قال اللَّه تعالى: { ولذكر اللَّه أكبر } .
وقال تعالى: { فاذكروني أذكركم } .
وقال تعالى:{واذكر ربك في نفسك تضرعاً وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصال، ولا تكن من الغافلين } .
وقال تعالى: { واذكروا اللَّه كثيراً لعلكم تفلحون } .
وقال تعالى: { إن المسلمين والمسلمات } إلى قوله تعالى: { والذاكرين اللَّه كثيراً والذاكرات، أعد اللَّه لهم مغفرة وأجراً عظيماً } .
وقال تعالى: { يا أيها الذين آمنوا اذكروا اللَّه ذكراً كثيراً، وسبحوه بكرة وأصيلاً } الآية.
والآيات في الباب كثيرة معلومة.
1424- وعنْ عَلِيٍّ رضي اللَّه عنْهُ قال : كانَ رَسُولُ اللَّهِ إذا قام إلى الصَّلاةِ يكونُ مِنْ آخِر ما يقولُ بينَ التَّشَهُّدِ والتَّسْلِيم : « اللَّهمَّ اغفِرْ لي ما قَدَّمتُ وما أَخَّرْتُ ، وما أَسْرَرْتُ ومَا أعْلَنْتُ ، وما أَسْرفْتُ ، وما أَنتَ أَعْلمُ بِهِ مِنِّي ، أنْتَ المُقَدِّمُ ، وَأنْتَ المُؤَخِّرُ ، لا إله إلاَّ أنْتَ » رواه مسلم .
1442- وعن سعْدِ بنِ أَبي وقَّاصٍ رضي اللَّه عَنْهُ أَنَّهُ دَخَل مع رسولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم على امْرأَةٍ وبيْنَ يديْهَا نَوىً أَوْ حصىً تُسبِّحُ بِه فقال : « أَلا أُخْبِرُك بما هُو أَيْسرُ عَليْكِ مِنْ هذا أَوْ أَفْضَلُ » فقالَ : « سُبْحانَ اللَّهِ عددَ مَا خَلَقَ في السَّماءِ ، وَسُبْحانَ اللَّهِ عددَ ما خَلَقَ في الأَرْضِ ، سُبحانَ اللَّهِ عددَ ما بيْنَ ذلك ، وسبْحانَ اللَّهِ عدد ما هُوَ خَالِقٌ . واللَّه أَكْبرُ مِثْلَ ذلكَ ، والحَمْد للَّهِ مِثْل ذلك ، ولا إِله إِلا اللَّه مِثْل ذلكَ ، ولا حوْل ولا قُوَّةَ إِلاَّ باللَّه مِثْلَ ذلك » .
رواه الترمذي وقال : حديثٌ حسنٌ .
1443- وعنْ أَبي مُوسى رضي اللَّه عنْه قال : قالَ لي رسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « أَلا أَدُلُّك على كَنْزٍ مِنْ كُنُوزِ الجنَّةِ ؟ » فقلت : بلى يا رسول اللَّه ، قال : « لا حول ولا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ » متفقٌ عليه .
245- باب ذكر اللَّه تعالى قائماً وقاعداً ومضطجعاً
ومحدثاً وجُنباً وحائضاً إلا القرآن فلا يحل لجنب ولا حائض
قال اللَّه تعالى: { إن في خلق السماوات والأرض، واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب، الذين يذكرون اللَّه قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم } .
1450- وعن أبي سعيد الخُدْريِّ رضي اللَّه عنْهُ قال : خَرج معاوِيَة رضي اللَّه عَنْهُ علَى حَلْقَةٍ في المسْجِدِ ، فقال : ما أَجْلَسكُمْ ؟ قالُوا : جلَسْنَا نَذْكُرُ اللَّه . قَالَ : آللَّهِ ما أَجْلَسكُم إِلاَّ ذَاكَ ؟ قالوا : ما أَجْلَسنَا إِلاَّ ذَاكَ ، قال : أَما إِنِّي لَمْ أَسْتَحْلِفْكُم تُهْمةً لَكُم وما كانَ أَحدٌ بمنْزِلَتي مِنْ رسُولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم أقلَّ عنْهُ حَدِيثاً مِنِّي : إِنَّ رسُول اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم خرَج علَى حَلْقَةٍ مِن أَصحابِه فقال : « ما أَجْلَسكُمْ ؟ » قالوا : جلَسْنَا نَذكُرُ اللَّه ، ونحْمدُهُ علَى ماهَدَانَا لِلإِسْلامِ ، ومنَّ بِهِ عليْنا . قَال : « آللَّهِ ما أَجْلَسكُمْ إِلاَّ ذَاكَ ؟ قالوا : واللَّه ما أَجْلَسنا إِلاَّ ذَاكَ . قالَ : « أَما إِنِّي لَمْ أَسْتَحْلِفْكُمْ تُهمةً لكُمْ ، ولِكنَّهُ أَتانِي جبرِيلُ فَأَخْبرني أَنَّ اللَّه يُباهِي بِكُمُ الملائكَةَ » رواهُ مسلمٌ .
248- باب الذكر عند الصباح والمساء
قال اللَّه تعالى: { واذكر ربك في نفسك تضرعاً وخيفةً ودون الجهر من القول بالغدو والآصال، ولا تكن من الغافلين } .
قال أهل اللغة: { الآصال } جمع أصيل وهو: ما بين العصر والمغرب.
وقال تعالى: { وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها } .
وقال تعالى: { وسبح بحمد ربك بالعشي والإبكار } .
قال أهل اللغة: { العشي } : ما بين زوال الشمس وغروبها.
وقال تعالى: { في بيوت أذن اللَّه أن ترفع ويذكر فيها اسمه، يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر اللَّه } الآية.
وقال تعالى: { إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والإشراق } .
1456- وعنْ عبدِ اللَّهِ بنِ خُبَيْب بضَمِّ الْخَاءِ المُعْجَمَةِ رضي اللَّه عَنْهُ قال : قال لي رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : « اقْرأْ : قُلْ هوَ اللَّه أَحَدٌ ، والمعوِّذَتَيْن حِينَ تُمْسِي وَحِينَ تُصبِحُ ، ثَلاثَ مَرَّاتٍ تَكْفِيكَ مِنْ كلِّ شَيْءٍ » .رواهُ أَبو داود والترمذي وقال : حديثٌ حسن صحيح .
1457- وعنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَانَ رضيَ اللَّه عنهُ قالَ :قالَ رَسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم:«مَا مِنْ عَبْدٍ يَقُولُ في صَبَاحِ كلِّ يَوْمٍ ومَسَاءٍ كلِّ لَيْلَةٍ :بِسْمِ اللَّهِ الَّذِي لاَ يَضُرُّ مَع اسْمِهِ شيء في الأرضِ ولا في السماءِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعلِيمُ ، ثلاثَ مَرَّاتٍ ، إِلاَّ لَمْ يَضُرَّهُ شَيءٌ»رواه أبو داود ، والتِّرمذي وقال:حديث حسن صحيح .
249- باب ما يقوله عند النوم
قال اللَّه تعالى: { إن في خلق السماوات والأرض، واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب، الذين يذكرون اللَّه قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم، ويتفكرون في خلق السموات والأرض } الآيات.
الحمدُ لله نَحْمده، ونستعينه ونستهديه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله مِن شرور أنفسنا وسيِّئات أعمالنا، مَن يَهدِه الله فلا مُضلَّ له، ومَن يُضللْ فلا هاديَ له.
وأشهد أن لا إله إلَّا الله وحْدَه لا شريكَ له، وأشهد أنَّ محمدًا عبدُه ورسوله، الذي أرشد أمَّته لما فيه صلاحُها في أمْر دِينها ودنياها، صلَّى الله عليه وعلى آله وصحابته المهتدين بهَديه، والمقتفين لآثاره، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
فيا عباد الله: اتَّقوا الله - تعالى - وتأدبُّوا بآداب الإسلام، وتخلَّقوا بأخلاقه، وامتثِلوا لأوامرِ الله، واجتنبوا نواهيَه، فلا خيرَ إلاَّ دلَّنا عليه نبيُّنا -صلواتُ الله وسلامه عليه -ولا شرَّ إلا حذَّرَنا منه.
ومما دلَّنا عليه وأرشدَنا إليه الذِّكرُ بعد الصلوات المكتوبة الذي يُفوِّتُهُ الكثيرُ مِن الناس على نفْسه، وذلك إمَّا لعادات اعتادَها أخذها مِن آبائه وأجداده ومُجتمعه الذي يعيش فيه، والدِّين ليسَ عاداتٍ، وإنَّما عبادات تُؤدَّى على ما جاء عن الله على لسانِ رسولِ الله، وقد يُفَوِّت الكثيرُ مِن الناس الذِّكرَ عليه بعدَ الصلوات لانشغاله بأمور دُنياه، أو لأنَّ الشيطان قد سيْطر عليه، وأصبَح يستعجله ويحثُّه على الإِسراع بالخروجِ مِن المسجد ليفوِّت عليه الخيرَ الكثيرَ وسعادة الدُّنيا والآخِرة.
فتجد الكثير مِن المصلِّين حالَ ما يَنتهي من الصلاة المكتوبة يقوم على الفورِ؛ ليصليَ نافلة دون أن يفصل بينها وبيْن الصلاة المكتوبة بالذِّكْر المشروع، وهذا خلافُ المشروع، ومِن الحرمان وتفويت الفضائل.
ففي الحديثِ عن أبي أُمامة - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن قرأ آية الكرسي دُبُرَ كلِّ صلاة لم يمنعْه من دخولِ الجنَّة إلاَّ أن يموت))[1]، رواه النسائيُّ والطبراني، وزاد في رواية: و﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾ [الإخلاص: 1]، وإسناد الروايتين على شرْط الصحيح.
وعنِ الحسن بن علي - رضي الله عنهما - قال: قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن قرأ آيةَ الكرسي في دُبُرِ الصلاة المكتوبة كان في ذِمَّة الله إلى الصلاة الأخرى))[2].
وعن كعْب بن عُجْرةَ - رضي الله عنه - عن رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((مُعقِّبات لا يخيب قائلُهنَّ أو فاعلهنَّ دُبرَ كلِّ صلاة مكتوبة: ثلاث وثلاثون تسبيحة، وثلاث وثلاثون تحميدة، وأربع وثلاثون تكبيرة ))[3].
فيا عباد الله:
ويا مَن فوَّت على نفْسه الفضائلَ وأطاع هواه وشيطانَه، وقلَّد الجاهلَ في دِينه، اتَّقِ الله في نفسك وخذْ بهَدي نبيِّك، ودعْ عنك العاداتِ السيئةَ والتقليد الأعمى، حافظْ على قراءة الآيات والأذكار الواردة بعدَ الصلاة المكتوبة، ولا تتعجَّل إلى القيام بعدَ الصلاة للخروج أو لصلاةِ النافِلة، فإنَّك بذلك تُخالِف هدْي نبيِّك وتفوت عليكَ الفضل العظيم.
ويا مَن شُغل بماله عن أعمالِ آخرتِه، اسمعْ إلى الحديث في أصحابِ الأموال الذين ذَهبوا بالدَّرجات العُلى والنعيم المقيم.
عن أبي هُرَيرةَ - رضي الله عنه - أنَّ فقراء المهاجرين أَتَوا رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقالوا: ذهَب أهل الدُّثُورِ بالدَّرجات العُلى والنعيم المقيم، قال: ((وما ذاك؟)) قالوا: يُصلُّون كما نُصلِّي ويصومون كما نصوم، ويتصدَّقون ولا نتصدَّق، ويعتقون ولا نعتق، فقال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أفلاَ أُعلِّمكم شيئًا تُدركون به مَن سبَقَكم وتسبقون به مَن بعدَكُم، ولا يكون أحدٌ أفضلَ منكم إلا مَن صنَع مثل ما صنعتم؟)) قالوا: بلى يا رسولَ الله، قال: ((تُسبِّحُونَ وتَحْمدُون وتُكبِّرُونَ دُبُرَ كلِّ صلاة ثلاثًا وثلاثين مرَّة))، قال أبو صالح: فرجَع فقراءُ المهاجرين إلى رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقالوا: سَمِع إخواننا أهل الأموال بما فعَلْنا ففعلوا مثلَه! فقال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ذلك فضلُ الله يُؤتيه مَن يشاء))[4]، وفي رواية لمسلِم قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَن سبَّح في دُبَر كلِّ صلاة ثلاثًا وثلاثين، وحمد الله ثلاثًا ثلاثين، وكبَّر الله ثلاثًا وثلاثين، فتِلك تِسعة وتسعون، ثم قال تمامَ المائة: لا إله إلَّا الله وحْدَه لا شريكَ له، له الملك وله الحمد، وهو على كلِّ شيءٍ قدير - غُفِرت له خطاياه وإنْ كانتْ مثلَ زبد البحر))[5].
إنَّه الفضلُ الكثير الذي يتسابق إليه الفقراء والأغنياء، الأغنياء الذين لا تُلهيهم تجارتُهم ولا تشغلهم عن ذِكْر الله، قد جمعوا بين خيري الدنيا والآخِرة، يعملون كما يعمل الفقراء، ويَزيدون عليهم بالإِنفاق في طُرق الخير، وذلك فضلُ الله يؤتيه مَن يشاء.
فيا أيها المسلمون:
احمدوا الله على نِعمة الإسلام وتعاليمه السامية، وأعماله السَّمْحة وفضائله الجَمَّة، التزَموا بها تسعدوا في الدارين: الدنيا والآخِرة.
بارَك الله لي ولكم في القرآنِ العظيم، ونفَعَني وإيَّاكم بما فيه مِن الآيات والذِّكْر الحكيم، وتاب عليَّ وعليكم، إنَّه هو التوَّاب الرحيم.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائرِ المسلمين مِن كل ذنب، فاستغفروه إنَّه هو الغفور الرحيم.
واعلموا أنَّ الشيطان حريصٌ وساعٍ في تثبيطِ المسلِم عن الأعمال الصالحة، والقليل مَن يقاومه ويجاهده؛ ولهذا نجد الكثيرَ لا يلتزمون بأداءِ الأذكار المشروعة بعدَ الصلوات المكتوبة لِما للشيطان عليهم مِن سيطرةِ وتأثير.
يقول نبيُّنا - صلوات الله وسلامه عليه - في حديثِ عبدالله بن عمرَ - رضي الله عنهما -: ((خَصْلتان لا يُحصيهما عبدٌ إلا دخَل الجنَّةَ هما يسيرٌ ومَن يعمل بهما قليل، يسبح اللهَ أحدُكم دُبرَ كلِّ صلاة عشرًا، ويَحْمده عشرًا، ويكبِّره عشرًا، فتلك مائةٌ وخمسون باللِّسان، وألف وخمسمائة في الميزان، وإذا أوى إلى فراشِه يُسبِّح ثلاثًا وثلاثين، ويحمد ثلاثًا وثلاثين، ويُكبِّر أربعًا وثلاثين، فتلك مائة باللِّسان وألْف في الميزان))، قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أيُّكم يعمل في يومٍ وليلة ألفين وخمسمائة سيِّئة؟)) قال: قيل يا رسولَ الله، كيف لا يُحصيها؟ قال: ((يأتي أحدَكم الشيطانُ وهو في صلاتِه فيقول له: اذكرْ كذا واذكرْ كذا، ويأتيه عندَ منامه فيُنوِّمه))[6].
فاتَّقوا الله - يا عباد الله - وحافظوا على الأذكار المشروعة بعدَ الصلاة المكتوبة؛ واحذروا تقليدَ الجهَّال في أمور دِينكم، واحذروا الشيطانَ فإنَّه عدوُّكم وساعٍ في هلاككم وتفويتِ الخير عليكم.
[1] انظر الترغيب والترهيب (2/453)، قال الألباني صحيح انظر تخريج المشكاة (974)، الأحاديث الصحيحة (968).
[2] أخرجه الطبراني في معجمه الكبير (3/85)، والمنذري في الترغيب (2/453).
[3] أخرجه مسلم (596).
[4] أخرجه البخاري رقم (843) ـ الفتح (2/378)، ومسلم (595).
[5] أخرجه مسلم (597).
[6] أخرجه الترمذي (3410)، وأبو داود (5065)، والنسائي (3/74). قال الأرناؤوط: وهو حديث صحيح.
السنن الرواتب : ما هي السنن الصحيحة قبل وبعد كل صلاة مفروضه؟
أما صلاة العصر فليس قبلها راتبة ولا بعدها راتبة
وأما صلاة الفجر فقبلها راتبة ركعتان فقط خفيفتان
يقرأ في الأولى قل يا أيها الكافرون وفي الثانية قل هو الله أحد
أو يقرأ في الأولى (قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى
إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي
موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق
بين أحد منهم ونحن له مسلمون) وفي الركعة الثانية
( قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم
ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا
أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون )
فيقرأ بهذا مرة وبسورة قل يا أيها الكافرون والإخلاص مرة ثانية
لأن السنة وردت بهذا وهذا
أما الظهر فلها راتبة قبلها وراتبة بعدها فأما الراتبة قبلها
فهي أربع ركعات بتسليمين وأما الراتبة بعدها فهي ركعتان
وأما المغرب فلها راتبة بعدها ركعتان
وأما العشاء فلها راتبة بعدها ركعتان أيضا
وحينئذ تكون الرواتب اثنتي عشرة ركعة
ركعتان قبل الفجر وأربع قبل الظهر
وركعتان بعدها وركعتان بعد المغرب
وركعتان بعد العشاء
ينبغي للإنسان أن يحافظ على هذه الرواتب
لأن من صلى في اليوم والليلة ثنتي عشرة
ركعة بنى الله له بيتا في الجنة ولأن هذه الرواتب
يكمل بها ما نقص من الفرائض لأن الإنسان
وإن صلى الفريضة فلا يخلو من نقص وتقصير
وهذه الرواتب شرعها الله عز وجل لتجبر النقص.
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على خاتم الأنبياء والمرسلين، سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد؛
فعن قَيْسِ بْنِ عُبَادٍ قَالَ: صَلَّى عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ بِالْقَوْمِ صَلَاةً أَخَفَّهَا، فَكَأَنَّهُمْ أَنْكَرُوهَا، فَقَالَ: أَلَمْ أُتِمَّ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ؟ قَالُوا: بَلَى. قَالَ: أَمَا إِنِّي دَعَوْتُ فِيهَا بِدُعَاءٍ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو بِهِ:
«اللهم بعلمك الغيب، وقدرتك على الخلق، أحيني ما علمت الحياة خيرا لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي.
اللهم وأسألك خشيتك في الغيب والشهادة، وأسألك كلمة الحق في الرضا والغضب، وأسألك القصد في الفقر والغنى.
وأسألك نعيما لا ينفد، وأسألك قرة عين لا تنقطع، وأسألك الرضا بعد القضاء، وأسألك برد العيش بعد الموت.
وأسألك لذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك، في غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة.
اللهم زينا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهتدين»([1]).
هذا الدعاء –كغيره- من الأدعية النبوية؛ عظيم نفعها، عميم خيرها، بليغ لفظها، رصين حرفها، قوي مدلولها، مستوعِب معناها، محكم مبناها. ولا يتأتى للمسلم الانتفاع المطلق بهذه الأدعية إلا بثلاث أمور:
الأول: حفظها.
الثاني: تكرارها والدعاء بها.
الثالث: السعي لتحقيق مدلولها والمجاهدة في ذلك.
وهذه تأملات ووقفات مع هذه الدعوة المباركة..
اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق
هذا توسل بالصفات العلا. والتوسل يكون بالصفات العلا ويكون بالأسماء الحسنى. قال تعالى: }وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا{ ([2]).
وناسب التوسل بهاتين الصفتين لأن المرء لا يعلم أين يكون الخير؛ في حياته، أم في مماته. فلما كان الغيب لله ذُكر ذلك في هذا الدعاء. وذكرت القدرة لأن الفعل يكون بها، ولحمل النفس على إحسان الظن بالرب الذي من صفاته أنه على ما يشاء قدير.
أحيني ما علمت الحياة خيرا لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي
تكون الحياة خيرا إذا غلب جانب الحسنات على السيئات، وإلا كانت الوفاة خيراً والحياة وبالاً.
ومن أكبر مدلول ذلك: أنه لا معنى للحياة إذا لم تسخر لدين الله وطاعته، فحياة لغير الله تفضلها حياة البهائم والعياذ بالله.
وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تمني الموت في حديثين:
الأول: عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمْ الْمَوْتَ لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ، فَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ مُتَمَنِّيًا فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتْ الْحَيَاةُ خَيْرًا لِي، وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتْ الْوَفَاةُ خَيْرًا لِي»([3]).
الثاني: عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: «لَا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمْ الْمَوْتَ، إِمَّا مُحْسِنًا فَلَعَلَّهُ أَنْ يَزْدَادَ خَيْرًا، وَإِمَّا مُسِيئًا فَلَعَلَّهُ أَنْ يَسْتَعْتِبَ»([4]).
والمعنى: يسترضي الله بالإقلاع عن الذنوب والاستغفار وإصلاح الحال.
ويشكل على هذا أمران:
الأول: أن يوسف عليه السلام قال: }توفَّني مسلماً{([5]).
والجواب عن الاستدلال بهذه الآية على جواز تمني الموت من وجوه:
1. إمَّا أنَّ يوسُفَ عليه السلام قال ذلك عند احتضاره، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم عند ذلك: «اللهم في الرفيق الأعلى، اللهم في الرفيق الأعلى، اللهم في الرفيق الأعلى»([6]).
2. وإما أنه سأل الموت منجزاً وكان ذلك في ملتهم سائغاً. ولو صح ذلك فإن شرعنا مقدم على شرع غيرنا إذا عارضه.
3. وإما أنه سأل الثبات على الإسلام، بمعنى إذا حان أجله كان من المسلمين "كما يقول الداعي لغيره: أماتك الله على الإسلام. ويقول الداعي: اللهم أحينا مسلمين، وتوفنا مسلمين، وألحقنا بالصالحين"([7]).
والأمر الثاني دعوة مريم عليها السلام: }يا ليتني مت قبل هذا{([8]).
والجواب ما قاله ابن كثير رحمه الله: "فيه دليل على جواز تمني الموت عند الفتنة، فإنها عرفت أنها ستبتلى وتمتحن بهذا المولود الذي لا يحمل الناس أمرها فيه على السداد، ولا يصدقونها في خبرها، وبعدما كانت عندهم عابدة ناسكة، تصبح عندهم -فيما يظنون- عاهرة زانية، فقالت: }يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا{، أي قبل هذا الحال، }وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا{، أي: لم أخلق ولم أك شيئًا... وقد قدمنا الأحاديث الدالة على النهي عن تمني الموت إلا عند الفتنة، عند قوله: }تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ{"([9]).
ومن هذه الأحاديث والآثار التي أوردها –رحمه الله-، وهي دالة على جواز تمني الموت عند الفتن:
دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم إني أسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وأن تغفر لي وترحمني، وإذا أردت فتنة في قوم فتوفني غير مفتون، أسألك حبك، وحب من يحبك، وحب عمل يقربني إلى حبك»([10]).
وحديث محمود بن لبيد رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اثنتان يكرههما ابن آدم: الموت، والموت خير من الفتنة. ويكره قلة المال، وقلة المال أقل للحساب»([11]).
وأثر علي بن أبي طالب رضي الله عنه في آخر إمارته لما رأى أن الأمور لا تجتمع له، ولا يزداد الأمر إلا شدة قال: "اللهمَّ خذني إليك؛ فقد سئمتهم وسئموني"([12]).
وقال البخاري رحمه الله لما وقعت له تلك المحن وجرى له ما جرى مع أمير خراسان: "اللهم توفني إليك".
وأما حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تقوم الساعة حتى يمرَّ الرجل بقبر الرجل فيقولُ: يا ليتني مكانَه»([13])، فلا يدل لذلك بمفرده؛ لأنه خبر بوقوع شيء، وإنما يكون دليلا بما قبله.
اللهم وأسألك خشيتك في الغيب والشهادة
والمعنى: أن يكون الإنسان تقيا سواء كان مع الناس أم خلا بنفسه.
وقد مدح الله تعالى من يخشاه بالغيب في مواضع من كتابه:
فهؤلاء هم المنتفعون بالوحي الذي أنزله الله تعالى، قال الله: }إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ{([14]). وقال: }وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ* الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ{([15]).
ووعدهم الله بالمغفرة والجنة، قال تعالى: }إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ{([16]).
وتوعد رسول الله صلى الله عليه وسلم من تدثر بعباءة التقى أمام الناس، وإذا خلا بالمحارم كان عليها جريئاً! فعن ثَوْبَانَ رضي الله عنه ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «لَأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا، فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا». قَالَ ثَوْبَانُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا، جَلِّهِمْ لَنَا أَنْ لَا نَكُونَ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ. قَالَ: «أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ، وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ، وَيَأْخُذُونَ مِنْ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ، وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا»([17]).
وأسألُك كلمةَ الحقِّ في الرِّضَا والغضب
الغضب يحمل صاحبه على العدول والميل عن الحق، وقول الحق حال الغضب أمر عزيز لا يقدر عليه إلا من منَّ الله عليه بتوفيقه. وقد أمر الله بالعدل في حق كل أحد، قال تعالى: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ{([18]).
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ليس الشديد بالصُّرَعة، إنَّما الشَّديد الذي يملك نفسه عند الغضب»([19]).
وأسألك القصد في الفقر والغنى
القصد: التوسط والاعتدال، فعلى المرء في حال فقره وغناه أن يكون منفقاً، وأن يحذر من الإسراف في ذلك، فالتوسط في الأمور كلها سبيل العقلاء، وقد قال تعالى: }وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً{ ([20]). ونعت الله عباده عباد الرحمن بقوله: }وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا{([21]). فلا تبذير، ولا تقتير.
وأسألك نعيماً لا ينفد
النعيم الذي لا ينفد هو نعيم الجنة..
قال الله عن المهاجرين: }يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ{([22]). وقال: }مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ{ [23]. وقال: }إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَاد{ ([24]).
وأسألك قرة عين لا تنقطع
في قرّة العين ثلاثة أقوال:
أحدها: برد دمعها؛ لأنه دليل السرور والضحك، كما أن حرَّه دليل الحزن والغم.
والثاني: نومها؛ لأنه يكون مع فراغ الخاطر، وذهاب الحزن.
والثالث: حصول الرضا. وهو أولى. كأن العين قرَّت فيما رضيت بحصوله فلم تفارق مكانه؛ فرحاً به.
وقرة العين تكون بأمر دنيوي، كما في قوله تعالى: }إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ{ ([25]). وكما في: }فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ{([26]).
ويكون بنعيم الآخرة:
قال تعالى: }فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ{ ([27]).
وهذا هو ما لا ينقطع، بخلاف من قرت عينه بأمر دنيوي، فهو زائل لا محالة، وإن بقي حياتك كلها فإن الموت يقطعه، وهو حال بقائه عرضة للمنغضات وما يكدر من صفو الحياة به. أما ما يحصل من ذلك في الآخرة فلا يفنى ولا يبيد، إرادة العزيز الحميد.
ولا ينال هذا إلا من قرت عينه بالله، ومن قرت عينه بالله قرت به كل عين، ومن لم تقر عينه بالله تقطعت نفسه حسرات عليه.
وأسألك الرِّضا بعد القضاء
ما قضى به الله إما أن يكون خيرا وإما أن يكون شراً، وذلك باعتبار حلوله على العبد، أما باعتبار أن الله خلقه فلا يكون إلا خيراً، وهذا معنى قول نبينا صلى الله عليه وسلم: «والشر ليس إليك»([28]). فالشر في مقتضياته، ولا يوجد شر محض. فقضاء الله بالخير خير في القضاء والمقضي، والقضاء بالشر خير في القضاء شر في المقضي.
فبالنسبة إلى الشر يجب الصبر على قضاء الله فيه ويستحب الرضا به.
وأما الخير فيجب على المسلم أن يقنع ويرضا به، ولا بأس من أن يسأل الله من فضله.
فسؤال الله الرضاء بعد القضاء يشمل هذين النوعين.
وأسألك بَردَ العيش بعد الموت
برد العيش: طيبه وحسنه.
وذلك لا يكون إلا بالإيمان والعمل الصالح، أما من نأى عن الصراط المستقيم، وباعد نفسه عن سبيل الصالحين، فلا يجد إلا العيش المهين، والضيق العظيم، ولو جمع من المال وأسباب السعادة ما جمع.. قال تعالى: }وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا{([29]). أي: ضيقا شاقة، ولو كان من أهل الأموال واليسار. أما الصالحون فـ }مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ{([30]).
فبرد العيش في الآخرة يكون في القبر، وفي عرصات القيامة، وفي الجنة.
وهل أدل على ذلك من هذا الحديث العظيم؟ عن أنس رضي الله عنه ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا مِنْ عَبْدٍ يَمُوتُ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ، يَسُرُّهُ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا وَأَنَّ لَهُ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، إِلَّا الشَّهِيدَ؛ لِمَا يَرَى مِنْ فَضْلِ الشَّهَادَةِ، فَإِنَّهُ يَسُرُّهُ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا فَيُقْتَلَ مَرَّةً أُخْرَى»([31]). ما أحسنَه من حديث! لقد دل على أنّ الميت لو خُيِّر بين البقاء في قبره، والرجوع إلى أهله، لاختار قبره؛ لما يرى من نعيم الله تعالى فيه. وفي حديث آخر: «إِذَا وُضِعَتْ الْجِنَازَةُ، فَاحْتَمَلَهَا الرِّجَالُ عَلَى أَعْنَاقِهِمْ، فَإِنْ كَانَتْ صَالِحَةً قَالَتْ: قَدِّمُونِي قَدِّمُونِي. وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ صَالِحَةٍ قَالَتْ: يَا وَيْلَهَا أَيْنَ يَذْهَبُونَ بِهَا؟ يَسْمَعُ صَوْتَهَا كُلُّ شَيْءٍ إِلَّا الْإِنْسَانَ، وَلَوْ سَمِعَهَا الْإِنْسَانُ لَصَعِقَ»([32]). يقول: قدموني؛ فرحا بمصيره.
ويتحقق برد العيش في عَرَصات القيامة للمؤمنين. قال النبي صلى الله عليه وسلم: «يوم القيامة كقدر ما بين الظهر والعصر»([33]). أي على المؤمنين كما فسره أبو هريرة رضي الله عنه بقوله: "يوم القيامة على المؤمنين كقدر ما بين الظهر والعصر"([34]).
وأما كونه في الجنة فهذا ما لا يحتاج إلى دليل.
وأسألك لذَّةَ النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك، في غير ضرَّاء مضرة ولا فتنة مضلة
قال ابن القيم رحمه الله: "جمع في هذا الدعاء بين أطيب ما في الدنيا، وهو الشوق إلى لقائه، وأطيب ما في الآخرة وهو النظر إليه"([35]).
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: تُرِيدُونَ شَيْئًا أَزِيدُكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: أَلَمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَنَا؟ أَلَمْ تُدْخِلْنَا الْجَنَّةَ؟ وَتُنَجِّنَا مِنْ النَّارِ؟ فَيَكْشِفُ الْحِجَابَ، فَمَا أُعْطُوا شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنْ النَّظَرِ إِلَى رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ»([36]). أسأل الله أن لا يحرمنا ذلك.
والشوق إلى لقاء الله معنىً لا يجده إلا أهل الذكر والأنس بالله.
وسأل النبي صلى الله عليه وسلم ربه أن يتم له ذلك بدون أن يَسبق ضر أو بلاء. ومعنى ضراء مضرة: الضر الذي لا يُقدر عليه. والفتنة المضلة: الموقعة في الحيرة والمفضية إلى الهلاك.
أما الضر فقد يكون في الدنيا، وقد يكون في الآخرة، كما لو سبق دخولَ الجنة عذابٌ بالنار.
وأما الفتن فتكون في الدنيا. وهذا دعاء بالنجاة من ذلك كلِّه.
اللهم زينا بزينة الإيمان
الإيمان قول وعمل واعتقاد. الاعتقاد بالقلب، والقول باللسان، والعمل بالجوارح والأعضاء.
فهذا الدعاء يشمل ذلك كله.
يشمل أن يُزين قلبك بخصال الإيمان وشعبه، من التوكل، والإخلاص، والإنابة، والخشية، والتفكر ...
ويشمل أن يزين اللسان بذلك، من الذكر، والتسبيح، والتلاوة ...
ويشمل تزيين الجوارح، وذلك بإقامة ذكر الله وطاعته بها.
واجعلنا هداة مهتدين
وهذا يشمل ثلاثة أمور:
أن تعلم الحق، وأن تتبعه، وأن تدعوا الناس إليه. فلا سبيل إلى معرفة الحق إلا بالعلم، والهداية اتباع والحق، وهداية الناس بالدعوة إليه.
أسأل الله أن ينفعنا بما قرأنا، وأن يحقق لنا ذلك كلَّه.
بقي أن أختم بمسألتين:
الأولى: أن من أتم الركوع والسجود فلا يُلام إذا قصَّر الصلاة([37]).
الثانية: أن الدعاء الذي يقال في الصلاة أنواع ثلاثة:
الأول: ما رغب في قوله في السجود.
الثاني: ما رغب في قوله قبل السلام.
الثالث: ما رغب في قوله في الصلاة بدون تحديد لمكانه، كدعائنا هذا، فهذا إما أن يقوله المسلم في السجود، أو يقوله قبل السلام.
اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
--------------------------------
[1] / رواه النسائي، والحاكم وصححه، ووافقه الذهبي والألباني –رحمهم الله جميعاً-.
[2] / الأعراف (180).
[3] / رواه البخاري ومسلم.
[4] / رواه البخاري.
[5] / يوسف (101).
[6] / رواه البخاري ومسلم.
[7] / هذا وما قبله لابن كثير في التفسير (4/414).
[8] / مريم (23).
[9] / تفسير ابن كثير (/223).
[10] / الترمذي.
[11] / رواه أحمد.
[12] / رواه ابن أبي شيبة وعبد الرزاق.
[13] / رواه البخاري ومسلم.
[14] / فاطر (18).
[15] / الأنبياء (48-49).
[16] / الملك (12).
[17] / ابن ماجة.
[18] / المائدة (8).
[19] / رواه البخاري ومسلم.
[20] / الإسراء: (29).
[21] / الفرقان (67).
[22] / التوبة (21).
[23] / النحل (96).
[24] / ص (54).
[25] / طه (40).
[26] / القصص (13).
[27] / السجدة (17).
[28] / رواه مسلم.
[29] / طه (124).
[30] / النحل (97).
[31] / رواه البخاري ومسلم.
[32] / البخاري.
[33] / رواه الحاكم.
[34] / رواه الديلمي.
[35] / عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين، ص (269).
[36] / رواه مسلم.
[37] / وقول عمار رضي الله عنه لهذا الدعاء في صلاته دليل على أنها كانت طويلة بالنسبة لصلاتنا اليوم، وإن كانت قصيرة في نظرهم، والله المستعان.