آخر 10 مشاركات
الخبيصه الاماراتيه (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 1 - المشاهدات : 12623 - الوقت: 09:09 PM - التاريخ: 01-13-2024)           »          حلوى المغلي بدقيق الرز (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 0 - المشاهدات : 7384 - الوقت: 03:16 PM - التاريخ: 12-11-2023)           »          دروس اللغة التركية (الكاتـب : عمر نجاتي - مشاركات : 0 - المشاهدات : 13267 - الوقت: 11:25 AM - التاريخ: 08-21-2023)           »          فيتامين يساعد على التئام الجروح وطرق أخرى (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 0 - المشاهدات : 14645 - الوقت: 08:31 PM - التاريخ: 07-15-2023)           »          صناعة العود المعطر في المنزل (الكاتـب : أفاق الفكر - آخر مشاركة : OM_SULTAN - مشاركات : 4 - المشاهدات : 48776 - الوقت: 10:57 PM - التاريخ: 11-06-2022)           »          كحل الصراي وكحل الاثمد وزينت المرأة قديما من التراث (الكاتـب : Omna_Hawaa - آخر مشاركة : OM_SULTAN - مشاركات : 2 - المشاهدات : 43838 - الوقت: 10:46 PM - التاريخ: 11-06-2022)           »          كيفية استخدام البخور السائل(وطريقة البخور السائل) (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 2 - المشاهدات : 36045 - الوقت: 10:36 PM - التاريخ: 11-06-2022)           »          جددي بخورك (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 0 - المشاهدات : 20856 - الوقت: 10:25 PM - التاريخ: 11-06-2022)           »          عطور الإمارات صناعة تراثية (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 0 - المشاهدات : 21122 - الوقت: 10:21 PM - التاريخ: 11-06-2022)           »          خلطات للعطور خاصة (الكاتـب : أفاق : الاداره - آخر مشاركة : OM_SULTAN - مشاركات : 1 - المشاهدات : 27061 - الوقت: 10:12 PM - التاريخ: 11-06-2022)

إضافة رد
 
أدوات الموضوع تقييم الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 04-30-2010, 02:37 PM   رقم المشاركة : 1
الكاتب

أفاق الفكر

مراقب

مراقب

أفاق الفكر غير متواجد حالياً


الملف الشخصي








أفاق الفكر غير متواجد حالياً


معارك الحجاب.. وصعود نجم الحشمة



معارك الحجاب.. وصعود نجم الحشمة


Cant See Images
قطعة القماش التي تثير صراع الهويات

الوقت - غسان الشهابي - نادية الملاح:
ربما لم تلعب قطعة من القماش دورا في التاريخ مثلما لعبه ‘’الحجاب’’ وأيضا مثلما لعبته كوفية الراحل ياسر عرفات. وإذا كانت كوفية عرفات جسدت هوية وطنية في البداية، فقد تحولت مع تراكم النضال الفلسطيني وامتداده الكوني إلى هوية عالمية، إذ أصبحت رمزا لأكثر الطموحات الراديكالية التي تعبر عنها أجيال من شبان أوروبا والعالم الذين راحوا يطوقون أعناقهم بالكوفية الفلسطينية.

لقد اختزلت كوفية عرفات لأجيال في أوروبا حلم الثورة في مجتمعات الغرب الصناعي، فراح أنصار البيئة ومناهضو العولمة وحتى الثوريون الراديكاليون يتزينون بالكوفية الفلسطينية، مثلما راح الزعماء وقادة الدول والخطباء في منطقتنا يتزينون بها كلما فاض الدم الفلسطيني في دورة جديدة من ‘’الهولوكوست’’ الفلسطيني. لكن الحجاب يبدو أكثر تعقيدا من هذا وأبعد منه على رغم الجذر المشترك لهذه الأهمية الاستثنائية لكلا قطعتي القماش: أيقونة للهوية. لقد غدا الحجاب أيقونة من إيقونات الهوية.

فإذا كان القرن العشرين الذي شهد التحولات الكبرى، وتطبيق الأفكار والنظريات التي امتدت جذورها إلى القرن الذي سبقه، قد أيقظ في عقوده الثلاثة الأخيرة من نزعات، فلن تكون سوى نزعة واحدة ستمتد آثارها حتى السنوات الأولى من الألفية الثالثة للميلاد: نزعات الهوية.

لقد عادت الهويات لتعبر عن نفسها بكل الأشكال السلمية منها والعنيفة، وراحت النزاعات تنفجر في كل مكان من العالم الذي أيقن ان الهويات التي تم طمسها أو تحجيمها أو تذويبها باتت تضع كل منظومات القيم التي سادت العالم باتت أمام امتحان عسير، فقرننا العشرين ذاك اختتم سنواته الأخيرة بمقال صغير سوف يجري تعميمه لاحقا وترميم مفاهيمه ليصيغ العلاقات بين الأمم فيما بعد في نظرية أطلق عليها: صراع الحضارات.

في هذا الخضم، لسوف تلعب قطعة من القماش منذ وقت مبكر جدا دورا أكثر من استثنائي في صراع هويات متشابك سيأخذ بتلابيب المجتمعات العربية: أيديولوجي وسياسي. فالحجاب في المجتمعات العربية بات أكثر من التزام ديني ورمزا للورع، بل تحول إلى أيقونة هوية تستند إلى منظومة متكاملة من التعاليم والطموحات الدينية والسياسية والثقافية، وهو بهذا تحول الى أكثر من إعلان هوية. لقد تحول إلى حد فاصل بين هويات وجدت نفسها في صدام سيستنزف المجتمعات العربية عقودا طوال حتى اليوم. وفيما بعد، سيصبح للحجاب بعده الكوني أيضا، لقد بات أيضا في صميم معركة الهوية في مجتمعات الغرب التي وجدت منظوماتها السياسية والدينية والثقافية على تماس مع هذه الأيقونة وكامل الثقافة والمفاهيم التي يمثلها الحجاب. هل هي قطعة القماش التي تستثير صراع الهويات هذا بكل أبعاده الأيديولوجية والسياسية؟ قطعا لا.

هذه الحلقات محاولة لاستقراء تاريخ الحجاب ومعاركه ومعاركه الصغيرة في الصراع الذي مازال يستنزفنا كما لم يستنزفنا صراع آخر.

فتيات في أوائل أعمارهن.. في النصف الثاني من سبعينات القرن الماضي، قليلة أعدادهن، يمشين بخفر وزيادة بعض الشيء، وجوههن إلى الأرض، يرتدين على رؤوسهن قطعاً من القماش الغريب عن الوسط الذي أتين منه، يصطنعن لهن سمتاً جديداً لم يكن معروفاً في مجتمع البحرين في ذلك الوقت.

في ذلك القرن الذي شهد التحولات الكبرى، وتطبيق الأفكار والنظريات التي امتدت جذورها من القرن الذي سبقه، قرن لا يشبهه قرن في التاريخ، تم توثيقه كما لم يوثق قرن مضى بالكلمة والصورة الثابتة والمتحركة، حدث ابتذال بصري في ذلك القرن الذي اختلطت فيه الرغبات الإنسانية من كل فجّ.. مدارس وقيم وأفكار ومناهج تطيح ببعضها البعض، لا يكاد يثبت منها شيء.. الحرب الكونية التي أصبحت ‘’بروفة’’ لحرب أكبر منها، بدايات ونهايات للكثير من اليقينيات، احتفاء بالمحسوس وانحسار وتوارٍ للقيم الروحية.. إسراف إلى حد البذخ لطمأنة النفس وإبعاد مخاوفها، كمن يمشي في دهليز مظلم ويصفر بأعلى صوته ليبعد الخوف عن نفسه.. الدماء والدمار اللذان حاقا بأطراف العالم.. الانقلابات العلمية المتتالية، ونهوض وسقوط الأمم.. قرن لم يكن ليتماثل مع باقي القرون، بات فيه كل شيء سريعاً إلى حد الكآبة، بعدما كان البطء المفرط جالباً لكآبة من كانوا في القرون السالفة، الحصول على كل شيء ولا شيء، والرغبات المدمرة في الامتلاك.. قرن شهد الفوارق الأساسية بين الأمم، والهوّات التي تفصل الشمال عن الجنوب بعدد من السنين الضوئية.. قرنٌ أكمل العمليات الحسابية لتراكمات آلاف السنين، لتستقر معه القوانين الأساسية للعبة الدولية، وتتسابق فيه المدنيات الكبرى سقوطاً واعتلاء على عرش تسيير الدفة..

في هذا الخضم كله، تأتي فتيات قليلة أعدادهن، يرتدين قطعاً من القماش على رؤوسهن، النظرات الموجهة إليهن تمتزج استغراباً واستهجاناً، وما تلبث أن تتحول إلى سخرية مريرة من هذا الملبس الجديد.. إنهن المتحجبات الأول في البحرين.

بعد سنوات قليلة، لم يعد الحجاب أمراً يهم الناس ولا يثير فضولهم، فقد غدت الغالبية من النساء يرتدينه.. تداخلت في هذا الأمر من العوامل الشيء الكثير، لكن قطعة القماش هذه ظلت مدار الكثير من الحوارات في الدول العربية والإسلامية والغربية المسيحية والعلمانية على السوية.. لا يكاد يخلو عام لا تمر فيه قضية الحجاب بمفصل من المفاصل التي تثور لتهدأ عما قليل، يسير القانون الغربي، والعربي الإسلامي أيضاً غير عابئ، لتنتقل القصة من طور إلى طور آخر، لكنها لا تنتهي. لم يكن الحجاب ‘’موضة’’ ولم يصبح صرعة من الصرعات، ظهر في السبعينات وها هو ذا يمتد حتى مطالع القرن الحادي والعشرين.. تحول وتبدّل وتزايد من حوله المؤيدون والمعارضون، يقال أحياناً إنه قصة قديمة، ولكنها تطفو على السطح في كل حين.

الحجاب في الأروقة العربية الإسلامية

إذا كانت تصريحات وزير الثقافة المصري فاروق حسني في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي بوصفه الحجاب ‘’ردّة إلى الماضي وعودة إلى الوراء’’، ذلك لأنه لم يكن مقبولاً مصرياً ولا عربياً ولا إسلامياً أن يصدر هذا التصريح من وزير مصري، وإن كانت دول عربية أخرى (تونس) قد سبقت تصريحات الوزير حسني، ولكنها لم تجلب كل هذه الجلبة لها.

رمضان تونسي ساخن

فقد شهد رمضان تونس الماضي، حملة رسمية اشترك فيها الرسميون من أعلى السلطات، وكذلك علماء دين في مسألة الحجاب، فقد تم التضييق على طالبات متحجبات مع بداية العام الدراسي في سبتمبر/أيلول الماضي، وأخذ الأمر منحى تصاعدياً حتى رمضان، حيث ظهرت المسألة إلى العلن لأول مرة في تصادم الإرادات بين الطالبات وسلك الدولة، تبدّت من خلال ما يسمى بـ ‘’مسامرة رمضانية’’ تحدثت عن ‘’الحفاظ على الأصالة والهوية الوطنية’’ وكانت في 4 أكتوبر/تشرين الأول الماضي برعاية ‘’التجمع الدستوري الديمقراطي’’ (الحزب الحاكم)، وكان تصريح أمين عام الحزب الهادي مهني صريحاً في توضيح فكرة المؤسسة الحاكمة وموقفها من الحجاب بقوله ‘’إذا قبلنا اليوم الحجاب فقد نقبل غدا أن تحرم المرأة من حقها في العمل والتصويت وأن تمنع من الدراسة وأن تكون فقط أداة للتناسل وللقيام بالأعمال المنزلية’’.

وصف مهني الحجاب بأنه ‘’تستر بالدين لخلفيات سياسية’’ وأن التصدي للحجاب يأتي دفاعاً عن الدين الإسلامي نفسه، وعن حق أجيال تونس الحاضرة والآتية للحفاظ على أصالتها وتقاليدها.
مهني كان قد أبدى استغرابه من الحجاب في تونس؛ لأنه يعده من بين الظواهر المجتمعية الغريبة عن دينهم وأصالتهم وهويتهم وعن تقاليدهم وأنماط عيش أبنائهم وأجدادهم (...) ظواهر لا علاقة لها بالإسلام الحق الذي دعا إلى إعمال العقل والاجتهاد والسعي وراء العلم والحداثة والسمو بالإنسان إلى أعلى درجات الفكر المتحضر والمستنير’’. قد تبدو قصصاً أليفة إلى القارئ المتابع أن تُحرم طالبة متحجبة من التسجيل في المدارس الحكومية، وإجبارهن على التوقيع على تعهد بعدم العودة إلى المدرسة بالحجاب، فهذه القصص بدأت تنتشر منذ مدة في أوروبا، وفي فرنســا تحديداً، ولكن هذا ما حدث في تونس في بداية هذا العام الدراسي. ولكون المدارس من المؤسســات العامة، فإن مذكرة صدرت تحت رقم (108) في تونس العام 1981 يُمنع - بموجبها - ارتداء الحجاب في المؤسسات العامة.

يرى الفرقاء التونسيون هذا الأمر على أنه صدّ للتغلغل الإسلامي المسيّس في المجتمع أحيانا، ويرى آخرون أنه انتهاك صارخ للحرية الشخصية التي تبيح للفرد أن يقصّر ملابسه/ملابسها إلى حدود كبيرة، بينما يمنع إطالتها وتكاثفها على الجانب الآخر.

تبدو تونس أكثر بلدان المغرب العربي حزماً (تشدداً ربما) تجاه الحجاب عموماً، ففي نوفمبر/تشرين الثاني 2006 دارت مناقشات كثيفة في المغرب نتيجة لما قيل عن منع الخطوط المغربية للصلاة في الشركة، وعدم إقرار الشركة الحجاب لمن ترغب من الموظفات، وإفطار طاقم الضيافة على الطائرات في رمضان وتقديم المشروبات الكحولية أثناء الرحلات.. فقد برر المسؤولون كل ذلك بأن الصلاة منعت لئلا يتعطل سير العمل، وإن أقرت في مساجد المملكة لمن أراد، وأن الزي الموحد هو الذي يجب أن يسود بين المضيفات، وألا يؤخذ رأي الأقلية عوضاً عن رأي الغالبية في هذا الشأن، كما أن إفطار الطاقم يأتي من رخصة السفر، وتقديم المشروبات الكحولية من سياق عدم التخلف عن منافسة شركات الطيران الأخرى.. أي أن الرأي الرسمي لم يكن معارضاً لمسألة الحجاب.

لم تكن تركيا - من جانبها - بمنأى عن ذلك، فهي الدولة التي تقوم على العلمانية تشهد - لا تزال - مظاهرات واحتجاجات متفرقة بسبب القرار الذي اتخذته الدولة - بضغوط من الجيش - لمنع النساء المتحجبات من الانتظام في الدراسة في الجامعات، لاسيما أن الأوساط الموالية للعلمانية في تركيا ترى في ارتداء الحجاب الإسلامي مؤشرا على دعم الإسلام السياسي. هل هو الخوف من السياسي داخل العباءة الإسلامية، أم من الإسلامي الذي يريد مداعبة السياسة؟

وفي هذا الإطار تبدو قصة مروة قاوقجي [1] مثيرة للاهتمام من قبل أتباع المذهبين المتناقضين في شأن الحجاب، فكلٌّ منهما له من الحجج ما يمكن أخذه ودفعه، وليس هنا مكان المقارنة بين المنطق لدى كلا الفريقين.

حجاب الرأس ورأس الحجب

يمكن التأريخ لصدام الحجاب بالرأي الرسمي عموماً في العالم بما جرى في فرنسا منذ العام ..1989 فبدأت قصة الحجاب في فرنسا التي ترفع شعار الحرية والإخاء والمساواة في ذلك العام عندما أصرت ثلاث طالبات في منطقة (كخاي) في باريس على ارتداء الحجاب داخل الثانويات. وبعد جدل عميق بين مختلف القوى السياسية صادقت حكومة الرئيس جاك شيراك على مشروع القانون الذي يحظر ارتداء الزي الإسلامي في المدارس العامة في السادس من ديسمبر/كانون الأول .2003 [2]

لم يتوقف الأمر عند الطالبات المسلمات في فرنسا عن هذا الحد، بل وربما كانت هذه الحادثة مدعاة للبعض منهن للمزيد من العناد للفت النظر ومحاولة تثبيت ألا إكراه في لبس الحجاب، ولا إكراه في نزعه أيضاً، وأنه لا يتصادم مع القيم العلمانية للدولة.. ظلت الفتيات المؤمنات بالحجاب في فرنسا في حال استنفار من الدرجة الأولى، وكانت الاحتكاكات بالإدارات المدرسية في الأساس هي ما يحكم هذه العلاقة.. تسير الفتيات هناك كما لو كنّ لم يسمعن ما حلّ بزميلاتهن قبل سنوات، ولا بالقانون الذي يحظر عليهن ارتداء الزي الإسلامي في المدارس العامة.

‘’فتاتان مثل الأخريات’’، كان عنوان كتاب أعدته صحافيتان فرنسيتان في شأن طالبتين فرنسيتين مسلمتين هما ليلى ولمعى، هذا الكتاب الذي صدر في فبراير/شباط من العام 2004 يروي قصة الطالبتين اللتين أمرهما ناظر ثانوية ‘’هنري والون’’ بمنطقة أوبرفيلي (شمال باريس) بالتنحي جانباً عن بقية الطلبة بغية عرضهما على مدير المدرسة لارتدائهما الحجاب.

في مقدمة الكتاب الصادر عن دار نشر فرنسية تقول الصحفيتان فرينيك جيرود وياف سانتيمور إن الكتاب ‘’عبارة عن رؤية أخرى لقضية الحجاب من وجهة نظر من ترتدينه والمدافعات عنه -أو بالأحرى ضحايا الحملة التي شنت ضده- فهو يعتبر وثيقة تدعو الفرنسيين إلى فهم الظاهرة قبل محاكمتها’’. [3]
كالأخريات

أكثر ما في الأمر طرافة أن الكتاب يروي قصة فتاتين متحجبتين، وهما من أب فرنسي يهودي الديانة وأم قبائلية جزائرية، وقد انفصل الوالدان، وبقيت الفتاتان مع والدهما اليهودي (العلماني) واختارتا الحجاب عن قناعة كما تقولان في الحوارات الطويلة التي كانت المادة الأساسية للكتاب.. على إثر تلك الحادثة التي أخذت بعداً إعلامياً كبيراً على مستوى العالم، والتعليقات التي نالها نشر الموضوع أينما كان في فرنسا، عاد البرلمان الفرنسي لمناقشة مسألة الرموز الدينية، فصوّت بالغالبية في العاشر من فبراير/شباط من العام ,2004 على قانون يحظر ارتداء الرموز الدينية في المدارس والمصالح الحكومية إثر خطاب للرئيس الفرنسي جاك شيراك يوم 17-12-2003 وتقرير أعدته لجنة برنار ستاسي أكد أن الكثير من الفرنسيات من أصول مسلمة يرتدين الحجاب بضغوط من الوسط العائلي، والمفترض حماية تلك الفتيات عن طريق سن قانون يؤكد أيضا علمانية المدارس.


يكشف كتاب ‘’فتاتان مثل الأخريات’’ عن فهم منفتح لليلى ولمعى للدين الإسلامي على رغم حداثة السن لكلتيهما، قالتا رأييهما في تبديل زميلاتهما للمحبين والعاشقين بسرعة تبديل الفساتين، وقالتا إن الجنس قبل الزواج محرم في الإسلام، ولكنه لا يُلزم به إلا من كان مسلماً.. ولكن حتى ذلك لم يحل دون طردهما من المدرسة.. فصار القماش رمزاً وتخطى وظائفه، ومحرَّضاً، وساحة للخلاف، ومحفزاً على إصدار القوانين، وداعياً لكل هذا اللغط من أجل نزعه أو تثبيته.

ما استجابت الإسلاميات للأمر بسهولة في فرنسا، ولم يستجب لهن القانون والتشريعات، وبعد أن كان الأمر وجهات نظر مختلفة بات حقيقة واقعة هناك في بلد يقطنه أكثر من مليوني مسلم من أصول عربية وآسيوية في الغالب، وهذه الحقيقة مدّعمة بسلطة القانون الذي على الفرنسيين - أيّاً كانت جذورهم - احترامه والرضوخ له.

حجاب قاوقجي في هارفارد.. لا في اسطنبول

ولدت التركية مروة قاوقجي في أنقرة (1968) ودرست في بلدها وواصلت دراستها في الولايات المتحدة، عاشت مع والديها هناك لتعرضهما للمضايقات (كما يدّعيان) بسبب عدم التزامهما بما تقوله الدولة التركية من ناحية الدين، فهاجرا العام .1986

بعد عودتها من الولايات المتحدة، انخرطت قاوقجي في ‘’حزب الفضيلة’’ (حزب الرفاه سابقاً) بقيادة نجم الدين أربكان، وانتخبت عضواً في البرلمان التركي عن مدينة اسطنبول، لتكون أول نائبة متحجبة في البرلمان التركي، فاضطرت لاصطحاب أقاربها في كل تحركاتها ليذبوا عنها الأذى الذي يلحق بحركتها العلنية مذ ذاك.

السياسي التركي المخضرم بولنت أجاويد، حاول مراراً تمرير اقتراح باستثناء قاوقجي من حضور جلسات البرلمان، وأن يخصص لها مكتب منفصل عن القاعة الرئيسة ما دامت ترتدي حجاباً.. عندما دخلت قاوقجي القاعة لأداء القسم، حدث هرج كبير هناك: فحزبها قابلة بعاصفة من التصفيق والتشجيع، بينما صاح نواب اليسار الديمقراطي ونواب الحركة القومية بصوت واحد ‘’أخرجي.. أخرجي.. أو لتنزعي حجابك’’. بحجة معاداتها للعلمانية.

لم تتم الجلسة في ذلك اليوم، الرئيس التركي اعتبر أن قاوقجي هي السبب في توتير الجلسة، فتقرر ألا تدخل القاعة وألا تؤدي اليمين.. اعتبرت قاوقجي ما حدث استخفافاً بإرادة الشعب الذي اختارها من بين نساء تركيا اللاتي قالت عنهن أن ثلاثة أرباعهن متحجبات، ولم تدم مدة بقائها نائبة في البرلمان إلا 11 يوماً.

حظيت قاوقجي بشهرة إسلامية واسعة، المعارضون في كفة في مقابل كفة المساندين، وجرت باسمها الكثير من المقالات من الجانبين، كان كل من الحجاب والعلمانية في مواجهة. وعلى رغم أن القانون التركي يسمح بازدواج الجنسية، وأن عدداً كبيراً من النواب الأتراك لديهم جنسيات أخرى غير جنسية بلدهم الأم، إلا أن تحركات السلطات التركية كانت في اتجاه إسقاط الجنسية عن قاوقجي، فساد القلق أوساط الأتراك الأميركيين الذين وجهوا سؤالاً إلى رئيس الوزراء أجاويد لدى زيارة له لواشنطن عما إذا كانت ستسقط جنسياتهم هم أيضاً، فقال ‘’لا، لقد أسقطت الجنسية التركية عن قاوقجي بسبب وضعها الخاص’’.

عادت قاوقجي إلى الولايات المتحدة لتواصل دراستها في جامعة هارفرد التي درّست فيها لاحقاً، وتعمل حالياً أستاذاً في كلية العلاقات الدولية في جامعة جورج واشنطن، وتكتب مقالات منتظمة في إحدى المجلات التركية في اسطنبول.

ما قاله وزير الثقافة المصري
نقلت وسائل الإعلام العالمية ما قالت إنه تصريحات صحافية لوزير الثقافة المصري فاروق حسني وصف فيها ارتداء المرأة المصرية للحجاب بأنه ‘’عودة إلى الوراء’’.

وكانت قناة ‘’الجزيرة’’ الإخبارية وموقع ‘’راديو سوا’’ على الانترنت قد أبرزا تصريحات حسني لصحيفة ‘’المصري اليوم’’ المستقلة قال فيها ‘’إننا عاصرنا أمهاتنا وتربينا وتعلمنا على أيديهن عندما كن يذهبن إلى الجامعات والعمل دون حجاب، فلماذا نعود الآن إلى الوراء؟!’’.

وأضاف أن ‘’النساء بشعرهن الجميل كالورود التي لا يجب تغطيتها وحجبها عن الناس’’.

تتمة الموضوع

Cant See Links

بوابة المرأة
Cant See Links

الحجاب وصحف العالم
Cant See Links



التوقيع :




لا اله الا الله رب السموات السبع ورب العرش العظيم








رد مع اقتباس
قديم 04-30-2010, 02:49 PM   رقم المشاركة : 2
الكاتب

أفاق الفكر

مراقب

مراقب

أفاق الفكر غير متواجد حالياً


الملف الشخصي








أفاق الفكر غير متواجد حالياً


رد: معارك الحجاب.. وصعود نجم الحشمة


الحلقة الثانية

بعــد 11 سبتمــبر.. أغطيـــة الرأس تفضـي للكراهيــة


بقيت فرنسا في بؤرة الدول الغربية التي شهدت صراعات الحجاب على امتداد أوروبا، على رغم أن هناك عدداً من الدول الأوروبية التي أخذت فيها هذه الحوادث الخاصة بالعاملات في القطاع العام أو الطالبات في المدارس العامة، ولكنها لم تكن بالحدة ذاتها التي كانت في فرنسا، فللقرب الجغرافي الفرنسي، والارتباطات العربية الإسلامية بفرنسا عموماً، أضحت فرنسا أكثر الدول وضوحاً في موقفها من الحجاب الإسلامي، الذي مدّته - تالياً - إلى كل الرموز الدينية الواضحة بحسب ما جاء في القانون الصادر في العام .2004 قبلها بعام، تزامنت قصة الطالبتين ليلى ولمعى مع إقرار محكمة ألمانية في 23 سبتمبر/أيلول 2003 بحق إحدى المعلمات المسلمات من أصل أفغاني في مدرسة حكومية، بلبس الحجاب بعد أن منعت من ذلك في فترة قبلها. وكانت الفرنسية الجزائرية الأصل دليلة طاهري (34 عاماً) قد فصلت من شركة ‘’إس. آر تيلي بيرفورمانس’’ للهواتف في يوليو/تموز ,2002 وعادت في ديسمبر/كانون الأول بحكم قضائي، وفي جعبتها تعويض بألف يورو، عوضاً عن الفصل التعسفي، كما جاء في منطوق الحكم.

كانت طاهري قد رفضت كشف شعرها ورقبتها بأمر من رئيسها، ورفضت وصفه بأن الحجاب يقلل من شأن المرأة. قالت في مقابلة معها للتلفزيون الفرنسي بعد الجلسة ‘’بالنسبة لي، المرأة والرجل متساويان، ويجب أن تتمكن المرأة من العمل وتشارك في المجتمع الذي تعيش فيه’’.

حينها، رأى مراقبون أن هذه القضية أتت في سياق محاولة الدولة العلمانية - التي تقطنها غالبية كاثوليكية - تحسين العلاقات مع خمسة ملايين مسلم من سكانها. وقال تينو غرومباش محامي طاهري ‘’إن هذا يثير تساؤلات عما إذا كان ذلك مؤشراً على تحول في المناخ العام للشركة التي سمحت بالحجاب ثم غيرت رأيها بعد 11 سبتمبر/أيلول’’.

ألمانيا في ظل التناقضات
لكن هذا لا يعني أن ألمانيا متسامحة مع الحجاب، أو أن فرنسا وحدها التي لها رأي مناهض له. ففي ألمانيا يدور جدل كثيف في هذه القصة أيضاً، وربما دخول النائبة إلى البرلمان الألماني والمنتمية لحزب الخضر إكين ديليغوز، وهي من أصول تركية في هذا الأمر في مسألة مناهضة الحجاب، قد استوجب عليها غضب الجمعيات الإسلامية في ألمانيا، وقيل إنها تلقت تهديدات بالتصفية الجسدية من قبل المتشددين إن هي بقيت على موقفها المناهض لارتداء المسلمات الحجاب، فيما نفت النائبة الألمانية الاتهامات بسعيها لإثارة الجدل في هذا الموضوع من أجل لفت نظر الرأي العام العالمي لها وتعزيز شعبيتها.

ديليغوز لها رأي يقول إن الحجاب رمز لقمع المرأة ونوع من الوصاية الرجالية عليها، وسبق لها أن قالت للمحطة التلفزيونية الألمانية الأولى (ARD) إن النقاش المثار بشأن الحجاب هو نقاش بمنتهى الموضوعية ولا يحمل معاني التحريض أو الإهانة. وفي هذا الإطار دعت للحرص على عدم اصطدام الحرية الدينية للفرد مع حريته في التعبير عن رأيه. وقالت إنه على رغم التهديدات بالقتل التي تلقتها من مجهولين، فإنها ليست خائفة، لأنها تدافع عن شيء ثمين، ‘’إنها الحرية’’.

وكما كان متوقعاً، فقد حظيت النائبة المسلمة المناهضة للحجاب بتأييد عارم في ألمانيا خصوصاً بعدما سرت أخبار التهديدات الموجهة إليها، ومن جملة من ناصروها أيضاً المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا الذي قال عضوه منير عزاوي، إنه يقف إلى جانب ديليغوز، معرباً - في الوقت نفسه - عن تشبثه بضرورة احترام حرية التعبير في ألمانيا، لأنها تعد أمرا بديهيا. غير أن المجلس حرص - على رغم تعاطفه مع النائبة البرلمانية - على توضيح موقفه المعارض لدعوتها النساء المسلمات في ألمانيا إلى خلع الحجاب.

تصريحات النائبة البرلمانية وردود الفعل التي أتت على خلفيتها، أحييا الجدل مجددا في ألمانيا بشأن التسامح والرموز الدينية ومعايير حرية المرأة في المجتمع الألماني. عدد من مسلمي ألمانيا وأوروبا عامة يُبدون تحفظاتهم تجاه هذا الجدل ويعتبرون محاولات منع الحجاب تمييزا ضدهم ووليد أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول. وتحاول بعض الفتيات المسلمات التأكيد أن ارتداءهن الحجاب لم يأت نتيجة ضغوط أو قمع يتعرضن له.

وتؤكد إحدى الفتيات المسلمات من مدينة برلين في هذا الصدد أنها مرت بعدة فترات في حياتها كانت ترتدي خلالها الحجاب وتخلت عن ارتدائه في فترات أخرى، غير أنها ترتديه اليوم عن قناعة ذاتية وبمحض إرادتها لأسباب عقائدية. أما بالنسبة إلى فتاة مسلمة أخرى فلا يتعدى الحجاب بالنسبة إليها كونه رمزاً دينياً، فهو يمثل جزءاً من الحرية ويخول لها حرية التحرك دون إزعاج خارج دائرة المحيط الأسري. ونفت تلك الأحكام المسبقة التي تدعي أن المرأة المسلمة لا تواكب موضة العصر، مشيرة إلى أن عددا كبيرا من الفتيات المسلمات في أوروبا يرتدين آخر ما أنتجته دور الأزياء المشهورة. إلا أن هناك مؤشرات ليست بالقليلة على أن ارتداء هذه المناديل على الرؤوس ليس مرغوباً به في القارة الأوروبية تحديداً، وليس هناك كبير تسامح كما كان الوضع من قبل، فقد انهارت الكثير من الحُجُب بانهيار برجي التجارة العالميين في الولايات المتحدة، ولم يتوقف رد الفعل حينها على تدمير ‘’القاعدة’’ وتشتيت طالبان في أفغانستان، وتطويق العراق من كل نواحيه، فقد امتدت النظرة إلى أوروبا أيضاً.

العلمانية والنظرة العربية الإسلامية الغربية للحجاب

كلما احتدم الجدل في مسألة الحجاب في الدول الغربية ثارت الحجج نفسها تقريباً بين الطرفين، فالطرف الآخذ برأي العلمانية كما تؤمن بها فرنسا يردد الأمثلة الفرنسية ومنطلقاتها، إذ تقول الحكومة الفرنسية إن الغرض من القانون المانع للبس أي رمز واضح لأية ديانة في المدارس هو الالتزام بمبدأ العلمانية داخل المؤسسات التعليمية، المبدأ الذي يعني هنا حياد المدرسة وعدم السماح فيها بالدعاية لأي دين كيفما كان. ويرد المعارضون، من الجاليات العربية والإسلامية في فرنسا، أن هذا القانون يتناقض مع مبدأ آخر في العلمانية وهو الحرية الشخصية، وهي جانب أساسي في الحقوق الديمقراطية التي تكفلها الدولة العلمانية، ما دامت الحرية الشخصية لا يترتب عنها ضرر ما بالمجتمع ولا بالأفراد.

ولبس الحجاب من هذا القبيل، وإذن، فمنع الحجاب في المدارس بدعوى احترام مبدأ العلمانية تدبير يتناقض مع العلمانية ذاتها، مع أسسها ومبادئها. ومعنى ذلك أن السبب الحقيقي الذي يقف وراء الرغبة في منع الفتيات المسلمات من لبس الحجاب في المدارس شيء آخر غير الحرص على تطبيق مبادئ العلمانية. [1].

هذه المبادئ التي بدأت في الغرب في منتصف القرن السابع عشر، انتقلت متأخرة - كالعادة - فلقيت تفسيرات مختلفة في القرن العشرين تفاوتت بين المقترب منها والمبتعد، والقابل بها والنافر منها، حتى باتت العلمانية وصمة عار أحياناً لمن يدّعيها أو تلقى عليه، ومنهم من يفاخر ويعتز بوصفه علمانيا، وما ذاك إلا لاختلاف المفاهيم بشأن المصطلح نفسه. إذ يرفض المفكر المغربي محمد عابد الجابري تعريف مصطلح العلمانية باعتباره فقط فصل الكنيسة عن الدولة، لعدم ملاءمته للواقع العربي الإسلامي، ويرى استبداله بفكرة الديمقراطية ‘’حفظ حقوق الأفراد والجماعات’’، والعقلانية ‘’الممارسة السياسية الرشيدة’’.

في حين يرى الباحث المصري وحيد عبدالمجيد أن العلمانية (في الغرب) ليست أيديولوجية (منهج عمل) وإنما مجرد موقف جزئي يتعلق بالمجالات غير المرتبطة بالشؤون الدينية. ويميز عبدالمجيد بين ‘’العلمانية اللادينية’’ - التي تنفي الدين لصالح سلطان العقل- وبين ‘’العلمانية’’ التي نحت منحى وسيطاً، حيث فصلت بين مؤسسات الكنيسة ومؤسسات الدولة مع الحفاظ على حرية الكنائس والمؤسسات الدينية في ممارسة أنشطتها. وفي المنتصف يجيء أستاذ الفلسفة فؤاد زكريا الذي يصف العلمانية بأنها الدعوة إلى الفصل بين الدين و السياسة، ملتزماً بالصمت إزاء مجالات الحياة الأخرى (الاقتصاد والأدب). وفي ذات الوقت يرفض سيطرة الفكر المادي النفعي، ويضع مقابل المادية ‘’القيم الإنسانية والمعنوية’’، حيث يعتبر أن هناك محركات أخرى للإنسان غير الرؤية المادية.

ويقف مراد وهبة - أستاذ الفلسفة- و كذلك الكاتب السوري هاشم صالح إلى جانب ‘’العلمانية الشاملة’’ التي يتحرر فيها الفرد من قيود المطلق والغيبيّ وتبقى الصورة العقلانية المطلقة لسلوك الفرد، مرتكزاً على العلم والتجربة المادية.

ويتأرجح المفكّر البارز صاحب نظرية اليسار الإسلامي حسن حنفي، بين العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة ويرى أن العلمانية هي ‘’فصل الكنيسة عن الدولة’’ كنتاج للتجربة التاريخية الغربية. ويعتبر حنفي العلمانية - في مناسبات أخرى- رؤية كاملة للكون تغطي كل مجالات الحياة وتزود الإنسان بمنظومة قيمية ومرجعية شاملة، مما يعطيها قابلية للتطبيق على مستوى العالم.

الفاصل الحاد لما قبل الحادي عشر وما بعده

بنوع من التردد والتهيّب، أقيم في شهر فبراير/شباط 2003 في مدينة والسال (وهي مدينة تفخر بإنتاج السلع الجلدية وتقع بالقرب من بيرمنجهام) أول موقع لمعرض متنقل مقدم من ‘’إينيفا’’ (معهد الفنون البصرية العالمية) في لندن عن موضوع حساس: ‘’الحجاب’’.

حينها كتبت مدير معهد الفنون البصرية العالمية و إحدى المنسقين جيلان توادروس تقول ‘’أصبح الحجاب بعد 11 سبتمبر/أيلول مرادف للفروق الثقافية والدينية التي تُعرض بشكل مستمر على أنها غير قابلة للتخطي، غريبة ومرعبة. الحقيقة أن الحجاب، ولبس الحجاب كان - لآلاف السنين - جزءاً من الثقافة الشرقية والغربية أيضا، لم تفعل أي شيء للتقليل من ارتباطاته بالإسلام وبالفكرة المجردة تجاه الشرق’’.

إذا كانت هذه هي نظرة المسؤولة المثقفة، وبعد عامين من وقوع تلك الأحداث، فإن تغييرات كبيرة وقعت في تلك الفترة بشأن الحجاب ومرتديه، ورأتهم طائفة كبيرة من الأميركيين والأوروبيين بأن من يرتدي أي زيٍّ له علاقة بما يرتديه المسلمون فهو يقع في دائرة الاتهام والمضايقة، ويعلم عدد من المتشددين الغربيين ما للتركيبة العربية الإسلامية من نظرة تجاه ستر المرأة وانكشافها، فكان الكثير من العزف يتم على هذه الأوتار، من محاولة كشف أغطية رؤوس النساء علنا في المطارات، أو على أيدي أو بحضور رجال، إلى جانب التفتيش الشخصي لهن.

وفي غالب هذه المدن، يقوم المسؤولون بدور لضبط الانفلات، بالدعوة إلى احترام الساكنين المسلمين، والفصل بينهم وبين من يرتكب الجرائم الحقيقية، وكذلك زيارتهم في منازلهم ومناطق تجمعاتهم ومناسباتهم الدينية، إلا أن المضايقات التي سجلت بعد الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001 في حق المسلمين في الدول الأوروبية كانت قد وصلت إلى حدود عليا، وكان الحجاب رمزها الأبرز للاستهداف.
في العام ,2002 أصدرت منظمة مراقبة حقوق الإنسان (نيويورك) تقريراً عن الجرائم التي ارتكبت في حق المسلمين، ومن يُعتقد أنهم مسلمون في الولايات المتحدة، ودور العبادة في عدد من الولايات الأميركية.

ومما يثير السخرية المريرة ذلك الرسم الكاريكاتيري الذي يبين مجموعة من الأشخاص ينهالون بالهراوات على شخص معمم، فيقول أحدهم ‘’إنه ليس مسلماً.. إنه سيخ’’، فيرد آخر ‘’إنه قريب بما يكفي من المسلمين’’.

وبالفعل، فقد سجلت المنظمة الدولية عدداً من الاعتداءات على المسلمين وعلى السيخ وعلى أقباط عرب لسحنتهم ولونهم القريب من بشرة المسلمين الشرقيين في العادة، ‘’وأفادت ‘’اللجنة الأميركية العربية لمناهضة التمييز’’ بوقوع ما يزيد على 600 من الجرائم المرتبطة بأحداث 11 سبتمبر/أيلول والمرتكبة بدافع الكراهية ضد العرب، والمسلمين، ومن يُظن أنهم من العرب أو المسلمين، مثل السيخ والقادمين من جنوب آسيا’’. [2]

ويواصل التقرير عرضه لعدد من الحوادث التي وقعت في الولايات المتحدة في تلك الفترة الحرجة، ودور العبادة التي جرى الاعتداء عليها، ومن بينها كنيسة كان الجاني قد تعجل بتعمد إضرام النار بها ظاناً أنها مسجد.. إذ يشير التقرير ‘’ولا يبعث على الدهشة أن من كانوا أكثر عرضة لجرائم الكراهية المرتبطة بالحادي عشر من سبتمبر/أيلول هم من يسهل التعرف على هويتهم كعرب أو مسلمين، بمن في ذلك المحجبات من النساء. وتعرض السيخ ممن يعتمرون العمامة أيضاً للاستهداف بنسبة تفوق فيما يبدو ما تعرض له غيرهم، وهو ما يفترض أنه نتيجة لتوهم الكثير من الأميركيين أن من يرتدون العمامة هم عرب أو مسلمون. وكذلك كانت الهجمات المرتكبة بدافع التحيز التي تعرضت لها الممتلكات موجهة في كثير من الأحيان إلى عقارات يسهل تحديد أنها تخص المسلمين أو العرب، مثل المساجد’’.[3]

افتتح القرن الحادي والعشرين بحادثة برجي التجارة، وانتقلت الأنظار إلى ما اسمي بالأصولية الإسلامية، وبات الحجاب، العمامة، اللحية وربما اللون الأسمر والهيئة العامة للأفراد موضع شك وتوجس من قبل السلطات الأمنية في الدول الغربية، وشهدت المطارات وبعض نقاط العبور الكثير من القصص التي تشير إلى تورم المسألة في تلك الدول، وبات طلب الحوار بين الحضارات، وبين الأديان هو موضة هذه السنوات التي أعقبت استهداف الإسلام، كما يعتقد المسلمون، والخشية من السيطرة الإسلامية المتشددة على الدول الغربية من قبل مفكرين وأفراد في الدول الغربية، سيطرة تفقدهم مكتسباتهم وأهمها حرياتهم الشخصية.

هوامش
[1] بحسب الموسوعة الحرة (ويكيبيديا) فإن ‘’علمانية’’ آتية من الكلمة الإنجليزية Secularism (سيكيولاريزم) وتعني إقصاء الدين والمعتقدات الدينية عن أمور الحياة. وتُفسّر العلمانية من الناحية الفلسفية بأن الحياة تستمر بشكل أفضل ومن الممكن الاستمتاع بها بإيجابية عندما نستثني منها الدين والمعتقدات الإلهية. وينطبق المفهوم نفسه على الكون والأجرام السماوية عندما يُفسّر بصورة مادية بحتة بعيداً عن تدخل الدين في محاولة لإيجاد تفسير للكون ومكوناته.
وقد استخدم مصطلح “Secular” (سيكولار) لأول مرة مع توقيع صلح وستفاليا العام 1648- الذي أنهى أتون الحروب الدينية المندلعة في أوروبا- وبداية ظهور الدولة القومية الحديثة (أي الدولة العلمانية) مشيراً إلى ‘’علمنة’’ ممتلكات الكنيسة بمعنى نقلها إلى سلطات غير دينية، أي لسلطة الدولة المدنية.
[2] هيومان رايتس ووتش - جرائم الكراهية ضد العرب والمسلمين ومن يظن أنهم من العرب أو المسلمين بعد الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2002 /.
[3] المصدر نفسه.

«العلمنة» القديمة جداً في فرنسا

بالنسبة إلى الكثيرين في العالم العربي، يبدو القانون الفرنسي بشأن المظاهر الدينية في المؤسسات العامة ردة فعل على تطورات وقضايا تلاحقت في فرنسا في السنوات التي سبقت صدور القانون. قد يكون التفسير صحيحا في حدود معينة لكن ليس بشكل مطلق. فالقانون لم يفعل سوى تجديد التزام الدولة الفرنسية بقانون قديم صدر العام 1905 حول فصل الدين عن الدولة. يعرض رئيس تحرير لوموند ديبلوماتيك الان غريش لهذا القانون والظروف التي دفعت لإصداره والملابسات التي يتعلق معظمها بالصراع بين الجمهوريين في فرنسا والكنيسة الكاثوليكية المتحالفة مع الملكية حسب غريش. يقدم غريش استقراء تاريخيا لأصول العملنة في فرنسا وخلفياتها والتطورات التي رافقت إقرار القانون العام ,1905 يشير فيه خصوصا الى ان الحكومات الفرنسية ركزت جهودها على تطبيق القانون في مؤسسات التعليم لكن بدون تشدد بل بما اسماه تطوير الوعي، فحتى الحرب العالمية الثانية كانت الصلبان تزين جدران المدارس حسب غريش. أبعد من هذا، فان اول مادتين في القانون تنص على: ‘’تكفل الجمهورية حرية المعتقد. وهي تضمن حرية ممارسة الشعائر الدينية الا في الحالات المقيدة المنصوص عنها أدناه في إطار المصلحة العامة’’.


المادة الثانية: ‘’لا تعترف الجمهورية ولا تقدم اجراً ولا المساعدة لأي طائفة. (...). إلا انه يمكن في مطلق الأحوال أن تسجل في الموازنات المختصة [موازنات الدولة والمحافظات والبلدات] المصاريف المتعلقة بممارسة أعمال الصدقة والمخصصة لتأمين حرية ممارسة الشعائر الدينية في المؤسسات العامة مثل الليسيات والمعاهد والمدارس والمستشفيات ودور العجزة والسجون’’. لكن هذا لا يعني في الخلاصة النهائية سوى ان الممارسة وتطبيق القانون وجد تفسيره الاهم لدى الرسميين الفرنسيين في انه وضع للمساواة بين جميع الأديان. تشمل هذا مسألة المساعدات الحكومية أيضا وآخر الشواهد هنا حسب المقال هي مساهمة الحكومة الفرنسية في بناء جامع باريس في اوائل عشرينات القرن الماضي. وهذا ما يفسره ادوار هيريو مقرر مشروع القانون في مجلس النواب قائلاً: ‘’نحن لا ننتهك قانون العام ,1905 إذ إننا نفعل هنا للمسلمين ما فعلناه العام 1905 للبروتستانت أو للكاثوليك.’’
لقراء المزيد: راجع: في أصول الجدل حول العلمنة - آلان غريش- لوموند ديبلوماتيك أغسطس/ آب 2003

أنتِ مســـلمة؟ .. أنتِ متهمــة

في 12 سبتمبر/أيلول عام 2001 كانت الباكستانية فايزة إعجاز تقف خارج مركز تجاري في هنتنغتون بولاية نيويورك في انتظار مجيء زوجها لأخذها من العمل. وتفيد أنباء صحافية أن آدم لانغ، وهو رجل في السادسة والسبعين من عمره كان يجلس في سيارته خارج المركز التجاري، نقل محرك السيارة إلى وضع القيادة، حسب ما ورد، وانطلق في اتجاهها. وتمكنت إعجاز من تفادي السيارة بأن وثبت من طريقها وجرت إلى داخل المركز التجاري. وقفز لانغ عندئذ من السيارة وصاح بأنه يفعل هذا ‘’من أجل بلدي’’ وأنه كان سيقتلها. وأمسك موظفو الأمن في المركز التجاري بلانغ.


وقال قائد مكتب جرائم التحيز في مقاطعة سافولك السرجنت روبرت ريكس للصحافيين ‘’لو لم تثب من الطريق لكان دهمها بسيارته لا محالة’’. واتهم لانغ بجريمة تعريض حياة إنسان للخطر بالاستهتار من الدرجة الأولى وهو ما يقتضي تشديد العقوبة إذا كانت الجريمة قد ارتكبت بدافع التحيز.
ف. ك.

تعرضت ف. ك.، وهي امرأة أميركية مسلمة محجبة، يوم 18 يونيو/حزيران ,2002 للاعتداء من جانب امرأة في متجر للأدوية قرب هيوستون بولاية تكساس.

وقالت المرأة لف. ك. قبل أن تعتدي عليها لقد عرفت ‘’بأمركم أيها القوم’’ على مدى الأشهر العشرة الأخيرة ولا تثق ‘’في أي تافه منكم’’. وقبل أن تتمكن ف. ك. من الهرب من المرأة طرحتها أرضاً وشرعت في نزع حجابها فالتف حول عنقها وكاد يخنقها. وعلى رغم أن ف. ك. قالت للمرأة إنها لا تستطيع التنفس فقد واصلت جذب الحجاب.

واضطرت ف. ك. عندئذ لخلع الحجاب مخالفة واجباتها الدينية في محاولة يائسة لتخفيف حدة الاختناق. وقامت المرأة بعد ذلك بجر ف. ك. من شعرها إلى خارج المتجر. وعندما وصلت الشرطة كانت المرأة تمسك ف. ك. من شعرها على الرصيف أمام المتجر. وقالت المرأة للشرطة إنها تلقي القبض كمواطنة على ف. ك. وطلب منها أفراد الشرطة أن تترك ف. ك. وعندها تمكنت ف. ك. من ارتداء الحجاب من جديد.
من تقرير هيومان رايتس ووتش 2002 (Human Rights watch) -


رد مع اقتباس
قديم 04-30-2010, 02:52 PM   رقم المشاركة : 3
الكاتب

أفاق الفكر

مراقب

مراقب

أفاق الفكر غير متواجد حالياً


الملف الشخصي








أفاق الفكر غير متواجد حالياً


رد: معارك الحجاب.. وصعود نجم الحشمة


(الحلقة الثالثة)

الحجاب المعلق بـين المسلمين والمسيحيين


استشعر المسلمون والمسيحيون خطورة تدهور الحالة الأمنية بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول ,2001 هالهم صدمتهم وقصورهم أو تقصيرهم تجاه التحاور فيما بينهم، فقد كتب الأب بيار المصري في صحيفة ‘’النهار’’ اللبنانية أن الحوار ليس بين الأديان بل بين أتباع الأديان، وهذا ما يجب أن يحدث لإزالة سوء الفهم ومناطق العتمة بين الأتباع. ولكن هل تجدي المسألة نفعاً ما دامت منحصرة في الأساس في نطاق قاعات المؤتمرات بينما في الشارع تأتي بالكثير من الممارسات التي تتناقض مع روح التسامح التي تنطلق منها تلك الحوارات، ومن بينها الحديث عن الحجاب وأهميته بالنسبة للمسلمة، وكيفية التعامل معه في الغرب. عند الحديث عن العامة، فإن هذا لا يعني الناس في الشوارع وحسب، بل وحتى المتخصصين منهم، فعلى ذمة وكالة الأنباء الإسلامية، فقد قال سفير الفاتيكان في القاهرة مايكل لويس، إن هناك 260 وسيلة إعلامية في الغرب تحارب الإسلام، وأيضا وسائل إعلامية أخرى توقع بين الأديان لإيجاد تصادم[1]، إلى ذلك فهناك مركز للحوار بين الأديان السماوية في الفاتيكان لمحاولة إشاعة التسامح والتفهم الذي هو الطريق الأكثر مطروقية بالنسبة لإزالة الاحتقانات.


التآمرية الغربية وأفعال المتشددين

كثيراً ما نظر الإسلاميون المتحمسون إلى الغرب (الصليبي بتعبيرهم) أنه كاره للإسلام والمسلمين ورموزهم، وأن الغرب يريد ‘’تطهير’’ أوروبا من وجودهم فيها، وهذا الرأي لم يأت من تلقائه، فقد كانت هناك الكثير من التصريحات الرسمية وغير الرسمية التي يشم منها ما يعزز هذا التوجه، ربما كانت تصريحات الممثلة الفرنسية بريجيت باردو واحدة من تلك، إذ دعت أكثر من مرة إلى ‘’تنظيف’’ ضواحي باريس من سكانها القذرين (العرب والمسلمين هناك)، وشنت عليهم حملات مشهورة في شأن نحر الخـرفان وغيرها من المواشي لعيد الأضحى، واتهمتهم بالوحشية وغيرها من التهم.

ولكن - في المقابل - يتساءل مسلمون آخرون هل يكفي القول إن الإسلام بريء من التفجيرات، وسوق الكثير من الآيات والأحاديث والقصص التاريخية التي تدلل على عظمة الإسلام وتسامحه، مستشهدين بسيرة الرسول (ص) وخلفائه، وأمراء المؤمنين المختلفين، وخصوصاً ‘’العهدة العمرية’’ التي كتبها الخليفة الثاني عمر بن الخطاب لأهالي القدس وساكني الأديرة ورجال الدين؟!. إذن أين هذا كله من قتل السياح الأجانب في اندونيسيا، وتفجير السفارات والملحقيات، تفجير قطارات مدريد، وأنفاق فرنسا، ومدرسة بيسلان، وحز رقاب عمال وصحافيين وفنيين ومهندسين وموظفي إغاثة وعابري سبيل في العراق؟!.

وفي هذا الشأن يقول محمد السماك: ‘’والى متى يتوجب علينا ان نذكّر كذلك بأن العالم الغربي شيء والمسيحية شيء آخر، وانه إذا كانت هناك مشكلات سياسية بين العالم الإسلامي والغرب، فليس معنى ذلك أن هناك مشكلات دينية بين الإسلام والمسيحية؟ (..) إلى متى يفترض بنا أن ننبه المسلمين الذين استوطنوا دولا غير إسلامية أن عليهم أن يلتزموا قوانين تلك الدول وأنظمتها وان يحترموا عادات شعوبها وتقاليدها، كما فعل المهاجرون المسلمون الأوائل إلى الحبشة، وان عليهم أن يتذكروا أنهم قلة في هذه الدول، فإما معايشة بمعروف مع أهلها وقوانينينها أو مغادرة بإحسان، وان مجرد الحصول على تأشيرة الدخول إلى، أو الإقامة في، أي من هذه الدول هو التزام أخلاقي وتعهد ملزم لوجوب احترام أنظمتها وقوانينها؟.

إلى متى نضطر إلى تذكير المتطرفين والمتشددين منهم بأن عليهم ألا ينسوا أبدا أنهم مهاجرون وليسوا غزاة فاتحين، وانه إذا كان من حقهم ممارسة شعائرهم الدينية بحرية واحترام، فليس من حقهم تعريض الإسلام إلى السخرية بالادعاء أنهم يسعون إلى (إقامة الخلافة) في لندن أو باريس أو برلين! وان التزامهم بما يدعو إليه الإسلام من خلق رفيع واحترام للآخر عقيدة وسلوكا، ومن سماحة في الاختلاف، يجعل منهم من حيث لا يدرون دعاة حب في مجتمعات تحتاج إلى لمسة روحانية تسمو بها عن الماديات، أما التصرف بفظاظة وغلظة وتمرد وعنف، فإنه لا يتنافى مع أصول الضيافة في هذه المجتمعات فحسب، ولكنه إضافة إلى ذلك يتنافى مع الإسلام نفسه تربية وثقافة وعقيدة. وان النتيجة هي انفضاض هذه المجتمعات عنهم وحذرها منهم، مما يؤدي إلى حقنها بجرعات إضافية من الشك والحذر، بل ومن الرفض والكراهية؟ إلى متى نذكر الآية القرآنية الكريمة ‘’ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن، فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه وليٌّ حميم’’؟ إلى متى يستمر بعضنا في سلوك جاهلي متغطرس يؤدي إلى تحويل الولي الحميم عدوا مقيما؟

إلى متى نتجاهل استدراج المجتمعات الغربية إلى ردود فعل يدفع المسلمون في العالم ثمنها غاليا جدا من حرياتهم الدينية ومن مصالحهم وحتى من وجودهم؟’’. [2]

يعد السماك من الأصوات الضائعة وسط الكثير من الشك والتوجس بين الطرفين، وخصوصاً الطرف الإسلامي الذي يشعر أنه مستهدف بداية، وأن كل القوانين التي تجري في الغرب ما هي إلا تطبيقات لهذا الاستهداف. بما فيها مسألة الحجاب، الذي يقول عنها مدير المعهد الأوروبي الإسلامي للعلوم الإنسانية في باريس وعضو مجلس الإفتاء الأوروبي احمد جاب الله ‘’نحن نعتبر أن إصدار قانون لمنع الحجاب يعد فشلا للدول الغربية، لأنه في الوقت الذي تدعو فيه هذه الدول إلى الحرية في كل شيء بل أحيانا الحرية بدون حدود أو ضوابط، فاليوم في العالم الغربي أصبح من يستنكر موقفا كمسألة الشذوذ الجنسي أو الزواج المثلي مثلا يمكن أن يدان لأنه يمارس نوعا من العدائية لفئة من الناس اختارت أن تعيش كما تريد، فنحن نقول إننا إذا كنا نفهم الحرية بهذا الفهم فلماذا لا نترك حرية التدين أيضا والمتدينة التي تلبس الحجاب هذا حقها وشأنها لأنها لا تضر أحدا ولا تفرضه على احد، فلماذا تمنع؟ فلا شك أن هذا فشل وهو مع الأسف يندرج ضمن سياسة الكيل بمكيالين والنظر إلى الأمور بمعيارين’’. [3]

يقول جاب الله مستطرداً في هذا الشأن ‘’إن القانون استثنى الصلبان الصغيرة وحتى بالنسبة للسيخ تم التراجع عن حظر العمائم الكبيرة التي يرتدونها ‘’والحقيقة، إن كل هذا كان بمثابة نوع من التمويه على القضية الأساسية فمن الواضح أن القانون كان المقصود به هو الحجاب الإسلامي’’ [4] ، إذ يشير إلى أن المسألة يمكن حلها بإنشاء المدارس الإسلامية في تلك المجتمعات.

من يدّعون الليبرالية في البحرين يقولون القول نفسه تقريباً انتصاراً لما ذهب إليه البرلمان الفرنسي، مشيرين إلى أن على المسلمين في فرنسا - إن أرادوا ألا يلاحق أحد حجابات بناتهم - أن يقيموا مدارسهم الإسلامية الخاصة هناك، ولكن هذا الرأي لا يأخذ بأن الكثير من المسلمين في فرنسا هم من المهاجرين ذوي الدخول المنخفضة. وإذا كانت البحرين قد اجتهدت لبناء أكثر من 200 مدرسة لأقل من نصف مليون نسمة من العرب في البحرين، مع الأخذ بالعدد المتزايد للمدارس الخاصة وما تتحمله أيضاً من أعداد من الطلبة، فلنا أن نتصور كم من المدارس سيحتاجها أبناء أكثر من خمسة ملايين مسلم مهاجر في فرنسا وحدها.

في مسألة حوار الأديان يقول عادل لطيفي إنه ‘’شعار استهلاكي أكثر منه مبادرة مبدعة. إذ كيف يمكن تصور حوار ما بين ديانتين؟ ماذا سيقول هذا الدين أو ذاك للآخر؟ فكل دين يحدد نظرته لذاته وللآخر من خلال مبدأ الحقيقة المطلقة، وبطبيعة الحال فلكل دين حقيقته الإيمانية. إن الحقيقة الإيمانية باعتبارها مقدسا لا يمكن أن تكون إلا نفيا للآخر، وهذا ما يجعل من مشروع حوار الأديان مشروعا يحمل في طياته بذور فشله.

يجب الاعتراف بأن الديانات لا تلتقي على أرضية القداسة المؤسسة على الامتلاك الحصري للحقيقة المطلقة. وإن كان للديانات أن تتحاور فلن يكون ذلك إلا في ظل فهم للدين يعـطي الأولوية للأبعاد الثقافية والتاريخية.

فالتاريخ، بمعنى تلك المعرفة العقلانية بالذات وبالآخر، يمثل الأرضية المثلى للتقارب بين الأديان وذلك لقدرته على تحييد خصوصية الحقائق الإطلاقية’’ [5].

مساحة الفهم القاصرة

ليست المسافة الفاصلة في الثقة بين الديانتين الإسلامية والمسيحية لا تقوم على أساس، أو أن ليس لها سند من التاريخ، فالحوادث التي يستعيدها كلا الطرفين تاريخياً تعطي الآثار العميقة، فهناك ما يروى عن ‘’فظائع’’ قامت بها القوات العثمانية في أوروبا الشرقية في سبيل الفتح وإجبار الناس على اعتناق الإسلام، وفرار المسيحيين بدينهم، وفي المقابل، فإن ما جرى في الأندلس في القرن الثاني عشر الميلادي عندما احتل الأسبان المدن الإسلامية هناك وما جرى فيها من حرب دينية (محاكم التفتيش) كان كثيراً وبشعاً، حتى قيل أن الأب بيار المهيب الذي كان وراء أول ترجمة للقرآن إلى اللاتينية في العام ,1143 علق عليها من خلال رسالة بعنوان ‘’الأدلة على الهرطقة المحمدية البغيضة والمضرة’’.

هذه النظرة التي يرى فيها كل طرف أنه على الحق المطلق في مقابل الباطل المطلق أثرت كثيراً في طبيعة التعاطي بين الأطراف المختلفة، وخصوصاً بين الإسلام والمسيحية (متبعي الديانتين) لوجود الإرث التاريخي الذي لا ينفك يعمل في جذور ودواخل الكثير من الجانبين.

في هذا، تبدو الأقلية الإسلامية في الدول الأوروبية منتهشة بفعل الكثير من الأدوار التي يقوم بها بعض أفرادها في سبيل إظهار الدين بشكل يشبه ‘’الغزوات’’ أو ‘’الحملات’’ على معاقل البلد الذي يقيم فيه، أو بفعل التاريخ والفهم القاصر بينهم وبين الوعاء الجغرافي الجديد الذي يحتويهم. فللأقليات - في أي مكان في العالم - وضعية نفسية واجتماعية خاصة، وتتعاظم هذه الوضعيات عندما تشعر هذه الأقليات أنها مهددة في وجودها وثقافتها، تقودها إلى ذلك خشيتها من الذوبان في المحيط العام، وتكون في غاية الحساسية تجاه أي فعل من الغالبية تشعر أنه موجه ضدها.

يتنبه الدارسون الإسلاميون إلى خطورة هذا الأمر تحت عناوين تدور في فلك ‘’فقه الأقليات’’ حتى طرح رئيس جمعية علماء الاجتماعيات في فرنسا محمد المستيري، في المؤتمر الخامس لجمعية علماء الاجتماعيات المسلمين في بريطانيا ورقة بعنوان ‘’فقه الأقليات ما بعد فقه المواطنة’’، مشيراً إلى أن المواطنة تسبق الفقه في هذا الصدد حتى لا يغدو ابن الأقلية مضطهداً محارَباً لأجيال آتية.

في المؤتمر نفسه يتحدث رئيس الكلية الإسلامية في لندن زكي بدوي عن ‘’بديهيات فقه الأقليات’’، بضرورة تطوير مثل هذا الفقه وعدم احتكاره من قبل بعض المجموعات أو المجالس، ‘’وأن مصطلح الأقلية يعتمد على وضع الجالية، سواء كانت أقلية أم غالبية، ومدى تأثيرها في مجتمعها أو دولتها، حيث أن هنالك أقليات لديها تأثير فعال ضمن الغالبية التي تعيش معها بينما تفقد الغالبية وضعها وتصبح أقلية متى عجزت عن أن تلعب دورا فعالا، وحين لا تكون لديها أية قوة أو سلطة أو تأثير. ولهذا فإن التفاعل مع المجتمع والتأثير الايجابي فيه هو الذي سيعطي أية أقلية موقعها ومكانتها ودورها’’ [6].


الفهم القاصر هنا يرتبط بما ارتبط به الإسلام منذ البداية، حيث قال الفقهاء إن الفتوى تقدر بحسب الزمان والمكان، والحجاب واحد من هذه الأمور الأساسية التي دار عليها الصراع، أحياناً يتهم المسلمون في أوروبا بعضهم البعض بأن ‘’تشددهم’’ في مسألة الحجاب آتية من فهم قاصر لوضعيتهم الجديدة في المجتمعات المضيفة لهم، وبعضهم الآخر يرد بالقول إن المجتمع الذي قبلهم بشكلهم وزيهم في البداية عليه ألا ينقلب على نفسه في منتصف الطريق ويغير قوانين اللعبة ليجبرهم بعد ذلك إما على التهاون في دينهم أو الرحيل بعدما تقطعت أوصالهم مع بلدانهم الأصلية.

مسألة الحجاب في الدول غير الإسلامية، وفي الدول الإسلامية أيضاً تبقى مشكلة معلقة في الكثير من النواحي، هل هي مشكلة حقاً أم هي رأس دبوس المشكلة؟ وفيما يتساءل السماك ‘’إلى متى نطمر رؤوسنا في تراب التجاهل مرددين مقولة ‘’إن العالم يتآمر علينا’’ من دون أن ندرك في الوقت نفسه، بل وقبل ذلك، حجم المؤامرة الكبرى التي نحيكها نحن بأيدينا على أنفسنا، وعلى قضايانا؟’’، [7]، هناك من يتساءل ‘’إذا كانت الموروثات الثقافية والتاريخية والدينية والاجتماعية الأوروبية (قد) تقود إلى هذا النوع من التفاعل السلبي مع قضية الحجاب، فلماذا يمتد صداها، وتلقي بانعكاساتها على دولة عربية مسلمة مثل.. مصر؟’’.

هوامش

[1] وكالة الأنباء الإسلامية - مارس/آذار .2005
[2] محمد السماك (إلى متى؟) - شبكة الحوار الإسلامي المسيحي في لبنان.
[3] صحيفة ‘’الشرق’’ القطرية - 7 يوليو/تموز 2006
[4] المصدر نفسه
[5] عادل لطيفي - إشكالية فهم الآخر بين الغرب والإسلام - الجزيرة نت
[6] زكي بدوي، صحيفة ‘’الشرق الأوسط’’، 7 مارس/آذار 2004
[7] محمد السماك، مصدر سابق.

فقــــه الأقليــــات

يستحوذ فقه الأقليات على نصيب واسع من اهتمام مسلمي أوروبا، فقد كتب عضو المجلس الأوروبي للإفتاء والبحث صلاح الدين سلطان ‘’الضوابط المنهجية لفقه الأقليات المسلمة’’ يقول إن مسلمي أوروبا في حاجة إلى جهود كثيرة لوضع ضوابط تحكم عملية الاجتهاد في فقه الأقليات ويقصد بلفظ الضوابط الإطار الذي يحكم عملية الاجتهاد للأقليات المسلمة، تقوم على:

تعميق الشعور بالمواطنة لأن الأقليات المسلمة إن لم تشعر بالانتماء للبلد الذي استوطنته فإن ذلك يعد خدشا في مروءتهم وطعنا في كرامتهم وفتحا لباب الذرائع لتتوجس الأكثرية من الأقلية فينفونهم أو يضطهدونهم.
تأكيد مسؤولية الأقليات المسلمة في المشاركة في إصلاح أوطانهم، وهو ما يغيب عن الكثير من المتصدين لقضايا فقه الأقليات ممن يركزون على فقه الحماية من الفتن والوقاية من المحن.
ضرورة فقه النص والواقع معا والواقع يثبت أن الأقليات المسلمة تعاني من جانب هذا الموضوع كثيرا فعلى سبيل المثال لا يوجد في أميركا سوى 240 إماما يملكون المؤهل الشرعي والدعوي أو الفقهي أو الدراسات الإسلامية حسب دراسة أجرتها جامعة هارفارد مستعينة بـ 2000 مؤسسة إسلامية.
الإحالة إلى الاجتهاد الجماعي، وخصوصاً في القضايا العامة وهي التي يسميها الفقهاء ‘’مما عمت بها البلوى’’، والأصل في هذه القضايا هو الإحالة إلى العقل الفقهي الجماعي اقتداء بالسلف.
اجتماع الخشية القلبية مع الحجة الشرعية في الاجتهاد.
اعتماد فقه المقاصد في العبادات والمعاملات.
مراعاة الأولويات وفقا للإمكانيات الداخلية والظروف الخارجية.
التقريب بين المذاهب والانتقاء أو الإبداع في الاجتهاد.
تبني فقه التيسير ومراعاة التدرج.
الاجتهاد في إيجاد بدائل مشروعة للمنهي عنه في واقع الأقليات.
في هذا الإطار، يقول طه جابر العلوانى، ‘’إن وجود المسلمين في أي بلد غير إسلامي يجب التخطيط له باعتباره وجودا مستمرا ومتناميا لا باعتباره وجودا طارئا أو إقامة مؤقتة، وكذلك ينبغي لأبناء الأقليات المسلمة ألا يقيدوا أنفسهم باصطلاحات فقهية تاريخية لم ترد في الوحي مثل ‘’دار الإسلام ودار الكفر أو الحرب’’.

ويشير العلواني إلى أن انتزاع حقوق المسلمين في بلد يمثلون فيه أقلية يكون من خلال تفاعلهم الايجابي مع أهل البلاد الأصليين والتشاور والتكاتف في الكليات والتعاذر في الجزئيات والخلافات، مع تدعيم الثقة في الإسلام وترسيخ الإيمان بالله مع عدم تقديم تنازلات تمس أساس الدين مجاراة لعرف سائد أو تيار جارف، وأن الأقليات المسلمة تحتاج إلى حسن التعبير عن حقائق الإسلام ونظام قيمه الإنساني ويمكن القيام بذلك من خلال فن الإقناع والعلاقات العامة.

من منشورات ‘’المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث’’ – بتصرف


رد مع اقتباس
قديم 04-30-2010, 02:56 PM   رقم المشاركة : 4
الكاتب

أفاق الفكر

مراقب

مراقب

أفاق الفكر غير متواجد حالياً


الملف الشخصي








أفاق الفكر غير متواجد حالياً


رد: معارك الحجاب.. وصعود نجم الحشمة


الحلقة الرابعة

مـوحِّــــــد الحكومـــــــة والمعارضــــــة


نقلت وسائل الإعلام العالمية ما قالت إنها تصريحات صحافية لوزير الثقافة المصري فاروق حسني وصف فيها ارتداء المرأة المصرية للحجاب بأنه ‘’عودة إلى الوراء’’.

وكانت قناة ‘’الجزيرة’’ الإخبارية وموقع ‘’راديو سوا’’ على الانترنت قد أبرزا تصريحات حسني لصحيفة ‘’المصري اليوم’’ المستقلة قال فيها ‘’إننا عاصرنا أمهاتنا وتربينا وتعلمنا على أيديهن عندما كن يذهبن إلى الجامعات والعمل دون حجاب، فلماذا نعود الآن إلى الوراء؟!’’.

وأضاف أن ‘’النساء بشعرهن الجميل كالورود التي لا يجب تغطيتها وحجبها عن الناس’’.
هذا ما فجّر قضية الحجاب من جديد في مصر، وكالعادة، اصطفت الصحف المؤيدة والمعارضة للقضية اصطفافها التاريخي المعروف، وهي المشادات المعروفة بالضرورة عند طرح هذا الموضوع بالقوة ذاتها.. ما اختلف فيها هذه المرة أن القائل شخص رسمي، وعليه الكثير من الطعون بالنسبة للإسلاميين في التوجهات الثقافية الرسمية للدولة، ومن الفنانين أيضاً، والمتعلقة بحريق أحد مسارح الأقاليم العام قبل الماضي ووفاة عدد من الجمهور خنقاً واحتراقاً فيه.

المسألة لم تبدأ بالتصريحات المنقولة عن وزير الثقافة، فقد كانت هناك معركة قبلها تخص المذيعات اللاتي قررن ارتداء الحجاب، فحجبن عن الظهور على شاشات التلفزيون المصري، فقد تم منع 24 مذيعة لهذا السبب ومنهن رانيا صوان مقدمة برنامج ‘’مساء الخير يا مصر’’، كما فصلت قائد الطائرة وملكة جمال مصر للعام 1989 من عملها لأنها قررت ارتداء الحجاب، في حين ادّعت مجموعة من الموظفات أنهن يُجبرن على خلع الحجاب في أماكن العمل، وارتدائه وهن منصرفات، وفي دار الأوبرا المصرية يُسمح لمن تريد ارتداء الحجاب طالما كانت تغني في ‘’الكورَس’’، ولكن يمنع عليهن الغناء الانفرادي إذا كن متحجبات.

الأسباب الرسمية عربياً

وزير الثقافة المصري برر بعدها رأيه أنه لم يكن للنشر، وأنه ‘’رأي ثانوي لا يمثل أي شيء، بل إنني أقول إن الإسلام يجب أن نموت في سبيله، ويمكن للواحد أن يضحي بحياته من أجله، فهل نتكلم الآن عن الحجاب، وهل يتم تجاهل إقامة 140 مسجداً عظيماً جرى ترميمها وفتحها للصلاة والعبادة، مقابل ما أقوله عن الحجاب إذ كان يعجبني أم لا’’[1].

يفصل حسني كلامه عن الحجاب عن كلامه في الدين، ويقول ‘’هو موقف عفوي وغير مقصود، يجب أن ندرك تماماً أنني - ضع تحتها ألف خط - لم أتحدث في الدين.. الحجاب ليس ركناً من الأركان الخمسة، بل أحد المظاهر الدينية.. فأنا أتحدث في مظاهر الدين وقلت إن اليوم يأتينا الحجاب المستورد’’[2].

في مسألة استيراد الحجاب من جهة، ومسألة ‘’المظهر الديني’’، يقول الوزير إن هناك دولاً لها مذاهب معينة، وأنها ترغب في نشر مذاهبها، وهناك من المصريين من يذهبون إلى تلك الدول ويأتون منها ‘’فهذا الحجاب ليس شكلاً، ولكنه تأثير، وفي النهاية مذهب جديد، وبالتالي سياسة’’[3].

هنا يقع الاتفاق - غير المنسّق ما بين الوزير المصري والكاتب في صحيفة ‘’الشرق الأوسط’’ حمد الماجد أن بعض الدول العربية لا تعارض الحجاب معارضة للدين، ولا لكونه أمراً إلهياً، ولكن لأنها تنظر بقلق كونه مؤشراً على انتشار التيار الإسلامي المعارض، ويظل الحجاب واحداً من الرموز لهذا الانتشار في أوساط النساء، في مقابل انتشار الالتحاء وارتياد المساجد لدى الرجال وبالتالي، فإن محاربة الرموز يأتي نوعاً من محاربة التيار سياسياً وليس دينياً بالضرورة.

يرى الماجد - كما يرى كثير غيره أيضاً - أن منح مسألة الحجاب هذا البعد الكبير له انعكاسات سيئة، ذلك لأن التاريخ يروي أن الدول الشيوعية التي بالغت في محاربة الأديان، اكتشفت - بعد فوات الأوان - أن الأفراد كانوا أكثر تديناً، وأن الحرب على الحجاب ستكون له آثاره السيئة ‘’لأن قوانين الطبيعة تقول إن الإنسان إذا ما منع من شيء يكون أشد حماسة إليه، وهو ما تعرفه التيارات الإسلامية وتراهن عليه’’[4].

فعل واحد وردود متباينة

منذ أن نشرت صحيفة ‘’المصري اليوم’’ تصريح وزير الثقافة المصري، بدأت ماكينات التصريحات والتلويحات في العمل بشكل متسارع وقوي، إذ تقدم عدد من نواب الإخوان المسلمين، وتلاهم خلق كثير، ومنهم نواب مستقلون وغيرهم، مطالبين بإقالة وزير الثقافة، وتم رفض أي اعتذار أو توضيح من الوزير، لما وُصف أنه مناقض للشريعة واعتداء على الدستور وعلى الحرية الشخصية.

جلسة البرلمان في 19 نوفمبر/تشرين الثاني 2006 كانت جلسة لها وقع خاص، إذ أنها كانت ستشهد في بدئها كلمة للرئيس محمد حسني مبارك، وكانت قد أتت بعيد ردود الفعل الضخمة إزاء التصريحات، توقع الكثير أن تسود اضطرابات في هذه الجلسة خصوصاً إن حضرها الوزير حسني، ولأول مرة منذ 19 عاماً، أي منذ تعيينه في هذا المنصب. يتخلف الوزير عن حضور هذه الجلسة، ويقول إنه قرر شخصياً ألا يذهب إلى تلك الجلسة، إذ كان مصاباً بالصداع وارتفاع في ضغط الدم، تحدث مع زكريا عزمي رئيس ديوان رئيس الجمهورية ‘’وقلت له عندي صداع وضغط وأنا خايف ولدي شك إذا ذهبت أن يحدث صخب شديد قبل دخول الرئيس لأننا نذهب قبله بساعة.. قال لي: فعلاً دي فكرة جيدة[5]’’.

عدم حضور الوزير ربما خفف من إيقاع الجلسة الساخنة أساساً، والتي انقسم فيها الحزب الحاكم على نفسه إزاء تصريحات الوزير، كما فعل رئيس لجنة الشؤون الدينية في المجلس وأحد أبرز كوادر الحزب الحاكم أحمد عمر هاشم الذي حذر من التهاون في مساءلة الوزير وكل من يتجرأ على دين الله، وكان ذلك - إلى جانب رئيس المجلس فتحي سرور - الذي فضل تهدئة أوضاع المجلس والرأي العام، ‘’فشهدت القاعة مباراة ساخنة بين أعضاء الحزب الحاكم وبين المعارضة، وكان الهدف المشترك هو التصريحات المرفوضة التي أدلى بها فاروق حسني، والتي وحدت المتناقضات للمرة الأولى منذ بدء مجلس الشعب أعماله في بداية العام الحالي(2006)’’[6].

فقد أطلق أعضاء الحزب الحاكم للمعارضة العنان في انتقاد الوزير وتصريحاته، بل وشاركوا في المزايدة على المواقف وذلك لعلمهم أن أي موقف دفاعي من قبلهم كان سيثير الشارع المصري الذي تجد غالبيته ربطاً شديداً بين الحجاب والدين الإسلامي، وبالتالي، فلا أحد يود أن يظهر بمظهر المحارب للدين.

أذاع التلفزيون المصري تغطية وافية لما دار من نقاشات، علق عليها الوزير حسني في حينه ‘’أنا قاعد أتفرج على عملية ذبحي في البرلمان’’، وطلب الوزير للمثول أمام لجنتي الشؤون الدينية والثقافة والإعلام، فأصدر الوزير حسني بيانا باعتكافه في البيت ورفضه المثول ما لم يرد إليه اعتباره.

خرجت مظاهرات في الشارع منتقدة الوزير ومواقفه وتصريحاته ورفضه المثول أمام ممثلي الشعب، وصفها البعض أنها عفوية، بينما قال عنها حسني إنها من أناس تم تضليلهم.

في اجتماع لاحق، اجتمع علية الأقطاب في الحزب الحاكم، وتوصلوا بعد مناقشات مطولة إلى أن ‘’يوقف الوزير تصريحاته الاستفزازية التي أثارت الشارع، يجري قادة الحزب الحاكم اتصالات بعدد من النواب المتشددين داخل الحزب لإدارة حوار معهم يفضي إلى تهدئة الأحوال، يدعى الوزير إلى اللجنة البرلمانية في الحزب يوضح فيه وجهة نظره والملابسات التي رافقت تصريحاته، ويحضر اجتماعات لجنتي الشؤون الدينية والثقافة والإعلام، تنفيذاً لقرارات مجلس الشعب[7]’’.

المعركة في مصر لم تتوقف عند الوزير ومجلس الشعب، ولكنه امتد أيضاً إلى الإخوان المسلمين وغيرهم من مناهضيهم، فكل تمسك بمواقفه ليس حباً أو بغضاً في وزير الثقافة، بل بحسب المواقف المبدئية، فكل من وقف ضد الوزير اعتبرته القوى المناهضة للأسلمة أنه ‘’إخواني’’، عندها كتب رئيس تحرير صحيفة ‘’الأسبوع’’ مصطفى بكري ‘’إن شعار ‘’إمسك إخواني’’ لن يرهبنا، فالقضية أكبر من أي تيار، ومن الغباء أن يصور البعض أن كل محجبة هي عضو ناشط في تيار الإخوان، بل إنه من السخرية أن يقال إن الحجاب جاء بناء على قرار من جماعة الأخوان في إشارة لا تخلو من دلالة سياسية[8]’’.


ومن كانوا في صف الـ «مع»

لم يخل الأمر من مؤيدين للوزير حسني، فقد قال رئيس اللجنة الدائمة لحوار الأديان السماوية في الأزهر علي السمان في مقابلة معه ‘’أرفض أن يختصر الإسلام في كلمة واحدة وهي (الحجاب) بمعنى أننا نبذل حالياً كل الجهد والوقت في هذه القضية الجدلية ونترك جانباً القيم السامية العالقة داخل الإسلام، كما أرفض معنى (حرفية الدين) أو مهنيته بقصرها على أناس بعينهم’’

وزاد قائلاً ‘’كما أنني أرفض وأقول لا يعقل أنه في لحظة غضب أن نطوي صفحة إنجاز بالكامل لرجل بعينه أو مؤسسة معينة ولا نركز إلا على كلمة قالها (...) والأهم أنه يجب أن نتصدى بالفكر للفكر بدلاً من الصوت العالي’’. والسمان واحد من الذين دأبوا على تشجيع الحوار الهادئ في أحلك الليالي، وخصوصاً مسألة الرسوم الكاريكاتيرية الدانمركية المستهزئة بالرسول محمد (ص)، وبالتالي، فمسألة الوزير والحجاب لم تكن بتلك الضخامة بالقياس.

ومن جهته، يقول جلال أمين ‘’الوزير أخطأ ولكنه لم يكفر، وهو إذا استخدم تعبيرات جرحت مشاعر كثيرات من المحجبات الفضليات، فقد قال أيضاً كلاماً طيب جروح الكثيرات الأخريات من الفُضليات غير المحجبات. أما هؤلاء الذين هاجموه بقسوة نادرة المثال من بين أعضاء مجلس الشعب (كما يظهر من وجوههم أثناء الحديث وكأنهم يريدون أن يشربوا من دمه) فقد كان أولى بهم أن يكتفوا بالعتاب أو اللوم، وأن يوجهوا غضبهم إلى أشياء أهم من هذا بكثير’’[9].

هذا ما يتوافق مع رأي مرشد الإخوان المسلمين مهدي عاكف في مصر، وربما هو الرأي الأبرز في هذا الشأن إذ يأتي من أعلى سلطة ‘’إخوانية’’ في مصر، متهمة دائماً بإثارة الشارع دينياً وسياسياً هناك، إذ قال ‘’إن الوزير فاروق حسني حرٌ فيما يقوله، وله الحق في إبداء رأيه فيما يشاء، وفي مختلف القضايا لأنه حق أصيل لكل إنسان، وبصفتي مرشداً عاماً للإخوان، أعلن أن فاروق حسني إنسان حر فيما يقول لأنه مسؤول عن كلامه’’[10]، مبرراً ذلك أنه من المعلوم أن الوزير ذو ثقافة غربية، وأنه ليس من المستغرب أن تصدر عنه هذه التصريحات، وأنه لن يكون الأول والأخير بين من يرون هذا الرأي ‘’ولكن أن نحاول محاربته والهجوم عليه لأنه أعلن رأيه في مسألة الحجاب.. فهذا لم أقبله، ونرفضه جميعاً[11]’’.

هذا ما حدث في مصر، بقي الوزير في منصبه، تراجعت - مع مرور الأيام - الأزمة وعادت المياه إلى مجاريها، وظلت قطعة القماش (الحجاب) مثار مشكلة على مر الأيام.

في البحرين، كان للحجاب قصة، لبداياته ونظرات من بدأن به، كيف وجدن السبل أمامهن ولماذا اقتنعن به، وكيف تحول الحجاب من كائن غريب إلى أن يصبح ‘’السفور’’ غريباً ربما في بعض المواقع المجتمعية؟


الهوامش[1]،[2]،[3]

من مقابلة مع وزير الثقافة فاروق حسني - روز اليوسف - 1ديسمبر/كانون الأول .2006
[4] مجلة ‘’المجلة’’ - 2ديسمبر/كانون الأول .2006
[5] روز اليوسف - مصدر سابق.
[6]،[7]،[8] صحيفة ‘’الأسبوع’’ المصرية، العدد 27 ,505 نوفمبر/تشرين الثاني .2006
[9]،[10]،[11] صحيفة ‘’العربي’’ المصرية - 26 نوفمبر/تشرين الثاني .2006

عندما يتدخل ملك بلجيكا في مسألة الحجاب
في العام ,2005 تعرضت البلجيكية الجنسية (المغربية الأصل) نعيمة أمزيل إلى أزمة كادت أن تودي بها إلى أن تصبح خارج نطاق عملها في مصنع رومري للمعلبات البحرية قرب منطقة فلاندر غرب البلاد، وذلك لأنها كانت ترتدي الحجاب.

أمزيل، واحدة من المسلمين الذي يشكلون نسبة 5,4% من إجمالي سكان البلاد البالغ عددهم عشرة ملايين نسمة، إذ لا يزيد عدد المسلمين في بلجيكا عن 450 ألفاً.

في ذلك العام، تلقى رئيس المصنع ريك ريمري رسائل تهديد من مجموعة تطلق على نفسها ‘’أحرار الفلندرز’’ الجدد يطالبونه بطرد أمزيل إذا أصرت على ارتداء الحجاب أثناء العمل ، ونعتوه بالبلجيكي السيئ الذي يتعاطف مع المسلمين ويتعاون معهم. ووجهوا تهديداً لكلٍ من ريمري وأسرته. على الفور، جمعت إحدى جمعيات المستخدمين في بلجيكا تواقيع 17000 ألف شخص تضامناً مع ريمري وأمزيل.. وفي هذا السياق قالت رابطة مديري الأعمال مخاطبة المدير ريمري ‘’لعل موقفكم الهادئ يصبح رمزاً للتسامح في مقاطعة فلاندرز’’. ولكن أمزيل فضلت الاستقالة حقناً لأي موقف يمكن أن يسيء إليها أو إلى رب عملها المتعاطف معها، خصوصاً أنها تلقت سبع رسائل تهديد بنزع الحجاب أو ترك العمل، وواحدة كانت تحتوي على رصاصتين، أي أن واحدة لها والأخرى لرئيسها.

كان ملك بلجيكا ألبير الثاني، يتابع شخصياً تطورات هذه القصة، وما أن تفاقمت وصارت آلياتها تتحرك بسرعة يخشى فيها من الانفلات، قام - بصحبة قرينته - في 19 أبريل/نيسان 2005 بزيارة شخصية للمصنع، دعا فيها بشكل شخصي وخاص الموظفة المتحجبة للحضور، حتى تظهر في وسائل الإعلام جنباً إلى جنب مع الملك، وهناك قدم إليه أحد أبناء أمزيل لوحة فنية رسمها بنفسه، كما استقبل الملك وعقيلته مئات من أطفال المدرسة الابتدائية التي يدرس فيها أبناء أمزيل في تعبير عن تعاطفهم مع زملائهم أبناء الموظفة المهددة بسبب حجابها.


رد مع اقتباس
قديم 04-30-2010, 03:00 PM   رقم المشاركة : 5
الكاتب

أفاق الفكر

مراقب

مراقب

أفاق الفكر غير متواجد حالياً


الملف الشخصي








أفاق الفكر غير متواجد حالياً


رد: معارك الحجاب.. وصعود نجم الحشمة


(الحلقة الخامسة)
الحجـــــاب.. جوابــاً عــــلى خيبــات السـياســــة (5)


في 29 يونيو/حزيران من العام ,1972 نشرت صحيفة ‘’الأضواء’’ البحرينية [1] في عددها 350 صوراً من ضمن نشاطات ‘’كلية الخليج الصناعية’’ (جامعة البحرين بكليتي إدارة الأعمال والهندسة لاحقاً)، تضم مجموعة من الطلبة يرقصون على أنغام الموسيقى. كان الرقص مختلطاً، وكانت الفتيات (الغالبية منهن) يلبسن ‘’تنانير’’ بالغة القصر، منحسرة عن الركبة بما يزيد ربما عن الشبر. لم تنشر الصحيفة هذه الصورة من باب لفت الانتباه إلى ما يحدث في الكلية، ولا إلى ما ترتديه الطالبات، فقد كان هذا أمرا طبيعيا (سلك البلد) في تلك الفترة، وكانت هذه هي الموضة السائدة، ولم يكن أحد - إلا القلائل في تلك الفترة - يستنكرون أو يستنكفون هذا اللباس الذي لو ظهرت به فتاة اليوم لرميت بأوصاف مسيئة لها، تتناول عفافها ومسلكها.

في تلك الفترة التي شهدت نهايات فترة التحرر العالمية، وموجة ‘’الهيبيين’’ العالمية[2] كانت الحركة الهيبية في أواخر الستينات وأوائل السبعينات أكبر حركة احتجاج شبابي يعرفها الغرب، وانتقلت بتلاوينها المختلفة أيضاً إلى الوطن العربي، وإن بأقل حدة بالطبع لما كان في الغرب من مبالغة في كل أشكال كسر المعتاد. في تلك الفترة من الزمن، لم يكن الكثير يدركون أن هذا ‘’التطرف’’ في الخروج عن السائد سوف ينقلب في غضون سنوات قليلة فقط إلى نوع آخر من الممارسة الاجتماعية، تدعو إلى الحشمة، ثم المبالغة في الحشمة، باسم الدين هذه المرة. هناك من يرى أن الحجاب في البحرين كما في الكثير من الدول الخليجية انتشر بشكل كبير بعد الثورة الإسلامية في إيران (1979)، ولكن هذا المفهوم يراه آخرون أنه غير كامل، لأن موضوع ‘’الصحوة الإسلامية’’ كان قد بدأ قبل ذلك بسنوات كثيرة، إذ قيل أنه بدأ في النصف الثاني من القرن العشرين، مع وضع سيد قطب، وأبو الأعلى المودودي للكثير من الكتب والمؤلفات والرسائل التي صاغت الإسلام السياسي بشكل مختلف عما كان يتلقاه الأسلاف قبل ذلك.

بذور «الصحوة» والحجاب

كان تيار الإخوان المسلمين يتصاعد في مصر وإن تلقى بعض الضربات القاسية التي حجّمت دوره وانتشاره، فقد كان العامل السياسي - وليس الديني - هو ما سيطر على طبيعة الصراع بين التيار الناصري والإخواني في تلك الفترة. وظل الإخوان المسلمون - تحت قيادة حسن الهضيبي - يحاولون مسايرة الواقع السياسي في مصر، وعدم الاصطدام بالحكومة حتى اعتقل سيد قطب (أحد أبرز أقطاب التنظير الإخواني الجديد في مصر) وأعدم في فجر الاثنين 29 أغسطس/آب ,1966 فانشق جناح آخر من الحركة، وصار يعرف بحركة الجهاد الإسلامي التي امتدت جذورها إلى خارج مصر. كانت الأراضي الخارجية مهيأة أيضاً لاستنبات هذه الأفكار الذاهبة في العنف، والتي أدت - في مصر - إلى اغتيال الرئيس محمد أنور السادات، وبعض كبار المسؤولين في حوادث متفرقة، إضافة إلى الكثير من العمليات المسلحة التي جرت في مصر وخارجها تحت الغطاء العقائدي ذاته.


ويعتقد معظم المحللين السياسيين أن هناك عوامل عديدة ساهمت في هذا النشاط منها فشل حركات القوميين العرب والتيار الشيوعي من تحقيق أي تقدم ملموس في الواقع الاقتصادي المتردي في كثير من الدول العربية إضافة إلى قيام الجمهورية الإسلامية في إيران والتدخل السوفيتي في أفغانستان وصعود محمد ضياء الحق إلى السلطة في باكستان وحرب الخليج[3].

لكن، كان لنجاح الثورة الإسلامية في إيران دور مهم في الانحياز إلى التدين العام، وعدم النظر - في بدايات الأمر - إلى الجناح الذي انطلقت منه الثورة، فقد لقيت دعماً قوياً من الكثير من القطاعات الثورية والمتطلعة إلى الثورة، وجاش في نفسها أنه ما دام نظام الشاه المرعب والمتماسك والمدعوم من الولايات المتحدة قد تهاوى من قبل الشعب، فأي نظام يمكن أن يصمد أمام قوة الإسلام والصحوة الإسلامية؟.

توحدت التوجهات الإسلامية في تلك المرحلة المبكرة من السبعينات، وتصاعدت مع نجاح الثورة الإسلامية في إيران، وما أن هدأت فورة الحماس حتى التفت كلٌّ إلى ذاتيته، وبدأت مسابقات من نوع آخر في الاستقطاب. مع النصف الأول من الثمانينات، بات من الواضح أن الشارع يتحول بشكل متسارع إلى ‘’الأسلمة’’ في ظل انحسار وتراجع التيارات الأخرى التي كانت مسيطرة على الساحة قبل ذلك، وساعدت على ذلك الخيبات والنكسات التي تعرضت لها التيارات الليبرالية واليسارية والقومية على أكثر من صعيد، والملاحقات التي طالتهم على امتداد الوطن العربي والإسلامي، وتحول عدد كبير منهم إلى الفكر الإسلامي الجديد، فيما فضل البعض الآخر العيش بسلام واعتبار مرحلة الانتماء من مراحل التاريخ الذي ولى.

في هذه الفترة أيضاً أكد المنتمون إلى التيار الإسلامي (تيار الصحوة) التفسير الإسلامي للتاريخ، فقد سبقتهم قراءات مختلفة وتفسيرات متعددة لتاريخ المنطقة والأحداث التي مرت فيها، إذ رآه القوميون أنه تاريخ عربي وحسب، فيما رآه المؤرخون الشيوعيون من وجهة التجاذبات السياسية والعسكرية، وغلبوا العوامل الاقتصادية والصراع الطبقي على كل العوامل الأخرى. أما المؤرخون العلمانيون فكان جل همّهم إبعاد العامل الديني عن سير أحداث التاريخ، وصبّوا جهودهم على إعادة منح التاريخ الجاهلي رونقاً مختلفاً، على اعتبار أنه البــذرة الأساسيــة لعصر النهضة العربية وأن الإسلام يأتي مـــن ضمــن سياق هذا التطور وليس عاملاً مؤثراً فيه. [4]

التجارب الأولى للحجاب في البحرين

توحَّد ذوو التوجهات الإسلامية في البدايات، ورأوا أن هناك ‘’أعداء’’ للدين كله لا بد من دحرهم في البداية حتى يستتب الأمر للدين الإسلامي على المستوى الاجتماعي على الأقل، وبالتالي فقد كانت الدعوة إلى الصحوة وتغيير الأنماط السابقة من العيش والتفكير لا تستثني أحداً، ولا تستقطب أحداً بعينه، وهذا ما جعل الحجاب ينتشر في البحرين بالتزامن - تقريباً - بين أتباع المذهبين الأساسيين، وإن كانت لكل منهما آلياته الخاصة، وأذرعه ومؤسساته التي هي حكر عليه.

لذا تقول زهراء مرادي الناشطة السياسية التي خاضت معترك الانتخابات التشريعية الأخيرة، في سردها تجربتها مع الحجاب ‘’تأثرت كثيراً بعزيزة جلال المير، وآمال (معلمتان) في مدرسة زنوبيا، فبدأنا نلبس الحجاب بشكل يقترب مما نحن عليه اليوم’’.

يظل اسم عزيزة وأختها سعاد المير يترددان عند البحث في مسألة بداية ظهور الحجاب هنا، فلا يزال الاسمان يترددان في سياق ‘’الرائدات’’ في هذا الشأن، وإن أخذت الأختان طابعاً هادئاً من الناحية الاجتماعية والفاعلية السياسية في الوقت الراهن. فالحديث يدور عن أكثر من 30 عاماً مضت حينما كان الحجاب شيئاً غير مألوف، وغير مشاهَد في البحرين على العموم، إذ كانت العباءة - في تلك الفترة - مقصورة على كبيرات السن، أو أنها تتخذ لدى بعض الفتيات للف أجسامهن بها فقط كشكل اجتماعي خصوصاً في المدن ولا تُلبَس العباءة بوصفها أداة لازمة للستر أو تنفيذاً لحكم ديني.

النصف الثاني من السبعينات

تشير الطبيبة هيفاء محمود (واحدة من اللاتي ارتدين الحجاب مبكراً) ‘’أعتقد أنني رأيت الحجاب لأول مرة في السبعينات.. ربما في النصف الثاني من السبعينات، أي بين العامين 1976-,1977 وكانت معلماتي من أمثال سعاد المير، وسلوى محمد يوسف (وهي ابنة خالة المير)، هما أول من رأيتهما ترتديان الحجاب، وبدأتا تنشران الحجاب كجانب دعوي’’.

بعدما كان الحجاب غريباً، ترى سعاد المير اليوم أن الفكر الماركسي - على حد تعبيرها - نشاز، إذ تقول متحدثة عن ظاهرة عدم الالتزام الشرعي في الملبس العام للفتيات ‘’جاء هذا الفكر النشاز إلى مجتمعنا البحريني المسلم المحافظ بفعل انتشار الفكر الماركسي والاشتراكي وغيرها من الأنظمة والنظريات في تلك السنين، وتبعته حركات تحرر المرأة التي كان ظاهرها تحرير المرأة من الحجاب، بينما باطنها تحرير الناس من دينهم الإسلامي وخداعهم بشعارات عجفاء وتعبيرات رنانة خاوية’’.

تضيف ‘’كانت غالبية الناس في تلك الفترة لا تعرف المفهوم الصحيح للإسلام بأنه عبادة وقيادة وخُلق وعقيدة وسياسة واقتصاد وشريعة وقانون، إنما كان فهمهم للإسلام يقتصر على كونه عبادة فقط، أي: صلِّ صلاتك وافعل ما شئت’’.

تربط المير الصحوة الإسلامية في القرن العشرين بظهور الإخوان المسلمين في مصر، فهي تشير إلى أنه ‘’بفضل الصحوة الإسلامية في مصر في عشرينات القرن الماضي، ووصول هذه الصحوة إلى البحرين في أربعينات القرن الماضي (تأسيس نادي الإصلاح في 1941)، بدأت تؤتي ثمارها في سبعينات القرن العشرين’’. تتابع ‘’إذن، بفضل الصحوة الإسلامية التي عدلت مفهوم الإسلام في أذهان المسلمين، بدأ الناس يفيقون من غفلتهم ويحكّمون العقل، ويرجعون إلى التزامهم الديني بعد أن كادت النظريات الدخيلة الفاسدة أن تفسد عليهم حياتهم بإفسادها لدينهم، ولكن هيهات، قال الله تعالى (إنّا نحن نزلنا الذكر وإنّا له لحافظون)’’.

هوامش

[1] صحيفة ‘’الاضواء’’اسبوعية اسسها الراحل محمود المردي عام 1965وتوقفت عن الصدور في ديسمبر/كانون الاول1993
[2] ينقل جوزف داغر معنى ‘’هيبي’’ من قاموس ويبستر الانجليزي بقوله ‘’وجدت التعريف لكلمة ‘’هيبي’’: شخص يعارض أو يتصدى للمعايير والعادات والتقاليد المتعارف عليها في المجتمع. وهم يطالبون بالليبرالية المبالغة في المقاربات الاجتماعية والسياسية وانماط الحياة اليومية’’. (صحيفة ‘’الحياة’’ اللندنية - 24 يناير/كانون الثاني 2004).
[3] ويكيبيديا - الموسوعة الحرة.
[4] المصدر نفسه.

ما تقولــــه المعاجـــم

؟ ‘’الحجاب: السِّتر، حجب الشيء يحجبه حجباً وحجاباً: إذا اكتنَّ من وراء حجاب، وامرأة محجوبة: قد سُترت بستر.
والحجاب: اسم ما احتُجب به، وكل ما حال بين شيئين: حجاب، والجمع حُجُب، لا غير’’.
لسان العرب - ابن منظور
؟ الحِجَابُ: اسْمُ ما حَجَبْتَ به شَيْئيْنِ، وجَمْعُه: حُجُبٌ. وحَجَبَه عن الأمْرِ: حَجَزَه. واحْتَجَبَ فلانٌ: اكْتَنَّ من وَراءِ الحِجَابِ.
المحيط في اللغة - الصاحب بن عباد
؟ حَجَبَ الشيء يَحْجُبُه حَجْبا وحِجابا، وحَجَّبَه: ستره.
وقد احتَجَبَ وتحجَّبَ. والحِجابُ: ما احتُجِبَ به.
وكل ما حال بين شيئين حِجابٌ، والجمع حُجُبٌ لا غير، وقوله تعالى: (و من بيننا وبينك حِجابٌ) ومعناه: ومن بيننا وبينك حاجز في النحلة والدين، وهو مثل قوله: (قلوبُنا في أكِنَّةٍ) إلا أن معنى هذا أنا لا نوافقك في مذهب. وكل شيء منع شيئا فقد حجَبَه، كما تحجُبُ الأم الإخوة عن فريضتها.
المحكم والمحيط الأعظم - ابن سيده
؟ حَجَبَهُ حَجْباً وحِجاباً: سَتَرَهُ، كَحَجَّبَهُ، وقَدِ احْتَجَبَ وتَحَجَّبَ. (..) والحِجابُ: ما احْتُجِبَ به، جمعه: حُجُبٌ.
القاموس المحيط - الفيروزابادي
؟ الحَجْب: كُلٌّ شيءٍ مَنَعَ شَيئاً من شيءٍ فقد حَجَبَه حَجْباً. (..) والحِجابُ، اسمٌ: ما حَجَبْتَ به شيئاً عن شيءٍ، ويجمع على: حُجُب
العين - الخليل بن أحمد


حيرة الأزياء.. الحشمة والاقتصاد

لم يتغير الحجاب وحده في البحرين، بل تغيرت أيضاً نوعيات الملابس التي ترتديها الفتيات.. في البداية، كان التردد كبيراً في الزي العملي الذي يمكّن الفتاة المتحجبة من الدراسة والعمل من دون أن تنتقد من قبل رافضي حجابها، وبقيت تلبس حتى نهاية السبعينات التنورة الطويلة والقميص، ولكن هناك من انتقد أن القميص الذي يحزَّم، ‘’يصف’’ الجسم والخصر، ولما سرى هذا الرأي حتى على إسدال القميص الطويل إلى ما تحت الخصر بمسافة.

في النصف الأول من الثمانينات سرت موضة ‘’البالطو’’ الملون، وهو قطعة قماش واحدة تنسدل بدون تفاصيل واضحة، لا تصف الجسم بشكل محدد.

حتى هذا الزي جرى انتقاده أيضاً أنه يبقي الأكتاف واضحة، فيتبين جزء من تفاصيل جسد المرأة بما ينبئ عن بقية التفاصيل الأخرى المراد إخفاؤها.

في هذه الفترة، ظلت فتيات القرى مائلات أكثر للبس العباءة التقليدية فوق الملابس، حتى ظهرت العباءة البالطو التي اعتبرها قطاع كبير من النساء أنها حل عملي واقتصادي أيضاً، فهو يقوم مقام العباءة والبالطو ويتخذ من السواد لوناً له ويغنيهن عن تواتر شراء الملابس الجديدة التي تكون في هذه الحالة غير مهمة تفاصيلها وجدتها ما دامت مخبأة تحت هذا الساتر.

انطبق على البالطو العباءة ما انطبق على البالطو الثمانيني من انتقادات ‘’الوصف’’ للجسم، ففضلت فتيات متحجبات العباءة التقليدية السابقة كونه ‘’أستر’’.


رد مع اقتباس
قديم 04-30-2010, 03:04 PM   رقم المشاركة : 6
الكاتب

أفاق الفكر

مراقب

مراقب

أفاق الفكر غير متواجد حالياً


الملف الشخصي








أفاق الفكر غير متواجد حالياً


رد: معارك الحجاب.. وصعود نجم الحشمة



(الحلقة السادسة)
من الكويت.. يأتي الحجاب النموذجي



تبدأ روايات الحجاب بالتكشف واحدة تلو الأخرى في اللحظة الزمنية الدقيقة التي قررت فيها <>الرائدات>> لبس الحجاب في أجواء أقل ما يقال عنها إنها كانت <>مستغربة>> بدءاً.
انتقلت هذه الأجواء بعد ذلك إلى أطوار أخرى أهمها التململ، فالمقاومة، فالمهاجمة، وانتهت إلى <>فوز>> الحجاب في هذا السباق، وانساق المجتمع إلى هذه الحالة التي لم يعد مستغرباً فيه أن امرأة تتحول إلى الحجاب بسهولة ويسر.

في الشهادات التالية توصيفاً مهمّاً لمتابعي التحولات المجتمعية في البحرين، فهي تصف حالات مختلفة على ألسنة الفتيات اللاتي قررن بدء ارتداء الحجاب في وسط لم يكن يقبل هذه الفكرة.

واحدة من هؤلاء اللاتي يجمع الكثير أنها من اللاتي سبقن أخريات كثيرات في ارتداء الحجاب عن قناعة، سعاد المير. تظل المير وشقيقتها عزيزة جلال (المير) بالنسبة لنساء المحرق خصوصاً من متلقيات الصعوبات في ارتداء الحجاب في ذلك المجتمع قبل نحو 30 عاماً، بينما المير نفسها تقول إن <>أخوات لها>> في الحورة كن ارتدين الحجاب قبلها.

سعاد المير: ثم اهتديت

ما الذي دعا المير إلى هذا الزي الذي كان يعتبر من الغرائبيات في منتصف السبعينات؟.
تقول <>مذ كنت طالبة في معهد المعلمات في العام ,1974 وفكرة الحجاب تراودني (..) إنها فكرة الستر في الأساس إذ إنني تربيت في بيئة محافظة (..) كان دخولي المعهد هو المحفز الحقيقي للتفكير الجدي في الحجاب (..) لم أكن أشعر بالارتياح وأنا سافرة أمام زملائي وأساتذتي (..) بحثت عن طريقة أشعر معها بالارتياح ولم يكن هناك شيء متاح غير العباءة (الدفة) البحرينية التي كنت أرتديها على رغم أن الفتيات كنّ سافرات في ذلك الوقت>>.

لم تهتد المير إلى الزي الذي تود أن يكون زياً عملياً لها، ربما أخّرت هذا البحث بعض الشيء كونها عملت معلمة في مدرسة للبنات، فلم تكن تحتاج إلى البحث الكثيف في هذا الاتجاه. لكنها تقول <>في السنة الأولى من عملي، كنت أرتدي العباءة عندما يأتي موجّه أو أختصاصي من وزارة التربية والتعليم لزيارة المدرسة>>.

وتضيف <>كنت أغطي شعري وأرتدي جوارب لأشعر بقليل من الرضا عن نفسي مخافة من الله ومراقبة له>>. لكنها مع ذلك شعرت بنوع من عدم الارتياح أو التوافق مع ما تريده ومع أفكارها الخاصة بالستر وإرضاء الرب <>كنت أبحث عن زي عمليّ ساتر (...) فالعباءة كانت غير عملية علاوة على أنها لم تكن تحقق ما أرنو إليه من الستر>>.

كان التحول الأساسي لدى المير ذلك الذي حدث في صيف العام ,1976 فقد رأت <>الحجاب>> لأول مرة ربما عبر <>أخوات>> من <>الحورة>>.

في ذلك العام (1976) وهي السنة الأولى التي تعمل فيها معلمة في الوزارة، افتتحت جمعية الإصلاح أول مركز لتحفيظ القرآن الكريم للفتيات، وكان ذلك في الأول من يوليو/تموز من ذلك العام <>فتطوعنا للتدريس في هذا المركز، وارتدينا الحجاب أنا ومجموعة من المعلمات (...) كان عمري آنذاك 20 عاماً وعلمنا أن أخوات لنا سبقننا قبل ذلك التاريخ بأشهر قليلة في الحورة>>.

<>في ذلك الصيف>> تقول المير <>وفي ذلك المركز أيضاً، بدأت مجموعة من الطالبات يتحجبن (...) ويطلن فساتينهن، يحتشمن في الملابس من دون دعوة من قبلنا لهن بذلك، ولكن من باب الاقتداء بمعلماتهن ربما (...) وأيضاً لمَا كنّ يتعلمنه من القرآن الكريم والسنة النبوية والسيرة، فكان كل ذلك دافعاً لهن لكي يرتدين الحجاب إرضاء لله ورسوله>>.

الدور الكويتي

خليجياً، كانت الكويت في الستينات والسبعينات مصدر إشعاع مختلف الاتجاهات على معظم دول المنطقة، وربما للصلات الكثيرة البحرينية الكويتية، وقوافل التعليم ما بعد المدرسي التي كانت تتجه إلى الكويت نظراً لسبقها في تأسيس الجامعة والمعاهد الأكاديمية. ونظراً لأسبقية الكويت في الفنون والإعلام والثقافة والكثير من المجالات الأخرى، كانت تأتي أيضاً <>الموضات>> بأشكالها المختلفة، نسائياً ورجالياً. وكان الكثيرون في البحرين يودون التشبه بما يجري في الكويت ويحذون حذوهم حتى يلحقوا بأهداب ما يجري سريعاً هناك ويعد تطوراً نوعياً.

أسهم في هذا التقدم النوعي الكويتي على الكثير من دول الخليج خصوصاً بعدما تراجع دور البحرين في عدد المجالات لاكتشاف النفط في دول الخليج الأخرى بكميات أكبر وتوظيفه في مجالات شتى، وجود الكثير من الجاليات العربية هناك، إذ نقلت هذه الجاليات في الأجواء الأكثر انفتاحاً تجاربها المتنوعة، وعلى الجانب الفكري على نحو خاص، وأسهمت الصحافة والإعلام في اجتذاب الكثير من الكوادر العربية إليها لتجد فيها متنفساً متباين الاتجاهات.

ومن بين هذه الاتجاهات، وجد الأخوان المسلمون[1] في الكويت أنفسهم متماسّين مع التجارب المصرية بدرجة، والتجارب الشامية (السورية تحديداً) بدرجة ربما أكبر، وخصوصاً في ظل الأوضاع الأمنية التي مرّت على إخوان سورية والتي انتهت بأحداث مدينة حماة المشهورة[2].

وعلى رغم أن <>جمعية الإصلاح الاجتماعي>> (الكويت) جاءت متأخرة عن <>نادي الإصلاح>> (جمعية الإصلاح لاحقاً) في البحرين بنحو 22 عاماً، إذ أشهرت رسمياً في 22 يوليو/تموز ,1963 إلا أن أثرها البالغ مصحوباً بالديناميكية الممنوحة لها إثر توافر الكوادر العربية والكويتية النشطة، جعلها سابقة على زميلتها البحرينية، بل ومؤثرة فيها. ويمكن ملاحظة المشروعات في <>إصلاح>> البحرين ومدى تطابق مسمياتها مع <>إصلاح>> الكويت، ومن ضمن هذه المؤثرات، كانت فكرة الحجاب.

تقول المير <>كانت تلك الفترة فترة اكتشاف جديد بالنسبة لي، فلقد سافرت مع مجموعة من أخواتي إلى الكويت، فرأينا الحجاب - بشكله الذي اتخذناه بعد ذلك - بادئ في الانتشار في تلك الأيام (...) كن يرتدين الحجاب (المنديل) المثبت على الرأس، مغطياً كامل الشعر، ومن فوقه تلبس العباءة الخليجية المعروفة>>.

كأنها وقعت على مفتاح اللغز، كأنها وقد كُشف عنها الغطاء وأبصرت ما كانت تبحث عنه عندما تقول <>كان ذلك إجابة على الكثير من التساؤلات ونهاية لحيرة الملبس الذي يتواءم معنا>>. هكذا تقول المير التي تستطرد <>عندما اهتديت إلى هذا الزي الإسلامي، شعرت براحة نفسية كبيرة (...) شعرت بالعزة والرفعة وأن الله منّ عليّ بالهداية وأنه فضلني على كثير من نساء ذلك الوقت الذي كنّ فيه يلبسن القصير من الملابس (...) كان لبس العباءة بحد ذاته مصدر خجل وتردد لدى الكثير منهن على اعتبار أنه من بقايا الرجعية والعادات البالية التي لم تكن تتناسب من وجهة نظرهن مع التطور أو الحرية>>.

عوامل أخرى أيضاً أثرت عليها، إذ - كما تروي المير - كانت قد نشأت في بيئة محافظة ومتدينة، كان أخوها عبدالعزيز قد تديّن وسبقها بفترة في هذا الأمر <>دعاني وأختي (عزيزة) للحجاب (...) كان متقدماً علينا في فهم طبيعة الإسلام بأنه منهج متكامل للحياة وأنني ما دمت مسلمة فلا بد لي أن أطيع خالقي في كل أمر وألا أطيعه في العبادة فقط وأعصيه في الحجاب>>.

هيفاء: حجاب يفضي إلى الضرب

<>ربما النصف الثاني من السبعينات، أي بين العامين 1976-,1977 عندما رأيت الحجاب لأول مرة في حياتي>> هذا ما تقوله الطبيبة والناشطة السياسية في المنبر الوطني الإسلامي هيفاء محمود وما تتذكره عن المرات الأولى التي رأت فيها الحجاب في حياتها.. إذ كانت طفلة في تلك الفترة، ولم تعتد بعد فكرة لبس الحجاب، كما لم يعتدها المجتمع بأسره.

لم تكن محمود منتمية إلى أي من الجمعيات أو التيارات الإسلامية المعروفة والتي كانت قد بدأت تتشكل لتوها وتحاول أخذ مكانها في المجتمع. فقد كانت البحرين قد طوت للتو تجربة المجلس الوطني (أغسطس/آب 1975)، وطالت موجة الاعتقالات كثيراً من الناشطين اليساريين والقوميين، والمشاغبين حتى طالت من يصفهم بعض الناشطين بـ <>بتاع الأوتوبيس>> الذين أخذوا إلى المعتقلات بالظنة أو لتشابه الأسماء أو لسوء حظهم لتواجدهم في المكان الخطأ.

فانحسرت تلك الاتجاهات في الوقت الذي بدأت إرهاصات تدّين تنمو في المجتمع وإن بخطى بطيئة.
تقول محمود <>كانت معلماتي من أمثال سعاد المير، وسلوى محمد يوسف من أوائل من رأيت يرتدين الحجاب (...) كنت حينها في الصف السادس الابتدائي>>.

ربما كان الهاجس لدى معلمة ملتزمة وقد وقعت على كشف جديد وفكرة مغايرة للسائد أن تنشر ما وصلت إليه، ومن غير اللائق ولا المقبول دينياً أن تكتم <>الحق>> الذي تعتقده <>فبدأتا تنشران الحجاب كواجب دعوي>> تقول محمود التي أخذت تقرأ كثيراً في هذا الاتجاه. اليوم تعزو الطبيبة هذه الحماسة الكبيرة التي كانت عليها في البداية إلى صغر سنها وتأثرها بمعلماتها وطريقة إصرارهن على ما يفعلن <>وربما لأنني اقتنعت أنه جزء من الإسلام والعبادة، لذا اتجهت إليه>>.

ما الحال بالنسبة لفتاة صغيرة في المرحلة الإعدادية وهي تنفرد في أسرتها بلبس غريب جديد؟ ما الذي واجهته من لوم وتقريع ومشاكل لا عداد لها؟.

تؤكد <>كان الأمر في بدايته صعباً عليّ، فقد كنت طفلة لا أزال، والحجاب شيء طارئ على المجتمع في ذلك الوقت إضافة إلى أن أسرتي كانوا أناساً عاديين (...) لم يكونوا متبحرين في الدين، كانوا كأي أسرة بحرينية متوسطة المستوى>>.

تضيف <>وبحكم أن والدي كان مسؤولا في أحد المصارف، وهذا يتطلب علاقات اجتماعية واسعة مع المجتمع وخصوصاً طبقة المديرين والمسؤولين المتقدمين فكان لبسي الحجاب في هذا المجتمع بدا غريباً بعض الشيء>>.

تناهب هيفاء محمود شعوران متناقضان، فهي تشعر أن ما تفعله هو عين الصواب، وأنها كانت تفعل ما تريد وما هي مقتنعة به، وربما ساعد صغر سنها على أن تبالغ في المعاندة والإصرار، لكنها على الطرف الآخر تشعر بشيء من الحرج لموقف والدها أمام الآخرين. تستدرك هنا <>لم يتدخل والدي في قراري، على رغم أنني كنت صغيرة السن وكان يسهل عليه أن يأمرني بخلع الحجاب لأنني بدوت غريبة نوعاً ما في وسطي المجتمعي (...) ربما كان هذا يسبب له بعض الحرج في المقابل، كانت والدتي متعاطفة معي، وتميل إلى التدين أكثر، ولكنها أيضاً تأثرت بما تنقله لها بعض المعلمات في ذلك الوقت، ليس عن سوء نية، ولكن عن استغراب وعدم تقبل كامل لأمر حجابي>>.

تضيف <>كنت حينها من الأوائل وكنّ (المعلمات) يبدين لوالدتي نوعاً من الحسرة (عن حب) فشكلن ضغطاً عليها وأخذن موقفاً مضاداً للحجاب إذ كانت الفكرة جديدة وغريبة (...) من الميني جوب إلى طفلة تلبس الحجاب (...) البعض رأى أن الحجاب أمرا غير إسلامي ولا يتوافق مع عاداتنا>>.

تتابع موضحة <>وصل الأمر إلى تحريض والدتي لكي أزيل الحجاب (..) في الوقت نفسه بدأ المجتمع يتحرك ويصفنا بالإخوان المسلمين (..) كان لفظ (إخوان مسلمين) في المجتمع البحريني عموماً مستهجنا وغير مقبول ربما من أناس كثر (..) وهذا ما أثار فضولي للقراءة عنهم والتعرف على مبادئهم وذلك بدلا من أن أنفر من هذه التسمية>>.

كان ارتداء الحجاب مستهجنا بعض الشيء في البحرين، ولكن الأمر لم يصل إلى حدود غير مقبولة كما تروي الشاهدات، كان هناك استهجان، سخرية مكتومة، أو كلمات ذات مدلولات معينة، لكنها لم تتجاوز هذه الحدود. تجاوزتها عندما كانت محمود وأسرتها خارج الحدود، تقول <>عندما ارتديت الحجاب كان الصيف على الأبواب، وكنا قررنا السفر في ذلك العام (..) لا أعتقد أن والدي كان مرتاحاً أن أسافر وأنا مرتدية الحجاب إلى بلدٍ غربي ومع ذلك احترم رغبتي (...) لكنني واجهت مشاكل في الخارج حتى أنني في تلك السفرة تعرضت للضرب من قبل الأجانب الذين استغربوا من شكلي، وكان أخي التوأم معي وحاول أن يصدهم عني على رغم صغر سنّينا>>.

تضيف <>في تلك السفرة، تعرضت للضرب مرتين في مدينتين مختلفتين بسبب حجابي ليس أكثر كنت بين الثانية عشرة والثالثة عشرة>>.

كان هذا الحادث في أواسط السبعينات، حينها لم يكن هناك ابن لادن ولا طالبان ولا أيٍّ من الأسماء المرعبة اليوم في الغرب. لم تستطع محمود تفسير سبب الهجوم عليها ولا ممن بالتحديد فقد كانت مأخوذة ومشدوهة بما جرى لها، ولكنها كانت من الحوادث التي تزيد المرء إصراراً على ما هو ماض فيه، وهذا ما تقوله بوضوح <>ربما هذا ما زادني إصراراً على التمسك بالحجاب، لأنني رأيت فيه كينونتي>>.

هوامش

[1] بدأت حركة الإخوان المسلمين - التي أسسها في مصر حسن البنا وصديق طفولته أحمد السكري - العام 1928 كحركة شبابية تُعنى بالأخلاق الحميدة والإصلاح الاجتماعي، . وفي ثلاثينات القرن العشرين، زاد التفاعل السياسي لجماعة الأخوان المسلمين وأصبحت من عداد الجماعات الرسمية المصرية وفي بلدان كثيرة، منها الأردن في العام ,1939 وفي البحرين العام .1941
في العام 1942 - وفي الحرب العالمية الثانية - عمل البنا على تأسيس فروع لحركة الأخوان المسلمين في كل من شرق الأردن وفلسطين، كما قام الفرع السوري على الانتقال إلى العاصمة دمشق في العام .1944 وبعد الحرب العالمية الثانية، قام عناصر من الأخوان المسلمين المصريين بالمشاركة في حرب .1948 وحُلت الجماعة - في أعقاب اتهامها باغتيال النقراشى باشا - ولم يستطع المرشد السيطرة عليها لأنها واجهت سخطا شعبيا مما سهّل ومهّد لاغتياله، ومنعت الجماهير من حضور جنازته.
في ,1964 أعاد جمال عبدالناصر الإفراج عن أعضاء الجماعة بعد سلسلة من الاعتقالات وقيل كثيراً عن التعذيب الذي قاسوه، وأمر مجدداً باعتقالهم في أعقاب الإعلان عن اكتشاف <>مؤامرة>> لاغتيال الرئيس لا يزال يدور حولها الكثير من النقاش، وأدى ذلك إلى إعدام منظّر الجماعة سيد قطب في .1966
بعد حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973 أعطى أنور السادات لهم مساحة من الحرية لضرب الشيوعيين والناصريين ومن أسماهم <>مراكز القوى>> الذين كانوا معارضين انفتاحه على الولايات المتحدة ولاسيما بعد إبرامه معاهدة السلام مع <>الكيان المحتل>> في .1979 وكان السادات قد سرّب عن نيّته في تبني الشريعة الإسلامية في الأحكام والقوانين، فكسب تعاطف الأخوان، ولكن الأمر لم يستمر إذ عقد اتفاق كامب ديفيد الذي عارضته الجماعة، حتى اغتيل من جماعة انشقّت عن الأخوان المسلمين وآمنت بالعنف في سبيل تطبيق <>الحاكمية لله>>، وهم من أسمتهم وسائل الإعلام المصرية في تلك الفترة جماعة <>التكفير والهجرة>>.
[2] أدت الوحدة بين سورية ومصر في 1958 إلى حظر نشاط الأخوان المسلمين في سورية تبعاً لما هو جار في مصر، ولكن بعد فشل التجربة في ,1961 عاد الأخوان السوريون إلى الظهور وفازوا بعشرة مقاعد في الانتخابات، ولكنهم عادوا إلى العمل السري بعدما انقلب حزب البعث على النظام واستولى على الحكم. وتعقد الأمر أكثر بتولي الرئيس الراحل حافظ الأسد مقاليد الحكم خصوصاً لانتمائه إلى الطائفة العلوية.


في 25 يونيو/حزيران ,1980 أعلن عن محاولة اغتيال للرئيس الأسد. فعمل على الحصول على تفويض من البرلمان السوري باعتبار الأخوان المسلمين من الجماعات المحظورة وإقرار قانون ينزل عقوبة الإعدام بكل من ثبت انتماؤه للجماعة، وإرسال الجيش إلى مدينة حماة ودكها بالطائرات، وتفاوتت الإحصاءات عن عدد من لقوا حتفهم في تلك الحملة ما بين 10 آلاف شخص و40 ألف شخص.


رد مع اقتباس
قديم 04-30-2010, 03:09 PM   رقم المشاركة : 7
الكاتب

أفاق الفكر

مراقب

مراقب

أفاق الفكر غير متواجد حالياً


الملف الشخصي








أفاق الفكر غير متواجد حالياً


رد: معارك الحجاب.. وصعود نجم الحشمة



(الحلقة السابعة)
«خوانم» إيــران ينقلن التجـارب وينشــرن القمــاش


في الحلقة الماضية استعرضت السلسلة جانباً من تجربة بداية ‘’رائدتين’’ من رائدات ارتداء الحجاب في البحرين، وليس الهدف منها الوصول إلى ‘’أول’’ من ارتدت الحجاب، بقدر ما هو التعرف إلى الأجواء التي بدأ فيها، وكيف تم استقبال هذا المنديل الجديد على الرأس، وكيف تحولت لابساته من قلة قليلة محارَبة ومحارِبة أحياناً،ومحاصَرة، إلى أن يسود الحجاب - لا في البحرين وحسب، بل - في الكثير من الدول العربية والإسلامية، وكيف حلّ محل الملابس التقليدية التي كان الناس ‘’يظنون’’ أنها ساترة بما يكفي، فاكتشفوا أنها لا تستر كفاية، ولا بد لها من إضافات بحسب التفسيرات الجديدة القديمة للآيات والأحاديث التي كانت موجودة على الدوام منذ أن نزل الدين الإسلامي، ولكن أعيدت قراءتها من جديد، وأدخلت عليها التفسيرات التي اعتقد واضعوها أنها هي عين الصواب.

النموذجان في الحلقة السالفة (سعاد المير وهيفاء محمود) تنتميان إلى ‘’جمعية الإصلاح’’، الجناح البحريني للإخوان المسلمين، ولكن الصدف تقودنا إلى ‘’رائدة’’ أخرى تختزن تجربتها الخاصة ولكن على ضفة أخرى من ضفاف الحجاب، إنها الناشطة السياسية زهراء مرادي.

تحجّبت مرادي، أو احتجبت مبكراً جداً عندما كانت في الصف الرابع الابتدائي، كان ذلك في العام ,1974 منذ 33 عاماً لم ير غير محارمها رأس مرادي مكشوفة، ولكن حجابها في تلك الفترة ليس هو حجابها اليوم ‘’كان حجابنا في تلك الأيام قطعة مثلثة من القماش تظهر الرقبة، وكنا نلبس المراييل القصيرة نوعاً ما، كان حجابنا أقرب ما يكون إلى ما تلبسه السيدات في الشام’’ حسب ما تقوله مرادي.

خانم.. خانم
لكن مرادي تشرح سبب تحجبها مبكراً قائلة ‘’تحجبنا تأثراً بمعلمة إيرانية كانت تأتي في تلك الأيام إلى البحرين في مأتم بوشهري لتلقي دروساً ووعظاً، كانت تُدعى خانم حكمت (...) تذهب النساء إلى درس خانم حكمت بالحافلات لقدرتها وتمكنها وطريقة إقناعها العالية لهن بأهمية الاحتشام والستر والحجاب (...) كانت والدتي تأخذني إلى دروسها، فقد كانت متأثرة بها أيما تأثر’’.

بقيت خانم حكمت عامين في البحرين تقريباً، وخلفتها خانم سفري التي حملت مشروع ‘’عصمتية’’. كان لخانم سفري التأثير الأكبر على حياة زهراء مرادي وتلقيها للعلوم منها ‘’ولأنها كانت فارسية اللسان، فقد انحصر تأثير دروسها في العجم البحرينيين، فكانت فيما بين العامين 1975-1976 تقيم الحلقات الدينية، وبدأ الحجاب في الانتشار على نطاق ضيق بين الفتيات البحرينيات، فكانت خانم سفري تؤكد كثيراً أهمية الحجاب وأهمية الالتزام به، فاتسعت حلقات الفتيات اللاتي كن ينتظمن فيها، وبدأ عدد من المآتم يفتتح مدارس مماثلة’’ حسب مرادي.

كانت لخانم سفري يد طولى في هذه المدارس التي تقام في المآتم، بل وأتت بمعلمات أخريات من إيران كانت أشهرهن خانم صالحي، ويمكن إطلاق تعبير ‘’صحوة الحجاب’’ على تلك الفترة من السبعينات.
مرادي التي تقيم في حي البنعلي (المحرق) انتقلت إلى المرحلة الإعدادية مع قلة قليلة جداً من الفتيات ترتدي الحجاب على رأسها. لكنها شعرت بارتياح كبير لدى مصادفتها معلمات يرتدين الحجاب أيضاً من أمثال عزيزة جلال المير وأختها سعاد، ومعلمة تدعى آمال. كانت مدرسة زنوبيا الإعدادية للبنات المحضن الأساسي في المحرق كما يظهر لانتشار فكرة الحجاب في البحرين أو لنقل في المحرق على الأقل.

هل كانت المعلمات ‘’يبشّرن’’ بالحجاب أو يمارسن نوعاً من الضغوط على الطالبات غير المحجّبات؟ تجيب مرادي ‘’أشعر الآن أن معلماتنا حملن مسؤولية التعريف بالحجاب (...) ليس الإجبار ولكن التحبيب فيه (...) لم تكن تلك المعلمات يلقين دروس المنهج وحسب، بل وكنّ يقتطعن من الحصص عشر دقائق تقريباً للتنبيه لأهمية الالتزام الديني وأننا وصلنا إلى سن التكليف وأن الحجاب بات واجباً علينا’’.
تضيف ‘’كانت معلماتنا أولئك داعيات ذوات أسلوب وجداني يخاطب مشاعرنا التي كانت تتشكل في تلك المرحلة العمرية’’.

المحاصرة والمقاومة
ساعدت عوامل كثيرة وبتفسيرات مختلفة على انتشار التديّن في المنطقة بأسرها، لكن هذه الظاهرة لم تأت من دون مقاومة تذكر. تروي سعاد المير جانباً من تجربتها مع زميلاتها ومسؤولاتها في المدرسة إثر تزايد عدد الطالبات اللاتي يتحجبن.. الأمر يبدو أوضح في الطابور الصباحي، كأن الرؤوس السوداء الشعر تتقلص لصالح رؤوس بيضاء المناديل، ولكنها لم تكن بتلك السلاسة من وجهة نظر المير ‘’حدثت مواجهات عدة، منها: مديرة مدرسة تمنع طالبات متحجبات من دخول الصف باعتبار أن الحجاب يخالف الزي المدرسي.

معلمة تطلب من طالبة أن تخلع الحجاب وإلا تُحرم من الحصة، ترفض الطالبة خلع الحجاب، فإذا بالمعلمة تنزع الحجاب من على رأس الطالبة بالقوة وترميه على الأرض وتدوسه بقدميها.

معلمات أخريات يحاربن الطالبات المتفوقات في درجاتهن، وتقول إحداهن لطالبة متحجبة ‘’مادام هذا الحجاب على رأسك فلن تحصلي على درجة كاملة’’.

معلمات حاربن الحجاب داخل الفصول، وتقول إحداهن للطالبات إن الحجاب رجعية وتخلف.
مديرة مدرسة تتنصت على معلمة متحجبة لتعرف ما إذا كانت المعلمة تحدث طالباتها عن الحجاب أم لا.
محاولات كثيرة من قبل بعض المعلمات والمديرات مع الطالبات والمعلمات المتحجبات لثنيهن عن ارتداء الحجاب’’. ربما كان لزميلات ومسؤولات الأمس وجهة نظر أخرى فيما ذهبن إليه، فقد تحفظت تلك ‘’الرائدات’’ عن البوح بأسمائهن، فلقد ‘’هداهن الله فيما بعد’’ كما تقول المير، وليس من اللائق اليوم النبش في الدوافع تلك، إلا أن هذه الضغوطات أثمرت مع هيفاء محمود وإن إلى حين.

تقول ‘’اشتد الأمر في مرحلة لاحقة، لا أتذكر الحيثيات الآن، ولكن بفعل القوة والضغط جرى نزع حجابي لمدة شهرين أو ثلاثة (...) قاومت الأمر بشدة وإصرار حتى استعدته من جديد وبدأت أكوّن جماعة تدعو إلى نشر الحجاب في المدرسة (...) كنت في مدرسة زنوبيا الإعدادية للبنات ونجحنا مع الأخوات في نشر الحجاب بين الطالبات’’.

مجايلات محمود يقلن إنهن كنّ يأخذن على هؤلاء الفتيات أنهن تحجبن مساء أمس، ليأتين صباح اليوم التالي داعيات واعظات، ربما هذا مصدر ‘’غيظ’’ بعض اللاتي قاومن الفكرة فترة من الزمن. إلا أن محمود تعطي تفسيراً للأمر بقولها ‘’من لديه قضية ويتحمس لها ويخلص، لا بد أن ينجح يوماً ما (...) من الطبيعي أن يقرأ صاحب القضية في قضيته ويتعمق في القراءة، ويتحدث عنها في كل محفل (...) عندما تسألني اليوم عن آخر كتاب قرأته في مسألة الحجاب سأجيبك ليس قبل 15 عاماً’’. تضيف ‘’لأنني تجاوزت الموضوع وصار الحجاب اليوم جزءاً مني ومن كثير من نساء المجتمع وربما ليس فيه الكثير ليقال أيضاً، فتم طرح الكثير من المسائل والشبهات والردود من كل الأطراف (...) فلم تعد مسألة الحجاب (قضية) بالنسبة لي الآن لكنها كانت كذلك قبل 30 عاماً مثلا (...) كنت أقرأ يومياً، أناقش يومياً وبشكل مكثف عن موضوع الحجاب لأدافع عن هذه القضية وأهضمها تماماً، كان شبه البرنامج والواجب بالنسبة لي’’.



التنظيم للحجاب.. ولما وراءه

على الضفة ‘’الإصلاحية’’ لم ترغب محمود في الاستطراد عن ‘’تنظيم’’ جنيني للحجاب، تكتفي بالقول ‘’كنا 15 فتاة تجمّعنا في البداية (...) ربما هي الفكرة ناتجة أننا واجهنا مشكلة من المجتمع الذي لم يتقبلنا في مطلع الأمر (...) كانت غالبية اجتماعاتنا تجرى في المدرسة (...) نذهب إلى معلمتنا سعاد المير ونجلس إليها فنجد اطمئناناً (...) كان لديها ما يشبه الرسالة وكنا نتلقاها بشغف، توجِّهنا تربوياً خارج نطاق الدرس’’.

تضيف ‘’كانت لدينا فرق تتحرك خارج المدرسة (...) لا أنسى تلك الأيام التي كان الحجاب فيها ينتشر بسرعة كبيرة ومفرحة لنا (...) كانت اتصالاتنا لا تنقطع ببعض وكانت لدينا تقارير يومية عن انتشار الحجاب والعدد الجديد الذي انضم إلى الركب فأصبحنا عدداً كبيراً ملفتاً (...) كانت لدينا الرغبة في تنظيم أمورنا أكثر لكننا لم نكن منظمات بالشكل المعروف للتنظيمات’’. ولكن على ضفة ‘’الخوانم’’ يبدو الأمر أكثر وضوحاً لدى مرادي، التي تقول ‘’المعلمات والدروس والأشرطة الدينية من الطائفتين، والأناشيد التي بدأت تظهر في تلك الفترة كانت سندنا النفسي وزادنا الذي يغذينا لكي نستمر فيما نحن ماضيات فيه (...) ظلت الأشرطة والأناشيد الدينية تزودنا بالحماس بشكل كبير’’.

مازالت ذاكرتها خصبـة لتتذكر نشيدا مكرسا للحـجاب في تلك الأيام يقول:

‘’فليقولوا عن حجابي لا وربي لن أبالي
وليغالــوا في عتـابي إنه يفني شبابي
لن ينالـوا مــن ردائي إنه رمز النقاء
سرت والتقـوى ردائي خلف خيل الأنبياء’’


رد مع اقتباس
قديم 04-30-2010, 03:10 PM   رقم المشاركة : 8
الكاتب

أفاق الفكر

مراقب

مراقب

أفاق الفكر غير متواجد حالياً


الملف الشخصي








أفاق الفكر غير متواجد حالياً


رد: معارك الحجاب.. وصعود نجم الحشمة

تبتسم مرادي كأنها تتذكر تلك الفترة بتفاصيلها، أو كأنها تشمّ رائحتها لتقول ‘’وأيُّ شرف لمسلم أن يسير خلف خيل الأنبياء! (...) كانت المعنويات مرتفعة جداً والصعوبات تزيدنا إصراراً وقوة إضافة إلى بعض من الأمور المساعدة والمساندة لنا، على اعتبار أننا اليوم في آخر الزمان وأننا غرباء والقابض على دينه كالقابض على الجمر (...) هذه الخصوصية كانت واحدة من دوافعنا الكبيرة للالتزام، ولعبت الأشرطة دوراً رئيساً في تشكيل الوعي الإسلامي المبكر (الصحوة) في تلك الفترة كأشرطة حميد المهاجر، حسن الصفار، فوزي السيف، سيد هادي المدرسي (الذي يعتبر الأب الروحي لجبهة التحرير الإسلامية)، إلى جانب الكتب التي تصل مجاناً من دار التوحيد في الكويت لكل من يراسل الدار’’.

مرادي الناشطة السياسية اليوم والتي خاضت تجربة الانتخابات البرلمانية في اكتوبر/ تشرين الأول ,2006 كانت جذورها الفكرية واضحة منذ صغرها. إحدى مجايلاتها تقول لنا ‘’مرادي والكتاب في يدها كالشامة التي على الجسم لا تنفك (...) كنا لا نراها في المدرسة إلا وهي ممسكة بكتاب صغير تبدو عليه آثار القراءة المتكررة والاستعمال المكثف وقد اهترأت أطرافه (...) هذه الصورة التي ترد كلما ورد اسم زهراء مرادي بعد كل هذه السنوات’’. هل هذا كل شيء بالنسبة لمرادي؟ يبدو أن الأمر أبعد من مجرد قماش يُلبس على الرأس، فقد تغلغلت ‘’الصحوة’’ في نطاق ضيّق، فتم إنشاء الصندوق الحسيني الخيري، فيما شكلت الفتيات حلقات و’’خلايا’’ لوضع برامج للقراءة والعرض على الأخريات، وممارسة الطقوس والأدعية والاستماع إلى الجديد من الأشرطة، كان الجدول متكاملاً وموزعاً على فتيات الحلقة التي تتسع.

عند مصطلح ‘’خلايا’’ توقفنا مع مرادي التي لم تتردد في القول إنها كانت منتمية إلى ‘’الجبهة الإسلامية لتحرير البحرين’’، وكانت الخلايا قد بدأت في التكوّن في العام .1979 وفي الفترة اللاحقة التي سادت فيها فكرة تصدير الثورة الإسلامية في إيران إلى دول المنطقة ‘’انتظمنا في الخلايا وأدينا القسم أن نكون جنوداً مخلصين للجبهة وأن نحفظ أسرارها(...) كنت في الرابعة عشرة حينها، لكن أهلي لم يكونوا مترددين في انضمامي إلى الجبهة على رغم من الاعتقالات وعمليات التسفير التي طالت الكثير من الأقارب والجيران في منطقتنا في فريق البنعلي (المحرق) وكنا نتوقع أن يأتينا الدور في أي لحظة’’.

تتابع ‘’كانت ثيابنا ومتعلقاتنا موضوعة في حقائب سفر تحسباً لأي طارئ (...) التوجس هو ما ننام عليه كل ليلة، خصوصاً وأنني أفتقد والداً لم أره مذ كنت في الرابعة من عمري إذ توفاه الله حينها وبقيت والدتي هي المعنيّة بأمرنا (...) في فترة لاحقة عُرض علينا جواز سفر آخر للخروج من البحرين بسلام لكننا تمسكنا بأرضنا.. (تضحك) لا أقوى على مغادرة المحرق، فكيف بالبحرين كلها؟!’’.

هكذا رآنا المجتمع
ظاهرة جديدة في المجتمع، كيف يمكن قبولها؟ ككل الظواهر الحافرة في عمق المجتمع الذاهبة إلى تغييره، قاوم المجتمع البحريني هذا التوجه الجديد، خصوصاً لارتباط بداياته بالإخوان المسلمين (على الجانب السني)، وفي مناطق كثيرة هنا ما إن يرد اسم الإخوان المسلمين حتى تتهاوى القصص والوصوف لما وقع بينهم وبين جمال عبدالناصر، وفي تلك الفترة لا تزال الكثرة الكثيرة في المناطق المدينية تدين لعبدالناصر بالكثير الكثير من الرفعة والصحوة القومية والاستنهاض العربي والكرامة والعزة. ولا يزال الرجل بعد 37 عاماً من رحيله رمزاً في البحرين وفي غيرها من الدول، وبالتالي، لم تستسغ قطاعات عريضة في المجتمع هذا التوجه الجديد.. أطلقت عليهن مسميات تنال من أشكالهن ووصوفاً أقل ما يقال فيها إنها جارحة، تصل إلى أسماع البعض منهن مسمى ‘’غراش الآجار’’ (برطمانات المخلل).
تضحك مرادي وهي تقول ‘’بعض النسوة في الحي اعتقدن أننا نلبس الحجاب لعلة فينا، أو مرض في شعر رأسنا مثلا (...) اعتقدت البعض أننا أصبنا بالصلع ولذا نتستر بالمناديل إذ لم تكن معروفة في تلك الفترة، فكانت الفتاة المحافظة تكتفي بلبس العباءة على رأسها وحسب’’.

فيما كانت سعاد المير تشعر ببعض المرارة من تلك الفترة، تعبّر عنها بقولها ‘’بعد أن تحجبنا، كنا نمشي في الطرقات، فينظر إلينا الناس باستغراب متسائلين: ما هذا الزي؟ ولماذا تبلسه هؤلاء الفتيات؟’’.
كانت الفتيات المتحجبات مطالبات بالكثير من الثقافة والرد على كل سؤال. تقول المير ‘’كانت الأسئلة تدور بين الناس وتصل إلينا أحيانا، وأحيانا يسألوننا هذه الأسئلة بشكل مباشر، ويدور حوار بيننا حول الحجاب المفروض من الله تعالى وهذا ما نعتقده، ويردون علينا أن المجتمع لم يعرف إلا العباءة وليس هذا الملبس الجديد الذي نلبسه..’’.

في صحيفة محلية، كتب عنا أحد الصحافيين يقول ‘’هناك ظاهرة ظهرت عندنا في البحرين وهي أن بعض النساء يلبسن لباساً كأن الواحدة منهن (أمّ حمار)’’.

لكن الوقع يبدو أخفّ بعض الشيء لدى هيفاء محمود، فكانت تشير إلى تعرضها وزميلاتها إلى بعض الوصوف القاسية في البداية ‘’واجهنا صعوبات، وتأثرت والدتي بمقولات المعلمات، ولكنها كانت فترة قصيرة وانتهت بلبس والدتي نفسها الحجاب الملتزم، وكان هذا منوال الجميع في البحرين في تلك الفترة’
ستدرك ‘’لكن ليس جميع الفتيات تعرضن للمشاكل والصعوبات، وفي الحقيقة لم تكن تلك الصعوبات بالغة أو مؤثرة كثيراً فينا، فقد حُرمت من الذهاب في تلك الفترة إلى التجمعات المختلطة (...) بل امتنعت من تلقائي عن الذهاب إليها حتى لا أؤذي والدي بأن أعرّضه لأسئلة الفضوليين والتي ربما يُحرج منها’’. تسبح قليلاً في ذكرياتها وتستطرد ‘’عندما ألتفت ورائي في الصف أرى الطالبات من دون حجاب وأنا وحدي أحياناً أكون المحجبة في الفصل، الأمر كان معاناة يومية (...) هذا كثير علينا، أحياناً أفكر مع نفسي: كيف فعلتها؟ (...) بدأت أتخطى الأمر بسهولة عندما وصلت إلى الصف الثالث الإعدادي، فقد انتشر الحجاب إلى غير رجعة’’.



«أسماء» قد تصبح أول نائب متحجبة في أوروبا
تثير أسماء عبدالحميد (25 عاما) الدانمركية من أصل فلسطيني جدلا على الساحة السياسية ولدى الرأي العام الدنماركي منذ أن أعلنت نيتها في الترشح لمقعد نيابي، كونها امرأة ترتدي الحجاب وترفض مصافحة الرجال. ومن المحتمل جدا أن تصبح هذه الشابة أول امرأة محجبة تشغل مقعدا في برلمان دولة أوروبية بعد أن تم تعيينها مرشحة عن حزبها ‘’لائحة الوحدة’’ (يسار متطرف) في السادس من مايو/ أيار الجاري.

وصلت أسماء المولودة من أبوين فلسطينيين إلى الدنمارك وهي في الخامسة من عمرها. والآن هي مستشارة للشؤون الاجتماعية عن مدينة اودينسي. وقد برزت شخصيتها من خلال التزامها ‘’الحق في الاختلاف’’ إزاء منتقديها الذين يرون فيها امرأة مقموعة.

وبحسب استطلاع للرأي، فقد احتلت أسماء المرتبة الثانية في قائمة المرشحين عن حزبها في كوبنهاغن للانتخابات التشريعية التي ستجرى في مطلع فبراير/ شباط 2009 ما يعني أنها قد تنتخب بسهولة.

وكانت أسماء قد شكلت سابقة في العام 2006 حين أصبحت أول مقدمة برامج متحجبة على التلفزيون الدنماركي.

واعترضت زعيم ‘’حزب الشعب الدنماركي’’ بيا كييرسغارد - التي بنت نجاح حزبها على رفض المهاجرين المسلمين - على هذا الترشيح معتبرة أن الحجاب ‘’غالبا ما يفرض على فتيات بريئات من رجال متسلطين’’. وقالت إنها تشعر ‘’بنوع من الشفقة’’ على امرأة ‘’تحاول أن تقنعنا أن الحجاب يحررها’’.
أما أسماء، فترد على هذا الهجوم بالقول ‘’إنني حرة حين أضع هذه القطعة من القماش على رأسي. انه خيار صائب بالنسبة لي. وإنني أفضل إلقاء التحية على الرجال بوضع اليد على قلبي لأظهر صدقي واحترامي. لكنني لن اطلب أبدا من (نساء) أخريات أن يقمن بالمثل’’.

وترى أن البرلمان ‘’هو وسيلة لمسلمة دنماركية للنضال في سبيل أفكارها مثل المساواة بين الرجل والمرأة’’.

وفي رد فعل آخر على انتقادات اليمين المتطرف، ظهرت النائب عن الحزب الراديكالي (معارضة) ووزير التربية السابقة اليسبيت غيرنير نيلسن، وهي ترتدي حجابا أمام المصورين والصحافيين. ودافعت عن ‘’الحق في الاختلاف وحرية التعبير والتسامح’’، وقالت ‘’المهم ليس ما ترتديه على رأسك إنما الأفكار التي تعبر عنها’’. (كوبنهاغن - ا ف ب)

السوق الذي أفسد المفاهيم

بدأ الحجاب بشكل ليس هو الشكل الذي نراه اليوم، وليس كما كان في السابق. اختلفت ألوانه وتغيرت اتجاهاته، دخل الحجاب في آليات دور الأزياء، وكان في أواسط الثمانينات الحجاب الذي يحمل في طرفه كلمة Golden من أشهر الأنواع، لكن سرعان ما دخلت دور الأزياء وتصميم خطوط الموضة في السباق في هذا الشأن أيضاً، وصار المنديل ماركة، واستجاب إلى التطورات التالية لما بعد الرمز الديني، انتقل إلى الشأن المجتمعي.

ورافقت هذه التحولات وربما سبقتها أشكال في لبس الحجاب ما بين الشكل المصري، الذي ينحو إلىضع ما يشبه العقال على الحجاب، مع ترك الرقبة والأذنين ظاهرتين.. الكويت مصدر التقليعات أيضاً لم تتوقف عن خلق أشكال للحجاب، الفضفاض حينا، والمتعدد الطبقات حينا، ذاك الذي تسبقه قبعه ويليه القماش، يرخينه الفتيات حيناً، ويشددن من إحكامه حيناً. بات الحجاب موضة، وتعددت النظرات إليه.

مريم عبدالغفور البائعة في محل للعباءات والحجب، تقول إنها شهدت في مدة عملها (23 عاماً) في هذا المجال الكثير من التغيرات التي رافقت الحجاب ‘’كانت الموضات تتغير ببطء في البداية، ولكنها اليوم سريعة التغيير، وهذا يلزمنا أن نرجع البضاعة (القديمة) إلى مصادرها ونأتي بالجديد إلى المحل’’.
لا تلبس مريم الحجاب بشكله التقليدي، لكنها تستعيض عنها بـ’’الملفع’’ الأسود الملفوف بإحكام على الرأس، وتقول مبتسمة ‘’لست مسؤولة عن الكيفية التي ترتدي بها فتيات اليوم هذه الحجب، أنا أبيعها وحسب..’’.

نظرات متغيرة لحُجُب متغيرة
رجوعاً إلى رائدات الحجاب في البحرين، أو لنقل بعضاً منهن اللاتي يشتركن معنا في هذا الملف، فإن لكل منهن أيضاً نظراتها المختلفة لما طرأ على الحجاب من تغيير على مر الزمان، فالنظرات تتفاوت بين ‘’التفهّم’’ لطبيعة التغيير، والرفض لأي مساس بهذا التغيير لأنه يخدش المعنى والفكرة من الحجاب في الأساس.

سعاد المير، المعلمة التي أخذت على عاتقها نشر فكرة الحشمة والتدين في نطاقها، ترى أن هذه الموضات خدش للحجاب المتلزم ‘’من المؤسف أن البعض في أيامنا هذه تلبس الحجاب كتقليد أو موضة أو عادة اجتماعية، وليس من باب إرضاء الله وطاعته’’.

تضيف ‘’نجد أشكالاً للحجاب كأن ترتدي الواحدة ملابس ضاغطة على جسمها بأكمله ثم ترتدي على رأسها غطاء (...) أو ترتدي أخرى أحدث صيحات الموضة لافتة النظر، وتتخذ من الاكسسوارات المالئة لصدرها ويديها الشيء الكثير اللافت، وتخرج بماكياج كامل ثم تغطي شعرها، أو جزءاً منه بغطاء، ما معنى هذا الغطاء؟’’ هكذا تتساءل المير.

يقفز الألم من كلمات المير التي تود أن ترى المتحجبة متحجبة عن قناعة كاملة والتزام حرفي بما تعتقده من أوامر الستر كما فسّرها العلماء، أما هذا الوضع المتأرجح في منزلة بين المنزلتين فلا مكان له.
تقول ‘’فإما أن يكون الحجاب بشكله الشرعي بألا يصف ولا يشف ولا يكون لباس شهرة (أي ملفت للنظر) وإما تركه كاملاً (...) فليس هناك نصف مسلم أو رُبع مسلم أو عُشر مسلم’’ حسب تعبيرها.

حسن.. أليس من تلبس ‘’ما يشبه الحجاب’’ أفضل بالنسبة لك ممن لا تلبسه بالكامل، إذ إنها بلغت منتصف المسافة بين الستر والسفور، وهنا تسهل مهمة إقناعها من قبل الناشطات الإسلاميات؟ هكذا تساءلنا، فتقول المير ‘’هذا النوع من الحجاب إساءة إلى الحجاب، وعادة اجتماعية مستحدثة وليست من التدين في شيء’’.


وتزيد ‘’صحيح أن بعض المتحجبات تلبس الحجاب كعادة اجتماعية وليس التزاما دينيا، في حين أن هذه النوعية من المتحجبات عندما تقوم بأعمال مخلة للآداب أو القيم أو الدين، فإن هذه المخالفات يجب ألا تحسب على الدين والتدين، لأنها لو كانت لبست الحجاب عن تدين وإرضاء لله، لما استطاعت أن تعصي الله في أمور أكبر’’.


وتؤكد ‘’الحجاب الصحيح هو الذي يدفع المسلمة إلى عمل كل ما تستطيع لإرضاء الله وكسب جنته، ويدفعها أيضاً إلى اجتناب كل ما يغضب الله ويكسبها سخطه’’.

‘’شيء أفضل من لا شيء’’، هذا ما تراه زهراء مرادي في شأن الموضة والحجاب، مستطردة أن هناك من الفتيات من يرتدين الحجاب عن غير قناعة، أو مسايرة للوضع الاجتماعي اليوم، لكن هؤلاء يجب ألا يحسبن على المتديِّنات. تقول ‘’أعتقد أن بعض الديكورات الطارئة على الحجاب رفعاً وخفضاً، إزاحة وإماطة ربما تسيء إلى المعنى الأساسي للحجاب الرامي إلى حماية المرأة ورمزاً لعفافها وسترها (...) يلتقط مناهضو الحجاب هذه الموضات والأشكال المتغيرة حجة للنيل منه وممن ترتديه عن قناعة والتزام، متخذين النماذج غير الملتزمة به كلياً معياراً لهذا النقد، ولكنني أرى في الوقت نفسه أن شيئاً أفضل من لا شيء (...) فكما لا يمكن لأحد أن يقول لمصلي لا تنهاه صلاته عن الفحشاء والمنكر أن يتوقف عن أداء الصلاة، كذلك لا يمكن القول لمرتدية حجاب ليس كما توافق عليه علماء الشرع أن تنزعه لأنها غير ملتزمة به بشكل كامل، فهذا سيكون إجحافاً(...) لترتديه اليوم لعلها تتوصل إلى قناعة بارتدائه بشكل كامل ذات يوم’’.

هنا تبدو تلميذة سعاد المير بالأمس هيفاء محمود بنظرة أقل حدة، فهي تعلم أن ليس من الواقعية أن تجبر فتيات اليوم على ملابس لا تتماشى مع هذا العصر، فهناك مغريات كثيرة أمامهن، لذا تفصح عن رأيها بقولها ‘’أتقبل موضات الحجاب، وأتصور أن الوضع جيد، فالعالم يمر في طور لا يمكننا أن نقف في وجه التغيرات الحادثة، فليس من المنطق أن يصر البعض أن تلتزم المرأة المسلمة بلباسها ذاته الذي يقبله مجتمعها به هنا عندما تذهب إلى مجتمعات أخرى’’.

تضيف ‘’ما دامت هي ملتزمة بشروط اللباس الإسلامي الأساسية، فليكن بعد ذلك اختيارها كما تشاء وتشتهي من الملابس والأزياء والألوان (...) ليس هناك شكل واحد فقط للباس الإسلامي لا يخرج عنه، هناك أمور أساسية، وما بعدها لكل فتاة حريتها الخاصة فيما تختار.. ما دام محتشماً’’.
الحداثة في طريقها إلينا

أعدنا السؤال على هيفاء محمود بشأن نظرتها اليوم بعد كل ما بذلته مع ‘’أخواتها’’ في سبيل نشر الحجاب الملتزم، إلى الفتيات اللاتي يلبسن الحجاب ولا يلبسنه كما كنّ يرجون له، فتقول ‘’في هذه المرحلة، أحاول ألتمس العذر للفتيات اللاتي هن في منزلة بين المنزلتين في مرحلة الحجاب غير الكامل إن صح التعبير (...) هذه الأسواق مليئة بالألبسة التي لا تتناسب مع ما ينص عليه الشرع’’.
تضيف ‘’الأجيال الجديدة سريعة التأثر (...) هناك حد يجب الانتباه إليه بين ما يتماشى مع فتاة اليوم المعاصرة والمتحجبة في آن، بحيث لا تكون غريبة عن مجتمعها، لكنها في الوقت نفسه محافظة على أساسيات الحجاب (...) هنا لا أتحدث عن متحجبة وغير متحجبة، أتحدث عما يناسب المجتمع، فهناك ملابس لا تناسب بحرينية أياً كانت توجهاتها (...) فهذا مجتمع مسلم عربي شرقي، مهما حاول التنصل من هذه الحدود..’’.

وتؤكد ‘’نحن لا نضغط على الأجيال، حتى العباءات التي يراها البعض أنها سوداء كئيبة (...) لكن لنقترب منها سنراها أيضاً جميلة ودخلتها الموضة وهي تغيرت كثيراً (...) وماذا فيها؟ لنترك للمجتمع حريته في اختيار ما يريده فلا أحد يدري ما الذي سيجري عليه الأمر في المستقبل’’.

لا تختلف مرادي كثيراً مع رأي محمود في شأن ما طرأ على الحجاب من تغيرات ربما طوّحت بفكرته بعيداً عن تلك الأيام التي بدأن بها هذا الدرب، إذ تشير ‘’كانت الموضة في الماضي قبل الانترنت والقنوات الفضائية تتغير ببطء بالنسبة لنا (...) ‘’لم تكن الصحف ولا وسائل الإعلام متوحشة في تدخلها في حياتنا الخاصة كما هو الحال اليوم، لكننا اليوم لم نعد نقوى على صد هذا الهجوم الكاسح، لا نستطيع أن نسد أعين أبنائنا وبناتنا لئلا يروا كل هذا الكم الهائل من المنتجات الاستهلاكية الغربية تتدفق على عقولهم وقلوبهم الطرية..’’.

تصارحنا مرادي ‘’أشعر بألم حقيقي لما وصل إليه حال الأجيال الصاعدة من الأمة الإسلامية، ولكنها في الحقيقة تتساوق مع منظومة القيم المزدوجة التي نعانيها جميعاً -ربما- في هذه الأمة (...) إنه انفصام الشخصية التي تظهر أمام المجتمع بشكل كما يريده المجتمع، وتعود في انفرادها بذاتها لتمارس ما كانت تنهى عنه، أو بعضه على الأقل’’.

تُنزل مرادي الأمر إلى نفسها أكثر، ولتطبق ما تقول ‘’أعتقد أن هناك ثوابت في الدين الإسلامي فيما يخص الحجاب والملابس عموما، فصّل فيها العلماء والمختصون كثيراً (...) ربما ما كان يناسبني في زمني لا يناسب ابنتي في زمانها، فأنا لا أتدخل فيما تلبس ما دام في الإطار العام للبس الشرعي، فلا ألزمها بما ألزمت به نفسي (...) هناك تغيرات هائلة اليوم لم تكن موجودة من ذي قبل في المجتمع، وبالتالي فإن الإصرار على طريقة واحدة ووحيدة للملبس سيكون مدمراً للجيل الجديد من الفتيات’’.
جيل جديد

جيل جديد تخاف الناشطات في هذا المجال أن ‘’يكفر’’ بأسلوب الأمر والزجر، بأسلوب ‘’البس ولا تلبس’’، خصوصاً وهنّ يرين هذه الهالات البراقة التي تحيط بالمشاهير ومستقطبي الإعلام، وعليها مكابدة البقاء في الظل وإقناع نفسها أنها كلما مالت إلى الزهد كلما تحقق رضاها عن نفسها بإرضاء خالقها.
هناك ‘’توحش’’ كما تقول مرادي من قبل الإعلام الغربي أحياناً، الأميركي خصوصاً (والذي تشتكي منه المجتمعات الأوروبية في غزوه لقيمها أيضاً) يشكل وعي الجيل الجديد من الشباب، فإما التساوق معه بوجود الكوابح والضوابط الخاصة، وإما الوقوع في شرك الانفصام والازدواجية غير المأمونة، خصوصاً للصف المحافظ والملتزم من هذا المجتمع.

إلا أن رأي المير أكثر حسماً وحزماً في هذا الموضوع عندما سألناها عن رأيها في تكاثر المتحجبات خشية من المجتمع عن غير قناعة تامة بما يرتدينه، وبالتالي تتسبب تصرفاتهم الذاتية في خدش الصورة الذهنية لما يجب أن تكون عليه المتحجبة الملتزمة، لتقول ‘’هذه النوعية من الأفضل لها خلع حجاب الموضة عنها حتى تُعرف بشخصيتها الحقيقية ولا تظهر بمظهر المتدينة في أعمال تنافي الدين’’.
تعود محمود للقول في هذا التفصيل ‘’أعتقد أن الحجاب مثله مثل قيادة السيارة مثلا أو أي شيء آخر تتعدد استخداماته (...) المشكلة أننا في بعض الأحيان ننسى أننا بشر ونفترض ألا تخطئ من تتحجب أو لا يخرج عن جادة الصواب من هو متدين (...) المتدين ليس إلها وليس معصوماً، ولكن الخطأ عندما يأتي منه يكون بارزاً ومدوياً’’. وتزيد ‘’لنعُد أدراجنا بعض الشيء ونتذكر أننا بشر، نخطئ ونصيب، وخير الخطائين التوابون.. وبالتالي لا يمكننا أن نعزو أي خطأ إلى الحجاب، ولكن إلى من ترتديه (...) قطعة القماش لا تمنع الخطأ ولكنه (الحجاب) ربما يذكر الفتاة بأنها اختارت الالتزام الديني’’.


تضرب مثلاً بنفسها ‘’تعلمت من أساتذة غير مسلمين كيف يكون الإسلام لأنهم يتمثلون كل المبادئ الإسلامية الحقة من دون ركوع أو سجود، من دون النطق بالشهادتين، وهذا ما احترمته فيهم.. لنكن واقعيين أكثر لنحكم على المرء من جملة سيرته، وليس لهفوة أو زلة أو ضعف.. وليس لمجرد مظهر وزيٍّ يتزيا به’’.

أعتاب أزمة؟
يمكن إعادة صوغ هذا السؤال بشكل آخر: هل ما أسمي بالصحوة الإسلامية على أعتاب أزمة من نوع جديد لم تحسب حسابه، وذلك بعدما ارتخت بفعل تفردها بالساحة المجتمعية إلى حد كبير في العقدين الماضيين؟. أزمة ترتبط بقدرة خطابها -وإن تطور بعض الشيء واستخدم بعض التقنيات الحديثة تكنولوجيا- على جذب المزيد من الشباب اليوم والإبقاء على خزان الدماء المتجددة مليئاً كما كان في بداية هذه ‘’الصحوة’’؟.

مرادي تقول ‘’الجمعيات الإسلامية تواجه اليوم سؤالاً محورياً: ما الذي يستقطب الشباب ليصبح ملتزماً بدينه؟’’. هل هو سؤال الجمعيات الإسلامية وحدها أم سؤال كل الجمعيات الفكرية والسياسية التي تعاني كثيراً اليوم في الإبقاء على جذوة فكرها متقدة بين الأجيال الطالعة؟ فالكثير من هذه الجمعيات تسعى اليوم إلى استقطاب الشباب ومحاولة تقديم بدائل لهم بجعل خطابهم لا يقل ألقاً عن الخطابات الأخرى سواء الفكرية أو الاستهلاكية، وفي المقابل، تغيير المفاهيم والمصطلحات وتطوير القضايا التي يمكنهم من خلالها الاستحواذ على تفكير الشباب و’’إغرائهم’’ بالمضي قدما في المشروع السابق ولكن بأوجه جديدة.

ترى مرادي أن الأمر ‘’لن يعود إلى سابق عهده من التوهج بالنسبة للإسلاميين إلا بمواجهة تحدٍّ جديد’’ موضحة ‘’تحد يفعل فعل الصدمة فينا من أجل الرجوع إلى الالتزام، ربما مواجهة مع الولايات المتحدة، ربما مواجهة مع إسرائيل كما حدث في يوليو/تموز الماضي عندما شنت حرباً على حزب الله، فتحولت الشعارات والصور والمقولات والأخبار والاهتمامات إلى حزب الله ورمزه القيادي الشيخ حسن نصر الله..’’. ليس هذا لأن الجمعيات الإسلامية كانت قد أبلت بلاء حسناً من وجهة نظرها، فها هي تقول ‘’أعود لأرجع الأمر إلى الأداء السيئ للجمعيات الدينية والقائمين عليها في السنوات العشرين الماضية، إذ لم يستطيعوا تربية جيل مرتبط بربه وبقضاياه، فانشغلوا بالخلافات المذهبية، والخلافات المرجعية (في البيت الشيعي)، وهذا ما أنهك هذه الجمعيات وكوادرها، ولم يتم في هذه الفترة الطويلة الحرجة إشعار الشباب إلى وجود التحديات التي تحيطهم من كل جانب’’، قبل أن تستدرك ‘’نعم، كان هناك عمل أهلي، لكنه لم يرتق إلى العمل المؤسساتي المتكامل والمتصاعد بخطة ومنهجية واضحتين’’.

الحجاب المرتبط بالمرأة، واجهت به المجتمع الذي استغربها، رفضها في بعض الأحيان، تقصّدها في لقمة عيشها مرة، وتقصدت بعض المؤسسات - أيضاً - غير المتحجبات في أرزاقهن مرة في المقابل. ركزت الخطابات على الحجاب وأهملت في كثير من الأحيان من تحمل الحجاب، اتخذها البعض حصان طروادة للولوج بها إلى المعارك الحاسمة، وما إن انتهت تلك المعارك كان مصيرها الإهمال أو الحرق أو النسيان. هذا على المستوى الذكوري، فأين النساء اللاتي قدمن الكثير لمبادئهن - بغض النظر عن الاتفاق أو الاختلاف معهن فيما قدّمن - من الواقع السياسي والمكاسب التي تأتت للتيار الإسلامي طوال هذه العقود المنصرمة؟.

تجيب مرادي ‘’هناك بالفعل قحط على المستوى الفكري والإبداعي في الحركة الإسلامية النسوية (...) أكثر النساء الملتزمات فضّلن أن يكنّ وقوداً لمبادئهن، سنداً لرجالهن في الملمات، فقدمت المرأة البحرينية الكثير في أحلك الظروف، لكنها توارت في الصفوف الخلفية لحظة الاستحقاق’’.
تضيف ‘’لدينا عدد من النماذج التي لم تتمكن من خوض غمار الانتخابات، إما لحسابات خاصة بجمعياتهن، وإما لأنهن زوجات لشخصيات قيادية ولامعة، وبالتالي، قدّمن أزواجهن عليهن في هذا الاستحقاق واكتفين بالدعم’’.

علمـنـــــــــي الحــجـــــــــاب

مريم «24 عاماً:كنت مغرمة كثيراً بسماع الأغاني، كل كلمة تتحدث بها إحدى زميلاتي تكون الأغنية جاهزة على لساني، قد يكون هذا راجعاً إلى الوسط الذي أعيش فيه، فأخواتي وإخوتي دائماً يحبون سماع الأغاني. عندما كنت في الصف الرابع الابتدائي كنت أستمتع بأخذ أحجبة زميلاتي وارتدائها، كن يقلن لي ‘’تبدين أجمل بالحجاب’’، مع أنني لم أكن أرتديه بالشكل الصحيح، إحدى زميلاتي قالت لي مرة ‘’لماذا أنت هكذا؟ لم لا تلبسين الحجاب، وتبتعدين عن الأغاني كي لا تدخلي النار؟’’. عقل الطفلة في داخلي خاف من كلمة ‘’النار’’.

حين أصبحت في الصف الخامس، بدأت أرتدي الحجاب لكني أخلعه في المدرسة، ارتديته لأنني خفت النار، لاسيما أني عرفت أن سن (التكليف) يبدأ عند الفتاة إذا بلغت التاسعة، كذلك الفتيات من حولي كن يلححن في مسألة ارتداء الحجاب، والشيء الآخر أني كنت أرى الحجاب يجعلني أبدو كبيرة.. أحببت هذا الشعور.

لم أكن أرتديه بطريقة صحيحة تماماً، حيث كان شعري يظهر أحيانا، لكني حين كبرت أكثر (14 عاماً تقريباً)، بدأت أقرأ بعض الكتب حول الحجاب، مثل ‘’كلمة التقوى’’ لمحمد أمين زين الدين، ‘’روضة التائبين’’ لعبدالله الكرزكاني وكتيبات مختلفة، عرفت من خلال القراءة أن ما يجب أن يظهر من الفتاة هو الوجه والكفان فقط، وماعدا ذلك حرام، ويعتبر عورة. تتأثر أمي بكلام أختي كثيراً، فقامتا بشراء قماش لمريول قصير (كنت في الصف الرابع أو الخامس) وقالتا لي ‘’من المستحيل أن نتركك تدخلين المدرسة بحجاب’’، كانت أختي أكثر المعارضين لارتدائي الحجاب مع إنها كانت ترتديه حينها، كان اعتراضها ينصب على كونها معلمة في المدرسة ذاتها التي أتعلم فيها، ومنظري بالحجاب يحرجها.. كانت تعنفني وتؤلمني كثيراً، كنت أتضايق من كلامها ‘’دفنتِ طفولتكِ.. كبّرتِ نفسك كثيراً.. كأنك عجوز..’’ وغيرها من التعليقات الفظة، على الرغم من ذلك كنت في داخلي أشعر بسعادة غريبة لثقتي بأنني على صواب.

تغضب مني أمي لغضب أختي مني.. لاسيما حين نعتزم الخروج لحضور دعوة أو حفل زواج، فتقول أمي ‘’لن تأتي معنا بهذا المنظر، اذهبي وارفعي هذا القماش عن رأسك’’، كنت أبكي كثيراً، لكني في كل مرة كنت أفضل البقاء وحيدة في المنزل، على الخروج من دون الحجاب. مازلت أتعرض من أسرتي إلى الكثير، والفرق الآن أني تزوجت وزوجي سعيد بحجابي الذي يصونني ويصونه، وما أسمعه الآن ينقسم إلى قسمين: قسم مزاح وقسم آخر مبطن باستهزاء أكرهه لكني أتغاضى رغم ألمي.

غيّرني الحجاب كثيراً، كنت كثيرة المزاح إلى حد عدم مراعاة الآخرين لكن الحجاب علمني حقوق الآخرين. لم أعد أغتاب أحداً، صرت أراقب نفسي أثناء الكلام، لم أعد أكذب وألتمس لنفسي الأعذار، لم أعد أدبر المقالب وأهزأ من غيري. أصبحت مختلفة، أكثر اتزاناً، وصرت الآن أرى الناس من خلال حديثهم، وعقلهم ومنطقهم الذي يتكلمون به لا من خلال أشكالهم.

لا شك أن هناك ثمة فتيات يرتدين الحجاب ولا يلتزمن به لأنهن يرينه مجرد قطعة قماش، ولا يدركن أن الحجاب يجب أن يكون شاملاً، ليس شكلاً وحسب، لأن الحجاب النفسي والأخلاقي هو الأهم، أولئك هن اللاتي يشوّهن الحجاب ويحرّفن معناه. كثيراً ما أجد فتيات غير متحجبات لكنهن محترمات وخلوقات.
الكثير من الناس فقدوا ثقتهم في شريحة من رجال الدين، بسبب الممارسات غير المقبولة التي يأتي بها عدد منهم في الكثير من المسائل الأخلاقية على وجه التحديد.

يجب أن تكون هناك توعية أكبر موازية للعصر الذي نعيش فيه، وأن نبتعد في توعيتنا عن الشدة والعنف، اللذان لا يعملان إلا على نفور الكثير من الناس من بعض الأمور حتى وإن كانوا يدركون صحتها.
أحب حجابي كثيراً، وما زاد عليه اليوم (الغشوة والقفازات) إنما كان نتيجة للتعرض لبعض المواقف اللاأخلاقية من قبل بعض الفتيات والنسوة.

الحجــــــاب لــم يعـــــد طوعــــاً.. بـل تكليــــف

حتى وإن أخذ الحجاب في البحرين صفة الشمولية والعمومية بين طائفة كبيرة من الفتيات، وصار ينتشر بينهن بسرعة كبيرة، إلا أنه كان خياراً بالنسبة للكثير منهن، لم يكن إجباراً بنص القانون، إذ كان المتدينون والدعاة يدعون إليه وينصحون، يرغّبون ويرهّبون في شأنه، ويتمنون أن يستر الله على بنات المسلمين بستره.

إلا أنه في السنوات الأخيرة صار ملمحاً اجتماعياً دينياً مهماً تمارسه الطائفة الجعفرية بشكل منظم، وعلى أعلى المستويات الدينية. وذلك عن طريق تنظيم احتفالات ''التكليف'' ببلوغ الفتاة سن التاسعة. هذه الاحتفالات أخذت تتكرر وتتسع، والأعداد الداخلة فيها تزداد، ذلك لأن الأمر لم يعد خياراً، بل جزءاً أصيلاً من الدين الإسلامي، وأن إيمان المرأة لا يكتمل، وواجباتها لا تكون تماماً إلا بسترها ولبسها الحجاب الشرعي الذي يكمل هذه المسيرة ويتوّجها منذ سن الطفولة. تكون بذلك ملتزمة بالزي الذي توافق عليه معظم الفقهاء من الطائفتين.

وفي حين أن المذاهب الأربعة السنية لا يقيم أتباعها هذا الاحتفال، ويختلف سن التكليف لدى بعضهم في تحديده متى يكون بالنسبة للفتاة، إلا أنه لدى الشيعة (في البحرين والعراق ولبنان مثلا) يرَّجح أنه ما أن تبلغ الفتاة عامها التاسع، فإنها تكون قد دخلت إلى ''التكليف'' بصورة رسمية، وإن لم تلحق بالنساء.
لسنا في وارد البحث الفقهي في هذه المسألة، غير أن التكليف كما يراه الفقهاء الشيعة ''يبدأ للفتاة بانتهاء تسع سنين قمرية والدخول في السنة العاشرة. أفضل كل شيء هو تعليمها الواجبات: بأن عليها أن تقلّد مرجعاً لتعمل حسب فتاواه في أداء التكاليف الدينية من صلاة وصيام، وإرشادها إلى الالتزام بالحجاب وعدم ارتكاب المحرّمات، وسائر الأمور الدينية من الطهارة والنجاسة وتعليمها الأغسال الواجبة وهكذا''[1]. ربما يفصّل السيد محمد حسين فضل الله في هذا المجال بقوله ''أمّا الأنثى فالمشهور أنَّها تبلغ مرحلة التكليف بالسنّ، وهو إكمال التسع''.

ويضيف ''لكن الظاهر من الأدلة المتعددة أنَّها تبلغ بالحيض، حتى أنَّ بعض الرِّوايات التي تحدّثت عن التسع، جاء فيها.. وذلك أنَّها تحيض لتسع (...) كما أنَّه قد ورد في روايات العدَّة حول من لا عدّة لها، قال.. (عُدَّ منها التي لا تحيض ومثلها لا تحيض، قال: وما حدّها؟ قال: التي لـم تبلغ التسع''، ممّا يوحي بأنَّ التسع ملحوظة من حيث حصول الحيض فيها، إلاَّ لطارئ مرضي، بنحو يدور فيه أمر البلوغ مدار الحيض وجوداً أو عدماً، ولكن الأحوط وجوباً كون سن التكليف عند الأنثى هو بلوغها تسع سنوات هجرية، وهو يساوي بالميلادي: ثمان سنوات وتسعة أشهر"[2].

الانتقال الكبير
منذ أن تعي الفتاة الصغيرة كونها أنثى وهي تحلم بالانتقال إلى عالم النساء، وأن تكون واحدة منهن. وفي مجتمعات يسودها التدين تنظر هذه الفتاة بلهفة إلى الموعد الذي تكون فيه امرأة بزّيها الذي يقرّبها من المجتمع وتكون فيه فتاة ذات اعتبار. هذا شأن عام كالفتاة التي تسرق اللحظات لتتزيا بزي والدتها وتمد يديها إلى أدوات زينتها، إن كانت والدتها من اللاتي يبرزن أنوثتهن بهذه الطريقة.

حفلٌ أقيم أخيراً في إحدى القرى شاركت فيه جموع من الأمهات وبناتهن اللاتي بلغن هذه السن، تقول إحدى الأمهات "كانت المرة الأولى التي أسمع فيها بما يسمى بـ (حفل التكليف) على الرغم من كوني ولدت وتربيت في قرية (...) لكن هذه القرية مختلفة انتقلت إليها بعد الزواج، كأني أدخل عالماً مختلفاً، كان الفضول يؤرقني لمعرفة ما وراء هذا الاحتفال، ما الذي يحدث فيه؟ وماذا يكمن وراءه؟ إذ آخذ ابنتي لأعبر بها من عالم إلى عالم''.

تضيف هذه الأم ''هذه الفتاة الصغيرة التي كانت ولا تزال تلهو بالألعاب البريئة وتجلس مع أقربائها وأترابها، عليها اليوم أن تنتقل فجأة إلى عالم آخر (...) عليها منذ اليوم أن تضع الحدود والحواجز مع الآخرين من الفتيان، فما عادت فتاة (..)ابنتي صارت (مكلَّفة) اليوم (..) أي أن عليها التحفظ كثيراً وعليها أن تراعي حجابها ولا تنسى أنها منذ الآن قد أنهت علاقتها بالطفولة''. تتابع ''ربما سيستغرق الأمر فترة من الزمن حتى تتمكن من التفرقة بين ما كانت تفعله قبل أيام من (حفل التكليف) وما ستفعله بعد الحفل (...) أدرك معاناتها التي ستتولد والأسئلة التي لن تنتهي جراء بلوغها سن التكليف (...) ذلك قبل أن تعتاد وضعها الجديد الذي سيلازمها طوال حياتها فيما بعد''.

هذه الأم (دنيا - 32 عاماً) تدخل هذه التجربة مع ابنتها لأول مرة، ربما هي ''بروفة'' فلديها ابنة أخرى ستحتاج بضع سنوات حتى تصل إلى هذه السن. لقد تحجبت دنيا وعمرها 14 عاماً من دون حفل ولا اجتماع عام كهذا، من دون دروس وحوزات. تقول ''وجدت نفسي أتحجب من دون ضغط، كانت بعض أخواتي متحجبات وبعضهن لا (...) حتى والدتي تأخر حجابها بعض الشيء وإن كانت العباءة لا تنزل عن رأسها سابقاً لكنها أضافت لها الحجاب تالياً (...) لم يكن الحجاب بالنسبة لنا في الأسرة على رغم كوننا في قرية يشكل هذا الهاجس القوي، كان شبه اختيار، وإن كان مجتمع القرية ربما أكثر تحفظاً في شأن من لا ترتديه''.

مراسم «التكليف»
في تلك القرية، دُعيت جميع الأمهات اللائي بلغت بناتهن التاسعة من العمر إلى هذا الحفل، وتصف دنيا تلك اللحظات الخاصة ''دخلت وكفي تحتضن كف ابنتي إلى بهو (مأتم الديرة الكبير) نسوة كثر، وسواد العباءات والأحجبة يغطي الزوايا (...) انطلقت ابنتي بحكم معرفتها بالفتيات الأخريات تمرح معهن وتستعد للاحتفال (...) بقيت وحدي في غربة المكان حتى التقيت عمتها وجلست أحادثها والفضول في داخلي يشتد (..) لا أخفي قلقي أيضاً ولو حاولت''.

حفل منظم اعتادت عليه القائمات على المأتم، فقد مررن بالتجربة ذاتها مرات عدة من قبل. بدأ الحفل بآيات من القرآن الكريم تلتها إحدى الفتيات، ثم كلمة لمسؤولة لجنة التعليم، ومن ثم بدأت الأناشيد تنطلق أنشودة تلو الأخرى. معاني الأناشيد كانت تدور حول التكليف معناه وواجباته، ثم توجيه الحديث للأمهات بالحفاظ على حجابهن ليكنّ قدوة لبناتهن. توالت الفقرات التي أعدت ونظمت بإتقان شديد، واختتم الحفل بتوزيع أحجبة سوداء على الفتيات، وطلب منهن ارتداؤها في الوقت نفسه، ثم التقطت لهن صورة جماعية. كانت الهدية تحتوي - بالإضافة إلى الحجاب - صورة الفتاة نفسها منفردة مرتدية حجابها الأسود بطريقة ''إسلامية'' صحيحة كانت قد التقطت لها قبل أيام من الحفل.
حفل بسيط وأنيق، ولكنه حمل إلى الأم معاني أخرى، تقول لنا ''قبل تلك الليلة لم أكن ألقي بالاً إلى

التكليف أو ماهيته، لكن هذا الاحتفال ترك في نفسي الكثير. صرت أتساءل بيني وبين نفسي: ما لتكليف وما البلوغ وما الفرق بينهما؟''.

تتابع أسئلتها ''هل يستلزم مني ذلك أن أكبت جزءاً من طفولة ابنتي البريئة وأغلفها بالسواد منذ الآن؟ (...) ألا يجب عليّ أن أضع (النجدين) أمامها: الصحيح والخاطئ من الأمور من وجهات نظر متعددة، وأنتظر؟ أليس عليها هي أن تختار؟ حتى تكون مسؤولة تماماً عن خيارها في المستقبل؟''.
دنيا ليست منفردة في هذا الأمر عن أمهات كثيرات، فما أن تتشكل الفتاة حتى يخالطهن القلق الطبيعي فيما يجب أن يقال لها وما لا يجب، وما الذي تعيه ابنة التسع سنوات من الأوامر والنواهي، وكيف ستصارع كل هذه المغريات التي لا تلتفت إلا وتراها أمامها في كل مكان، تقفز إليها من محطات التلفزة والانترنت وغيرها من الأبواب المشرّعة؟

تقول دنيا ''لم أرد لابنتي أن تتعرض لحرج أو استهجان من قبل قريناتها إن هي تخلفت عن حفل التكليف (...) لا أود أن يُنظر إليها أو إلى أسرتها أنها أسرة غير منتمية إلى وسطها أو أنها معاندة أو متكبرة عما يسير عليه المجتمع (...) كل ما كنت أرجوه هو أن أترك لها بعض الفرصة ليس أكثر لتقول لي من ذاتها: أمي.. لقد قررت أن أرتدي الحجاب (...) حينها سيكون ذلك قرارها الذي لن أقف أمامه''. تختم دنيا بقولها ''كل ذلك دار في ذهني حينئذ (..) لم أدرك إلا شيئا واحدا: هو أن ابنتي قد كبرت، وأن مسؤوليتي تجاهها قد تفاقمت، عليّ أن أجتهد في تعليمها وتأديبها، ربما بعد ذلك أجد إجابات لتساؤلاتي..''.
هل من شرعية للأسئلة؟

يرى الكثير من الملتزمين دينياً أنه لا مكان للتساؤلات مع الفتاوى الصادرة من أئمة معتبرين، غير أن أمهات يقلن إن المسألة لا تتعلق بالأمر الإلهي ولا بالفتاوى ذاتها، ولكنه أمر أمومي بحت ''وددنا لو كان الحجاب قناعة خاصة لا دفع مجتمعي (..) أن تؤمن الفتاة بأنها يجب أن تأخذ هذا الأمر فإنها ستأخذه بقوة، وهذا يستلزم بعض الوقت'' كما تقول آية عن ابنتها فاطمة التي تدرج اليوم في الثامنة من عمرها قبل أن تضيف ''ففاطمة اليوم عمرها ثمانية أعوام (..) لا أتخيل أنها ستتخلى العام المقبل فقط عن ملابسها وألعابها ومحطاتها التلفزيونية التي ارتبطت بها التي تود أن تقلد فيها الممثلين والمغنين وسط ضحكاتنا من أحلامها الصغيرة وبراءتها المفرطة''.

في المدن حيث يقل فيها الارتباط الاجتماعي والمتطلبات التي قد تنشأ في القرى، تجد بعض الأمهات
مخرجاً مؤقتاً من إحضار بناتهن إلى حفل ''التكليف''، ربما تحاول بعضهن تأخير الأمر سنة أو اثنتين، فتيات أخريات في مرحلة المراهقة يشرن إلى أنهن في طريقهن إلى الحجاب، ولكن بعد أن ''يستمتعن'' بشبابهن بعض الشيء.. ومن دون تحديد المدة الزمنية أو نوع المتع التي يرغبن فيها في هذه الفترة الفاصلة.


رد مع اقتباس
قديم 04-30-2010, 03:14 PM   رقم المشاركة : 9
الكاتب

أفاق الفكر

مراقب

مراقب

أفاق الفكر غير متواجد حالياً


الملف الشخصي








أفاق الفكر غير متواجد حالياً


رد: معارك الحجاب.. وصعود نجم الحشمة



غـربة غيرالمتحجبــات فـي تزايد النسيــج
معارك الحجاب.. وصعود نجم الحشمة (12)



الوقت - غسان الشهابي، نادية الملاح:
سرى الحجاب في المجتمع بسرعة غير محسوبة ربما، وصار يغزو الطبقات جميعاً بلا تباطؤ، وخصوصاً في الطبقة الوسطى من المجتمع والطبقة الفقيرة في الأساس، لكن هناك نسوة وقفن منه على مسافة، ليس كفراً به أو لكونهن لا دينيات مثلا، ولكن بحسب قناعات خاصة من غير ما رفض للفكرة متى ما وصلن فيها إلى قناعة.
‘’القناعة’’ بالحجاب كانت هي الأساس الذي فضلت البعض الوصول إليها ليتآلفن مع ذواتهن بدلاً من التعرض إلى التذبذب في هذا الشأن بعد المضي فيه واكتشاف ما لا يمكن معه الاستمرار نفسياً. في مجتمع ‘’يدّعي’’ المحافظة وأن الدين أساس حركته بشكل ظاهر، فإن وجود امرأة غير متحجبة، ربما أهون من أن تكون متحجبة وتتراجع عن هذه الخطوة، في فترة لاحقة. هذا ما يمكن أن يُنظر إليه على أنه نوع من ‘’الردة’’ الصغرى، وفي أحيان لا يتورع البعض من الذهاب إلى التشكيك في أخلاقيات من تتراجع عن حجابها، على رغم أن لقاءاتنا مع اللاتي اعتبرناهن ‘’رائدات’’ في هذه المسألة قد تجاوزن هذه النظرة كما قلن، وأن المسألة متروكة للقناعة التي تحيل قماش الرأس وحجابه لا يعني بالضرورة الفضيلة.

كما أن غير المتحجبة ليست بالضرورة غير ملتزمة دينياً أو لديها ما يشينها أخلاقياً، وفي ذلك يقول الشيخ يوسف القرضاوي ‘’ومع أن لبس الخمار أو غطاء الرأس أو الحجاب - كما يسمى اليوم - فريضة على المسلمة، ولكنه يظل فرعا من فروع الدين، فإذا كان التشدد في شأنه، والتغليظ على المرأة من أجله سينفرها من الدين بالكلية، ويجعلها تهجر الدين أساسا. فليس من الشرع أن نضيع أصلا بسبب فرع. فكيف بأصل الأصول كلها، وهو الإسلام ذاته؟[1]’’.

لقد فتح انتشار الحجاب جدلا واسعا وسط النساء اسمه ‘’جدل الحجاب’’، لكن المؤسف انه جدل مختزل بشكل فج ونمطي بين من اختارت الحجاب ومن لم تقتنع به. انه من ذلك النوع من الجدل المعتاد لدينا ‘’إما مع أو ضد’’، ‘’إما صواب مطلق أو باطل مطلق’’. فهل يمكن ان يكون هذا هو جدل الحجاب وحججه؟ أليست هناك مساحة مهملة في هذا الجدل؟
هنا نسلط الضوء على المساحة المهملة في جدل الحجاب عبر تجارب متنوعة نستعرضها هنا في هذا السياق لعدد من السيدات والشهادات التي أتت من غير متحجبات، يروين تجربتهن مع زيهن في وسط المجتمع.

انتفاء الغربة

أمين عام جمعية حقوق الإنسان البحرينية سبيكة النجار، لا تشعر بـ ‘’الغربة’’ كونها في مجتمع غالبية فتياته من المتحجبات ‘’فأنا لا أشعر بالغربة من أمر أنا مقتنعة به’’ كما تقول، وتعيد انتشار الحجاب إلى ‘’موجة التعصب الديني المنتشرة ليس في البحرين فقط بل في العالم العربي والإسلامي، وغياب أصوات معتدلة تحاكم كل الظواهر السلبية بما فيها التطرف الديني’’.

في حين ترى الصحافية عصمت الموسوي أن الأسباب الكامنة وراء انتشار الحجاب في البحرين والمنطقة ‘’تختلف من مجتمع إلى آخر’’.

توضح الموسوي ‘’لقد لاحظت أن الحجاب في بعض الدول العربية يتفق مع الواقع الاقتصادي المعيشي (...) فالسفور والملابس والتزيّن مكلف قياسا بالحجاب وهو ما ينطبق أيضا على الفئات الفقيرة في كل مكان (...) بيد أن موجة التدين تطال النساء والرجال في مجتمعاتنا المأزومة التي لم تحقق نجاحا ولا انتصارا في أي مضمار ولا تنمية ولا حداثة على كل الأصعدة’’.
تضيف ‘’أنظر على سبيل المثال إلى تقارير التنمية البشرية العربية، تقول إننا البلدان الأضعف ديمقراطيا والأقل عدالة اجتماعية والأسوأ في ممارسة الحريات وإنتاج وتداول المعرفة وتمكين النساء (...) ماذا يفعل الإنسان العربي إذا وجد طريقه الراهن مسدوداً وليس ثمة أمل في المستقبل؟ من الطبيعي ان يستدير إلى الخلف الذي يشكل بالنسبة له احد مصادر النور التي تمنح بعضا من الأمل وتعين على مكابدة هذا الواقع’’.

اختزال المرأة في الجسد

لدى عصمت الموسوي استدراك مهم هنا إذ تقول ‘’لكن الأمر المحير بالنسبة لي هو أن جسد المرأة محاط بالعذاب والخوف والغواية، هو العرض والشرف والكرامة، اشعر أحيانا أن المرأة العربية مبتلاة بهذا الجسد.. كأن اختزل في الجسد فقط’’.
لا تنكر الموسوي شعورها بالغربة في مجتمعها بسبب كونها غير متحجبة، فترد بالقول ‘’نعم اشعر بكثير من الغربة، وتزعجني النظرات المستهجنة لسفوري من قبل البعض (...) أتمنى أن نصل نحن السافرات والمتحجبات إلى حالة من القبول والاحترام بيننا’’.

الغربة ذاتها تشعر بها أيضاً الصحافية هناء بوحجي التي يزداد شعورها بالغربة هذه ‘’عندما أكون وحدي بين مجموعة من المتحجبات (...) لكن هذا لا يدعوني إلى أن أتحجب فقط حتى لا أكون مختلفة، فهذا يعني أنني يجب أيضا أن أغير من مظهري في كل مرة يتصادف وجودي مع فئة مختلفة عني’’.
تضيف بوحجي ‘’أعتقد من المهم أن أكون نفسي أولا؛ لأن غربة الإنسان عن نفسه أقسى من غربته المجتمعية’’.

تجد سبيكة النجار نفسها اليوم متآلفة مع ذاتها في الخيار الذي اختارته، ولكنها لا تعوّل كثيراً على استمرار الحال على ما هو عليه حتى النهاية ‘’لا أستطيع أن أتكلم عن المستقبل، فلا أحد يعرف ماذا سيحدث له من تغييرات نفسية وغيرها قد تنسف قناعاته الحالية’’. وكذلك الموسوي لأنها قضت وقتاً تقرأ في المسألة ‘’حاليا متآلفة مع نفسي جدا، لقد تعودت مساءلة كل شيء حولي منذ وعيت، قرأت عن الحجاب كثيرا واخترت ما وجدته منسجما مع فكري وميولي’’.


الانسجام مع الذات

انه الموقف نفسه الذي تقفه بوحجي في شأن الحرية واحترام التنوع والاختلاف، فهي ترى ‘’من المهم أن يكون الإنسان منسجما مع نفسه وأن يكون مقتنعا بمظهره في كل وقت (...) سوف أتحجب عندما أشعر أنني أود أن أفعل ذلك وأنني لن أشعر بغربة عن نفسي لو فعلت (...) لكن لن أتحجب لأعجب المجتمع، فعلى أفراد المجتمع أن يتعلموا احترام الآخر’’.
غير أن هذه الغربة لا تقتصر على النظرات والتردد من الخوض في نقاشات أو علاقات جادة بين المتحجبات وغير المتحجبات من النساء، بل أيضاً تمتد أحياناً إلى ما يصل إلى أسماع غير المتحجبات من وصوف ‘’مزعجة’’، أو كما تقول الموسوي ‘’أسوأ ما يقال أن السافرة خارجة عن الدين، فيدعون لها بالهداية كل يوم’’.

تشعر بوحجي كذلك بعدم الارتياح ‘’عندما تفترض المتحجبات أنهن (الصواب) ويتمنين أن يمنّ الله بالهداية عليّ وعلى غير المتحجبات إلى الطريق الصحيح (...) كأنهن يفترضن أننا نسلك طريقا غير صحيح (...) والأسوأ هو أن دين غير المتحجبات ناقص (...) لكنني أناقشهن في هذا الأمر لأن الكثيرات من المتحجبات لا يعرفن ولا يفقهن في أمور دينية كثيرة بل إنهن يتلقين التعليمات دون تمحيص أو تفكير’’.
‘’التمحيص’’.. ‘’التفكير’’.. ‘’النقد’’، جملة من المصطلحات التي تستخدمها المتحاورات في هذه الحلقة، فالموسوي ناقشت هذه المسألة مع نفسها أولاً ‘’لم أفكر في ارتداء الحجاب مطلقا، لقد تعودت أن اخضع كل شيء في حياتي للنقد والسؤال والشك، عشت في بيئة محافظة، لكن أحدا لم يفرض عليّ الحجاب (...) اليوم تكاد تكون كل صديقاتي متحجبات ما عداي، لكن الاختلاف لا يزعجني أبدا’’.

ماذا بعد التحولات؟

النجار التي شهدت تحولات من صاحباتها في شأن الحجاب تقول ‘’ارتداء الحجاب بالنسبة لبعض الصديقات جاء عن اقتناع وليس نتيجة لضغوطات مجتمعية (...) لكن الأهم من ذلك أنني لم ألحظ عليهن أية تغييرات في المواقف من مسائل أساسية مثل قضية المرأة والمساواة والعدالة والحريات العامة وغيرها’’.
هذا ما لم تلاحظه الموسوي في تحولات رفيقاتها، ربما تشعر ببعض الأسى نتيجة الانقلاب الذي حدث لبعضهن ليس من ناحية الملبس والمظهر، ولكن التحول الفكري أيضاً ‘’وجدت رفيقاتي يستجبن في البداية لمجاراة المشهد العام والانسجام مع حجاب الأخوات والأم وزميلات المدرسة وكل الأجواء المحيطة بهن (...) بعضهن تأقلمن معه وبعضهن خلعنه لاحقا، لكن ارتداء الحجاب ترافق دوما مع نقلة فكرية ودينية بالنسبة للاتي انسجمن معه وصرن مدافعات شرسات عنه’’.
هوامش
[1] موقع الشيخ يوسف القرضاوي.


مـــا لـــــــم أكـــــن أتوقـعــــــــه

‘’لم يكن ثمة ما يحرك الحياة في عيني سوى الحب.. التقيته في حفل خطوبة أختي وأخيه، رأيته من بعيد نظرنا لبعضنا فتعلقنا، فعشقنا، كنا لا نزال في سن صغيرة (...) لم أكمل دراستي بعد، كنا في الثانوية، تفتحت مشاعر كل منا على الآخر، وعلى إثر التقارب بين أسرتينا التقينا كثيرا، عرف الكل بحبنا، وأحب الكل هذه المشاعر المتفتحة..

ثلاثة أعوام من العشق الذي لم تشبه شائبة، بعدها تقدم لخطبتي، رفضت أمي في البداية لمخاوف لم تصرّح بها، ربما لأن أختي زوجٌ لأخيه وربما لمشاعر أمّ لم تظهر إلى السطح، عائلته أبدت تمنّعاً بسيطا لأني أكبره بعام، لكنهم ما لبثوا أن وافقوا بسبب إصراره، لم أكن حينها متحجبة، كان يحبني كما أنا، كنت أرتدي أحيانا العباءة مسايرة للوسط الذي أعيش فيه، لكنني كنت أفضل ثيابي التي أنفق عليها الكثير من المال، وما إن أرى فستانا يعجبني على شاشة التلفاز حتى أسرع في تفصيل ما يشبهه، لم تكن أمي تقصّر في منحي ما أريد، كذلك هو، بقينا مخطوبين لمدة ثلاثة أعوام، حتى تحسن وضعه الوظيفي، وشرع في إعداد مكان يضمنا.

كان هذا المكان هو منزل أمي، التي خصصت لنا جزءا منه، قام هو بترتيب المكان وإعداده ليكون مناسبا لنا، عشنا معا، وأمي كانت تعامله كابن لها، فقد أحبته كثيرا، لم يشأ الله أن نرزق بطفل طيلة فترة زواجنا الذي لم يستمر أكثر من ثلاث سنوات أخرى.
خلال تلك الفترة طرأ تغيير كبير على حياتي، كان حجابي السبب فيه. نعم، ارتديت الحجاب، ولم أقبل المساومة فيه، انقطعت عن سماع الأغاني، والتزمت الحجاب الإسلامي، لا يعني ذلك أني لم أكن مقتنعة بالحجاب في السابق، لكني يوم ارتديته، ارتديته لأني شعرت أنني الآن فقط قادرة على الالتزام به وبما يستوجبه من ستر وتديّن؛ لأن الحجاب في نظري ليس مجرد شكل أو قطعة قماش، الحجاب يجب أن يكون حجابا روحيا يفصل بين المرء وبين الأخطاء..

حين ارتديت الحجاب ظننت أن هذا سيجعل من حياتي الزوجية أفضل، لا أنكر أن زوجي قد أسعده حجابي في البداية، لكنه لاحقا تذمر من ذلك، ربما لأني أفرطت في التطبيق، تأثرت علاقتنا، وبدأت المشكلات تطفو وتلح على حياتنا، فقد كنت منكبة - أكثر من اللازم ربما - على أمور العبادة، حتى خرجت مشكلاتنا عن السيطرة، تدخل الأهل من كلا الطرفين فازدادت الأمور سوءاً، وصل الأمر إلى الطلاق.
كان الأمر مؤلما كثيرا لكنه حدث، لم أنسه يوما وأظنه كذلك لم ينسني، أنا اليوم متزوجة، ولي طفلان، وزوجي متدين وملتزم، سعيدة معه نعم، لكني الزوجة الثانية له، اليوم أشعر كثيرا كم كان زوجي الأول يتضايق من إسرافي في التطبيق، أشعر بذلك كلما ألحّ عليّ زوجي اليوم في أمر من الأمور، التي يجعلني أحس وكأنها مفروضة عليّ فرضا، كأن أذهب إلى حفلات الزواج مثلا، ففي السابق كنت أرفض ذلك بسبب جوّ الطرب والرقص الذي يسود تلك الحفلات، أما الآن فأنا أضيق ذرعا حين يرفض زوجي حضوري لمثل تلك الحفلات.

ربما وصلت إلى حال التوازن اليوم بين ما يجب عمله في حياتي الجديدة، ربما تسرعت في زواجي الأول حينما لم أستطع الموازنة، ربما زوجي السابق أيضاً لم يصبر عليّ ويتفهم تحولاتي الجديدة.. لم يكن الأمر متعلقا بالحجاب في الأساس، بل في طريقة التطبيق له.. ربما تصدق عليّ مقولة ‘’كل مركب أوّله صعب’’، وأنني لم أوغل في التدين برفق’’.

* فضيلة

اكتــئــــاب نـــفـــسي جـــمـــــاعي

* زينب: مصر في أسوأ أحوالها يا صلاح.. كأن ما ناضلنا من أجله أنا وزملائي كان سراباً.. لم تتحقق الديمقراطية، ولم نتحرر من التخلف والجهل والفساد.. كل شيء تغير إلى الأسوأ.. الأفكار الرجعية تنتشر في مصر كالوباء. تصور أنني المسلمة الوحيدة في إدارة التخطيط، من بين خمسين موظفة، التي لا ترتدي الحجاب!
* صلاح: كيف تحولت مصر بهذه الطريقة؟!
* زينب: القمع، الفقر، الظلم، اليأس من المستقبل.. غياب أي هدف قومي. المصريون يئسوا من العدل في هذه الدنيا فصاروا ينتظرونه في الحياة الأخرى!.. ما ينتشر في مصر الآن ليس تدينا حقيقياً، إنما اكتئاب نفسي جماعي مصحوب بأعراض دينية!

* علاء الأسواني
‘’شيكاجو’’ (رواية) - الطبعة السادسة، ص 381


رد مع اقتباس
قديم 04-30-2010, 03:17 PM   رقم المشاركة : 10
الكاتب

أفاق الفكر

مراقب

مراقب

أفاق الفكر غير متواجد حالياً


الملف الشخصي








أفاق الفكر غير متواجد حالياً


رد: معارك الحجاب.. وصعود نجم الحشمة




المزيــــد من القمــاش والقليــــل منــــه

في الحلقة الماضية، عبّرت بعض من غير المتحجبات عن آرائهن في المجتمع وما يقوله عنهن، ومـا يعتقدنه في شـأن الحجاب نفسه. في المقابل، هناك عدد لا بأس به من غير المتحجبات اللاتي فضلن عدم الخوض في المسألة، أو عدم إيراد أسمائهن الحقيقية عند طرح الرأي، هناك تخوف أحياناً من الوقوع في المحظور من الدين، في حين يعتقد البعض أن رأيهن ربما يصدم مجتمع اليوم، أو ينعـتن بأوصاف مزعجة لا تليق. الشجاعة التي تحلت بها المحاورات هنا تنطلق من مبدأ الحرية الشخصية التي لا يمكن التنازل عنها والعيش في غربة ذاتية في سبيل رضا المجتمع وقبوله لهن، كما قلن في الحلقة الماضية.

هنا ينفتح الحوار على آراء أخرى في الشأن الاجتماعي أيضاً.عندما سألنا الأمين العام للجمعية البحرينية لحقوق الإنسان سبيكة النجـــار عن رأيها في ''تلون'' بعض النساء في الحملات الانتخــابية أو المناســبات المختــلفة من لبس وخلع الحجاب، كان رأيها ''هناك بعض المناســبات التي نلبس فيها نحن النساء العباءة وهذا معروف في حالات العزاء.

كما أننا قد نلبس العباءة عند زيارة بعض كبار السن احتراما لهم. وهذا لا أعده من باب النفاق الاجتماعي ولكن ممكن القول إنه من باب احترام بعض العادات المتوارثة.لكن الحجاب تجاوز هذا النقاش عن احترام العادات والتقاليد الى ما هو أبعد من ذلك، لقد دخل الحجاب في السياسة وصار أيقونة ايضا على الداخلين في غمار السياسة ان يحسبوا حسابها مثل كل الايقونات والرموز الاخرى التي يحرص عليها الناشطون خصوصا لدى مخاطبة الجمهور.

على هذا النحو، دخل الحجاب المعركة الانتخابية وبات في صميمها خصوصا عندما تشتد الدعوات لتمكين المرأة سياسيا وتبدي النساء قدرا مضاعفا من العزم على الدخول في معترك السياسة من مدخلها الاهم: الانتخابات.عندما سألنا سبيكة النجار عن ارتداء بعض النسوة الحجاب أو حتى العباءة أثناء الحملات الانتخابية ردت ''لا أجد له تفسيراً مقنعاً''. وتضيف ''أعتقد أنه كان من الأفضل أن تظهر تلك التيارات السياسية على طبيعتها للجمهور الانتخابي ولا تتوارى خلف حجاب أو عباءة هي غير مقتنعة بها من الأساس''.

وترجع الصحافية عصمت الموسوي هذا الأمر إلى أن ''بعض النساء - والرجال أيضاً - يلجأون إلى مغازلة المجتمع'' موضحة ''مجتمعنا محافظ بطبعه (...) المتحجبات مقبولات أكثر سواء بين النساء او الرجال (...) لكن ارتداء زي إسلامي لكسب أصوات الجماهير الانتخابية يفعله الرجال أيضا، فالرداء الديني جاذب سواء كان لحية أم عمامة أم حجاب''.

لكن هل الدينيون وحدهم هم أصحاب المبالغات في شأن الحجاب والستر؟ هناك من يرى أن غير الدينيين، يبالغون على الضفة الأخرى أيضاً في الدعوة إلى إماطة الثياب عن الأنثى، فإذا كان الهوس لدى الديني منصبٌّ على أن تضرب المرأة بخمارها على جيبها، فإن من الليبراليين من يرى أن الثياب يجب أن تتعدى الخمار والجيب وصولاً إلى ''الميني جيب'' أو ما أشبه.

وترى النجار أن الليبراليين ليسوا ''أمة''، إذ تقول ''أرى أن موقف الليبراليين غير محدد تماماً من مسألة الحجاب ولم يصدر عن أي تيار ليبرالي موقف واضح من الحجاب''. وتستدرك ''هم قد يتكلمون فيما بينهم بأنهم ضد الحجاب ولكن الظاهر غير ذلك (...) أي أن الظاهر هو اعتبارهم لمسألة الحجاب على أنه حرية شخصية. كما أنهم أصبحوا يقبلون متدينين ولابسات حجاب في صفوفهم''.

تقف النجار موقفاً مراقباً للحديث المتكاثر الذي يترامى فيه طرفا النزاع (الدينيون والليبراليون) الاتهامات بـ ''الهوس الجنسي'' في المبالغة في طرح مسألة الحجاب والستر في الأساس، لتشير ''قالوها (المتدينون) أكثر من مرة إن المرأة فتنة، وهم لا ينظرون إلى المرأة إلا على أساس أنها مصدر للشيطان ولإثارة الغرائز الجنسية (...) لذا يحاولون إخفاء المرأة وراء محرمات كثيرة يصدرونها عن طريق فتاوى متشددة''.

تضيف ''هم لا ينظرون إلى المرأة كشريك وإنسان له عقل يفكر (...) الطرفان (أي المتشدد أو ذلك الذي يريد تعرية المرأة) كلاهما لا تعني المرأة لهما أكثر من وسيلة للجنس والإثارة''.على هذا النحو، فان المرأة ''إذ تقف في المنتصف بين من يود أن يدني عليها خمارها وجلابيبها، وبين من يريد أن يرفع عنها أكبر قدر من الملابس الممكنة، كون المرأة الحلقة الأضعف'' كما تقول الموسوي.


في رأيها عن هذا التدافع في لباس المرأة وحجابها، تقول الموسوي ''المرأة هي الحلقة الأضعف في هذه المنظومة، كما أن الدين ركز كثيرا على جسد المرأة (...) وعلى رغم التغييرات الهائلة التي طرأت على مجمل الحياة في عالمنا منذ مطلع الدعوة الإسلامية وحتى اليوم، فإن القضايا المعنية بالمرأة حافظت على الثبات إلى حد كبير (...) تبدو المرأة كآخر الحصون التي يجدر التمسك بها والحفاظ عليها لأن سقوطها يؤذن بانهيارات كبيرة في منظومة القيم والأسس التي ينهض عليها المجتمع''.

وتستطرد ''انظر على سبيل المثال مسألة العذرية وقضايا الأحوال الشخصية والحقوق الممنوحة للمرأة في القوانين الكونية بوصفها إنسانا أولا قبل ان تكون امرأة (...) كل هذه القضايا في عالمنا موضع سجال وجدل ومعارضة بين دعاة التغيير والحداثة وبين العناصر المحافظة''.تستغرب الصحافية هناء بوحجي هذا الإغراق فيما لا يقدِّم شيئاً على الصعيد الشخصي أو المجتمعي ''أستغرب حقا من ترك كل شؤون الدنيا والتركيز على المرأة خصوصا من جانب الرجل الذي يفرض نفسه وصياً (...) لو ترك كل فرد رجلا كان أو امرأة يؤدي مهمته في الدنيا ويسعى بالتساوي، وبحسب قدراته ومؤهلاته للمساهمة بايجابية في مجتمعه لكانت الأمور أفضل بكثير مما هي عليه''.

وتلقي بوحجي اللائمة على المرأة لأنها أفسحت المجال للرجل ''ليفكر عنها ويفتي عنها، وألغت قدرتها على التمييز بين ما يجوز ومالا يجوز (...) البعض فعلا مازالوا يشعرون أن المرأة عورة لا يجوز حتى السير إلى جانبها''. بوحجي ليست واثقة من أسباب ما تسميه ''هذه المبالغة'' في الحديث عن هذا الموضوع لكنها تخمن ان ذلك يعود إلى تفسيرين. تقول ''إما أن هذا النوع من الرجال (الدعاة) خاوين من الداخل من المعاني الإنسانية وأهداف وجودهم كبشر وتسيرهم فقط الغرائز كأي من ذكور المخلوقات الأخرى (...) أو لشعورهم بعدم الثقة بأن المرأة لو منحت حريتها كاملة في اختيار كل ما يخصها لتفوقت عليهم ولذلك فهم يفرضون مختلف المعوقات النفسية أو الشكلية التي تحد من انطلاق المرأة بكامل قدراتها''.

مؤسسات المع والضد

إلى ذلك، فإن أسهم الاتهام تتجه إلى نوعين من المؤسسات في القطاعين العام والخاص، بعضها يفضل لابسات الحجاب على غيرهن، ويمنحهن أولوية لكون المؤسسة ذات ''وجه إسلامي''، وبذلك تضطر البعض إلى لبس الحجاب ''تقيّة'' أو تزلفاً أو تقرباً أو طمعاً في المنصب داخل المؤسسة، وتخلعه خارجها. وبعض المؤسسات على النقيض من ذلك، فما أن ترتدي الفتاة حجاباً حتى تجد نفسها قد طُوِّح بها إلى وراء الوراء، ولم تعد في الصدارة كما كانت، هذا إن لم يُطلب منها خلع الحجاب تماماً إذا ما أرادت الاستمرار في عملها كله.

ان هذا يطرح سؤالا مهما: أليست الحرية هنا عاملا أساسيا؟ ليس هذا ما تراه الموسوي إذ تعلن تحفظها بالقول ''مع أن لكل مؤسسة الحرية في خياراتها؛ فإنني أخشى دوما من أن يُظلم الناس بسبب ميولهم وقناعاتهم وملابسهم وهوياتهم''.وتضيف ''لكن للأسف الأمر يحدث في كل مكان على رغم أن القوانين الإنسانية والأعراف والدساتير لا تجيز أية تفرقة على المستوى النظري أما على المستوى العملي فالخروقات فاضحة''.

هذه الخروقات توضحها الناشطة في حقوق الإنسان سبيكة النجار بقولها ''إذا كانت المؤسسات لديها معايير واضحة ومكتوبة حول اللباس سواء للرجل أو المرأة؛ فعلى الموظفين رجالاً ونساء اتباعها أو الاستقالة''. معربة عن اعتقادها أن جهاز التلفزيون محل المثل في السؤال الذي طرح عليها لا يتبع هذه المعايير، على رغم بعض الشكاوى الواردة في هذا الشأن، ولكنها تضع نقطة أساسية، وهو أنه إذا ما ثبت رفض الجهاز أن ترتدي مذيعات الحجاب ''فإنه تعدٍّ على حقوقهن الشخصية'' حسب النجار.

عوامل ضاغطة

مع ملاحظة أن غالبية المجتمع النسائي في البحرين تتخذ من الحجاب ملبساً لها، فإن هذا لا يعني أن النسبة الباقية من غير المتحجبات قليلة، ولكنهن مهما كثرن اليوم، فلسن بالغالبية النسبية فالأقليات أياً كانت هذه الأقليات تتعرض للضغوط المختلفة. هنا تغالب ''الأقلية'' غير المتحجبة إن صحت النسبة والتناسب مسألة الحجاب والضغط القائم على الغربة في المجتمع.

ترى بوحجي المسألة من زاويتها ''معظم النساء من أفراد عائلتي والمجتمع الذي اختلط به يرتدين الحجاب، لكن هناك أيضا غير المتحجبات (...) في الحقيقة لم أميّز بين المتحجبة وغيرها في اختيار المقربات إلى نفسي، فالمظهر لا يعني كثيرا بالنسبة لي أو لهن''.تضيف ''تتمنى والدتي أن أتحجب، وتضغط أحيانا بالتمني أن أحقق لها ذلك (...) لكنني وعلى رغم أنني لا أرفض لها طلبا يحقق لها السعادة مادمت قادرة على فعله، لا أعتقد بوجود أي ارتباط بين ارتداء الحجاب وبين العمل الصالح أو التقوى أو الإخلاص في العمل أو عمل الخير (...) السلوك الشخصي للإنسان منفصل تماما عن قطعة القماش التي يغطى بها الرأس وإلا لكانت جميع المتحجبات رائعات الأخلاق والسلوك، وغير المتحجبات عكس ذلك''.

غير أن الأمر لا يعدو أمنيات شخصية، فهناك الكثير من المنشورات التي يجدها الإنسان في العيادات والمستوصفات، والتي توزع هنا وهناك بداعي التأثير على المرأة لتتخذ من الحجاب لباساً لها، وذلك بداعي تعميم الخير وأداء واجب ديني بالنصح، سواء أصابت هذه الخطوة أم خابت. وفي المقابل هناك أيضاً فريق ممن يقاتل في سبيل ألا ينتشر الحجاب في أروقة معينة أو في دوائر خاصة.
الحديث كثير وربما مغرق في التناول، ومنذ سنوات مضت وليس حديث الأمس واليوم، لذا ترى الموسوي أن كثرة الحديث عن الحجاب تخفي وراءها أمراً آخر. فتقول ''الحجاب مسألة شكلية تتعلق بحرية الإنسان واختياره (...) في الداخل قد يبدو حديثاً مكرراً أما في الخارج فقد اتخذ أبعادا سياسية في أعقاب الهجمة على الإسلام والعرب''.

وتضيف ''الحرب الدولية على الإرهاب وانعكاسات ما يجري في منطقة الشرق الأوسط من حروب واحتلالات ومشروعات وغيرها (...) منطقتنا بكل ما يجري فيها من تراشق داخلي وخارجي هي أيضا بؤرة اهتمام عالمي بسبب إمكاناتها النفطية والموقع الاستراتيجي الذي تحظى به (...) يتحمل العرب المهاجرون الذين عاشوا في الغرب وعجزوا عن الاندماج فيه جزءا من تبعات ما أصابهم بسبب الخطاب المتشدد للعناصر الراديكالية والمتطرفة''.

ثم تتابع موضحة ''أوروبا تصدت للحجاب وقالت انه يهدد هويتها وعلمانيتها ولم تتصد لملابس الأجناس والأعراق الأخرى كالساري الهندي مثلا ردا على أولئك الذين قسموا العالم إلى فسطاط الكفر وفسطاط الإيمان، واعتبروا الجهاد من اجل تحرير الأرض من الكفر واجبا مقدسا (...) الحجاب الإسلامي صار هوية الإسلام المسيَّس والحربي والارهابي والمقاوم للغرب (...) إنها ليست مصادفة بالطبع أن يجري الاحتفاء بالشخصيات النسوية المتمردة والخارجة عن المألوف في مجتمعاتنا وخصوصا من تخلع حجابها''.

وتضيف الموسوي ''العالم العربي والإسلامي اليوم هو في تشابك ونزاع مع الآخر الساعي إلى الهيمنة عليه وإخضاعه وإجباره على الدخول في منظومة العولمة (...) من هذه الناحية يتجلى التمسك بالحجاب بوصفه احد عناصر الارتداد إلى الداخل والتحصّن به خشية التغيير والذوبان في الآخر''.

ومن جانبها ترى النجار أنه ''يجب طرح الكثير من الموضوعات الدينية بما في ذلك الحجاب. نحن في حاجة إلى محاكمة كل أمورنا الحياتية والتحاور بشأنها. كما إننا في حاجة إلى وجود تيارات دينية وأيديولوجية معتدلة''، وتردّ بوحجي المسألة إلى ''محاولة وصاية البعض على المجتمع رابطة الأمر بالخيارات الشخصية الحرة''. تقول ''هو موضوع ككل الموضوعات الأخرى التي يحلو للكثير الجدل فيها ربما بسبب ربطه بالدين الذي يستغله البعض للمبادرة بالوصاية على الآخرين (...) لكن لو بلغ الجميع درجة معقولة من احترام خيارات الآخرين لما طرح هذا الموضوع أصلا للنقاش''.

الوقوف بين الداخل والخارج

لم تستسغ بوحجي مصطلح ''الصحوة'' في مسألة انتشار الحجاب فتقول ''صحوة تعني أن الإنسان قبلها كان نائما ويحلو للبعض ضالا'' (...) لا أعتقد أن النساء من أهلنا كن مخطئات وضللن الطريق وكن يرتدين الملابس بموضتها القصيرة وغيرها، ومع ذلك فكان الاحترام سائدا في المجتمع بين الجنسين''.

إذا كانت النساء - أساساً - يرتدين بين الفينة والأخرى ملابس تبدو فاقعة بعد سنوات قليلة، ولمشاهدتهن صورا قديمة كن يستغربن كيف الواحدة منهن كانت تلبس مثل هذه الملابس وخطوط موضتها، فإن لذلك تفسيرا لدى النجار التي تقول ''أنا أعتقد أن للسن والوسط الاجتماعي دورا في طريقة اللبس (...) فما كنت ألبسه وأنا صبيّة صغيرة لا يمكن أن أتصور نفسي ألبسه وأنا في هذه السن والمكانة الاجتماعية''.

الموسوي تبعد الحجاب عن الموضة في الأساس، فتقول ''هناك الموضة ومدارسها المختلفة والمراحل التي تستغرقها قبل ان تتغير وتنتقل إلى مرحلة أخرى (...) لكن ارتداء الحجاب ليس موضة بل هو يستند إلى دين وعقيدة (...) على رغم بعض التأويلات والتفاسير المختلفة التي قد تختلف او تتناقض فيما بينها إلا أن ثمة إجماع على أن الحجاب فرض وواجب إسلامي، والمرأة المتحجبة قد تتفنن في حجابها قماشا وتفصيلا لكي يكون مواكبا للموضة (...) لكن يظل ذلك في إطار التحجب وبقاء الرأس والجسد مغطيين''.

تضيف ''الموضة لن تغير من النظرة إلى الحجاب إنما يتغير الملبس كما تتغير أنماط الحياة الأخرى إذا تغير التفكير وصار هناك تجديد وحوار واجتهاد في النصوص الدينية وفي مدى ملاءمتها للزمن في كل ما يتصل بالحياة من شؤون، والحجاب أحدها''.إذن، إلى أي مدى يعبّر الملبس عن الشخص، هل هو انعكاس لداخله أم أنه تبعاً للبس ما يرتضيه الناس؟ في هذا الأمر تقول بوحجي ''حتى يكون الإنسان منسجما مع نفسه لابد من أن يكون مظهره بشكل عام متوافقا مع شخصيته وقيم الإنسان فيه (...) كما تتداخل أيضا عوامل إضافية أخرى كالتقاليد والعادات يتوصل بها إلى المظهر الذي يحب أن يكون عليه (...) لكن في مجتمعاتنا - ليس فقط التي تدّعي أنها محافظة وإنما تفتقر إلى احترام الحريات الشخصية والاختلافات فيما بين أفرادها - نجد أن العوامل الخارجية والمجتمعية تضغط على الفرد وعلى خياراته، خصوصاً إذا كان ضعيفا في الدفاع عن قناعاته..''.

تشرح بوحجي نظرتها إلى المسألة ''هنا في مجتمعنا ميل لافتراض أن الحجاب هو الأمر الايجابي وأن مرتدية الحجاب يفترض فيها أن تكون ذات أخلاق حسنة وايجابية بشكل عام (...) بل انه أصبح من الصفات الحسنة لمن ترتديه (...) الحجاب مظهر تقرر النساء أن يكنّ عليه وكل له أسبابه، إما بسبب الدين أو بسبب الارتياح إلى ارتدائه أو حتى لسبب الضغط المجتمعي (...) الاحتشام أمر نسبي تبعا لقناعات الفرد''.

وتقترب النجار من هذا الرأي قائلة ''الحجاب لا يعبر عن حقيقة من تلبسه لأن هناك الكثير ممن تتسترن وراء الحجاب والنقاب لإخفاء تصرفات يرفضها المجتمع''. ولا تعمم النجار ولكنها تقول ''أعتقد أنه كلما كان الإنسان معتدلاً في تصرفاته ومظهره الخارجي كلما كان أكثر وضوحاً (...) فهناك الكثيرات من غير لابسات الحجاب ولكنهن معتدلات في تصرفاتهن ولباسهن نلن احترام وتقدير المجتمع''.
وتلخص الموسوي رأيها في أربع كلمات ''الشكل هو مضمون المضمون''.


الحلقة الأخيرة


رد مع اقتباس
قديم 04-30-2010, 03:20 PM   رقم المشاركة : 11
الكاتب

أفاق الفكر

مراقب

مراقب

أفاق الفكر غير متواجد حالياً


الملف الشخصي








أفاق الفكر غير متواجد حالياً


رد: معارك الحجاب.. وصعود نجم الحشمة


الحلقة الأخيرة
مصـــير الحجـــاب ومستقبـــل القــوى الاجتماعيــة


ليس للحديث في شأن الحجاب - كعلامة بارزة من علامات الانتماء الديني ساعة، وساعة أخرى لاستجابة اجتماعية - أن ينتهي اليوم حتى بعدما تم استجلاء وجهات النظر.
فالطرفان، القابل والرافض للحجاب، والطرف الثالث الذي يرى أن لكل إنسان حرية لبس ما يشاء ما دام ما يلبسه لا يصدم المجتمع ولا يتصارع معه. فهناك من الطرفين الآخذين في التشدد رغبة في أن يريا المجتمع كما يودان أن يرياه، لون واحد، وطعم واحد، وصبغة واحدة، ولو كان الادعاء الظاهر أن الجميع يقبل الجميع. إلا أن هناك ضغطاً غير معلن، وربما ينفلت أحياناً في اتجاه الآخر.

أستاذ علم الاجتماع في جامعة البحرين باقر النجار واحد من الذين يراقبون التحولات المجتمعية كموجات مختلفة عاصر الكثير منها، ورصد أخرى، وله رأي في مسألة الحجاب في المجتمع البحريني.
يرى النجار الحجاب بعيدا عن استراتيجية الملبس ''الذي لا يعدو أن يكون ابتداعاً إنسانياً نظم من خلاله الإنسان علاقته بالبيئة المحيطة، وبعد ذلك بالفضاء الاجتماعي، ولربما الثقافي المحيط''.
يؤدي الملبس في رأي النجار- تقليدياً - وظائف اجتماعية عدة، من بينها تحققه لوظيفة الستر ''وإذا ما انتقلنا للحجاب اليوم، فإنه يختزل رمزيات كثيرة بعضها ديني وآخر اجتماعي، وهو في الوقت ذاته يعبر عن قيم الصون والحفظ الاجتماعي عند الناس''.

وإذا كانت هذه واحدة من الوظائف التي يؤديها الملبس، فإنه يتعداها أيضاً إلى أنه أصبحت له تعبيراته ورمزياته المختلفة المعبرة عن المستويات الطبقية والثقافية وربما حالة التدين. والحجاب كملبس فإنه بشكل أو بآخر يخضع لاستراتيجية الملبس وعوامل تطوره أيضاً، وهو جزء من تطور نظرة المجتمع إلى ''الموضة''.

فالحجاب على رغم وظيفته التدينية أو عند البعض رمزيته الدينية وعلى رغم الانطباعية المحافظة التي يصبغها على لابسه إلا انه وفي الوقت ذاته بات متأثرا كذلك بحركة الموضة وتطورها. فلم يعد الحجاب أسود أو أبيض اللون، وإنما بات يتشكل وفق تشكل الأذواق وتطور الثقافة الاستهلاكية عند الناس. بل إنه كملبس بات يصنع ويصمم بعضه في دور الأزياء العالمية المعروفة، والتي تضع في اعتبارها وظائفه الاجتماعية و الثقافية أكثر منه التدينية.

لكل وظيفة لبوس

كان الملبس في الماضي - ولا يزال في رأي النجار - يوظف للتمييز بين الناس وفق الحالة المهنية لهم، بل إن ذلك يمتد ليحدد وظائف البعض الدينية عن البعض الآخر ''فقد كان للقساوسة في الديانة المسيحية ملبسا خاصاً بهم يميزهم عن الآخرين من سائر الناس، بل إن هذا الملبس بات يميز من يقوم بهذه الوظيفة وفق المعتقد الديني أو المذهبي''.

يضيف ''فأصحاب الكنيسة الكاثوليكية من رجال الدين لهم ملبسهم الخاص بهم الذي يختلف في ذلك عن أصحاب الكنيسة الرومانية الأرثوذوكسية بل يمتد ذلك في الدين الإسلامي (...) ملبس رجال الدين الشيعة يختلف في ذلك عن السنة، وفي أوساط هؤلاء فإن الاختلاف يبدو واضحا وفق اختلاف المدرسة الفقهية التي يتبعونها(...) فالأزاهرة يختلفون في ذلك عن السلفيين كما أن ملبس رجال الدين في الخليج بدا مختلفا في ذلك عن مشارقة العرب وإن اخترقوا في ذلك بعض المشارقة والمغاربة''.

ويستطرد النجار''بشكل عام، فإن ملبس رجال الدين في الديانات المختلفة يختلف من ديانة إلى أخرى (..) كما أن أصحاب الديانات السماوية يختلفون في ملبسهم عن رجال الدين في الديانات غير السماوية (..) هم في ذلك يتبعون تعاليم واجتهادات مختلفة، بل ومتباينة ومتناقضة أحيانا أخرى (..) فالملبس في الدين الإسلامي يؤدي وظيفة وينطلق من تعاليم محددة قد تزيد عند البعض عنها عند البعض الآخر وفق اجتهاده في النص وتفسيره''.

وصولاً إلى الحجاب الذي هو واحد من هذه الملابس ذات الوظيفة والدلالة إذ يمثل الحجاب واحداً من مفاصل هذه الفلسفة أو التفسير، انه يختصر في أذهان البعض وتحديدا في الغرب رمزية أو رمزيات معينة ويكثف الهوية الإسلامية بالنسبة للمرأة. وحسب النجار ''بات الحجاب في الغرب رمزية تختصر الموقف من الآخر الإسلامي، وإن اختلفت التفسيرات، كما أنه عند البعض من المسلمين أصبح الحجاب يمثل بالنسبة لهم مكوناً أساسياً من مكونات الهوية التي لا يجب التنازل عنها''.

بديل عن المضي في التجربة

لأسباب مختلفة، لم يكن الحجاب - كما هو عليه اليوم - واسع الانتشار في أوساط النسوة العربيات، إذ كانت فكرة ''الحداثة'' التي طغت على المجتمعات العربية تحديداً منذ مطلع القرن العشرين، تنحو إلى نزع كل ما له علاقة بالماضي. وكان الحجاب بتلاوينه المختلفة (اليشمك في مصر، العباءة في الخليج العربي وما يرتبط بها من ملابس لتغطية الرأس والوجه)، وصار نزع هذه الرموز دليلاً على التحرر والانتماء إلى الحداثة والارتباط بالحركة الجديدة التي أخذت تتغلغل في المنطقة بشكل عام، وسادت هذه الحركة أيضاً في الخليج العربي منذ منتصف الخمسينات حتى مطلع الثمانينات تبعاً للحركات التحررية المناهضة للاستعمار، وما رافقها أيضاً من حركات لتحرير المجتمع من المفاهيم القديمة.
''لكن هذه الحداثة لم تكن متكاملة العناصر'' مع هذا الاستدراك يمضي النجار قائلاً إن الحداثة تعرضت لانتكاسات ثقافية كبرى ''ولم تستطع ثقافة التحرر أن تجاري ولا أن تتساوق مع المجتمع، فبقت خلفه بمسافة بينما كانت (أشكال) التحرر تسير بشكل أسرع وأعمق من ثقافته''. وحسب النجار ''ان النكوص عن ثقافة التحرر لم تأتِ كما يعتقد البعض أو يحاول أن يؤرخ له بعد هزيمة يونيو/ حزيران العام 1967 وحدها'' موضحا ''لكنها أتت نتيجة لانتكاسة التجربة التحررية الإيرانية التي لم تستطع أن تؤسس لثقافة تحررية صحيحة هناك، وبروز النظام الإسلامي في إيران بديلاً عن النظام الشاهنشاهي السابق (..) وفي إطار النظام الجديد برزت القوى الدينية في عموم المنطقة''.

لا يزال النجار واحداً من علماء الاجتماع الذين يتساءلون عن ''موطن الخلل'' الذي أدى إلى انتكاسة التجربة الثقافية الحداثية وابرز ما يطرحه من تساؤلات هو ''هل الخلل أساس في الثقافة ذاتها وعدم قدرتها على ملامسة شرائح المجتمع بالشكل الصحيح الذي يضمن تغلغلها فيه، أم في الأنظمة السياسية وعلاقتها بالمجتمع وغياب مفاهيم المواطنة والديمقراطية ودولة القانون، أم في الطريقة التي نفهم من خلالها الدين والإسلام بشكل عام؟''. ويحاول الإجابة عن هذه الحزمة من الأسئلة والتساؤلات بقوله ''قد يكون جزء من هذا الخلل مرتبطاً بالمكون الثقافي القديم المحدد لتفسيرنا للأمور وموقفنا من الآخر (..) وقد يذهب البعض في تفسيره ومعالجاته للمسألة الثقافية إلى وجود إسرائيل في المنطقة، وبالتالي تأثير الحروب والمقاومة ومصاحباتها المختلفة على الأنماط الثقافية التي سادت في المنطقة في الفترات السابقة''.

ويخلص للقول ''هناك خلل ما يجعل هذه المنطقة غير قادرة على إنتاج ثقافتها الخاصة المتوائمة مع طموحاتها، أو بالأحرى يجعل هذه المنطقة عاجزة عن اختراق المستقبل (..) هذه مسألة لم تعد تخصنا وحدنا وإنما باتت تخص العرب والفرس والباكستانيين وإلى حد ما الأتراك (..) نحن أمة أصبح الماضي متمكنا منا بشكل مخيف (..) أنظر إلى ما يحدث في العراق ولبنان وفلسطين ومواقع أخرى من هذه المنطقة العربية''.

زيٌّ جديد لثقافة قديمة

ليس القدم في الثقافة يعني بالضرورة تعكر مائها، وإنما جرّب العالم الإسلامي هذه الثقافة في الماضي، وربما يحنّ إلى ما يسميه بالأيام الذهبية فيها، وربما ذلك ما أغرى على انتشار الحجاب. يقول النجار ''أعتقد أن جزءاً من قدرة الحجاب على الانتشار في مجتمعاتنا على مدى الثلاثين عاماً الماضية، قد تكون حالة التديّن التي دخلها الناس بشكل واسع من ناحية، وغياب الدولة كمؤثر حقيقي في عملية التحديث''.

يضيف ''هذا الغياب يجر أيضاً لغياب الاستراتيجية الواضحة لتأسيس الدولة الحديثة القائمة على قيم التشارك والمواطنة، وينسحب كذلك إلى فشل عمليات التحديث الثقافي بشكل واسع، فبات ارتداء الحجاب يحمل رمزية دينية من ناحية والمحافظة والستر من ناحية أخرى (..) بل ضياع أية استراتيجية حقيقة لبناء وتأسيس جديد للهوية التي عجزت الحداثة عن تأسيسها كما عجز الخطاب الديني بتلاوينه المختلفة عن تأسيسها تأسيسا جديدا يتجاوز في ذلك حالة تشظي الهوية التي جاءت نتاجاً لتشظي الخطاب الديني وتقاتله''. لا يكتفي النجار بهذا التوصيف والتعليل، يضيف ''بل وأذهب إلى ما هو أبعد من ذلك، وهو انتشار الزي الجديد للحجاب بالعباءة التي لم تعد تقليدية كما كانت في السابق، فأتت العباءة الجديدة على أنقاضها، وذلك لانتشار شركات التصنيع التي تتماشى مع الموضة وتؤثر فيها وتقودها إلى ما يمكن أن يفسح المجال أمامها تجارياً، وذلك باستخدامها آليات الصناعة والتسويق الحديثة، واستخدام رمزية الدين للترويج لها''.

ويتابع موضحا ''أن جانباً من هذه الأزياء الجديدة مدعاة للفت الأنظار بدلاً من صدها وحجبها (..) المقاييس الجديدة لهذه العباءات الداخلة ضمن الحجاب والمكملة له في غالب الأحيان، وتطريزها بشكل مبالغ فيه أحيانا بما يفتح السؤال على وظيفة العباءة الجديدة ومدى قربها من المفهوم الأساسي الذي جاءت من أجله (..) أمازالت تؤدي دورها (الساتر) أم بات لها دور آخر يقترب من أية ملابس أخرى التي تصف مفاصل الجسم أحياناً، وتبهر وتلفت وتغري في أحيان أخرى''.

وكما لم تعد العباءة واحدة كما هو حالها قديماً، فالحجاب أيضاً لم يعد واحداً، فهو في هذا يختلف باختلاف المدرسة الفقهية التي ينتمي إليها الفرد أو يتبعها، ويستطيع أي باحث أن يميز - وفق حجاب المرأة ووفق الشكل والمساحة التي يغطيها من الرأس أو الوجه - المدرسة الفقهية التي تتبعها. فهناك ما قد يسمى بالحجاب الديني أي الملتزم بمدرسة فقهية معينة، وهناك الشارع الأوسع من النسوة ممن يرتدين حجاباً أقرب إلى ما قد يسمى بـ ''الحجاب الاجتماعي''.

وظائف ليس الستر أساسها

بالإضافة لذلك، يقول النجار ''فإن طريقة ارتداء المرأة للحجاب وظائف كثيرة أخرى اليوم، فهناك من النساء من كانت قد اقتنعت أو أقنعت في فترات سابقة من حياتها بارتداء الحجاب، أو تلك التي ألبست الحجاب منذ صغرها وأصبح نتيجة لذلك جزءا أساسيا ومفصليا من شخصيتها وحياتها، وهي اليوم لا تستطيع التخلي عنه أو التراجع بسهولة عنه''.


لماذا؟ الجواب حسب النجار ''فالأمر سيحتاج إلى جرأة وإلى احتمال كلام كثير قد يمسّ ما لا تود المرأة الشرقية أن تتعرض له، وبالتالي، فإنها تستمر في لبس الحجاب من دون قناعة (..) هذا ما يفسر الاختلاف الشاسع بين الحجاب كملبس ديني والواقع المتناقض الذي تعيشه المرأة التي تتردد اليوم في مسألة الارتداء والنزع (..) يتم التحايل على هذا الوضع بإعطاء الحجاب (مساحات حداثية) ووضعه في هذا الحالة لا يختلف من حيث المظهر العام عن عدم ارتداء الحجاب أساساً''.
وحسب النجار فإن ''هذا يمكن أن يمحو الاختلاف الجوهري بين وظيفة الحجاب الأساسية والممارسة العملية من قبل البعض، حتى يمكن أن يطلق على هذا النوع من الملابس تعبير (ملابس فاضحة) إذا ما قيست بالمقاييس التي ينتمي إليها الحجاب في فكرته التي وردت المنطقة في بداية الثمانينات وانتشرت بشكل كبير فيها بعد ذلك''.


هذا الأمر يوقع عدداً من النساء في حيرة، ويوقع من يعرفونهن في حيرة مشابهة في تحديد إلى أي الصنوف تنتمي هذه المتحجبة، أو بالأصح هنا ''المحجَّبة''، ومدى إيمان بما ترتدي على رأسها في الأساس.
يقول النجار ''إذا ما كان خلع البرقع والتنازل عنه أمرا قد عد سهلا نوعا ما عند بعض النسوة لكونه أمرا مختلفا عليه بين الفقهاء وأقرب ما يكون إلى العادة الاجتماعية، فإن التخلي عن الحجاب ونتيجة لانتشاره في مجتمعاتنا المحلية أمر في غاية الصعوبة''.
وحسب النجار فإن فكرة خلع الحجاب ''قد يدفع الراغبات في التخلي عنه إما إلى تبني مبدأ التدرجية أو التخفف منه للدرجة التي تنمحي حدود وجود الحجاب من عدمه (..) ومع ذلك يبقى الحجاب في جزئيته غير الدينية علاقة اجتماعية ربطت الفرد بالجماعة والتخلي عنه قد تعني تخلي الجماعة عن الفرد أو العكس''.

الملابس والسلوك.. من يسيّر من؟

قبل الدخول إلى مسألة السلوك المفترض ذهنياً للمتحجبة، فإن طغيان اللون الأسود في الزي الحاضر له دلالاته أيضاً، فاختيار اللون ''الأسود'' للحجاب له رمزية نفسية معينة يفسرها علماء النفس وفق مفاهيم مبنية على اللون ووظيفته وتعبيراته عن المكون الداخلي للفرد. وبشكل عام فإن اللون الأسود هو لون غير ''فرحي'' ولا يعبر عن السرور، وقد يعبر أحيانا عن الجدية أو منتهى الرسمية والصرامة. وإذا ما نظرت حولك فإنك تجد أن اللون الأسود - سواء أكان حجاباً أو عباءة أم ''شيْلة'' - هو اللون الأكثر انتشارا في أوساط النسوة اليوم، ليس في منطقة الخليج فحسب، وإنما هو كذلك في عموم المنطقة العربية ولربما الإسلامية. وهو في هذا قد يعبّر عن الزهد في لبس الجميل والملوَّن والزاهي من الملابس. لا أعتقد أن الدين الإسلامي دينٌ يرفض الجمال أو الفرح (إن الله جميل يحب الجمال)، فهذا المفهوم خاطئ، وانتشار الحجاب بلونه الأسود الحالك يعطي رمزية اجتماعية لعلماء الاجتماع تدل على نوع من الانغلاق والتزمت الذي يسود بعض المجتمعات العربية ولربما الإسلامية. ولكن لم يبق السواد مسيطراً تماماً على كل مفاصل هذا اللبس، فصار لدُور الأزياء نصيب في هذا الاتجاه الذي يسود مجتمعاتنا. تسابقت هي الأخرى إلى جعل الحجاب شكلاً من أشكال خطوط الموضة لديها، أو ما هو أقرب للحجاب في الملابس، وبالتالي، ساد نوع من الملابس سميت المرأة المرتدية لها بـ''المحتشمة'' والتي تقف بين ما يفترض أن يكون عند البعض بالحجاب الشرعي، وبين الملابس الحديثة المستجيبة لخطوط الموضة العالمية. فأصبحت مخرجاً لمن يرتدين الحجاب ولا يودّنّ أن يخرجن عن السياق المجتمعي، وألا يصدمن المجتمع بأنماط أخرى من الملابس يراها لا تتناسب مع سياقه العام. هذا ما يراه النجار في تحولات الموضة في الحجاب، معلقا ''هنا يصف البعض (المحتشمات) بالجماعة الوسطية التي تستر من جسدها ما يتوافق المجتمع على ستره، وتظهر منه ما لا يخدش حياء المجتمع، أو أن يتسبب في جعلها غريبة في مكانها أو وسطها الاجتماعي''.

وتخضع الألبسة بشكل عام للتغير والتبدل، وهذا أيضاً ملاحظ على الحجاب الذي هو الآخر قد خضع منذ أن بدأ بالظهور إلى يومنا هذا إلى تحولات كبيرة وكثيرة كما يلاحظ النجار. إذ ''طرأ التغيير على ألوانه، وطريقة ارتدائه، وما صاحبه من ملابس مرفوضة بالأمس مقبولة اليوم، أو العكس'' وفق النجار.
إلى أين؟

يلخص النجار رأيه بالقول ''انتشر الحجاب نتيجة لاستواء القوى والتيارات الدينية في المجتمع وإمساكها بمفاصله (..) لكن هل هذه القوى قابلة للأفول؟'' يتساءل قبل أن يضيف ''ربما يحدث هذا حسب صيرورة التاريخ ومسألة انحسار الحجاب ربما تتأخر وقتاً آخر أيضاً من الزمن (..) فارتباطها بالعامل الديني سيعطيها مجالاً آخر ومدى آخر للاستمرارية لكن ليست بالضرورة أن تكون القوى الدينية هي المتربعة على عرش حركة المجتمع حتى قيام الساعة''. يتابع موضحا ''التفاعلات المجتمعية والظروف الداخلية والخارجية سواء كانت اجتماعية أو سياسة أو اقتصادية أو بيئية أو تعليمية أو غيرها من القوى المحركة لأي مجتمع من المجتمعات، قد تعيد رسم الخريطة الثقافية العامة للمجتمع (..) تؤلف قوى أخرى جديدة ربما تكون نافية للقوى الإسلاموية المعروفة حالياً، وربما تكون امتداداً آخر لها، وتطوراً عما هو موجود حالياً في خطابها السياسي والثقافي وربما الديني''.


__________________________________________________ ___________

نشر على حلقات في جريدة الوقت البحرينية مايو2007
Cant See Links


رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع تقييم هذا الموضوع
تقييم هذا الموضوع:

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:27 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.4, Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir