر الجدال والمقال وتكلم قاضي القضاة جمال الدين المالكي أيضا بنحو ما قال الحنبلي فأجيب بمثل ذلك أيضا وطال المجلس فانفصلوا عل مثل ذلك ولما بلغت الباب امر نائب السلطنة برجوعي إليه فإذا بقية الناس من الطرفين والقضاة الثلاثة جلوس فأشار نائب السلطنة بالصلح بينهم وبين قاضي القضاة تاج الدين يعني وأن يرجع القاضيان عما قالا فأشار الشيخ شرف الدين بن قاضي الجبل وأشرت أنا أيضا بذلك فلان المالكي وامتنع الحنبلي فقمنا والأمر باق على ما تقدم ثم اجتمعنا يوم الجمعة بعدا لعصر عند نائب السلطنة عن طلبه فتراضوا كيف يكون جواب الكتابات مع مطالعة نائب السلطنة ففعل ذلك وسار البريد بذلك إلى الديار المصرية ثم اجتمعنا أيضا يوم الجمعة بعد الصلاة التاسع عشر من ربيع الآخر بدار السعادة وحضر القضاة الثلاثة وجماعة آخرون واجتهد نائب السلطنة على الصلح بين القضاة وقاضي الشافعية وهو بمصر فحصل خلف وكلام طويل ثم كان الأمر أن سكنت أنفس جماعة منهم إلى ذلك على ما سنذكره في الشهر الاتي
وفي مستهل ربيع الآخر كانت وفاة المعلم داود الذي كان مباشرا لنظارة الجيش وأضيف اليه نظر الدواوين إلى آخر وقت فاجتمع له هاتان الوظيفتان ولم يجتمعا لأحد قبله كما في علمي وكان من أخبر الناس بنظر الجيش وأعلمهم بأسماء رجاله ومواضع الاقطاعات وقد كان والده نائبا لنظار الجيوش وكان يهوديا قرائيا فأسلم ولده هذا قبل وفاة نفسه بسنوات عشر او نحوها وقد كان ظاهره جيدا والله أعلم بسره وسريرته وقد تمرض قبل وفاته بشهر أو نحوه حتى كانت وفاته في هذا اليوم فصلى عليه بالجامع الأموي تجاه النسر بعد الصعر ثم حمل إلى تربة له أعدها في بستانه بحوش وله من العمر قريب الخمسين
وفي أوائل هذا الشهر ورد المسروم الشريف السلطاني بالرد على نساء النصارى ما كان أخذ منهن مع الجباية التي كان تقدم اخذها منهن وإن كان الجميع ظلما ولكن الأخذ من النساء أفحش وأبلغ في الظلم والله اعلم وفي يوم الاثنين الخامس عشر منه أمر نائب السلطنة أعزه الله بكبس بساتين أهل الذمة فوجد فيها من الخمر المعتصر من الخوابي والحباب فأريقت عن آخرها ولله الحمد والمنة بحيث جرت في الازقة والطرقات وفاض نهر توزا من ذلك وأمر بمصادرة أهل الذمة الذين وجد عندهم ذلك بمال جزيل وهم تحت الجباية وبعد ايام نودي في البلد بان نساء أهل الذمة لا تدخل الحمامت مع المسلمات بل تدخل حمامات تختص بهن ومن دخل من أهل الذمة الرجال مع الرجال المسلمين يكون في رقاب الكفار علامات يعرفون بها من أجراس وخواتيم ونحو ذلك وأمر نساء أهل الذمة بأن تلبس المرأة خفيها مخالفين في اللون بأن يكون احدهما أبيض والاخر أصفر أو نحو ذلك
ولما كان يوم الجمعة التاسع عشر من الشهر أعني ربيع الاخر طلب القضاة الثلاثة وجماعة من المفتيين فمن ناحية الشافعي نائباه وهما القاضي شمس الدين الغزي والقاضي بدر الدين بن وهبة والشيخ جمال الدين بن قاضي الزبداني والمصنف الشيخ عماد الدين بن كثير والشيخ بدر الدين حسن الزرعي والشيخ تقي الدين الفارقي ومن الجانب الآخر قاضيا القضاة جمال الدين المالكي والحنبلي والشيخ شرف الدين بن قاضي الجبل الحنبلي والشيخ جمال الدين ابن الشريشني والشيخ عز الدين بن حمزة بن شيخ السلامية الحنبلي وعماد الدين الحنائي فاجتمعت مع نائب السلطنة بالقاعة التي في صدر إيوان دار السعادة وجلس نائب السلطنة في صدر المكان وجلسنا حوله فكان أول ما قال كنا نحن الترك وغيرنا إذا اختلفنا واختصمنا نجيء بالعلماء فيصلحون بيننا فصرنا نحن إذا اختلفت العلماء واختصموا فيمن يصلح بينهم وشرع في تأنيب من شنع على الشافعي بما تقدم ذكره من تلك الاقوال والافاعيل التي كتبت في تلك الاوراق وغير وأن هذا يشفي الأعداء بنا واشار بالصلح بين القضاة بعضهم من بضع فصمم بعضهم وامتنع وجرت مناقشات من بعض الحاضرين فيما بينهم ثم حصل بحث في مسائل ثم قال نائب السلطنة أخيرا أما سمعتم قول الله تعالى عفا الله عما سلف فلانت القلوب عند ذلك وأمر كاتب السر أن يكتب مضمون ذلك في مطالعة إلى الديار المصرية ثم خرجنا على ذلك انتهى والله اعلم
*3* عودة قاضي القضاة السبكي إلى دمشق
@ في يوم الاربعاء التاسع والعشرين من جمادي الاولى قدم من ناحية الكسوة وقد تلقاه جماعةمن الاعيان إلى الصمين وما فوقها فلما وصل إلى الكسوة كثر الناس جدا وقاربها قاضي قضاة الحنفية الشيخ جمال الدين بن السراج فلما أشرف من عقبة شحورا تلقاه خلائق لا يحصون كثرة واشعلت الشموع حتى مع النساء والناس في سرور عظيم فلما كان قريبا من الجسورة تلقته الخلائق الخليفيين مع الجوامع والمؤذنون يكبرون والناس في سرور عظيم ولما قرب باب النصر وقع مطر عظيم والناس معه لا تسعهم الطرقات يدعون له ويفرحون بقدومه فدخل دار السعادة وسلم على نائب السلطنة ثم دخل الجامع بعد الصعر ومعه شموع كثيرة والرؤساء أكثر من العامة ولما كان يوم الجمعة ثاني شهر جمادي الاخرة ركب قاضي القضاة السبكي إلى دار السعادة وقد استدعى نائب السلطنة بالقاضيين المالكي والحنبلي فأصلح بينهم وخرج من عنده ثلاثتهم يتماشون إلى الجامع فدخلوا دار الخطابة فاجتمعوا هناك وضيفهما الشافعي ثم حضرا خطبته الحافلة البليغة الفصيحة ثم خرجوا ثلاثتهم من جوا إلى دار المالكي فاجتمعوا هنالك وضيفهم المالكي هنالك ما تيسر والله الموفق للصواب
وفي أوائل هذا الشهر وردت المراسيم الشريفة السلطانية من الديار المصرية بأن يجعل للأمير من إقطاعه النصف خاصا له وفي النصف الاخر يكون لأجناده فحصل بهذا رفق عظيم بالجند وعدل كثير ولله الحمد وأن يتجهز الاجناد ويحرصوا على السبق والرمي بالنشاب وأن يكونوا مستعدين متى استنفروا نفروا فاستعدوا لذلك وتأهبوا لقتال الفرنج كما قال الله تعالى وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم الاية وثبت في الحديث أن رسول الله
ص قال على المنبر ألا إن القوة الرمي وفي الحديث الاخر ارموا واركبوا وأن ترموا أحب إلي
وفي يوم الاثنين بعد الظهر عقد مجلس بدار السعادة للكشف على قاضي القضاة جمال الدين المرداوي الحنبلي بمقتضى مرسوم شريف ورد من الديار المصرية بذلك وذلك بسبب ما يعتمده كثير من شهود مجلسه من بيع اوقاف لم يستوف فيها شرائط المذهب وإثبات إعسارات أيضا كذلك وغير ذلك انتهى
*3* الوقعة بين الامراء بالديار المصرية
@ وفي العشر الأخير من جمادي الاخرة ورد الخبر بأن الأمير الكبير يلبغا الخاصكي خرج عليه جماعة من الامراء مع الامير سيف الدين طيبغا الطويل فبرز اليهم إلى قبة القصر فالقتوا معه هنالك فقتل جماعة وجرح آخرين وانفصل الحال على مسك طيبغا الطويل وهو جريح ومسك أرغون السعردي الدويدار وخلق من امراء الالوف والطبلخانات وجرت خبطة عظيمة استمر فيها الامير الكبير يلبغا على عزه وتأييده ونصره ولله الحمد والمنة وفي ثاني رجب يوم السبت توجه الأمير سيف الدين بيدمر الذي كان نائب دمشق إلى الديار المصرية بطلب الامير يلبغا ليؤكد أمره في دخول البحر لقتال الفرنج وفتح قبرص إن شاء الله انتهى والله تعالى أعلم
*3* مما يتعلق بأمر بغداد
@ اخبرني الشيخ عبد الرحمن البغدادي احد رؤساء بغداد وأصحاب التجارات والشيخ شهاب الدين العطار السمسار في الشرب بغدادي أيضا أن بغداد بعد أن استعادها اويس ملك العراق وخراسان من يد الطواشي مرجان واستحضره فأكرمه وأطلق له فاتفقا أن اصل الفتنة من الامير أحمد أخو الوزير فأحضره السلطان إلى بين يديه وضربه بسكين في كرشه فشقه وأمر بعض الامراء فقتله فانتصر أهل السنة لذلك نصرة عظيمة وأخذ خشبته أهل باب الازج فأحرقوه وسكنت الامور وتشفوا بمقتل الشيخ جمال الدين الانباري الذي قتله الوزير الرافضي فأهلكه الله بعده سريعا انتهى
*3* وفاة قاضي القضاة عز الدين عبد العزيز بن حاتم الشافعي
@ وفي العشر الاول من شهر شعبان قدم كتاب من الديار المصرية بوفاة قاضي القضاة بدر الدين محمد ابن جماعة بمكة شرفها الله في العاشر من جمادي الآخرة ودفن في الحادي عشر في باب المعلى وذكروا أنه توفي وهو يقرأ القرآن وأخبرني صاحب الشيخ محيي الدين الرحبي حفظه الله تعالى أنه كان يقول كثيرا اشتهى أن اموت وأنا معزول وأن تكون وفاتي بأحذ الحرمين فأعطاه الله ما تمناه عزل نفسه في السنة الماضية وهاجر إلى مكة ثم قدم المدينة لزيارة رسول الله
ص ثم عاد إلى مكة وكانت وفاته بها في الوقت المذكور فرحمه الله وبل بالرحمة ثراه وقد كان مولده في سنة أربع وتسعين فتوفي عن ثلاث وسبعين سنة وقد نال العز عزا في الدنيا ورفعة هائلة ومناصب وتداريس كبار ثم عزل نفسه وتفرغ للعبادة والمجاورة بالحرمين الشريفين فيقال له ما قلته في بعض المراثي
فكأنك قد اعلمت بالموت حتى تزودت له من خيار الزاد
وحضر عندي في يوم الثلاثاء تاسع شوال البترك بشارة الملقب بميخائيل وأخبرني أن المطارنة بالشام بايعوه على أن جعلوه بتركا بدمشق عوضا عن البترك بانطاكية فذكرت له أن هذا أمر مبتدع في دنيهم فإنه لا تكون البتاركة إلا أربعة بالاسكندرية وبالقدس وبانطاكية وبرومية فنقل بترك رومية إلى اسطنبول وهي القسطنطينية وقد انكر عليهم كثير منهم إذ ذاك فهذا الذي ابتدعوه في هذا الوقت أعظم من ذلك لكن اعتذر بأنه في الحقيقة هو عن إنطاكية وإنما اذن له في المقام بالشام الشريف لأجل أنه أمره نائب السلطنة ان يكتب عنه وعن أهل ملتهم إلى صاحب قبرص يذكر له ما حل بهم من الخزي والنكال والجناية بسبب عدوان صاحب قبرص على مدينة الاسكندرية وأحضر لي الكتب اليه وإلى ملك اسطنبول وقرأها على من لفظه لعنه الله ولعن المكتوب إليهم أيضا وقد تكلمت معه في دينهم ونصوص ما يعتقده كل من الطوائف الثلاثة وهم الملكية واليعقوبية ومنهم الافرنج القبط والنسطورية فإذا هو يفهم بعض الشيء ولكن حاصله أنه حمار من أكفر الكفار لعنه الله
وفي هذا الشهر بلغنا استعادة السلطان أويس ابن الشيخ حسن ملك العراق وخراسان لبغداد من يد الطواشي مرجان الذي كان نائبه عليهما وامتنع من طاعة أويس فجاء إليه في جحافل كثيرة فهرب مرجان ودخل أويس إلى بغداد دخولا هائلا وكان يوما مشهودا
وفي يوم السبت السابع والعشرين من شعبان قدم الأمير سيف الدين بيدمر من الديار المصرية على البريد أمير مائة مقدم ألف وعلى نيابة يلبغا في جميع دواوينه بدمشق وغيرها وعلى إمارة البحر وعمل المراكب فلما قدم أمر بجمع جميع النشارين والنجارين والحدادين وتجهزيهم لبيروت لقطع الاخشاب فسيروا يوم الأربعاء ثاني رمضان وهو عازم على اللحاق بهم إلى هنالك وبالله المستعان ثم اتبعوا بآخرين من نجارين وحدادين وعتالين وغير ذلك وجعلوا كل من وجدوه من ركاب الحمير ينزلونه ويركبوا إلى ناحية البقاع وسخروا لهم من الصناع وغيرهم وجرت خطبة عظيمة وتباكى عوائلهم وأطفالهم ولم يسلفوا شيئا من أجورهم وكان من اللائق أن يسلفوه حتى يتركوه إلى أولادهم
وخطب برهان الدين المقدسي الحنفي بجامع يلبغا عن تقي الدين ابن قاضي القضاة شرف الدين الكفري بمرسوم شريف ومرسوم نائب صفد استدمر أخي يلبغا وشق ذلك عليه وعلى جده وجماعتهم وذلك يوم الجمعة الرابع من رمضان هذا وحضر عنده خلق كثير
وفي يوم الخميس الرابع والعشرين منه قرئ تقليد قاضي القضاة شرف الدين بن قاضي الجبل لقضاء الحنابلة عوضا عن قاضي القضاة جمال الدين المرداوي عزل هو والمالكي معه أيضا بسبب أمور تقدم نسبتها لهما وقرئ التقليد بمحراب الحنابلة وحضر عنده الشافعي والحنفي وكان المالكي معتكفا بالقاعة من المنارة الغربية فلم يخرج اليهم لأنه معزول أيضا برأي قاضي حماة وقد وقعت شرور وتخبيط بالصالحية وغيرها
وفي صبيحة يوم الاربعاء الثلاثين من شهر رمضان خلع على قاضي القضاة سرى الدين إسماعيل المالكي قدم من حماة علي قضاء المالكية عوضا عن قاضي القضاة جمال الدين المسلاتي عزل عن المنصب وقرئ تقليده بمقصروة المالكية من الجامع وحضر عنده القضاة والاعيان
وفي صبيحة يوم الاربعاء سابع شوال قدم الامير خيار بن مهنا إلى دمشق سامعا مطيعا بعد ان جرت بينه وبين الجيوش حروب متطاولة كل ذلك ليطأ البساط فأبى خوفا من المسك والحبس او القتل فبعد ذلك كله قدم هذا اليوم قاصدا الديار المصرية ليصطلح مع الأمير الكبير يلبغا فتلقاه الحجبة والمهمندارية والخلق وخرج الناس للفرجة فنزل القصر الابلق وقدم معه نائب حماة عمر شاه فنزل معه وخرج معه ثاني يوم الى الديار المصرية وأقرأني القاضي ولي الدين عبد الله وكيل بيت المال كتاب والده قاضي القضاة بهاء الدين ابن ابي البقاء قاضي قضاة الشافعية بالديار المصرية أن الأمير الكبير جدد درسا بجامع ابن طولون فيه سبعة مدرسين للحنفية وجعل لك فقيه منهم في الشهر أربعين درهما واردب قمح وذكر فيه أن جماعة من غير الحنفية انتقلوا إلى مذهب ابي حنيفة لينزلوا في هذا الدرس
*3* درس التفسر بالجامع الاموي
@ وفي صبيحة يوم الاربعاء الثامن والعشرين من شوال سنة سبع وستين وسبعمائة حضر الشيخ العلامة الشيخ عماد الدين بن كثير درس التفسير الذي أنشأه ملك الأمراء نائب السلطنة الامير سيف الدين منكلي بغا رحمه الله تعالى من أوقاف الجامع الذي جددها في حال نظره عليه أثابه الله وجعل من الطلبة سائر المذاهب خمسة عشر طالبا لكل طالب في الشهر عشرة دراهم وللمعيد عشرون ولكاتب الغيبة عشرون وللمدرس ثمانون وتصدق حين دعوته لحضور الدرس فحضر واجتمع القضاة والأعيان وأخذ في أول تفسير الفاتحة وكان يوما مشهودا ولله الحمد والمنة وبه التوفيق والعفة انتهى قضاة الحنابلة الشيخ شرف الدين احمد بن الحسن بن قاضي الجبل المقدسي وناظر الدواوين سعد الدين بن التاج إسحاق وكاتب السر فتح الدين بن الشيهد وهو شيخ الشيوخ أيضا وناظر الجيوش الشامية برهان الدين بن الحلي ووكيل بيت المال القاضي ولي الدين بن قاضي القضاة بهاء الدين ابي البقاء انتهى
*3* سفر نائب السلطنة إلى الديار المصرية
@ لما كانت ليلة الحادي والعشرين قدم طشتمر دويدار يلبغا على البريد فنزل بدار السعادة ثم ركب هو ونائب السلطنة بعد العشاء الاخيرة في المشاعل والحجبة بين أيديهما والخلائق بدعون لنائبهم واستمروا كذلك ذاهبين إلى الديار المصرية فأكرمه يلبغا وأنعم عليه وسأله أن يكون ببلاد حلب فأجابه إلى ذلك وعاد فنزل بدار سنجر الاسماعيلي وارتحل منها إلى حلب وقد اجتمعت به هنالك وتأسف الناس عليه وناب في الغيبة الامير سيف الدين زبالة إى ان قدم النائب المعز السيفي قشتمر عبدالغني على ما سيأتي وتوفي القاضي شمس الدين بن منصور الحنفي الذي كان نائب الحكم رحمه الله يوم السبت السادس والعشرين من المحرم ودفن بالباب الصغير وقد قارب الثمانين
وفي هذا اليوم او الذي بعده توفي القاضي شهاب الدين أحمد ابن الوزوازة ناظر الاوقاف بالصالحية وفي صبيحة يوم الجمعة ثالث صفر نودي في البلد أن لا يتخلف احد من أجناد الحلقة عن السفر إلى بيروت فاجتمع الناس لذلك فبادر الناس والجيش ملبسين إلى سطح المزة وخرج ملك الامراء أمير على كان نائب الشام من داره داخل باب الجابية في جماعته ملبسين في هيئة حسن وتجمل هائل وولده الامير ناصر الدين محمد وطلبه معه وقد جاء نائب الغيبة والحجبة إلى بين يديه إلى وطاقه وشارووه في الامر فقال ليس لي ها هنا أمر ولكن إذا حضر الحرب والقتال فلى هناك أمر وخرج خلق من الناس متبرعين وخطب قاضي القضاة تاج الدين الشافعي بالناس يوم الجمعة على العادة وحرض الناس على الجهاد وقد ألبس جماعة من غلمانه اللأمة والخوذ وهو على عزم المسير مع الناس إلى بيروت ولله الحمد والمنة ولما كان من آخر النهار رجع الناس إلى منازلهم وقد ورد الخبر بأن المراكب التي رؤيت في البحر إنما هي مراكب تجار لا مراكب قتال فطابت قلوب الناس ولكن ظهر منهم استعداد عظيم ولله الحمد
وفي ليلة الاحد خامس صفر قدم بالأمير سيف الدين شرشي الذي كان إلى آخر وقت نائب حلب محتاطا عليه بعدالعشاء الآخرة إلى دار السعادة بدمشق فسير معزولا عن حلب إلى طرابلس بطالا وبعث في سرجين صحبة الأمير علاء الدين بن صبح
وبلغنا وفاة الشيخ جمال الدين بن نابتة حامل لواء شعراء زمانه بديار مصر بمرستان الملك المنصور قلاوون وذلك يوم الثلاثاء سابع صفر من هذه السنة رحمه الله تعالى وفي ليلة ثامنه هرب أهل حبس السد من سجنهم وخرج أكثرهم فأرسل الولاة صبيحة يومئذ في اثرهم فمسك كثير ممن هرب فضربوهم أشد الضرب وردوهم إلى شر المنقلب
وفي يوم الأربعاء خامس عشره نودي بالبلدان أن لا يعامل الفرنج بالبنادقة والحبوبة والكيتلان واجتمعت في آخر هذا اليوم بالأمير زين الدين زبالة نائب الغيبة النازل بدار الذهب فأخبرني أن البريدي أخبره أن صاحب قبرص رأى في النجوم أن قبرص مأخذوة فجهز مركبين من الاسرى الذي عنده من المسلمين إلى يلبغا ونادى في بلاده أن من كتم مسلما صغيرا أو كبيرا قتل وكان من عزمه أن لا لايبقى أحدا من الاسارى إلا أرسله
وفي آخر نهار الاربعاء خامس عشرة قدم من الديار المصرية قاضي القضاة جمال الدين المسلاتي المالكي الذي كان قاضي المالكية فعزل في أواخر رمضان من العام الماضي فحج ثم قصد الديار المصرية فدخلها لعله يستغيث فلم يصادفه قبول فادعى عليه بعض الحجاب وحصل له ما يسوءه ثم خرج إلى الشام فجاء فنزل في التربة الكاملية شمالي الجامع ثم انتقل إلى منزل ابنته متمرضا والطلابات والدعاوي والمصالحات عنه كثيرة جدا فأحسن الله عاقبته
وفي يوم الاحد بعد العصر دخل الامير سيف الدين طيبغا الطويل من القدس الشريف إلى دمشق فنزل بالقصر الابلق ورحل بعد يومين أو ثلاثة إلى نيابة حماة حرسها الله بتقليد من الديار المصرية وجاءت الاخبار بتولية الامير سيف الدين منكلي بغا نيابة حلب عوضا عن نيابة دمشق وأنه حصل له من التشريف والتكريم والتشاريف بديار مصر شيء كثير ومال جزيل وخيول وأقمشة وتحف يشق حصرها وأنه قد استقر بدمشق الامير سيف الدين اقشتمر عبد الغني الذي كان حاجب الحجاب بمصر وعوض عنه في الحجوبية الامير علاء الدين طبغا أستاذ دار يلبغا وخلع على الثلاثة في يوم واحد وفي يوم الاحد حادي عشر ربيع الاول اشتهر في البلد قضية الفرنج أيضا بمدينة الاسكندرية وقدم بريدي من الديار المصرية بذلك واحتيط على من كان بدمشق من الفرنج وسجنوا بالقلعة وأخذت حواصلهم وأخبرني قاضي القضاة تاج الدين الشافعي يومئذ أن أصل ذلك أن سبعة مراكب من التجار من البنادقة من الفرنج قدموا إلى الاسكندرية فباعوا بها واشتروا وبلغ الخبر إلى الامير الكبير يلبغا أن مركبا من هذه السبعة إلى صاحب قبرص فأرسل إلى الفرنج يقول لهم أن يسلموا هذه المركب فامتنعوا من ذلك وبادروا إلىمراكبهم فأرسل في آثارهم ستة وشواني مشحونة بالمقاتلة فالتقوا هم والفرنج في البحر فقتل من الفريقين خلق ولكن من الفرنج أكثر وهربوا فارين بما معهم من البضائع فجاء الامير على الذي كان نائب دمشق أيضا في جيش مبارك ومعه ولده ومماليكه في تجمل هائل فرجع الامير علي واستمر نائب السلطة حتى وقف على بيروت ونظر في امرها وعاد سريعا وقد بلغني ان الفرنج جاؤا طرابلس غزاة وأخذوا مركبا للمسلمين من المينا وحرقوه والناس ينظرون ولا يستطيعون دفعهم ولا منعهم وأن الفرنج كروا راجعين وقد اسروا ثلاثة من المسلمين فإنا لله وإنا اليه راجعون انتهى والله أعلم
*3* مقتل يلبغا الامير الكبير
@ جاء الخبر بقتله الينا بدمشق في ليلة الاثنين السابع عشر من ربيع الاخر مع اسيرين جاءا على البريد من الديار المصرية فأخبرا بمقتله في يوم الاربعاء ثاني عشر هذا الشهر تمالأ عليه مماليكه حتى قتلوه يومئذ وتغيرت الدولة ومسك من أمراء الألوف والطبلخانات جماعة كثيرة واختبطت الامور جدا وجرت أحوال صعبة وقام بأعباء القضية الامير سيف الدين طيتمر النظامي وقوى جانب السلطان ورشد وفرح أكثر الامراء بمصر بما وقع وقدم نائب السلطنة إلى دمشق من بيروت فأمر بدق البشائر وزينت البلد ففعل ذلك وأطلقت الفرنج الذين كانوا بالقلعة المنصورة فلم يهن ذلك على الناس وهذا آخر ما وجد من التاريخ والحمد لله وحده وصلواته على نبينا محمد وآله


التوقيع :


اللهم صل على سيدنا محمد عبدك ونبيك ورسولك
النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم تسليما عدد مااحاط به علمك
وخط به قلمك واحصاه كتابك
وارض اللهم عن سادتنا ابي بكر وعمر وعثمان وعلي
وعن الصحابة أجمعين وعن التابعين وتابعيهم بإحسان الى يوم الدين





رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:25 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.4, Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir