آخر 10 مشاركات
الخبيصه الاماراتيه (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 1 - المشاهدات : 12554 - الوقت: 09:09 PM - التاريخ: 01-13-2024)           »          حلوى المغلي بدقيق الرز (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 0 - المشاهدات : 7332 - الوقت: 03:16 PM - التاريخ: 12-11-2023)           »          دروس اللغة التركية (الكاتـب : عمر نجاتي - مشاركات : 0 - المشاهدات : 13220 - الوقت: 11:25 AM - التاريخ: 08-21-2023)           »          فيتامين يساعد على التئام الجروح وطرق أخرى (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 0 - المشاهدات : 14582 - الوقت: 08:31 PM - التاريخ: 07-15-2023)           »          صناعة العود المعطر في المنزل (الكاتـب : أفاق الفكر - آخر مشاركة : OM_SULTAN - مشاركات : 4 - المشاهدات : 48713 - الوقت: 10:57 PM - التاريخ: 11-06-2022)           »          كحل الصراي وكحل الاثمد وزينت المرأة قديما من التراث (الكاتـب : Omna_Hawaa - آخر مشاركة : OM_SULTAN - مشاركات : 2 - المشاهدات : 43794 - الوقت: 10:46 PM - التاريخ: 11-06-2022)           »          كيفية استخدام البخور السائل(وطريقة البخور السائل) (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 2 - المشاهدات : 36008 - الوقت: 10:36 PM - التاريخ: 11-06-2022)           »          جددي بخورك (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 0 - المشاهدات : 20833 - الوقت: 10:25 PM - التاريخ: 11-06-2022)           »          عطور الإمارات صناعة تراثية (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 0 - المشاهدات : 21087 - الوقت: 10:21 PM - التاريخ: 11-06-2022)           »          خلطات للعطور خاصة (الكاتـب : أفاق : الاداره - آخر مشاركة : OM_SULTAN - مشاركات : 1 - المشاهدات : 27039 - الوقت: 10:12 PM - التاريخ: 11-06-2022)

إضافة رد
 
أدوات الموضوع تقييم الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 08-04-2020, 12:14 PM   رقم المشاركة : 16
الكاتب

عمر نجاتي

الاعضاء

عمر نجاتي غير متواجد حالياً


الملف الشخصي









عمر نجاتي غير متواجد حالياً


رد: كتاب آداب المريدين



[(فصل: في آدابهم في السماع)]

من ذلك الا يتكلفوا السماع ولا يستقبلوه بالاختيار، فإذا اتفق السماع فمن حق المستمع أن يقعد بشرط الأدب ذاكرًا لربه بقلبه مشتغلاً بحفظ قلبه من طوارق الغفلة والنسيان، فإذا قرع سمعه شيء يرى القارئ للقرآن كأنه مستنطق من قبل الحق عز وجل فيما يرد عليه من تعريفات الغيب إياه، مما يوجب ترغيبًا أو ترهيبًا أو إيناسًا أو عتابًا أو زيادة في القيام بعبادته عز وجل أو غيره، بادر إلى ما يرد عليه، وقابل الإشارة عليه بالبدار، وإن كان السماع بحيث يصير كأن لسان القارئ لسانه، وصار كأنه يخاطب هو الحق بما يقرأ القارئ، فما يحصل مما يجده في قلبه من ذلك يكون موافقًا لحق العبودية وآداب الشريعة، وفي الجملة لا يكون في الطريقة ولا في علم الحقيقة شيء يخالف آداب الشريعة، وإذا كان في القوم شيخ حاضر في السماع، فالواجب على الفقير السكون ما أمكنه ومراعاة حشمة ذلك الشيخ، فإن ورد عليه أمر غالب فبقدر الغلبة يسلم إليه الحركة، فإذا سكنت الغلبة فالأولى له السكون مراعاة لحشمة الشيخ.

ولا ينبغي للفقير أن يتقاضى القارئ ولا القوال، إن استبدل القول الذي هو أدنى بالذي هو خير، يعني الأبيات بالقرآن على ما هو عادة أهل الزمان اليوم، فلو صدقوا في قصدهم وتجردهم وتصرفهم لما انزعجوا في قلوبهم وجوارحهم بغير سماع كلام الله عز وجل، إذ هو كلام محبوبهم وصفته، وفيه ذكره ذكر الأولين والآخرين، والماضين والغابرين والمحب والمحبوب والمريد والمراد، وعتاب المدعين لمحبته ولومهم وغير ذلك، فلما اختل صدقهم وقصدهم وظهرت دعواهم من غير بينة، وزورهم وقيامهم مع الرسم والعادة من غير غريزة باطنة وصدق السريرة والمعرفة والمكاشفة والعلوم الغريبة، والاطلاع على الأسرار والقرب والأنس، والوصول إلى المحبوب، والسماع الحقيقي وهو الحديث، والكلام الذي هو سنة الله عز وجل مع العلماء به والخواص من الأولياء والأبدال والأعيان، وخلت بواطنهم من ذلك كله، وقفوا مع القول والأبيات والأشعار التي تثير الطباع وتهيج ثائرة العشاق وبالطباع لا بالقلوب والأرواح.

فينبغي للفقير في الجملة: أعني فقير الحق عز وجل، وفقير الخلق: أعني فقير المعنى، وفقير الصورة: أعني فقيرًا من الدنيا وفقيرًا من العقبى والأكوان، ألا يتقاضى القارئ وا لقول بالتكرار والإعادة، بل يكل ذلك إلى الحق سبحانه إن شاء قبض من ينوب عنه في التقاضي، أو يلهم القوال بالتكرار إذا كان الفقير المستمع صادقًا وله في التكرار دواء ومصلحة.

ولا ينبغي للفقير أن يستعين بغيره في حال السماع، فإن سأل الفقراء منه المساعدة في الحركة فليساعدهم، وذلك ضعف في الحال، وإذا سمع الفقير آية أو بيتًا فلا يجب أن يزاحمه أحد، ويجب أن يسلم له وقته، وإن خولف فزوحم فالأولى للمزاحم له التسليم، وإذا تحرك الفقير على آية أو بيت، فيجب أن يسلم له وقته، وإن وقع للحاضرين عليه إشراف ورأوا فيه تقصيرًا أو نقصانًا فالواجب عليهم الستر عليه والحمل عنه، فإن اقتضى الوقت تنبيه فلينبه بالرفق أو بالقلب لا باللسان، وهاهنا يحتاج إلى قوة حال وصفاء باطن وعلم دقيق واطلاع وآداب كاملة ومحافظة شديدة حميدة، وإذا خرج في حال سماعه من خرقة أو من شيء من ثيابه، فلا يخلو إما أن يكون قد تخلق به مع القارئ فهو للقارئ على الخصوص أو يطرحه في الوسط فيكون حكمه إليه، فيقال له: ما الذي أدرت به؟ فإن قال: قصدت به أن يكون بحكم الفقراء كان ذلك خلقًا منه معهم فهو لهم بحكم الفتوح، وذلك إليهم يرون فيه رأيهم، وإن قال: أردت به موافقة شيخ طرح خرقته، فهذا ضعيف الحال جدًا ركيك الأمر حقًا، لأنه إنما ينبغي أن يوافق الشيخ في حكم خروجه عن خرقة من قد وافق الشيخ في وجده وحالته، وذلك بعيد جدًا أن يتفق اثنان منهم في حال، والذي جرت به العادة بين الفقراء واستمر به الرسم بينهم اليوم في المرافقة في طرح الخرقة، فليس له أصل، ثم إذا جرى منه ذلك مع ضعفه فحكم خرقته المطروحة إلى ذلك الشيخ في رسم العادة لا في العلم والشريعة، أو في مقتضى الطريقة والحقيقة، وإن قال صاحب الخرقة،: أردت موافقة القوم الحاضرين فهذا أيضًا أضعف من الأول، لأنه إنما ينبغي أن يكون الاشتراك في الفعل عند الاتفاق في الحال والوجد، وقلما يتفق ذلك للقوم حتى يستووا في الشرب والحال، فيرجع في ذلك إلى القوم، فما يكون حكم خرقهم فله أسوتهم في ذلك، فإن قال لم يكن لي في الوقت قصد ولا نية، يقال: فالآن هو بحكمك فاحكم فيه بما شئت، وليس لأحد من الحاضرين ولا للشيخ إن كان حاضرًا في ذلك حكم البتة، إذ ليس صاحبه فيه محقًا، ولا له قصد ولا لذلك أصل في الطريقة، فإن قال: وردت عليَّ في الوقت الإشارة بالخروج من الخرقة من غير قصد إلى شيء على التعيين، فقد يكون لهذا في الطريقة أصل لأن من خلع عليه السلطان خلعة، فالواجب على المخلوع عليه أن ينزع ملبوسه ثم يلبس الخلعة، فهذا حكم هذا الفقير أن يخرج من خرقته ويلبس ما خلع عليه الباري عز وجل من الأنوار والقرب والألطاف، ثم إن حكم خرقته إلى الشيخ الحاضر إن كان هناك، وإلا فللحاضرين من الفقراء أن يفردوا القارئ أو القول بها، وقد قيل: إن ذلك إلى الفقير، وهو أولى بحكم خرقته من غيره، فأما معارضة الحاضرين من أرباب الدنيا ليشتروا الخرقة ثم ترد إلى صاحبها فذلك غير محمود في الطريق وغير مرضي، اللهم إلا أن يكون المشتري فيه فتوة وإيمان بالقوم يريد أن يتخلق معهم، وه 9 ونوع من المعاوضة والسؤال بالتلطف، ولكنه مذموم جدًا، لأنه في حال خروجه عن الخرقة أظهر صدق من نفسه في الحال، وبرجوعه إلى الخرقة فاضح لنفسه ومكذب لها، وذلك غير مرضي.

ولا ينبغي لمن خرج من خرقته أن يعود إليها ويقبلها، فإن كان ذلك بإشارة شيخ بأن أمره بأخذها فإنه يأخذها فإنه يأخذها جهرًا امتثالاً لأمر الشيخ، ثم يخرج منها بعد ذلك فيتخلق بها مع غيره، وإذا وقع شيء في الوسط للجماعة فالواجب التسوية بينهم، فإن كان فيهم شيخ ورأى تخصيص قوم أو واحد من الحاضرين، فحكم ذلك إلى الشيخ يتبع رأيه فيه، فلو طرح خرقته فردت عليه فكانت طريقته ألا يرجع إلى شيء خرج منه، وعاد الفقراء إلى خرقتهم، فإن كان له شيخ كان له ألا يرجع إلى خرقته ويلزم طريقته، فلا يرجع إلى ما خرج منه، ولا ينقض حالته اتباعًا لأحوال الجماعة، وإن كان واحدًا من الفقراء فالأظرف من حاله والأليق بها أن يوافق الجماعة في الحال، فيعود إلى خرقته




وهذا آخر ما ألفنا من آداب القوم على وجه الاختصار والإقلال والإمكان في الوقت، وأما ما يتعلق بدخول الرباط والسقايات والبس الحذاء وأشياء أحدثوها ووصفوها وسموها بينهم، فذلك يستفاد من ممارستهم ومخالطتهم والاستخبار والإشارة منهم، فلم نسطره في الكتاب، وقد ذكرنا معظم ذلك في كتاب الأدب في الشرع في أثناء الكتاب.




رد مع اقتباس
قديم 08-04-2020, 12:22 PM   رقم المشاركة : 17
الكاتب

عمر نجاتي

الاعضاء

عمر نجاتي غير متواجد حالياً


الملف الشخصي









عمر نجاتي غير متواجد حالياً


رد: كتاب آداب المريدين





ثم نختم الكتاب بذكر باب يشتمل على:

[باب المجاهدة والتوكل وحسن الخلق والشكر والصبر والرضا والصدق]

إذ هذه الأشياء السبعة أساس لهذه الطريقة والكل خير




[(فصل) أما المجاهدة]

فالأصل فيها قول الله عز وجل: {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا} [العنكبوت: 69].

وروى أبو نضرة عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: "سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن أفضل الجهاد قال: كلمة حق عند سلطان جائر" ودمعت عينا أبي سعيد رضي الله عنه.

وقال أبو علي الدقاق رحمه الله: من زين ظاهره بالمجاهدة، حسن الله سرائره بالمشاهدة، قال الله عز وجل: {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا} [العنكبوت: 69] وكل من لم يكن في بدايته صاحب مجاهدة لم يجد من الطريقة شمة.

وقال أبو عثمان المغربي رحمه الله: من ظنَّ أنه يفتح عليه بشيء من هذه الطريقة أو يكشف له شيء منها بغير لزوم المجاهدة فهو في غلط.

وقال أبو علي الدقاق رحمه الله: من لم تكن له في بدايته قومة لم يكن له في نهايته جلسة.

وقال أيضًا رحمه الله: الحركة بركة، حركات الظواهر توجب بركات السرائر.


وقال الحسن بن علوية: قال أبو يزيد رحمه الله: كنت ثنتي عشرة سنة حداد نفسي، وخمس سنين كنت مرآة قلبي، وسنة أنظر فيما بينها فإذا في وسطي زنار ظاهر فعملت في قطعه ثنتي عشرة سنة، ثم نظرت فإذا في باطني زنار فعملت في قطعه خمس سنين أنظر كيف أقطع، فكشف لي، فنظرت إلى الخلق فرأيتهم موتى، فكبّرت عليهم أربع تكبيرات.

وعن الجنيد رحمه الله قال: "سمعت السري رحمه الله يقول: يا معشر الشباب جدوا قبل أن تبلغوا مبلغي فتضعفوا وتقصروا كما قصرت، وكان في ذلك الوقت لا يلحقه الشباب في العبادة".

وقال الحسن القزاز رحمه الله: بني هذا الأمر على ثلاثة أشياء: ألا يأكل إلا عند الفاقة، ولا ينام إلى عند الغلبة، ولا يتكلم إلا عند الضرورة.

وقال إبراهيم بن أدهم رحمه الله:

لن ينال الرجل درجة الصالحين حتى يجوز ست عقبات:

الأولى: يغلق باب النعمة ويفتح باب الشدة.


والثانية: يغلق باب العز ويفتح باب الذل.

والثالثة: يغلق باب الراحة ويفتح باب الجهد.

والرابعة: يغلق باب النوم ويفتح باب السهر.

والخامسة: يغلق باب الغنى ويفتح باب الفقر.

والسادسة: يغلق باب الأمل ويفتح باب الاستعداد للموت.

وقال أبو عمر بن نجيد رحمه الله: من كرمت عليه نفسه هان عليه دينه.

وقال أبو علي الروذباري رحمه الله: إذا قال الصوفي بعد خمسة أيام: أنا جائع فالزموه السوق وأمروه بالكسب.

وقال ذو النون المصري رحمه الله: ما أعز الله عبدًا بعز هو أعز له من أن يدله على ذل نفسه، وما أذل الله عبدًا بذل هو أذل له من أن يحجبه عن ذل نفسه.

وقال إبراهيم الخواص رحمه الله: ما هالني شيء إلا ركبته.

وقال محمد بن الفضيل رحمه الله: الراحة هي الخلاص من أماني النفس.

وقال منصور بن عبد الله رحمه الله: سمعت أبا علي الروذباري رحمه الله يقول: دخلت الآفة من ثلاث: سقم الطبيعة، وملازمة العادة، وفساد الصحبة، فسألته: ما سقم الطبيعة؟ فقال: أكل الحرام، فقلت: وما ملازمة العادة؟ قال: النظر والاستمتاع بالحرام والغيبة، قلت: فما فساد الصحبة؟ فقال: كلما هاجت في النفس شهوة يتبعها.

وقال النصرأباذي رحمه الله: سجنك نفسك، إذا خرجت منها وقعت في راحة الأبد.


وقال أبو الحسن الوراق رحمه الله: كان أجل أحكامنا في مبادئ أمرنا في مسجد أبي عثمان: الإيثار بما يفتح علينا، وألا نبيت على معلوم، ومن استقبلنا بمكروه لا ننتقم منه لأنفسنا، بل نعتذر إليه ونتواضع له، وإذا وقع في قلوبنا حقارة لأحد قمنا بخدمته، فمجاهدة العوام في توفية الأعمال، ومجاهدة الخواص في تصفية الأحوال، وقد تسهل مقاساة الجوع والعطش والسهر، ومعالجة الأخلاق الرديئة تعسر وتصعب.

ومن آفات النفس: ركونها إلى استحلاء المدح والذكر الطيب وثناء الخلق، وقد تحتمل أثقال العبادات لذلك، ويستولي عليها الرياء والنفاق.

وعلاقة ذلك رجوعها إلى الكسل والفشل عند انقطاع ذلك، وذم الناس لها، ولا يتبين لك آفات نفسك وشركها ودعواها وكذبها إلى عند الامتحان في موطن دعواها وعند الموازنة لها، لأنها تتكلم بكلام الخائفين ما لم تضطر إلى الخوف، وإذا احتجت إليها في مواطن الخوف وجدتها آمنة، وتقول قول الأبرار ما لم تمتحن بالتقوى، وإذا احتجت إليها وطالبتها بشروط التقوى وجدتها مشركة مرائية مزينة معجبة، وتصف وصف الصادقين ما لم تحتج إلى الغاية، فإذا طلبت منها ذلك وجدتها كذابة، وتدعي دعوى الموقنين ما لم تمتحن بالإخلاص، وتزعم أنها من المتواضعين ما لم يحل بها خلاف هواها عند الغضب، وكذلك تدعي السخاء والكرم والإيثار والبذل والغنى والفتوة وغير ذلك من الأخلاق الحميدة، أخلاق الأولياء والأبدال والأعيان تمنيًا ورعونة وحمقًا، وإذا طلبتها بذلك وامتحنتها لم تجدها إلا {كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إلى جاءه لم يجده شيئًا} [النور: 39] ولو كان ثم صدق وإخلاص وصح منها القول وصدق بالقول لسانها لما أظهرت التزين للخلق الذين لا يملكون لها ضرًا ولا نفعًا، ولصحت أعمالها عند الامتحان، فوافق قولها عملها.

وقال أبو حفص رحمه الله: النفس ظلمه كلها وسراجها سرها، يعني الإخلاص، ونور سراجها التوفيق، فمن لم يصحبه في سره توفيق من ربه كانت ظلمة كلها.

وقال أبو عثمان رحمه الله: لا يرى أحد عيب نفسه وهو يستحسن من نفسه شيئًا، وإنما يرى عيب نفسه من يتهمها في جميع الأحوال.

وقال أبو حفص رحمه الله: أسرع الناس هلاكًا من لا يعرف عيبه، فإن المعاصي بريد الكفر.

وقال أبو سليمان رحمه الله: ما استحسنت من نفسي عملاً فاحتسبت به.

وقال السري رحمه الله: إياكم وجيران الأغنياء وقراء الأسواق وعلماء الأمراء.

وقال ذو النون المصري رحمه الله:

إنما دخل الفساد على الخلق من ستة أشياء:

أولها: ضعف النية بعمل الآخرة.

والثاني: صارت أبدانهم رهينة بشهواتهم.

والثالث: طول الأمل مع قرب الأجل.

والرابع: آثروا رضى المخلوقين على رضا الخالق.

والخامس: اتبعوا أهواءهم، ونبذوا سنة نبيهم -صلى الله عليه وسلم- وراء ظهورهم.

والسادس: جعلوا قليل زلات السلف حجة أنفسهم، ودفنوا كثير مناقبهم



(فصل) والأصل في المجاهدة مخالفة الهوى.

فيعظم نفسه عن المألوفات والشهوات واللذات، ويحملها على خلاف ما تهوى في عموم الأوقات، فإذا انهمك في الشهوات ألجمها بلجام التقوى والخوف من الله عز وجل، فإذا حرنت ووقفت عند القيام بالطاعات والموافقات ساقها بسياط الخوف وخلاف الهوى ومنع الحظوظ..




.


آخر تعديل عمر نجاتي يوم 08-04-2020 في 02:48 PM.
رد مع اقتباس
قديم 08-04-2020, 12:26 PM   رقم المشاركة : 18
الكاتب

عمر نجاتي

الاعضاء

عمر نجاتي غير متواجد حالياً


الملف الشخصي









عمر نجاتي غير متواجد حالياً


رد: كتاب آداب المريدين



(فصل) ولا تتم المجاهدة إلا بالمراقبة.

وهي التي أشار إليها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين سأله جبريل عليه السلام عن الإحسان فقال: "الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك" لأن المراقبة علم العبد باطلاع الرب سبحانه عليه، واستدامة لهذا العلم مراقبة لربه، وهذا هو أصل كل خير، وإنما يصل إلى هذه الرتبة بعد المحاسبة وإصلاح حاله في الوقت، ولزوم طريق الحق وإحسان مراعاة القلب بينه وبين الله تعالى، وحفظ الأنفاس مع الله عز وجل، فيعلم أن الله تعالى عليه رقيب، ومن قلبه قريب، يعلم أحواله ويرى أفعاله، ويسمع أقواله، ولا تتم أيضًا إلا بمعرفة خصال أربع:

أولها: معرفة الله تعالى.

والثانية: معرفة عدو الله إبليس.
والثالثة: معرفة نفسك الأمارة بالسوء.

والرابعة: معرفة العمل لله تعالى.

ولو عاش إنسان دهرًا في العبادة مجتهدًا ولم يعرفها ولم يعمل عليها لم تنفعه عبادته، وكان على الجهل ومصيره إلى النار، إلا أن يتفضل الله عليه برحمته.

فأما معرفة الله عز وجل، فهو أن يلزم العبد قلبه قربه عز وجل، وقيامه عليه وقدرته عليه وشهادته وعلمه به، وأنه رقيب حفيظ، وأنه واحد ماجد، لا شريك له في ملكه، وأنه عندما وعد صادق، وعندما ضمن واف، وعندما دعا إليه وندب إليه مليء، وله وعد ينجزه، ووعيد صادق ينفذه، ومقام تصير إليه الخلائق، ومصدر يتصرف من عنده، وله ثواب وعقاب، ليس له شبه ولا مثيل، وأنه كاف رحيم ودود سميع عليم، وأنه كل يوم هو في شأن، لا يشغله شأن عن شأن، يعلم الخفي وفوق الخفي، والضمير والخطوات الوسوسة والهمة والإرادة والوسواس والحركة والطرفة والغمزة والهمزة، وما فوق ذلك وما دون ذلك، مما دق فلا يعرف، وجل فلا يوصف، مما كان وما يكون وأنع عزيز حكيم، وقد استوفينا ذلك في باب معرفة الصانع من قبل.

فإذا لزم هذا قبله في اليقين الراسخ والعمل النافع، ولزم ذلك كل عضو منه وكل جارحة وكل مفصل وعرق وعصب وشعر وبشر، وكذلك يتيقن أن الله تعالى قائم على ذلك عالم به، أحاط به علمًا لا تعزب عنه عازبة، وأنه خلقه فأحسن خلقه، وصوره فأحسن صورته، وثبت جميع ذلك في قلبه، وصح به عزمه وأكمل عقله، وثبت حينئذ فيه المحاسبة، ووصلت إليه المعرفة وقامت عليه الحجة، وكان في مقام من الله شريف، والحذر يصحبه في ذلك كله، فحفظتن جوارحه وقلبه، ولا ينال شيئًا من هذه الجملة إلا أن يقطع الأشغال كلها، إلا ما دله على هذا، والفرق لا يفارق قلبه حذرًا من سطواته، لقدرته عليه لما قد سلف، وبما يكون منه، وحياء منه لقربه منه، ولم تسقط منه إرادة، ولم تزل منه همة ولا خطرة إلا له فيه علم، فيكون العالم القائم بما يحب الله منه، والنازل له عما يكرهه منه، ولا تكون منه خطرة ولا لحظة ولا وسوسة ولا إرادة ولا حركة ظاهرًا ولا باطنًا، إلا وعلم الله عنده قائم في قلبه قبل الخطرات والحركات والوساوس وهو مقام العلماء بالله عز وجل، الخائفين العارفين الأتقياء الورعين.


وأما معرفة عدو الله إبليس، فقد أمر الله تعالى بمحاربته ومجاهدته في السر والعلانية، في الطاعة والمعصية، وأعلم العباد بأنه قد عادى الله عز وجل وعبده ونبيه وصفيه وخليفته في الأرض آدم عليه السلام، وضاره في ذريته، وأنه لا ينام إذا نام الآدمي، ولا يغفل إذا غفل الآدمي، ولا يسهو إذا سها الآدمي دائبًا مجتهدًا في عطب الآدمي وهلكته في نومه ويقظته وفي سره وعلانيته في الطاعة ليبطلها وفي المعصية ليوقعه فيها، لا يألو به خديعة وحيلة ومكرًا، مصائده الشهية اللذيذة في طاعته ومعصيته، ما يجهله كثير من خلق الله تعالى من العابدين المغرورين المخدوعين، وكثير من الغافلين، ليست راحته أن يوقع ابن آدم في معصية ولا رياء ولا إعجاب، إنما بغيته أن يرده معه حيث يرد جهنم، حيث قال جل وعلا: {إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير} [فاطر:60].

فإذا عرفه العبد بهذه الصفة فينبغي له أن يلزم قلبه معرفته في الحق والباطن، بلا غفله ولا سهو منه، فيحاربه بأشد المحاربة، ويجاهده بأشد المجاهدة، سرًا وعلانية، ظاهرًا وباطنًا لا يقتصر في ذلك حتى يبذل مجهوده في محاربته، ومجاهدته في كل ما يدعو إليه من الخير والشر ولا يدع التضرع واللجأ إلى الله عز وجل والاستعانة به في حركاته كلها ليعينه عليه، ويرى الله عز وجل من نفسه الفقر والفاقة إليه، فإنه لا حيلة ولا قوة إلا به، ويستغيث بالله عز وجل بالبكاء والتضرع، ويسأله النصر عليه جاهدًا متذللاً، ليلاً ونهارًا، سرًا وعلانية، في الخلأ والملأ، حتى تصغر في عينه مجاهدته لمعرفته، بتوفيق الله تعالى إياه، فإنه عدو مولاه، وهو أول من عصى الله من خلقه، وأول من مات من خلقه، يعني من عصاه، وكل عاص لله عز وجل ميت، كما جاء في الحديث، قال الله عز وجل: "إن أول من مات من خلقي إبليس" وهو الذي عادى أولياء الله من الأنبياء والصديقين وأصفياءه من خلقه أجمعين.

وينبغي للعبد أن يعلم أنه في جهاد عظيم، وفي قرب من الرب جل ثناؤه، ولا يوصف شرف مقامه، فليثبت ولا يعجز فإنه إن عجز أو مل فقد عصى ربه عز وجل ووقع في جهنم، وغضب الله عليه، ويكون قد أعطى عدو الله أمنيته منه، وقوى عليه لعنة الله، ولي لإرادته في العبد غاية وانتهاء إلا بالكفر بالله، فإنه إنما ينقله من حال إلى حال حتى يغضب الله عليه، فيكله إلى نفسه فيعطب ويقع في النار مع الشيطان، فلا خلق أشد على العبد منه، فالحذر الحذر، فإنه هو الورود على العطب، أو النجاة
بفضل الله ورحمته، أعاذنا الله وجميع المسلمين من شر إبليس وجنوده، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

وأما معرفة النفس الأمارة بالسوء، فيضعها حيث وضعها الله عز وجل، ويصفها بما وصفها الله تعالى، ويقوم عليها بما أمره الله عز وجل فإنها أعدى له من إبليس، وإنما يقوى عليه إبليس بها وبقبولها منه، فيعرف أي شيء طباعها، وما إرادتها، وإلام تدعو، وبم تأمر، وكيف خلقها خلقة ضعيفة قوي طمعها شرهة مدعية خارجة عن طاعة الله سبحانه، متملكة متمنية، خوفها أمن، ورجاؤها أماني، وصدقها كذب، ودعواها باطلة، وكل شيء منها غرور، وليس لها فعل محمود، ولا دعوى حق فلا تغرنه بما يظهر له منها، ولا يرجو بما تأمل، إن حل عنها قيودها شردت، وإن أطلق وثاقها جمحت، وإن أعطاها سؤلها هلكت، وإن غفل عن محاسبتها أدبرت، وإن عجز عن مخالفتها غرقت، وإن اتبع هواها تولت إلى النار وفيها هوت، ليس له حقيقة ولا رجوع إلى خير، وهي رأس البلاء ومعدن الفضيحة، وخزانة إبليس ومأوى كل سوء، ولا يعرفها أحد غير خالقها عز وجل، فهي في الصفة التي وصفها الله عز وجل، كلما أظهرت خوفًا فهو أمن، وكلما ادعت صدقًا فهو كذب، وكلما ذكرت إخلاصها فهو رياء وإعطاء عند الحقائق، يبين صدقها ويعرف كذبها، وعند الامتحان يرجع إلى دعواها، فليس بلاء عظيم إلا وقد حل بها، فعلى العبد محاسبتها ومعرفتها ومراقبتها ومخالفتها ومجاهدتها في جميع ما تدعو إليه وتدخل فيه، فليس لها دعوى حق، وإنما تسعى في هلاكها ودمارها، ولا توصف بشيء إلا وهي أكثر مما توصف، فهي كنز إبليس ومستراحه ومسامرته ومحدثته وصديقته.

فإذا عرف العبد صفتها فقد عرفها وهانت عليه، وذلت وقوي عليها بالله عز وجل، فإذا اجتمعت في العبد هذه الخصال الثلاث، فليستعن بالله عز وجل عليهن، ولا يغفل لأنه إذا قوي على أدب نفسه ومخالفتها عما تهوى قوي على الخصال كلها إن شاء الله تعالى، فعليه ببذل التقدم بالعزم بالله عز وجل وحده لا شريك له، ولا يميلن في هذا كله إلى أحد غير الله عز وجل، فإن لم يفعل ذلك فلا يوفق لخير ويكله الله عز وجل إلى نفسه.

فينبغي له أن يستعين بالله تعالى في هذا كله ويتبع مرضاته في جميع ما أمره الله به ونهاه، لا يريد بذلك أحدًا غير الله عز وجل، فإن فعل ذلك أرشده الله ووفقه وأحبه وجنبه مكارهه وستره بستر الأصفياء العلماء بالله، الذين بذلك نالوا العلم بالله عز وجل.

وأما معرفة العمل لله عز وجل، فإن يعلم العبد أن الله عز رجل أمره بأمور ونهاه عن أمور، فالذي أمره به هو الطاعة، والذي نهاه عنه هو المعصية له عز وجل وأمره بالإخلاص فيهما والقصد إلى سبيل الهدى على نهج الكتاب والسنة، ولا يكون في ضميره في فعله كل شيء غير الله عز وجل، ولا يكن ممن ترك المعاصر الظاهرة، وأعرض عن ترك المعاصي الباطنة التي هي أمهات الذنوب وأصولها، لأن الله تعالى ليس على هذا وعد بالمغفرة، ولا على هذا ضمن الثواب في دار الجزاء، فلا يجهدن العبد في العبادة بالظاهر بفساد النية وسقم الإرادة، فتعود إذ ذاك طاعاته معاصي كلها، فتخل به عقوبات الدنيا والآخرة مع تعب البدن وقلة المراد به وترك الشهوة واللذة، فيسخر الدنيا والآخرة، ولكن يزين طاعته بالإخلاص والتقوى والورع، ونيته بالصدق، ويحفظ إرادته بالمحاسبة، وليكن همه طلب النية الصادقة، وعزمه طلب الإخلاص والتوحيد في أقواله وأفعاله وأحواله أجمع عند أخذه في الطاعة، وإعراضه عن المعصية، حتى يثبت معرفة النية، كما يثبت معرفة العمل.


وينبغي له أن يتحرز من أن يخدعه إبليس اللعين بغوائله، ويصرعه بمصائده، ويوقعه في فخوخه، ويذهب به بكره وخدعة، فإن له مصائد مسجلات في القلوب، وغوائل شهية وظرائف لذيذة، يحسبه الجاهل نورًا ويقينًا، وهو شك وظلمة، يفتح له مائة باب من الطاعة، يريد بذلك أن يدخله في أدنى منزلة يستغرق عمله بها، فإياه ثم إياه الحذر الحذر، فإن قدر أن يتعلم خدعه كما يتعلم القرآن فليفعل، فبهذا أمره الله جل ثناؤه، فليحذره العبد في طاعته، كما يحذره في معاصيه، فإن خطر بباله أمر أو دعته نفسه إلى شيء أو تحرك بحركة فلا يعجلن دون المعرفة والعلم، وليرفق بنفسه ويترسل بترسل العلماء، ويجالس الفقهاء العالمين بالله وبأمره ونهيه، حتى يدلوه على طريق الله عز وجل، ويعرفوه ذلك ويدلوه على دوائه ودائه على ما قدمناه في مجلس التوبة.

ولا ينبغي له أن يفتر بطول القيام وكثرة الصيام والنوافل الظاهرة بلا معرفة منه بعمله، فإن كان كذلك ورأى فعله مع معرفته بنفسه وبربه وبعدوه صح فعله، فعندما يورث العلم والفقه، فما كان من علم ظاهر أو باطن ظاهر أو باطن نظر إن كان لله خالصًا صادقًا قلبه الله منه وأثابه عليه، وإن كان غير ذلك رده عليه فلم يسقط له عند ذلك فعل ولا يخفى عليه أمر، فإذا كان كلك فقد أعطى كل خلق حسن وصح عقله وثبت عمله وزاد حلمه، وكان من أولياء الله وأصفياءه الذين بالله ينظرون، وبالله يتكلمون، وبه يأخذون، وبه يعطون، ومع ذلك اتهم نفسه واتهم هواه على نفسه ودينه، واتهم إبليس، فحينئذ اتهم مع ذلك معرفته بنفسه على معرفته بها.







آخر تعديل عمر نجاتي يوم 08-04-2020 في 12:34 PM.
رد مع اقتباس
قديم 08-04-2020, 12:41 PM   رقم المشاركة : 19
الكاتب

عمر نجاتي

الاعضاء

عمر نجاتي غير متواجد حالياً


الملف الشخصي









عمر نجاتي غير متواجد حالياً


رد: كتاب آداب المريدين



(فصل) ولأهل المجاهدة والمحاسبة وأولى العزم عشر خصال جربوها لأنفسهم، فإذا أقاموها وأحكموها بإذن الله تعالى وصلوا إلى المنازل الشريفة:

أولها: ألا يحلف العبد بالله عز وجل صادقًا ولا كاذبًا، عامدًا ولا ساهيًا، لأنه إذا أحكم ذلك من نفسه وعود لسانه رفعه ذلك أن يترك الحلف ساهيًا وعامدًا، فإذا اعتاد ذلك فتح الله به بابًا من أنواره يعرف منفعة ذلك في قلبه، وزيادة في بدنه، ورفعه في درجته، وقوة في عزمه وفي بصره، والثناء عند الإخوان وكرامة عند الجيران حتى يأتمر به من يعرفه ويهابه من يراه.

والثانية: أن يجتنب الكذب هازلاً وجادًا، لأنه إذا فعل ذلك وأحكمه من نفسه واعتاد لسانه، شرح الله به صدره وصفى به علمه، حتى كان لا يعرف الكذب، وإذا سمعه من غيره عاب ذلك عليه وعيره به في نفسه، وإن دعا له بزوال ذلك كان له ثوابًا.

والثالثة: أن يحذر أن يعد أحدًا شيئًا فيخلفه إياه، وهو يقدر عليه إلا من عذر بين، أو يقطع العدة البتة، فإنه أقوى لأمره وأقصد لطريقه، لأن الحلف من الكذب، فإذا فعل ذلك فتح له باب السخاء، ودرجة الحياء، وأعطى مودة في الصادقين، ورفعه عند الله جل ثناؤه.

والرابعة: يجتنب أن يلعن شيئًا من الخلق، أو يؤذي ذرة فما فوقها، لأنها من أخلاق الأبرار والصادقين، وله عاقبة حسنة في حفظ الله إياه في الدنيا، مع ما يدخر له عنده من الدرجات، ويستنقذه من مصارع الهلكة ويسلمه من الخلق، ويرزقه رحمة العباد والقرب منه عز وجل.


والخامسة: يجتنب أن يدعو على أحد من الخلق وإن ظلمه، فلا يقطعه بلسانه ولا يكافئه بفعاله، ويحتمل ذلك لله تبارك وتعالى، ولا يكافئه بقول ولا فعل، فإن هذه الخصال ترفع صاحبها في الدرجات العلا، إذا تأدب بها ينال منزلة شريفة في الدنيا والآخرة، والحب والمودة في قلوب الخلق أجمعين، من قريب وبعيد، وإجابة الدعوة والعلو في الخير، والعز في الدنيا في قلوب المؤمنين.

والسادسة: ألا يقطع الشهادة على أحد من أهل القبلة بشرك ولا كفر ولا نفاق، فإنه اقرب للرحمة وأعلى في الدرجة، وهي تمام السنة وأبعد عن الدخول في علم الله سبحانه وتعالى، وأبعد من مقت الله عز وجل، وأقرب إلى رضا الله تعالى ورحمته، فإنه باب شريف كريم على الله، يورث العبد الرحمة للخلق أجمعين.

والسابعة: يجتنب النظر والهم إلى شيء من المعاصي ظاهرًا وباطنًا، ويكف عنها جوارحه، فإن ذلك من أسرع الأعمال ثوابًا للقلب والجوارح في عاجل الدنيا، مع ما يدخل الله تعالى له من خير الآخرة، نسأل الله تعالى أن يمن علينا أجمعين بالعمل بهذه الخصال، وأن يخرج شهواتنا من قلوبنا.

والثامنة: يجتنب أن يجعل على أحد من الخلق منه مؤنة صغيرة ولا كبيرة، بل يرفع مؤنته عن الخلق أجمعين، مما احتاج إليه واستغنى عنه، فإن ذلك تمام عزة العابدين وشرف المتقين، وبه يقوى على الأمر بالمعرفة والنهي عن المنكر، ويكون الخلق عنده أجمعون بمنزلة واحدة في الحق سواء، فإن كان كذلك نقله الله تعالى إلى الغنى واليقين والثقة به عز وجل، ولا يرفع أحدًا بهواه، ويكون الناس عنده في الحق سواء، ويقطع بأن هذا الباب عز المؤمنين وشرف المتقين، وهو أقرب باب إلى الإخلاص.

والتاسعة: ينبغي له أن يقطع طمعه من الآدميين لا يطمع نفسه في شيء مما في أيديهم، فإنه العز الأكبر، والغنى الخالص، والملك العظيم، والفخر الجليل، واليقين الصادق، والتوكل الشافعي الصحيح، وهو باب من أبواب الثقة بالله عز وجل، وهو باب من أبواب الزهد، وبه ينال الورع ويكمل نسكه، وهو من علامات المنقطعين إلى الله تبارك وتعالى.


الخصلة العاشرة: التواضع لأن بها يشيد محل العابد وتعلو درجته ويستكمل العز والرفعة عند الله تعالى وعند الخلق، ويقدر على ما يريد من أمر الدنيا والآخرة، وهذه الخصلة أصل الطاعات كلها وفروعها وكمالها، وبها يدرك العبد منازل الصالحين الراضين عن الله تعالى في الضراء والسراء، وهي كمال التقوى والتواضع، هو ألا يلقى العبد أحدًا من الناس إلا رأى له الفضل عليه، ويقول عسى أن يكون عند الله خيرًا مني وأربع درجة، فإن كان صغيرًا قال: هذا لم يعص الله وأنا قد عصيت، فلا شك أنه خير مني، وإن كان كبيرًا قال: هذا عبد الله قبلي، وإن كان عالمًا قال: هذا أعطي ما لم أبلغ ونال ما لم أنل، وعلم ما جهلت وهو يعمل بعلم، وإن كان جاهلاً قال: هذا عصى الله بجهل، وأنا عصيته بعلم، ولا أدري بم يختم له، وبما يختم لي، وإن كان كافرًا قال: لا أدري عسى يسلم هذا فيختم له بخير العمل، وعسى أكفر أنا فيختم لي بشر العمل، وهذا باب الشفقة والوجل، وأول ما يصحب وآخر ما يبقى على العباد، فإن كان العبد كذلك سلمه الله من الغوائل، وبلغ به منازل النصيحة لله عز وجل، وكان من أصفياء الرحمن وأحبابه، وكان من أعداء إبليس عدو الله لعنه الله وهو باب الرحمة، ومع ذلك يكون قد قطع طريق الكبر وحبال العجب، ورفض درجة العلو وجانب درجة التعزز في نفسه في الدين والدنيا والآخرة، وهو ملح العبادة وغاية شرف الزاهدين وسيما الناكسين، فلا شيء أفضل منه ومع ذلك يقطع لسانه عن ذكر العالمين، فلا يتم له عمل إلا به، ويخرج الغل والبغي والكبر من قلبه في جميع أحواله، وكان لسانه في السر والعلانية واحدًا ومشيئته في السر والعلانية واحدًا وكلامه كذلك، والخلق عنده في النصيحة واحدًا، ولا يكون من الناصحين وهو يذكر أحدًا من خلق الله بسوء أو يعيره بفعل، أو يحب أن يذكر عنده بسوء، أو يرتاح قلبه إذا ذكر عنده بسوء، وهذا آفة العابدين وعطب النساك وهلاك الزاهدين، إلا من أعانه الله عز وجل على حفظ لسانه وقلبه برحمته.




رد مع اقتباس
قديم 08-04-2020, 12:50 PM   رقم المشاركة : 20
الكاتب

عمر نجاتي

الاعضاء

عمر نجاتي غير متواجد حالياً


الملف الشخصي









عمر نجاتي غير متواجد حالياً


رد: كتاب آداب المريدين



[(فصل) وأما التوكل]

فالأصل فيه قوله عز وجل: {ومن يتوكل على الله فهو حسبه} [الطلاق: 3]، وقوله تعالى: {وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين} [المائدة: 23].

وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "رأيت الأمم بالموسم، فرأيت أمتي قد ملأت السهل والجبل فأعجبتني كثرتهم وهيئتهم، فقيل لي: أرضيت؟ قلت: نعم، قيل: ومع هؤلاء سبعون ألفًا يدخلون الجنة بغير حساب، لا يكتوون ولا يتطيرون ولا يسترقون وعلى ربهم يتوكلون، فقام عكاشة بن محصن الأسدي فقال: يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- اللهم اجعلهع منهم، فقام آخر فقال: ادع الله أن يجعلني منهم، فقال -صلى الله عليه وسلم-: سبقك بها عكاشة".

وحقيقة التوكل: تفويض الأمور إلى الله عز وجل، والتنقي عن ظلمات الاختيار والتدبير، والترقي إلى ساحات شهود الأحكام والتقدير، فيقطع العبد ألا تبديل للقسمة، فما قسم له لا يفوته، وما لم يقدر له لا يناله، فيسكن قلبه إلى ذلك، ويطمئن إلى وعد مولاه، فيأخذ من مولاه.

والتوكل ثلاث درجات: وهي التوكل، ثم التسليم، ثم التفويض، فالمتوكل يسكن إلى وعد ربه، وصاحب التسليم يكتفي بعلمه، وصاحب التفويض يرضى بحكمه.

وقيل: التوكل بداية، والتسليم وسط، والتفويض نهاية.

وقيل: التوكل صفة المؤمنين، والتسليم صفة الأولياء، والتفويض صفة الموحدين.

وقيل: التوكل صفة العوام، والتسليم صفة الخواص، والتفويض صفة خاص الخاص.

وقيل: التوكل صفة الأنبياء، والتسليم صفة إبراهيم، والتفويض صفة نبينا صلوات الله عليهم أجمعين.

فالتوكل على كمال الحقيقة وقع لإبراهيم الخليل عليه السلام في الوقت الذي قال لجبريل عليه السلام: أما إليك فلا، لأنه غابت نفسه حتى لم يبق لها أثر، فلم ير مع الله تعالى غير الله عز وجل.

وقال سهل بن عبد الله رحمه الله تعالى: أول مقام في التوكل أن يكون العبد بين يدي الله عز وجل كالمبيت بين يدي الغاسل يقلبه كيف أراد، لا يكون له حركة ولا تدبير، فالمتوكل على الله سبحانه وتعالى يكون لا يسأل ولا يريد ولا يرد ولا يحبس.

وقال أيضًا: التوكل هو الاسترسال.

وقال حمدون رحمه الله تعالى: هو الاعتصام بالله عز وجل.

وقال إبراهيم الخواص رحمه الله تعالى: حقيقة التوكل إسقاط الخوف والرجاء مما سوى الله عز وجل.

وقيل: التوكل رد العيش إلى يوم واحد، وإسقاط هم غد.

وقال أبو علي الروذباري رحمه الله تعالى: مراعاة التوكل ثلاث درجات:

الأولى منها: إذا أعطي شكر، وإذا منع صبر.

والثانية: أن يكون العبد المنع والعطاء عنده واحد.

والثالثة: المنع مع الشكر أحب إليه لعلمه باختيار الله تعالى له ذلك.

وروي عن جعفر الخلدي قال: قال إبراهيم الخواص رحمه الله تعالى: كنت في طريق مكة، فرأيت شخصًا وحشيًا، فجئت إليه فقلت: أجني أم إنسي، فقال: بل جني، فقلت: إلى أين؟ فقال: إلى مكة، فقلت له: بلا زاد ولا راحلة؟ قال: نعم. فينا أيضًا من يسافر على التوكل، فقلت له: ما التوكل؟ قال الأخذ من الله.

وقال سهل رحمه الله تعالى: هو معرفة معطي أرزاق المخلوقين، ولا يصح لأحد التوكل حتى يكون عنده السماء كالصفر والأرض كالحديد، لا ينزل من السماء مطر، ولا يخرج من الأرض نبات، ويعلم أن الله لا ينسى له ما ضمن له من رزقه بين هذين.

وقيل: هو ألا تعصي الله تعالى من أجل رزقك.

وقال بعضهم: حسبك من التوكل ألا تطلب لنفسك ناصرًا غير الله تعالى، ولا لرزقك خازنًا غيره، ولا لعملك شاهدًا غيره.

وقال الجنيد رحمه الله تعالى: التوكل أن تقبل بالكلية على ربك وتعرض عمن دونه.

وقال النوري رحمه الله تعالى: هو أن تفنى تدبيرك في تدبيره، وترضى بالله وكيلاً ومدبرًا ونصيرًا. قال الله تعالى: {وكفى بالله وكيلاً} [النساء: 81].


وقيل: هو اكتفاء العبد الذليل بالرب الجليل، كاكتفاء الخليل بالجليل حين لم ينظر إلى عناية جبريل عليه السلام.

وقيل: هو السكون عن الحركات اعتمادًا على خالق الأرض والسموات.

وقيل لبهلول المجنون رحمه الله تعالى: متى يكون العبد متوكلاً؟ قال: إذا كان بالنفس غريبًا بين الخلق، وبالقلب قريبًا إلى الحق.

وقيل لحاتم الأصم رحمه الله تعالى: علام بنيت أمرك هذا من التوكل؟ قال: على أربع خلال: علمت أن رزقي ليس يأكله غيري فلست اشتغل به، وعلمت أن عملي لا يعمله غيري فأنا مشغول به، وعلمت أن الموت يأتي بغتة فأبادره، وعلمت أني بعين الله تعالى في كل حال فأنا مستح منه.

وعن أبي موسى الدبيلي قال: سألت عبد الرحمن بن يحيى عن التوكل فقال لي: لو أدخلت يدك في فم التنين حتى تبلغ إلى الرسغ لم تخف مع الله شيئًا، فقال أبو موسى رحمه الله تعالى: فخرجت إلى أبي يزيد البسطامي رحمه الله تعالى أسأله عن التوكل فدخلت بسطام ودققت عليه الباب فقال لي: يا أبا موسى ما كان لك في جواب عبد الرحمن من القناعة حتى تجيء وتسألني؟ فقلت: يا سيدي افتح الباب، فقال: لو زرتني لفتحت لك الباب، خذ الجواب من الباب، فانصرفت، فلو أن الحية التي هي مطوقة بالعرش همت بك لم تخف مع الله شيئًا، قال أبو موسى رحمه الله تعالى: فانصرفت حتى جئت إلى دبيل، فأقمت بها سنة، ثم اعتقدت الزيارة، فخرجت إلى أبي يزيد، فقال لي: الآن جئتني زائرًا مرحبًا بالزائر ادخل، فأقمت عنده شهرًا لا يقع لي شيء إلا أخبرني به قبل أن أسأله، فقلت له: يا أبا يزيد أخرج وأريد فائدة منك فقال: اعلم أن فائدة المخلوقين ليست بفائدة، فانصرف، فجعلتها فائدة وانصرفت.

وعن ابن طاوس اليماني رحمه الله تعالى عن أبيه طاوس رحمه الله تعالى قال: إن أعرابيًا جاء براحلة له فأبركها وعقلها، ثم رفع رأسه إلى السماء، فقال: اللهم إن هذه الراحلة وما عليها في ضمانك، حتى أخرج إليها ومضى، فخرج الأعرابي من المسجد الحرام، وقد أخذت الراحلة وما عليها، فرع رأسه إلى السماء وقال: اللهم ما سرق مني شيء وما سرق إلا منك.

قال طاوس: فبينما نحن كذلك مع الأعرابي إذ رأينا رجلاً نازلاً من رأس جبل أبي قبيس يقود الراحلة بيده اليسرى، ويمينه مقطوعة معلقة في عنقه، حتى جاء إلى الأعرابي فقال: خذ راحلتك وما عليها، فسألته عن حاله، فقال: استقبلني فارس على فرس أشهب في رأس أبي قبيس، فقال لي: يا سارق مد يدك، قال: فمددتها فوضعها على حجر ثم أخذ آخر فبتلها وعقلها في عنقي، وقال: انزل ورد الراحلة وما عليها إلى الأعرابي.

وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لو توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصًا وتروح بطانًا".

وروى محمد بن كعب عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من سره أن يكون أكرم الناس فليتق الله، ومن سره أن يكون أقوى الناس فليتوكل على الله، ومن سره أن يكون أغنى الناس فليكن بما في يد الله أوثق منه مما في يديه".


وكان عمر رضي الله عنه يتمثل بهذين البيتين:

هون عليك فإن الأمور ... بأمر الإله مقاديرها

فليس يأتيك مصروفها ... ولا عازب عنك مقدورها

وسئل يحيى بن معاذ رحمه الله تعالى: متى يكون الرجل متوكلاً؟ فقال: إذا رضي بالله وكيلاً.

وقال بشر رحمه الله تعالى: يقول أحدهم: توكلت على الله يكذب، واليه فإن لو توكل على الله رضي بما يفعل به.

وقال أبو تراب التخشبي رحمه الله تعالى: هو طرح البدن في العبودية وتعلق القلب بالربوبية، والطمأنينة إلى الكفاية، فإن أعطي شكر، وإن منع صبر.

وقال ذو النون المصري رحمه الله تعالى: التوكل: ترك تدبير النفس والانخلاع من الحول والقوة.

وقال ذو النون رحمه الله تعالى أيضًا لرجل سأله عن التوكل فقال: هو خلع الأرباب، وقطع الأسباب، فقال له السائل: زدني، فقال: إلقاء النفس في العبودية وإخراجها من الربوبية.

وقال أيضًا: هو انقطاع المطامع.

وأما الحركة بالظاهر التي هي الكسب بالسنة فلا تنافي توكل القلب بعدما يتحقق العبد أن التقدير من قبل الله تعالى في قلبه، لأن محل التوكل القلب، وهو تحقيق الإيمان، فمن أنكر الكسب فقد أنكر السنة، ومن أنكر التوكل فقد أنكر الإيمان، فإن تعسر شيء من الأسباب فبتقدير الله عز وجل، وإن تيسر شيء منها فتيسيره عز وجل، فتكون جوارحه وظواهره متحركة في السبب بأمر الله عز وجل، وباطنه ساكن لوعد الله عز وجل.

وقد روي عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: "جاء رجل على ناقة له فقال: يا رسول الله أدعها وأتوكل؟ فقال -صلى الله عليه وسلم- اعقلها وتوكل".

وقيل: المتوكل كالطفل لا يعرف شيئًا يأوي إليه إلا ثدي أمه، كذلك المتوكل لا يهتدي إلا إلى ربه عز وجل.

وقيل: التوكل نفي الشكوك والتفويض إلى مالك الملوك.

وقيل: التوكل الثقة بما في يد الله عز وجل، واليأس مما في أيدي الناس.

وقيل: التوكل إفراغ السر عن التفكير للتقاضي في طلب الرزق.


.


آخر تعديل عمر نجاتي يوم 08-04-2020 في 12:53 PM.
رد مع اقتباس
قديم 08-04-2020, 01:01 PM   رقم المشاركة : 21
الكاتب

عمر نجاتي

الاعضاء

عمر نجاتي غير متواجد حالياً


الملف الشخصي









عمر نجاتي غير متواجد حالياً


رد: كتاب آداب المريدين



[(فصل) وأما حسن الخلق]

فالأصل فيه قول الله عز وجل لنبيه -صلى الله عليه وسلم- في كتابه المنزل عليه: {وإنك لعلى خلق عظيم} [القلم: 4].

وما روي عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: "قيل: يا رسول الله أي المؤمنين أفضل إيمانًا؟ قال -صلى الله عليه وسلم-: أحسنهم خلقًا".

الخلق الحسن أفضل مناقب العبد وبه تظهر جواهر الرجال، والإنسان مستور بخلقه مشهور بخلقه.

وقيل: إن الله عز وجل خص نبيه ورسوله محمدًا -صلى الله عليه وسلم- بما خص به من المعجزات والكرامات والفضائل، ثم لم يثن عليه بشيء من خصاله بثمل ما أثنى عليه بخلقه، فقال عز من قائل: {وإنك لعلى خلق عظيم} [القلم: 4].

وقيل إنما وصفه الله تعالى بالخلق العظيم لأنه جاد بالكونين، واكتفى بالله عز وجل.

وقيل: الخلق العظيم: أن لا يخاصِم ولا يخاصَم من شدة معرفته بالله تعالى.

وقيل: معناه لم يؤثر فيك جفاء الخلق بعد مطالعتك للحق.


وقال أبو سعيد الخراز رحمه الله تعالى: هو ألا تكون له همة غير الله عز وجل.
وقال الجنيد رحمه الله تعالى: سمعت الحارث المحاسبي يقول: فقدنا ثلاثة أشياء: حسن الوجه مع الصيانة، وحسن القول مع الأمانة، وحسن الإخاء معه الوفاء.

وقيل: الخلق الحسن استصغار ما منك، واستعصام ما لك.

وقيل: علامة حسن الخلق كف الأذى، واحتمال المؤن.

وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه رضي الله عنهم: "إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم فسعوهم ببسط الوجه وحسن الخلق".

وحسن الخلق مع الله عز وجل أن تؤدي أوامره، وتترك نواهيه، وتطيعه في الأحوال كلها من غير اعتقاد استحقاق العوض عليه، وتسلم جميع المقدور إليه من غير تهمة، وتوحده من غير شرك، وتصدقه في وعده من غير شك.

وقيل لذي النون المصري رحمه الله تعالى: من أكثر الناس همًا؟ قال: أسوأهم خلقًا.

وقال الحسن البصري رحمه الله تعالى في قوله عز وجل: {وثيابك فطهر} [المدثر:4] أي خلقك فحسن.

وقيل في قوله تعالى: {وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة} [لقمان:20] قيل: الظاهرة: تسوية الخلق، والباطنة: تصفية الخلق.

وقيل لإبراهيم بن أدهم رحمه الله تعالى: هل فرحت في الدنيا قط؟ فقال: نعم مرتين، إحداهما: كنت قاعدًا ذات يوم فجاء كلب وبال علي، والثانية، كنت قاعدًا فجاء إنسان وصفعني.


وقيل: كان أويس القرني رحمه الله تعالى إذا رآه الصبيان يرمونه بالحجارة، فيقول: إن كان لابد فالرموني بالصغار لئلا تدموا ساقي وتمنعوني عن الصلاة.

وقيل: شتم رجل الأحنف بن قيس رحمه الله تعالى وكان يتبعه، فلما قرب من الحي وقف وقال: يا فتى إن كان بقي في قلبك شيء فقله كيلا يسمعك بعض سفهاء الحي فيجيبوك.

وقيل لحاتم الأصم رحمه الله تعالى: يحتمل الرجل من كل أحد، قال: نعم، إلا من نفسه.

وروي أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه دعا غلامًا له فلم يجبه، فدعاه ثانيًا وثالثًا فلم يجبه، فقام إليه فرآه مضطجعًا، فقال: أما تسمع يا غلام؟ قال: نعم، قال: ما حملك على ترك جوابي؟ قال: أمنت عقوبتك فتكاسلت، قال: امض فأنت حر لوجه الله عز وجل.

وقيل: الخلق الحسن أن تكون من الناس قريبًا وفيما بينهم غريبًا.

وقيل: الخلق الحسن قبول ما يرد عليك من جفاء الخلق وقضاء الحق بلا ضجر ولا قلق.

وقيل: مكتوب في الإنجيل: عبدي اذكرني حين تغضب أذكرك حين أغضب.

وقالت امرأة لمالك بن دينار رحمه الله تعالى: يا مرائي، فقال: يا هذه قد وجدت اسمي الذي أضله أهل البصرة.

وقال لقمان لابنه: يا بني لا تعرف ثلاثًا إلا عهد ثلاث: الحليم عند الغضب، والشجاع في الحرب، والأخ عند الحاجة إليه.

وقال موسى عليه السلام: يا إلهي أسألك ألا يقال لي ما ليس في، فأوحى الله تعالى إليه: ما فعلت ذلك لنفسي، فكيف أفعله لك؟




.


رد مع اقتباس
قديم 08-04-2020, 01:04 PM   رقم المشاركة : 22
الكاتب

عمر نجاتي

الاعضاء

عمر نجاتي غير متواجد حالياً


الملف الشخصي









عمر نجاتي غير متواجد حالياً


رد: كتاب آداب المريدين



[(فصل) وأما الشكر]

فالأصل فيه قوله عز وجل: {لئن شكرتم لأزيدنكم} [إبراهيم: 7] وما روي عن عطاء رحمه الله تعالى قال: "دخلت على عائشة رضي الله عنها فقلت: أخبرينا بأعجب ما رأيت من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فبكت ثم قالت: وأي شيء من شأنه لم يكن عجبًا؟ إنه أتاني في ليلة فدخل معي في فراشي، أو قالت: في لحافي: حتى مس جلدي جلده، ثم قال: يا بنت أبي بكر ذريني أتعبد لربي، قالت: فقلت: إني أحب قربك، ولكني أؤثر هواك، فأذنت له -صلى الله عليه وسلم- فقام إلى قربة من ماء، فتوضأ وأكثر صب الماء، ثم قام فصلى، فبكى حتى سالت دموعه على صدره، ثم ركع فبكى، ثم سجد فبكى، ثم رفع رأسه فبكى، فلم يزل -صلى الله عليه وسلم- كذلك حتى جاء بلال رضي الله عنه فأخبره بالصلاة، فقلت: يا رسول الله ما يبكيك وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال -صلى الله عليه وسلم-:


أفلا أكون عبدًا شكورًا؟ ولم لا أفعل، وقد أنزل الله عز وجل علي: {إن في خلق السموات والأرض} [البقرة:164] ".

وحقيقة الشكر عند أهل التحقيق: الاعتراف بنعمة المنعم على وجه الخصوص، وعلى هذا المعنى وصف الله تعالى نفسه بأنه الشكور توسعًا، معناه أنه يجازي العباد على الشكر، فسمي جزاء الشكر شكرًا، كما قال الله عز وجل: {وجزاء سيئة سيئة مثلها} [الشورى:4].

وقيل: حقيقة الشكر الثناء على المحسن بذكر إحسانه، فشكر العبد لله تعالى ثناؤه عليه بذكر إحسانه إليه، وشكر الحق سبحانه للعبد ثناؤه عليه بذكر إحسانه له، ثم إن إحسان العبد طاعته لله، وإحسان الحق سبحانه إنعامه على العبد، وشكر العبد على الحقيقة إنما هو نطق اللسان وإقرار القلب بإنعام الرب.

ثم الشكر ينقسم أقسامًا إلى:

شكر اللسان وهو اعترافه بالنعمة بنعمت الاستكانة.

وشكر بالبدن والأركان وهو اتصاف بالوفاء والخدمة.

وشكر القلب وهو انعكاف على بساط الشهود بإدامة حفظ الحرمة.

وقيل: شكر العينين أن تستر عيبًا تراه لصاحبك، وشكر الأذنين أن تستر عيبًا تسمعه فيه.

وفي الجملة الشكر ألا تعصي الله تعالى بنعمه.

ويقال: شكر هو شكر العالمين فيكون من جملة أقوالهم، وشكر هو شكر العابدين، فيكون نوعًا من أفعالهم، وشكر هو شكر العارفين، يكون باستقامتهم له عز وجل في عموم أحوالهم، واعتقادهم أن جميع ما هم فيه من الخير وما يظهر منهم من الطاعة والعبودة والذكر له عز وجل بتوفيقه وإنعامه وعونه وحوله وقوته عز وجل، وانعزالهم عن جميع ذلك والفناء فيه، والاعتراف بالعجز والقصور والجهل، ثم الاستكانة إليه عز وجل في جميع الأحوال.

وقال أبو بكر الوراق رحمه الله تعالى: شكر النعمة مشاهدة المنة وحفظ الحرمة.

وقيل: شكر النعمة أن ترى نفسك فيه طفيليًا.

وقال أبو عثمان رحمه الله تعالى: الشكر معرفة العجز عن الشكر.

وقيل: الشكر على الشكر أتم من الشكر، وذلك أن ترى شكرك بتوفيقه، ويكون ذلك التوفيق من أجل النعم عليك فتشكره على الشكر ثم تشكره على شكر الشكر إلى ما يتناهى.

وقيل: الشكر إضافة النعم إلى مولاها بنعت الاستكانة له.

وقال الجنيد رحمه الله تعالى: الشكر ألا ترى نفسك أهلاً للنعمة.

وقيل: الشاكر الذي يشكر على الموجود، والشكور الذي يشكر على المفقود.

وقيل: الشاكل الذي يشكر على النفع، والشكور الذي يشكر على المنع.

ويقال: الشاكر الذي يشكر على العطاء، والشكور الذي يشكر على البلاء.

ويقال: الشاكر الذي يشكر عند البذل، والشكور الذي عند المطل.

وقال الشبلي رحمه الله تعالى: الشكر رؤية النعم لا رؤية النعمة.

وقيل: الشكر قيد الموجود وصيد المفقود.

وقال أبو عثمان رحمه الله تعالى: شكر العامة على المطعم والمشرب والملبس وشكر الخواص على ما يرد على قلوبهم من المعاني قال الله عز وجل: {وقليل من عبادي الشكور} [سبأ: 13].

وقال داود عليه السلام: إلهي كيف أشكرك وشكري لك نعمة من نعمك؟ فأوحى الله تبارك وتعالى إليه: الآن قد شكرتني.

وقيل: إذا قصرت يدك عن المكافأة فليطل لسانك بالشكر.

وقيل: لما بشر إدريس عليه السلام بالمغفرة سأل الحياة، فقيل له: لم؟ فقال: لأشكره، فإني كنت أعمل قبله للمغفرة، فبسط الملك جناحه وحمله إلى السماء.


وقيل: مر بعض الأنبياء عليه السلام بحجر صغير يخرج من الماء الكثير، فتعجب منه، فأنطقه الله له، فسأله عن ذلك، فقال: منذ سمعت الله عز وجل يقول: {نارًا وقودها الناس والحجارة} [مريم: 6] فأنا أبكي من خوفه، فدعا ذلك النبي عليه السلام أن يجير ذلك الحجر من النار، فأوحى الله عز وجل إليه، إني قد أجرته من النار، فمر ذلك النبي، فلما عاد وجد الماء يتفجر منه أوفر مما كان قبل ذلك، فعجب، فأنطق الله


تعالى الحجر له، فقال له: لِمَ تبكي وقد غفر الله لك؟ فقال: ذلك كان بكاء الحزن والخوف، وهذا بكاء الشكر والسرور.

وقيل: الشاكر مع المزيد، لأنه في شهود النعمة، قال الله تعالى: {لئن شكرتم لأزيدنكم} [إبراهيم:7] والصابر مع الله لأئذ به تعالى لأنه في شهود المبلى، قال الله تعالى: {إن الله مع الصابرين} [البقرة: 153، والأنفال:46].

وقيل: الحمد على الأنفاس، والشكر على نعم الحواس.

وقيل في الخبر الصحيح: "أول من يدعى إلى الجنة الحمادون لله على ما صنع".

وحكي عن بعضهم أنه قال: رأيت في بعض الأسفار شيخًا كبيرًا قد طعن في السن، فسألته عن حاله، فقال: إني كنت في ابتداء عمري أهوى ابنة عم لي، وهي كذلك كانت تهواني، فاتفق أني تزوجت بها، فليلة زفافها قلت لها: تعالي حتى نحيي هذه الليلة شكرًا لله عز وجل على ما جمعنا، فصلينا تلك اللية ولم يفرغ أحدنا إلى الآخر، فلما كانت الليلة الثانية قلنا مثل ذلك، فمنذ سبعين سنة أو ثمانين سنة ونحن على تلك الحالة كل ليلة، أليس كذلك يا فلانة؟ فقالت العجوز: هو كما قال الشيخ.



.


رد مع اقتباس
قديم 08-04-2020, 01:08 PM   رقم المشاركة : 23
الكاتب

عمر نجاتي

الاعضاء

عمر نجاتي غير متواجد حالياً


الملف الشخصي









عمر نجاتي غير متواجد حالياً


رد: كتاب آداب المريدين




[(فصل) وأما الصبر]

فالأصل فيه قول الله عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون} [آل عمران: 200].

وقوله عز وجل: {واصبر وما صبرك إلا بالله} [النمل: 127].

وما روي عن عائشة رضي الله عنها، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "إن الصبر عند الصدمة الأولى".

وما روي "أن رجلاً قال: يا رسول الله ذهب مالي وسقم جسمي، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: لا خير في عبد لا يذهب ماله ولا يسقم جسمه، إن الله تعالى إذا أحب عبدًا ابتلاه، وإذا ابتلاه صبره".

وما روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "إن الرجل لتكون له الدرجة عند الله عز وجل لا يبلغها بعمله حتى يبتلي ببلاء في جسمه فيبلغها بذلك".

وما جاء في الخبر "أنه لما نزل قوله تبارك وتعالى: {من يعمل سوءًا يجز به} [النساء: 123] قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: يا رسول الله كيف الفلاح بعد هذه الآية؟ فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: غفر الله لك يا أبا بكر أليس تمرض؟ ألي يصيبك البلاء؟ أليس تصبر؟ أليس تحزن؟ فهذا ما تجزون به".

يعني أن جميع ما يصيبك يكون كفارة لذنوبك.

فالصبر على ثلاث أضرب:

أحدهما: صبر لله عز وجل، وهو على أداء أمره وانتهاء نهيه.

وصبر مع الله عز وجل، وهو الصبر تحت جريان قضائه وافعاله فيك من سائر الشدائد والبلايا.

وصبر على الله عز وجل، وهو الصبر على ما وعد من الرزق والفرج والكفاية والنصر والثواب في دار الآخرة.

وقيل: الصبر على قسمين:

أحدهما: صبر على ما هو كسب للعبد، وصبر على مال ليس بكسب له.

فالصبر على الكسب ينقسم على قسمين، أحدهما: على ما أمر الله به عز وجل، والثاني على ما نهاه عز وجل عنه.


وأما الصبر على ما ليس بكسب للعبد: فصبره على مقاساة ما يتصل به من حكم الله وقضائه فيما له فيه مشقة وألم في القلب والجسد.

وقيل: الصابرون ثلاثة: متصبر، وصابر، وصبار.

وقيل: وقف رجل على الشبلي رحمه الله تعالى فقال له: أي الصبر أشد على الصابرين؟ قال: الصبر في الله، فقال: لا، فقال: الصبر لله، قال: لا، قال: الصبر مع الله، قال: لا، قال: فأيش؟ قال: الصبر على الله، فصرخ الشبلي صرخة كادت روحه تتلف.

وقال الجنيد رحمه الله تعالى: السير من الدنيا إلى الآخرة سهم هين على المؤمن، وهجران الخلق في جنب الحق شديد، والسير من النفس إلى الله صعب شديد، والصبر مع الله أشد.


وسئل رحمه الله تعالى عن الصبر؟ فقال: تجرع المرارة من غير تعبيس.

وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد"، وقيل ذلك عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.

وقال ذو النون المصري رحمه الله تعالى: الصبر التباعد عن المخالفات، والسكون عند تجرع غصص البلية، وإظهار الغنى مع حلول الفقر بساحة المعيشة.

وقيل: الصبر الوقوف مع البلاء بحسن الأدب.

وقيل: هو الفناء في البلوى بلا ظهور شكوى.

وقيل: الصبر هو المقام مع البلاء بحسن الصحة، كالمقام مع العافية.

وقيل: أحسن الجزاء على العبادة الجزاء على الصبر ولا جزاء فوقه، قال الله تعالى: {ولنجزين الذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون} [النحل: 96]، وقال عز وجل: {إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب} [الزمر: 10].

وقيل: الصبر هو الثبات مع الله عز وجل، وتلقي أذية بلائه بالرحب والدعة.

وقال الخواص رحمه الله تعالى: الصبر الثبات مع الله تعالى على أحكام الكتاب والسنة.

وقال يحيى بن معاذ الرازي رحمه الله تعالى: صبر المحبين أشد من صبر الزاهدين، واعجبًا كيف يصبرون؟ وأنشد:

الصبر يحمل في المواطن كلها ... إلا عليك فإنه لا يحمل

وقيل: الصبر ترك الشكوى.

وقيل: هو الاستكانة والاستعاذة بالله عز وجل.

وقيل: الصبر كاسمه.

وقيل: الصبر هو ألا يفرق بين حال النعمة والمحنة مع سكون الخاطر فيهما، والتصبر

هو السكون مع البلاء مع وجدان أثقال المحنة



.


رد مع اقتباس
قديم 08-04-2020, 01:15 PM   رقم المشاركة : 24
الكاتب

عمر نجاتي

الاعضاء

عمر نجاتي غير متواجد حالياً


الملف الشخصي









عمر نجاتي غير متواجد حالياً


رد: كتاب آداب المريدين




[(فصل) وأما الرضا]

فالأصل فيه قول الله عز وجل: {رضي الله عنهم ورضوا عنه} [المائدة: 119، والتوبة: 100، والمجادلة:22، والبينة: 8].

وقوله تبارك وتعالى: {يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان} [التوبة: 21] الآية.

وروي عن ابن عباس بن عبد المطلب رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ذاق طعم الإيمان من رضي بالله عز وجل ربًا".

وقيل: كتب عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنهما: أما بعد، فإن الخير كله في الرضا، فإن استطعت أن ترضى وإلا فاصبر.

وروي عن قتادة رحمه الله تعالى في قوله عز وجل: {وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودًا} [النحل:58]، هذا صنيع مشركي العرب، أخبرنا الله عز وجل بخبيث صنيعهم. فأما المؤمن فهو حقيق أن يرضى بما قسم الله تعالى له، وقضاء الله عز وجل خير من قضاء المرء لنفسه، وما قضاء الله لك يا ابن آدم فيما تكره خير لك مما قضى الله عز وجل لك فيما تحب، فاتق الله تعالى وارض بقضائه، قال الله تبارك وتعالى: {وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئًا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون} [البقرة: 216].

يعني ما فيه صلاح دينكم ودنياكم، فالله عز وجل طوى عن الخلق مصالحهم وكلفهم عبوديته من أداء الأوامر وانتهاء المناهي، والتسليم في المقدور والرضا بالقضاء فيما لهم وعليهم في الجملة، واستأثر هو عز وجل بالعواقب والمصالح، فينبغي للعبد أن يديم الطاعة لمولاه، ويرضى بما قسم الله له ولا يتهمه.

واعلم أن تعب كل واحد من الخلق على قدر منازعته المقدور للقدر، وموافقته لهواه وترك رضاه بالقضاء، فكل من رضي بالقضاء استراح، وكل من لم يرض به طالت شقاوته وتبعه ولا ينال من الدنيا إلى ما قسم له، فما دام هواه متبعًا قاضيًا عليه فهو غير راض بالقضاء، لأن الهوى منازع للحق عز وجل، فتعبه متكاثف متزايد، فاستجلاب الراحة في مخالفة الهوى، لأن فيه الرضا بالقضاء بلا بد، واستجلاب التعب والنصب في موافقة الهوى، لأن فيه منازعة الحق عز وجل بلا بد، فلا كان الهوى، وإذا كان فلا كنا.

واختلف أهل العلم والطريقة في الرضا هل هو من الأحوال أو من المقامات؟

فقال أهل العراق: هو من جملة الأحوال، وليس هو كسبًا للعبد، بل هو نازلة تحل بالقلب كسائر الأحوال ثم تحول وتزول ويأتي غيرها.

وقال الخراسانيون: الرضا من جملة المقامات، وهو نهاية التوكل يعني يؤول إلى غاية ما يتوصل إليه العبد باكتسابه.

والجميع بينهما ممكن بأن يقال: بداية الرضا مكتسبة للعبد وهي من المقامات، ونهايته من جملة الأحوال وهي ليست بمكتسبة.

وفي الجملة الراضي هو الذي لا يتعرض على تقدير الله عز وجل.

وقال أبو علي الدقاق رحمه الله تعالى: ليس الرضا ألا تحس بالبلاء، إنما الرضا ألا تعترض على الحكم والقضاء.

وقد قالت المشائخ رحمهم الله تعالى: الرضا بالقضاء باب الله الأعظم وجنة الدنيا: أكرم من أكرم بالرضا فقد لقي بالرحب الأوفى، وأكرم بالقرب الأعلى.

وقيل إن تلميذًا قال لأستاذه: له يعرف العبد أن الله تبارك وتعالى راضٍ عنه؟ قال: لا، كيف يعلم ذلك، ورضاه غيب، فقال التلميذ: يعلم ذلك. فقال: كيف؟ قال: إذا وجدت قلبي راضيًا عن الله تعالى علمت أنه راض عني، فقال الأستاذ: لقد أحسنت يا غلام، ولا يرضى العبد عن الله حتى يرضى الحق جل جلاله عنه، قال الله عز وجل: {رضي الله عنهم ورضوا عنه} [المائدة: 119، والتوبة: 100، والمجادلة: 22، والبينة: 8] أي برضاه عنهم رضوا عنه.

وقيل: سأل موسى عليه السلام ربه عز وجل فقال: إلهي دلني على عمل إذا عملته رضيت عني فقال: إنك لا تطيق ذلك، فخر موسى عليه السلام ساجدًا متضرعًا، فأوحى الله عز وجل إليه يا ابن عمران إن رضائي في رضاك بقضائي.

وقيل: من أراد أن يبلغ محل الرضا فليلزم ما جعل الله عز وجل رضاه فيه.

وقيل: الرضا على قسمين: رضا به، ورضا عنه، فالرضا به مدبر، والرضا عنه فيما يقتضي حاكمًا وفاصلاً.

وقيل: الراضي أن لو جعلت جهنم عن يمينه ما سأل أن يحولها إلى يساره.

وقيل: الرضا إخراج الكراهية من القلب حتى لا يبقى إلا فرح وسرور.

وسئلت رابعة العدوية رحمها الله تعالى متى يكون العبد راضيًا بالقضاء؟ فقالت رحمها الله تعالى: إذا سر بالمصيبة كما يسر بالنعمة.


وقيل: قال الشبلي رحمه الله تعالى بين يدي الجنيد رحمه الله تعالى: لا حول ولا قوة إلا بالله، فقال الجنيد رحمه الله: قولك ذا لضيق صدر، وضيق الصدر لترك الرضا بالقضاء.

وقال أبو سليمان رحمه الله تعالى: الرضا ألا تسأل الجنة من الله ولا تستعيذ به من النار.

وقال ذو النون المصري رحمه الله تعالى: ثلاثة من علامات الرضا: ترك الاختيار قبل القضاء، وفقدان المرارة بعد القضاء، وهيجان الحب في حشو البلاء.

وقال أيضًا رحمه الله تعالى: هو سرور القلب بمر القضاء.

وسئل أبو عثمان رحمه الله تعالى عن قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أسألك الرضا بعد القضاء" قال: لأن الرضا قبل القضاء عزم على الرضا، والرضا بعد القضاء هو الرضا.

وروي أنه قيل للحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما: إن أبا ذر رضي الله عنه يقول: الفقر أحب إلى من الغنى، والسقم أحب إلي من الصحة، والموت أحب إلي من الحياة، فقال: رحم الله أبا ذر، أما أنا فأقول: من اتكل على حسن اختيار الله له لم يتمن غير ما اختار الله له.

وقال الفضيل بن عياض لبشر الحافي رحمهما الله تعالى: الرضا أفضل من الزهد في الدنيا؛ لأن الراضي لا يتمنى فوق منزلة، والذي قال الفضيل هو الصحيح، لأن فيه الرضا بالحال، وكل خير في الرضا بالحال، قال الله عز وجل لموسى عليه السلام: {إني أصطفيك على الناس برسالاتي وبكلامي فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين} [الأعراف: 144] أي ارض بما أعطيتك، ولا تطلب منزلة غيره، وكن من الشاكرين: يعني بحفظ الحال.



وكذلك لنبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-: {ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجًا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتهم فيه} [طه: 131] فأدب نبيه عليه الصلاة والسلام وأمره بحفظ الحال والرضا بالقضاء والعطاء بقوله تعالى: {ورزق ربك خير وأبقى} [طه: 131] أي ما أعطيتك من النبوة والعلم والقناعة والصبر وولاية الدين والقدوة فيه أولى مما أعطيت غيرك وأحرى، فالخير كله في حفظ الحال والرضا به، وترك الالتفات إلى ما سواه، لأنه لا يخلو إما أن يكون ذلك قسمك أو قسم غيرك، أو أنه لا قسم لأحد، بل أوجده الله تعالى فتنة.

وإن كان قسم غيرك فلا تتبع فيما لا تناله ولا يصل إليك أبدًا.

وإن كان ليس بقسم لأحد بل هو فتنة، فكيف يرضى العاقل ويستحسن اللبيب أن يطلب لنفسه فتنة ويستجلبها.

وقال قوم: الرضا بالقضاء هو أن يستوي عندك ما تحب وما تكره من قضائه عز وجل.

وقال بعضهم: هو الصبر على مر القضاء.

وقال آخر: هو طرح الكف بين يدي الله عز وجل والتسليم لأحكامه.

وقال آخر: هو إسقاط التخيير على المدبر.

وقال آخر: هو ترك الاختيار.

وقال بعضهم: أهل الرضا هم الذين قطعوا عن قلوبهم في الأصل الاختيار، فهم لا يختارون شيئًا من الأشياء مما تريد أنفسهم، ولا شيئًا مما يريدون به الله، ولا يسألونه ولا يطالعون حكمًا قبل نزوله، فإذا وقع حكم من الله حيث لا يتشوقون إليه ولم يطالعوه، رضوا به فأحبوه وسروا به.


وقال: إن لله عبادًا إذا وقع بهم الحكم من البلوى رأوه نعمة من الله عليهم، فشكروه عليها وسرّوا بها، ثم رأوا بعد سرورهم بالنعم أن اشتغالهم بالنعمة عن المنعم نقص، فاشتغلت قلوبهم بالمنعم عن النعم فكان البلاء جاريًا عليهم وقلوبهم غائبة عنه، فلما استوطنوا هذا المقام وداوموا عليه نقلهم مولاهم إلى ما هو أعلى لهم وأسمى من ذلك، لأن مواهبه عز وجل لا غاية لها ولا نهاية.

وأقل ما في الرضا بالقضاء أن ينقطع طمعه عما سوى الله عز وجل، وقد ذم الله عز وجل الطمع في غيره عز وجل، فروى عن يحيى بن كثير أنه قال: قرآن التوراة فرأيت فيها أن الله سبحانه وتعالى يقول: ملعون من كان ثقته بمخلوق مثله.

وروي في بعض الأخبار أن الله سبحانه يقول: وعزتي وجلالي وجودي ومجدي لأقطعن أمل كل مؤمل آمل غير باليأس، ولألبسنه ثوب المذلة بين الناس، ولأبعدنه من قربي، ولأقطعنه من وصلي، أيؤمل غير في الشدائد والشدائد بيدي وأنا الحي، ويرجى غيري ويطرق بالفكر أبواب غيري وهي مغلقة ومفاتيحها بيدي.

وروي في خبر آخر أن الله عز وجل يقول: ما من عبد يعتصم بي دون خلقي، أعلم ذلك من قلبه ونيته، فتكيده السموات والأرض ومن فيهن، إلا جعلت له من ذلك مخرجًا، وما من عبد يعتصم بمخلوق دوني، إلا قطعت أسباب السماء من فوقه، وأسخت الأرض من تحت قدميه، ثم أهلكه في الدنيا وأتعبته فيها.

وروي عن بعض الصحابة -رضوان الله تعالى عليهم أجمعين- أنه قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "من تعزز بالناس ذل".

وقيل: من اتكل على مخلوق مثله ذل، فكفاه الطمع بما يناله من اطلاع قلبه، وتشتت همه وذله ومسكنته، فقد اجتمع عليه أمران: ذل في الدنيا، وبعد من الله عز وجل بلا ازدياد في رزقه ذرة واحدة.

وقال بعضهم: لا أعرف شيئًا أضر على المريدين والطالبين من الطمع، ولا أخرب لقلوبهم ولا أذل لهم ولا أظلم لقلوبهم ولا أبعد لهم ولا أشد تشتيتًا لهمهم من الطمع، إنما كان ذلك كذلك لأنه أشرك بالله عز وجل حيث طمع في م خلوف مثله لا يملك ضرًا ولا نفعًا ولا عطاء ولا منعًا، فجعل ملك الملك المملوكة، فأنى يكون له ورع، فلا يتحقق ورعه حتى ينسب الأشياء إلى مالكها عز وجل، فيطلبها منه ولا يطلبها من غيره.

وقيل: الطمع له أصل وفروع، فأصله الغفلة وفرعه الرياء والسمعة والتزين والتصنع وحب إقامة الجاه عند الناس.

وقال عيسى عليه السلام للحواريين: الطمع القتول الموجى.


وعن بعضهم أنه قال: طمعت يومًا مرة في شيء من أمر الدنيا، فهتف بي هاتف وهو يقول: يا هذا إنه لا يحمد بالحر المريد إذا كان يجد عند الله كل ما يريد أن يركن بقبله إلى العبيد.

واعلم أن لله عبادًا يخفى عليهم الطمع فيمن يملك لهم ما فيه يطمعون حتى تكون الأشياء داخلة عليهم من حيث لا يطمعون، ويرون أن حالة الطمع نقص في الأحوال، وهو أدنى درجة من درجات العارفين من أهل التوكل، ولا يخطر على قلب مريد شيء من الطمع ويساكنه، إلا لأجل كمال البعد من الله عز وجل، حيث طمع في مخلوق مثله، وهو يرى أن مولاه مطلع عليه، ثم لم يحجزه الخوف من ذلك.



.


رد مع اقتباس
قديم 08-04-2020, 01:26 PM   رقم المشاركة : 25
الكاتب

عمر نجاتي

الاعضاء

عمر نجاتي غير متواجد حالياً


الملف الشخصي









عمر نجاتي غير متواجد حالياً


رد: كتاب آداب المريدين




[(فصل) وأما الصدق]

فالأصل فيه قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين} [التوبة: 119].

وما روي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "لا يزال العبد يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقًا، ولا يزال يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابًا".

وقيل: إن الله أوحى إلى داود عليه السلام: يا داود من صدقني في سريرته صدقته عند المخلوقين في علانيته.

واعلم أن الصدق عماد الأمر وبه تمامه وفيه نظامه، وهو ثاني درجة النبوة، وهو قوله عز وجل: {فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين} [النساء: 69].

والصادق هو الاسم اللازم من الصدق، والصديق هو المبالغة منه، وهو من تكرر منه الصدق فصار دأبه وسجيته، وصار الصدق غالبه، فالصدق استواء السر والعلانية، فالصادق هو الذي صدق في أقواله، والصديق من صدق في أقواله وجميع أفعاله وأحواله.


وقيل: من أراد أن يكون الله معه فليلزم الصدق، فإن الله مع الصادقين.

وقال الجنيد رحمه الله تعالى: الصادق ينقلب في اليوم أربعين مرة، والمرئي يثبت على حاله واحدة أربعين سنة.

وقيل: الصدق هو القول بالحق في مواطن الهلكة.

وقيل: الصدق موافقة السر بالنطق.

وقيل: الصدق منع الحرام من الشدق.

وقيل: الصدق الوفاء لله بالعمل.


وقال سهل بن عبد الله: لا يشم رائحة الصدق عبد داهن نفسه أو غيره.

وقال أبو سعيد القرشي رحمه الله تعالى: الصادق الذي يتهيأ أن يموت ولا يستحي من سره ولو كشف، قال الله تعالى: {فتمنوا الموت إن كنتم صادقين} [البقرة: 94، والجمعة: 6].

وقيل: الصدق صحة التوحيد مع القصد.

وقيل: حقيقة الصدق أن تصدق في موطن لا ينجيك منه إلا الكذب.

وقيل: ثلاثة لا تخطئ الصادق: الحلاوة، والهيبة، والملاحة.

وقال ذو النون رحمه الله تعالى: الصدق سيف الله في أرضه ما وضع على شيء إلى قطعه.

وقال سهر بن عبد الله رحمه الله تعالى: أول جناية الصديقين حديثهم مع أنفسهم.

وسئل فتح الموصلي رحمه الله تعالى عن الصدق، فأدخل يده في كانون الحداد وأخرج الحديد وهي تشتعل نارًا ووضعها على كفه حتى بردت وقال: هذا هو الصدق.

وسئل الحارث المحاسبي عن علامة الصدق، فقال: الصادق هو الذي لا يبالي لو خرج كل قدر له في قلوب الخلق من أجل صلاح قلبه، ولا يحب اطلاع الناس على مثاقيل الذر من حسن عمله، ولا يكره أن يطلع الناس على السيئ من عمله، فإن كراهته ذلك دليل على أنه يحب الزيادة عندهم، وليس هذا من أخلاق الصديقين.

وقال بعضهم: من لم يؤد الفرض الدائم لا يقبل منه الفرض المؤقت، قيل: ما الفرض الدائم؟ قال: الصدق.

وقيل: إذا طلبت الله بالصدق أعطاك مرآة تنظر فيها كل شيء من عجائب الدنيا والآخرة.



رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع تقييم هذا الموضوع
تقييم هذا الموضوع:

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:08 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.4, Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir