آخر 10 مشاركات
الخبيصه الاماراتيه (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 1 - المشاهدات : 18436 - الوقت: 09:09 PM - التاريخ: 01-13-2024)           »          حلوى المغلي بدقيق الرز (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 0 - المشاهدات : 12927 - الوقت: 03:16 PM - التاريخ: 12-11-2023)           »          دروس اللغة التركية (الكاتـب : عمر نجاتي - مشاركات : 0 - المشاهدات : 18939 - الوقت: 11:25 AM - التاريخ: 08-21-2023)           »          فيتامين يساعد على التئام الجروح وطرق أخرى (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 0 - المشاهدات : 20390 - الوقت: 08:31 PM - التاريخ: 07-15-2023)           »          صناعة العود المعطر في المنزل (الكاتـب : أفاق الفكر - آخر مشاركة : OM_SULTAN - مشاركات : 4 - المشاهدات : 54487 - الوقت: 10:57 PM - التاريخ: 11-06-2022)           »          كحل الصراي وكحل الاثمد وزينت المرأة قديما من التراث (الكاتـب : Omna_Hawaa - آخر مشاركة : OM_SULTAN - مشاركات : 2 - المشاهدات : 49741 - الوقت: 10:46 PM - التاريخ: 11-06-2022)           »          كيفية استخدام البخور السائل(وطريقة البخور السائل) (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 2 - المشاهدات : 41661 - الوقت: 10:36 PM - التاريخ: 11-06-2022)           »          جددي بخورك (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 0 - المشاهدات : 24160 - الوقت: 10:25 PM - التاريخ: 11-06-2022)           »          عطور الإمارات صناعة تراثية (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 0 - المشاهدات : 24457 - الوقت: 10:21 PM - التاريخ: 11-06-2022)           »          خلطات للعطور خاصة (الكاتـب : أفاق : الاداره - آخر مشاركة : OM_SULTAN - مشاركات : 1 - المشاهدات : 30363 - الوقت: 10:12 PM - التاريخ: 11-06-2022)

إضافة رد
 
أدوات الموضوع تقييم الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 12-02-2007, 08:19 AM   رقم المشاركة : 1
الكاتب

أفاق : الاداره

مراقب

مراقب

أفاق : الاداره غير متواجد حالياً


الملف الشخصي









أفاق : الاداره غير متواجد حالياً


أدبية الناسك وشمائل الحاج والسالك

بسم الله الرحمن الرحيم


أدبية الناسك وشمائل الحاج والسالك

تأليف ابي يزن حمزة بن فايع الفتحي


المقدمة
الحمد لله حمدًا مفضِّلِ مكة في البلاد، ومكرِّم الحجيج في العباد، اختصهم برحمته، وزادهم من نعمته، ووَسِعَهم بمشيئته، وصلى الله وسلم على سيد الناسكين وخير الطائفين من حج ولبَّى وقام الله وصلى، وعلى آله وصحبه ما ضاء وتجلى، وغرَّد بلبل وتغنى.
أما بعد:
فقد قال تعالى: ] الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ [ «البقرة».
فهذه الآية الكريمة أصل كبير في أدب الحاج، وقد حوت آدابًا جليلة، ووصايا عظيمة، جدير بكل مسلم ناسك تأملها والانتفاع بأثرها وتأثرها.
ولما كان همُّ الحجيج السؤال عن فقه الحج وأحكامه وسمت همةُ أهل العلم إلى ذلك تدريسًا وتأليفًا وتوجيهًا، رأيتُ أن أذكِّرَ أخواتي النساك بأمر عظيم وشيء متين، لا تقل أهميته شأنا عن فقه الحج، بل إنه يسهم بقوة في إنجاح الحجة، وإصابتها السنة، ألا وهو «أدب الحاج» الذي قلَّ التنبيهُ عنه وتغافل الحجاجُ عن معانيه، وقد طمعت النفس في تسجيل منظومة لطيفة للحاج، يُدرك من خلالها أهم الآداب وأحسن الأخلاق التي يتحلاها ويتمناها أثناء أدائه هذه العبادة العظيمة، ثم بدا أن أعلق عليها كلمات، وأُجليها بإشارات تُجليها وتوضحها، بلا إطناب ولا إكلال بحيث يَسهل للحاج تأملها وقراءتُها في أي وقت وعلى أية حال.
والله نسأل أن يرزقنا حسن القصد، وصحة العمل، وأن يُوفق إخواننا الحجاج وأن يسهل عليهم أداء المناسك على أحسن وجه وأتمه، وفق السنن الصحيحة والطرائق المليحة، آمين.

نص المنظومة=
تجرَّدنْ لله بالإخلاصِ
واسعَ إلى الغفُرانِ والخلاصِ=
مُزَوَّدًا بالتقوى والرجاءِ
والزاد والمتاع والحياءِ=
متجهًا بأطيب الأموالِ
وأحسن الآداب والخصالِ=
مسارعًا للخير والفضائل
ملبيًا من غير ما تثاقلِ=
مكبرًا لله باستيقان
وهاجرًا مساوئَ اللسانِ=
مبتغيَ الثواب والنوال
وتاركَ الفسوق والجدالِ=
وحاملاً الخُلْق والخشوعا
والفضل والسكونَ والخضوعا=
وآخذًا مناسكَ الرسولِ
وجامعًا محاَسن الفضُولِ=
مقتفيًا من غير ما إيغال
وعاملاً من غير ما إقلالِ=
تلينُ للإخوانِ والأصحابِ
وناسكًا من غير ما اصطخابِ
وصابرًا في غَمر ة الزحامِ
وراميًا من غير ما إيلامِ=
فإنما الطواف والجمارُ
لكي يُقام الذكر والجوآرُ=
معظمًا لله بالتوحيدِ
وطارح الشريك والنديدِ=
منكسرًا في جَمْع أو عرفاتِ
وتائبًا بالصدق والعبَراتِ=
غيرَ مضيِّع لذا الزمانِ
وقارئًا للعلم والقرآنِ=
تأمر بالمعروف والمحاسنِ
وناكرًا للسوء والمحازنِ=
ومرشدًا للضال والجهالِ
وناصحًا من غير ما إملالِ=
وتطعم الفقير والمسكينا
وترحم المسن والمهينا=
تسير في تواضع كبير
وليس في تبختر مثيرِ=
ُمذّللا لله في المناسك
وليس كالشريك والمُعاركِ=
تقول ما يقوله الأمينُ
ما جلَّ أو دقَّ وما يُبينُ=
مجتنبًا أذية الأنامِِ
بالدفع والفحش وبالمنام=
وجعلَ ذا الطريق لافتراشِ
أو حاجة أو مجلس انتعاشِ=
وغض ذي العينين في الطريق
ولا تكن كجالب الحريق=
من جـــاء للتمحيص والمبرور
فعاد بالأوزار والشرورِ=
نعوذ بالله من الضياع
للحال والجهد وللمتاعِ=
وإن تبع فحاذر الحرامَا
والغش والتدليس والإيهاما
ُتطيع للأمير والجليل
وسائلا للعالم النبيلِ=
معتنيًا بصحة الأجسامِ
في عالم يموج بالأنامِ=
ومشهد الإحرام والعرفاتِ
مذكرٌ بالموت والعرصَاتِ=
فهذه الآداب للحجيجِ
فخذها بالتأمل البهيجِ=
وحيث قد عرفتَ فالاسراعُ
والجد والبلاغ والإقناعُ=

شرح المنظومة

تجّردنْ لله بالإخلاصِ
واسعَ إلى الغفران والخلاصِ=

استهل الناظم قصيدته بأدب عظيم، وأصل كبير يستحضره المسلم العابد عند كل عبادة يطرقها، وكل قربة يقصدها وهو «الإخلاص» معيار قبول الأعمال، ومحل تصحيح الحركات والأفعال.
قال تعالى: ] فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ أَلاَ لِلَّهِ الدِّينُ الخَالِصُ [ «الرمز»، وقال: ] وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ [ «البينة/5».
والإخلاص معناه: أن يبتغي العبد بعمله وجه الله لا رياء ولا سمعة.
وقال بعضهم: هو إفراد الله بالقصد في الطاعة.
وقيل: هو تصفية الفعل عن ملاحظة المخلوقين، وإعجاب الفاعل بنفسه.
والوسائل المعينة عليه: استشعار ضعف العباد، وأنهم لن يُغنوا عنك من الله شيئًا، والمجاهدة والإلحاح على الله بالدعاء لبلوغه، والإكثار من عبادة السر كقيام الليل، واستحضار الإخلاص عند كل عبادة، وعدم تزكية النفس.
ثم قال الناظم:

* واسعَ إلى الغفران والخلاص *

لأن الحج من مظان المغفرة ومواسم الرحمة؛ قال r: «من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق، رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه» أخرجاه. وقال r: «والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة». وقال r: «تابعوا بين الحج والعمرة، فإنهما يَنفيان الذنوب والفقر، كما ينفي الكير خبث الحديد».

فهو محل عفو الله عن عباده، وخلاصهم من الذنوب والمعاصي.
وفي عشية عرفة يُندب الدعاء والتوبة والانكسار؛ لأنها ساعات العتق من النار وفضل الله فيها واسع كبير.
مزودًا بالتقوى والرجاء = والمال والمتاع والحياء
هذا هو الأدب الثاني وهو: التزود بالتقوى والتحلي بها، قال تعالى: ] وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى [.
والتزود له صور:
- التزود بالمال وهو عصب الحياة، به يُعِف نفسه ويحفظ مروءته ويحسن إلى إخوانه، ويُطعم الفقراء.
- والتزود بالمتاع من لباس ومفرش ونظائرهما، والتزود بالطعام لاسيما الأماكن التي قَلَّ فيها الطعام ويحصل فيها الجوع، أو أماكن لا يبدو فيها إلا رديء الأطعمة المعروضة، والتزود بالأصحاب الذين يرشدونك ويؤنسونك ويسهلون عليك أداء الفريضة.
- والتزود بالعلم من القراءة والتفقه واستصحاب الكتب النافعة المفيدة.
وعطف الرجاء على التقوى، قصد به الناظم عظم رجاء الناسك وابتغائه ما عند الله من الرحمات السابغات والهبات الوافرات، التي تمحو كل خطيئة عظمت وتزيل كل سيئة كبرت.
وفي أمره بالتزود (بالحياء) يقصد: التحلي به لزجره النفس عن السؤال حتى ولو قلت النفقة، فلا يمتهن المرءُ نفسه، ولا يُريق ماء وجهه. وفي الحديث: «والحياء شعبة من الإيمان»، وقال r: «لا يأتي إلا بخير».
فمتى ما استحيا الحاج، هيأ الله له رزقه، دون تطلع أو استشراف نفس.
متجهًا بأطيب الأموال وأحسن الآداب والخصال
متجهًا بأطيب الأموال وأحسن الآداب والخصال هذا هو الأدب الثالث أن يكون المال من سبيل حلال والنفقة المسافر بها طيبة ليس فيها رياء ولا شبهة، ولا سحت ولا غش، فإن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا؛ وقد قال تعالى: ] إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ المُتَّقِينَ [ «المائدة». والتقوى حاصلة بالكسب الحلال وليس الحرام المجموع من مشاريع ربوية أو فوائد بنكية أو سرقات تجارية.
وقد أفتى جماعة من أهل العلم بوجوب إعادة الحجة لمن حج بمال فاسد ونفقة محرمة.
ثم أشار الناظم أن الحاج يتجه للبلد الحرام بأطيب النفقات وأحسن الآداب والخصال، فذلك المجمع الكبير والمؤتمر الواسع موطن لبروز الأخلاق، وكشف معادن النفوس وشمائل الأرواح، وذا هو الأدب الرابع: أن يحرص الناسك أن يقدم صورة أخلاقية راقية للنفس المسلمة.

مسارعًا للخير والفضائلِ = ملبيًا من غير ما تثاقلِِ

في هذا البيت أدبان:
الأول: المسارعة للخيرات والفضائل؛ ليحرص الحاج الكريم أن يكون في حجته مسارعًا للخير، باحثًا عن الفضائل، يطلب الكمال ويقفو السنن: ] فاستبقوا الخيرات [ «البقرة»، وقال تعالى: ] وسارعوا إلى مغفرة من ربكم [ «آل عمران/133»، وقال: ] وفي ذلك فليتنافس المتنافسون [ «المطففين».
والثاني: * ملبيًا من غير ما تثاقل *
الجد في التلبية، وهي شعار الحج، وعنوان التوحيد وسبيل الاستجابة والانصياع لأمر الله تعالى، ولا يطيب الحج إلا بها، وتبدأ من حين عَقْد الإحرام وفى سائر البقاع والمشاعر، يلبي الحاج كما كان يفعل رسول الله r، لم يدعها إلا حين رمى جمرة العقبة، ومن ثَمَّ شُرع في التكبير المعروف.
وينبغي أن يتسم الحاج في التلبية بما يلي:
- المواظبة عليها، وقد أوجبه بعضهم وآخرون قال بركنيتها.
- يرفع صوته بها.
- يستغرق بها وقته وطريقه وأحواله.
- يستشعر بها تعظيم الله بلا تكاسل ولا تثاقل؛ لأنها من أعظم الذكر آنذاك.

مكبرًا الله باستيقان = وهاجرًا مساوئ اللسان

هنا أيضا أدبان السابع والثامن؛ فالسابع: كثرة التكبير واستشعار ذلك بالقلب تمجيدًا أو تعظيمًا لله تعالى.
والتكبير يبدأ من أول عشر ذي الحجة وفعله رسول الله r عند الإحرام كما يبين على ذلك الحافظ في الفتح، وأهمله كثير من الفقهاء. ويكبر في الطواف عند كل شوط وعلى الصفا والمروة وفي المشاعر ودفعه منها وهو في أيام العشر مطلق ومقيد: المطلق يبدأ من أول العشر، والمقيد يبتدئ من صلاة الظهر يوم العيد إلى آخر أيام التشريق.
ثم قال وهو الأدب الثامن:
* وهاجرًا ومساوئ اللسان *
يوضح هذا أهمية حفظ اللسان، وشد زمامه وحفظ انطلاقه بالذكر والتلاوة، فإن لم يكن فالصمت زين وخير له.
ويجب كفُّهُ عن مساوئ اللسان وجرائره المتمثلة في عظائم تُغير صلاح المسلم، وتُذهب خيره كالكذب والزور والغِيبة والنميمة واللغو والسباب والشتائم ونحو ذلك مما لا تنقضي عجائبه ولا تنتهي فجائعه، وفيه قال r لما علم معاذًا أبواب الخير: «أولا أدلك على ملاك ذلك كله كُفَّ عليك هذا». وأشار إلى لسانه.

مبتغى الثواب والنوالِ = وتارك الفسوق والجدالِ

وهنا أدبان أيضا:
الأول: أن يستشعر بحجته قصد ثواب، ولا يقصد المفاخرة والوجاهة أو كثرة ثناء الناس على عدد الحجات، وتتابع الزيارات، بل يستحضر الثواب العظيم «رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه» وما شاكله من الأخبار الباعثة على تحريك العزيمة وشحذ النفس إلى البقاع المباركة.
والأدب الثاني: * وتارك الفسوق والجدال *
وهو ما أبانه الله بقوله: ] فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ [ «البقرة».
والرفث: هو الجماع وكذلك دواعيه من المباشرة والتقبيل.
وأيضا يحرم التكلم به بحضرة النساء وفي غيابهن، خلاف المنقول عن ابن عباس، وإنما الرفث ما يقال عند النساء بل الصواب اجتنابه كله
والفسوق قيل: هو المعاصي، وقيل: هو السباب، وقيل: التنابز بالألقاب. والأول أعم وهو أحسن.
والجدال: هو أن تماريَ أخاك حتى تُغضبَه وكل جدال يفضي للتقاطع والخصومات. أما الجدال في العلم والمسائل على وجه التناصح والفهم فليس من ذلك.
وهذه الثلاثة الآثام في الحج حَرِيَّةٌ أن تُذهب حلاوته، وأن تمحق ثوابه، أو تُنقصه على كل حال، وقد قال بعض العلماء: إن الحج المبرور هو الذي لا يخالطه إثم، والرافث آثم، والفاسق مرتكب معصية خرجت به عن الاستقامة، والمجادل يُخشى عليه أن يجره جدالُه إلى آفة محرمة من سب أو لعن أو شتيمة أو تقاطع.

وحاملا الخُلقَ والخشوعا = والفضلَ والسكون والخضوعا

هنا جملة من الآداب المهمة والخصال الحسنة، ينبغي ألا يغفل عنها الناسك الكريم:
- منها التحلي بحسن الخلق، وهو كما قال ابن المبارك: «بسط الوجه وبذل المعروف وكف الأذى».
- ثم التحلي بالخشوع، وهو السكون والطمأنينة بحيث يؤدى الحاج المناسك بكل خشوع وطمأنينة، ويحمل أيضًا الفضل وهو الإكرام بماله وخلقه وشمائله.
- ويتحلى بالسكون في حركته ومشيه وأدائه للمشاعر بلا عجلة أو مزاحمة أو ركض.
- ويتحلى أيضًا بالخضوع في كل نسك يؤديه؛ ليخضع وينكسر لله بلا تعالٍ ولا تجبرٍ.
وهذا البيت احتمل خمسة آداب ينبغي تحلي الحاج بها، تُضاف لما سبق فتبلغ خمسة عشر أدبًا.

وآخذا مناسك الرسولِ = وجامعًا محاسن الفضولِِ

هذا هو الأدب السادس عشر؛ وهو: تأدية المناسك حسب الهدي النبوي. والأصل في ذلك: ] لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [ «الأحزاب/21»، وقوله r: «خذوا عني مناسككم».
فخذ مناسك الحج من رسول الله المعلم الأول والرسول الملهم، ودعك من آراء الشيوخ أو اجتهادات الفقهاء المنافية للسنة والأخبار.
ثم عرَّج على أدب آخر:
* وجامعًا محاسن الفضول *
أي: متلمسًا محاسن أفاضل الناس وأخلاقهم وعاداتهم في المناسك، وهل هذا يصلح أن يكون أدبًا؟! محل نظر؛ لأن الأصل التأدب بالآثار، لكن قد يقال: محاسن شمائل الأقدمين لا بأس بها هنا، والله أعلم.
ومن المحاسن: فتح بعض الفضلاء مخيماتهم للفقراء المساكين إطعامًا وإيواء ومبيتًا، كما كان يصنع الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى وبعض العلماء، وتسبيل بعض التجار المياهَ والمشروباتِ والأطعمةَ على صورة شاحنات تجوب المناسك. وقد كان ابن جُدْعان في الجاهلية يتولى إطعام الحجيج بشيء لا يوصف؛ وفيه قال الشاعر:

له داع بمكة مشمعل
وآخر فوق دارتها ينادى=
إلى قطع من الشيزى عليها
لباب البر يلبك بالشهاد=

وفي الإسلام كان ابن المبارك يخرج الحجاج من مرو على نفقته ويكرمهم إكراما سخيًا لا نظير له، والقصة مشهورة كما في كتب السير وأنه إذا جاء وقت الحج اجتمع إليه إخوانه من أهل مرو فيقولون: نصيحتك؟ فيقول: هاتوا نفقاتكم. فيجعلها في صندوق ويقفل عليها، يكتري -أي: يستأجر لهم-، ويُخرجهم من مرو إلى بغداد بأحسن زى وأكمل مروءة، حتى يصلوا إلى المدينة فيقول لهم لكل واحد: ما أمرك عيالك أن تشتريَ لهم من المدينة من طرفها؟ فيقول: كذا كذا. فيشتري لهم. ثم يخرجهم إلى مكة فإذا قضوا حجهم قال لكل واحد: ما أمرك أهلك أن تشتري لهم من متاع مكة؟ فيقول: كذا وكذا. فيشتري لهم. ثم يخرجهم من مكة فلا يزال يُنفق عليهم إلى أن يصيروا إلى مرو، فيجصَّص بيوتهم، فإذا كان بعد بثلاثة أيام عمل لهم وليمة وأرسل إليهم، فإذا أكلوا وسروا دعا بالصندوق، ففتحه ودفع إلى كل رجل منهم صُرَّتَه عليها اسمه. وهم مسرورون متهلون من كرمه رسخائه، رحمه الله.

ونُقل عن الثورى أنه كان في الحج أمَّارا بالمعروف ونَهَّاءًا عن المعروف.
وكان سفيان بن عيينة إذا حج دعا ألا يكون آخر العهد به، فلما كان آخر سنة لم يدع؛ قال: استحييت من ربي U. وقد شهد ثمانين موقفًا.

واجتمع بكر بن عبد الله المزنى ومطرف بن عبد الله بن الشِّخِّير في عرفات، فقال أحدهما: اللهم لا ترد هذا الجمع. وقال الآخر: لولا أني فيهم لقلت: إن الله غفر لهم.
ومن المحاسن في عصرنا: كثرة الدروس والكلمات في أغلب المخيمات وانتظامها، ولقاء أهل العلم بعضهم ببعض، وعقد المجالس والندوات للإفادة والتشاور والتلاقي العلمي والفكري.

ومنها: توزيع وزارة الحج وإدارة الدعوة كتيبات ومنشورات علمية نافعة بأعداد كبيرة، وجري بعض العلماء والمحسنين على ذلك. وهي تسهم في نوع من توعية الحاج فقهيًّا وأدبيًّا وحضاريًّا، نسأل الله أن تتضاعف الجهود أضعافًا مضاعفة في إزالة تخلف الأمة وتبعثرها حضاريًّا في أيام يجتمعون فيها في هذه الفريضة المباركة.
مقتفيا من غير ما إيغال وعاملاً من غير ما إقلالِِ
هنا أدبان مهمان متعلقان بالعبادة:

الأول: الاقتفاء بلا غلو، فقد قال r: «إياكم والغلو في الدين؛ فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين». وفي القرآن الكريم: ] لاَ تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ [ «المائدة».
ومن صور الغلو في الحج على سبيل المثال: رمي الجمارات بحصى كبيرة أو بأمور أخرى غير الحصى، أو غسلها قبل الرمي، وكذلك تتبع أماكن رسول الله r التي لم تكن على وجه من مثل العبادة كما كان يفعله ابن عمر رضي الله عنهما.
ومن الغلو العجيب: ما زعمه الغزالي في الإحياء من استحباب الوقوف بعرفه اليوم الثامن وادعى أنه الحزم.
والثاني: العمل بلا تقلل؛ أي: الإتيان بالعبادة بلا تقليل كمن يمر بمنى ويجلس قليلاً بلا مبيت ولو لنصف الليل، وكذلك من يمر بمزدلفة بسيارته ولا يبيت غالب الليل.
ونظيره من يمر بعرفة مرورًا، ولا يجلس للصلاة والذكر والابتهال والدعاء, وإن كان حجه صحيحًا، ولكن لماذا إنقاص العبادة، وحرمان النفس من الفضل.
وبعض هؤلاء المتقللين، ربما أناب شخصًا مكانه أو سأل ما حكم هذا المنسك؟ فإذا قيل له: يجبر بدم. استهان بما يدفعه من ماله ولم يبالِ بتمام الحج وبِرِّه، وتحصيل الثواب الباهر؛ وقد قال تعالى: ] وَأَتِمُّوا الحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ [ «البقرة».
فهذان الأدبان السابع عشر والثامن عشر:

تلين للإخوان والأصحاب = وناسكًا من غيرها واصطحاب

الأدب التاسع عشر: الليونة مع الحجاج، لا سيما إخوانك في الرحلة وأصحابك في السير، ترفق بهم ولا تجف ولا تغلظ؛ كما قال تعالى لرسوله: ] وَلَوْ كُنتَ فَظًا غَلِيظَ القَلْبِ لانفَضُّوا مِنْ حَوْلِك [ «آل عمران/159».
والأدب العشرون: * وناسكًا من غير ما اصطخاب *
أي: انسك المناسك بلا صخب أو رفع صوت سوى تكبير وتلبية، وإن كان الذكر المشروع، يرفع دون أذية للآخرين.
ومما يكره أيضًا: رفع الصوت بكلمات ليس لها أصل أو قولهم: «حج يا حاج» وما شابه ذلك.
ومن الطريف أن بعضهم يزاحم الناس ويؤذيهم ثم يقول: حج يا حاج. وآخر زحمه الناس وضغطوه فقيل: حج يا حاج. فقال باللهجة المصرية: هو انتو خليتو فيها حج!! والله المستعان.

وصابرًا في غمرة الزحام = وراميا من غير من إيلام

هنا أدبان رفيعان مهمان؛ وهما الواحد والعشرون: وهو الصبر على زحام الناس؛ فمن حكمة الله وفضله اجتماع الناس وتزاحمهم في هذه الأماكن بطريقة لا شبيه لها. وقد قد في قوله تعالى على لسان إبراهيم: ] فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ [ «إبراهيم/37». قيل: لو قال أفئدة الناس، لازدحم عليه المسلمون والترك والفرس/ فخص ولم يعم، ومع ذلك ترى الزحام المخيف والكثرة الكاثرة التي تدل على صدق هذا الدين، وأنه ملاذ البشرية ومحل هداية الإنسان لو فكر وتأمل، فالآن يجتمع قرابة الثلاثة ملايين يقضون مناسكهم بتوفيق الله وتيسيره، ثم بجهود المخلصين الذين يسهرون على خدمتهم والإحسان إليهم.
والمندوب للحاج أن يصبر على أذية الزحام، ولا يغضب أو يتذمر أو يكافئ السوء بالسوء، بل يحتمل كما احتمل الصالحون مثله.
فقد تلقى من يسبك أو يشمك، فعامله بتعليم الله لك: ] وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا [. أي: كلامًا طيبًا لينًا.
والأدب الثاني والعشرون: * وراميًا من غيرها إيلام *
ويقصد الناظم شعيرة رمي الجمار، ولهذه الشعيرة آداب:
- رميها تسبح حصيات نحو حبة الحِمَّص أو الباقلاء.
- ترمى رميًا معتدلاً، دون شدة أو تراخٍِ.
- لا إيلام للناس أو للشاخص؛ لأنه ليس في الشاخص شيطان كما قد يعتقده من كثير من الجهلة، وإنما هو إحياء لما صنعه إبراهيم u وقد جاء في الحديث: «إنما جعل الطواف بالبيت وبالصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله».
- موضع الرمي مجتمع الحصى لا الشاخص أو ما سال منه.

فإنما الطواف والجمارُ = كيما يقام الذكر والجوآرُ

أي: ما جُعلت هذا الشعائر إلا لإقامة ذكر الله، يتحسس الحاج أنه يؤدي عبادة ذات معنى وليست أفعالاً بلا روح، أو حركات دون إضاءات، والله الموفق.
معظمًا لله بالتوحيد وطارح الشريك والنديدِ
وهذا هو الأدب الثالث والعشرون وهو أن الحج عنوان الوحدانية لله تعالى؛ لأنه يقصد ربًّا واحدًا، له يسعى وله يصلي ويطوف، ومن أجله يحلق وينحر ويرمى، وهو يردد دائمًا: الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر والله أكبر ولله الحمد. ويردد: لبيك اللهم لبيك.
فالحاج يعلن توحيده لله، الذي به يبرأ من كل دين أو صنم أو طاغوت أو نجم أو صورة، ويعلق رجاءه وخوفه بالله تعالى، قال تعالى: ] فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الكَافِرُونَ [ «غافر/14».
إذن فلا يصح حج من دعا غير الله من نبي أو ولي أو صالح أو ما شابهه؛ لأن الله لم يعد قصدًا لله، بل صار القصد لمخلوق لا يضير ولا ينفع، وقد أمر الله رسوله أن يقول: ] قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًا ولا رشدًا [ «الجن/21».
منكسرا في جَمْع أو عرفات وتائبا بالصدق والعبَراتِ
والأدب الرابع والعشرون: أن تكون هيئته حال الدعاء منكسرًا لله، منطرحًا بين يديه باكيًا، يرجو فضله ويسأله محو ذنوبه.
وقال الناظم:

* في جَمع أو عرفات *
وهذان موضعان عظيمان من وقفات الدعاء الثابتة، وجَمْع هي مزدلفة؛ وسميت بذلك الاجتماع الناس فيها. وعرفات هو المكان المعروف الذي يجتمع فيه النساك اليوم التاسع، ووقفته أفضل وقفات الدعاء واللجوء إلى الله تعالى.
ثم قال:

* وتائبًا بالصدق والعبرات *
وذا أدب آخر: أن يكون من صفات الحاج إعلان التوبة لله تعالى في تلك المشاعر؛ لاتساع الرحمات وكثرة البركات وانكسار النفوس، ولذا كثيرًا ما نسمع بتوبة إخوةٍ لنا في الحج؛ لعظمة ما يرون، ولخير ما يدركون: مغن يهجر الغناء، ومدخن يكف، ومرابٍ يقلع عن الربا خوفًا من بناء جسده وإنباته من الحرام، وهلم جرًّا.
والمخيمات الزاخرة بالدروس والمواعظ محل توبة كثيرين من الحجاج، نسأل الله من فضله ورحمته.

غيرَ مضيع لذا الزمان = وقارئا للتعلم والقرآنِ

وهذا البيت احتوى على الأدبين السادس والعشرين والسابع والعشرين.
أما الأول: فهو ما قرره بقوله:
* غير مضيع لذا الزمان *
والمراد: حفظ الأوقات ومراعاة شرف الزمان. قال تعالى: ] وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ [ «العصر/1، 2». وفي صحيح البخاري: «نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة، والفراغ».
ومن آفات الحجاج في المناسك: إضاعة الأوقات، وقضاؤها في الضحك وأحاديث الناس، أو كثرة المنام والاستغفال.

ثم قال:
* وقارئًا للعلم والقرآن *

وذا هو الأدب الآخر، أن يحرص على اغتنام الزمان بالقراءة في القرآن وكتب العلم. ومن ذلك مطالعة كتب المناسك، ومن أحسنها: التحقيق والإيضاح لابن باز، والمنهج لابن عثيمين، وحجة النبي والمناسك للألبانى، رحم الله الجميع.
وكذلك يتردد على دورس المشايخ الفقهاء، الذين تزدان المشاعر بعلومهم ومعارفهم.

تأمر بالمعروف والمحاسنِ = وناكرًا للسوء والمحَازنِ

ومن آداب الحاج المهمة: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا هو الثامن والعشرون.
قال تعالى: ] كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ [ «آل عمران/110».
فحج مئات الآلاف من الناس وإيمانهم متفاوت، استقامتهم متباينة، وفيهم من يقصر ويسيء، فالواجب نصحه وتذكيره بالكلمة الرقيقة والأسلوب اللين.
قال r: «من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، ومن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان».

ترى حاجًّا يشتم ويسب، وآخر يستمع الغناء، وآخر يدخن، وما أكثرهم!! وآخر يؤذي الناس! فمن لهؤلاء إلا النصحة المشفقون والدعاة اللينون.
ومعنى: «للسوء والمحازن» أي: المنكرات السيئة التي تُحزن أهلَ الإيمان رؤيتُها.

ومرشدًا للنضال والجهال = وناصحًا من غير ما إملالِ

في الحج يكثر الضوال والجهال، أحدهما يضل الطريق، والآخر يضل السنة والهدي، فالواجب نصحهما وإفادتهم، لاسيما من يعرف الأمكنة والمشاعر، ومن يفقه الأحكام والأدلة. وذا هو الأدب التاسع والعشرون
وأما الثلاثون: فالنصح بدون إملال ذكِّر بقصد، وانْصَح باعتدال، أو تحول الناس لئلا تملهم أو تضجرهم.
وهنا ننبه على أن بعض أصحاب المخيمات من حرصهم على الخير يُكثرون الكلمات والمواعظ دون إجمام أو ترويح، لدرجة حرمان الحجاج من النوم والارتياح، وذا مسلك ليس بجيد، فليتنبه.

وتطعم الفقير والمسكينا = وترحم المسن والمهينا

هذا البيت اشتمل على أدبين آخرين مهمين:
الأول: يستطيعه الموسر المقتدر: وهو إطعام الفقراء والمساكين.
والثاني: يفعله كل ناسك قذف الله في قلبه الرحمة: وهو رحمة المسنين والمهينين أي: الشيوخ الكبار والأشخاص الممتهنين ممن يمتهنهم الناس لحرفهم أو لفقرهم أو لأحوالهم، وما أكثر هذان الصنفان في الحج، إذ المناسك تكتظ بفقراء بلا مأوى وبلا مطعم وتغص بكبار عجزة، وبأقوام ويحتقرهم الناس، فمن لهؤلاء إلا أصحاب الأيادي الندية، والقلوب الرقيقة، الذين يحتسبون فيهم الأجر والثواب. قال r: «من لا يرَحم لا يُرحم».
ورُوِّينا في الحديث المسلسل بالأولية: «ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء».
وهذان هما الأدبان الواحد والثلاثون والثاني والثلاثون. ثم قال الناظم بعد ذلك:

تسير في تواضع كبير = وليس في تبختر مثير

وهنا نبه على أدب مهم يحمله المسلم على كل حال، وفي الحج تشتد الحاجة إليه؛ لأن الموضع موضع سكينة وأدب وليس عجلة وترفع، وهو خلق التواضع، فإذا مشى تواضع وعليه السكينة، ولا يمشى مِشْية المتكبرين المتبخترين.
قال:

* تسير في تواضع كبير *

أي: التواضع مع هدوئه ولطافته، يعليك ويجعلك كبيرًا إذا صدقت الله. وفي الحديث: «وما تواضع عبد لله إلا رفعه الله».
ثم قال:

* وليس في تبختر مثير *

لما كان اجتماع الناس باختلاف أجناسهم ومراتبهم مدعاة ليتعالى بعضهم، أو يتجبر آخرون، نبه على قبح السير بتبختر وتكبر؛ لأنه ليس من أخلاق الأنبياء ولا أتباعهم، قال الرحمن في وصفه لعباده: ] الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا [ «الفرقان/63».
ثم وصف ذلك التختر بأنه مثير، يُلفت انتباه الناس لاسيما الفقراء والضعفة، وسبب إثارته تعود إلى غرابته واستنكار الناس له، ولأنه ليس على طبيعة الناس المعروفة، وغالبًا من يبتلى به ذوو الولايات وأصحاب الثراء، والله المستعان. وهنا اكتمل الأدب الثالث والثلاثون.


مذللاً لله في المناسك = وليس كالشريد والمُعارك

وهنا يبين الناظم ما ينبغي على الحاج أثناء تنقله بين المناسك وأدائه للطاعة؛ بأنه يكون متذللاً لله، خاضعا له أثناء سيره وعمله.
قال:
* وليس كالشريد والمعارك *
أي: لا تَسِرْ كسير الشريد الهارب من أناس، أو ذلك المعارك -بضم الميم- أي: المقاتل الذي يشد على خصمه راكضًا وجسورًا، وهذا هو الأدب الرابع والثلاثون.

تقوله ما يقوله الأمينُ = ما جلَّ أو دقَّ وما يبينُ

أي: تحرص أخي الحاج على تتبع آثار رسول الله r القولية والأذكار التي كان يرددها في أماكنها، وهذا جزء من أدب سبق؛ وهو أخذ المناسك من رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام.
ثم قال:

* ما جلَّ أو دقَّ وما يبين *

أي: احرص على الأذكار والأقوال ما كبر أو صغر، وكل ما أبانه رسول الله نحو قوله عند الإحرام مكبرا ومسبحًا وحامدًا؛ ومنها قوله بين الركنين: ] رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [.

ومنها: تكبيره عند رمي الجمار. وهذا هو الأدب الخامس والثلاثون.

مجتنبًا أذية الأنام = بالدفع والفحش وبالمنامِ

وهنا نبه الناظم على الأدب السادس والثلاثين؛ وهو النهي عن أذية الآخرين.
- ومن ذلك: أذية الناس بالدفع أثناء الاختلاط والزحام.

- وأذيتهم بالفحش وهو المنطق البذيء، وفي الحديث: «ليس المؤمن بالطعَّان ولا اللعَّان ولا الفاحس البذيء».

- وأذيتهم بالمنام في طريقهم، وهذه بلوى ظاهرة يتجاسر عليها من لا يعرف للطريق حقه ولا للمشاة حقوقهم.

- وأذيتهم بالافتراش في الطريق، سواء كان للراحة أو المنام، وذا لا يجوز.
- وأذيتهم بقضاء الحاجة في ممر طريقهم، وهذا فعل محرم. قال r كما في صحيح مسلم: «اتقوا اللاعينين، الذي يتخلى في طريق الناس أو ظلهم». وسماهما «لاعنين» لأنهما جالبان اللعن من الناس عليه، فالحذرَ الحذرَ.

- وأذيتهم بجعل الطريق مجلسَ تفكُّهٍ وانتعاش وخوض فيما لا ينفع وفي أمور ضررها أكبر من نفعها، وذلك أيضا لا يجوز، والله المستعان.

وغُضَّ ذي العينين في الطريق = ولا تكن كجالب الحريقِ

وهنا ذكر أدبًا مهمًّا يدل على صدق التدين وتمام استقامة الناسك؛ وهو غض البصر؛ فالحج فيه نساء ومردان، ويحصل التداني والاجتماع، وقد قال تعالى: ] قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ [ «المؤمنون»، وقال: ] وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فَرُوجَهُنَّ [.

وذا هو الأدب السابع والثلاثون وهو شامل للجنسين، فإنه يحرم النظر لمواطن الشبهات.
وقال الناظم معللاً ذلك:

ولا تكن كجالب الحريقِ

من جاء للتمحيص والمبرور = فعاد بالأوزار والشرورِ

أي أن النظرة المحرمة تحرق صاحبها، وتُذهب صفوه وهو

قد جاء لتمحيص الخطايا، وليحوز بر الحج. وللأسف باء بالأوزار وبالشرور؛ لأن من عواقب النظرة المحرمة أنها ذريعة للفاحشة وتوهن الإيمان في القلب، وتورث محبة الصور، وتعكر صفو الطاعة والإقبال عليها. وقد صح في الحديث: «النظرة سهم مسموم من سهام إبليس». ولما سئل r عن نظر الفجأة قال: «اصرف نظرك». وقال r: «لك الأولى وليست لك الأخرى».

نعوذ بالله من الضياع = للمال والجهد وللمتاعِ

لا ارتباب أن من أتى ليقلب نظره في المحرمات أو قارف سيئات قد أضاع نفسه، وأودعها مستودع التباب والضياع، وحصلت له صور من الضياع:

- أضاع ماله الذي بذله في الحج.
- وأضاع جهده بفعل المناسك وهو ملطخ بالمعصية.
- وأضاع متاعه الذي تكلف به، ولكن لم تطب الحجة، ولم تحسن الرحلة والعياذ بالله.
ثم شرع الناظم في إيضاح الأدب الثامن والثلاثين وهو ما عناه بقوله:

وإنْ تبع فحاذر الحراما = والغش والتدليس والإيهاما

نبهّ هنا على مسألة مهمة، وهي بيع الحاج وشراؤه في أثناء أداء المناسك هل يجوز؟
الصواب أنه يجوز بلا خلاف، وكان الصحابة قد تحرجوا من ذلك، فسألوا رسول الله، فأنزل الله تعالى: ] لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُوا فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ [ «البقرة». أي: في مواسم الحج. كذا فسرها مجاهد وابن جُبير وعكرمة ومنصور بن المعتمر وقتادة وإبراهيم والربيع بن أنس وغيرهم.

وفي صحيح البخاري عن ابن عباس قال: كانت عُكَاظ ومَجَنَّة وذو المجار أسواقًا في الجاهلية، فتأثموا أن يتجروا في الموسم؛ فنزلت: ] لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُوا فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ [ في مواسم الحج( ).
فإذا ما جاز للحاج البيع وابتغاء فضل الله، فليحذر بيع المحرمات أو التلبيس بصورة محرمة كالغش أو التدليس أو إيهام سلامة السلعة وهي تالفة، وما شابه ذلك.
وهنا الأدب التاسع والثلاثون:

تطيع للأمير والجليل = وسائلاً للعالم النبيلِ

وهذا الأدب الأربعون وفحواه: وجوب طاعة أمير الحج أو الرفقة، وعدم المشاقة والمخالفة في السير والكلام والصلاة وترتيب الأعمال.

قال تعالى: ] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ [. وفي الحديث قال عليه الصلاة والسلام: «من أطاع الأمير فقد أطاعني، ومن عصى الأمير فقد عصاني» أخرجاه عن أبي هريرة.

أما أمير الحج والرفقة فيتعين طاعته والسماع له، وأما الجليل فيطاع لشرفه أو علمه كبر سنة.

ثم قال الناظم:

* وسائلاً للعالم النبيل *
وهذا هو الأدب الواحد والأربعون: أن السؤال والاستفهام مخصوص بالعالم المتفقه الكبير الذي نبُل بعلمه ونبُل بحسن فهمه وحِذْقه، وليس كل من تكلم أو ارتدى شارة العلماء جاز له الفتيا وصدق أنه ضليع متقن، فقد قال أبو الحسن الفالي رحمه الله:

جهول تسمى بالفقيه المدرِّسِ =تصدَّر للتدريس كل مهوس
ببيت قديم شاع في كل مجلسِ=فحق لأهل العلم أن يتمثلوا
كلاها وحتى سامها كل مفلسِ=لقد هزلت حتى بدا من هزالها

وما أكثر المفاليس علمًا وفهمًا في هذا الزمان وقد تقلدوا ما لا يسوغ لهم، والله المستعان.
ثم قال الناظم:
معتنيًا بصحة الأجسام في عالم يموج بالأنام
وهذا أدب صحي حضاري؛ إذ إن سلامة الحاج طريق لإتمامه مناسكه، وتنقله بارتياح. وفي ظل الزحمة الشديدة تكثر أمراض ضربات الشمس والإنفلونزا الحادة والأوبئة المختلفة؛ فيجب على الحاج التوقيَ باستعمال الحقن والعقاقير ومراجعة الأطباء، وتطبيق وصايا وزارة الصحة والحج في هذا السياق لتسلم له صحته وتتم له حجته، وهذا هو الأدب الثاني والأربعون.
ومشهد الإحرام والعرفات مذكر بالموت والعرصات
وهنا ختم الناظم الآداب بأدب جليل؛ وهو تذكر الموت والآخرة؛ لأن في إكمال المناسك ما يُذكر بذلك:
فأولاً تجرده من المخيط عند الإحرام، وفيه تشبه بالميت. وعشية عرفات وما فيها من مهابة وجلالة وتزاحم، تذكر بساعة القيامة.
فمثل هذه المشاهد كافية في التذكير باليوم الآخر الذي نعته الله بالأوصاف الشديدة في القرآن.
قال تعالى: ] وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ [ «البقرة/281»، وقال: ] رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ [ «آل عمران/9», وقال: ] خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ [ «القمر/7».
وبهذا السبب تكتمل الآداب إلى ثلاثة وأربعين أدبًا.
ثم قال الناظم:

فهذه الآداب للحجيج = فخذها بالتطابق البهيج

أي: وقد علمت الآداب والخصال التي يتعين على الحاج حملها والتحلي بها، فخذها وتعلمها بالتطابق البهيج؛ أي: بالعمل والتفاعل المبهج، الذي يدل على حفظها ووعيها ومحبتها ونشرها في الناس، والله تعالى أعلم.
وحيث قد عرفت فالإسرعُ والجد والبلاغ والإقناع
نعم كل من علم خيرًا عليه البدار والإسراع إليه جدًّا وعملاً وتطبيقًا، سواء كان أحكامًا أو شمائلَ، وعليه كذلك أن يبلغه وينشره في الأصحاب والناس. ومتى ما وجد كسولاً أو معارضًا، حاوره وسلك معه مسلك الإقناع بالحجج الصحيحة والمعاني الرجيحة، ليعكس للناس صورة الإسلام المشرقة الحضارية الراقية التي تزهو بمحاسن الأخلاق وروائع الشمائل والآداب.
فهذه ثلاثة وأربعون أدبًا نظمتُها وعلقتُ عليها بما يُوضحها ويكشف أسرارها في أيام معدودات، تشبه التشريق عدًّا لا معنًى، وتزيد عليها فضلاً وقدرًا وشرفًا، وصلى الله عليه وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
كان الفراغ منه ليلة الجمعة الثاني من ذي الحجة 1425هـ.
كتبه
حمزة بن فايع الفتحي
Cant See Links


التوقيع :


اللهم صل على سيدنا محمد عبدك ونبيك ورسولك
النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم تسليما عدد مااحاط به علمك
وخط به قلمك واحصاه كتابك
وارض اللهم عن سادتنا ابي بكر وعمر وعثمان وعلي
وعن الصحابة أجمعين وعن التابعين وتابعيهم بإحسان الى يوم الدين





رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:52 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.4, Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir