دول الخليج تحوّل الصحراء إلى مزارع منتجة

[OM_SULTAN]

دول الخليج تحوّل الصحراء إلى مزارع منتجة

الرؤية الاقتصادية - الدوحة

Cant See Images
إن ثمرة رقيقة مثل «الفراولة»، التي تتطلب ظروفاً مناخية خاصة، يمكن أن تنبلج من قلب الصحراء، في ظل درجة حرارة ملتهبة لا تقل في فصل الصيف عن 40 مئوية، في منطقة الذخيرة التي تبعد عن العاصمة القطرية الدوحة نحو 65 كيلومتراً، فهناك مزرعة صغيرة فيها بيت من البلاستيك يحتوي على حبال عمودية خضر، تنطلق من الأرض إلى أعلى، وتزينها حبات حمر نضرة، إنها الفراولة.

قال وليد النعمة، صاحب المزرعة، «الأرض تحتاج إلى اهتمام، حتى الصحراء ذات الطبيعة القاسية يمكن أن تتحول ببساطة إلى مزرعة، فقط الأمر يتطلب إرادة قوية، لكن قبل ذلك الأموال الكافية».

ولا يشكل توفير الأموال الكافية لزراعة الصحراء أي عائق أمام دول الخليج العربية التي تبدي إصراراً متزايداً على مجابهة التحديات التي تعترض طريقها في التغلب على الظروف المناخية الصعبة، وتحويل الأرض الجرداء إلى واحة خضراء، تنتج ما لذ وطاب من المنتجات الزراعية بشتى أصنافها وأشكالها.
Cant See Images
حاجة الأسواق

وأضاف النعمة إن المناطق الصحراوية في دول الخليج بإمكانها أن تتحول إلى بساتين ومزارع خضراء شاسعة، تفي بحاجة الأسواق المحلية من منتجات الخضار والفاكهة، لكن يتوجب على الحكومات الخليجية أن تشجع هذا التوجه، وتدعم الاستثمارات الزراعية والمستثمرين الراغبين في دخول هذا القطاع، والعمل على منحهم مزيداً من الحوافز والتسهيلات.

ورصدت الحكومة القطرية مؤخراً ما يزيد على 4 مليارات ريال (1.1 مليار دولار) لتطوير ودعم القطاع الزراعي في البلاد.

وتسعى قطر خلال السنوات القليلة المقبلة إلى استصلاح مناطق واسعة من الصحراء للزراعة، بيد أن حجم المساحات التي تصلح للزراعة حالياً لا تزيد على 950 ألف دونم، من إجمالي مساحة البلاد البالغة 11.5 ألف كيلومتر مربع.


وعلى الرغم من الجهود الرسمية، والمحاولات التي تبذل هنا وهناك لتطوير الإنتاج الزراعي في الخليج، إلا أن دول «مجلس التعاون» مازالت تعتمد بنسبة 90 بالمئة على الأسواق الخارجية في تأمين احتياجاتها من المنتجات الزراعية، وفقاً لتقارير بحثية.

جهود الحكومات

لكن ذلك لا يدفع خالد الهاجري، المستثمر الزراعي القطري إلى التشاؤم، حيث يرى أن الجهود التي تبذلها الحكومات الخليجية للنهوض بالقطاع الزراعي تستحق الاحترام، فجميع دول التعاون، خصوصاً الإمارات والسعودية وقطر وسلطنة عمان، قطعت أشواطاً طويلة حتى الآن في تطوير استثماراتها الزراعية واستصلاح الصحراء، التي أحالتها مساحات خضراء في كثير من المناطق، وأصبحت تنتج منتجات زراعية قد تصيب المرء للوهلة الأولى بالاستغراب والتعجب، عندما يعلم أنها ليست مستوردة من هولندا أو لبنان أو غور الأردن، بل أينعت وأثمرت في قلب الصحارى الخليجية.

إلا أن عبدالحفيظ عبدالرحيم، الخبير الاقتصادي، يعتقد أن دول الخليج تسعى إلى تعزيز أمنها الغذائي في ظل الاعتماد الكبير على المنتجات المستوردة، لكنه يرى أن جهود الحكومات الخليجية في تطوير استثماراتها الزراعية يصاحبها تخبط وعشوائية في السياسات الزراعية، والناتجة عن ضبابية الرؤية وغياب خطط استراتيجية مشتركة بين دول التعاون، معتبراً ذلك من أبرز العوائق التي خلفت اليوم تحديات شتى في وجه الاستثمار الزراعي على مستوى المنطقة.


إمكانات مالية

وقال عبد الرحيم إن تلك السياسات أدت إلى استنزاف المياه الجوفية في دول الخليج، كالعيون التي كانت منتشرة بأعداد كبيرة في منطقة الإحساء، وفي مناطق خليجية عدة.

وأوضح أن تلك العيون جفت نتيجة الاستعمال الجائر للمياه، وغير المحسوب، خصوصاً أنها مياه غير متجددة المصدر، فأصبحنا من الدول التي تعاني من ذلك التخبط ما بين استراتيجية الأمن الغذائي واستراتيجية الأمن المائي.

ودعا دول الخليج إلى تعزيز استثماراتها الزراعية، ولو بجزء يسير من إيرادات ثروة النفط، موضحاً أن ذلك ربما يجعلها تسهم بشكل فعال في تجارة وصناعة المنتجات الغذائية العالمية، فضلاً عن تحقيق استراتيجية مخزون استراتيجي آمن لتلبية احتياجات دول الخليج تتجاوز تذبذب الأسعار العالمية والمحلية إلى حد كبير، وتمول مراكزها التجارية بمنتجاتها المحلية، وهو عامل مهم يسهم في خفض نسب التضخم المحلية التي تعاني منها معظم دول الخليج في أوقات ارتفاع أسعار المواد الغذائية العالمية.

ولا يعتبر نقص المياه الصالحة للري مشكلة حقيقية بالنسبة لطموحات دول الخليج في الاستثمار الزراعي، فتوافر الإمكانات المالية لمعظم دول التعاون يجعلها قادرة على استخدام أحدث طرق تحلية المياه، خصوصاً ما يتعلق ببناء محطات التحلية التي تكلف الواحدة منها نحو 150 ألف دولار.

ليس هذا فحسب، فهناك مزروعات وأصناف معينة من المنتجات الزراعية تعيش على المياه المالحة، ما يخفض تكلفة إنتاجها وزراعتها.

نباتات ملحية

وقال محمد الشمري، الخبير الزراعي الذي يملك واحدة من أقدم الشركات الزراعية في الدوحة، إن التطور العلمي اختزل كثيراً من الأمور، فأصبح استصلاح الأراضي الصحراوية معه سهلاً للغاية.

ولفت إلى أن هناك نباتات ملحية لا تنمو إلا على مياه البحر، وتحتاج إلى تركيز عالٍ من كلوريد الصوديوم، وهذه النباتات تستفيد من المياه بفاعلية، وتحافظ عليها جيداً، لدرجة أن حاجتها للري تقل بمستوى النصف، مقارنة باحتياجات النباتات والمزروعات الأخرى.

وأضاف إن البحوث العلمية أثبتت أن النباتات الملحية تمتلك مميزات مذهلة من حيث إنتاجيتها الكبيرة، واحتوائها على نسبة بروتين عالية، وزيوت نباتية ذات نوعية جيدة، فضلاً عن إمكانية استخدامها كأعلاف للحيوانات، موضحاً أن هذه النباتات لا تحتاج دائماً إلى إزالة ملوحتها.

وبالفعل، نجحت مزرعة الهاجري في استزراع بذور هولندية مهجنة جديدة تنمو على شكل أعشاب وحشائش في المناطق الشاطئية.

وقال الهاجري إن هذه البذور تحتاج فقط إلى المياه المالحة، التي تساوي درجة ملوحة البحر، موضحاً أنه تم تهجين تلك البذور خصيصاً للمناطق التي تتمتع بسواحل شاطئية كبيرة.

وأضاف إن البذور أثبتت نجاحها وبدأت تنمو في مزرعته، وعدد من المزارع القطرية الأخرى، وأكد الهاجري أنها تلاقي استحسان ورضى المستهلكين.

تطوير الاستثمارات
Cant See Images
ومن المعوقات التي تحول دون تطوير الاستثمارات الزراعية في دول الخليج -وفقاً للشمري- غياب المراكز المحلية للبحوث الزراعية وغياب الإحصاءات الدورية الدقيقة التي تعكس حجم الإنتاج الزراعي، ووضع القطاع على مستوى دول التعاون، ما يصيب المستثمر بالإحباط، ويدفعه في بعض الأحيان إلى البحث عن قطاع استثماري آخر، خصوصاً مع غياب المعارض الزراعية المتخصصة عن الأسواق الخليجية، إلا من بعض الاستثناءات، مثل معرض «أغرا» للإنتاج الزراعي، الذي استضافته الإمارات مؤخراً، وكان له دور كبير في توعية المستثمرين في هذا القطاع المهم، ورسم خريطة واضحة المعالم لأفق الاستثمارات الزراعية في دول «مجلس التعاون الخليجي»، خصوصاً أن مشاركين وخبراء زراعيين شاركوا في أعماله من مختلف دول العالم.

ورأى أحمد حسن الخلف، وهو رجل أعمال ومستثمر قطري في قطاع المنتجات الغذائية والزراعية، أن الأسواق الخليجية تتمتع بتنافسية عالية في مجال المنتجات الزراعية، لذلك فإن المنتجات الزراعية الخليجية ستواجه منافسة حادة من قبل المنتجات الزراعية المستوردة، التي يصعب تفاديها في ظل الاتفاقات الدولية التي تربط معظم دول الخليج بالعديد من التكتلات والأسواق العالمية، وفي ظل ضعف العائد من الاستثمار الزراعي، مقارنة بالفرص البديلة في قطاعات الاقتصاد الأقوى، وضعف البنية المؤسسية للقطاع الزراعي.

وقال الشمري إنه بالإمكان تذليل هذه التحديات، من خلال العمل على تعزيز الدعم المادي والعيني للقطاع الزراعي الخليجي، وتوفير مدخلات الإنتاج، وتشجيع رؤوس الأموال الوطنية للاستثمار في القطاع.
Cant See Images