آخر 10 مشاركات
الخبيصه الاماراتيه (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 1 - المشاهدات : 34375 - الوقت: 09:09 PM - التاريخ: 01-13-2024)           »          حلوى المغلي بدقيق الرز (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 0 - المشاهدات : 23488 - الوقت: 03:16 PM - التاريخ: 12-11-2023)           »          دروس اللغة التركية (الكاتـب : عمر نجاتي - مشاركات : 0 - المشاهدات : 29771 - الوقت: 11:25 AM - التاريخ: 08-21-2023)           »          فيتامين يساعد على التئام الجروح وطرق أخرى (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 0 - المشاهدات : 31193 - الوقت: 08:31 PM - التاريخ: 07-15-2023)           »          صناعة العود المعطر في المنزل (الكاتـب : أفاق الفكر - آخر مشاركة : OM_SULTAN - مشاركات : 4 - المشاهدات : 64644 - الوقت: 10:57 PM - التاريخ: 11-06-2022)           »          كحل الصراي وكحل الاثمد وزينت المرأة قديما من التراث (الكاتـب : Omna_Hawaa - آخر مشاركة : OM_SULTAN - مشاركات : 2 - المشاهدات : 58944 - الوقت: 10:46 PM - التاريخ: 11-06-2022)           »          كيفية استخدام البخور السائل(وطريقة البخور السائل) (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 2 - المشاهدات : 50826 - الوقت: 10:36 PM - التاريخ: 11-06-2022)           »          جددي بخورك (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 0 - المشاهدات : 33217 - الوقت: 10:25 PM - التاريخ: 11-06-2022)           »          عطور الإمارات صناعة تراثية (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 0 - المشاهدات : 33454 - الوقت: 10:21 PM - التاريخ: 11-06-2022)           »          خلطات للعطور خاصة (الكاتـب : أفاق : الاداره - آخر مشاركة : OM_SULTAN - مشاركات : 1 - المشاهدات : 39411 - الوقت: 10:12 PM - التاريخ: 11-06-2022)

إضافة رد
 
أدوات الموضوع تقييم الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 03-07-2010, 07:06 PM   رقم المشاركة : 1
الكاتب

OM_SULTAN

المشرف العام

OM_SULTAN غير متواجد حالياً


الملف الشخصي








OM_SULTAN غير متواجد حالياً


موضوع للبحث



فتوى القرضاوي حول كوارث الجمرات

قبل بناء الجسور فوق الجمرات



الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد ...

فمن الضرورة بمكان أن يفكر أهل العلم والفكر والسياسة في إيجاد حل لهذه المشكلة التي تتسبب في موت المئات من الحجاج كل عام ، وأن يقلل من عدد الحجاج الذين حجوا من قبل حج الفريضة، وأن يوسع العلماء على الناس بجواز إطالة زمن الرمي من الفجر حتى آخر الليل ، وعلى العلماء وأهل الاختصاص في كل بلد أن يقوموا بمهمة توعية الحجاج.

فيقول الدكتور يوسف القرضاوي حفظه الله : </<b>

فلا بد لأهل العلم والفكر من ناحية، وأهل السياسة والتنفيذ من ناحية أخرى: أن يفكروا في إيجاد حل مناسب لهذه المشكلة، وقديمًا قال الناس: كل عقدة لها حلاّل. وفي الحديث: " ما أنزل الله داء إلا أنزل له دواء، علمه من علمه، وجهله من جهله" وهذا ينطبق على المعنويات، كما ينطبق على الماديات، وينطبق على الجماعات، كما ينطبق على الأفراد.

تقليل العدد إن أمكن: </<b>

أول هذه الحلول في نظري: أن نقلل من عدد الحجاج ما أمكننا، وخصوصًا الحجاج الذين حجوا قبل ذلك حجة الفريضة، وربما حج كثير منهم مرات ومرات. وأن نوعّي هؤلاء بأن أفضل لهم من حج النافلة، أن يتبرعوا بمبلغ الحج لإخوانهم المسلمين، الذين يموتون من الجوع، ولا يجدون ما يمسك الرمق، أو يطفئ الحرق، أو الذين يحتاجون إلى (مدرسة) يعلمون فيها أبناءهم فلا يجدونها، وبجوارهم مدارس (التنصير) تعرض عليهم أن تعلمهم مجانًا فيرفضون، أو الذين يحتاجون إلى (مستشفى) لعلاجهم من الأمراض المتفشية بينهم، أو إلى (مصنع) يشتغل فيه العاطلون من أبناء المسلمين، ويساهم في تنمية مجتمعاتهم، أو إلى (دار للأيتام) تكفل من مات آباؤهم ولم يتركوا لهم شيئًا يعيشون به. . إلى آخر ما يحتاج إليه المسلمون في أفريقيا وآسيا، وغيرهما من البلاد، وهم يفتقرون إلى الكثير والكثير.

ولو فقه المسلمون الذين يحجون للمرة السابعة أو العاشرة أو العشرين دينهم حقًا، وعلموا أن إطعام الجائع، وكسوة العريان، ومداواة المريض، وتعليم الجاهل، وتشغيل العاطل، وإيواء المشرد، وكفالة اليتيم، وإغاثة اللهفان: أحب إلى الله تعالى من حج النافلة، ما تزاحموا على الحج، وتركوا هذه القربات العظيمة، التي أراها فرائض على المسلمين قصروا فيها، وقد اتفق علماء الأمة على هذه القاعدة: "إن الله لا يقبل النافلة حتى تؤدي الفريضة".
وقد قال الربانيون: من شغله الفرض عن النفل فهو معذور، ومن شغله النفل عن الفرض فهو مغرور.
ومن ذلك: أن يحدد عدد الذين يحجون من داخل المملكة، فهم يشكلون جمًا غفيرًا، وكمًا كبيرًا، وتستطيع السلطة في المملكة بوسيلة وأخرى أن تقلل من هذه الأعداد. وقد فعلت المملكة شيئًا من ذلك في السنوات الماضية بالنسبة للمقيمين فيها والعاملين بها، وبقي أن نتخذ شيئًا مناسبًا بالنسبة للمواطنين، وقد قرأت في الصحف أن هناك اتجاهًا لجعل الحج لأبناء المملكة كل خمس سنوات. ولا أدري هل صدر في ذلك قرار أوْ لا؟ وهو توجه معقول ومفيد.

أما فكرة تقليل عدد الحجاج من كل دولة حسبما اتفق عليه مع منظمة المؤتمر الإسلامي، من نسبة معينة لكل دولة، فلا أرى هذا ملائمًا الآن، فإن الذي أعلمه أن كثيرًا من الأقطار تطالب بزيادة نصيبها، لشدة الضغط عليها من الراغبين في الحج، ولهذا تضطر هذه البلاد لإقامة (قرعة) بين طلاب الحج، والغالب أن هذه القرعَة تكون بين الذين يطلبون الحج لأول مرة، وإن كان هناك كثيرون من الذين حجوا قبل ذلك، يجدون لهم طرقًا وأساليب يستطيعون بها أن يحققوا رغبتهم في الوصول إلى الأراضي المقدسة.

إجازة الرمي قبل الزوال: </<b>

وهناك أمر آخر في غاية الأهمية، وهو منوط بأهل العلم والفقه في هذه الأمة، وهو: أن نوسع في (زمن الرمي) ما وسع لنا الشرع في ذلك، حيث لا نستطيع أن نوسع المكان، إذ المرمي صغير كما هو معلوم، ثم لا بد أن يكون الرمي من مسافة قريبة، حتى يقع الحصى في المرمى، ولا يصيب الناس فيؤذيهم.

وما دام العدد كبيرًا، والمكان محدودًا، فليس أمامنا إلا توسيع الزمان، وهو: إجازة الرمي من الصباح إلى ما شاء الله تعالى من الليل.

وقد أجاز الإمام أبو حنيفة الرمي يوم النفر من منى من الصباح، فيرمي، ثم يحزم أمتعته لينـزل إلى مكة.

وإذا كان معظم الناس يتعجلون في يومين، كما قال تعالى: {فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه، ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى} البقرة: 203 فلم يبق إلا يوم واحد، هو اليوم الثاني من أيام النحر.

وقد قال ثلاثة من كبار الأئمة بجواز الرمي قبل الزوال في الأيام كلها، وهم: عطاء، فقيه مكة، وفقيه المناسك، وأحد فقهاء التابعين. . وطاووس، فقيه اليمن، وأحد فقهاء التابعين، وهو وعطاء من تلاميذ حَبْر الأمة عبد الله بن عباس، وكذلك هو رأي أبي جعفر الباقر، من أئمة أهل البيت، وفقهاء الأمة المعتبرين.
بل قال هذا بعض المتأخرين من فقهاء المذاهب من الشافعية والمالكية والحنابلة، وهو رواية عن الإمام أحمد.
وهم لم يروا ما رأينا من الزحام، وموت الناس تحت الأقدام، فكيف لو شهدوا ما شهدنا؟

لقد قرر المحققون من علماء الأمة: أن الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان وحال الإنسان، وكلنا يؤمن بهذه القاعدة ويرددها، ويعدها من محاسن هذه الشريعة، فما لنا لا نطبقها، وهذا أوانها؟

ومما يؤكدها: أن هذه الملة حنيفية سمحة، وأنها قامت على اليسر لا على العسر، ولم يجعل الله في هذا الدين من حرج، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا" متفق عليه عن أنس.
وقال: " إنما بعثتم ميسرين، ولم تبعثوا معسرين" رواه البخاري عن أبي هريرة.
وما سئل صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع عن أمر في الحج قدم أواخر، إلا قال للسائل: أفعل، ولا حرج.

وقد قرر العلماء عدة قواعد كلها ينفعنا في هذه القضية. منها قولهم: التكليف بحسب الوسع. المشقة تجلب التيسير. . إذا ضاق الأمر أتسع . الضرورات تبيح المحظورات. لا ضرر ولا ضرار.

ومما يؤكد ذلك أن المقصود من الرمي هو ذكر الله تعالى، كما جاء في الحديث "إنما جعل رمي الجمار والسعي بين الصفا والمروة لإقامة ذكر الله" رواه أبو داود والترمذي وقال: حسن صحيح.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يرمي الجمرة الأولى، ويقف طويلاً يدعو الله سبحانه، وكذلك في الجمرة الثانية. فهل يمكن أحدًا في هذه الأمواج المتلاطمة من الزحام أن يقف ويدعو؟

وقد استدل بعض العلماء بقوله تعالى: (واذكروا الله في أيام معدودات، فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه) قال : واليوم باتفاق يبدأ من الصباح، بعد الفجر، أو بعد الشمس.

وقد رمى النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر جمرة العقبة في الصباح، ورمى بعد ذلك بعد زوال الشمس، وهو خارج لصلاة الظهر. ولهذا كان الرمي بعد الزوال سنة عنه، ولكن لم يأت نهي منه عليه الصلاة والسلام عن الرمي قبل ذلك.

على أن الرمي ليس من أساسيات الحج، فهو يتم بعد التحلل الثاني من الإحرام بالحج، وتجوز فيه النيابة للعذر، وأجاز فقهاء الحنابلة أن يؤخر الرمي كله إلى اليوم الأخير. وكل هذا يدل على التسهيل فيه، وعدم التشديد.
وحديث عروة بن مضّرس الطائي الذي رواه أصحاب السنن وقد أدرك النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الفجر بمزدلفة، وسأله عن حجه، فقال: " من شهد صلاتنا هذه، ووقف معنا حتى ندفع (أي إلى منى وطواف الإفاضة) وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلاً أونهارًا، فقد تم حجة، وقضى تفثه "، والرمي إنما يأتي بعد ذلك، فقد تم حجه، وقضى تفثه.

رسالة (يسر الإسلام) لابن محمود: </<b>

ألف العلامة الشيخ عبد الله بن زيد المحمود رئيس المحاكم الشرعية في قطر رحمه الله: رسالة في المناسك سماها (يسر الإسلام) أجاز فيها الرمي قبل الزوال، ودلل على ذلك باعتبارات وأدلة شرعية قوية، وإن كان مشايخ المملكة ـ وعلى رأسهم المفتي الأكبر الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله ـ قد عارضوه وردوا عليه، وذلك منذ نحو 40 عامًا، ولكني أرى الدليل مع ابن محمود ، والضرورة توجب ترجيح فتواه.

من أدلة ابن محمود : </<b>

ولا يسعني هنا إلا أن أذكر أهم ما استند إليه الشيخ ابن محمود في رسالتة تلك من أدلة شرعية، واعتبارات مرعية، مستمدة من نصوص الشريعة السمحة، وقواعدها الضابطة، ومقاصدها الحاكمة.

قال رحمه الله: </<b>


فبما أنه ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نحر يوم العيد ضحى، وحلق يوم العيد ضحى، وطاف طواف الإفاضة يوم العيد ضحى، وسكت عن الأعداد، فجعله العلماء موسعًا يفعل في أي ساعة من أيام التشريق، فكذلك الرمي. ويدل لذلك ما روى البخاري، قال: حدثنا أبو نعيم، حدثنا مسعر عن برة قالت: سألت ابن عمر: متى أرمي الجمار؟ فقال: إذا رمي أمامك فارمه. فأعدت عليه المسألة، فقال: كنا نتحيّن، فإذا زالت الشمس رمينا، فهذا ابن عمر الذي هو أحرص الناس على اتباع السنة، قد أحال هذا السائل على اتباع إمامه فيه عند أول سؤاله، لعلمه بسعة وقته، ولو كان يرى أنه محدد بالزوال كوقت الظهر لما وسعه كتمانه، لأن العلم أمانة .
وعلق الشيخ ابن محمود على الفقهاء الذين ضيقوا في زمن الرمي، حتى إن كثيرًا منهم جعلوا وقته من الزوال إلى الغروب، وهو وقت ضيق جدًا، ومنهم من وسع بعد الغروب، ولكن منع الرمي قبل الزوال في كل حال، فقال وأجاد فيما قال ـ رحمه الله:" ولو فكروا في نصوص الدين بإمعان ونظر، لوجدوا فيه الفرج من هذا الحرج، لأن نصوص الدين كفيلة بحل كل ما يقع الناس فيه من الشدات والمشكلات. يؤكده أن الرمي أيام التشريق يقع بعد التحلل الثاني من عمل الحج، بحيث يباح للحاج أن يفعل كل شيء من محظورات الإحرام حتى النكاح. ولكون الإنسان إذا رمى جمرة العقبة يوم العيد وحلق رأسه، فقد تحلل التحلل الأول لحديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا رميتم وحلقتم فقد حل لكم الطيب وكل شيء إلا النساء". رواه أبو داود. فإذا طاف طواف الإفاضة،فقد تحلل التحلل الثاني، بحيث لو مات لحكم بتمام حجه، فناسب التسهيل وعدم التشديد في التحديد، إذ هي من فروع المسائل الاجتهادية.

يوضحه أن الفقهاء من الحنابلة والشافعية قالوا: إنه لو جمع الجمار كلها حتى جمرة العقبة يوم العيد فرماها في اليوم الثالث من أيام التشريق أجزأت أداء، لاعتبار أن أيام منى كلها كالوقت الواحد، قال في (المغني) و (الشرح الكبير)، وكذا في (الإقناع) و (المنتهى)، وهو المذهب، وحكى النووي في (المجموع): أنه الظاهر من مذهب الشافعي.

فمتى كان الأمر بهذه الصفة وأن أيام منى كالوقت الواحد حسبما ذكروا، فإذنْ لا وجه للإنكار على من رمي قبل الزوال، والحالة هذه، فإن من أنكر الرمي قبل الزوال أو بالليل بحجة مخالفتها لفعل النبي صلى الله عليه وسلم وفعل أصحابه، وقال: بجوار رميها مجموعة في اليوم الثالث، فإنه من المتناقضين الذين يرجحون الشيء على ما هو أولى بالرجحان منه، فإن رمي كل يوم في يومه ـ ولو قبل الزوال ـ أقرب إلى إصابة السنة، بحيث يصدق عليه أنه رمى في اليوم الذي رمى فيه رسول الله، سيما إذا صحب هذا الرمي ما يترتب عليه من الذكر والتكبير والدعاء والتضرع، بخلاف جمعها ثم رميها في اليوم الثالث في حالة الزحام، حتى لا يدري أصاب الهدف أم وقعت بعيدًا منه، فإن جمعها ثم رميها في اليوم الثالث إنما ورد في حق المعذورين برعاية الإبل من أجل غيبتهم عن منى، على أن كلا من الأمرين صحيح إن شاء الله، لدخول الناس كلهم في واسع العذر بداعي مشقة الزحام والخوف من السقوط تحت الأقدام.

وكل من تأمل الفتاوى الصادرة من النبي صلى الله عليه وسلم بعد التحلل الثاني يجدها تتمشى على غاية السهولة واليسر. فقد استأذنه العباس في أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل سقايته، فأذن له. على أن هذا الإذن مستلزم لترك واجبين، وهما: المبيت والرمي، ولم يأمره أن يستنيب من يرمي عنه، ولا من يسقي عنه، على أن الاستنابة في كلا الأمرين ممكنة.

وقيل له: إن صفية قد حاضت، قال: فهل طافت طواف الإفاضة؟ قالوا: نعم، قال: فلتنفر إذنْ، فأسقط عنها طواف الوداع، وهو معدود من الواجبات، ولم يأمرها في أن تستنيب من يطوف بدلها.
ورخص لرعاة الإبل في المبيت عن منى، بأن يرموا يوم النحر ثم يجمعوا جمار الأيام الثلاثة، يرمونها يوم النفر في أي ساعة شاؤوا من ليل أو نهار.

حديث (خذوا عني مناسككم): </<b>

وأما الاستدلال بحديث: " لتأخذوا عني مناسككم" وأن الرمي بعد الزوال هي من المناسك التي فعلها النبي صلى الله عليه وسلم والتي أمر أن تؤخذ عنه.


فالجواب: أن هذه كلمة جامعة، فإن المناسك التي نسكها رسول الله والتي أمر أن تؤخذ عنه تشمل الواجبات والمستحبات، مثل الاغتسال للإحرام، والتلبية والاضطباع في الطواف والرمل، وتقبيل الحجر، وصلاة ركعتي الطواف، وغير ذلك من العبادات التي نسكها رسول الله في حجه وهي من المستحبات، وكل من عرف قواعد الشريعة وأصولها المعتبرة وما تشتمل عليه من الحكمة والمصلحة والرحمة، ومنافاتها للحرج والمشقة، عرف حينئذ تمام المعرفة أن في الشريعة السمحة ما يخرج الناس عن هذه الشدة والمشقة التي يعانيها عند الجمار، لأن الدين عدل الله في أرضه ورحمته لعباده، لم يشرعه إلا لسعادة البشر في أمورهم الروحية والجسدية والاجتماعية. ومن قواعده أنه إذا ضاق الأمر اتسع والمشقة تجلب التيسير: (وما جعل عليكم في الدين من حرج) الحج: 78 (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) البقرة:185
فهذه المشقة التي يعانيها الناس عند الجمار لا يجوز نسبة القول بها إلى الشرع، ولا دليل على هذا التحديد لا من الكتاب ولا من السنة ولا قياس ولا إجماع.

غاية القول فيها أنه جرى على حسب الاجتهاد من الفقهاء الذين ليسوا بمعصومين من الخطأ، وليس من كلام رسول الله الذي لا ينطق عن الهوى (إن هو إلا وحي يوحى) فإن رمي النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه وأصحابه فيما بين الزوال إلى الغروب، هو بمثابة وقوفهم بعرفة فيما بين الزوال إلى الغروب، على أنه لم ينته بذلك حد الوقوف، بل الليل كله وقت للوقوف.

وبما أن الرمي من واجبات الحج، فإنه يتمشى مع نظائره من الواجبات مثل النحر والحلق والتقصير، فيدخل بدخولها في الزمان، ويجاريها في الميدان، إذ الكل من واجبات الحج الذي يقاس بعضها على بعض عند عدم ما يدل على الفرق. وقد دلت نصوص الشريعة السمحة على أن الصواب في مثل هذه المسألة هو وجوب التوسعة، وعدم التحديد بالزوال، بل يجوز قبله وبالليل، كما دلت عليه نصوص طائفة من العلماء، فلم تجمع الأئمة ولله الحمد على المنع، ولا على وجوب هذا التحديد، إذ كانوا يردون ما تنازعوا فيه إلى الله وإلى الرسول، فيتبين لهم بذلك كمال دين الله وحكمة شريعته، وكونه صالحًا لكل زمان ومكان، قد نظم حياة الناس أحسن نظام، في شؤون عبادتهم من حجهم وصلاتهم وصيامهم.

الموسعون في وقت الرمي من العلماء: </<b>

وبالجملة، فإن القول بجواز رمي أيام التشريق قبل الزوال مطلقًا هو: مذهب طاوس وعطاء، ونقل في (التحفة) عن الرافعي ـ أحد شيخي مذهب الشافعي ـ الجزم بجوازه، قال: وحققه الأسنوي وزعم أنه المعروف مذهبًا.

وذهب الإمام أبو حنيفة إلى أنه يجوز الرمي قبل الزوال للمستعجل مطلقًا، وهي رواية عن الأمام أحمد، ساقها في (الفروع) بصيغة الجزم بقوله: وعنه: يجوز رمي متعجل قبل الزوال، قال في (الإنصاف): وجوز ابن الجوزي الرمي قبل الزوال، وقال في (الواضح): ويجوز الرمي بعد طلوع الشمس في الأيام الثلاثة وجزم به الزركشي.

ونقل في (بداية المجتهد) عن أبي جعفر محمد بن علي، أنه قال: رمي الجمار من طلوع الشمس.
وروى الدار قطني عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله أرخص للرعاة أن يرموا جمارهم بالليل أو أية ساعة من النهار".
قال الموفق في كتابه (الكافي): وكل ذي عذر من مرض أو خوف على نفسه أو ماله كالرعاة في هذا، لأنهم في معناهم، قال: فيرمون كل يوم في الليلة المستقبلة، قال: في (الإنصاف) وهذا هو الصواب، وقال في (الإقناع) و (المنتهى): وهو المذهب.

فعلم من هذه الأقوال أن للعلماء المتقدمين مجالاً في الاجتهاد في القضية، وأنهم قد استباحوا الإفتاء بالتوسعة، فمنهم من قال بجواز الرمي قبل الزوال مطلقًا، أي سواء كان لعذر أو لغير العذر. ومنهم من قال بجوازه لحاجة التعجل، ومنهم قال بجوازه لكل ذي عذر، كما هو الظاهر من المذهب.

فمتى أجيز لذوي الأعذار في صريح المذهب أن يرموا جمارهم في أية ساعة شاؤا من ليل أو نهار، فلا شك أن العذر الحاصل للناس في هذا الزمان، من مشقة الزحام، والخوف من السقوط تحت الأقدام، أنه أشد وآكد من كل عذر، فيدخل به جميع الناس في الجواز، بنصوص القرآن والسنة وصريح المذهب، والنبي صلى الله عليه وسلم ما سئل يوم العيد ولا أيام التشريق عن شيء من التقديم والتأخير إلا قال: " أفعل ولا حرج"، فلو وجد وقت نهي قابل للرمي أمام السائلين لحذرهم منه، إذ لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة إليه، فسكوته عن تحديد وقته هو من الدليل الواضح على سعته.. . والدين ما شرعه الله ورسوله، وما سكت عنه فهو عفو، فاقبلوا من الله عفوه واحمدوا الله على عافيته (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) (ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيمًا) . أ. هـ

هذا ما قاله ابن محمود قبل أربعين عامًا، ولم ير الزحام ما رأينا اليوم، حتى يموت الناس بالمئات تحت الأقدام فكيف والحالة كما نرى ونسمع؟!

توعية الحجاج: </<b>

وأرى أن على العلماء في كل بلد أن يقوموا بمهمة توعية الحجاج ـ مصاحبين لهم في رحلتهم، و قبل أن يسافروا لأداء شعيرتهم ـ بما يجب عليهم من الرفق والسكينة، وعدم استخدام العنف، فإن الله يحب الرفق في الأمر كله، وما دخل الرفق في شيء إلا زانه، ولا دخل العنف في شيء إلا شانه، ويبينوا لهم أن لا ضرورة للتكدس لرمي الجمرات في وقت معين، وأن الرمي يجوز في كل الأوقات، وعليهم أن يوزعوا أنفسهم على أوقات اليوم.

وإذا وافق المشايخ في المملكة على جواز الرمي قبل الزوال، تستطيع السلطات أن تتفق مع المطوفين: أن ينظموا أوقات الرمي لمن معهم، بحيث يتوزعون على أوقات اليوم، ولا يتكدسون عند الزوال، كما هو المشاهد.

كما ينبغي ترغيب بعض الحجاج في التأخر، وعدم التعجل، حتى لا يتزاحموا في اليوم الثاني، استعجالاً للنـزول إلى مكة، فلو بقى عدد معقول إلى اليوم الثالث، لساهم في تخفيف الزحام.
أسأل الله تعالى أن يفقه المسلمين في دينهم، وأن يبصرهم بفقه الموازنات، وفقه الأولويات، حتى يعرفوا مراتب الأعمال، ويعطوا لكل منها قيمته، من غير وكس ولا شطط. والحمد لله أولاً وآخرًا.

والله أعلم .


التوقيع :

لااله الا الله محمد رسول الله
laa ilaaha ilaa allaah muhameed rasoolullah

which means
None is Worthy of Worship But Allah and Muhammed is
the Messenger of Allah

قال تعالى:
(إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي
الألْبَابِ *الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي
خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ*)

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( خيركم من تعلم القرآن وعلمه ))

ذكرى الله في الصباح والمساء
remembrance allah at morning and evening
Fortress of the Muslimحصن المسلم باللغة الانجليزية

ONLINE ISLAMIC BOOKS
http://www.kitabosunnah.com/islamibo...he-muslim.html




http://dalil-alhaj.com/en/index.htm









رد مع اقتباس
قديم 03-07-2010, 07:09 PM   رقم المشاركة : 2
الكاتب

OM_SULTAN

المشرف العام

OM_SULTAN غير متواجد حالياً


الملف الشخصي








OM_SULTAN غير متواجد حالياً


رد: موضوع للبحث


السعودية: تدشين مشروع لتطوير جسر الجمرات في منى




منى: كمال إدريس
بدأت في السعودية أمس عمليات هدم جسر الجمرات في منى، ضمن خطة تطويرية لإعادة بناء جسر متطور من شأنه الحد من التزاحم والحوادث، حيث سيتم ضمن هذه الخطة تشييد جسر جديد مكون من طابقين ودور تحت الأرض مخصص للخدمات المساندة. وقال الدكتور أسامة البار، عميد معهد خادم الحرمين الشريفين لأبحاث الحج، لـ«الشرق الأوسط» إنه سيتم زيادة عرض الجسر بمقدار 20 مترا ليصبح العرض الكلي بمساحة 100 متر مربع ليتسع لـ250 ألف حاج في الساعة، مشيرا إلى أن الجسر الجديد سيزود بنظام تفريغ آلي للحصى من الأحواض، ونظام آلي لنظافة الجسر، إلى جانب نظام متطور للطوارئ، متوقعا أن تكتمل الصورة النهائية للجسر عام 1428 هـ. وسيتم خلال مراحل العمل على تطوير جسر الجمرات إنشاء نفق شمال منطقة جسر الجمرات بستة مسارات، وذلك لنقل الحركة من شرق مكة إلى غربها، وربطها بالطرق المرتبطة بسوقي العرب والجوهرة في مشعر منى لفك الاختناقات والازدحام على امتدادي الطريق. ويتوقع أن يسهل تنفيذ المرحلة الأولى من مشروع تطوير جسر الجمرات حركة نزول الحجاج في المشاعر إلى أسفل الجسر، وبذلك يتم فصل حركة المشاة عن السيارات على طريق النفق الجديد. وسيحتوي المشروع على عدد من الأدوار المتكررة، والسلالم، ومهابط للطائرات، ومواقع للإخلاء الطبي والإسعاف، بالإضافة إلى إنشاء أنفاق للمشاة من الجهة الغربية لتفويج حركة الحجيج.


Cant See Links


رد مع اقتباس
قديم 03-07-2010, 07:50 PM   رقم المشاركة : 3
الكاتب

OM_SULTAN

المشرف العام

OM_SULTAN غير متواجد حالياً


الملف الشخصي








OM_SULTAN غير متواجد حالياً


رد: موضوع للبحث



حادثة ”جسر الجمرات”(رؤية شرعية)

دراسةٌ مختصرة لما حدث لبعض الحجاج المتعجلين عند ”جسر الجمرات”
في يوم الخميس الموافق: (12/12/1426هـ)


كتبه:
أبو محمد عبدالله بن محمد الحوالي الشمراني
باحث في الدراسات الإسلامية، وعضو الجمعية الفقهية السعودية





[للتواصل مع الكاتب]
ص ب: (103871) ـ الرياض: (11616)
فاكس المكتبة: (4910642/01)
Email: Cant See Links

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين...
أما بعد:
فقد آلمنا ـ كما آلم الأمة الإسلامية ـ ما حدث في ”جسر الجمرات” في يوم الخميس الموافق الثاني عشر من شهر ذي الحجة المحرم لهذا العام (1426هـ)، فراح ضحية هذا الحادث أكثر من (360) حاجًّا، غير مئات المصابين= نسأل الله أن يرحم من مات منهم، ويلهم أهلهم الصبر والسلوان، ويخلف عليهم خيرًا، ويعافي من أُصيب = فكتبت هذه الدراسة، والذي دفعني لها هو صياغة الخبر في ”قناة الجزيرة”، وما ذَكَرَته بعضُ ”الصحفِ المحلية”( )، كعادتها عند حدوث مثل هذا الحادث في كل سنة، بل بعضها تذكر ما تذكره قبل حدوث الحادث، وهو الكلام في ”الفتوى” في هذا البلد، وأنَّها سبب المشكلة، وأنَّ ”الفتوى” عندنا متضاربة، والتعبير عن ذلك بعبارات صحفية لا تناسب المصطلحات الشرعية، بل لا تناسب الطرح العلمي النـزيه.
وهذا ما حدث منهم عند اختلاف العلماء في حكم الاكتتاب في شركة ”ينساب”، وقد كتبت فيما يخص كلامهم على الاكتتاب كتابة بعنوان ”فقه الخلاف” [دروسٌ للمخالف في الاكتتاب]، وسترونها قريبًا إن شاء الله.
وقد جعلت دراستي حول ”حادثة جسر الجمرات” على نقاط سبعة؛ على النحو الآتي:

النقطة الأولى: الإيمان بالقضاء والقدر.
النقطة الثانية: اهتمام الحكومة السعودية بالحج والحجاج.
النقطة الثالثة: سبب ازدحام الناس، وهلاكهم.
النقطة الرابعة: فقه المسألة.
النقطة الخامسة: تكرار هذا الحادث.
النقطة السادسة: علاج المشكلة.
النقطة السابعة: الاصطياد في الماء العكر


.
[النقطة الأولى: الإيمان بالقضاء والقدر]

الإيمان بالقضاء والقدر هو ركن من أركان الإيمان العظيمة، الواردة في حديث جبريل ـ عليه السلام ـ المشهور، وقال الله تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ (49)} [القمر].
قال شيخنا العلامة محمد ابن عثيمين رَحِمَهُ اللَّهُ:
(الإيمان بالقدر هو من ربوبية الله عز وجل، ولهذا قال الإمام أحمد رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى: (القدر قدرة الله) أ.هـ لأنَّه من قدرته، ومن عمومها بلا شك، وهو ـ أيضًا ـ سر الله تعالى المكتوم الذي لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى، مكتوبٌ في اللوح المحفوظ، في الكتاب المكنون، الذي لا يطَّلِع عليه أحدٌ... وعلى المؤمن أن يرضى بالله تعالى ربًا، ومن تمام رضاه بالربوبية، أن يؤمن بقضاء الله وقدره)( ) أ.هـ
ويجب أن يتحلى المؤمن بصفة عامة وذوي المتوفين والمصابين في حادثة الجمرات على الخصوص بهذه الخصلة، فمن آمن بالقضاء والقدر لذ له العيش، ومن لم يؤمن به تعس في الدنيا والآخرة. يقول الله تعالى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلاَ فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22)} [الحديد].
وقد رأيت من كلام بعض الناس تجاه هذه الحادثة ما يخالف هذا العقيدة؛ ومن ذلك قول أحدهم: (فعلاً قهر والله!! كل هذه الإمكانات المسخرة للحج، وكل سنة حجاج يتوفون!!).
ونحن حين نحتج بالقضاء والقدر لم نحتج به إلا بعد فعل الأسباب والتوكل على الله تعالى، وهذا ما تتحدث عنه النقطة الثانية...

[النقطة الثانية: اهتمام الحكومة السعودية بالحج والحجاج]

لم يكن أمر الحج خاص بهذا العام دون غيره، بل الحج ركن من أركان الإسلام الخمسة، ومن جحده فقد كفر، لذا حج الناس مع النبي ، ولا يزالون يحجون بعد وفاته إلى يومنا هذا، وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، ولذا كان أمر الحج محل عناية كل حكام المسلمين حتى آل الأمر إلى الدولة السعودية فوضعت أمر الحج بل أمر الحرمين الشريفين عامة محل عناية، وخصصت لذلك ”المليارات” الكثيرة، وقدمت مشاريعه على مشاريع كثيرة يراها الناس من المشاريع التنموية، وأنشأت ”معهدًا” خاصًا بالبحوث والدراسات المتعلقة بالحج، وتنتدب آلاف العسكر من القوات المسلحة، والحرس الوطني، والداخلية بكافة الأفرع، وهذا غير المدنيين من كافة الجهات الحكومية، كل ذلك لخدمة حجاج بيت الله الحرام، ومن يحج كل عام، وينظر إلى هذه الجهود يعرف حقيقة ما أقول( ).
ومع كل هذه الجهود، يبقى القول بأنَّ تنظيم ما يزيد على المليونين شخص في بقعة صغيرة ومحدودة ليس بالأمر الهين، وما حصل لا يتمناه مسلم في قلبه مثال ذرة من إيمان، فكيف بدولة أنفقت المليارات من أجل التسهيل أمر الحجاج.
ولكن مع كل هذه الجهود إلا أنَّ مشيئة الله فوق كل شيء، وقدّر الله وما شاء فعل، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا لله وإن إليه راجعون، ونقول للحكومة السعودية وفقها الله {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} [التوبة: 91].

[النقطة الثالثة: سبب ازدحام الناس، وهلاكهم]

إنا ما حصل عند ”جسر الجمرات” ، وإنا كنا نتضرع إلى الله، ونبتهل إليه بأن يكون الأخير، إلا أنَّه لم يكن الحادث الأول، ولا الثاني، ويرجع ذلك إلى أسباب عدة؛ ومن أهمها:

(1) استعجال نسبة كبيرة جدًا من الحجاج، ورغبتهم في الرمي في أوّل الوقت، لكي يتسنى لهم الذهاب إلى ”الحرم” لإكمال النسك، ومن ثم الرحيل إلى وطنهم، وتشدد كثير من الحملات (التجارية) على الحجاج، وتطالبهم بالانتهاء من جميع أعمال المناسك، في وقتٍ مبكر، لأنَّ الرحلات سواءً البرية أو الجوية مجدولة وفق أوقات معينة، بل ومحسومة، ولا تسمح ـ جل الحملات التجارية ـ لهم بالمبيت بـ ”منى” ليومٍ ثالث، بل وتشترط عليهم ذلك قبل السفر للحج، ولو نظمت الحملات السفر، وجعلته على دفعتين الأولى يوم الثاني عشر، والثانية يوم الثالث عشر لكان أولى، ولكن هذا خلاف المراد عند الحملات التجارية، وأيضًا عند كثير من الحجاج.
(2) وجود الكثير من الحجاج في مباسط أرضية حول ”جسر الجمرات” بطرق عشوائية، وبعضهم قد نصبوا ما يُسمّى بـ ”الخيام البحرية”، فأعاقوا مسيرة الراغبين في الرمي.
(3) يوجد أعداد غير قليلة من الحجاج ممن يستعجلون الرمي يأتون إلى ”الجسر” وهم محمّلون بالأمتعة، لكي يرموا وينصرفوا مباشرة.
(4) تجمع أعداد كبيرة جدًا من الحجاج يتجاوزن (600.000) حاج عند ”الجسر” تحسبًا للوقت الذي يفتي ببدء الرمي فيه جمهور العلماء، عندها يتقدمون دفعة واحدة، وبغير تنظيم منهم، ولا ترتيب، فيتسببون في المأساة.
علمًا بأنَّ الأعداد التي تحضر للصلاة في ”المسجد الحرام” قد تتجاوز (2.000.000) مصلٍ، ومع ذلك يجتمعون لأداء الصلاة، ويقفون لأدائها في صفوف منتظمة، بكل خشوع وطمأنينة، ولا يحدث مثل الجمرات، ويجتمع داخل ”المسجد الحرام” أعداد هائلة، ويطوفون حول ”الكعبة” شرفها الله، ولا نسمع بما نسمعه في ”جسر الجمرات”، علمًا بأنَّ وقوف الأعداد الكبيرة للصلاة في ”المسجد الحرام” يكون في وقتٍٍ واحد وقصير جدًا، وهو أقل بكثير من الوقت المخصص للرمي وفق رأي الجمهور.
لو قارنَّا بين تجمع المسلمين في ”المسجد الحرام”، وتجمعهم عند ”جسر الجمرات” رأينا أنَّ العدد لا دخل له في الحادث، بل السبب هو ازدحام الناس وتجمعهم ـ محملين بالأمتعة ـ عند المنافذ تحسبًا للحظة معينة ينطلقون فيها، عِلمًا بأنَّ الوقت أطول من هذه اللحظة.
(5) ومن الملاحظ أنَّ أغلب من يتضرر في هذا الحادث هم من الحجاج قليلي العلم والبصيرة، فهم لا يلتزمون بكثير من الأنظمة والتعليمات، وهذه الشريحة( ) تعاني منها الجهات المنظمة للحج في كل موسم، وتعليم هؤلاء من مسؤولية ”مؤسسات الطوافة” التي تأتي بهم وترميهم في مشعر ”منى” يفترشون الشوارع، ويستظلون بالجسور والكباري، فالله حسيبهم.
وبعد هذا؛ نجد أنَّه من الظلم ـ والله ـ تحميل ”الحكومة السعودية” التي أنفقت المليارات لتفادي هذا الأمر، أقول من الظلم تحميلها مسؤولية هذا الحادث وتبعاته.
ومن المضحك الإشارة إلى بعض ما قيل في أسباب الحادث؛ مثل:
(1) وجود ”موكب” لأحد كبار الشخصيات! ولا أعلم لماذا لم نسمع بهذا ”الموكب”، إلا في هذا اليوم؟! ألم يرمِ صاحب ”الموكب” صباح يوم العاشر، ويوم الحادي عشر؟! لما لم تأتِ مشكلته إلا في هذا اليوم؟! وألم يسر ”الموكب” في أماكن في ”عرفة”، و ”مزدلفة”؟! لما لم يأتِ ضرر هذا ”الموكب” إلا في هذا اليوم فقط؟! وفي هذا المكان؟! ألم يكن في وسع هذا الموكب ومن فيه، أن يرموا قبيل الغروب بعد أن يخف الزحام؟!
أسئلة متعددة نترك الإجابة عنها لمن كان له السبق في اكتشاف هذا الحدث العالمي.
ثم إنَّ الشخصيات الكبيرة (كما هو معروف)، لا يرمون بأنفسهم في يوم الثاني عشر، بل يوكِّلون من يرمي عنهم، وينصرفون، وهذه عادة يفعلها كثيرٌ منهم.
(2) تصدع ”جسر الجمرات” متأثرًا بكثرة البارود المستعمل في دك جبال ”مكة”، وأنا لا أعرف لماذا لم يتأثر من دك الجبال إلا ”جسر الجمرات” فقط؟! ولماذا لم يكن تصدعه إلا حين الاستعجال في الرمي في ذلك اليوم؟! والغريب أنَّ ”الجسر” اُسْتُعْمِل للرمي بعد الحادثة، وكذلك في اليوم الثالث عشر، ولو كان متصدِّعًا لما سُمح بالرمي عليه بعد ذلك.
أما قيام ”الدولة” بإزالته فهذا تبعًا لخطةٍ مدروسة من قَبْلِ الحادث، وجاءت الإزالة ليقوم مقامه مشروعٌ ضخم يُطَوّر فيه ”موقع الجسر” ليكون عبارة عن أربعة طوابق، بكامل خدماتها، وتخدم قرابة (4.000.000) حاج في اليوم، وقد أُعْلن عن هذا المشروع منذ زمن، وما إن انتهت المناسك، حتى بدأ الشركات تعمل فيه بطاقة (5000) عامل، بتكلفة تجاوزت (4.2) مليار ريال( ).
وكثير مِمَّن يكذبون في التحليل يستندون إلى ”شاهد عيان”، ليهربوا من تبعية الخبر، ولا يجرؤن على تسمية شخص أو جهة، ولعل مستندهم (شاهد عيَّان) بتشديد الياء، ولو كان بتخفيف الياء، وأمينًا في نقله، لما نقل إليهم خلاف الواقع.


يتبع إن شاء الله =

--------------------------------------------------------------------------------

السديس23 01 2006, 08:52 م
[النقطة الرابعة: فقه المسألة]

إنَّ للحادث أسبابًا ذُكرت، وليس منها الفتوى الشرعية (عدم جواز الرمي قبل الزوال)، ولكن يصر بعض الناس ـ بقصد أو بغير قصد ـ إثارة هذه المسألة، وكثيرٌ منهم ليس مختصًا بالفقه، لذا نراهم عند طرق المسألة يأتون بالعجائب والغرائب( )، ولا غرابة في ذلك، ففاقد الشيء لا يعطيه.
ولحساسية الأمر سأذكر فقه المسألة؛ ليعرف كل من اطلع على هذه الدراسة حقيقة الأمر.
[فقه المسألة]( ):
للرجم أيام التشريق قولٌ مجمعٌ عليه، ولا إشكال فيه، ووقتان آخران محلان للخلاف؛ على النحو الآتي:
الوقت الأول: الرمي من بعد زوال الشمس إلى غروبها.
وهذا الوقت محلٌ للرمي عند الجميع، ولا إشكال فيه، فلا نطيل.
الوقت الثاني: الرمي بعد غروب الشمس (الرمي ليلاً).
والمشهور من مذهبنا (الحنابلة)، القول بعدم جواز الرمي في هذا الوقت، ولكن الراجح ـ والله أعلم ـ جوازه، وقال بذلك الحنفية، وبعض المالكية، وهو وجهٌ مشهور [خلاف الصحيح] عند الشافعيَّة، وبه يفتي بعض مشايخنا الأفاضل.
وهذا القول نقول به لأمرين:
الأمر الأول: رجحانه ـ من حيث الدليل ـ على القول بعد الجواز، وبيان ذلك:
(1) سُئِلَ النَّبِيُّ  فَقِيلَ لَهُ: رَمَيْتُ بَعْدَ مَا أَمْسَيْتُ؟ فَقَالَ : (لاَ حَرَجَ)( ).
(2) قال عبدالرجمن بن سابط رَحِمَهُ اللَّهُ: (كان أصحاب رسول الله  يقدمون حجاجًا، فيَدَعُون ظهرهم، فيجيئون فيرمون بالليل)( ).
(2) أنَّ النبي  وقّت لنا أوّل الوقت للرمي، ولم يوقّت لنا آخره، ولو كان آخره غروب الشمس بينه لنا .
(3) من حدّد آخر الوقت بغروب الشمس، فتحديدٌ بلا دليل.
والأمر الثاني: لما في هذا القول من التيسير للحجاج، وذلك بتوسيع وقت الرجم( ).
والقول بالرمي في هذا الوقت لا يثار حوله كثير كلام، والمحك عند الوقت الثالث الآتي...
الوقت الثالث: جواز الرمي قبل الزوال( ).
والقائلون بجواز الرمي في هذا الوقت يحتاج ذكر مذهبهم إلى تفصيل، فأقول وبالله التوفيق:
يرى الإمامان الجليلان طاووس بن كيسان اليماني، وعطاء بن أبي رباح جواز الرمي فيه مطلقًا( ).
ويرى الحنفيَّة جواز الرمي قبل الزوال في اليوم الثالث عشر فقط، أما اليوم الثاني عشر فلا يرون جواز الرمي قبل الزوال إلا للمتعجل فقط، أما غير المتعجل فلا يرمي قبل الزوال، على الرواية المشهورة( ).
أما صاحبا أبي حنيفة( )، والمالكية، والشافعية في المعتمد عندهم، والحنابلة على الصحيح من المذهب( )، فيرون أنَّ الرمي لا يكون قبل الزوال، بل بعده.
وبعض أهل العلم يرون أنَّ الرمي قبل الزوال لا يجوز إلا لمن أخّر رمي يوم إلى اليوم الذي بعده.
والذي يترجَّح في المسألة هو رأي الجمهور القائلين بمنع الرمي قبل الزوال، وأدلتهم( ):





رد مع اقتباس
قديم 03-07-2010, 07:54 PM   رقم المشاركة : 4
الكاتب

OM_SULTAN

المشرف العام

OM_SULTAN غير متواجد حالياً


الملف الشخصي








OM_SULTAN غير متواجد حالياً


رد: موضوع للبحث

1 ـ قول الله تعالى: {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: 203]، واليومان هما ـ بالاتفاق ـ يومي الحادي عشر، والثاني عشر، فمن رمى صباح الثاني عشر، لم يكنْ تعجَّل في يومين، بل تعجَّل في يومٍ وشيءٍ يسيرٍ من اليوم الثاني. أمَّا مَنْ رمى بعد الزوال، فقد تعجَّل ليومين، لأنَّه مكثَ يومًا كاملاً، وأكثرَ الثاني، وإذا مرَّ أكثرُ اليوم عُبِّر عنه باليوم، كما هي عادة الشارع.
2 ـ أنَّ النبي  رمى بعد الزوال، وقال: ((لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ))( ).
3 ـ أنَّ النبي  بادر بالرمي حين زالت الشمس، ورمى قبل أن يصلي الظهر، وكأنه  بفعله هذا يترقب زوال الشمس ليرمي ثم يصلي الظهر.
4 ـ لو كان الرمي قبل الزوال جائزًا ـ كالرمي يوم النحر ـ لفعله النبي ، لما في ذلك فوائد؛ منها:
(1) أنَّ في ذلك فعلاً للعبادة في أول وقتها، وهو أمر محمود في الشرع.
(2) ولما في ذلك من التيسير على الأمة.
(3) ولما في الرمي قبل الزوال من تطويل لوقت الرمي، وهو ما تتمناه الأمة.
(4) ويؤد هذا قول عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: (مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ  بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلاَّ أَخَذَ أَيْسَرَهُمَا، مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا، فَإِنْ كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ)( ). فلمَّا لم يختر النبي  الرمي قبل الزوال، وعدل إلى الرمي بعد الزوال مع ما فيه من تضييق الوقت، دلَّ على عدم جوازه، وأنَّهم إثمٌ، وهذا ظاهرٌ من نص الحديث، والحمد لله.
5 ـ لو كان الرمي قبل الزوال جائزًا، لرمى النبي ، ولو مرة واحدة، أو فعله بعض الصحابة  وأقرّه النبي ، وقد رُوي في مصادر السنة أنَّ الصحابة  قدّموا وأخّروا في بعض المناسك، فبلغ ذلك النبي  فقال لهم: (افْعَلْ وَلاَ حَرَجَ)( )، وأخرجت لنا مصادر السنة الكثير مِمَّا فعله النبي ، في حجة الوداع، وكذلك الصحابة الكرام .
6 ـ ذكر بعض أهل العلم أنَّ رمي الجمار يدخل ضمن المسائل الشرعية التي لا تُعرف بالقياس، بل بالتوقيف. وقالوا ذلك ردًا على من أجاز الرمي قبل الزوال قياسًا على الرمي يوم النحر( ).
ومن خلال العرض السابق نرى أنَّه لم يقل بالرمي قبل الزوال من الأئمة غير أبي حنيفة ، وخالفه في ذلك صاحباه الإمامان الجليلان: محمد بن الحسن الشيباني، والقاضي أبو يوسف رَحِمَهُمَا اللَّهُ.
وبناء على ما سبق تبين لنا أنَّ قولَ أبي حنيفة  مخالفٌ للأدلة من ”الكتاب”، و ”السنة”، وعمل كثير من السلف من لدن الصحابة  فمن بعدهم على خلاف قوله، يقول العلامة محمد الأمين الشنقيطي رَحِمَهُ اللَّهُ:
(اعلم أنَّ التحقيق أنَّه لا يجوز الرمي في أيام التشريق إلا بعد الزوال؛ لثبوت ذلك عن النبي  ...
وبهذه النصوص الثابتة عن النبي  تعلم أنَّ قول عطاء وطاووس بجواز الرمي في أيام التشريق، قبل الزوال، وترخيص أبي حنيفة في الرمي يوم النفر قبل الزوال، وقول إسحاق: إن رمى قبل الزوال في اليوم الثالث أجزاه؛ كل ذلك خلاف التحقيق؛ لأنَّه مخالف لفعل النبي  الثابت عنه، المعتضد بقوله : (لِتَأْخُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ). ولذلك خالف أبا حنيفة في ترخيصه المذكور صاحباه محمد وأبو يوسف، ولم يرد في ”كتاب الله” ولا ”سنة نبيه ” شيءٌ يخالف ذلك، فالقول بالرمي قبل الزوال أيام التشريق، لا مستند له ألبتة، مع مخالفته للسنة الثابتة عنه ، فلا ينبغي لأحد أن يفعله، والعلم عند الله تعالى)( ) أ.هـ
ولحساسية مسألة الرمي قبل الزوال، نجد أنَّها كانت محل اهتمام العلماء وطلاب العلم في وقتنا هذا، فقام جماعة منهم ببحث المسألة، وممن وقفت عليه:
(1) بحثٌ لفضيلة الدكتور شرف بن علي الشريف بعنوان: ”رمي الجمرات وما يتعلق به من أحكام”.
(2) بحث لفضيلة الشيخ عبدالمحسن الزامل.
وقد خلص الاثنان إلى القول بعدم جواز الرمي قبل الزوال، موافقة للجمهور، وتبعًا للدليل.
ومن خلال ما نرى في الحج، ونسمع من أحوال الحجاج، نجد أنَّ الوقت الذي يطالب بإفتاء الحجاج بالرمي فيه هو قبل الزوال، وتحديدًا يوم الثاني من أيام التشريق، لما في ذلك ـ حسب قولهم ـ من التيسير للحجاج، ورفع للمشقة عنهم.
وللرد على ذلك نقول:
أولاً: إنَّ النصوص الثابتة دلت ـ كما سبق ـ على أنَّ الرمي يبدأ حين تزول الشمس.
ثانيًا: إنَّ الحاج الذي يريد أن يكون حجه كما فعل النبي ؛ عليه أن يفعل كما فعل ، وأن يرمي بعد الزوال.
ثالثًا: إنَّ ازدحام الناس عند ”جسر الجمرات” في يوم التعجيل ليس بسبب القول الراجح، بل بسبب آخر، كما سبق في النقطة الثالثة، وسيأتي تأكدي ذلك في النقطة الخامسة.
وبناء على ما سبق؛ تعلم أنَّ كثيرًا ممن كتبوا في المسألة من ”كُتَّاب الصحف”، تكلّم فيها بجهل، وعدم فقه هؤلاء بالمسألة دعاهم للكلام على أهل العلم، كما أنَّ جهلهم بفقه مسألة (صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ، وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ)( ) جعلهم يخوضون فيها في ”الصحف” بغير علم، وبسبب جهلهم بفِقْهِها تكلّموا على ”المؤسسات الدينية” في البلاد، وعلى رأسها ”مجلس القضاء الأعلى”( ).
ولذا نراهم إذا أفتى المفتي( ) بفتوى مخالفهم لأهوائهم؛ اتهموه بـ ”الأحادية”، ولاموه، واتهموا فتواه بأنَّها لا تواكب احتياج العصر، ويجب أن تتغير الفتوى بتغير الزمان والمكان...إلى آخر افتراءاتهم المعروفة.
وبعض ما يقولونه حقٌّ، ولكن أريد به باطل، وكثير ممن يتكلّمون في ”الصحف”، ويطالبون بهذه المطالب لا علم لهم بـ ”المسائل الشرعية”، ولا بـ ”فقه التيسير”، ولا معناه الشرعي، ولا ضوابطه، ولا دراية لهم بمقاصد الشرع من التكليف بكثير من الأحكام.
ويزعمون بجهلهم أنَّ كل الأقوال الفقهيَّة صحيحة، وأن المسلم بوسعه الأخذ بأي فتوى شاء، فتراهم يتبنون الفتوى الموافقة لأهوائهم، ويناضلون عنها، ولو كانت شاذة، ولو لم يقل بها إلا واحد، وحتى لو لم يكن معه دليل، بل ولو كان الدليل مخالفًا لهذا القول، المهم أن المسألة فيها خلاف، وأنَّ ما يقولون به قال به بعض العلماء أو أحدهم، فتراهم لا مذهب لهم، ولا منهج شرعي عندهم في أخذ الفتوى.

----------------------------------
( ) للتأكد مِمَّا قلت؛ يُنظر ما ذكرته في النقطة السابعة نقلاً عن الصُّحُفِّيين، ولاسيما المقالين الثاني والثالث.
( ) تكلّمت على المسألة بشيءٍ من الاختصار، وهي بحاجة إلى بحثٍ مُفَصَّل، تجمع فيه الأدلة، وكلام أهل العلم فيها، وبعض من تكلّم في المسألة من السلف، والأئمة روي عنه فيها أكثر من قول، وأقوالهم تحتاج إلى تحرير.
ومن أراد المزيد في مسألة الرمي في أيام التشريق؛ فلينظر:
للحنفية: ”بدائع الصنائع” (2/137 ـ 138)، و ”البحر الرائق” (2/610 ـ 612)، و ”حاشية ابن عابدين” (2/555).
وللمالكية: ”النوادر والزيادات” (2/401)، و ”جامع الأمهات” (ص 200)، و ”منح الجليل” (2/289 ـ 290).
وللشافعية: ”البيان” (4/350 ـ 351)، و ”المجموع” (8/211 ـ )، و ”الإيضاح” (ص 365).
وللحنابلة: ”الكافي” (2/449 ـ 450)، والشرح الكبير” (9/241)، و ”الفروع” (3/518 ـ 519)، و ”الإنصاف” (9/237 ـ 239)، و ”الشرح الممتع” (7/384 ـ 385).
وللظاهرية: ”المحلى” (7/187).
( ) أخرجه البخاري في: ”صحيحه” (1648)، من حديث ابن عباس ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَ ـ مرفوعًا.
وفي الاستدلال بهذا الدليل نظر، لأنَّ السؤال وقع عن رمي جمرة العقبة في يوم النحر، لا الرمي في أيام التشريق، ثم إنَّ قول السائل: (بَعْدَ مَا أَمْسَيْتُ)، لا يلزم منه أنَّه رمى في الليل، يقول الحافظ ابن حجر ـ رَحِمَهُ اللَّهُ ـ في: ”فتح الباري” على تبويب البخاري:
(قَوْله: (بَابُ: إِذَا رَمَى بَعْد مَا أَمْسَى، أَوْ حَلَقَ قَبْل أَنْ يَذْبَح نَاسِيًا أَوْ جَاهِلاً). أَوْرَدَ فِيهِ حَدِيث اِبْن عَبَّاس فِي ذَلِكَ, وَسَيَأْتِي الْكَلاَم عَلَيْهِ فِي الْبَاب الَّذِي بَعْده... وَأَمَّا قَوْله: (إِذَا رَمَى بَعْدَمَا أَمْسَى)؛ فَمُنْتَزَع مِنْ حَدِيث اِبْن عَبَّاس فِي الْبَاب. قَالَ: (رَمَيْت بَعْدَمَا أَمْسَيْت): أَيْ بَعْد دُخُول الْمَسَاء, وَهُوَ يُطْلَق عَلَى مَا بَعْد الزَّوَال إِلَى أَنْ يَشْتَدّ الظَّلاَّم, فَلَمْ يَتَعَيَّن لِكَوْنِ الرَّمْي الْمَذْكُور كَانَ بِاللَّيْلِ) أ.هـ
وقال رَحِمَهُ اللَّهُ في موضعٍ آخر:
(رِوَايَة اِبْن عَبَّاس: ”أَنَّ بَعْض السَّائِلِينَ قَالَ: رَمَيْت بَعْدَمَا أَمْسَيْت”، وَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْقِصَّة كَانَتْ بَعْد الزَّوَال لِأَنَّ الْمَسَاء يُطْلَق عَلَى مَا بَعْد الزَّوَال, وَكَأَنَّ السَّائِل عَلِمَ أَنَّ السُّنَّة لِلْحَاجِّ أَنْ يَرْمِيَ الْجَمْرَة أَوَّلَ مَا يَقْدَم ضُحًى، فَلَمَّا أَخَّرَهَا إِلَى بَعْد الزَّوَال سَأَلَ عَنْ ذَلِكَ, عَلَى أَنَّ حَدِيث عَبْد اللَّه بْن عَمْرو مِنْ مَخْرَج وَاحِد لاَ يُعْرَف لَهُ طَرِيق إِلاَّ طَرِيق الزُّهْرِيِّ هَذِهِ عَنْ عِيسَى عَنْهُ, الاِخْتِلاِف فِيهِ مِنْ أَصْحَاب الزُّهْرِيِّ, وَغَايَته أَنَّ بَعْضهمْ ذَكَرَ مَا لَمْ يَذْكُرهُ الْآخَر, وَاجْتَمَعَ مِنْ مَرْوِيّهمْ وَرِوَايَة اِبْن عَبَّاس أَنَّ ذَلِكَ كَانَ يَوْم النَّحْر بَعْد الزَّوَال وَهُوَ عَلَى رَاحِلَته يَخْطُب عِنْد الْجَمْرَة) أ.هـ

( ) أخرجه ابن أبي شيبة في: ”المصنف” (15320) بإسنادٍ صحيح عنه، ومعنى قوله: (يَدَعُون ظهرهم)؛ أي: يأتون الجمرة مشيًا على الأقدام.
( ) تأمل! أنَّ التيسير في هذه المسألة للحجاج جاء تبعًا للدليل، وموافقًا له، لا مخالفًا له، وسيأتي مزيد إيضاح لهذه المسألة.
( ) المراد رمي الجمار في أيام التشريق، ولا يدخل في هذا الخلاف رمي جمرة العقبة في يوم النحر.
( ) الظاهر من كلام عطاء ـ رَحِمَهُ اللَّهُ ـ أنَّ الإجزاء فيمن رمى قبل الزوال خاصٌّ بمن جهل الحكم، وذلك دفعًا لمشقة الرمي مرة أخرى.
والظاهر من كلام طاووس أنَّ جواز الرمي قبل الزوال خاصٌّ باليوم الثاني عشر، وللمتعجل فقط، والله أعلم.
عِلمًا بأنَّه روي عنهما الرمي بعد الزوال.
انظر: ”المصنف” لابن أبي شيبة (14576)، و (14580)، و (14582)، و ”البيان” (4/350 ـ 351).
أمَّا ما يُروى عن ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا؛ فخاصٌّ باليوم الثالث عشر، لا الثاني عشر، ونصه: (إذا انتفخ النهار من يوم النفر الآخر؛ فقد حل الرمي، والصدر)، وهو من أدلة أبي حنيفة ، وقوله: (انتفخ النهار)؛ أي: ارتفع. وقوله: (النفر الآخر)؛ أي: اليوم الثالث عشر.
وهذا الأثر أخرجه البيهقي في: ”سننه الكبرى” (5/152)، وضعفه بقوله عن أحد رجاله: (طلحة بن عَمْرو المكي ضعيف) أ.هـ
وأخرج ابن أبي شيبة في: ”المصنف” (14578)، من طريق: وكيعٍ، عن ابن جُرَيْج، عن ابن أبي مُلَيْكَة قال: (رمقت ابن عباس رماها عند الظهيرة، قبل أن تزول). وهذا إسنادٍ جيد، فابن جُريج ثقة، وإن كان الأئمة رموه بالتدليس و الإرسال، وتكلّموا على روايته إذا لم يُصرّح بالسماع، إلا أنَّ الإمام يحيى بن سعيد القطان ـ رَحِمَهُ اللَّهُ ـ قال: (أحاديث ابن جُرَيْج، عن ابن أبي مُلَيْكَة كلها صحاح...) وهذا منها، والله أعلم.
انظر: ”تقدمت الجرح والتعديل” (1/241)، و ”تهذيب الكمال” (3539)، و ”التقريب” (4221).
وأخرج الفاكهي في: ”أخبار مكة” (2664)، بإسنادٍ صحيحٍ أنَّ عبدالله ابن الزبير ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ـ رمى قبل الزوال.
وأخرج بعده (2665) بسنده أنَّ ابن الزبير ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ـ رمى بعد الزوال.
( ) ويُروى عن أبي حنيفة  ـ خلاف الرواية المشهورة عنه ـ جواز الرمي قبل الزوال في اليومين: الثاني، والثالث عشر، وهذا ـ كما نصت عليه الرواية ـ خلاف الأفضل، والأفضل الرمي بعد الزوال.

انظر: ”المبسوط” (4/68)، و ”بدائع الصنائع” (2/137)، و ”حاشية ابن عابدين” (2/555).
( ) هما الإمامان الجليلان: محمد بن الحسن الشيباني، والقاضي أبو يوسف الأنصاري رَحِمَهُمَا اللَّهُ.
وانظر: ”الأصل” (2/358 ـ 359)، و ”مختلف الرواية” (2/719).
( ) وفي رواية عنه الرمي قبل الزوال للمتعجل.
ولكن الرمي بعد الزوال هو الصحيح من المذهب، وعليه جماهيرُ الأصحابِ، وقطعَ به كثيرٌ منهم، ونصَّ عليه الإمام.
انظر: ”الفروع” (3/518)، و ”الإنصاف” (9/237).
( ) سأكتفي بذكر أدلة القول الراجح لقوته، ولوجاهة أدلته، ولم أذكر أدلة القول الثاني، حتى لا يطول البحث، ومن أرادها فليسأل عنها من يقول بالرمي قبل الزوال، وليقارنها بنفسه مع أدلة هذا القول الذي قال به الجمهور، هذا إن كان طالب علم، ومتخصص في الدراسات الشرعية، أما إن كان صحفيًا فلا يعدُ قدره، وليأخذ بفتوى من يثق بعلمه ودينه، ولا يشغب على القول الآخر.
وإننا ـ هنا ـ وإن كنا نرى أنَّ الراجح في المسألة أنَّ الرمي لا يكون إلا حين تزول الشمس، أَّما قبل ذلك فلا يجزئه، وعليه الإعادة وجوبًا، وهذا ما ندين الله به في هذه المسألة، إلا أننا لا ننكر على من رمى قبل الزوال، من العلماء، أو طلاب العلم (وهم قلة)، ولا ننكر عليهم إذا أفتوا الناس بذلك، فإنَّ هذا الأمر دينٌ، ولا نرى بأسًا على من رمى قبل الزوال من عامة الناس، ممن استفتوا من يثقون بعلمه ودينه، فأفتوهم بالجواز، ورميهم ـ إن شاء الله ـ صحيح، ولا شيء عليهم.
ونحنُ نعذرُ كلَّ هؤلاء، مع علمنا بأن لا أدلة لهم، فهل يعذروننا، مع علمهم بأنَّ الأدلة معنا؟!
( ) أخرجه مسلم في ”صحيحه” (1297)، من حديث جابر  مرفوعًا.
( ) أخرجه البخاري في ”صحيحه” (3367)، ومسلم في ”صحيحه” (2327)، من حديث عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا.
( ) أخرجه البخاري في ”صحيحه” (83)، ومسلم في ”صحيحه” (1306)، من حديث عبدالله بن عمرو ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ـ مرفوعًا.
( ) انظر: ”بدائع الصنائع” (2/138).
( ) انظر: ”أضواء البيان” (5/ 294 ـ 295) [باختصار].
( ) أخرجه البخاري في ”صحيحه” (1810)، ومسلم في ”صحيحه” (1081)، من حديث أبي هريرة  مرفوعًا.
( ) سيأتي الكلام على هذا الأمر في: ”فقه الخلاف” [دروسٌ للمخالف في الاكتتاب].
( ) أيُّ مفتي، فاللفظ عامٌّ.


Cant See Links

Cant See Links


رد مع اقتباس
قديم 03-07-2010, 08:14 PM   رقم المشاركة : 5
الكاتب

OM_SULTAN

المشرف العام

OM_SULTAN غير متواجد حالياً


الملف الشخصي








OM_SULTAN غير متواجد حالياً


رد: موضوع للبحث



توسعة الحرمين الشريفين في الألفية الثالثة

شهادة مؤرخ


الدكتور مصطفى عبد الغني

كاتب ومؤرخ بالأهرام - القاهرة

وقبل قدومنا إلى مكة بأيام، كنا قد شاهدنا فيلماً تسجيلياً بعنوان "الطريق إلى مكة"، تم تصويره في الثلاثينيّات من القرن العشرين. ورحت مع تداعي الصور أستعيد من الذاكرة قراءاتي الأولى وأعقد مقارنة بين ما أشاهده عبر الشاشة وما عشته في بدايات الألفية الثالثة ما بين الحرمين الشريفين الآن وما تحكيه الصورة القديمة، وشتان الفرق.


وحينما دخلت مكة نهاراً من باب "المعلاة"، فبدت الصورة على نقيض ما شاهدت: كانت أكثر بهاء وجلالاً. رأيت المسجد الحرام وقد أضيف إليه جزء جديد من الناحية الغربية في منطقة السوق الصغيرة بين باب العمرة وباب الملك تبلغ مساحته 76.000 م2 موزعة على الدور الأول والقبو (البدروم) والسطح تتسع لنحو 125.000 مصلٍّ.

كما شمل هذا المشروع الذي بدأه خادم الحرمين الملك فهد بن عبد العزيز تجهيز الساحات الخارجية وتبليطها بالرخام الأبيض، ومنها الساحة المتبقية من جهة السوق الصغيرة؛ والساحة جهة الشامية؛ والساحة الواقعة شرقي المسعى بمساحة إجمالية تبلغ 85.800 م2 تكفي لاستيعاب 190.000 مصلٍّ. وبذلك أصبحت مساحة المسجد الحرام شاملة مبنى المسجد بعد التوسعة الحالية والأسطح وكامل الساحات 356.000 تتسع لنحو 773.000 مصل في الأيام العادية، وفي موسم الحج والعمرة ورمضان تتسع لأكثر من مليون مصلّ.

وبتفقد مبنى التوسعة الجديد، وجد أنه يضم مدخلاً رئيساً جديداً وثمانية عشر مدخلاً عادياً بالإضافة إلى مداخل المسجد الحرام القائمة من قبل البالغ عددها ثلاثة مداخل رئيسة وسبعة وعشرين مدخلاً عادياً. وقد روعي في التصميم إنشاء مدخلين جديدين للقبو إضافة إلى المداخل الأربعة الموجودة من قبل. ويشمل مبنى التوسعة مئذنتين جديدتين بارتفاع تسعة وثمانين متراً تتشابهان في تصميمهما المعماري وفي المواد المستخدمة مع المآذن السبع القائمة. ولتسهيل وصول أفواج المصلين إلى سطح التوسعة في المواسم، تمت إضافة مبنيين للسلالم المتحركة، أحدهما في شمالي مبنى التوسعة والآخر في جنوبيه، مساحة كل منهما 375 م2. ويحتوي على مجموعتين من السلالم المتحركة، طاقة كل منهما الاستيعابية 15.000 شخص في الساعة الواحدة إضافة إلى مجموعتين من السلالم المتحركة داخل حدود المبنى على جانبي المدخل الرئيس للتوسعة. ويبلغ عدد السلالم الكهربائية بمبنى التوسعة 56 سلماً؛ وكذلك يحتوي المبنى على مصعدين كهربائيين رئيسين ومصعدين داخل المآذن ومصعدي خدمة، إضافة إلى ثماني وحدات سلالم داخلية. وقد صممت السلالم المتحركة بحيث تستطيع بالإضافة إلى وحدات الدرج الثابت الثماني خدمة حركة الحجاج والمصلين في أوقات الذروة، ولا سيما كبار السن منهم دون عناء. وبذلك يصبح إجمالي عدد مباني السلالم المتحركة سبعة تنتشر حول محيط الحرم والتوسعة لخدمة رواد الدور الأول والسطح.

ويبلغ عدد الأعمدة بالتوسعة 1453 عمود. وكلها مكسوة بالرخام، منها 1120 ذو تاج وقاعدة من الرخام بها فتحات تكييف و333 عامود عاديٍّ. ويبلغ ارتفاع الأعمدة بالطابق الأرضي 405 م، وبالطابق الأول 407 م. أما قواعد الأعمدة، فهي مسدسة الشكل ويبلغ ارتفاع الواجهات الخارجية للتوسعة 2.205 م وجميعها محلاة بالزخارف الإسلامية ومكسوة بتداخلات من الرخام والحجر الصناعي. وبإلقاء نظرة شاملة على الحرام من أعلى كما تصورها الكاميرا، نرى أن المسجد الحرام يشتمل الآن على ثلاثة طوابق وارتفاعه 4 أمتار و30 سم والطابق الأرضي 9 أمتار و80 سم، والأول 9 أمتار و64 سم. وقد تم تبليط سطح المسجد جميعه بالرخام، وهو يستخدم للمصلين.

وثمة ثلاث قباب للتوسعة تقع جميعها بالنصف تقريباً بموازاة المدخل الرئيس، وهي مكسوة بالسيراميك. وارتفاع كل منها ثلاثة عشر متراً وتحتوي على فتحات بكامل محيطها، وشكلها الخارجي يمائل القباب الموجودة على سطح الحرم من قبل. ولا شك في أن التوسعة الحالية التي قام بها اللك فهد بن عبد العزيز ما هي إلا امتداد أفقي للطوابق الموجودة من قبل، وهي القبو والدور الأرضي والأول السطح. وحيث إن القبو يقع بكامل ارتفاعه تحت منسوب سطح الأرض، فقد جرت تهويته ميكانيكياً. أما الطابقان الأرضي والأول، فيقعان فوق منسوب سطح الأرض؛ ولذلك جعلت لهما تهوية طبيعية من خلال الفتحات المتقابلة للشبابيك مع تركيب مراوح تقلب هواء على الأعمدة من ناحية. ومن ناحية أخرى، فقد استحدث نظام جديد لتلطيف الهواء يعتمد على مبدإ دفع الهواء البارد خلال أرض مرتفعة وتوزيعه على مستوى مرتفع حول الأعمدة المربعة. وقد أقيمت من أجل ذلك محطة مركزية في منطقة أجياد تحتوي على عدد من ماكينات التبريد ومضخات المياه المثلجة ومركز تشغيل وتحكم أوتوماتيكي بطاقة 13,500 طن تبريد.

وتم إنشاء نفق (كبري) ارتبط بنفق جديد للخدمات يربط بين المحطة المركزية والحرم الشريف: يمتد على طول الطرق المكشوف من المحطة المركزية حتى مدخل نفق (كبري)، ثم يتابع سيره حتى مبنى الحرم حيث يرتفع إلى جزأين يلتقيان حول مبنى الحرم لتكوين حلقة دائرية متكاملة. ويبلغ طول النفق الممتد بين المحطة المركزية والحرم حوالي ثلاثة كيلومترات ونصف. أما الحلقة الدائرية، فيبلغ طولها حوالي كيلومترين. ويحتوي النفق على مواسير معزولة ناقلة للمياه، وهو مجهز بجميع وسائل الإضاءة والتهوية وأجهزة السيطرة والتحكم الأوتوماتيكي.

أما تجهيزات الإنارة بالتوسعة، فهي مستقلة عن التجهيزات السابقة حيث زودت بـ 71 نجفة كبيرة و160 فانوس وحوالي 718 وحدة إضاءة على الحائط. وجميعها مصنوعة من النحاس والكريستال وكذلك حوالي 5135 وحدة إضاءة فلورسنت وحوالي 174 كشاف بقدرة 400 وات، وبـ 672 لمبة زئبق قدره 250 وات.

وقد نُفِّذت شبكة إذاعة داخلية تتناسب مع مساحة التوسعة دُمِجَتْ مع الشبكة القديمة؛ كما تم تنفيذ ثلاث حلقات للدروس وكذلك تزويد التوسعة بعدد من الساعات تتصل بالنظام المركزي للساعات الموجودة في الحرم من قبل. هذا، بالإضافة إلى نظام الإنذار من الحريق ونظام الهاتف ونظام التحكم الأوتوماتيكي. وقد تم إعادة تصميم وتوزيع الخدمات ضمن المناطق الفاصلة بين المسجد الحالي ومبنى التوسعة يسمح بأداء أفضل، بما في ذلك تصريف مياه الأمطار وتوفير مصادر الشرب (ماء زمزم) وشبكات لإطفاء الحريق ومخارج لمياه التنظيف.

ويأتي مشروع تحويل أنفاق السيارات والمشاة وتهيئة الساحات المحيطة بالمسعى للصلاة متمماً بهذه المشروعات؛ إذ تم تعديل الطريق الدائري الأول ما بين شارع "اجياد" ومنطقة "شعب علي" و"القشاشية" بترحيل مساره شرقاً مع المحافظة على المقطع العرضي النموذجي للطريق الذي يتكون من مسارين بكل اتجاه مع زيادة مساحة إضافية لتأمين الحركة المرورية عند التقاطعات. وقد تم عمل أربعة جسور لتأمين الحركة على الطريق الدائري، بالإضافة إلى عدة منحدرات لتأمين حركة الالتفاف الأساسية.


وعندما وقعت عيني على الكعبة، تذكرت حديث الرسولr: »تفتح أبواب السماء، ويستجاب الدعاء في أربعة مواطن: عند التقاء الصفوف ونزول الغيث وإمامة الصلاة ورؤية الكعبة«. فرفعت يدي قائلاً: »لا إله إلا الله والله أكبر اللهم أنت السلام ومنك السلام ودارك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام. اللهم إن هذا بيتك عظمته وكرمته وشرفته، اللهم فزده تشريفاً وتكريماً ومهابة وبرّاً وزد من شرفه ممن حجه أو اعتمره تعظيماً وتشريفاً وتكريماً ومهابة وبرّاً«.

نظرت إلى الكعبة: كانت في بهائها وجمالها بعد الانتهاء من ترميمها الذي استغرق عدة شهور قبل ذلك. وهو ترميم لم يحدث منذ أكثر من 377 عامٍ، أي منذ 1040 هـ/ 1620 م. وشمل الترميم والتجديد »سقف الكعبة والأعمدة الثلاثة وحوائط الكعبة من الداخل ومن الخارج والأرضيات ورخام السطح والسلم الداخلي والحوائط والشاذوران وجدار الحجر وميزاب الكعبة«.

وكانت الكعبة مكسوة بالحرير الطبيعي الخالص المصبوغ باللون الأسود المنقوش عليه بطريقة الجاكارد عبارات »لا إله إلا الله محمد رسول الله جل جلاله سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم«. ويبلغ ارتفاع الثوب 14 متراً عليه آيات قرآنية ومحاط بإطار من الزخارف الإسلامية ومطرزاً بتطريز بارز مغطى بسلك فضي مطلي بالذهب. ويبلغ طول الحزام 47 متراً؛ كما تشمل الكسوة ستارة باب الكعبة. ويبلغ ارتفاعها 6,5 أمتار، وبعرض 3,5 أمتار مكتوب عليها آيات من القرآن وزخارف إسلامية مطرزة تطريزاً بارزاً مغطى بأسلاك الفضة المطلية بالذهب وتبطين الكسوة كلها بقماش خام متين، بما في ذلك ستارة الباب. وتتكون الكسوة من خمس قطع تغطي كل قطعة منها وجهاً من أوجه الكعبة؛ والقطعة الخامسة هي الستارة التي توضّع على الباب ويتم تجميع هذه القطع بتوصيلها معاً على الكعبة نفسها بعد خلع الثوب القديم. ويستهلك الثوب الواحد 670 كيلو جراماً من الحرير الطبيعي الخالص. وتبلغ التكلفة الإجمالية لثوب الكعبة المشرفة حوالي 18 مليون ريال. وتقيم وزارة الحج السعودية احتفالاً سنوياً بمقر المصنع الذي أنشأه الملك عبد العزيز عام 1346 هـ خصيصاً لتصنيع كسوة الكعبة لتسليم الكسوة الجديدة لكبير سدنة بيت الله الحرام حيث تركب الكسوة على الكعبة الشريفة في التاسع من شهر ذي الحجة من كل عام.

وقبل الطواف ببيت الله الحرام، قصدت الحجر الأسود فقبلته من دون صوت واستلمته بيدي وقلت: »باسم الله وبالله والله أكبر اللهم إيماناً بك وتصديقاً بكتابك ووفاء بعهدك واتباعاً لسنة نبيك محمد «r. وعندما اقتربت من باب الكعبة الخارجي، لاحظت أن هناك انسجاماً بين ستارة الكعبة المشرفة وبابها الذي تزينت حوافه وسطحه بآيات قرآنية مسطورة بخط الثلث مع الزخارف محفورة ومنقوشة بالذهب ونسبة قليلة من الفضة. ولما سألت عن التكلفة، قيل لي إن مؤسسة النقد العربي السعودي قامت بتأمين كميات الذهب اللازمة لصنع هذا الباب والتي بلغت 280 كيلو جرام من عيار 999,9 %، وكلّفت 13,420,000 ريال. أما الباب الداخلي للكعبة المشرفة - ويدعى "باب التوبة" -، فهو مطابق للباب الخارجي من حيث الزخرفة والخطوط والنقوش. كذلك صنع قفل جديد للكعبة المشرفة، بحيث إن القفل القديم يعود عهده إلى أكثر من سبعين سنة. وبذلك استكمل تجديد وتجميل كل ما يتعلق بقبلة المسلمين ومهوى أفئدتهم أشرعت في الطواف حول البيت سبعاً بعدها صعدت إلى الصفا والمروة. والمعروف أن المسعى بني في التوسعة السعودية الأولى من طابقين انطلاقاً من نظرة مستقبلية أخذت في الاعتبار تزايد أعداد الحجيج عاماً بعد عام. ويبلغ طول المسعى 394,5 متر، وعرضه 20 متراً، وارتفاع الطبقة الأولى منه 12 متراً، وارتفاع الطبقة الثانية 9 أمتار، مما ساعد على تيسير السعي وتوفير مساحات واسعة تستوعب عدداً كبيراً من المصلين. ولتخفيف الزحام في المسجد، أنشئ الطابق الثاني للمسعى استناداً إلى فتوى شرعية بجواز ذلك.

كما أقيم في وسط المسعى بتقسيمه إلى قسمين متوازيين أحدُهُما للسعي باتجاه الصفا والثاني للسعي باتجاه المروة. وأنشئ وسط القسمين ممرضتان ذوتا اتجاهين لسعي العاجزين وغير القادرين على المشي والنزول. وبني درج قسم إلى قسمين في كل من الصفا والمروة، ولكل منهما جانبان، أحدهما للصعود والثاني للهبوط؛ كما أنشئ 16 باباً للمسعى تنتشر على الواجهة الشرقية للمسجد. وعند الطبقة العليا، أنشئ مدخلان خارج الحرم، أحدهما عند الصفا وثانيهما عند المروة. وهذان المدخلان يرتفعان عن سطح الأرض بما يساوي السطح المخصص للصلاة. وفي داخل المسجد أقيم للطبقة العليا سلّمان، أحدهما عند باب الصفا والثاني عند باب السلام. وتحت الطبقة الأولى أنشئت طبقة من الأقبية سطحها بمستوى الأرض وارتفاعها ثلاثة أمتار ونصف المتر.

وحماية للمسعى والمسجد من مياه الأمطار والسيول، أنشئ مجرى خاص يمتد تحت رصيف الجهة الجنوبية من شارع "القشاشية" ويمر أسفل منطقة الصفا ثم أسفل رصيف الشارع الجديد. وبلغ عرض هذا المجرى خمسة أمتار وارتفاعه بين أربعة وستة أمتار؛ كذلك تم تعديل أنفاق المشاة المواصلة إلى الصفا حيث تم تعديل مسار هذه الأنفاق في الجزء الآخر منها بحيث يكون مخرجها جنوب أنفاق الطريق الدائري الأول بمنطقة "شعب علي" مع المحافظة على نفس المقطع العرضي لهذه الأنفاق والذي يبلغ 11 متراً و40 سم لكل منها مع تأمين نفس المستوى ونوعية الإنارة والتهوية ووسائل السلامة.

وبعد السعي، خرجنا إلى "منىً" فرأينا أعمال تحسين جسر الجمرات والمنطقة المحيطة به، بحيث تم هدم وإزالة المنحدر السابق الشرقي جهة منىً وإنشاء منحدر جديد للصعود بعرض 45 متراً بعد تعديل المسار وجعل المنحدر مواجهاً لمشاة القادم من منىً والجمرة الصغرى؛ كما أزيل المنحدران الجانبيان المؤديان للجمة الصغرى من الشمال والجنوب، وتم استبدال الجزء المغطى من بلاط الجسر بأجزاء خرسانية يتناسب منسوبها مع أجزاء الجسر المحيط به.

كذلك أنشئ منحدران بعرض 15 متراً لكل منهما للنزول ومن الجسر ما بين الجمرة الكبرى والجمرة الوسطى مع زيادة منطقة اتصال الجسر بالمنحدرين إضافة إلى توسعة منحدر النزول الغربي باتجاه الحرم من 20 متراً إلى 40 متراً وإزالة العوائق الأرضية أيضاً. وقد تم إنشاء خمسة مبان لمراكز الخدمات والطوارئ موزعة على طول الجسر تحتوي على المصاعد والسلالم اللازمة لتوفير خدمات الإسعاف الأولى في حالات الطوارئ؛ كما أنشئ برج للمراقبة، وذلك ببناء ثلاثة أدوار إضافية على جزء من مساحة سطح مركز الخدمات الواقع شمال الجمرة الوسطى. وإضافة إلى ذلك، تم إنشاء أربعة مراكز أمنية موزعة عند مداخل المنحدرات الرئيسة والفرعية ومهاجع الجنود والأمن العام. وفي إطار أعمال التحسينات، نفذ نظام إشارات عادية معلقة لإرشاد الحجاج مع إنارتها وتركيب وسادات هوائية لتوجيه حركة المشاة بالقرب من الجمرة الكبرى أعلى الجسر. ومن أجل توفير خدمات إضافية لضيوف الرحمن، تم تنفيذ نظام لتبريد المياه حيث ركب خمسون ومئة صنبورٍ للمياه المبردة ما بين الجمرة الكبرى والجمرة الصغرى أعلى الجسر مع نظام تصريف خاص بها. وكذلك تم تحسين وتجديد نظام الإنارة بمضاعفة عدد وحداتها وتغييرها إلى اللون الأبيض بدلاً من الأصفر مع إعادة توزيع الوحدات القديمة. وإضافة إلى ذلك، فقد تم تحسين وزيادة فعالية نظام التهوية أسفل الجسر بزيادة مراوح السقف لجميع مواقع الجسر وتركيب ثمانية عشر مروحة نقاشة موزعة بواقع ستِّ مراوح لكل جمرة من الجمرات الثلاث. أيضاً تم تحسين وتنظيم المنطقة حول الجسر بتمهيد جميع المساحات المحيطة به وتبليطها، وفصل حركة السيارات عن حركة المشاة، وذلك بتركيب حواجز خرسانية متباعدة تمنع دخول السيارات وتسمح بعبور المشاة. وفي نطاق توفير الخدمات اللازمة وتوصيلها للجسر، تم تنفيذ نظام تغذية المياه وصرف صحي وهاتف وكهرباء وتصريف المياه السطحية وتزويد المباني ومراكز الأمن والساحات المحيطة بالجسر. وقد تم تركيب نظام مراقبة تلفزيونية أسفل وأعلى الجسر وربطه مع مبنى الأمن العام "بمبنى"، وتركيب سلم حديدي للطوارئ في الجهة الشمالية أمام الجمرة الصغرى. كذلك تم تنفيذ الطريق الشمالي للجسر من شارع سوق العرب إلى شارع "مجرة الكبش" بعرض 20 متراً. ويتكون هذا الطريق من ست مسارات. وتم تسوية وتمهيد الساحات التي نتجت عن الهدمات الإضافية بالجهتين الشمالية والجنوبية للجسر. إضافة إلى ذلك، تم تنفيذ درج بطول حوالي ثمانين متراً بالجهة الجنوبية من الجسر يصل ما بين شارع الملك فيصل وساحة الجسر الجنوبية مع تسوير التلة الجبلية الواقعة جنوب الجسر بسياج حديدي على طول محيطها، وعند النزول بـ»مزدلفة« للمبيت بها. وقد شملت التحسينات تنفيذ موقعين جديدين لمواقف السيارات يقع الأول منهما على الطريق رقم 2 جنوب غرب المزدلفة. وفيه تم إنشاء مواقف للحافلات من صفين مختلفي الطول وموازيين للمواقف الحالية في هذا الموقع. أما الثاني، فيقع غرب جسر الملك فيصل بين الطريق رقم 3 وطريق العزيزية. وفيه تم إنشاء مواقف للحافلات من ثلاثة صفوف متوازية ومختلفة الطول.

وتتضمن أعمال الموقفين الجديدين تنفيذ القطع الصخري والردم والتسوية والرصف والحواجز الخرسانية والبردوزات وتصريف مياه الأمطار ودهان إشارات الطرق وأعمال الإنارة باستعمال الأبراج. ومن أعمال هذه التحسينات إنشاء طريق على جسر الملك فيصل تسهيلاً لحركة مرور حافلات الحجاج بين عرفات ومزدلفة ولفك الاختناقات المرورية في المنطقة. وهذا الطريق يربط امتداد جسر الملك فيصل من جهته الجنوبية مع الطريق الطائف مروراً بالطريق رقم 2، وذلك بطول حوالي 2500 متر وعرض 40 متراً عمل تقاطعات أرضية على الطريقتين المذكورتين.

وبعد الانتهاء من مناسك الحج، ذهبنا إلى المدينة المنورة لزيارة النبي r. فبدت المدينة المنورة في هذا اليوم كعروس يصنع تاريخها المعاصر من جديد بمشروعات معمارية وعمرانية استهدفت عمارة وتوسعة الحرم النبوي الشريف وإعادة تخطيط المدينة المنورة وتحسينها وتجميلها بما يليق وما تحتله من مكانة في عقول المسلمين وقلوبهم.

وتضمنت هذه المشروعات إضافة مبنى جديد إلى مبنى المسجد المحيط، ويتصل به من الشمال والشرق والغرب بمساحة قدرها 82.000 م2 تستوعب 150.000 مصلٍّ. وبذلك تصبح المساحة الإجمالية للمسجد بعد التوسعة 98.500م2 تستوعب 180.000 مصلٍّ. وقد تمت الاستفادة من سطح التوسعة للصلاة بعد تغطيته بالرخام وبمساحة قدرها 67.000 م2 تستوعب 90.000 مصلّ. وبذلك أصبح المسجد النبوي الشريف بعد التوسعة يستوعب أكثر من 270.000 مصلّ ضمن مساحة إجمالية تبلغ 165.500 م2. وتضمنت أعمال التوسعة إنشاء دور سفلي (بدروم) بمساحة الدور الأرضي للتوسعة، وذلك لاستيعاب تجهيزات التكييف والتبريد والخدمات الأخرى.

ساحات المسجد النبوي

ويشتمل مشروع التوسعة على إحاطة المسجد النبوي الشريف بمساحات تبلغ 235.000 م2، منها 45.000 م2 أرضيتها مكسوة برخام أبيض بارد عاكس للحرارة؛ والباقي مساحته 190.000 م2 أرضيتها مكسوة بالجرانيت وفق أشكال هندسية بطرز إسلامية وألوان متعددة. وهي مخصصة للصلاة تستوعب 430.000 مصلّ في حال استخدام كامل المساحة، مما يجعل الطاقة الاستيعابية لكامل المسجد والساحات المحيطة به تزيد عن 700.000 مصلّ لتصل إلى مليون مصلّ في أوقات المواسم.

وتضم هذه الساحات مداخل للمواضئ بها 6800 وحدة وضوء و2500 دورة مياه و560 نافورة مياه شرب وأماكن لاستراحة الزوار تتصل بمواقف السيارات التي توجد في دورين تحت الأرض، وهي مخصصة للمشاة ومحاطة بأسوار وبوابات من كل جانب تم إضاءتها بواسطة وحدات إضاءة خاصة مثبتة على واحد وخمسين ومئة عامود مكسوة بالجرانيت والحجر الصناعي.

أما الحصوتان المكشوفتان الواقعتان بين المسجد القديم والتوسعة السعودية الأولى، فقد تم إقامة اثنتي عشرة مظلة ضخمة فيهما بنفس ارتفاع السقف تظلل كل منها مساحة 306 م2 يتم فتحها وغلقها أوتوماتيكياً، وذلك لحماية المصلين من وهج الشمس ومياه الأمطار وللاستفادة من الجو الطبيعي حينما تسمح الظروف المناخية بذلك.

الخصائص المعمارية

صمم الطابق الأرضي للتوسعة بارتفاع 12.55م والدور السفلي للخدمات بارتفاع 4 م. ويبلغ عدد الأعمدة بالطابق الأرضي 2028 عامود مكسوة بالرخام، وبها تيجان نحاسية تحتوي على سماعات الصوت ولكل عامود قاعدة رخامية بها فتحات التكييف النحاسية. وتتباعد هذه الأعمدة عن بعضها بمسافة 6 م أو 18 م تشكل أروقة وأفنية داخلية تنسجم مع الإطار العام للتوسعة.

القباب المتحركة

كما زود المسجد بسبع وعشرين قبة متحركة بقطر 18 متراً زنة الواحدة 80 طناً تغطي مساحة 324 م وتتوافر لها خاصية الانزلاق على مخدات حديدية مثبتة فوق سطح التوسعة، ويتم فتحها وغلقها بطريقة كهرو أوتوماتيكية عن طريق التحكم عن بعد بما يتيح الاستفادة من التهوية الطبيعية في الفترات التي تسمح فيها الأحوال الجوية بذلك.

المداخل والمآذن

تحتوي التوسعة على سبعة مداخل رئيسة بالجهات الشمالية والشرقية والغربية. ويحتوي كل مدخل رئيس بدوره على خمس بوابات متجاورة بالإضافة إلى بوابتين جانبيتين. وهناك أيضاً مدخلان رئيسان بالجهة الجنوبية للتوسعة يحتوي كل مدخل منها على ثلاث بوابات متجاورة، بالإضافة إلى عشر بوابات جانبية واثنتي عشرة بوابة أخرى لمداخل ومخارج السلالم الكهربائية المتحركة التي تخدم سطح التوسعة، علماً بأن عدد البوابات الخشبية الخارجية للتوسعة 142 بوابة، منها 65 بوابة كبيرة. وإلى جانب ذلك، هناك ثمانية عشر سلماً داخلياً؛ كما يوجد بالتوسعة 6 مباني للسلالم الكهربائية المتحركة تحتوي على 24 سلماً كهربائية. وفي وسط الناحية الشمالية للتوسعة يوجد مدخل الملك فهد بن عبد العزيز، وهو المدخل الرئيس للتوسعة. ويعلو هذا المدخل ويميزه بشكل خاص سبع قباب، ويحده من كل جانب مئذنة بارتفاع 105 م. وبذلك يكون للمسجد بما فيه التوسعة عشر (10) مآذن، ست (6) منها جديدة. ويبلغ ارتفاع الواحدة 105 م بزيادة 33 م عن ارتفاع المآذن الموجودة بالتوسعة السعودية الأولى. وتوجد المآذن بالأركان الأربعة للتوسعة مع مئذنتين على جانبي المدخل الرئيس.

أعمال الزخرفة

وقد صممت أعمال الزخرفة بالتوسعة بحيث تحقق التناسق والانسجام مع نظيراتها بالتوسعة السعودية الأولى، وذلك لإبراز الجانب الجمالي في الفن المعماري الإسلامي.

ويشمل ذلك أعمال الحليات والزخارف والكرانيش لتجميل الحوائط والكمرات والكينارات والمآذن وأعمال الخشب المشغول كالمشربيات والشبابيك والأبواب الخشبية المطعمة بالنحاس وأعمال النحاس كالدربزينات وتيجان الأعمدة والثريات المطلية بالذهب وأعمال التكسية بالرخام المزخرف على كامل الجدران الداخلية على علو ثلاثة أمتار والأعمدة الدائرية المكسوة بالرخام المستديرة. وقواعدها أيضاً مكسوة برخام مزخرف بأشكال هندسية جميلة، وبها تجويفات خاصة لوضع المصاحف الشريفة بطريقة منظمة.

الأعمال الكهربائية

وتشمل الإنارة التي تتضمن 68 نجفة كبيرة و111 نجفة أصغر حجماً، وكلها مصنوعة من النحاس والكريستال؛ وكذلك 20450 وحدة إنارة، منها 7330 نحاسية ومكبرات الصوت ونظام التحكم الأوتوماتيكي ودوائر تلفزيونية مغلقة للمراقبة تغطي جميع أجزاء المسجد والساحات الخارجية ونظام إنارة للطوارئ باستخدام بطاريات شحن خاصة وأنظمة كشف الحرائق ومكافحتها وغرف خاصة للوحات المفاتيح وتركيبات الإنارة وشبكات التوزيع، وذلك في الدور السفلي (البدروم) من التوسعة.

تلطيف الهواء

وقد صممت أعمال التهوية لتحافظ على الناحية الجمالية والمعمارية للمسجد، بحيث تم إدخال فتحات خاصة ضمن تصميم قواعد الأعمدة مغطاة بالنحاس لدفع الهواء البارد إلى المبنى من خلالها حيث يتم دفع الهواء إلى مخارج الهواء بقواعد الأعمدة بالدور الأرضي من حوالي 143 وحدة مناولة للهواء مركبة في البدروم عبر مجار معزولة حرارياً.

وتعتبر عملية تلطيف هواء المسجد النبوي الشريف من أكدّ الأعمال في العالم؛ إذ تمر مواسير التبريد عبر نفق للخدمات بطول سبعة (7) كيلومترات لتصل ما بين المحطة المركزية للخدمات التي توجد بها أجهزة التبريد ومعدات ومولدات الكهرباء وبين دور التسوية بالتوسعة. وبالإضافة إلى ذلك، فقد تم تلطيف هواء المسجد القديم وفق أسس معمارية وهندسية تحول دون إجراء أي تعديلات في المبنى القائم أو المساس به والمحافظة على شكله، وذلك عن طريق دفع الهواء البارد من خلال فتحات النوافذ الموجودة في الجدار القبلي للمسجد. وهكذا يكون مسجد الرسول r قد تم تلطيف هوائه بالكامل.

نفق الخدمات (العبارة الخرسانية)

وهو الذي يتم عن طريق نقل المياه المبردة من محطة التبريد إلى قبو المسجد، وهو بمثابة عَبَّارة من الخرسانة المسلحة بارتفاع داخلي يبلغ 401 م وعرض 6,2 وبطول سبعة كيلومترات. ويحتوي هذا النفق على أنبوبتين لنقل المياه المبردة، قطر كل منهما 90 سم. وقد أخذ في الاعتبار إمكان إضافة أنبوبتين أخريين داخل النفق نفسه إذا ما دعت الحاجة مستقبلاً؛ كما زود هذا النفق بإحدى وثلاثين غرفة تهوية مزودة بالمراوح اللازمة لذلك ومزودة أيضاً بمحولات كهربائية. وبمحاذاة نفق الخدمات يوجد مجرى كابلات ضغط متوسط جهد (13,8 ك. ف) يتكون من تسعة أنانيب بقطر 12,5 سم لكل منهما. وقد تم حفره بعمق كاف تحت مستوى الشارع كي لا يشكل عقبة أو عائقاً للخدمات العامة التي يتوقع إنشاءها مستقبلاً؛ كما يمر هذا النفق تحت »نفق المناخة« ومن خلال مشروع مواقف السيارات تحت الساحات المحيطة بالمسجد النبوي الشريف.

أما خارجه، فإن الأبنية الضخمة العالية حالت بيني وبين وصف خارج المسجد النبوي الشريف. فقد كانت آثار »العولمة« ورجال الأعمال من الفخامة والعلو ما جعلني أنظر إلى الخلف أكثر. أثيرت الصور كل مرة إلى الحرمين، المسجد النبوي والمسجد الحرام. ففي خارجها من التغيرات ما يدفع القارئ إلى العودة إلى المدينة ويستفيد من توسعة الحرمين من جديد.

لا ينكر أحد دور الملك عبد العزيز في تأسيس المملكة السعودية معتمداً على الدين الحنيف قواماً ومنهاجاً. فقد بدأ استعادة مدينة الرياض وتوحيد أجزاء الجزيرة المتناثرة والمتنازعة، فأعاد إليها مكانتها التي كادت تخبو وحمل أبناؤه من بعده رسالته مؤسِّساً بانياً؛ فأضحت المملكة بهم كياناً حضارياً شامخاً اختصر الكثير من المسافات والعقود الزمنية الحضارية. وتخطى معهم الحدود ليعنى بشؤون المسلمين في كل بقاع الدنيا.

كان الملك عبد العزيز يعرف أن خدمة المسلمين ستكون أولى أوليات الدولة السعودية الجديدة... ولعل أبرز اهتمامات المملكة يتمثل في خدمتها للحرمين الشريفين.





رد مع اقتباس
قديم 03-07-2010, 08:26 PM   رقم المشاركة : 6
الكاتب

OM_SULTAN

المشرف العام

OM_SULTAN غير متواجد حالياً


الملف الشخصي








OM_SULTAN غير متواجد حالياً


رد: موضوع للبحث


هذا البحث الموجود في موقع المسلم ، وننتظر أبحاثكم بورك فيكم .

توسعة أحواض الجمرات 3 / 12 / 1426 هـ


أ.د/عبد الله بن عبد الواحد الخميس
الأستاذ بالدراسات العليا بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية




توسعة أحواض الجمرات.

المسألة الأولى :محل الرمي

محل الرمي: الجمار الثلاث، أولها التي تلي مسجد الخيف، والوسطى، والأخيرة وهي جمرة العقبة.
وقد اتفق الفقهاء على أن الجمرة هي مجتمع الحصا الذي تحت العمود، فإذا وقع الحصا تحت العمود أجزأ .(1)
ولكنهم اختلفوا فيما خرج عن مجتمع الحصا ، أو وقع على الشاخص ولم ينزل فذهب بعض علماء الحنفية إلى أن الحصاة إذا وقعت قريباً من الجمرة أجزأت، والقرب حسب العرف فما عد قريباً فهو قريب، وما عد في العرف بعيداً فهو بعيد، جاء في المحيط البرهاني " ينبغي أن تقع الحصاة عند الجمرة أو قريباً منها حتى لو وقعت بعيداً منه لم يجزه، لأنا إنما عرفنا الرمي قربة بالشرع بخلاف القياس في مكان مخصوص إلا أن قريب الشيء حكمه حكم ذلك الشيء "(2)
وجاء في إرشاد الساري "والبعد والقرب بحسب العرف، ولذا قال في الفتح فلو وقعت بحيث يقال فيه ليس بقريب منه ولا بعيد فالظاهر أنه لا يجوز احتياطا" (3)



وأما الآن فإن عدد الحجاج يقارب المليونين وأكثرهم يركبون السيارات ووصولهم إلى منطقة الحجرات يكاد يكون متقارباً، ولذا فلابد من النظر في حكم توسعة الحجرات.

فبناءً على ما ذهب إليه الحنفية لا يلزم إصابة مجتمع الحصا بالرمي بل لو رمى ووقع قريباً منه أجزا .
وأما بالنسبة للشاخص فليس موضعاً للرمي عند الحنفية، ولكنه علامة للجمرة، ولكن لو وقع على أحد جوانب الشاخص أجزاه
للقرب، ولو وقع على قبة الشاخص ولم ينزل عنها لا يجزئه للبعد(4).
وذهب المالكية في القول المعتمد عندهم إلى أن الشاخص موضع للرمي لأنه يقع عليه اسم الجمرة فيصح الرمي فيه ويجزئ ولو لم تقع الحصاة على مجتمع الحصى، وذهب بعضهم إلى أن المراد بالجمرة مجتمع الحصى فلا يجزئ ما خرج عنه قال الدردير: "الجمرة هي البناء وما حوله من موضع الحصى، وهو أولى، فإن وقعت الحصاة في شق من البناء أجزأت على التحقيق، قال الصاوي: وقيل إن الجمرة اسم للبناء الذي حول المكان فقط محل اجتماع الحصى، وعليه فلا يجزئ ما وقف في البناء ولكن التحقيق الإجزاء (5)
وعند جمهور الشافعية ـ كما ذكر النووي ـ " الجمرة مجتمع الحصى لا ما سال من الحصى فمن أصاب الحصى بالرمي أجزأه، ومن أصاب سائل الحصى الذي ليس هو بمجتمعه لم يجزه، والمراد بمجتمع الحصى في موضعه المعروف " (6)



وأما الشاخص فلا يصح رميه قال ابن حجر الهيتمي" وعلم من عبارته ـ يعني النووي ـ أن الجمرة اسم للمرمى حول الشاخص، ومن ثم لو قلع لم يجز الرمي إلى محله، ولو قصده لم يجزئ" (7)
ويرى بعض علماء الشافعية الإجزاء إذا قصد الشاخص ولو لم تسقط في مجتمع الحصى لأن العامة لا يقصدون بذلك إلا فعل الواجب، والرمي إلى المرمى، وقد حصل فيه بفعل الرمي، قال الشرواني:" وهذا هو الذي يسع عامة الحجيج اليوم " (8)
ويرى الحنابلة أن المرمى مجتمع الحصى لا نفس الشاخص ولا مسيله فلا يجزي عندهم رمي الشاخص (9)

ويفهم مما سبق أن جمهور العلماء يرون أن محل الرمي هو مجتمع الحصى ويزيد الحنفية جواز وقوع الحصى قريباً من المرمى، ويرى المالكية وبعض الشافعية جواز رمي الشاخص أو محله.
وأما مساحة محل الرمي فللعلماء فيها خلاف، وقد قدرها بعض المتأخرين من الشافعية بثلاثة أذرع (10)، قال ابن حجر الهيتمي" حده الجمال الطبري (11) بأنه ما كان بينه وبين الجمرة ثلاثة أذرع فقط، وهذا التحديد من تفقهه وكأنه قرر به مجتمع الحصا غير السائل، والمشاهدة تؤيده فإن مجتمعه غالباً لا ينقص عن ذلك "(12)


وقال ابن حجر الهيتمي أيضاً "تحديد الشافعي _رضي الله عنه_ والأصحاب ومن بعدهم إلى زماننا _رضي الله عنهم_ المرمى بمجتمع الحصى صريح، أي صريح في أن مجمع الحصى المعهود الآن بسائر جوانب الجمرتين الأوليين تحت شاخص جمرة العقبة هو الذي كان في عهده _صلى الله عليه وسلم_" (13)
وقال الشيخ عبد الله البسام: " أما الحنابلة فلم نعثر لهم على تقدير وتحديد لموضع الرمي وإنما يتناقلون عبارة الشافعي المتقدمة" (14)
وقال الشيخ سليمان بن علي (15) " المرمى الذي يترتب عليه الأحكام هو الأرض المحيطة بالميل المبني، ولم أقف على حد ذلك هل هو ذراع أو أكثر أو أقل... والذي يظهر لي ـ والله ـ أعلم أن المرمى منها الأرض التي في أصل البناء مما يلي بطن الوادي فلو رمى ظهرها لا يعتد به " (16)
وجاء في رسالة " الأنهار الأربعة في مرمى جمرة العقبة "(17)أن: الزحمة التي عند جمرة العقبة يلزم إزالتها بوضع شباك حواليها، ـ ونقل اتفاق جمع من العلماء على أنه يجب إزالة الزحمة بالشباك ـ فأحدث في آخر شهر ذي القعدة من شهور السنة إحدى وتسعين ومائتين وألف شباك حديدي، والحامل لهم على ذلك دفع معظم زحمة الرامين لجمرة العقبة، لا لتحديد ذات المرمى،... قال الشيخ عبد الله البسام وقد اعترض على إحداث هذا الشباك بعض العلماء، وأشدهم إنكاراً له الشيخ علي باصبرين(18) (عالم مدينة جدة في زمنه) فقال في رسالة له: إن المقصود من وضع ذاك الشباك رفع معظم زحمة الرامين، وهو حسن غير أنه بالتحويط بذلك الشباك وعلى ما يعتبر فيه الرمي ومالا يعتبر يحصل إيهام العوام، فيتوهمون أن جميع ما أحاط بذلك مرمى، وليس الأمر كذلك، ودرء المفاسد مقدم على جلب المصالح، فكان يتعين على فاعلي ذلك الشباك بالقصد الحسن أن يتداركوا رفع إيهام المفسدة الشرعية بأحد أمرين :


أحدهما : إحداث شباك ثان من حديد ، يكون بقدر منصوص المرمى المتفق عليه ، في عرض أساس العلم المبني ، والثلاثة الأذرع معتبرة من أساس ظاهر العلم إلى جهة الوادي .
الثاني : وضع دكة مرتفعة على المرمى الذكور بخصوصه ليميز من غيره مما أحاط بالشباك الحادث من الأرض التي لا يجزئ الرمي فيها ، وإما بإزالة هذا الشباك الحادث الموهم ..
وذكر الشيخ عبد الله البسام أنه بعد مناقشة طالت أزيل وأحدث بدله بناء أحواض حول الجمار الثلاث ، وذلك في السنة التي بعدها وهي سنة اثنين وتسعين و مئتين وألف، وقال الشيخ البسام : ويظهر لي من الرسالة والبحث والمناقشة أن أحواض الجمار لما بنيت عام ( 1292هـ) بنيت بشكل واسع ، ثم اختصرت أحواضها على ما هي عليه الآن .(19)
ويتضح مما سبق ما يلي :
1ـ أن مرمى الجمار غير محاط ببناء ، وأن الناس كانوا يرمون الحصى قريباً من الشاخص .
2ـ أنه ليس هناك مساحة محددة للمرمى ، ولذلك اختلف العلماء في تقديرها .


3ـ أن اعتراض الشيخ علي باصبرين على وضع الشباك؛ لأنه يرى أن الرمي لا يجوز فيما زاد على ثلاثة أذرع ، وذلك أنه شافعي المذهب ، والمتأخرون من الشافعية حددوه بهذا المقدار .
4ـ أن الأحواض لما بنيت عام ( 1292هـ) بنيت بشكل واسع ثم اختصرت أحواضها على ما هي عليه الآن ، ولعل اختصارها عملاً بما ذهب إليه المتأخرون من علماء الشافعية ، جاء في منسك " دليل الطريق لحجاج بيت الله العتيق " المرمى هو المحل المبني فيه العلم أي العمود ، وضبطه بثلاثة أذرع من جميع جوانبه ، وقد حوط الآن على هذا المقدار بجدار قصير فالرمي يكون داخله ، ـ وهذا في غير جمرة العقبة ـ وعليه دائرة أمامه ، فالرمي يكون في وسط الدائرة تحتها .(20)
ويظهر لي ـ والله أعلم ـ أن بناء الأحواض بشكل واسع بناءً على رأي بعض العلماء في ذلك الوقت ، ثم ضيقت بناء على رأي بعض علماء الشافعية ، وسداً لباب الخلاف ، علماً بأن الحجاج في ذلك الوقت عددهم قليل ، وليس هناك حاجة لتوسيع المرمى فاكتفي به على هذا المقدار .


المسألة الثانية : حكم توسعة أحواض الحجرات:

سبق أن ذكرت أن أحواض الحجرات الموجودة لم تكن موجودة في زمن الرسول _صلى الله عليه وسلم_ ولكنها أحدثت بعد عام ألف ومئتين واثنين وتسعين (1292هـ) بعد مشاورة الفقهاء واتفاقهم على ذلك ، ولذلك فإن الذين وضعوها قدروا الحاجة في ذلك الوقت في زمن كان عدد الحجاج فيه قليل، والحجاج لا توجد لديهم وسائل نقل غير الإبل والحمير، ومنهم من يمشي على رجليه، ولا يصلون إلى منطقة الحجرات دفعة واحدة مع قلة عددهم، وأما الآن فإن عدد الحجاج يقارب المليونين وأكثرهم يركبون السيارات ووصولهم إلى منطقة الحجرات يكاد يكون متقارباً، ولذا فلابد من النظر في حكم توسعة الحجرات.
وقد بحث بعض العلماء المعاصرين من هيئة كبار العلماء هذه المسألة وقرروا عدم جواز بناء حوض خارجي أوسع من الحالي لأمرين.
الأمر الأول: المستند لبقاء الوضع الحالي للجمار باعتبار مساحة الأرض هو استصحاب العكس أو الاستصحاب المقلوب:


وحقيقته: ثبوت أمر في الزمن الماضي بناء على ثبوته في الزمن الحاضر، وهو حجة، وهذه المسألة مدار البحث ـ في نظر هؤلاء العلماء ـ من المسائل المندرجة تحت هذا النوع، إذ أن هذه المواضع المشاهدة هي متحددة الآن، والأصل أنه لم يطرأ عليها أي تغيير، فثبت لها ذلك في الزمن الماضي بناء على ثبوته في الوقت الحاضر(21).
والجواب عن هذا المستند وهو استصحاب العكس من وجهين:
الوجه الأول: أن الاستدلال باستصحاب العكس أو بالاستصحاب المقلوب محل خلاف بين أهل العلم، والقائلون به وهم الشافعية لم يقولوا به إلا في مسألة واحدة، قال السبكي(22)" ولم يقل به الأصحاب إلا في مسألة واحدة ، وهو ما إذا اشترى شيئاً فادعاه مدع وانتزعه منه بحجة مطلقة فإنهم أطبقوا على ثبوت الرجوع على البائع ، بل لو باع المشتري أو وهب وانتزع من المشترى منه أو الموهوب له كان للمشتري الأول الرجوع أيضاً فهذا استصحاب الحال في الماضي "(23)
واعترض عليه العراقي(24) فقال " وعدم الرجوع وجه مشهور؛ وكان شيخنا الإمام البلقيني(25) يرجحه ، ويقول: إنه الصواب المتعين والمذهب الذي لا يجوز غيره " وأطال ـ العراقي ـ في إظهار أن نصوص الشافعية على خلاف ما قاله السبكي ، وقال أيضاً في رده على السبكي: "إن ظواهر نصوص الشافعي وكـلام الأصحـاب يبطله " (26)


وقال ابن دقيق العيد عن الاستدلال باستصحاب الحاضر في الماضي : " وهذا وإن كان طريقاً ، كما ذكرنا ، إلا انه طريق جدل لا جلد ، والجدل طريق في التحقيق سالك على مَحجّ مُضيّق ، وإنما تضعف هذه الطريقة إذا ظهر لنا تغير الوضع ، فأما إذا استوى الأمران فلا بأس " (27)
قال الزركشي(28) " وأما الفقهاء فظاهر قولهم إن الأصل في كل حادث تقديره بأقرب زمن منافاة هذا القسم .(29)
الوجه الثاني: لا نسلم أن هذه المسألة مندرجة تحت استصحاب العكس ، أو الاستصحاب المقلوب، وذلك أن موضع الرمي معلوم ، ولكن مساحته غير محددة لا في زمن النبي _صلى الله عليه وسلم_ وصحابته ولا بعد ذلك، والجدار الموجود على الحوض محدث بعد عام ألف ومئتين واثنين وتسعين 1292هـ ـ كما سبق ـ فأين الحدود والمساحة الثابتة في هذا العصر حتى يقال باستصحاب العكس ، ولو وجدت حدود فمن الذي يجزم بأنها من عصر النبي _صلى الله عليه وسلم_ وأنها لم تتغير إلى الآن، علماً بأن الأصل في كل حادث تقديره بأقرب زمن، لا أن يقال بتقدمه بدون دليل.


الأمر الثاني: قالوا لا يجوز بناء حوض خارجي أوسع من الحالي، ومستند المنع هو قاعدة سد الذرائع؛ إذ إن بناء هذا الحوض يؤدي إلى التباس المرمى على الناس فيرمون فيه، والرمي ممتنع، لأن هذه القطعة ليست من المرمى .(30)
والجواب عن الاستدلال بقاعدة سد الذرائع من وجوه:
1- أن الحوض الموجود الآن محدث، ولا نعلم في أي جزء من مساحة الحوض رمى رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ ولا أصحابه حتى نلزم الناس أن يرموا في نفس الموضع، وأين الدليل على أن كل مساحة الحوض محل للرمي؟ وإذا كان الأمر كذلك ، فإن ما كان خارج الحوض وقريب منه حكمه حكم الحوض الموجود إذ لا فرق بينهما.
2- أن خلاف العلماء في محل الرمي دليل على أن المساحة غير محددة، وإلا لما حصل هناك خلاف.
3- إذا قيل بأن الرمي إلى مجتمع الحصا فإن الحصا في هذه الأزمنة يتجاوز الأحواض الموجودة، ولا يمكن إزالته مع وجود هذا العدد الكثير من الحجاج، والقول بأن هناك مساحة محددة لا يجوز تجاوزها يقتضي إبطال رمي من تجاوزها حتى وإن كان إلى مجتمع الحصا.


4- أن ما قارب الشيء يأخذ حكمه(31)، وحينئذ فلا مانع أن يوسع الحوض ، ويكون حكم من رمى فيه حكم من رمى قريباً من مجتمع الحصا بدليل أن المسجد الحرام كان في الزمن السابق ضيقاً ولما وسع أخذت التوسعة حكم المسجد.
5ـ أن مقام إبراهيم عليه السلام كان لاصقاً بالبيت في عهد النبي _صلى الله عليه وسلم_ (32)وبعده حتى حوله عمر _رضي الله عنه_ إلى موضعه الذي هو به الآن، روى هذا عن مجاهد(33) وعطاء(34) وسفيان بن عيينة(35) وهو اختيار الحافظ ابن كثير(36) وابن حجر(37) _رحمهم الله_ فعن عائشة _رضي الله عنها_ أن المقام كان زمان الرسول _صلى الله عليه وسلم_ وزمان أبي بكر _رضي الله عنه_ ملتصقاً بالبيت ثم أخره عمر بن الخطاب _رضي الله عنه_(38) وعن عروة عن أبيه أن المقام كان في زمان رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ وزمان أبي بكر ملتصقاً بالبيت ثم أخره عمر بن الخطاب _رضي الله عنه_(39). وتأخير عمر _رضي الله عنه_ للمقام لئلا يشغل المصلون الطائفيين ويضيقوا عليهم فأراد _رضي الله عنه_ رفع الحرج قال الحافظ ابن حجر "كأن عمر _رضي الله عنه_ رأى أن إبقاءه –أي المقام- يلزم منه التضييق على الطائفيين أو على المصلين فوضعه في مكان يرتفع به الحرج" (40) .


ورفع الحرج في محل الرمي لاسيما وقد حصل به وفيات أولى من توسعة المطاف الذي لم يحصل به _ولله الحمد_ أي حادثة.
6ـ أن تطبيق قاعدة سد الذرائع في هذه المسألة ليست بأولى من تطبيق قاعدة (المشقة تجلب التيسير) (41)و (إذا ضاق الأمر اتسع) (42)لاسيما مع عدم وجود دليل على مساحة كل جمرة.
7ـ لا ينبغي التوسع في الأخذ بقاعدة سد الذرائع والتضييق على الناس في أمور ظنية ، يقول ابن الرفعة (43) في معرض رده على المالكية " الذريعة على ثلاثة أقسام:
أحدها: ما يقطع بتوصيله إلى الحرام فهو حرام عندنا وعنـدهم ( يعني عند الشافعية والمالكية).
والثاني : ما يقطع بأنه لا يوصل إلى الحرام ولكنه اختلط بما يوصل، فكان من الاحتياط سدُ الباب ، وإلحاق الصورة النادرة التي قطع بأنها لا توصل الحرام بالغالب منها الموصل إليه، قال وهذا غلو في القول بسد الذرائع.
والثالث : ما يحتمل ويحتمل ،وفيه مراتب، ويختلف الترجيح بسبب تفاوتها.


وقال ونحن نخالفهم يعني المالكية فيها إلا القسم الأول لانضباطه وقيام الدليل عليه أ.هـ (44)
ويقول الشيخ محمد أبو زهرة: " إن الأخذ بالذرائع لا تصح المبالغة فيه، فإن المغرق فيه قد يمتنع من أمر مباح أو مندوب أو واجب خشية الوقوع في ظلــــم" (45).
والذي يظهر لي -والله أعلم- هو جواز توسعة الجمرات للاعتبارات الآتية:
1- أنه ليس هناك تحديد منقول عن النبي _صلى الله عليه وسلم_ ولا عن أصحابه في تحديد مساحة الجمرات.
2- أن هناك حاجة ماسة لتوسعة الجمرات لضيق دائرة المرمى ، ولما يحصل فيها من الزحام الشديد، والحاجة تنزل منزلة الضرورة. (46)
3- أن في توسعة الحجرات تيسيراً ورفعاً للحرج وقد قال تعالى (وما جعل عليكم في الدين من حرج) (47)فلو بقيت سعة الجمرات على وضعها الحالي لحصل للناس ضيق وحرج شديد لشدة الزحام الحاصل في هذا الزمان.
4- أنه ليس هناك ما ينافي هذا القول ولا ما يدل على بطلانه فلا ينبغي المصير إلى ما فيه تشديد وتضييق على الناس وترك ما فيه توسعة ورفع للحرج والأصول تقضي به.


وفي نهاية هذا البحث أذكر القارئ الكريم بأنني قد اجتهدت في بحثي هذا ولا أدعي الكمال فهو جهد بشري معرض للنقص وكاتبه أحوج الناس إلى الحق والدلالة على الصواب .


رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:46 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.4, Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir