عندما رأته طوحت بشعرها ..ثم اكملت سيرها مع صديقاتها ..
..... العبد الفقير ... عبدالرحمن بن الشويعر
...................................
القصة الثانية .... (( الرجل الذي قفز بالمظلة ))
سواءُ لكم أقرأتم قصة هذا الحادث أم أعرضتم عن قراءته فستبقى العبرة والعظة في قلوبنا تجاه هؤلاء الذين ظنوا أنه ليس أحد غيرهم يمتلك العاطفة والحب والعدل ..
كان الجو غائماً والسماء ترسل بهتان بارد ناعم وقرص الشمس مختفياً وراء الغيوم البيضاء، والجبال
والأودية تختال تحت عبائة بدايات أيام الربيع التي كستها أزهار في غاية الرقة والمتعة من حسنها كادت
أن تتكلمَ ..
قيل إن فصل الربيع هو فصل من فصول الحب الذي في أيامه تورق أزاهير الحب وتشتعل فيه العاطفة
فيأنس فيه كل محب وعاشق لحبيبته ..
كان ذلك كله في هذه اللوحة الرائعة التي أضعها أمامكم ، والتي لم أغفل أن أبين لكم فيها جزء صغير
جداً منها كان ذاك هو الجزء الذي سيضيف على لوحتنا الرائعة هذه فصلاً دامياً ، لكنا وبالرغم من ذلك
كله تبقى العبرة والعظة ...
أعجبُ ماأعجبُ له هو إستمرارية الحياة بين جسدين قَدر الله لهما أن يعيشا تحت سقف واحد ، بعدما
أنتهت مراسم وفصول الحفلة التنكرية ، وقام فارس الرواية بخلع وجهه التنكري( الحمل الوديع ) لنرى
تحته وجه ( الذئب ) ..
وعندها نرى فتاة في دارها تبكي على غير شيء ... تحمل في قلبها الصغير من الهموم والأحزان
مايجعلها نهماً للخوف والإضطراب والشقاء ...
يكون ذلك كله بعدما يلقي الأب بابنته في حضن هذا الحمل الوديع ليكتشف بعد ذلك أن الحكاية لم تكن
سوى حفلة تنكرية فقد جاء الخاطب بوجه موسى وبعدما حطت العذراء رحلها في خدره أراها وجه فرعون .
هذه قصة مثلها كثير داخل بيوتنا موصدة خلف أبواب متينة ..لأنها تبقى حيز أسرار وهموم ومصائب البيوت
حسناً ..لنعد إلى لوحتنا الجميلة ولنرى تلك الدماء التي شوهتها فجعلت منها مأساة جرحت قلوبنا وآلمت
نفوسنا ...
أيها الزوج سواءاً كنت شاباً أو كهلاً فالأمر سيان .. أقول لك : كن كما تشاء ... عش أيامك ولياليك
وساعاتك ... فستنقضي أيام الشباب والكهولة وستنقضي بانقضائها كل حلم وأمنية لك .. وستبقى
الأماني الصادقة والحب الذي لايعرف الصدأ...
إنطلق بسيارته الفخمة عبر قمم الجبال مستمتعاً آيما متعة بهذا الطقس الجميل ..
كانت سيارته هذه هدية من أبيه بمناسبة زواجه الذي لم يفت عليه أكثر من بضعة شهور ...
مضت ساعات القيادة مملة طويلة ،وبعدما أرهقه ذهنه في استرجاع شريط بداية زواجه توقف
قليلاً عند الساعة الأخيرة عندما قام بتوديعها لكنه استطاع أن يغلبها وأن يتجاهل تلك الدموع التي بقيت
حبيسه في عيناها وكأنهما تحجرتا .. فهو يعرف جيداً أنها تعرف إلى أين هو ذاهب ..ومن يكون هوَ ..
تلهى عن ذلك كله وعن كل حماقة وفساد إصطبغا بشهور زواجه القليلة ومتجاوزاً ذلك كله من خلال
وضع إسطوانة في غرفة التشغيل ،فهزته الكلمات هزاً دفعته إلى فتح الكوة التي بسقف سيارته وأخذ
ينشد مع مطربته المفضلة ( أخاصمك آه أسيبك لأ ) وخلط ذلك مع صيحات تشبه كثيراً صيحات رعاة
البقر في ولاية من ولايات رعي الأبقار في أمريكا ...
كان ينفث دخان سيجارته مستمتعاً عندما صدح جواله: هلا وغلا ...وينك ؟
( حنا بفندق ويستن) عجل ياخوي لاتأخر علينا ..
أقل من ساعة واكون عندكم .. إلا وش قررتوا ؟
( شرم الشيخ ياحلو) ..
أبو حيكم مامليتوا من هالشرم ..
أقول تعال بس ويكون خير ..إلا على فكرة وش سويت مع وزارة الداخلية ؟
......ودعته عند باب شقته وهي تحمل طفلتهما الصغيرة ، طبع قبلتان ..واحدة على خد زوجته ، وأخرى على خد طفلته الصغيرة بينما كانت مستغرقة في نومها على كتف أمها ..
سالم ..لاتنسى الفاتورة ، ترى موعد قطع الكهرب من قبل يومين ..
أغلق باب الشقة قائلاً لها : ربك ييسرها ..
وجد سيارة الدورية تقف أمام العمارة القديمة ، عندما هم بركوب السيارة نادته من خلال النافذة .. رجع
واقفاً تحت النافذة ..خير !
رمت له بسترته الثقيلة ، مبتسمة له ..
إلتفت يميناً ويساراً لم يرى أحد فأرسل لها قبلة عبر الهواء ..
ركب السيارة التي أنطلقت به وبسائق الدورية من خلال شوارع ترابية ضيقة إلى الشارع العام ..
كان الإزدحام في ذروته كما هي العادة في ساعات ذهاب الأولاد والبنات لمدارسهم ..
كان الجو قارس البرودة والسماء ملبدة بغيوم سوداء منذرة بمطر غزير ..
أغلق زجاج سيارته والتفت لسائق الدورية قائلاً: مر من قدام مدرسة بناتي .. رأهن وهن ينزلن من سيارة
أخيه الكبير الذي يوصل بناته مع بنات أخيه ..
نزلن البنات يتراكضن من خلال باب المدرسة ... لمحت أبيها في سيارة الدورية .. أشرت له ورد
عليها بقبلة ...
مرت سيارة مسرعة جاءت من الطريق العام ودخلت عبر الطريق المؤدي للمدرسة ومن خلال الساحة
الواسعة دار دورتين في حركة إستعراضية ، محدثاً صريراً من خلال كفرات سيارته .. كاد ان يدهس
فتاة عندما حاولت الدخول سريعاً للمدرسة ، عندما أصبحت عند باب المدرسة إلتفتت للسيارة الفخمة
التي كان بها مجموعة من الشباب بصقت عليهم قائلة : الله يلعنكم ويلعن اللي خلفوكم ..
أخرج الشاب الجالس في المقعدة الخلفية جوار الباب نصف جسمه من السيارة وأشار لها بإصابع يده
عبر السبابة والوسطى بعلامة( سبعة ) ثم وضعهما على شفتيه ...
كانا يراقبانهما من خلال شارع جانبي ، أشار لسائق الدورية بالوقوف أمام سيارتهم .. لكنهم إنطلقوا
بسيارتهم متجهين للطريق العام ، ولم يفوت سائق الدورية الفرصة ، دخل من احدى الشوارع وقطع
عليهم الطريق قبل أن يصلوا إلى فتحة يهربوا من خلالها ، لكنهم فوتوا الفرصة عليه من خلال قفز
الرصيف .. لكنهما تمكنا في الأخير من الإيقاع بهم ، عندما تعلقت سيارتهم فوق كوم ترابي .. تركوا
السيارة الفخمة ولاذوا بالفرار مع سيارة أخرى كانت تتبعهم ..
بدأ المطر يسقط هتاناً من خلال هواء قارس البرودة ، وبدأت المساحتان تزيل قطرات الماء الصغيرة
من فوق زجاج سيارة الدورية ..
نظر له سائق الدورية قائلاً وهو يشير للسيارة المعلقة فوق الكوم الترابي : وش نبي نعمل فيها ؟
قال له وهو يضغط على جهاز الإتصال : نتصل بالونش يسحبها ونخليها بحوش الدوريات ..
كان المطر يشتد هطوله قليلاً ثم يعاود السقوط عبر نقاط صغيرة ..
نظر في ساعته كانت الساعة تقترب من التاسعة صباحاً وقد بدأت حركة السيارات تخف في منطقة
وحدود دوريته ..
أشار للسائق بالتوقف عند أحد مكائن الصرف ..نزل من السيارة بعدما ارتدى سترته الثقيلة ..كانت
ماكينة الصرف خاوية ، وضع البطاقة لتسديد فاتورة الكهرباء، تأمل الشاشة بقلق وهو يرى عبارة ( نأسف
لعدم خدمتك الرصيد غير كاف ) :مهمهماً .. لاحول ولاقوة إلا بالله .. الفاتورة (500) ريال والرصيد (498)
ريال .. كرر العملية وطلب مبلغ (400 ريال) .. إتجه لسيارة الدورية ..
تردد كثيراً في أن يطلب من سائق الدورية مائة ريال ..
لاحظ زميله سائق الدورية قلقة .. قال له : في شي ؟ ..
مافي قروش ياحمدان ..
ضحك السائق قائلاً له : هذا وانت رقيب أول أجالي وش أقول أنا يالعريف .. ولاتشيل هم كلها خمسة
أيام ونستلم الراتب ..
يالله ربك ييسرها ...
إستمرا في دوريتهما من خلال الشوارع الفرعية ..كان يحاول الهروب من همه من خلال قراءة
الرسائل القديمة في جهازه ... (( أمك جنبي ياسالم تدعيلك وتقول لك قلبها راضي عنك ياأحن ولد
والله يجعل يومها قبل يومك أختك ( عواطف ) ... إبتسم من وراء عينان قد بدت الدموع فيهما
ورسالة ثانية ( سالم تعال هالحين ماعاد أقدر أصبر على هالكلب اللي معنا في البيت ) أختك سميحه
ونكتة ثالثة لايعرف مصدرها ( واحد يسأل واحد غبي يقول له : وش رايك في الزواج المبكر ؟
قال الغبي : يعني الساعه كم ؟ ) ضحك والتفت للسائق تسمع هالنكته ..لكن الجهاز قطع حديثهما
من العمليات لشفق 3 ..
معك شفق ثلاثه ..
إتجه لمبنى الدوريات ..
إتجهت سيارة الدورية للمبنى ، وهناك وجد ( مرسول ) جاء لاستلام السيارة التي طارداها في صباح
الباكر .. رمي بمفتاحها واتجه لخارج المبنى ..
وجد هناك شابين قد أتت بهما دورية من حدود منطقة دوريته ..
سأل الجندي الذي أتى بهما : وش فيهم ؟
يفحطون عند مدرسة بنات ..
إقترب من الأول: وش سيارتك؟ .. مازدا قديمة مبوشه ..
قرص أذنه قائلاً له : رح لسيارتك وان شفتك تفحط مرة ثانية لاتلوم إلا نفسك ..سامع ..
إقترب من الثاني : وش سيارتك ؟: ونيت قديم يجيب أبوى فيه الخضرة ..
قرص أذنه بشده : وقال له ماقاله للأول ..
خرجا من المبنى يركضان غير مصدقين أنفسهم ...
مرت من أمامه سيارة الصباح الفخمة .. كان يقودها رجل أسود البشرة يرتدي غترة بيضاء
ناصعة البياض وعقال ماركة ( أبو جنط ) ..
رمى بنفسه على مقعد السياره وانطلق به السائق لنطاق وحدود دورياته ..
سائق الدورية : هيا شايف ..بغينا نروح وحنا طردي وراهم .. أنا من أول قايل لك هالسيارات الفخمة
فكنا منها ..
بقي غارقاً في همومه .. أفاق على صوت الجهاز : ياشفق 3
لاحول ولاقوة إلا بالله ... معك شفق3 ياعمليات ..
كلم البيت يبغونك ..
نظر له السائق : جوالك مايشتغل ؟
الرصيد منتهي ..
توقفا عند كابينة هاتف : خير وش فيه ؟
قطعوا الكهرب ياسالم ..
أنت متاكدة إنهم قطعوها ؟
الكهرب شغاله بكل العمارة ..عندنا بس مقطوعة ..
طيب .. طيب .. خلاص .. خلاص أبي أتصرف
رجع للسيارة
السائق : خير
قطعوا الكهرب عنا ..
لاحول ولاقوة إلا بالله .. ليه ماسددت الفاتورة ..
أقول خلها على الله ياحمدان ..
أقولك ..كم تبغا ..
خمسمائة ريال ، معي أربعمائة ، باقي مائة ..
أقولك ..تصدق عاد إني فلا أملكها ، لكن تدري خلني أمر على البيت يمكن القى عند ام العيال ..
حمدان أذكر الله .. خلاص كلها خمسة ايام ويجي الراتب ..