العودة   منتديات أفـــاق دبـــي الثقافيـــة > كليةالشريعة College of Sharia > قسم الماجستيرSection Masters

آخر 10 مشاركات
الخبيصه الاماراتيه (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 1 - المشاهدات : 35308 - الوقت: 09:09 PM - التاريخ: 01-13-2024)           »          حلوى المغلي بدقيق الرز (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 0 - المشاهدات : 24215 - الوقت: 03:16 PM - التاريخ: 12-11-2023)           »          دروس اللغة التركية (الكاتـب : عمر نجاتي - مشاركات : 0 - المشاهدات : 30541 - الوقت: 11:25 AM - التاريخ: 08-21-2023)           »          فيتامين يساعد على التئام الجروح وطرق أخرى (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 0 - المشاهدات : 32020 - الوقت: 08:31 PM - التاريخ: 07-15-2023)           »          صناعة العود المعطر في المنزل (الكاتـب : أفاق الفكر - آخر مشاركة : OM_SULTAN - مشاركات : 4 - المشاهدات : 65413 - الوقت: 10:57 PM - التاريخ: 11-06-2022)           »          كحل الصراي وكحل الاثمد وزينت المرأة قديما من التراث (الكاتـب : Omna_Hawaa - آخر مشاركة : OM_SULTAN - مشاركات : 2 - المشاهدات : 59625 - الوقت: 10:46 PM - التاريخ: 11-06-2022)           »          كيفية استخدام البخور السائل(وطريقة البخور السائل) (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 2 - المشاهدات : 51493 - الوقت: 10:36 PM - التاريخ: 11-06-2022)           »          جددي بخورك (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 0 - المشاهدات : 33899 - الوقت: 10:25 PM - التاريخ: 11-06-2022)           »          عطور الإمارات صناعة تراثية (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 0 - المشاهدات : 34171 - الوقت: 10:21 PM - التاريخ: 11-06-2022)           »          خلطات للعطور خاصة (الكاتـب : أفاق : الاداره - آخر مشاركة : OM_SULTAN - مشاركات : 1 - المشاهدات : 40091 - الوقت: 10:12 PM - التاريخ: 11-06-2022)

 
 
أدوات الموضوع تقييم الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
قديم 09-24-2012, 02:37 PM   رقم المشاركة : 1
الكاتب

OM_SULTAN

المشرف العام

OM_SULTAN غير متواجد حالياً


الملف الشخصي








OM_SULTAN غير متواجد حالياً


القواعد الفقهية الأساسية للشريعة الإسلامية

بسم الله الرحمان الرحيم

القواعد الفقهية الأساسية للشريعة الإسلامية

تنقسم القواعد الشرعية الى أقسام متعددة ، فهي أعم من أن تنحصر في نوع معين من القواعد ، كالقواعد الأصولية أو الفقهية ، بل تتضمن كذلك القواعد العقائدية والقواعد الأخلاقية وغيرها مما يدخل تحت مسمى القواعد الشرعية. قال القرافي رحمه الله: ” القواعد ليست مستوعبة في أصول الفقه بل للشريعة قواعد كثيرة جدا عند أئمة الفتوى والقضاء لاتوجد في كتب أصول الفقه أصلا ” الفروق 2 /110. ونتناول هنا القواعد الفقهية الأساسية للشريعة الإسلامية:

- القواعد الفقهية الأساسية للشريعة الإسلامية:
إن بعض القواعد الفقهية أعم من بعضها الآخر ، وإن قسماً منها يدخل تحت قاعدة أخرى ، ولذلك تقسم القواعد إلى صنفين قواعد أصلية ، وقواعد فرعية تنضوي تحت القواعد الأصلية. والقواعد الأصلية قسمان :
الأول : قواعد أساسية بالنسبة إلى غيرها لعمومها وشمولها وأهميتها: وحاول بعض الفقهاء إرجاع جميع الفروع إليها ، وتبناها جميع الفقهاء في مختلف المذاهب ووضعوها في كتبهم المذهبية ، وهي :
1 - الأمور بمقاصدها.
2 - اليقين لا يزول بالشك.
3 - المشقة تجلب التيسير.
4 - الضرر يزال.
5 - العادة محكمة.
والقسم الثاني : قواعد أصلية كلية تأتي في الدرجة الثانية بعد الخمس الأولى. ونتناول هنا القواعد الفقهية الأساسية ،

- القاعدة الأساسية الأولى الأمور بمقاصدها:

الألفاظ الأخرى:

1- الأعمال بالنيات.
2- العبرة بالقصد والمعنى لا اللفظ والمبنى.
3- لا ثواب إلا بنية.
4- كل ما كان له أصل فلا ينتقل عن أصله بمجرد النية.
5- الأيمان مبنية على الألفاظ والمقاصد.
6- مقاصد اللفظ على نية اللافظ.
7- إدارة الأمور في الأحكام على قصدها.
8- المقاصد والاعتقادات معتبرة في التصرفات والعادات.
التوضيح
الأمور : جمع أمر ، وهو لفظ عام للأفعال والأقوال كلها ، ومنه قوله تعالى : (قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ) ، وقوله تعالى : (وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ) وقوله تعالى : (وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ (97). أي ما هو عليه من قول أو فعل. والكلام على تقدير مقتضى ، أي أحكام الأمور بمقاصدها ، لأن علم الفقه إنما يبحث عن أحكام الأشياء لا عن ذواتها ، ولذا فسرت المجلة القاعدة بقولها : "يعني أن الحكم الذي يترتب على أمر يكون على مقتضى ما هو المقصود من ذلك الأمر. فالأمور بمقاصدها أي الشؤون مرتبطة بنيّاتها ، وأن الحكم الذي يترتب على فعل المكلف ينظر فيه إلى مقصده فعلى حسبه يترتب الحكم تملكاً وعدمه ، ثواباً وعدمه ، عقاباً وعدمه ، مؤاخذة وعدمها ، ضماناً وعدمه ". والأصل في هذه القاعدة قوله - صلى الله عليه وسلم - : " إنما الأعمال بالنيات " وهذا حديث صحيح مشهور أخرجه الأئمة الستة وغيرهم من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وتواتر النقل عن الأئمة في تعظيم حديث النية ، وأنه لا شيء أجمع ، وأغنى ، وأكثر فائدة منه ، وأنه ثلث العلم ، ويدخل في سبعين باباً في الفقه. والنية محلها القلب في كل موضع ، وحقيقتها : قصد الشيء مقترناً بفعله ، ووقتها في أول العبادة غالباً ، والفعل عامة ، وتختلف كيقيتها باختلاف الأبواب ، ويشترط فيها : التمييز ، والعلم بالمنوي مطابقاً للواقع ، وعدم المنافي ، ويزيد في النية العبادات الإسلامية ، ويعتبر المقصد والنية على نية اللافظ في اليمين ، والاعتكاف ، والنذر ، والحج ، ونحوها إلا في اليمين الواجبة عند القاضي فتكون على نية القاضي. وقال العلماء : "مقاصد اللفظ على نية اللافظ إلا في موضع واحد ، وهو الحَلِف ، فإنه على نية المستحلِف ". وقال ابن خطيب الدهشة : "المقصود الأعظم بالنية الإخلاص . . ، والإخلاص إنما يكون بلإفراد العبادة لله وحده ".
التطبيقات
هذه القاعدة تجري في المعاوضات والتمليكات المالية ، والإبراء ، والوكالات ، وإحراز المباحات ، والضمانات والأمانات والعقوبات.
1 - أما المعاوضات والتمليكات المالية : كالبيع والشراء والإجارة والصلح والهبة ، فإنها كلها عند إطلاقها - أي إذا لم يقترن بها ما يقصد به إخراجها عن إفادة ما وضعت له - تفيد حكمها ، وهو الأثر المترتب عليها في التمليك والتملك. لكن إن اقترن بهذه المعاوضات ما يخرجها عن إفادة هذا الحكم كالهزل. والاستهزاء ، والمواضعة ، والتلجئة ، فإنه يسلبها إفادة حكمها المذكور. وإذا أراد بألفاظها النكاح مثلاً كانت نكاحاً ، لكن يشترط في الإجارة أو الصلح أن تكون المرأة بدلاً ليكون نكاحاً ، فلو كانت في الإجارة معقوداً عليها لا تكون نكاحاً ، وفي الصلح لو كانت مصالحاً عنها ، بأن ادعى عليها النكاح ، فأنكرت ، ثم صالحت المدعي على مال دفعته له ليكف عنها ، صح وكان خلعاً ، ومن باع أو شرى وهو هازل فإنه لا يترتب على عقده تمليك ولا تملك.
2 - أما الإبراء : فكما لو قال الطالب للكفيل ، أو قال المحال للمحتال عليه : برئت من المال الذي كفلت به ، أو المال الذي أحلت به عليك ، أو قال : برئت إلي منه ، وكان الطالب أو المحال حاضراً ، فإنه يرجع إليه في بيان قصده من هذا اللفظ ، فإن كان قصد براءة القبض والاستيفاء منه ، كان للكفيل أن يرجع على المكفول عنه لو كانت الكفالة بالأمر ، وكان للمحال عليه أن يرجع على المحيل لو لم يكن للمحيل دين عليه ، وإن كان قصد من ذلك براءة الإسقاط فلا رجوع لواحد منهما. أما إن كان الطالب أو المحال غير حاضر ، ففي قوله : "برئتَ إليَّ " لا نزاع في أنه يحمل على براءة الاستيفاء ، وكذلك في قوله : "برئتَ " عند أبي يوسف ، فإنه جعله كالأول ، وهو المرجح.
3 - أما الوكالات : فلو وكل إنسان غيره بشراء فرس معين ، أو نحوه ، فاشترى الوكيل فرساً ، ففيه تفصيل ، إن كان نوى شراءه للموكل ، أو أضاف العقد إلى دراهم الموكل ، فيقع الشراء للموكل ، وإن نوى الشراء لنفسه ، أو أضاف العقد إلى دراهم نفسه ، فيقع الشراء لنفسه ، وكذا لو أضاف العقد إلى دراهم مطلقة ، فإذا نوى بها دراهم الموكل يقع الشراء للموكل ، وإن نوى بها دراهم نفسه يقع لنفسه ، وإن تكاذبا في النيَّة يحكَّم النقد ، فيحكم بالفرس لمن وقع نقد الثمن من ماله ، لأن في النقد من أحد المالين دلالة ظاهرة على أنه أراد الشراء لصاحبه.
4 - أما الإحرازات : وهي استملاك الأشياء المباحة ، فإن النية والقصد شرط في إفادتها الملك ، فلو وضع إنسان وعاءً في مكان ، فاجتمع فيه ماء المطر ، ينظر : فإن كان وضعه خصيصاً لجمع الماء يكون ما اجتمع فيه ملكه ، كان وضعه بغير هذا القصد ، هما اجتمع فيه لا يكون ملكه ، ولغيره حينئذ أن يتملكه بالأخذ ، لأن الحكم وهو الملك لا يضاف إلى السبب الصالح إلا بالقصد. وكذلك الصيد ، فلو وقع الصيد في شبكة إنسان أو حفرة من أرضه ينظر : فإن كان نشر الشبكة أو حفر الحفرة لأجل الاصطياد بهما فإن الصيد ملكه ، وليس لأحد أن يأخذه ، وإن كان نشر الشبكة لتجفيفها ، أو حفر الحفرة لا لأجل الاصطياد ، فإنه لا يملكه ، ولغيره أن يستملكه بالأخذ (م/1303) .

5 - وأما الضمانات والأمانات فمسائلها كثيرة :
أ - منها اللقطة : فإن التقطها ملتقط بنية حفظها لمالكها كانت أمانة ، لا تضمن إلا بالتعدي ، وإن التقطها بنية أخذها لنفسه كان تلفها عليه ، والقول للملتقط بيمينه في النية لو اختلفا. وكذا لو التقطها ثم ردها إلى مكانها ، فإن كان التقطها للتعريف لم يضمن بردها لمكانها ، سواء ردها قبل أن يذهب بها أو بعده ، وسواء خاف بإعادتها هلاكها أو لا. وإن كان التقطها لنفسه لا يبرأ بإعادتها لمكانها ما لم يردها لمالكها.
ب - ومنها الوديعة ، فإن المودع إذا استعملها ثم تركها بنية العود إلى استعمالها لا يبرأ عن ضمانها ، لأن تعديه باق ، وإن كان تركها بنية عدم العود إلى استعمالها يبرأ ، ولكن لا يصدق في ذلك إلا ببينة ، لأنه أقر بموجب الضمان ، ثم ادعى البراء. وهذا إذا كان تعديه عليها بغير الحجر أو المنع عن المالك ، فإن كان بأحد هذين ، فإنه لا يبرأ عن الضمان إلا بالرد على المالك ، وإن أزال تعديه بالاعتراف بها. وكذلك كل أمين من قبل المالك إذا تعدى ثم أزال التعدي بنيته (ألا يعود إليه) فإنه يبرأ عن الضمان ، فلو لم يكن مسلطاً من قبل المالك أصلاً ، أو كان مسلطاً في مدة معينة وانتهت ثم تعدى ثم أزال تعديه وعاد إلى الحفظ لا يبرأ ، كما لو كان مأموراً بحفظ شهر ، فمضى شهر ، ثم استعمل الوديعة ثم ترك الاستعمال ، وعاد إلى الحفظ لا يبرأ.
جـ - الوكيل بالبيع لو خالف بأن استعمله ، أو دفع الثوب إلى قصار ليقصره حتى صار ضامناً ، فلو عاد إلى الوفاق يبرأ كمودع ، والوكالة باقية في بيعه. واستثنوا من الأمناء : المستعير لأجل الانتفاع ، والمستأجر ، والأجير ، فإن كلاً منهما لو عاد إلى الوفاق لا يبرأ ، فإذا تعدوا على العين المستعارة أو المستأجرة ، ثم تركوا التعدي بنية عدم العود إليه لا يبرؤون عن الضمان إلا بالرد على المالك ، ومثل ذلك كل أمين كانت يده يد استحفاظ من المالك ، كوارث المودع ، ومن ألقت الريح ثوباً في داره.
6 - وأما العقوبات ، فكالقصاص ، فإنه يتوقف على قصد القاتل ، وتقام الآلة المفرقة للأجزاء مقام قصد القتل ، لأن هذا القصد لا يمكن الوقوف عليه ، ودليل الشيء في الأمور الباطنة يقوم مقامه ، ويتوقف على أن يقصد قتل نفس المقتول لا غير ، فلو لم يقصد القتل أصلاً ، أو قصد القتل ، ولكن أراد غير المقتول ، فأصاب المقتول ، فإنه لا يقتص منه في شيء من ذلك ، بل تجب الدية ، ويكون القتل خطأ. سواء كان ما قصده مباحاً ، كما لو أراد قتل صيد ، أو إنسان مباح الدم ، فأصاب آخر محترم الدم ، أو كان ما قصده محظوراً ، كما لو أراد قتل شخص محترم الدم فأصاب آخر مثله.
7 - من قال : خذ هذه الدراهم ، فإن نوى التبرع بها كان هبة ، وإلا كان قرضاً واجب الإعادة.
8 - من قال لزوجته : أنت عليَّ كظهر أمي ، ينظر إلى نيته ، فإن نوى الظهار فمظاهر ، وإن نوى الكرامة ، كانت كرامة ، وإن نوى الطلاق كان طلاقاً ؛ لأن اللفظ يحتمل كل ذلك.
9 - العبادات ، والنية أساس فيها للتقرب ، ولتمييز العبادات من العادات ، وتمييز رتب العبادات ، كالوضوء أو الغسل يتردد بين التنظيف والتبرد والعبادة ، والإمساك عن المفطرات قد يكون للحمية والتداوي ، أو لعدم الحاجة إليها ، أو لفقدان الطعام ، والجلوس في المسجد قد يكون للاستراحة ، فشرعت النية لتمييز العبادة والقربة من غيرها ، ولذلك قال العلماء : " لا ثواب ولا عقاب إلا بنية" . والوضوء ، والغسل ، والصوم ، ونحوها قد يكون فرضاً ونذراً ونفلاً ، والتيمم قد يكون عند الحدث ، أو الجنابة ، والصورة واحدة ، فشرعت النية لتمييز رتب العبادات بعضها من بعض.
10 - قال لزوجته : أنت عليَّ حرام وبنوي الطلاق والظِّهار ، فالأصح أنه يخير بينهما هما اختاره ثبت.
11 - أحيا أرضاً بنية جعلها مسجداً فإنها تصير مسجداً بمجرد النية.
12 - حلف ألا يسلم على زيد ، فسلم على قوم هو فيهم ، واستثناه بالنية ، فإنه لا يحنث.
13 - المنقطع عن الجماعة لعذر من أعذارها إذا كان نيته حضورها لولا العذر يحصل له ثوابها ، والأحاديث الصحيحة تدل لذلك.
14 - إن الرجل إذا اشترى أو استأجر ، أو اقترض ، ونوى أن ذلك لموكله ، أو لموليه ، كان له ، وإن لم يتكلم به في العقد ، وإن لم ينوه له وقع الملك للعاقد ، وكذا لو تملك المباحات من الصيد والحشيش وغير ذلك ، ونوى أنه لموكله وقع الملك له عند أكثر الفقهاء ، فإذا كان القول والفعل الواحد ، يوجب الملك لمالكين مختلفين عند تغير النية ، ثبت أن للنية تأثيراً في التصرفات.
15 - لو قضى عن غيره ديناً ، أو أنفق عليه نفقة واجبة ، ونحو ذلك ، ينوي التبرع والهبة لم يملك الرجوع بالبدل ، وإن لم ينو فله الرجوع إن كان قد عمل بإذنه وفاقاً ، وبغير إذنه على خلاف فيه ، فصورة الفعل واحدة ، وإنَّما اختلفا ، هل هو من باب المعاوضات ، أو من باب التبرعات بالنية .
16 - إن الله سبحانه حرم أن يدفع الرجل إلى غيره مالاً ربوياً بمثله على وجه البيع ، إلا أن يتقابضا ، وجوّز الدفع على وجه القرض ، وقد اشتركا في أن هذا يقبض دراهم ، ثم يعطي مثلها بعد العقد ، وإنَّما فُرق بينهما للمقاصد ، فإن مقصود المقرض إرفاق المقترض ونفعه ، وليس مقصوده المعاوضة والربح .
17 - لو باعه درهماً بدرهمين كان رباً محرماً ، ولو باعه درهماً بدرهم ، ووهبه درهماً هبة مطلقة ، لا تعلق لها بالبيع ظاهراً ولا باطناً ، كان ذلك جائزاً ، فالذي يميز بين هذا التصرف وهذا ، هو القصد والنية ، فلولا مقاصد العباد ونياتهم لما اختلفت هذه الأحكام.
18 - عقود المكرَه وأقواله مثل بيعه ، وقرضه ، ورهنه ، ونكاحه ، وطلاقه. ورجعته ، ويمينه ، ونذره ، وشهادته ، وحكمه ، وإقراره ، وردته ، وغير ذلك من أقواله ، فإن هذه الأقوال كلها منه ملغاة مهدرة بالإجماع ، فالمكرَه أتى باللفظ المقتضي للحكم ، ولم يثبت حكم اللفظ ؛ لأنه لم يقصده ، وإنما قصد دفع الأذى عن نفسه. فصار عدم الحكم لحدم قصده وإرادته بذلك اللفظ ، وكونه إنما قصد به شيئاً آخر غير حكمه ، فعلم أن نفس اللفظ ليس مقتضياً للحكم إلا بالنية والقصد ، فالأسماء تتبع المقاصد ، فإذا اختلفت المقاصد اختلفت أحكام الأسماء.
19 - إن المقاصد معتبرة في التصرفات من العقود وغيرها ، وهذا إبطال للحيل التي يراد بها التوصل إلى المحرمات ؛ لأن المحتال لا يقصد بالتصرف مقصوده الذي جعل لأجله ، بل يقصد به استحلال محرم ، أو إسقاط واجب ، أو نحو ذلك.
20 - إن الهدية إذا كانت مقبوضة بسبب من الأسباب كانت مقبوضة بحكم ذلك السبب ، فإذا أهدى العامل في المضاربة إلى المالك شيئاً ، فالمالك مخير بين الرد ، وبين القبول والمكافأة عليها بالمثل ، وبين أن يحسبها له من نصيبه ؛ لأنه إنما أهداه لأجل المعاملة التي بينهما ، وليس مقصوده التبرع ، وإذا وهب واهب لأحد شيئاً يقصد بذلك العوض ولم يحصل له فله الرجوع على من وهبه ، وإذا أهدى المقترض إلى المقرض شيئاً قبل الوفاء ، لم يحل له قبولها ، إلا أن يحتسبها من الدين ؛ لأنه إنما أهدى إليه لأجل ما بينهما من المعاملة ، ولكي يُؤخر الاقتضاء.
21 - إذا كان الابن في حضانة أمه ، فأنفقت عليه تنوي بذلك الرجوع على الأب ، فلها أن ترجع على الأب في أظهر قولي العلماء.
22 - لا يجوز البيع لمن يستعين به على المنكر ، كالبيع في أعياد النصارى أوغيرهم ، للمسلمين الذين يعلم أنهم يستعينون بهذا الشراء على مشابهة الكفار في العيد ، وكذلك لا يحل للمسلمين أن يبيعوا للنصارى شيئاً من مصلحة عيدهم ، لا لحماً ، ولا ثوباً ، ولا يعارون دانة ، ولا يعاونون على شيء من دينهم ؛ لأن ذلك من تعظيم شركهم وعونهم على كفرهم.
23 - إذا علم المشتري أن العين المبيعة مغصوبة ، وأراد أن يشتريها ، فإن قصد بشرائها تملكها لم يجز له ذلك ، وإن قصد استنقاذها لتصرف في مصارفها الشرعية ، فتعاد إلى صاحبها إن أمكن ، وإلا صرفت في مصارف المسلمين ، جاز له الشراء.
24 - إذا أعطى الرجل زوجته مالاً زائداً عن النفقة ، فإن كان على وجه التمليك لها فقد ملكته ، وليس له إن طلقها هو ابتداء أن يطالبها بذلك ، وإن كان قد أعطاها لتتجمل به ، لا على وجه التمليك للعين ، فهو باق على ملكه ، فله أن يرجع فيه متى شاء ، سواء طلقها أولم يطلقها.
25 - إذا عمل أحد الشركاء أكثر من غيره ، فإن عمل ذلك تبرعاً فهم سواء في الأجر والربح ، وإن لم ينو التبرع بذلك فله حق المطالبة ، إما بما زاد في العمل ، وإما بإعطائه زيادة في الأجر أو الربح بقدر عمله.
26 - النبات الذي ينبت بغير فعل الآدمي ، كالكلأ ينبته الله في ملك الإنسان ونحوه. لا يجوز بيعه في أحد قولي العلماء ، لكن إن قصد صاحب الأرض تركها بغير زرع ، لينبت فيها الكلأ ، فبيع هذا أسهل ؛ لأنه بمنزلة استنباته .
المستثنى
1 - إن هذه القاعدة لا تجري بين أمرين مباحين ، لا تختلف بالقصد صفتهما ، كما لو وقع الخلاف في كون المبيع صدر هزلاً ، أو مواضعة مثلاً ، لأن اختلاف القصد بين الهزل والمواضعة لا يترتب عليه ثمرة ؛ إذ كل منهما لا يفيد تمليكاً ولا تملكاً. بل تجري القاعدة بين أمرين مباحين تختلف صفتهما بالقصد ، كما لو دار الأمر بين البيع المراد حكمه ، وبين بيع المواضعة ونحوه ، وتجري بين مباح ومحظور ، كاللقطة بنية حفظها لمالكها مباح ، وبنية أخذها لنفسه محظور ، ولبس ثوب الوديعة ثم نزعه ، فإن العود إلى لبسه محظور ، وعدم العود إلى لبسه مطلوب.
2 - لا تشترط النية في عبادة لا تكون عادة ، أو لا تلتبس بغيرها ، كالإيمان باللَّه تعالى ، والخوف ، والرجاء ، والنية ، وقراءة القرآن ، والأذكار ، لأنها متميزة بصورتها.
3 - لا تشترط النية في التروك ، كالزنى ، وشرب الخمر ، والسرقة ، وغيرها ، فإن الترك لا يحتاج إلى نية لحصول المقصود منها ، وهو اجتناب المنهي عنه بكونه لم يوجد ، وإن لم يكن نية . لكن الترك يحتاج إلى نية في حصول الثواب المترتب على الترك .لأنه لا ثواب ولا عقاب إلا بنية.
4 - الخطأ في النية لا يَضر أحياناً ، وضابطه : ما يجب التعرض له في النية جملة ، ولا يشترط تعيينه ، فإن عينه فلا يضر ، كما لو نوى رفع حدث النوم مثلاً ، وكان حدثه غيره كمس المرأة ، أو نوى رفع جنابة الجماع ، وجنابته باحتلام وعكسه ، أو رفع حدث الحيض وحدثها الجنابة أو عكسه ، خطأ ، لم يضر ، وصح الوضوء والغسل في الأصح. وسبب الاستثناء والخروج على القاعدة أن النية في الوضوء والغسل ليست للقربة ، بل للتمييز بين العبادة والعادة ، ولأن الأحداث وإن تعددت أسبابها. فالمقصود منها واحد ، وهو المنع من الصلاة ، ولا أثر لأسبابها من نوم أو غيره .
5 - نوى المحدث غسل أعضائه الأربعة عن الجنابة غلطاً ظاناً أنه جنب صح وضوءُه.
6 - ذبح أضحية لله تعالى ، وللصنم ، فتحرم الذبيحة بانضمام النية للصنم ، لأنه تشريك في نية عبادة مع ما ليس بعبادة فيبطلها ، ولا يضر التشريك في النية في صور كثيرة كما لو نوى الوضوء أو الغسل والتبرد صح الوضوء والغسل ، أو نوى الصوم والحمية أو التداوي صح صومه ، أو نوى الصلاة ودفع غريمه صحت صلاته ، أو نوى الطواف وملازمة غريمه أو السعي خلفه صح طوافه ، أو قرأ في الصلاة آية وقصد بها القراءة والتفهيم فإنها لا تبطل ، ولو قال له إنسان : صَل الظهر ولك دينار ، فصلى بهذه النية تجزئه صلاته ، ولا يستحق الدينار.
7 - كبَّر المسبوق ، والإمام راكع ، تكبيرة واحدة ، ونوى بها التحرم والهوي إلى الركوع لم تنعقد الصلاة أصلاً للتشريك ، وكذا إذا نوى بصلاته الفرض والراتبة لم تنعقد أصلاً.
8 - لا تكفي النية أحياناً ، ويشترط معها التلفظ باللسان بالمنوي ، فلو نوى أصل الطلاق ، أو عدداً منه ، ولم يتلفظ بذلك فلا وقوع ، ولو نوى النذر بقلبه ولم يتلفظ به لم ينعقد ، ومن اشترى شاة بنية الأضحية ، أو الإهداء للحرم ، فلا تصير أضحية ولا هدياً على الصحيح حتى يتلفظ بذلك ، وإذا باع سلعة بألف ، وفي البلد نقود لا غالب فيها ، فقبل المشتري ، ونويا نوعاً لم يصح في الأصح حتى يبيناه لفظاً. ولو قال : أنت طالق ، ثم قال : أردت إن شاء الله ، لم يقبل حتى يتلفظ بذلك ، ومن همَّ بقول معصية ولم يتلفظ به لم يأثم ما لم يقل ، فإن قال بعد الهم أثم بها أيضاً.
9 - لا تؤثر نية قطع العبادات أحياناً ، لمن نوى قطع الفاتحة ، ولم يسكت لا تبطل صلاته ، ومن نوى الإقامة وقطع السفر ، فإن كان سائراً لم يؤثر ؛ لأن السير يكذبها. ولو نوى بمال القُنْية التجارة لم يؤثر في الأصح ، ولا تجب زكاة التجارة إلا إذا شرع بها في هذه الحالة ، ومن نوى قطع الصوم والاعتكاف لم يبطلا في الأصح ، ومن نوى الأكل والجماع في الصوم لم يضره ، ومن نوى فِعْل منافِ في الصلاة كالأكل والعمل الكثير لم تبطل قبل الشروع فيه ، ومن نوى قطع الحج والعمرة لم يبطلا بلا خلاف ، لأنه لا يخرج منهما بالفساد. ومن نوى الخيانة في الوديعة لم يضمن على الصحيح.
إلا أن يتصل به نقل من الحرز.
10 - تصح النية مع التردد والتعليق في صور ، كمن اشتبه عليه ماء وماء ورد لا يجتهد ويتوضأ بكل مرة ، ويغتفر التردد في النية للضرورة كمن عليه صلاة من الخمس فنسيها ، فصلى الخمس ثم تذكرها ، لا تجب الإعادة ، ومن عليه صوم واجب لا يدري هل هو من رمضان أو نذر أو كفارة ، فنوى صوماً واجباً أجزأه ، ويُعْذَرُ في عدم جزم النية للضرورة. ومن صور التعليق : ما إذا علق إحرامه على إحرام صاحبه ، كأن يقول : إن كان زيد محرماً فقد أحرمتُ ، فإن تبين إحرام صاحبه انعقد إحرامه ، وإلا فلا ، ولو أحرم ليلة الثلاثين من رمضان وهو شاك ، فقال : إن كان من رمضان فإحرامي بعمرة ، وإن كان من شوال فإحرامي بحج ، فكان من شوال صح ، ومن شك في قصر إمامه ، فقال : إن قصر قصرت ، وإلا أتممت ، فبان قاصراً قصر ، وإن اختلط موتى مسلمون بكفار ، أو شهداء ، وصلى على كل واحد منهم بنية الصلاة عليه إن كان مسلماً أوغير شهيد صح ، ومن عليه فائتة وشك في أدائها ، فقال : أصلي عنها إن كانت ، وإلا فنافلة ، فتبين أنها عليه ، أجزأه ، ومن نوى زكاة ماله الغائب إن كان باقياً لم يتلف ، وإلا فعن الحاضر ، فبان باقياً أجزأه عنه ، أو تالفاً أجزأه عن الحاضر ، ومن أحرم بصلاة الجمعة في آخر وقتها ، فقال : إن كان باقياً فجمعة ، وإلا فظهر ، فبان بقاؤه ، صحت الجمعة.
11 - ذهب جمهور الفقهاء إلى لزوم نكاح الهازل وطلاقه ورجعته وعتقه مع أنه لا يقصد ذلك ، وأجاز بعض الفقهاء تصرفاته المالية ، لأنه أتى بالقول وإن لم ينو الالتزام بحكمه ، لأن ترتيب الأحكام على الأسباب للشارع لا للعاقد .

12 - يدخل في الاستثناءات ما تشمله القاعدة التي وضعها. (ابن رجب رحمه الله تعالى عند الحنابلة بقوله : "النية تعمُّ الخاص ، وتخصِّص العام بغير خلاف فيهما ، وهل تقيد المطلق ، أو تكون استثناء من النص ؟ على وجهين فيهما ، فهذه أربعة أقسام " وعرض صوراً كثيرة لكل قسم.
- ضوابط ما يحتاج إلى نية من الأعمال وما لا يحتاج عند المالكية :
1 - كل ما تمحض للتعبد ، أو غلبت عليه شائبته ، فإنه يفتقر إلى النية ، كالصلاة والتيمم ، وما تمحض للمعقولية ، أو غلبت عليه شائبته ، فلا يفتقر ، كقضاء الدين ، فإن استوت الشائبتان فقيل كالأول يلحق بحكم العبادة ، وقيل كالثاني يلحق بحكم الأصل ، وإعمال الشائبتين أرجح من إلغاء إحداهما ، كالدليلين.
2 - كل ما كانت صورة فعله كافية في تحصيل مصلحته فإنه لا يفتقر إلى نية ، كغسل النجاسة.
3 - القربات التي لا لبس فيها ، كالذكر والنية ، لا تفتقر إلى نية.
4 - النيَّة في العبادات للتمييز والتقرب ، وفي غيرها للتمييز.
5 - ما يطلب الكف عنه فتركه يُخرج من عهدته ، وإن لم يقصد المكلف ولم يشعر به.
6 - الفعل إن اشتمل على مصلحة مع قطع النظر عن فاعله صحت فيه النيابة ، ولم تشترط فيه النية ، وإن لم يشتمل إلا مع النظر إلى فاعله لم تصح واشترطت.
7 - كل ما تصح فيه النيابة لا تشترط فيه النية.
8 - كل ما تشترط فيه النية لا تصح فيه الاستنابة.
التطبيقات
1 - قضاء الديون ، وردّ الودائع ، والغصوب ، وإزالة النجاسة ، ونفقات الزوجات ، والأقارب ، وعلف الدواب ، كل ذلك لا تشترط فيه النية ، فلو فعله إنسان دون أن يشعر به ، غافلاً عن التقرب ، لأجزأه ، ولا يفتقر إلى إعادته ، ويجوز أن ينيب غيره ليفعله عنه ، لأن صورته كافية في تحصيل مصلحته ، واستحضار النية فيه يعظم الأجر.
2 - الصلاة والوضوء والغسل والصيام ، وكل ما كان عبادة محضة ، لا يقبل النيابة ، والنية شرط في صحته ، لأن صورته وحدها غير كافية في تحصيل مصلحته ، بل حتى ينضم إليها الخضوع لله تعالى والذلّة والاستكانة.
3 - ما كان فيه شبه بكل من القسمين السابقين ، كالزكاة والكفارات والطهارة ، تجوز فيه النيابة ، واختلف في اشتراط النية في صحته ، والصحيح اشتراطها ؛ لأن جانب التعبد فيه أظهر.
4 - ترك المنكرات كترك الغيبة والنميمة والكف عن أذى الناس ، وترك المعاصى بأنواعها ، لا تحتاج من المكلف إلى نية ، فلو تركها دون أن يشعر لكان ممتثلاً خارجاً من عهدتها ، ولكن إذا نوى بتركها التقرب إلى الله تعالى كان مأجوراً.
المستثنى
1 - الحج عبادة تفتقر إلى النية ، وجازت فيه النيابة للعاجز على خلاف القاعدة ، رخصة ورفقاً بالعباد ، لورود حديث الخثعمية بالحج عن أبيها.
2 - تشرع النية في غير المأمور به على خلاف العادة ، كالمباحات ، إذا قصد به التقوي على أمر مطلوب ، كمن يقصد بالنوم التقوي على قيام الليل ، وبالأكل التقوي للطاعة ، وتشرع له النية ، ويثاب عليه.
- 2 ضوابط ما يحتاج إلى نية عند الحنابلة:
تدخل النية في العبادات جميعها ، ومنها : الوضوء والتيمم والغسل ، والصلاة : فرضها ونفلها ، عينها وكفايتها ، والزكاة ، والصيام ، والاعتكاف ، والحج ؛ فرضه ونفله ، والأضحية والهدي والنذور ، والكفارات والجهاد والعتق والتدبير والكتابة. بمعنى أن حصول الثواب في هذه المسائل الأربعة الأخيرة يتوقف على قصد التقرب إلى الله تعالى ، وشري هذا إلى سائر المباحات ، إذا قصد بها التقوّي على طاعة الله سبحانه وتعالى ، أو التوصل إليها ، كالأكل والنوم ، واكتساب المال ، والنكاح ، والوطء فيه ، وفي الأمة إذا قُصد به الإعفاف ، أو تحصيل الولد الصالح ، أو تكثير الأمة ، أما التروك فلا تحتاج إلى نية. وترد هذه القاعدة ” الأمور بمقاصدها "

القاعدة الأساسية الثانية : اليقين لا يزول بالشك :
الألفاظ الأخرى
- اليقين لا يزال بالشك.
- من شك هل فعل شيئاً أو لا ، فالأصل أنه لم يفعله.
- من تيقن الفعل وشك في القليل أو الكثير عمل على القليل ، لأنه المتيقن.
- الثابت باليقين لا ينتقض إلا بيقين مثله.
- اليقين لا يرفع بالشك.
- ما ثبت بيقين لا يرفع إلا بيقين.
- ما ثبت بيقين فلا يزول إلا بيقين مثله.
- لا يرفع يقين بشك.
التوضيح
اليقين لغة : العلم الذي لا تردد معه ، أي الاستقرار ، وهذا هو المراد من القاعدة ، وليس ما يقوله علماء المعقول بأنه الاعتقاد الجازم ، المطابق للواقع. الثابت ، لأن الأحكام الفقهية إنما تبنى على الظاهر ، وقد يكون الأمر في نظر الشارع يقيناً لا يزول بالشك في حين أن العقل يجيز أن يكون الواقع خلافه ، وذلك كالأمر الثابت بالبينة الشرعية ، فإنه في نظر الشرع يقين كالثابت بالعيان ، ويحكم به القاضي. مع أن شهادة الشهود هي مجرد خبر آحاد يجيز العقل فيها السهو والكذب ، ومع ذلك فإن هذا الاحتمال الضعيف لا يخرج ذلك عن كونه يقيناً ، لأنه لقوة ضعفه قد طرح أمام قوة مقابله ، ولم يبق له اعتبار في نظر الناظر ، فاليقين هو الجزم بوقوع الشيء أو عدم وقوعه. والشك : هو التردد بين النقيضين بلا ترجيح لأحدهما على الآخر ، أو هو التردد في وقوع الشيء وعدم وقوعه على السواء ، وبينه وبين اليقين الظن ، أو الظن الغالب. وهو ترجيح أحد الطرفين على الآخر بدليل ظاهر يبني عليه العاقل أموره ، لكن لم يطرح الاحتمال الآخر ، ويقابل الظنَّ الوهمُ ، وهو الجانب المرجوح لدليل أقوى منه ، والفقهاء يريدون بالشك مطلق التردد سواء كان الطرفان سواء أو أحدهما راجحاً ، وعلماء الأصول يفرقون بين الشك والظن.
ومعنى القاعدة : أن الأمر المتيقن بثبوته لا يرتفع بمجرد طروء الشك ، ولا يحكم بزواله بمجرد الشك ؛ لأن الأمر اليقيني لا يعقل أن يزيله ما هو أضعف منه ، ولا يعارضه إلا إذا كان مثله أو أقوى ، فاليقين لا يُرفع حكمه بالشك أي بالتردد باستواء أو رجحان (أي بالظن) ، وهذا ما يؤيده العقل ؛ لأن الأصل بقاء المتحقق. ومستند هذه القاعدة قوله - صلى الله عليه وسلم - : "إذا وجد أحدكم في بطنه شيئاً فأشكل عليه. أخرج منه شيء أم لا ؟ فلا يخْرُجَنَّ من المسجد حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً" رواه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، فالمتوضئ إذا شك في انتقاض وضوئه فهو على وضوئه السابق المتيقن ، وتصح به صلاته حتى يتحقق ما ينقضه ، ولا عبرة بذلك الشك. وأخرج الحديث أيضاً ابن ماجة والترمذي. وقوله على عن عبد اللّه بن زيد قال : شُكي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الرجل يُخيل إليه أنه يجدُ الشيء في الصلاة ؛ قال : "لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً" أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والدارمي والنسائي وابن ماجة وأحمد. وقوله - صلى الله عليه وسلم - : "إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدرِ كم صلى أثلاثاً أو أربعاً ؛ فليطرح الشك ، وليَبْن على ما استيقن " أخرجه مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
التطبيقات
إن هذه القاعدة من أمهات القواعد التي عليها مدار الأحكام الفقهية ، وتدخل في جميع أبواب الفقه ، والمسائل المخرجة عليها من عبادات ومعاملات وغيرها تبلغ ثلاثة أرباع الفقه وأكثر ، ويتفرع عنها أو يندرج تحتها عدة قواعد فقهية ، ستأتي. وجميع الفروع الفقهية والأمثلة التطبيقية للقواعد الفرعية تدخل غالباً في هذه القاعدة الأساسية الرئيسة ، ونذكر التطبيقات المباشرة لها :
1 - المفقود : وهو الذي غاب عن بلده ، ولا يحرف خبره أنه حي أو ميت ، تجري عليه أحكام الأحياء فيما كان له ، فلا يُورث ، ولا تبين زوجته ؛ لأن حياته حين تغيبه متيقنة ، وموته قبل المدة المضروبة شرعاً ، بموت جميع أقرانه ، مشكوك ، فيدخل تحت قاعدة "اليقين لا يزول بالشك ".
2 - من تيقن الطهارة ، وشك في الحدث ، فهو متطهر ، أو تيقن الحدث وشك في الطهارة فهو محدث. وخالف المالكية فقالوا : من تيقن الطهارة وشك في الحدث فالمشهور أنه يعيد الوضوء مع تفصيل فيه.
3 - الخنثى : عدم نقض الوضوء بمس الخنثى ، أو لمسه.
4 - العقد : إذا ثبت عقد بين اثنين ووقع الشك في فسخه فالعقد قائم.
5 - الدَّيْن : إذا تحقق الدين على شخص ثم مات ، وشككنا في وفائه ، فالدين باق.
6 - الوديعة : إذا هلكت الوديعة عند الوديع ، وشككنا في أنها هلكت بتعديه عليها أو تقصيره ، أو قضاء وقدراً ، فهو غير ضامن ، لأن صفة الأمانة هي المتيقنة عند العقد ، فلا تزول بالشك في حصول التعدي أو التقصير.
7 - النفقة : تعاشر الزوجان مدة مديدة ثم ادعت الزوجة عدم الكسوة والنفقة. فالقول قولها ؛ لأن الأصل بقاؤها في ذمته وهو يقين ، وعدم أدائها.
8 - الماء : اشترى ماءً ، ثم ادعى نجاسته ليرده ، فالقول قول البائع ، لأن الأصل المتيقن طهارة الماء.
9 - الطهر : ادعت المطلقة الرجعية امتداد الطهر ، وعدم انقضاء العدة ، صدقت ، ولها النفقة ؛ لأن الأصل المتيقن بقاؤها.
10 - الدَّيْن : إذا كان إنسان يعلم أن زيداً مدين لعمرو بألف مثلاً ، فإنه يجوز له أن يشهد على زيد بالألف ، وإن خامره الشك في وفائها أو في إبراء الدائن له منها ، إذ لا عبرة للشك في جانب اليقين السابق.
11 - الملك : إذا كان الشخص يعلم أن العين الفلانية كانت ملك زيد ، ثم نازعه فيها أحد ، فإنه يجوز أن يشهد لزيد بأن العين ملكه ، وإن كان يحتمل أنه باعها لمن ينازعه.

12 - الإبراء : لو ادعى زيد على عمرو ألفاً مثلاً ، فأقام عمرو بينة على الأداء أو الإبراء ، فأقام زيد أيضاً بينة على أن له عليه ألفاً ، فإن بينة زيد هذه لا تقبل من غير أن يبرهن أن الألف المشهود عليها هي غير تلك الألف التي ادعى عمرو أداءها أو الإبراء عنها ، لأن فراغ ذمة عمرو بعد البينة التي أقامها أصبح يقيناً ، والألف التي أقام زيد عليها البينة مطلقة ، فيحتمل أن تكون هي المرادة أو المبروء عنها ، فلا تشغل ذمة عمرو بمجرد الشك ، بعد التيقن بفراغها ، ولأن الموجب والمسقط إذا اجتمعا يعتبر المسقط متأخراً ، إذ السقوط بعد الوجوب.
13 - الإقرار : لو أقر شخص أنه لا حق له فيما بيد فلان ، ثم برهن على شيء في يد فلان أنه غصبه منه ، لم يقبل حتى يشهد بغصبه بعد إقراره ؛ لأن الإبراء يعمل فيما قبله لا فيما بعده ، ولا يعمل فيما بعده إلا في مسألة ، وهي : إذا شرط البائع في البيع البراءة من كل عيب في المبيع دخل العيب القديم والحادث بعد البيع قبل القبض عند الحنفية.
14 - العيب : لو اشترى أحد شيئاً ، ثم ادعى أن به عيباً ، وأراد رده ، واختلف التجار أهل الخبرة ، فقال بعضهم : هو عيب ، وقال بعضهم : ليس بعيب ، فليس للمشتري الردُّ ؛ لأن السلامة هي الأصل المتيقن ، فلا يثبت العيب بالشك ، وكذا لو وجد العيب عند البائع ثم عند المشتري ، لكن اشتبه فلم يُدر أنه عين الأول أو غيره ، فإنه لا يُردُّ.
15 - الغصب : لو ردَّ الغاصب العين المغصوبة على من في عيال المالك ، فإنه لا يبرأ ، لأن الردّ على من في عياله ردّ من وجه دون وجه ، والضمان كان واجباً بيقين ، فلا يبرأ بشك.
16 - الرضاع : لو طلق الرجل زوجته ، وكانت ذات لبن ، وتزوجت بآخر بعد عدتها ، فحملت منه ، وأرضعت طفلاً في مدة الحمل ، فإن لبنها لم يزل معتبراً من الزوج الأول ، فتثبت به حرمة الرضاع بالنسبة له ؛ لأنه كان متيقناً أن اللبن منه ، فلا نحكم بأنه من الثاني بمجرد الشك الحاصل بسبب حبلها من الزوج الثاني ، فإذا ولدت يحكم حينئذ بأن اللبن بعد الولادة من الثاني.

17 - من شك هل طلق امرأته ، أو لا ، فلا يقع الطلاق ؛ لأن الأصل أنه لم يفعله.
18 - - الماء : إذا تيقن طهارة الماء ، وشك في نجاسته ، أو تيقن نجاسته ، وشك في طهارته ، فالتيقن لا يزول بالشك..
19 - الوقت : إذا شك في دخول الوقت في الصلاة والصوم ، أو إذا شك في خروجه ، فاليقين لا يزول بالشك..
20 - العدد : إذا شك في عدد الطواف بنى على اليقين. قال ابن المنذر : أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على ذلك. وإذا شك في عدد الطلاق أخذ باليقين وهوالأقل.
21 - الطلاق : إذا تيقن الزوجية وشك في الطلاق ، أو تيقن الطلاق وشك في الحِل ، بنى على اليقين..
وقال المالكية : من شك هل طلق زوجته أم لا ؟ يحكم ببقاء زوجته في عصمته ، ومن شك هل طلق إحدى زوجاته أم لا ؟ فإنهم يحكمون ببقاء جميع زوجاته في عصمته ، لكن إن تيقن أنه طلق زوجته ، وشك هل طلقها واحدة أو اثنتين أو ثلاثة ؟ فإنهم يعتبرونه قد طلقها ثلاثاً ، وكذلك لو تيقن طلاق إحدى نسائه وشك في عينها ، فنساؤه كلهن طوالق ، للاحتياط الشرعي.
22 - النجاسة : إذا استيقن في ثوب نجاسة ، بحيث لا يدري مكان النجاسة. يغسل الثوب كله ، لأن الشك لا يرفع المتيقن قبله، وكذلك إذا تيقن نجاسة الماء. ثم شك هل زالت أم لا ؟ بنى على يقين النجاسة.
23 - لو شك هل صلى ثلاثاً أو أربعاً ، وهو منفرد ، بنى على اليقين ، إذ الأصل بقاء الصلاة في ذمته. وكذلك إذا شك هل طاف ستاً أو سبعاً ، أو رمى ست حصيات أو سبعاً ، بنى على اليقين. وكذلك إذا شك في عدد الرضعات بنى على اليقين. وكذلك زوجة الأسير لا تنكح حتى تعلم يقين وفاته ما دام على الإسلام ، قال ابن المنذر رحمه الله تعالى : " أجمعوا على أن زوجة الأسير لا تنكح حتى تعلم يقين وفاته ما دام على الإسلام ".
24 - لو شك الصائم في غروب الشمس ، لم يجز له الفطر ، اعتباراً بالأصل المتيقن ، وهو بقاء النهار ، ولو شك في طلوع الفجر جاز له الأكل ؛ لأن الأصل بقاء الليل.
25 - لو شك في امرأة هل تزوجها ، أم لا ؟لم يكن له وطؤها ، استصحاباً لحكم التحريم إلى أن يتحقق تزوجه بها اتفاقاً (الفتوحي 4/ 441).
26 - لو شك : هل طلق واحدة أو ثلاثاً ؟ الأصل الحل .
27 - لو شك في طهارة الماء أو نجاسته ، أو أنه متطهر أو محدث ، أو شك في عدد الركعات أو الطواف ، أو غير ذلك مما لا يحصر ، فلا يلتفت إلى الشك .
28 - إذا شك في خلق الجنين وقت موت مورّثه ، بنى على اليقين ، وهو العدم ابن تيمية.
29 - لو حلف على شيء أنه كذا ، فلم يتبين له كيف هو ؟ لم يحنث بمجرد الشك.
30 - الأصل في العقود الحل والإباحة ، ما لم يرد عن الشارع نص في حرمة شيء منها ، أو لم تشتمل على شيء مما حرمه الشارع ، ولا يحل لأحد أن يحرم منها شيئاً بالظن ، وبلا دليل من كتاب الله وسنة نبيه لمج.
31 - الشروط الأصل فيها الصحة والإباحة ، فيجوز لكل من المتعاقدين أن يشترطا في العقد ما يرانه محققاً لمصلحته ، ما لم يكن محلاً لحرام ، أو محرماً لمباح. ويستصحب المسلم هذين الأصلين ما لم يرد عن الشارع نص بخصوصه ، ولا ينتقل عن ذلك إلا بيقين آخر.

32 - الأصل فيما بيد المسلم أن يكون ملكاً له ، فهذا أصل متيقن ، فلا يزال عنه إلا بيقين مثله ، ولا يجب على المشتري أن يسأل البائع عما في يده ، هل هو ملك له ، أو هل هو مغصوب أو مسروق ، سواء كان هذا البائع برّاً أم فاجراً.
33 - كل احتمال لا يستند إلى أمارة شرعية لم يلتفت إليه ، كالشبهة التي تعرض للمسلم في بيعه وشرائه ، والاحتمالات النادرة لا يلتفت إليها ، فالأصل إلحاق الفرد بالأعم الأغلب.
34 - الأصل صحة تصرف المكلف ، وأنه غير محجور عليه ، ولا سفيه ، فمتى صدرت منه معاملة في بيع أو شراء ، ونحو ذلك من التصرفات المالية ، تم ادَّعى عدم صحة تصرفه لحجر عليه أو سفه أو نحوهما مما لا دليل عليه ، فالأصل صحة تصرفه ونفوذه ، ولزومه ، ما لم يقم دليل يفيد خلاف ذلك.
فائدة ، عموم هده القاعدة
قال ابن النجار الفتوحي الحنبلي رحمه الله تعالى : "ولا تختص هذه القاعدة بالفقه. بل الأصل في كل حادث عدمُه حتى يتحقق ، كما نقول : الأصل : انتفاء الأحكام عن المكلفين حتى يأتي ما يدل على خلاف ذلك ، والأصل في الألفاظ أنها للحقيقة ، وفي الأوامر أنها للوجوب ، وفي النواهي أنها للتحريم ، والأصل بقاء العموم حتى يُتحقق ورود المخصص ، والأصل بقاء حكم النص حتى يرد الناسخ ". ثم قال : " ولأجل هذه القاعدة كان الاستصحاب حجة" ثم قال : "ومما ينبني على هذه القاعدة ألا يطالبَ بالدليل ، لأنه مستند إلى الاستصحاب ، كما أن المدّعى عليها في باب الدعاوى لا يطالب بحجة على براءة ذمته ، بل القول في الإنكار قولُه بيمينه).

المستثنى
يستثنى من قاعدة "اليقين لا يزول بالشك " أمور ، يزول حكم اليقين فيها بالشك. وهي :
1 - دفع الثمن : إذا ادعى المشتري عيباً في المبيع موجباً لردّه على البائع ، بعد قبضه المبيع ، فإنه لا يجبر على دفع الثمن للبائع حتى تنتهي الخصومة في العيب ، فدفع الثمن يقين ، وزال ها هنا للحال ، بمجرد الشك في أصل العيب ، وقدم العيب ، المحتملين الثبوت وعدمه ، فقد يكون الشيء الذي يزعمه المشتري عيباً ليس بعيب بالنسبة لهذا المبيع ، فالواجب عند ادعاء العيب إثبات كونه عيباً أولاً ، ثم الانتقال إلى البحث في قِدمه كما هو معلوم ، فإن ثبت أصل العيب ، وثبت قدمه عند البائع يفسخ القاضي البيع ، فإن عجز المشتري عن الإثبات يجبر على دفع الثمن حينثذ.
2 - شك ماسح الخف هل انقضت المدة أم لا ؟ فيحكم بانقضاء المدة بهذا الشك.
3 - شك هل مسح في الحضر أم في السفر ؛ يحكم بانقضاء المدة للحفر.
4 - شك مسافر : أوصل بلده أم لا ؟ فلا يجوز له الترخيص بالقصر والجمع وغيرهما.
5 - شك هل نوى الإقامة أم لا ؟ يحكم عليه بالإقامة ، ولا يجوز له الترخص.
6 - أحرم المسافر بنية القصر خلف من لا يدري أمسافر هو أم مقيم ؟ لم يجز له القصر لهذا الشك.
7 - بال حيوان في ماء كثير ، ثم وجده متغيراً. ولم يدر أتغير بالبول أم بغيره ؟ فهو نجس لهذا الشك.
8 - المستحاضة المتميزة يلزمها الغسل عند كل صلاة شكت في انقطاع الدم قبلها.

9 - تيمم ثم رأى شيئاً لا يدري أسراب هو أم ماء ؟ بطل تيممه ، وإن بانَ سراباً.
10 - رمى صيداً فجرحه ، ثم غاب ، فوجده ميتاً ، وشك هل أصابته رمية أخرى من حجر أم غيره ؟ لم مجل أكله ، وكذا لو أرسل عليه كلباً.
11 - من أصابته نحاسة في ثوبه أو بدنه ، وجهل موضعها ، يجب غسل كله.
12 - المستحاضة أو سلس البول إذا توضأ. ثم شك هل انقطع حدثه أم لا ؟ فصلى بطهارته لم تصح صلاته.
13 - إذا شك الناس في انقضاء وقت الجمعة فإنهم لا يصلون الجمعة ، وإن كان الأصل بقاء الوقت.
14 - إذا توضأ وشك : هل مسح رأسه أم لا ؟ فيه وجهان ، الأصح صحة وضوئه ، ولا يقال : الأصل عدم المسح ، وفي الوجه الثاني يعتبر الشك ولا يصح وضوءُه.
15 - لو سلم من صلاته ، وشك : هل صلى ثلاثاً أو أربعاً ؛ الأظهر أن صلاته مضت على الصحة. وفي القول الآخر يعمل بالشك وأنه صلى ثلاثاً ، ويعيد.
16 - الأصل أن الهرة فمها نجس ، فترك لاحتمال ولوغها في ماء كثير ، وهو شك.
17 - من رأى منياً في ثوبه ، أو فراشه الذي لا ينام فيه غيره ، ولم يذكر احتلاماً لزمه الغسل في الأصح ، مع أن الأصل عدمه.
18 - من شك بعد صوم يوم من الكفارة ، هل نوى ؟ لم يؤثر على الصحيح ، مع أن الأصل عدم النية ، والشك فيها ، فيقدم الشك على الأصل.
19 - من عليه فائتة ، شك في قضائها ، لم يلزمه مع أن الأصل بقاؤها.

20 - عند المالكية : من تيقن أنه طلق زوجته ، وشك هل طلقها واحدة أو اثنتين أو ثلاثة ؛ فإنهم يعتبرونه قد طلقها ثلاثاً ، وكذلك لو تيقن طلاق إحدى نسائه ، وشك في عينها ، فنساؤه كلهن طوالق ، والحجة في ذلك هو الاحتياط الشرعي.
21 - إذا كان متطهراً وشك في الحدث بعد الطهارة فيجب الوضوء عند مالك فاعتبر الشك .
22 - لو توضأ شاكاً في الحدث ، أو صلى مع غلبة الظن بدخول الوقت ونوى الفرض ، إن كان محدثاً ، أو الوقت قد دخل ، وإلا فالتجديد ، أو النفل ، يجزئه ذلك ؛ لأن هذا حكمه ، ولو لم ينوه ، فإذا نواه لم يضره.
23 - لو كان له مال حاضر وغائب ، فأدى زكاته ، ونوى أنها عن الغائب إن كان سالماً ، وإلا فتطوع ، فبان سالماً ، أجزأه.

القاعدة الأساسية الثالثة : لا ضرر ولا ضرار:

التوضيح
الضرر : إلحاق مفسدة بالغير ، والضرار مقابلة الضرر بالضرر ، فلا يجوز لأحد أن يلحق ضرراً ولا ضراراً بآخر ، وسبق ذلك بأسلوب نفي الجنس ليكون أبلغ في النهي والزجر. وهذه القاعدة لفظ حديث شريف حسن ، رواه ابن ماجة والدارقطني وأحمد والحاكم مسنداً ، ورواه مالك في (الموطأ) مرسلاً ، بلفظ "لا ضرر ولا إضرار" وتكملته في المستدرك : "من ضار ضاره الله ، ومن شاق شاق الله عليه ". واستغراق النفي في الحديث الشريف يفيد تحريم سائر أنواع الضرر في الشرع ، لأنه نوع من الظلم ، ونفي الضرر يفيد دفعه قبل وقوعه بطريق الوقاية الممكنة ، ورفعه بعد وقوعه بما يمكن من التدابير التي تزيله ، وتمنع تكراره ، كما يفيد الحديث اختيار أهون الشرين لدفع أعظمهما ، لأن في ذلك تخفيفا للضرر عندما لا يمكن منعه منعاً باتاً. لكن هذه القاعدة مقيدة إجماعاً بغير ما ثبت بالشرع ، كالقصاص والحدود ومعاقبة المجرمين ، وسائر العقوبات والتعازير ، وإن ترتب عليها ضرر بهم ، لأن فيها عدلاً ودفعاً لضرر أعم وأعظم ، ولأن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح ، ولأنها لم تشرع في الحقيقة إلا لدفع الضرر أيضاً. والمقصود بمنع الضرار هو نفي الازدياد في الضرر الذي لا يفيد سوى التوسع في دائرته ، لأن الإضرار ، ولو على سبيل المقابلة ، لا يجوز أن يكون هدفاً مقصوداً ، وطريقاً عاماً ، وإنما يلجأ إليه اضطراراً عندما لا يكون غيره من طرق التلافي والقمع أنفع منه ، وقد ثبتت فروع فقهية كثيرة وشرعت توقياً من وقوع الضرر.
شمول هذه القاعدة لأبواب الفقه
يشمل تطبيق هذه القاعدة ، أو هذا المبدأ ، كثيراً من أبواب الفقه ، أهمها :
1 - الرد بالعيب ، لإزالة الضرر عن المشتري.
2 - الخيارات ، كخيار الشرط ، واختلاف الوصف المشروط ، والتغرير ، وإفلاس المشتري.
3 - الحجر بأنواعه ، للمحافظة على مال غير القادر على التصرف السليم ، ولحماية الغرماء.
4 - الشفعة التي شرعت للشريك لدفع ضرر القسمة ، وللجار لدفع ضرر الجار السوء.
5 - القصاص ، لدفع الضرر عن أولياء القتيل.
6 - الحدود ، لدفع الضرر عن المجتمع ، وعمن لحق به الضرر.
7 - الكفارات ، لإزالة سبب العصية.
8 - ضمان المتلف ، لإزالة الضرر اللاحق بمن أتلف له.
9 - القسمة ، لرفع الضرر عن أحد الشريكين أو كليهما.
10 - نصب الأئمة والقضاة ، لمغ الضرر عن الأمة ، ليقيموا الحدود ، ويمنعوا الجرائم ، ويستأصلوا شأفة الفساد .

11 - دفع الصائل عن النفس والعرض والمال ، لإبعاد ضرره.
12 - قتال المشركين ، لنشر الدعوة وإظهار الحق ، ودحر فتنة الباطل ، وصدّ الدعاة.
13 - فسخ النكاح بالعيوب ، أو الإعسار ، أو الإضرار ، لإزالة الضرر عن الزوج أو الزوجة.
وفروع هذه الأبواب والمسائل كثيرة ، ونذكر بعض التطبيقات لها.
التطبيقات
1 - من أتلف مال غيره مثلاً لا يجوز أن يقابل بإتلاف ماله ، لأن ذلك توسيع للضرر بلا منفعة ، وأفضل منه تضمين المتلِف قيمة المتلَف ، فإنه فيه نفعاً بتعويض المضرور ، وتحويل الضرر نفسه إلى حساب المعتدي. لأن مقابلة الإتلاف بالإتلاف لا تنفع المعتدى عليه ، ولا تعوض عليه قيمة
ضرره ، وفي الوقت نفسه لا ترح المعتدي ، لأنه سيان عنده إتلاف ماله أو إعطاؤه للمضرور لترميم الضرر الأول ، فأصبحت مقابلة الضرر بالضرر ، والإتلاف بالإتلاف مجرد حماقة ليس إلا.
2 - لو أعار أرضاً للزراعة ، أو آجرها لها ، فزرعها المستعير أو المستأجر ، ثم رجع المعير ، أو انتهت مدة الإجارة ، قبل أن يستحصد الزرع ، فإنها تترك في يد المستعير أو المستأجر بأجر المثل إلى أن يستحصد الزرع ، توقياً من تضرره بقلع الزرع قبل أوانه ، وهو بقل.
3 - لو باع لآخر شيئاً مما يسرع إليه الفساد كالفواكه مثلاً ، وغاب المشتري قبل قبضه وقبل نقد الثمن ، وأبطأ وخيف فساد المبيع ، فللبائع أن يفسخ البيع ، ويبيع من غيره توقياً من تضرره بفساده ، دفعاً لضرره ، ولا يرجع على المشتري بشيء لو نقص الثمن الثاني عن الأول.

4 - يجوز حبس المشهورين بالدعارة والفساد ، حتى تظهر توبتهم ، ولو لم يثبت عليهم جرم معين قضائياً ، دفعاً لشرهم ، لأنهم قد يحتاطون ويتحفظون ، فيملؤون الأرض فساداً ، ولا يمكن إثبات شيء عليهم بطريق القضاء. دفعاً لضررهم عن العباد بعد استفاضة دعارتهم.
5 - اتخاذ السجون ، وجعلها مضجرة ، حتى يعلم أهل الفساد والدعارة أن مثل هذا السجن واقف لهم بالمرصاد ، فيرتدعوا ، ويكفوا عن أذى الناس ، كما أن السجن يقي المجرم من إضرار الحاكم به إذا عاقبه في وقت غضبه من جرمه ، فيرفعه إلى الحبس ريثما يسكن غضبه فيعاقبه حينئذٍ بما يستحقه من العدل.
6 - شرع خيار الشرط وخيار الرؤية ، لدفع الضرر عن المشتري وحاجته إلى التروي لئلا يقع في ضرر الغبن ، أو بدفع الضرر بدخول ما لا يلائمه في ملكه.
7 - شرع الحجر توقياً من وقوع الضرر العائد تارة لذات المحجور ، وتارة لغيره ، فإن من وجب حجره إذا ترك بدون حجر يضر بنفسه ، وقد يضر بغيره.
8 - شرعت الشفعة توقياً من ضرر جار السوء.
9 - يجبر الشريك على العمارة إذا كان وصي يتيم ، أو متولي وقف ، وعند ضرورة تعذر القسمة ، توقياً من تضرر الصغير والوقف والشريك عند تداعي العقار للخراب.
10 - يحبس الموسر إذا امتنع عن الإنفاق على أولاده أو قريبه المحرم ، ويجوز ضربه في الحبس إذا أصر على الامتناع ، توقياً من وقوع الضرر بأولاده أو قريبه الفقراء ، ببقائهم بلا نفقة.
11 - تمنع الظئر من فسخ الإجارة ولو حدث لها في أثناء مدة الإجارة عذر يسوغ لها فسخ الإجارة ، إذا كان الصغير لم يعد يأخذ ثدي غيرها ، ولم يستغن بالطعام ، توقياً من حصول ضرر للصغير. وكذا إذا انتهت مدة الإجارة للظئر ، والصغير لا يأخذ ثدي غيرها ، ولم يستغن بالطعام ، فإنها تجبر على إرضاعه بأجر المثل توقياً من ضرر الصغير.
12 - مشروعية الخيار للبائع في فسخ البيع إذا كان يتضرر في غير ما باعه ، كما لو باع جذعاً مثلاً من سقف ، أو باع حصة شائعة من زرع مملوك له غير مستحصد ، وطالبه المشتري بالقسمة قبل استحصاد الزرع توقياً من تضرره فيما لم يبعه ، وهو بقية الزرع ، إذ لا تمكن القسمة إلا بقلع الكل.
13 - لو اشترى شيئاً فآجره ، ثم اطلع على عيب قديم فيه ، فله نقض الإجارة ليرده بالعيب ، لأن الإجارة تفسخ بالأعذار.
14 - لو أعار شيئاً ليرهنه المستعير ، فرهنه بدين عليه ، ثم أراد المعير استرداده ، فله أن يدفع الدين للمرتهن ويأخذ العين المرهونة ، ولا يعد متبرعاً ، بل يرجع بما دفع على الراهن المستعير ، وكذا لو رهن الأب بدين عليه مال ولده الصغير الذي تحت ولايته ، فبلغ الصغير ، فله أن يقضي دين أبيه ، ويفك الرهن ، ولا يكون متبرعاً ، بل يرجع على أبيه بجميع ما قضاه عنه، لدفع ضرر حبس ملكه عنه.
15 - لو باع الموجر المأجور من أجنبي بإذن المستأجر ، وغاب البائع ، فأدىالمشتري من الثمن بدل الإجارة للمستأجر ليسلم له المبيع المستأجر ، لا يكون المشتري متبرعاً ، لأنه مضطر للأداء في حال غيبته ، لتخليص ملكه.
16 - إذا وجد المستأجر بالمأجور عيباً قديماً ، أو حدث فيه عيب وهو في يده ، فإنه يستقل بفسخ الإجارة إذا أراد ، بلا حاجة إلى رضا المؤجر أو قضاء القاضي ، سواء في ذلك أكان قبل قبض المأجور أم بعده ، لأنه لو كلف انتظار رضا المؤجر أو قضاء القاضي لتفرر بجريان الأجرة عليه في أثناء ذلك. فدفعاً للضرر عنه كان له الانفراد بالفسخ.
17 - لو أمر غيره بشراء شيء معلوم بألف مثلاً ، فشراه ولم يقبضه ولم يدفع الثمن إلى البائع حتى أعطى الآخر الثمن للمأمور ليدفعه إلى البائع ، فأتلف المأمور الثمن وهو معسر ، فللبائع أن يحبس المبيع إلى أن يأخذ الثمن ، فإذا دفع الآخر الثمن إلى البائع كان عليه أن يسلمه المبيع ، وللآخر أن يرجع على المأمور بالثمن ، لأنه مضطر في قضائه ، فهو كمصير الرهن.
18 - لو اشترى اثنان شيئاً قيمياً ، وغاب أحدهما ، فللحاضر دفع كل ثمنه وقبضه وحبسه عن شريكه إذا حضر حتى ينقد له الثمن لحصته ؛ لأنه مضطر ، ويجبر البائع على قبول كل الثمن من الحاضر ، ودفع كل المبيع له ، لدفع ضرر حبس ملكه عنه. أما إذا كان المبيع مثلياً كالبرِّ ونحوه مما يمكن قسمته فلا جبر على دفع الكل ، بل يقسم ويأخذ الحاضر حصته منه.
19 - إذا استقرض بالمرابحة إلى أجل معلوم ، ثم حل الذين بموت المدين ، أو وفاة المديون قبل حلول الأجل ، فليس للدائن من المرابحة إلا بقدر ما مضى من الأيام.
20 - يبطل إقرار ذي اليد لشخص ثالث بالعين المدعى بها قبل الحكم بعد أن أقام المدعي شاهداً واحداً أو شاهدين ، ويبطل بيعه العين المدعى بها من شخص ثالث بعد أن برهن عليه المدعي قبل أن يحكم له ، وذلك دفعاً لضرر هذا الإقرار ، وضرر هذا البيع من ذي اليد على المدعي.



رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:56 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.4, Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir