آخر 10 مشاركات
الخبيصه الاماراتيه (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 1 - المشاهدات : 17650 - الوقت: 09:09 PM - التاريخ: 01-13-2024)           »          حلوى المغلي بدقيق الرز (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 0 - المشاهدات : 12216 - الوقت: 03:16 PM - التاريخ: 12-11-2023)           »          دروس اللغة التركية (الكاتـب : عمر نجاتي - مشاركات : 0 - المشاهدات : 18184 - الوقت: 11:25 AM - التاريخ: 08-21-2023)           »          فيتامين يساعد على التئام الجروح وطرق أخرى (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 0 - المشاهدات : 19646 - الوقت: 08:31 PM - التاريخ: 07-15-2023)           »          صناعة العود المعطر في المنزل (الكاتـب : أفاق الفكر - آخر مشاركة : OM_SULTAN - مشاركات : 4 - المشاهدات : 53773 - الوقت: 10:57 PM - التاريخ: 11-06-2022)           »          كحل الصراي وكحل الاثمد وزينت المرأة قديما من التراث (الكاتـب : Omna_Hawaa - آخر مشاركة : OM_SULTAN - مشاركات : 2 - المشاهدات : 48973 - الوقت: 10:46 PM - التاريخ: 11-06-2022)           »          كيفية استخدام البخور السائل(وطريقة البخور السائل) (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 2 - المشاهدات : 40978 - الوقت: 10:36 PM - التاريخ: 11-06-2022)           »          جددي بخورك (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 0 - المشاهدات : 23588 - الوقت: 10:25 PM - التاريخ: 11-06-2022)           »          عطور الإمارات صناعة تراثية (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 0 - المشاهدات : 23909 - الوقت: 10:21 PM - التاريخ: 11-06-2022)           »          خلطات للعطور خاصة (الكاتـب : أفاق : الاداره - آخر مشاركة : OM_SULTAN - مشاركات : 1 - المشاهدات : 29801 - الوقت: 10:12 PM - التاريخ: 11-06-2022)

إضافة رد
 
أدوات الموضوع تقييم الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 04-30-2010, 02:37 PM   رقم المشاركة : 1
الكاتب

أفاق الفكر

مراقب

مراقب

أفاق الفكر غير متواجد حالياً


الملف الشخصي








أفاق الفكر غير متواجد حالياً


معارك الحجاب.. وصعود نجم الحشمة



معارك الحجاب.. وصعود نجم الحشمة


Cant See Images
قطعة القماش التي تثير صراع الهويات

الوقت - غسان الشهابي - نادية الملاح:
ربما لم تلعب قطعة من القماش دورا في التاريخ مثلما لعبه ‘’الحجاب’’ وأيضا مثلما لعبته كوفية الراحل ياسر عرفات. وإذا كانت كوفية عرفات جسدت هوية وطنية في البداية، فقد تحولت مع تراكم النضال الفلسطيني وامتداده الكوني إلى هوية عالمية، إذ أصبحت رمزا لأكثر الطموحات الراديكالية التي تعبر عنها أجيال من شبان أوروبا والعالم الذين راحوا يطوقون أعناقهم بالكوفية الفلسطينية.

لقد اختزلت كوفية عرفات لأجيال في أوروبا حلم الثورة في مجتمعات الغرب الصناعي، فراح أنصار البيئة ومناهضو العولمة وحتى الثوريون الراديكاليون يتزينون بالكوفية الفلسطينية، مثلما راح الزعماء وقادة الدول والخطباء في منطقتنا يتزينون بها كلما فاض الدم الفلسطيني في دورة جديدة من ‘’الهولوكوست’’ الفلسطيني. لكن الحجاب يبدو أكثر تعقيدا من هذا وأبعد منه على رغم الجذر المشترك لهذه الأهمية الاستثنائية لكلا قطعتي القماش: أيقونة للهوية. لقد غدا الحجاب أيقونة من إيقونات الهوية.

فإذا كان القرن العشرين الذي شهد التحولات الكبرى، وتطبيق الأفكار والنظريات التي امتدت جذورها إلى القرن الذي سبقه، قد أيقظ في عقوده الثلاثة الأخيرة من نزعات، فلن تكون سوى نزعة واحدة ستمتد آثارها حتى السنوات الأولى من الألفية الثالثة للميلاد: نزعات الهوية.

لقد عادت الهويات لتعبر عن نفسها بكل الأشكال السلمية منها والعنيفة، وراحت النزاعات تنفجر في كل مكان من العالم الذي أيقن ان الهويات التي تم طمسها أو تحجيمها أو تذويبها باتت تضع كل منظومات القيم التي سادت العالم باتت أمام امتحان عسير، فقرننا العشرين ذاك اختتم سنواته الأخيرة بمقال صغير سوف يجري تعميمه لاحقا وترميم مفاهيمه ليصيغ العلاقات بين الأمم فيما بعد في نظرية أطلق عليها: صراع الحضارات.

في هذا الخضم، لسوف تلعب قطعة من القماش منذ وقت مبكر جدا دورا أكثر من استثنائي في صراع هويات متشابك سيأخذ بتلابيب المجتمعات العربية: أيديولوجي وسياسي. فالحجاب في المجتمعات العربية بات أكثر من التزام ديني ورمزا للورع، بل تحول إلى أيقونة هوية تستند إلى منظومة متكاملة من التعاليم والطموحات الدينية والسياسية والثقافية، وهو بهذا تحول الى أكثر من إعلان هوية. لقد تحول إلى حد فاصل بين هويات وجدت نفسها في صدام سيستنزف المجتمعات العربية عقودا طوال حتى اليوم. وفيما بعد، سيصبح للحجاب بعده الكوني أيضا، لقد بات أيضا في صميم معركة الهوية في مجتمعات الغرب التي وجدت منظوماتها السياسية والدينية والثقافية على تماس مع هذه الأيقونة وكامل الثقافة والمفاهيم التي يمثلها الحجاب. هل هي قطعة القماش التي تستثير صراع الهويات هذا بكل أبعاده الأيديولوجية والسياسية؟ قطعا لا.

هذه الحلقات محاولة لاستقراء تاريخ الحجاب ومعاركه ومعاركه الصغيرة في الصراع الذي مازال يستنزفنا كما لم يستنزفنا صراع آخر.

فتيات في أوائل أعمارهن.. في النصف الثاني من سبعينات القرن الماضي، قليلة أعدادهن، يمشين بخفر وزيادة بعض الشيء، وجوههن إلى الأرض، يرتدين على رؤوسهن قطعاً من القماش الغريب عن الوسط الذي أتين منه، يصطنعن لهن سمتاً جديداً لم يكن معروفاً في مجتمع البحرين في ذلك الوقت.

في ذلك القرن الذي شهد التحولات الكبرى، وتطبيق الأفكار والنظريات التي امتدت جذورها من القرن الذي سبقه، قرن لا يشبهه قرن في التاريخ، تم توثيقه كما لم يوثق قرن مضى بالكلمة والصورة الثابتة والمتحركة، حدث ابتذال بصري في ذلك القرن الذي اختلطت فيه الرغبات الإنسانية من كل فجّ.. مدارس وقيم وأفكار ومناهج تطيح ببعضها البعض، لا يكاد يثبت منها شيء.. الحرب الكونية التي أصبحت ‘’بروفة’’ لحرب أكبر منها، بدايات ونهايات للكثير من اليقينيات، احتفاء بالمحسوس وانحسار وتوارٍ للقيم الروحية.. إسراف إلى حد البذخ لطمأنة النفس وإبعاد مخاوفها، كمن يمشي في دهليز مظلم ويصفر بأعلى صوته ليبعد الخوف عن نفسه.. الدماء والدمار اللذان حاقا بأطراف العالم.. الانقلابات العلمية المتتالية، ونهوض وسقوط الأمم.. قرن لم يكن ليتماثل مع باقي القرون، بات فيه كل شيء سريعاً إلى حد الكآبة، بعدما كان البطء المفرط جالباً لكآبة من كانوا في القرون السالفة، الحصول على كل شيء ولا شيء، والرغبات المدمرة في الامتلاك.. قرن شهد الفوارق الأساسية بين الأمم، والهوّات التي تفصل الشمال عن الجنوب بعدد من السنين الضوئية.. قرنٌ أكمل العمليات الحسابية لتراكمات آلاف السنين، لتستقر معه القوانين الأساسية للعبة الدولية، وتتسابق فيه المدنيات الكبرى سقوطاً واعتلاء على عرش تسيير الدفة..

في هذا الخضم كله، تأتي فتيات قليلة أعدادهن، يرتدين قطعاً من القماش على رؤوسهن، النظرات الموجهة إليهن تمتزج استغراباً واستهجاناً، وما تلبث أن تتحول إلى سخرية مريرة من هذا الملبس الجديد.. إنهن المتحجبات الأول في البحرين.

بعد سنوات قليلة، لم يعد الحجاب أمراً يهم الناس ولا يثير فضولهم، فقد غدت الغالبية من النساء يرتدينه.. تداخلت في هذا الأمر من العوامل الشيء الكثير، لكن قطعة القماش هذه ظلت مدار الكثير من الحوارات في الدول العربية والإسلامية والغربية المسيحية والعلمانية على السوية.. لا يكاد يخلو عام لا تمر فيه قضية الحجاب بمفصل من المفاصل التي تثور لتهدأ عما قليل، يسير القانون الغربي، والعربي الإسلامي أيضاً غير عابئ، لتنتقل القصة من طور إلى طور آخر، لكنها لا تنتهي. لم يكن الحجاب ‘’موضة’’ ولم يصبح صرعة من الصرعات، ظهر في السبعينات وها هو ذا يمتد حتى مطالع القرن الحادي والعشرين.. تحول وتبدّل وتزايد من حوله المؤيدون والمعارضون، يقال أحياناً إنه قصة قديمة، ولكنها تطفو على السطح في كل حين.

الحجاب في الأروقة العربية الإسلامية

إذا كانت تصريحات وزير الثقافة المصري فاروق حسني في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي بوصفه الحجاب ‘’ردّة إلى الماضي وعودة إلى الوراء’’، ذلك لأنه لم يكن مقبولاً مصرياً ولا عربياً ولا إسلامياً أن يصدر هذا التصريح من وزير مصري، وإن كانت دول عربية أخرى (تونس) قد سبقت تصريحات الوزير حسني، ولكنها لم تجلب كل هذه الجلبة لها.

رمضان تونسي ساخن

فقد شهد رمضان تونس الماضي، حملة رسمية اشترك فيها الرسميون من أعلى السلطات، وكذلك علماء دين في مسألة الحجاب، فقد تم التضييق على طالبات متحجبات مع بداية العام الدراسي في سبتمبر/أيلول الماضي، وأخذ الأمر منحى تصاعدياً حتى رمضان، حيث ظهرت المسألة إلى العلن لأول مرة في تصادم الإرادات بين الطالبات وسلك الدولة، تبدّت من خلال ما يسمى بـ ‘’مسامرة رمضانية’’ تحدثت عن ‘’الحفاظ على الأصالة والهوية الوطنية’’ وكانت في 4 أكتوبر/تشرين الأول الماضي برعاية ‘’التجمع الدستوري الديمقراطي’’ (الحزب الحاكم)، وكان تصريح أمين عام الحزب الهادي مهني صريحاً في توضيح فكرة المؤسسة الحاكمة وموقفها من الحجاب بقوله ‘’إذا قبلنا اليوم الحجاب فقد نقبل غدا أن تحرم المرأة من حقها في العمل والتصويت وأن تمنع من الدراسة وأن تكون فقط أداة للتناسل وللقيام بالأعمال المنزلية’’.

وصف مهني الحجاب بأنه ‘’تستر بالدين لخلفيات سياسية’’ وأن التصدي للحجاب يأتي دفاعاً عن الدين الإسلامي نفسه، وعن حق أجيال تونس الحاضرة والآتية للحفاظ على أصالتها وتقاليدها.
مهني كان قد أبدى استغرابه من الحجاب في تونس؛ لأنه يعده من بين الظواهر المجتمعية الغريبة عن دينهم وأصالتهم وهويتهم وعن تقاليدهم وأنماط عيش أبنائهم وأجدادهم (...) ظواهر لا علاقة لها بالإسلام الحق الذي دعا إلى إعمال العقل والاجتهاد والسعي وراء العلم والحداثة والسمو بالإنسان إلى أعلى درجات الفكر المتحضر والمستنير’’. قد تبدو قصصاً أليفة إلى القارئ المتابع أن تُحرم طالبة متحجبة من التسجيل في المدارس الحكومية، وإجبارهن على التوقيع على تعهد بعدم العودة إلى المدرسة بالحجاب، فهذه القصص بدأت تنتشر منذ مدة في أوروبا، وفي فرنســا تحديداً، ولكن هذا ما حدث في تونس في بداية هذا العام الدراسي. ولكون المدارس من المؤسســات العامة، فإن مذكرة صدرت تحت رقم (108) في تونس العام 1981 يُمنع - بموجبها - ارتداء الحجاب في المؤسسات العامة.

يرى الفرقاء التونسيون هذا الأمر على أنه صدّ للتغلغل الإسلامي المسيّس في المجتمع أحيانا، ويرى آخرون أنه انتهاك صارخ للحرية الشخصية التي تبيح للفرد أن يقصّر ملابسه/ملابسها إلى حدود كبيرة، بينما يمنع إطالتها وتكاثفها على الجانب الآخر.

تبدو تونس أكثر بلدان المغرب العربي حزماً (تشدداً ربما) تجاه الحجاب عموماً، ففي نوفمبر/تشرين الثاني 2006 دارت مناقشات كثيفة في المغرب نتيجة لما قيل عن منع الخطوط المغربية للصلاة في الشركة، وعدم إقرار الشركة الحجاب لمن ترغب من الموظفات، وإفطار طاقم الضيافة على الطائرات في رمضان وتقديم المشروبات الكحولية أثناء الرحلات.. فقد برر المسؤولون كل ذلك بأن الصلاة منعت لئلا يتعطل سير العمل، وإن أقرت في مساجد المملكة لمن أراد، وأن الزي الموحد هو الذي يجب أن يسود بين المضيفات، وألا يؤخذ رأي الأقلية عوضاً عن رأي الغالبية في هذا الشأن، كما أن إفطار الطاقم يأتي من رخصة السفر، وتقديم المشروبات الكحولية من سياق عدم التخلف عن منافسة شركات الطيران الأخرى.. أي أن الرأي الرسمي لم يكن معارضاً لمسألة الحجاب.

لم تكن تركيا - من جانبها - بمنأى عن ذلك، فهي الدولة التي تقوم على العلمانية تشهد - لا تزال - مظاهرات واحتجاجات متفرقة بسبب القرار الذي اتخذته الدولة - بضغوط من الجيش - لمنع النساء المتحجبات من الانتظام في الدراسة في الجامعات، لاسيما أن الأوساط الموالية للعلمانية في تركيا ترى في ارتداء الحجاب الإسلامي مؤشرا على دعم الإسلام السياسي. هل هو الخوف من السياسي داخل العباءة الإسلامية، أم من الإسلامي الذي يريد مداعبة السياسة؟

وفي هذا الإطار تبدو قصة مروة قاوقجي [1] مثيرة للاهتمام من قبل أتباع المذهبين المتناقضين في شأن الحجاب، فكلٌّ منهما له من الحجج ما يمكن أخذه ودفعه، وليس هنا مكان المقارنة بين المنطق لدى كلا الفريقين.

حجاب الرأس ورأس الحجب

يمكن التأريخ لصدام الحجاب بالرأي الرسمي عموماً في العالم بما جرى في فرنسا منذ العام ..1989 فبدأت قصة الحجاب في فرنسا التي ترفع شعار الحرية والإخاء والمساواة في ذلك العام عندما أصرت ثلاث طالبات في منطقة (كخاي) في باريس على ارتداء الحجاب داخل الثانويات. وبعد جدل عميق بين مختلف القوى السياسية صادقت حكومة الرئيس جاك شيراك على مشروع القانون الذي يحظر ارتداء الزي الإسلامي في المدارس العامة في السادس من ديسمبر/كانون الأول .2003 [2]

لم يتوقف الأمر عند الطالبات المسلمات في فرنسا عن هذا الحد، بل وربما كانت هذه الحادثة مدعاة للبعض منهن للمزيد من العناد للفت النظر ومحاولة تثبيت ألا إكراه في لبس الحجاب، ولا إكراه في نزعه أيضاً، وأنه لا يتصادم مع القيم العلمانية للدولة.. ظلت الفتيات المؤمنات بالحجاب في فرنسا في حال استنفار من الدرجة الأولى، وكانت الاحتكاكات بالإدارات المدرسية في الأساس هي ما يحكم هذه العلاقة.. تسير الفتيات هناك كما لو كنّ لم يسمعن ما حلّ بزميلاتهن قبل سنوات، ولا بالقانون الذي يحظر عليهن ارتداء الزي الإسلامي في المدارس العامة.

‘’فتاتان مثل الأخريات’’، كان عنوان كتاب أعدته صحافيتان فرنسيتان في شأن طالبتين فرنسيتين مسلمتين هما ليلى ولمعى، هذا الكتاب الذي صدر في فبراير/شباط من العام 2004 يروي قصة الطالبتين اللتين أمرهما ناظر ثانوية ‘’هنري والون’’ بمنطقة أوبرفيلي (شمال باريس) بالتنحي جانباً عن بقية الطلبة بغية عرضهما على مدير المدرسة لارتدائهما الحجاب.

في مقدمة الكتاب الصادر عن دار نشر فرنسية تقول الصحفيتان فرينيك جيرود وياف سانتيمور إن الكتاب ‘’عبارة عن رؤية أخرى لقضية الحجاب من وجهة نظر من ترتدينه والمدافعات عنه -أو بالأحرى ضحايا الحملة التي شنت ضده- فهو يعتبر وثيقة تدعو الفرنسيين إلى فهم الظاهرة قبل محاكمتها’’. [3]
كالأخريات

أكثر ما في الأمر طرافة أن الكتاب يروي قصة فتاتين متحجبتين، وهما من أب فرنسي يهودي الديانة وأم قبائلية جزائرية، وقد انفصل الوالدان، وبقيت الفتاتان مع والدهما اليهودي (العلماني) واختارتا الحجاب عن قناعة كما تقولان في الحوارات الطويلة التي كانت المادة الأساسية للكتاب.. على إثر تلك الحادثة التي أخذت بعداً إعلامياً كبيراً على مستوى العالم، والتعليقات التي نالها نشر الموضوع أينما كان في فرنسا، عاد البرلمان الفرنسي لمناقشة مسألة الرموز الدينية، فصوّت بالغالبية في العاشر من فبراير/شباط من العام ,2004 على قانون يحظر ارتداء الرموز الدينية في المدارس والمصالح الحكومية إثر خطاب للرئيس الفرنسي جاك شيراك يوم 17-12-2003 وتقرير أعدته لجنة برنار ستاسي أكد أن الكثير من الفرنسيات من أصول مسلمة يرتدين الحجاب بضغوط من الوسط العائلي، والمفترض حماية تلك الفتيات عن طريق سن قانون يؤكد أيضا علمانية المدارس.


يكشف كتاب ‘’فتاتان مثل الأخريات’’ عن فهم منفتح لليلى ولمعى للدين الإسلامي على رغم حداثة السن لكلتيهما، قالتا رأييهما في تبديل زميلاتهما للمحبين والعاشقين بسرعة تبديل الفساتين، وقالتا إن الجنس قبل الزواج محرم في الإسلام، ولكنه لا يُلزم به إلا من كان مسلماً.. ولكن حتى ذلك لم يحل دون طردهما من المدرسة.. فصار القماش رمزاً وتخطى وظائفه، ومحرَّضاً، وساحة للخلاف، ومحفزاً على إصدار القوانين، وداعياً لكل هذا اللغط من أجل نزعه أو تثبيته.

ما استجابت الإسلاميات للأمر بسهولة في فرنسا، ولم يستجب لهن القانون والتشريعات، وبعد أن كان الأمر وجهات نظر مختلفة بات حقيقة واقعة هناك في بلد يقطنه أكثر من مليوني مسلم من أصول عربية وآسيوية في الغالب، وهذه الحقيقة مدّعمة بسلطة القانون الذي على الفرنسيين - أيّاً كانت جذورهم - احترامه والرضوخ له.

حجاب قاوقجي في هارفارد.. لا في اسطنبول

ولدت التركية مروة قاوقجي في أنقرة (1968) ودرست في بلدها وواصلت دراستها في الولايات المتحدة، عاشت مع والديها هناك لتعرضهما للمضايقات (كما يدّعيان) بسبب عدم التزامهما بما تقوله الدولة التركية من ناحية الدين، فهاجرا العام .1986

بعد عودتها من الولايات المتحدة، انخرطت قاوقجي في ‘’حزب الفضيلة’’ (حزب الرفاه سابقاً) بقيادة نجم الدين أربكان، وانتخبت عضواً في البرلمان التركي عن مدينة اسطنبول، لتكون أول نائبة متحجبة في البرلمان التركي، فاضطرت لاصطحاب أقاربها في كل تحركاتها ليذبوا عنها الأذى الذي يلحق بحركتها العلنية مذ ذاك.

السياسي التركي المخضرم بولنت أجاويد، حاول مراراً تمرير اقتراح باستثناء قاوقجي من حضور جلسات البرلمان، وأن يخصص لها مكتب منفصل عن القاعة الرئيسة ما دامت ترتدي حجاباً.. عندما دخلت قاوقجي القاعة لأداء القسم، حدث هرج كبير هناك: فحزبها قابلة بعاصفة من التصفيق والتشجيع، بينما صاح نواب اليسار الديمقراطي ونواب الحركة القومية بصوت واحد ‘’أخرجي.. أخرجي.. أو لتنزعي حجابك’’. بحجة معاداتها للعلمانية.

لم تتم الجلسة في ذلك اليوم، الرئيس التركي اعتبر أن قاوقجي هي السبب في توتير الجلسة، فتقرر ألا تدخل القاعة وألا تؤدي اليمين.. اعتبرت قاوقجي ما حدث استخفافاً بإرادة الشعب الذي اختارها من بين نساء تركيا اللاتي قالت عنهن أن ثلاثة أرباعهن متحجبات، ولم تدم مدة بقائها نائبة في البرلمان إلا 11 يوماً.

حظيت قاوقجي بشهرة إسلامية واسعة، المعارضون في كفة في مقابل كفة المساندين، وجرت باسمها الكثير من المقالات من الجانبين، كان كل من الحجاب والعلمانية في مواجهة. وعلى رغم أن القانون التركي يسمح بازدواج الجنسية، وأن عدداً كبيراً من النواب الأتراك لديهم جنسيات أخرى غير جنسية بلدهم الأم، إلا أن تحركات السلطات التركية كانت في اتجاه إسقاط الجنسية عن قاوقجي، فساد القلق أوساط الأتراك الأميركيين الذين وجهوا سؤالاً إلى رئيس الوزراء أجاويد لدى زيارة له لواشنطن عما إذا كانت ستسقط جنسياتهم هم أيضاً، فقال ‘’لا، لقد أسقطت الجنسية التركية عن قاوقجي بسبب وضعها الخاص’’.

عادت قاوقجي إلى الولايات المتحدة لتواصل دراستها في جامعة هارفرد التي درّست فيها لاحقاً، وتعمل حالياً أستاذاً في كلية العلاقات الدولية في جامعة جورج واشنطن، وتكتب مقالات منتظمة في إحدى المجلات التركية في اسطنبول.

ما قاله وزير الثقافة المصري
نقلت وسائل الإعلام العالمية ما قالت إنه تصريحات صحافية لوزير الثقافة المصري فاروق حسني وصف فيها ارتداء المرأة المصرية للحجاب بأنه ‘’عودة إلى الوراء’’.

وكانت قناة ‘’الجزيرة’’ الإخبارية وموقع ‘’راديو سوا’’ على الانترنت قد أبرزا تصريحات حسني لصحيفة ‘’المصري اليوم’’ المستقلة قال فيها ‘’إننا عاصرنا أمهاتنا وتربينا وتعلمنا على أيديهن عندما كن يذهبن إلى الجامعات والعمل دون حجاب، فلماذا نعود الآن إلى الوراء؟!’’.

وأضاف أن ‘’النساء بشعرهن الجميل كالورود التي لا يجب تغطيتها وحجبها عن الناس’’.

تتمة الموضوع

Cant See Links

بوابة المرأة
Cant See Links

الحجاب وصحف العالم
Cant See Links



التوقيع :




لا اله الا الله رب السموات السبع ورب العرش العظيم








رد مع اقتباس
قديم 04-30-2010, 02:49 PM   رقم المشاركة : 2
الكاتب

أفاق الفكر

مراقب

مراقب

أفاق الفكر غير متواجد حالياً


الملف الشخصي








أفاق الفكر غير متواجد حالياً


رد: معارك الحجاب.. وصعود نجم الحشمة


الحلقة الثانية

بعــد 11 سبتمــبر.. أغطيـــة الرأس تفضـي للكراهيــة


بقيت فرنسا في بؤرة الدول الغربية التي شهدت صراعات الحجاب على امتداد أوروبا، على رغم أن هناك عدداً من الدول الأوروبية التي أخذت فيها هذه الحوادث الخاصة بالعاملات في القطاع العام أو الطالبات في المدارس العامة، ولكنها لم تكن بالحدة ذاتها التي كانت في فرنسا، فللقرب الجغرافي الفرنسي، والارتباطات العربية الإسلامية بفرنسا عموماً، أضحت فرنسا أكثر الدول وضوحاً في موقفها من الحجاب الإسلامي، الذي مدّته - تالياً - إلى كل الرموز الدينية الواضحة بحسب ما جاء في القانون الصادر في العام .2004 قبلها بعام، تزامنت قصة الطالبتين ليلى ولمعى مع إقرار محكمة ألمانية في 23 سبتمبر/أيلول 2003 بحق إحدى المعلمات المسلمات من أصل أفغاني في مدرسة حكومية، بلبس الحجاب بعد أن منعت من ذلك في فترة قبلها. وكانت الفرنسية الجزائرية الأصل دليلة طاهري (34 عاماً) قد فصلت من شركة ‘’إس. آر تيلي بيرفورمانس’’ للهواتف في يوليو/تموز ,2002 وعادت في ديسمبر/كانون الأول بحكم قضائي، وفي جعبتها تعويض بألف يورو، عوضاً عن الفصل التعسفي، كما جاء في منطوق الحكم.

كانت طاهري قد رفضت كشف شعرها ورقبتها بأمر من رئيسها، ورفضت وصفه بأن الحجاب يقلل من شأن المرأة. قالت في مقابلة معها للتلفزيون الفرنسي بعد الجلسة ‘’بالنسبة لي، المرأة والرجل متساويان، ويجب أن تتمكن المرأة من العمل وتشارك في المجتمع الذي تعيش فيه’’.

حينها، رأى مراقبون أن هذه القضية أتت في سياق محاولة الدولة العلمانية - التي تقطنها غالبية كاثوليكية - تحسين العلاقات مع خمسة ملايين مسلم من سكانها. وقال تينو غرومباش محامي طاهري ‘’إن هذا يثير تساؤلات عما إذا كان ذلك مؤشراً على تحول في المناخ العام للشركة التي سمحت بالحجاب ثم غيرت رأيها بعد 11 سبتمبر/أيلول’’.

ألمانيا في ظل التناقضات
لكن هذا لا يعني أن ألمانيا متسامحة مع الحجاب، أو أن فرنسا وحدها التي لها رأي مناهض له. ففي ألمانيا يدور جدل كثيف في هذه القصة أيضاً، وربما دخول النائبة إلى البرلمان الألماني والمنتمية لحزب الخضر إكين ديليغوز، وهي من أصول تركية في هذا الأمر في مسألة مناهضة الحجاب، قد استوجب عليها غضب الجمعيات الإسلامية في ألمانيا، وقيل إنها تلقت تهديدات بالتصفية الجسدية من قبل المتشددين إن هي بقيت على موقفها المناهض لارتداء المسلمات الحجاب، فيما نفت النائبة الألمانية الاتهامات بسعيها لإثارة الجدل في هذا الموضوع من أجل لفت نظر الرأي العام العالمي لها وتعزيز شعبيتها.

ديليغوز لها رأي يقول إن الحجاب رمز لقمع المرأة ونوع من الوصاية الرجالية عليها، وسبق لها أن قالت للمحطة التلفزيونية الألمانية الأولى (ARD) إن النقاش المثار بشأن الحجاب هو نقاش بمنتهى الموضوعية ولا يحمل معاني التحريض أو الإهانة. وفي هذا الإطار دعت للحرص على عدم اصطدام الحرية الدينية للفرد مع حريته في التعبير عن رأيه. وقالت إنه على رغم التهديدات بالقتل التي تلقتها من مجهولين، فإنها ليست خائفة، لأنها تدافع عن شيء ثمين، ‘’إنها الحرية’’.

وكما كان متوقعاً، فقد حظيت النائبة المسلمة المناهضة للحجاب بتأييد عارم في ألمانيا خصوصاً بعدما سرت أخبار التهديدات الموجهة إليها، ومن جملة من ناصروها أيضاً المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا الذي قال عضوه منير عزاوي، إنه يقف إلى جانب ديليغوز، معرباً - في الوقت نفسه - عن تشبثه بضرورة احترام حرية التعبير في ألمانيا، لأنها تعد أمرا بديهيا. غير أن المجلس حرص - على رغم تعاطفه مع النائبة البرلمانية - على توضيح موقفه المعارض لدعوتها النساء المسلمات في ألمانيا إلى خلع الحجاب.

تصريحات النائبة البرلمانية وردود الفعل التي أتت على خلفيتها، أحييا الجدل مجددا في ألمانيا بشأن التسامح والرموز الدينية ومعايير حرية المرأة في المجتمع الألماني. عدد من مسلمي ألمانيا وأوروبا عامة يُبدون تحفظاتهم تجاه هذا الجدل ويعتبرون محاولات منع الحجاب تمييزا ضدهم ووليد أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول. وتحاول بعض الفتيات المسلمات التأكيد أن ارتداءهن الحجاب لم يأت نتيجة ضغوط أو قمع يتعرضن له.

وتؤكد إحدى الفتيات المسلمات من مدينة برلين في هذا الصدد أنها مرت بعدة فترات في حياتها كانت ترتدي خلالها الحجاب وتخلت عن ارتدائه في فترات أخرى، غير أنها ترتديه اليوم عن قناعة ذاتية وبمحض إرادتها لأسباب عقائدية. أما بالنسبة إلى فتاة مسلمة أخرى فلا يتعدى الحجاب بالنسبة إليها كونه رمزاً دينياً، فهو يمثل جزءاً من الحرية ويخول لها حرية التحرك دون إزعاج خارج دائرة المحيط الأسري. ونفت تلك الأحكام المسبقة التي تدعي أن المرأة المسلمة لا تواكب موضة العصر، مشيرة إلى أن عددا كبيرا من الفتيات المسلمات في أوروبا يرتدين آخر ما أنتجته دور الأزياء المشهورة. إلا أن هناك مؤشرات ليست بالقليلة على أن ارتداء هذه المناديل على الرؤوس ليس مرغوباً به في القارة الأوروبية تحديداً، وليس هناك كبير تسامح كما كان الوضع من قبل، فقد انهارت الكثير من الحُجُب بانهيار برجي التجارة العالميين في الولايات المتحدة، ولم يتوقف رد الفعل حينها على تدمير ‘’القاعدة’’ وتشتيت طالبان في أفغانستان، وتطويق العراق من كل نواحيه، فقد امتدت النظرة إلى أوروبا أيضاً.

العلمانية والنظرة العربية الإسلامية الغربية للحجاب

كلما احتدم الجدل في مسألة الحجاب في الدول الغربية ثارت الحجج نفسها تقريباً بين الطرفين، فالطرف الآخذ برأي العلمانية كما تؤمن بها فرنسا يردد الأمثلة الفرنسية ومنطلقاتها، إذ تقول الحكومة الفرنسية إن الغرض من القانون المانع للبس أي رمز واضح لأية ديانة في المدارس هو الالتزام بمبدأ العلمانية داخل المؤسسات التعليمية، المبدأ الذي يعني هنا حياد المدرسة وعدم السماح فيها بالدعاية لأي دين كيفما كان. ويرد المعارضون، من الجاليات العربية والإسلامية في فرنسا، أن هذا القانون يتناقض مع مبدأ آخر في العلمانية وهو الحرية الشخصية، وهي جانب أساسي في الحقوق الديمقراطية التي تكفلها الدولة العلمانية، ما دامت الحرية الشخصية لا يترتب عنها ضرر ما بالمجتمع ولا بالأفراد.

ولبس الحجاب من هذا القبيل، وإذن، فمنع الحجاب في المدارس بدعوى احترام مبدأ العلمانية تدبير يتناقض مع العلمانية ذاتها، مع أسسها ومبادئها. ومعنى ذلك أن السبب الحقيقي الذي يقف وراء الرغبة في منع الفتيات المسلمات من لبس الحجاب في المدارس شيء آخر غير الحرص على تطبيق مبادئ العلمانية. [1].

هذه المبادئ التي بدأت في الغرب في منتصف القرن السابع عشر، انتقلت متأخرة - كالعادة - فلقيت تفسيرات مختلفة في القرن العشرين تفاوتت بين المقترب منها والمبتعد، والقابل بها والنافر منها، حتى باتت العلمانية وصمة عار أحياناً لمن يدّعيها أو تلقى عليه، ومنهم من يفاخر ويعتز بوصفه علمانيا، وما ذاك إلا لاختلاف المفاهيم بشأن المصطلح نفسه. إذ يرفض المفكر المغربي محمد عابد الجابري تعريف مصطلح العلمانية باعتباره فقط فصل الكنيسة عن الدولة، لعدم ملاءمته للواقع العربي الإسلامي، ويرى استبداله بفكرة الديمقراطية ‘’حفظ حقوق الأفراد والجماعات’’، والعقلانية ‘’الممارسة السياسية الرشيدة’’.

في حين يرى الباحث المصري وحيد عبدالمجيد أن العلمانية (في الغرب) ليست أيديولوجية (منهج عمل) وإنما مجرد موقف جزئي يتعلق بالمجالات غير المرتبطة بالشؤون الدينية. ويميز عبدالمجيد بين ‘’العلمانية اللادينية’’ - التي تنفي الدين لصالح سلطان العقل- وبين ‘’العلمانية’’ التي نحت منحى وسيطاً، حيث فصلت بين مؤسسات الكنيسة ومؤسسات الدولة مع الحفاظ على حرية الكنائس والمؤسسات الدينية في ممارسة أنشطتها. وفي المنتصف يجيء أستاذ الفلسفة فؤاد زكريا الذي يصف العلمانية بأنها الدعوة إلى الفصل بين الدين و السياسة، ملتزماً بالصمت إزاء مجالات الحياة الأخرى (الاقتصاد والأدب). وفي ذات الوقت يرفض سيطرة الفكر المادي النفعي، ويضع مقابل المادية ‘’القيم الإنسانية والمعنوية’’، حيث يعتبر أن هناك محركات أخرى للإنسان غير الرؤية المادية.

ويقف مراد وهبة - أستاذ الفلسفة- و كذلك الكاتب السوري هاشم صالح إلى جانب ‘’العلمانية الشاملة’’ التي يتحرر فيها الفرد من قيود المطلق والغيبيّ وتبقى الصورة العقلانية المطلقة لسلوك الفرد، مرتكزاً على العلم والتجربة المادية.

ويتأرجح المفكّر البارز صاحب نظرية اليسار الإسلامي حسن حنفي، بين العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة ويرى أن العلمانية هي ‘’فصل الكنيسة عن الدولة’’ كنتاج للتجربة التاريخية الغربية. ويعتبر حنفي العلمانية - في مناسبات أخرى- رؤية كاملة للكون تغطي كل مجالات الحياة وتزود الإنسان بمنظومة قيمية ومرجعية شاملة، مما يعطيها قابلية للتطبيق على مستوى العالم.

الفاصل الحاد لما قبل الحادي عشر وما بعده

بنوع من التردد والتهيّب، أقيم في شهر فبراير/شباط 2003 في مدينة والسال (وهي مدينة تفخر بإنتاج السلع الجلدية وتقع بالقرب من بيرمنجهام) أول موقع لمعرض متنقل مقدم من ‘’إينيفا’’ (معهد الفنون البصرية العالمية) في لندن عن موضوع حساس: ‘’الحجاب’’.

حينها كتبت مدير معهد الفنون البصرية العالمية و إحدى المنسقين جيلان توادروس تقول ‘’أصبح الحجاب بعد 11 سبتمبر/أيلول مرادف للفروق الثقافية والدينية التي تُعرض بشكل مستمر على أنها غير قابلة للتخطي، غريبة ومرعبة. الحقيقة أن الحجاب، ولبس الحجاب كان - لآلاف السنين - جزءاً من الثقافة الشرقية والغربية أيضا، لم تفعل أي شيء للتقليل من ارتباطاته بالإسلام وبالفكرة المجردة تجاه الشرق’’.

إذا كانت هذه هي نظرة المسؤولة المثقفة، وبعد عامين من وقوع تلك الأحداث، فإن تغييرات كبيرة وقعت في تلك الفترة بشأن الحجاب ومرتديه، ورأتهم طائفة كبيرة من الأميركيين والأوروبيين بأن من يرتدي أي زيٍّ له علاقة بما يرتديه المسلمون فهو يقع في دائرة الاتهام والمضايقة، ويعلم عدد من المتشددين الغربيين ما للتركيبة العربية الإسلامية من نظرة تجاه ستر المرأة وانكشافها، فكان الكثير من العزف يتم على هذه الأوتار، من محاولة كشف أغطية رؤوس النساء علنا في المطارات، أو على أيدي أو بحضور رجال، إلى جانب التفتيش الشخصي لهن.

وفي غالب هذه المدن، يقوم المسؤولون بدور لضبط الانفلات، بالدعوة إلى احترام الساكنين المسلمين، والفصل بينهم وبين من يرتكب الجرائم الحقيقية، وكذلك زيارتهم في منازلهم ومناطق تجمعاتهم ومناسباتهم الدينية، إلا أن المضايقات التي سجلت بعد الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001 في حق المسلمين في الدول الأوروبية كانت قد وصلت إلى حدود عليا، وكان الحجاب رمزها الأبرز للاستهداف.
في العام ,2002 أصدرت منظمة مراقبة حقوق الإنسان (نيويورك) تقريراً عن الجرائم التي ارتكبت في حق المسلمين، ومن يُعتقد أنهم مسلمون في الولايات المتحدة، ودور العبادة في عدد من الولايات الأميركية.

ومما يثير السخرية المريرة ذلك الرسم الكاريكاتيري الذي يبين مجموعة من الأشخاص ينهالون بالهراوات على شخص معمم، فيقول أحدهم ‘’إنه ليس مسلماً.. إنه سيخ’’، فيرد آخر ‘’إنه قريب بما يكفي من المسلمين’’.

وبالفعل، فقد سجلت المنظمة الدولية عدداً من الاعتداءات على المسلمين وعلى السيخ وعلى أقباط عرب لسحنتهم ولونهم القريب من بشرة المسلمين الشرقيين في العادة، ‘’وأفادت ‘’اللجنة الأميركية العربية لمناهضة التمييز’’ بوقوع ما يزيد على 600 من الجرائم المرتبطة بأحداث 11 سبتمبر/أيلول والمرتكبة بدافع الكراهية ضد العرب، والمسلمين، ومن يُظن أنهم من العرب أو المسلمين، مثل السيخ والقادمين من جنوب آسيا’’. [2]

ويواصل التقرير عرضه لعدد من الحوادث التي وقعت في الولايات المتحدة في تلك الفترة الحرجة، ودور العبادة التي جرى الاعتداء عليها، ومن بينها كنيسة كان الجاني قد تعجل بتعمد إضرام النار بها ظاناً أنها مسجد.. إذ يشير التقرير ‘’ولا يبعث على الدهشة أن من كانوا أكثر عرضة لجرائم الكراهية المرتبطة بالحادي عشر من سبتمبر/أيلول هم من يسهل التعرف على هويتهم كعرب أو مسلمين، بمن في ذلك المحجبات من النساء. وتعرض السيخ ممن يعتمرون العمامة أيضاً للاستهداف بنسبة تفوق فيما يبدو ما تعرض له غيرهم، وهو ما يفترض أنه نتيجة لتوهم الكثير من الأميركيين أن من يرتدون العمامة هم عرب أو مسلمون. وكذلك كانت الهجمات المرتكبة بدافع التحيز التي تعرضت لها الممتلكات موجهة في كثير من الأحيان إلى عقارات يسهل تحديد أنها تخص المسلمين أو العرب، مثل المساجد’’.[3]

افتتح القرن الحادي والعشرين بحادثة برجي التجارة، وانتقلت الأنظار إلى ما اسمي بالأصولية الإسلامية، وبات الحجاب، العمامة، اللحية وربما اللون الأسمر والهيئة العامة للأفراد موضع شك وتوجس من قبل السلطات الأمنية في الدول الغربية، وشهدت المطارات وبعض نقاط العبور الكثير من القصص التي تشير إلى تورم المسألة في تلك الدول، وبات طلب الحوار بين الحضارات، وبين الأديان هو موضة هذه السنوات التي أعقبت استهداف الإسلام، كما يعتقد المسلمون، والخشية من السيطرة الإسلامية المتشددة على الدول الغربية من قبل مفكرين وأفراد في الدول الغربية، سيطرة تفقدهم مكتسباتهم وأهمها حرياتهم الشخصية.

هوامش
[1] بحسب الموسوعة الحرة (ويكيبيديا) فإن ‘’علمانية’’ آتية من الكلمة الإنجليزية Secularism (سيكيولاريزم) وتعني إقصاء الدين والمعتقدات الدينية عن أمور الحياة. وتُفسّر العلمانية من الناحية الفلسفية بأن الحياة تستمر بشكل أفضل ومن الممكن الاستمتاع بها بإيجابية عندما نستثني منها الدين والمعتقدات الإلهية. وينطبق المفهوم نفسه على الكون والأجرام السماوية عندما يُفسّر بصورة مادية بحتة بعيداً عن تدخل الدين في محاولة لإيجاد تفسير للكون ومكوناته.
وقد استخدم مصطلح “Secular” (سيكولار) لأول مرة مع توقيع صلح وستفاليا العام 1648- الذي أنهى أتون الحروب الدينية المندلعة في أوروبا- وبداية ظهور الدولة القومية الحديثة (أي الدولة العلمانية) مشيراً إلى ‘’علمنة’’ ممتلكات الكنيسة بمعنى نقلها إلى سلطات غير دينية، أي لسلطة الدولة المدنية.
[2] هيومان رايتس ووتش - جرائم الكراهية ضد العرب والمسلمين ومن يظن أنهم من العرب أو المسلمين بعد الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2002 /.
[3] المصدر نفسه.

«العلمنة» القديمة جداً في فرنسا

بالنسبة إلى الكثيرين في العالم العربي، يبدو القانون الفرنسي بشأن المظاهر الدينية في المؤسسات العامة ردة فعل على تطورات وقضايا تلاحقت في فرنسا في السنوات التي سبقت صدور القانون. قد يكون التفسير صحيحا في حدود معينة لكن ليس بشكل مطلق. فالقانون لم يفعل سوى تجديد التزام الدولة الفرنسية بقانون قديم صدر العام 1905 حول فصل الدين عن الدولة. يعرض رئيس تحرير لوموند ديبلوماتيك الان غريش لهذا القانون والظروف التي دفعت لإصداره والملابسات التي يتعلق معظمها بالصراع بين الجمهوريين في فرنسا والكنيسة الكاثوليكية المتحالفة مع الملكية حسب غريش. يقدم غريش استقراء تاريخيا لأصول العملنة في فرنسا وخلفياتها والتطورات التي رافقت إقرار القانون العام ,1905 يشير فيه خصوصا الى ان الحكومات الفرنسية ركزت جهودها على تطبيق القانون في مؤسسات التعليم لكن بدون تشدد بل بما اسماه تطوير الوعي، فحتى الحرب العالمية الثانية كانت الصلبان تزين جدران المدارس حسب غريش. أبعد من هذا، فان اول مادتين في القانون تنص على: ‘’تكفل الجمهورية حرية المعتقد. وهي تضمن حرية ممارسة الشعائر الدينية الا في الحالات المقيدة المنصوص عنها أدناه في إطار المصلحة العامة’’.


المادة الثانية: ‘’لا تعترف الجمهورية ولا تقدم اجراً ولا المساعدة لأي طائفة. (...). إلا انه يمكن في مطلق الأحوال أن تسجل في الموازنات المختصة [موازنات الدولة والمحافظات والبلدات] المصاريف المتعلقة بممارسة أعمال الصدقة والمخصصة لتأمين حرية ممارسة الشعائر الدينية في المؤسسات العامة مثل الليسيات والمعاهد والمدارس والمستشفيات ودور العجزة والسجون’’. لكن هذا لا يعني في الخلاصة النهائية سوى ان الممارسة وتطبيق القانون وجد تفسيره الاهم لدى الرسميين الفرنسيين في انه وضع للمساواة بين جميع الأديان. تشمل هذا مسألة المساعدات الحكومية أيضا وآخر الشواهد هنا حسب المقال هي مساهمة الحكومة الفرنسية في بناء جامع باريس في اوائل عشرينات القرن الماضي. وهذا ما يفسره ادوار هيريو مقرر مشروع القانون في مجلس النواب قائلاً: ‘’نحن لا ننتهك قانون العام ,1905 إذ إننا نفعل هنا للمسلمين ما فعلناه العام 1905 للبروتستانت أو للكاثوليك.’’
لقراء المزيد: راجع: في أصول الجدل حول العلمنة - آلان غريش- لوموند ديبلوماتيك أغسطس/ آب 2003

أنتِ مســـلمة؟ .. أنتِ متهمــة

في 12 سبتمبر/أيلول عام 2001 كانت الباكستانية فايزة إعجاز تقف خارج مركز تجاري في هنتنغتون بولاية نيويورك في انتظار مجيء زوجها لأخذها من العمل. وتفيد أنباء صحافية أن آدم لانغ، وهو رجل في السادسة والسبعين من عمره كان يجلس في سيارته خارج المركز التجاري، نقل محرك السيارة إلى وضع القيادة، حسب ما ورد، وانطلق في اتجاهها. وتمكنت إعجاز من تفادي السيارة بأن وثبت من طريقها وجرت إلى داخل المركز التجاري. وقفز لانغ عندئذ من السيارة وصاح بأنه يفعل هذا ‘’من أجل بلدي’’ وأنه كان سيقتلها. وأمسك موظفو الأمن في المركز التجاري بلانغ.


وقال قائد مكتب جرائم التحيز في مقاطعة سافولك السرجنت روبرت ريكس للصحافيين ‘’لو لم تثب من الطريق لكان دهمها بسيارته لا محالة’’. واتهم لانغ بجريمة تعريض حياة إنسان للخطر بالاستهتار من الدرجة الأولى وهو ما يقتضي تشديد العقوبة إذا كانت الجريمة قد ارتكبت بدافع التحيز.
ف. ك.

تعرضت ف. ك.، وهي امرأة أميركية مسلمة محجبة، يوم 18 يونيو/حزيران ,2002 للاعتداء من جانب امرأة في متجر للأدوية قرب هيوستون بولاية تكساس.

وقالت المرأة لف. ك. قبل أن تعتدي عليها لقد عرفت ‘’بأمركم أيها القوم’’ على مدى الأشهر العشرة الأخيرة ولا تثق ‘’في أي تافه منكم’’. وقبل أن تتمكن ف. ك. من الهرب من المرأة طرحتها أرضاً وشرعت في نزع حجابها فالتف حول عنقها وكاد يخنقها. وعلى رغم أن ف. ك. قالت للمرأة إنها لا تستطيع التنفس فقد واصلت جذب الحجاب.

واضطرت ف. ك. عندئذ لخلع الحجاب مخالفة واجباتها الدينية في محاولة يائسة لتخفيف حدة الاختناق. وقامت المرأة بعد ذلك بجر ف. ك. من شعرها إلى خارج المتجر. وعندما وصلت الشرطة كانت المرأة تمسك ف. ك. من شعرها على الرصيف أمام المتجر. وقالت المرأة للشرطة إنها تلقي القبض كمواطنة على ف. ك. وطلب منها أفراد الشرطة أن تترك ف. ك. وعندها تمكنت ف. ك. من ارتداء الحجاب من جديد.
من تقرير هيومان رايتس ووتش 2002 (Human Rights watch) -


رد مع اقتباس
قديم 04-30-2010, 02:52 PM   رقم المشاركة : 3
الكاتب

أفاق الفكر

مراقب

مراقب

أفاق الفكر غير متواجد حالياً


الملف الشخصي








أفاق الفكر غير متواجد حالياً


رد: معارك الحجاب.. وصعود نجم الحشمة


(الحلقة الثالثة)

الحجاب المعلق بـين المسلمين والمسيحيين


استشعر المسلمون والمسيحيون خطورة تدهور الحالة الأمنية بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول ,2001 هالهم صدمتهم وقصورهم أو تقصيرهم تجاه التحاور فيما بينهم، فقد كتب الأب بيار المصري في صحيفة ‘’النهار’’ اللبنانية أن الحوار ليس بين الأديان بل بين أتباع الأديان، وهذا ما يجب أن يحدث لإزالة سوء الفهم ومناطق العتمة بين الأتباع. ولكن هل تجدي المسألة نفعاً ما دامت منحصرة في الأساس في نطاق قاعات المؤتمرات بينما في الشارع تأتي بالكثير من الممارسات التي تتناقض مع روح التسامح التي تنطلق منها تلك الحوارات، ومن بينها الحديث عن الحجاب وأهميته بالنسبة للمسلمة، وكيفية التعامل معه في الغرب. عند الحديث عن العامة، فإن هذا لا يعني الناس في الشوارع وحسب، بل وحتى المتخصصين منهم، فعلى ذمة وكالة الأنباء الإسلامية، فقد قال سفير الفاتيكان في القاهرة مايكل لويس، إن هناك 260 وسيلة إعلامية في الغرب تحارب الإسلام، وأيضا وسائل إعلامية أخرى توقع بين الأديان لإيجاد تصادم[1]، إلى ذلك فهناك مركز للحوار بين الأديان السماوية في الفاتيكان لمحاولة إشاعة التسامح والتفهم الذي هو الطريق الأكثر مطروقية بالنسبة لإزالة الاحتقانات.


التآمرية الغربية وأفعال المتشددين

كثيراً ما نظر الإسلاميون المتحمسون إلى الغرب (الصليبي بتعبيرهم) أنه كاره للإسلام والمسلمين ورموزهم، وأن الغرب يريد ‘’تطهير’’ أوروبا من وجودهم فيها، وهذا الرأي لم يأت من تلقائه، فقد كانت هناك الكثير من التصريحات الرسمية وغير الرسمية التي يشم منها ما يعزز هذا التوجه، ربما كانت تصريحات الممثلة الفرنسية بريجيت باردو واحدة من تلك، إذ دعت أكثر من مرة إلى ‘’تنظيف’’ ضواحي باريس من سكانها القذرين (العرب والمسلمين هناك)، وشنت عليهم حملات مشهورة في شأن نحر الخـرفان وغيرها من المواشي لعيد الأضحى، واتهمتهم بالوحشية وغيرها من التهم.

ولكن - في المقابل - يتساءل مسلمون آخرون هل يكفي القول إن الإسلام بريء من التفجيرات، وسوق الكثير من الآيات والأحاديث والقصص التاريخية التي تدلل على عظمة الإسلام وتسامحه، مستشهدين بسيرة الرسول (ص) وخلفائه، وأمراء المؤمنين المختلفين، وخصوصاً ‘’العهدة العمرية’’ التي كتبها الخليفة الثاني عمر بن الخطاب لأهالي القدس وساكني الأديرة ورجال الدين؟!. إذن أين هذا كله من قتل السياح الأجانب في اندونيسيا، وتفجير السفارات والملحقيات، تفجير قطارات مدريد، وأنفاق فرنسا، ومدرسة بيسلان، وحز رقاب عمال وصحافيين وفنيين ومهندسين وموظفي إغاثة وعابري سبيل في العراق؟!.

وفي هذا الشأن يقول محمد السماك: ‘’والى متى يتوجب علينا ان نذكّر كذلك بأن العالم الغربي شيء والمسيحية شيء آخر، وانه إذا كانت هناك مشكلات سياسية بين العالم الإسلامي والغرب، فليس معنى ذلك أن هناك مشكلات دينية بين الإسلام والمسيحية؟ (..) إلى متى يفترض بنا أن ننبه المسلمين الذين استوطنوا دولا غير إسلامية أن عليهم أن يلتزموا قوانين تلك الدول وأنظمتها وان يحترموا عادات شعوبها وتقاليدها، كما فعل المهاجرون المسلمون الأوائل إلى الحبشة، وان عليهم أن يتذكروا أنهم قلة في هذه الدول، فإما معايشة بمعروف مع أهلها وقوانينينها أو مغادرة بإحسان، وان مجرد الحصول على تأشيرة الدخول إلى، أو الإقامة في، أي من هذه الدول هو التزام أخلاقي وتعهد ملزم لوجوب احترام أنظمتها وقوانينها؟.

إلى متى نضطر إلى تذكير المتطرفين والمتشددين منهم بأن عليهم ألا ينسوا أبدا أنهم مهاجرون وليسوا غزاة فاتحين، وانه إذا كان من حقهم ممارسة شعائرهم الدينية بحرية واحترام، فليس من حقهم تعريض الإسلام إلى السخرية بالادعاء أنهم يسعون إلى (إقامة الخلافة) في لندن أو باريس أو برلين! وان التزامهم بما يدعو إليه الإسلام من خلق رفيع واحترام للآخر عقيدة وسلوكا، ومن سماحة في الاختلاف، يجعل منهم من حيث لا يدرون دعاة حب في مجتمعات تحتاج إلى لمسة روحانية تسمو بها عن الماديات، أما التصرف بفظاظة وغلظة وتمرد وعنف، فإنه لا يتنافى مع أصول الضيافة في هذه المجتمعات فحسب، ولكنه إضافة إلى ذلك يتنافى مع الإسلام نفسه تربية وثقافة وعقيدة. وان النتيجة هي انفضاض هذه المجتمعات عنهم وحذرها منهم، مما يؤدي إلى حقنها بجرعات إضافية من الشك والحذر، بل ومن الرفض والكراهية؟ إلى متى نذكر الآية القرآنية الكريمة ‘’ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن، فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه وليٌّ حميم’’؟ إلى متى يستمر بعضنا في سلوك جاهلي متغطرس يؤدي إلى تحويل الولي الحميم عدوا مقيما؟

إلى متى نتجاهل استدراج المجتمعات الغربية إلى ردود فعل يدفع المسلمون في العالم ثمنها غاليا جدا من حرياتهم الدينية ومن مصالحهم وحتى من وجودهم؟’’. [2]

يعد السماك من الأصوات الضائعة وسط الكثير من الشك والتوجس بين الطرفين، وخصوصاً الطرف الإسلامي الذي يشعر أنه مستهدف بداية، وأن كل القوانين التي تجري في الغرب ما هي إلا تطبيقات لهذا الاستهداف. بما فيها مسألة الحجاب، الذي يقول عنها مدير المعهد الأوروبي الإسلامي للعلوم الإنسانية في باريس وعضو مجلس الإفتاء الأوروبي احمد جاب الله ‘’نحن نعتبر أن إصدار قانون لمنع الحجاب يعد فشلا للدول الغربية، لأنه في الوقت الذي تدعو فيه هذه الدول إلى الحرية في كل شيء بل أحيانا الحرية بدون حدود أو ضوابط، فاليوم في العالم الغربي أصبح من يستنكر موقفا كمسألة الشذوذ الجنسي أو الزواج المثلي مثلا يمكن أن يدان لأنه يمارس نوعا من العدائية لفئة من الناس اختارت أن تعيش كما تريد، فنحن نقول إننا إذا كنا نفهم الحرية بهذا الفهم فلماذا لا نترك حرية التدين أيضا والمتدينة التي تلبس الحجاب هذا حقها وشأنها لأنها لا تضر أحدا ولا تفرضه على احد، فلماذا تمنع؟ فلا شك أن هذا فشل وهو مع الأسف يندرج ضمن سياسة الكيل بمكيالين والنظر إلى الأمور بمعيارين’’. [3]

يقول جاب الله مستطرداً في هذا الشأن ‘’إن القانون استثنى الصلبان الصغيرة وحتى بالنسبة للسيخ تم التراجع عن حظر العمائم الكبيرة التي يرتدونها ‘’والحقيقة، إن كل هذا كان بمثابة نوع من التمويه على القضية الأساسية فمن الواضح أن القانون كان المقصود به هو الحجاب الإسلامي’’ [4] ، إذ يشير إلى أن المسألة يمكن حلها بإنشاء المدارس الإسلامية في تلك المجتمعات.

من يدّعون الليبرالية في البحرين يقولون القول نفسه تقريباً انتصاراً لما ذهب إليه البرلمان الفرنسي، مشيرين إلى أن على المسلمين في فرنسا - إن أرادوا ألا يلاحق أحد حجابات بناتهم - أن يقيموا مدارسهم الإسلامية الخاصة هناك، ولكن هذا الرأي لا يأخذ بأن الكثير من المسلمين في فرنسا هم من المهاجرين ذوي الدخول المنخفضة. وإذا كانت البحرين قد اجتهدت لبناء أكثر من 200 مدرسة لأقل من نصف مليون نسمة من العرب في البحرين، مع الأخذ بالعدد المتزايد للمدارس الخاصة وما تتحمله أيضاً من أعداد من الطلبة، فلنا أن نتصور كم من المدارس سيحتاجها أبناء أكثر من خمسة ملايين مسلم مهاجر في فرنسا وحدها.

في مسألة حوار الأديان يقول عادل لطيفي إنه ‘’شعار استهلاكي أكثر منه مبادرة مبدعة. إذ كيف يمكن تصور حوار ما بين ديانتين؟ ماذا سيقول هذا الدين أو ذاك للآخر؟ فكل دين يحدد نظرته لذاته وللآخر من خلال مبدأ الحقيقة المطلقة، وبطبيعة الحال فلكل دين حقيقته الإيمانية. إن الحقيقة الإيمانية باعتبارها مقدسا لا يمكن أن تكون إلا نفيا للآخر، وهذا ما يجعل من مشروع حوار الأديان مشروعا يحمل في طياته بذور فشله.

يجب الاعتراف بأن الديانات لا تلتقي على أرضية القداسة المؤسسة على الامتلاك الحصري للحقيقة المطلقة. وإن كان للديانات أن تتحاور فلن يكون ذلك إلا في ظل فهم للدين يعـطي الأولوية للأبعاد الثقافية والتاريخية.

فالتاريخ، بمعنى تلك المعرفة العقلانية بالذات وبالآخر، يمثل الأرضية المثلى للتقارب بين الأديان وذلك لقدرته على تحييد خصوصية الحقائق الإطلاقية’’ [5].

مساحة الفهم القاصرة

ليست المسافة الفاصلة في الثقة بين الديانتين الإسلامية والمسيحية لا تقوم على أساس، أو أن ليس لها سند من التاريخ، فالحوادث التي يستعيدها كلا الطرفين تاريخياً تعطي الآثار العميقة، فهناك ما يروى عن ‘’فظائع’’ قامت بها القوات العثمانية في أوروبا الشرقية في سبيل الفتح وإجبار الناس على اعتناق الإسلام، وفرار المسيحيين بدينهم، وفي المقابل، فإن ما جرى في الأندلس في القرن الثاني عشر الميلادي عندما احتل الأسبان المدن الإسلامية هناك وما جرى فيها من حرب دينية (محاكم التفتيش) كان كثيراً وبشعاً، حتى قيل أن الأب بيار المهيب الذي كان وراء أول ترجمة للقرآن إلى اللاتينية في العام ,1143 علق عليها من خلال رسالة بعنوان ‘’الأدلة على الهرطقة المحمدية البغيضة والمضرة’’.

هذه النظرة التي يرى فيها كل طرف أنه على الحق المطلق في مقابل الباطل المطلق أثرت كثيراً في طبيعة التعاطي بين الأطراف المختلفة، وخصوصاً بين الإسلام والمسيحية (متبعي الديانتين) لوجود الإرث التاريخي الذي لا ينفك يعمل في جذور ودواخل الكثير من الجانبين.

في هذا، تبدو الأقلية الإسلامية في الدول الأوروبية منتهشة بفعل الكثير من الأدوار التي يقوم بها بعض أفرادها في سبيل إظهار الدين بشكل يشبه ‘’الغزوات’’ أو ‘’الحملات’’ على معاقل البلد الذي يقيم فيه، أو بفعل التاريخ والفهم القاصر بينهم وبين الوعاء الجغرافي الجديد الذي يحتويهم. فللأقليات - في أي مكان في العالم - وضعية نفسية واجتماعية خاصة، وتتعاظم هذه الوضعيات عندما تشعر هذه الأقليات أنها مهددة في وجودها وثقافتها، تقودها إلى ذلك خشيتها من الذوبان في المحيط العام، وتكون في غاية الحساسية تجاه أي فعل من الغالبية تشعر أنه موجه ضدها.

يتنبه الدارسون الإسلاميون إلى خطورة هذا الأمر تحت عناوين تدور في فلك ‘’فقه الأقليات’’ حتى طرح رئيس جمعية علماء الاجتماعيات في فرنسا محمد المستيري، في المؤتمر الخامس لجمعية علماء الاجتماعيات المسلمين في بريطانيا ورقة بعنوان ‘’فقه الأقليات ما بعد فقه المواطنة’’، مشيراً إلى أن المواطنة تسبق الفقه في هذا الصدد حتى لا يغدو ابن الأقلية مضطهداً محارَباً لأجيال آتية.

في المؤتمر نفسه يتحدث رئيس الكلية الإسلامية في لندن زكي بدوي عن ‘’بديهيات فقه الأقليات’’، بضرورة تطوير مثل هذا الفقه وعدم احتكاره من قبل بعض المجموعات أو المجالس، ‘’وأن مصطلح الأقلية يعتمد على وضع الجالية، سواء كانت أقلية أم غالبية، ومدى تأثيرها في مجتمعها أو دولتها، حيث أن هنالك أقليات لديها تأثير فعال ضمن الغالبية التي تعيش معها بينما تفقد الغالبية وضعها وتصبح أقلية متى عجزت عن أن تلعب دورا فعالا، وحين لا تكون لديها أية قوة أو سلطة أو تأثير. ولهذا فإن التفاعل مع المجتمع والتأثير الايجابي فيه هو الذي سيعطي أية أقلية موقعها ومكانتها ودورها’’ [6].


الفهم القاصر هنا يرتبط بما ارتبط به الإسلام منذ البداية، حيث قال الفقهاء إن الفتوى تقدر بحسب الزمان والمكان، والحجاب واحد من هذه الأمور الأساسية التي دار عليها الصراع، أحياناً يتهم المسلمون في أوروبا بعضهم البعض بأن ‘’تشددهم’’ في مسألة الحجاب آتية من فهم قاصر لوضعيتهم الجديدة في المجتمعات المضيفة لهم، وبعضهم الآخر يرد بالقول إن المجتمع الذي قبلهم بشكلهم وزيهم في البداية عليه ألا ينقلب على نفسه في منتصف الطريق ويغير قوانين اللعبة ليجبرهم بعد ذلك إما على التهاون في دينهم أو الرحيل بعدما تقطعت أوصالهم مع بلدانهم الأصلية.

مسألة الحجاب في الدول غير الإسلامية، وفي الدول الإسلامية أيضاً تبقى مشكلة معلقة في الكثير من النواحي، هل هي مشكلة حقاً أم هي رأس دبوس المشكلة؟ وفيما يتساءل السماك ‘’إلى متى نطمر رؤوسنا في تراب التجاهل مرددين مقولة ‘’إن العالم يتآمر علينا’’ من دون أن ندرك في الوقت نفسه، بل وقبل ذلك، حجم المؤامرة الكبرى التي نحيكها نحن بأيدينا على أنفسنا، وعلى قضايانا؟’’، [7]، هناك من يتساءل ‘’إذا كانت الموروثات الثقافية والتاريخية والدينية والاجتماعية الأوروبية (قد) تقود إلى هذا النوع من التفاعل السلبي مع قضية الحجاب، فلماذا يمتد صداها، وتلقي بانعكاساتها على دولة عربية مسلمة مثل.. مصر؟’’.

هوامش

[1] وكالة الأنباء الإسلامية - مارس/آذار .2005
[2] محمد السماك (إلى متى؟) - شبكة الحوار الإسلامي المسيحي في لبنان.
[3] صحيفة ‘’الشرق’’ القطرية - 7 يوليو/تموز 2006
[4] المصدر نفسه
[5] عادل لطيفي - إشكالية فهم الآخر بين الغرب والإسلام - الجزيرة نت
[6] زكي بدوي، صحيفة ‘’الشرق الأوسط’’، 7 مارس/آذار 2004
[7] محمد السماك، مصدر سابق.

فقــــه الأقليــــات

يستحوذ فقه الأقليات على نصيب واسع من اهتمام مسلمي أوروبا، فقد كتب عضو المجلس الأوروبي للإفتاء والبحث صلاح الدين سلطان ‘’الضوابط المنهجية لفقه الأقليات المسلمة’’ يقول إن مسلمي أوروبا في حاجة إلى جهود كثيرة لوضع ضوابط تحكم عملية الاجتهاد في فقه الأقليات ويقصد بلفظ الضوابط الإطار الذي يحكم عملية الاجتهاد للأقليات المسلمة، تقوم على:

تعميق الشعور بالمواطنة لأن الأقليات المسلمة إن لم تشعر بالانتماء للبلد الذي استوطنته فإن ذلك يعد خدشا في مروءتهم وطعنا في كرامتهم وفتحا لباب الذرائع لتتوجس الأكثرية من الأقلية فينفونهم أو يضطهدونهم.
تأكيد مسؤولية الأقليات المسلمة في المشاركة في إصلاح أوطانهم، وهو ما يغيب عن الكثير من المتصدين لقضايا فقه الأقليات ممن يركزون على فقه الحماية من الفتن والوقاية من المحن.
ضرورة فقه النص والواقع معا والواقع يثبت أن الأقليات المسلمة تعاني من جانب هذا الموضوع كثيرا فعلى سبيل المثال لا يوجد في أميركا سوى 240 إماما يملكون المؤهل الشرعي والدعوي أو الفقهي أو الدراسات الإسلامية حسب دراسة أجرتها جامعة هارفارد مستعينة بـ 2000 مؤسسة إسلامية.
الإحالة إلى الاجتهاد الجماعي، وخصوصاً في القضايا العامة وهي التي يسميها الفقهاء ‘’مما عمت بها البلوى’’، والأصل في هذه القضايا هو الإحالة إلى العقل الفقهي الجماعي اقتداء بالسلف.
اجتماع الخشية القلبية مع الحجة الشرعية في الاجتهاد.
اعتماد فقه المقاصد في العبادات والمعاملات.
مراعاة الأولويات وفقا للإمكانيات الداخلية والظروف الخارجية.
التقريب بين المذاهب والانتقاء أو الإبداع في الاجتهاد.
تبني فقه التيسير ومراعاة التدرج.
الاجتهاد في إيجاد بدائل مشروعة للمنهي عنه في واقع الأقليات.
في هذا الإطار، يقول طه جابر العلوانى، ‘’إن وجود المسلمين في أي بلد غير إسلامي يجب التخطيط له باعتباره وجودا مستمرا ومتناميا لا باعتباره وجودا طارئا أو إقامة مؤقتة، وكذلك ينبغي لأبناء الأقليات المسلمة ألا يقيدوا أنفسهم باصطلاحات فقهية تاريخية لم ترد في الوحي مثل ‘’دار الإسلام ودار الكفر أو الحرب’’.

ويشير العلواني إلى أن انتزاع حقوق المسلمين في بلد يمثلون فيه أقلية يكون من خلال تفاعلهم الايجابي مع أهل البلاد الأصليين والتشاور والتكاتف في الكليات والتعاذر في الجزئيات والخلافات، مع تدعيم الثقة في الإسلام وترسيخ الإيمان بالله مع عدم تقديم تنازلات تمس أساس الدين مجاراة لعرف سائد أو تيار جارف، وأن الأقليات المسلمة تحتاج إلى حسن التعبير عن حقائق الإسلام ونظام قيمه الإنساني ويمكن القيام بذلك من خلال فن الإقناع والعلاقات العامة.

من منشورات ‘’المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث’’ – بتصرف


رد مع اقتباس
قديم 04-30-2010, 02:56 PM   رقم المشاركة : 4
الكاتب

أفاق الفكر

مراقب

مراقب

أفاق الفكر غير متواجد حالياً


الملف الشخصي








أفاق الفكر غير متواجد حالياً


رد: معارك الحجاب.. وصعود نجم الحشمة


الحلقة الرابعة

مـوحِّــــــد الحكومـــــــة والمعارضــــــة


نقلت وسائل الإعلام العالمية ما قالت إنها تصريحات صحافية لوزير الثقافة المصري فاروق حسني وصف فيها ارتداء المرأة المصرية للحجاب بأنه ‘’عودة إلى الوراء’’.

وكانت قناة ‘’الجزيرة’’ الإخبارية وموقع ‘’راديو سوا’’ على الانترنت قد أبرزا تصريحات حسني لصحيفة ‘’المصري اليوم’’ المستقلة قال فيها ‘’إننا عاصرنا أمهاتنا وتربينا وتعلمنا على أيديهن عندما كن يذهبن إلى الجامعات والعمل دون حجاب، فلماذا نعود الآن إلى الوراء؟!’’.

وأضاف أن ‘’النساء بشعرهن الجميل كالورود التي لا يجب تغطيتها وحجبها عن الناس’’.
هذا ما فجّر قضية الحجاب من جديد في مصر، وكالعادة، اصطفت الصحف المؤيدة والمعارضة للقضية اصطفافها التاريخي المعروف، وهي المشادات المعروفة بالضرورة عند طرح هذا الموضوع بالقوة ذاتها.. ما اختلف فيها هذه المرة أن القائل شخص رسمي، وعليه الكثير من الطعون بالنسبة للإسلاميين في التوجهات الثقافية الرسمية للدولة، ومن الفنانين أيضاً، والمتعلقة بحريق أحد مسارح الأقاليم العام قبل الماضي ووفاة عدد من الجمهور خنقاً واحتراقاً فيه.

المسألة لم تبدأ بالتصريحات المنقولة عن وزير الثقافة، فقد كانت هناك معركة قبلها تخص المذيعات اللاتي قررن ارتداء الحجاب، فحجبن عن الظهور على شاشات التلفزيون المصري، فقد تم منع 24 مذيعة لهذا السبب ومنهن رانيا صوان مقدمة برنامج ‘’مساء الخير يا مصر’’، كما فصلت قائد الطائرة وملكة جمال مصر للعام 1989 من عملها لأنها قررت ارتداء الحجاب، في حين ادّعت مجموعة من الموظفات أنهن يُجبرن على خلع الحجاب في أماكن العمل، وارتدائه وهن منصرفات، وفي دار الأوبرا المصرية يُسمح لمن تريد ارتداء الحجاب طالما كانت تغني في ‘’الكورَس’’، ولكن يمنع عليهن الغناء الانفرادي إذا كن متحجبات.

الأسباب الرسمية عربياً

وزير الثقافة المصري برر بعدها رأيه أنه لم يكن للنشر، وأنه ‘’رأي ثانوي لا يمثل أي شيء، بل إنني أقول إن الإسلام يجب أن نموت في سبيله، ويمكن للواحد أن يضحي بحياته من أجله، فهل نتكلم الآن عن الحجاب، وهل يتم تجاهل إقامة 140 مسجداً عظيماً جرى ترميمها وفتحها للصلاة والعبادة، مقابل ما أقوله عن الحجاب إذ كان يعجبني أم لا’’[1].

يفصل حسني كلامه عن الحجاب عن كلامه في الدين، ويقول ‘’هو موقف عفوي وغير مقصود، يجب أن ندرك تماماً أنني - ضع تحتها ألف خط - لم أتحدث في الدين.. الحجاب ليس ركناً من الأركان الخمسة، بل أحد المظاهر الدينية.. فأنا أتحدث في مظاهر الدين وقلت إن اليوم يأتينا الحجاب المستورد’’[2].

في مسألة استيراد الحجاب من جهة، ومسألة ‘’المظهر الديني’’، يقول الوزير إن هناك دولاً لها مذاهب معينة، وأنها ترغب في نشر مذاهبها، وهناك من المصريين من يذهبون إلى تلك الدول ويأتون منها ‘’فهذا الحجاب ليس شكلاً، ولكنه تأثير، وفي النهاية مذهب جديد، وبالتالي سياسة’’[3].

هنا يقع الاتفاق - غير المنسّق ما بين الوزير المصري والكاتب في صحيفة ‘’الشرق الأوسط’’ حمد الماجد أن بعض الدول العربية لا تعارض الحجاب معارضة للدين، ولا لكونه أمراً إلهياً، ولكن لأنها تنظر بقلق كونه مؤشراً على انتشار التيار الإسلامي المعارض، ويظل الحجاب واحداً من الرموز لهذا الانتشار في أوساط النساء، في مقابل انتشار الالتحاء وارتياد المساجد لدى الرجال وبالتالي، فإن محاربة الرموز يأتي نوعاً من محاربة التيار سياسياً وليس دينياً بالضرورة.

يرى الماجد - كما يرى كثير غيره أيضاً - أن منح مسألة الحجاب هذا البعد الكبير له انعكاسات سيئة، ذلك لأن التاريخ يروي أن الدول الشيوعية التي بالغت في محاربة الأديان، اكتشفت - بعد فوات الأوان - أن الأفراد كانوا أكثر تديناً، وأن الحرب على الحجاب ستكون له آثاره السيئة ‘’لأن قوانين الطبيعة تقول إن الإنسان إذا ما منع من شيء يكون أشد حماسة إليه، وهو ما تعرفه التيارات الإسلامية وتراهن عليه’’[4].

فعل واحد وردود متباينة

منذ أن نشرت صحيفة ‘’المصري اليوم’’ تصريح وزير الثقافة المصري، بدأت ماكينات التصريحات والتلويحات في العمل بشكل متسارع وقوي، إذ تقدم عدد من نواب الإخوان المسلمين، وتلاهم خلق كثير، ومنهم نواب مستقلون وغيرهم، مطالبين بإقالة وزير الثقافة، وتم رفض أي اعتذار أو توضيح من الوزير، لما وُصف أنه مناقض للشريعة واعتداء على الدستور وعلى الحرية الشخصية.

جلسة البرلمان في 19 نوفمبر/تشرين الثاني 2006 كانت جلسة لها وقع خاص، إذ أنها كانت ستشهد في بدئها كلمة للرئيس محمد حسني مبارك، وكانت قد أتت بعيد ردود الفعل الضخمة إزاء التصريحات، توقع الكثير أن تسود اضطرابات في هذه الجلسة خصوصاً إن حضرها الوزير حسني، ولأول مرة منذ 19 عاماً، أي منذ تعيينه في هذا المنصب. يتخلف الوزير عن حضور هذه الجلسة، ويقول إنه قرر شخصياً ألا يذهب إلى تلك الجلسة، إذ كان مصاباً بالصداع وارتفاع في ضغط الدم، تحدث مع زكريا عزمي رئيس ديوان رئيس الجمهورية ‘’وقلت له عندي صداع وضغط وأنا خايف ولدي شك إذا ذهبت أن يحدث صخب شديد قبل دخول الرئيس لأننا نذهب قبله بساعة.. قال لي: فعلاً دي فكرة جيدة[5]’’.

عدم حضور الوزير ربما خفف من إيقاع الجلسة الساخنة أساساً، والتي انقسم فيها الحزب الحاكم على نفسه إزاء تصريحات الوزير، كما فعل رئيس لجنة الشؤون الدينية في المجلس وأحد أبرز كوادر الحزب الحاكم أحمد عمر هاشم الذي حذر من التهاون في مساءلة الوزير وكل من يتجرأ على دين الله، وكان ذلك - إلى جانب رئيس المجلس فتحي سرور - الذي فضل تهدئة أوضاع المجلس والرأي العام، ‘’فشهدت القاعة مباراة ساخنة بين أعضاء الحزب الحاكم وبين المعارضة، وكان الهدف المشترك هو التصريحات المرفوضة التي أدلى بها فاروق حسني، والتي وحدت المتناقضات للمرة الأولى منذ بدء مجلس الشعب أعماله في بداية العام الحالي(2006)’’[6].

فقد أطلق أعضاء الحزب الحاكم للمعارضة العنان في انتقاد الوزير وتصريحاته، بل وشاركوا في المزايدة على المواقف وذلك لعلمهم أن أي موقف دفاعي من قبلهم كان سيثير الشارع المصري الذي تجد غالبيته ربطاً شديداً بين الحجاب والدين الإسلامي، وبالتالي، فلا أحد يود أن يظهر بمظهر المحارب للدين.

أذاع التلفزيون المصري تغطية وافية لما دار من نقاشات، علق عليها الوزير حسني في حينه ‘’أنا قاعد أتفرج على عملية ذبحي في البرلمان’’، وطلب الوزير للمثول أمام لجنتي الشؤون الدينية والثقافة والإعلام، فأصدر الوزير حسني بيانا باعتكافه في البيت ورفضه المثول ما لم يرد إليه اعتباره.

خرجت مظاهرات في الشارع منتقدة الوزير ومواقفه وتصريحاته ورفضه المثول أمام ممثلي الشعب، وصفها البعض أنها عفوية، بينما قال عنها حسني إنها من أناس تم تضليلهم.

في اجتماع لاحق، اجتمع علية الأقطاب في الحزب الحاكم، وتوصلوا بعد مناقشات مطولة إلى أن ‘’يوقف الوزير تصريحاته الاستفزازية التي أثارت الشارع، يجري قادة الحزب الحاكم اتصالات بعدد من النواب المتشددين داخل الحزب لإدارة حوار معهم يفضي إلى تهدئة الأحوال، يدعى الوزير إلى اللجنة البرلمانية في الحزب يوضح فيه وجهة نظره والملابسات التي رافقت تصريحاته، ويحضر اجتماعات لجنتي الشؤون الدينية والثقافة والإعلام، تنفيذاً لقرارات مجلس الشعب[7]’’.

المعركة في مصر لم تتوقف عند الوزير ومجلس الشعب، ولكنه امتد أيضاً إلى الإخوان المسلمين وغيرهم من مناهضيهم، فكل تمسك بمواقفه ليس حباً أو بغضاً في وزير الثقافة، بل بحسب المواقف المبدئية، فكل من وقف ضد الوزير اعتبرته القوى المناهضة للأسلمة أنه ‘’إخواني’’، عندها كتب رئيس تحرير صحيفة ‘’الأسبوع’’ مصطفى بكري ‘’إن شعار ‘’إمسك إخواني’’ لن يرهبنا، فالقضية أكبر من أي تيار، ومن الغباء أن يصور البعض أن كل محجبة هي عضو ناشط في تيار الإخوان، بل إنه من السخرية أن يقال إن الحجاب جاء بناء على قرار من جماعة الأخوان في إشارة لا تخلو من دلالة سياسية[8]’’.


ومن كانوا في صف الـ «مع»

لم يخل الأمر من مؤيدين للوزير حسني، فقد قال رئيس اللجنة الدائمة لحوار الأديان السماوية في الأزهر علي السمان في مقابلة معه ‘’أرفض أن يختصر الإسلام في كلمة واحدة وهي (الحجاب) بمعنى أننا نبذل حالياً كل الجهد والوقت في هذه القضية الجدلية ونترك جانباً القيم السامية العالقة داخل الإسلام، كما أرفض معنى (حرفية الدين) أو مهنيته بقصرها على أناس بعينهم’’

وزاد قائلاً ‘’كما أنني أرفض وأقول لا يعقل أنه في لحظة غضب أن نطوي صفحة إنجاز بالكامل لرجل بعينه أو مؤسسة معينة ولا نركز إلا على كلمة قالها (...) والأهم أنه يجب أن نتصدى بالفكر للفكر بدلاً من الصوت العالي’’. والسمان واحد من الذين دأبوا على تشجيع الحوار الهادئ في أحلك الليالي، وخصوصاً مسألة الرسوم الكاريكاتيرية الدانمركية المستهزئة بالرسول محمد (ص)، وبالتالي، فمسألة الوزير والحجاب لم تكن بتلك الضخامة بالقياس.

ومن جهته، يقول جلال أمين ‘’الوزير أخطأ ولكنه لم يكفر، وهو إذا استخدم تعبيرات جرحت مشاعر كثيرات من المحجبات الفضليات، فقد قال أيضاً كلاماً طيب جروح الكثيرات الأخريات من الفُضليات غير المحجبات. أما هؤلاء الذين هاجموه بقسوة نادرة المثال من بين أعضاء مجلس الشعب (كما يظهر من وجوههم أثناء الحديث وكأنهم يريدون أن يشربوا من دمه) فقد كان أولى بهم أن يكتفوا بالعتاب أو اللوم، وأن يوجهوا غضبهم إلى أشياء أهم من هذا بكثير’’[9].

هذا ما يتوافق مع رأي مرشد الإخوان المسلمين مهدي عاكف في مصر، وربما هو الرأي الأبرز في هذا الشأن إذ يأتي من أعلى سلطة ‘’إخوانية’’ في مصر، متهمة دائماً بإثارة الشارع دينياً وسياسياً هناك، إذ قال ‘’إن الوزير فاروق حسني حرٌ فيما يقوله، وله الحق في إبداء رأيه فيما يشاء، وفي مختلف القضايا لأنه حق أصيل لكل إنسان، وبصفتي مرشداً عاماً للإخوان، أعلن أن فاروق حسني إنسان حر فيما يقول لأنه مسؤول عن كلامه’’[10]، مبرراً ذلك أنه من المعلوم أن الوزير ذو ثقافة غربية، وأنه ليس من المستغرب أن تصدر عنه هذه التصريحات، وأنه لن يكون الأول والأخير بين من يرون هذا الرأي ‘’ولكن أن نحاول محاربته والهجوم عليه لأنه أعلن رأيه في مسألة الحجاب.. فهذا لم أقبله، ونرفضه جميعاً[11]’’.

هذا ما حدث في مصر، بقي الوزير في منصبه، تراجعت - مع مرور الأيام - الأزمة وعادت المياه إلى مجاريها، وظلت قطعة القماش (الحجاب) مثار مشكلة على مر الأيام.

في البحرين، كان للحجاب قصة، لبداياته ونظرات من بدأن به، كيف وجدن السبل أمامهن ولماذا اقتنعن به، وكيف تحول الحجاب من كائن غريب إلى أن يصبح ‘’السفور’’ غريباً ربما في بعض المواقع المجتمعية؟


الهوامش[1]،[2]،[3]

من مقابلة مع وزير الثقافة فاروق حسني - روز اليوسف - 1ديسمبر/كانون الأول .2006
[4] مجلة ‘’المجلة’’ - 2ديسمبر/كانون الأول .2006
[5] روز اليوسف - مصدر سابق.
[6]،[7]،[8] صحيفة ‘’الأسبوع’’ المصرية، العدد 27 ,505 نوفمبر/تشرين الثاني .2006
[9]،[10]،[11] صحيفة ‘’العربي’’ المصرية - 26 نوفمبر/تشرين الثاني .2006

عندما يتدخل ملك بلجيكا في مسألة الحجاب
في العام ,2005 تعرضت البلجيكية الجنسية (المغربية الأصل) نعيمة أمزيل إلى أزمة كادت أن تودي بها إلى أن تصبح خارج نطاق عملها في مصنع رومري للمعلبات البحرية قرب منطقة فلاندر غرب البلاد، وذلك لأنها كانت ترتدي الحجاب.

أمزيل، واحدة من المسلمين الذي يشكلون نسبة 5,4% من إجمالي سكان البلاد البالغ عددهم عشرة ملايين نسمة، إذ لا يزيد عدد المسلمين في بلجيكا عن 450 ألفاً.

في ذلك العام، تلقى رئيس المصنع ريك ريمري رسائل تهديد من مجموعة تطلق على نفسها ‘’أحرار الفلندرز’’ الجدد يطالبونه بطرد أمزيل إذا أصرت على ارتداء الحجاب أثناء العمل ، ونعتوه بالبلجيكي السيئ الذي يتعاطف مع المسلمين ويتعاون معهم. ووجهوا تهديداً لكلٍ من ريمري وأسرته. على الفور، جمعت إحدى جمعيات المستخدمين في بلجيكا تواقيع 17000 ألف شخص تضامناً مع ريمري وأمزيل.. وفي هذا السياق قالت رابطة مديري الأعمال مخاطبة المدير ريمري ‘’لعل موقفكم الهادئ يصبح رمزاً للتسامح في مقاطعة فلاندرز’’. ولكن أمزيل فضلت الاستقالة حقناً لأي موقف يمكن أن يسيء إليها أو إلى رب عملها المتعاطف معها، خصوصاً أنها تلقت سبع رسائل تهديد بنزع الحجاب أو ترك العمل، وواحدة كانت تحتوي على رصاصتين، أي أن واحدة لها والأخرى لرئيسها.

كان ملك بلجيكا ألبير الثاني، يتابع شخصياً تطورات هذه القصة، وما أن تفاقمت وصارت آلياتها تتحرك بسرعة يخشى فيها من الانفلات، قام - بصحبة قرينته - في 19 أبريل/نيسان 2005 بزيارة شخصية للمصنع، دعا فيها بشكل شخصي وخاص الموظفة المتحجبة للحضور، حتى تظهر في وسائل الإعلام جنباً إلى جنب مع الملك، وهناك قدم إليه أحد أبناء أمزيل لوحة فنية رسمها بنفسه، كما استقبل الملك وعقيلته مئات من أطفال المدرسة الابتدائية التي يدرس فيها أبناء أمزيل في تعبير عن تعاطفهم مع زملائهم أبناء الموظفة المهددة بسبب حجابها.


رد مع اقتباس
قديم 04-30-2010, 03:00 PM   رقم المشاركة : 5
الكاتب

أفاق الفكر

مراقب

مراقب

أفاق الفكر غير متواجد حالياً


الملف الشخصي








أفاق الفكر غير متواجد حالياً


رد: معارك الحجاب.. وصعود نجم الحشمة


(الحلقة الخامسة)
الحجـــــاب.. جوابــاً عــــلى خيبــات السـياســــة (5)


في 29 يونيو/حزيران من العام ,1972 نشرت صحيفة ‘’الأضواء’’ البحرينية [1] في عددها 350 صوراً من ضمن نشاطات ‘’كلية الخليج الصناعية’’ (جامعة البحرين بكليتي إدارة الأعمال والهندسة لاحقاً)، تضم مجموعة من الطلبة يرقصون على أنغام الموسيقى. كان الرقص مختلطاً، وكانت الفتيات (الغالبية منهن) يلبسن ‘’تنانير’’ بالغة القصر، منحسرة عن الركبة بما يزيد ربما عن الشبر. لم تنشر الصحيفة هذه الصورة من باب لفت الانتباه إلى ما يحدث في الكلية، ولا إلى ما ترتديه الطالبات، فقد كان هذا أمرا طبيعيا (سلك البلد) في تلك الفترة، وكانت هذه هي الموضة السائدة، ولم يكن أحد - إلا القلائل في تلك الفترة - يستنكرون أو يستنكفون هذا اللباس الذي لو ظهرت به فتاة اليوم لرميت بأوصاف مسيئة لها، تتناول عفافها ومسلكها.

في تلك الفترة التي شهدت نهايات فترة التحرر العالمية، وموجة ‘’الهيبيين’’ العالمية[2] كانت الحركة الهيبية في أواخر الستينات وأوائل السبعينات أكبر حركة احتجاج شبابي يعرفها الغرب، وانتقلت بتلاوينها المختلفة أيضاً إلى الوطن العربي، وإن بأقل حدة بالطبع لما كان في الغرب من مبالغة في كل أشكال كسر المعتاد. في تلك الفترة من الزمن، لم يكن الكثير يدركون أن هذا ‘’التطرف’’ في الخروج عن السائد سوف ينقلب في غضون سنوات قليلة فقط إلى نوع آخر من الممارسة الاجتماعية، تدعو إلى الحشمة، ثم المبالغة في الحشمة، باسم الدين هذه المرة. هناك من يرى أن الحجاب في البحرين كما في الكثير من الدول الخليجية انتشر بشكل كبير بعد الثورة الإسلامية في إيران (1979)، ولكن هذا المفهوم يراه آخرون أنه غير كامل، لأن موضوع ‘’الصحوة الإسلامية’’ كان قد بدأ قبل ذلك بسنوات كثيرة، إذ قيل أنه بدأ في النصف الثاني من القرن العشرين، مع وضع سيد قطب، وأبو الأعلى المودودي للكثير من الكتب والمؤلفات والرسائل التي صاغت الإسلام السياسي بشكل مختلف عما كان يتلقاه الأسلاف قبل ذلك.

بذور «الصحوة» والحجاب

كان تيار الإخوان المسلمين يتصاعد في مصر وإن تلقى بعض الضربات القاسية التي حجّمت دوره وانتشاره، فقد كان العامل السياسي - وليس الديني - هو ما سيطر على طبيعة الصراع بين التيار الناصري والإخواني في تلك الفترة. وظل الإخوان المسلمون - تحت قيادة حسن الهضيبي - يحاولون مسايرة الواقع السياسي في مصر، وعدم الاصطدام بالحكومة حتى اعتقل سيد قطب (أحد أبرز أقطاب التنظير الإخواني الجديد في مصر) وأعدم في فجر الاثنين 29 أغسطس/آب ,1966 فانشق جناح آخر من الحركة، وصار يعرف بحركة الجهاد الإسلامي التي امتدت جذورها إلى خارج مصر. كانت الأراضي الخارجية مهيأة أيضاً لاستنبات هذه الأفكار الذاهبة في العنف، والتي أدت - في مصر - إلى اغتيال الرئيس محمد أنور السادات، وبعض كبار المسؤولين في حوادث متفرقة، إضافة إلى الكثير من العمليات المسلحة التي جرت في مصر وخارجها تحت الغطاء العقائدي ذاته.


ويعتقد معظم المحللين السياسيين أن هناك عوامل عديدة ساهمت في هذا النشاط منها فشل حركات القوميين العرب والتيار الشيوعي من تحقيق أي تقدم ملموس في الواقع الاقتصادي المتردي في كثير من الدول العربية إضافة إلى قيام الجمهورية الإسلامية في إيران والتدخل السوفيتي في أفغانستان وصعود محمد ضياء الحق إلى السلطة في باكستان وحرب الخليج[3].

لكن، كان لنجاح الثورة الإسلامية في إيران دور مهم في الانحياز إلى التدين العام، وعدم النظر - في بدايات الأمر - إلى الجناح الذي انطلقت منه الثورة، فقد لقيت دعماً قوياً من الكثير من القطاعات الثورية والمتطلعة إلى الثورة، وجاش في نفسها أنه ما دام نظام الشاه المرعب والمتماسك والمدعوم من الولايات المتحدة قد تهاوى من قبل الشعب، فأي نظام يمكن أن يصمد أمام قوة الإسلام والصحوة الإسلامية؟.

توحدت التوجهات الإسلامية في تلك المرحلة المبكرة من السبعينات، وتصاعدت مع نجاح الثورة الإسلامية في إيران، وما أن هدأت فورة الحماس حتى التفت كلٌّ إلى ذاتيته، وبدأت مسابقات من نوع آخر في الاستقطاب. مع النصف الأول من الثمانينات، بات من الواضح أن الشارع يتحول بشكل متسارع إلى ‘’الأسلمة’’ في ظل انحسار وتراجع التيارات الأخرى التي كانت مسيطرة على الساحة قبل ذلك، وساعدت على ذلك الخيبات والنكسات التي تعرضت لها التيارات الليبرالية واليسارية والقومية على أكثر من صعيد، والملاحقات التي طالتهم على امتداد الوطن العربي والإسلامي، وتحول عدد كبير منهم إلى الفكر الإسلامي الجديد، فيما فضل البعض الآخر العيش بسلام واعتبار مرحلة الانتماء من مراحل التاريخ الذي ولى.

في هذه الفترة أيضاً أكد المنتمون إلى التيار الإسلامي (تيار الصحوة) التفسير الإسلامي للتاريخ، فقد سبقتهم قراءات مختلفة وتفسيرات متعددة لتاريخ المنطقة والأحداث التي مرت فيها، إذ رآه القوميون أنه تاريخ عربي وحسب، فيما رآه المؤرخون الشيوعيون من وجهة التجاذبات السياسية والعسكرية، وغلبوا العوامل الاقتصادية والصراع الطبقي على كل العوامل الأخرى. أما المؤرخون العلمانيون فكان جل همّهم إبعاد العامل الديني عن سير أحداث التاريخ، وصبّوا جهودهم على إعادة منح التاريخ الجاهلي رونقاً مختلفاً، على اعتبار أنه البــذرة الأساسيــة لعصر النهضة العربية وأن الإسلام يأتي مـــن ضمــن سياق هذا التطور وليس عاملاً مؤثراً فيه. [4]

التجارب الأولى للحجاب في البحرين

توحَّد ذوو التوجهات الإسلامية في البدايات، ورأوا أن هناك ‘’أعداء’’ للدين كله لا بد من دحرهم في البداية حتى يستتب الأمر للدين الإسلامي على المستوى الاجتماعي على الأقل، وبالتالي فقد كانت الدعوة إلى الصحوة وتغيير الأنماط السابقة من العيش والتفكير لا تستثني أحداً، ولا تستقطب أحداً بعينه، وهذا ما جعل الحجاب ينتشر في البحرين بالتزامن - تقريباً - بين أتباع المذهبين الأساسيين، وإن كانت لكل منهما آلياته الخاصة، وأذرعه ومؤسساته التي هي حكر عليه.

لذا تقول زهراء مرادي الناشطة السياسية التي خاضت معترك الانتخابات التشريعية الأخيرة، في سردها تجربتها مع الحجاب ‘’تأثرت كثيراً بعزيزة جلال المير، وآمال (معلمتان) في مدرسة زنوبيا، فبدأنا نلبس الحجاب بشكل يقترب مما نحن عليه اليوم’’.

يظل اسم عزيزة وأختها سعاد المير يترددان عند البحث في مسألة بداية ظهور الحجاب هنا، فلا يزال الاسمان يترددان في سياق ‘’الرائدات’’ في هذا الشأن، وإن أخذت الأختان طابعاً هادئاً من الناحية الاجتماعية والفاعلية السياسية في الوقت الراهن. فالحديث يدور عن أكثر من 30 عاماً مضت حينما كان الحجاب شيئاً غير مألوف، وغير مشاهَد في البحرين على العموم، إذ كانت العباءة - في تلك الفترة - مقصورة على كبيرات السن، أو أنها تتخذ لدى بعض الفتيات للف أجسامهن بها فقط كشكل اجتماعي خصوصاً في المدن ولا تُلبَس العباءة بوصفها أداة لازمة للستر أو تنفيذاً لحكم ديني.

النصف الثاني من السبعينات

تشير الطبيبة هيفاء محمود (واحدة من اللاتي ارتدين الحجاب مبكراً) ‘’أعتقد أنني رأيت الحجاب لأول مرة في السبعينات.. ربما في النصف الثاني من السبعينات، أي بين العامين 1976-,1977 وكانت معلماتي من أمثال سعاد المير، وسلوى محمد يوسف (وهي ابنة خالة المير)، هما أول من رأيتهما ترتديان الحجاب، وبدأتا تنشران الحجاب كجانب دعوي’’.

بعدما كان الحجاب غريباً، ترى سعاد المير اليوم أن الفكر الماركسي - على حد تعبيرها - نشاز، إذ تقول متحدثة عن ظاهرة عدم الالتزام الشرعي في الملبس العام للفتيات ‘’جاء هذا الفكر النشاز إلى مجتمعنا البحريني المسلم المحافظ بفعل انتشار الفكر الماركسي والاشتراكي وغيرها من الأنظمة والنظريات في تلك السنين، وتبعته حركات تحرر المرأة التي كان ظاهرها تحرير المرأة من الحجاب، بينما باطنها تحرير الناس من دينهم الإسلامي وخداعهم بشعارات عجفاء وتعبيرات رنانة خاوية’’.

تضيف ‘’كانت غالبية الناس في تلك الفترة لا تعرف المفهوم الصحيح للإسلام بأنه عبادة وقيادة وخُلق وعقيدة وسياسة واقتصاد وشريعة وقانون، إنما كان فهمهم للإسلام يقتصر على كونه عبادة فقط، أي: صلِّ صلاتك وافعل ما شئت’’.

تربط المير الصحوة الإسلامية في القرن العشرين بظهور الإخوان المسلمين في مصر، فهي تشير إلى أنه ‘’بفضل الصحوة الإسلامية في مصر في عشرينات القرن الماضي، ووصول هذه الصحوة إلى البحرين في أربعينات القرن الماضي (تأسيس نادي الإصلاح في 1941)، بدأت تؤتي ثمارها في سبعينات القرن العشرين’’. تتابع ‘’إذن، بفضل الصحوة الإسلامية التي عدلت مفهوم الإسلام في أذهان المسلمين، بدأ الناس يفيقون من غفلتهم ويحكّمون العقل، ويرجعون إلى التزامهم الديني بعد أن كادت النظريات الدخيلة الفاسدة أن تفسد عليهم حياتهم بإفسادها لدينهم، ولكن هيهات، قال الله تعالى (إنّا نحن نزلنا الذكر وإنّا له لحافظون)’’.

هوامش

[1] صحيفة ‘’الاضواء’’اسبوعية اسسها الراحل محمود المردي عام 1965وتوقفت عن الصدور في ديسمبر/كانون الاول1993
[2] ينقل جوزف داغر معنى ‘’هيبي’’ من قاموس ويبستر الانجليزي بقوله ‘’وجدت التعريف لكلمة ‘’هيبي’’: شخص يعارض أو يتصدى للمعايير والعادات والتقاليد المتعارف عليها في المجتمع. وهم يطالبون بالليبرالية المبالغة في المقاربات الاجتماعية والسياسية وانماط الحياة اليومية’’. (صحيفة ‘’الحياة’’ اللندنية - 24 يناير/كانون الثاني 2004).
[3] ويكيبيديا - الموسوعة الحرة.
[4] المصدر نفسه.

ما تقولــــه المعاجـــم

؟ ‘’الحجاب: السِّتر، حجب الشيء يحجبه حجباً وحجاباً: إذا اكتنَّ من وراء حجاب، وامرأة محجوبة: قد سُترت بستر.
والحجاب: اسم ما احتُجب به، وكل ما حال بين شيئين: حجاب، والجمع حُجُب، لا غير’’.
لسان العرب - ابن منظور
؟ الحِجَابُ: اسْمُ ما حَجَبْتَ به شَيْئيْنِ، وجَمْعُه: حُجُبٌ. وحَجَبَه عن الأمْرِ: حَجَزَه. واحْتَجَبَ فلانٌ: اكْتَنَّ من وَراءِ الحِجَابِ.
المحيط في اللغة - الصاحب بن عباد
؟ حَجَبَ الشيء يَحْجُبُه حَجْبا وحِجابا، وحَجَّبَه: ستره.
وقد احتَجَبَ وتحجَّبَ. والحِجابُ: ما احتُجِبَ به.
وكل ما حال بين شيئين حِجابٌ، والجمع حُجُبٌ لا غير، وقوله تعالى: (و من بيننا وبينك حِجابٌ) ومعناه: ومن بيننا وبينك حاجز في النحلة والدين، وهو مثل قوله: (قلوبُنا في أكِنَّةٍ) إلا أن معنى هذا أنا لا نوافقك في مذهب. وكل شيء منع شيئا فقد حجَبَه، كما تحجُبُ الأم الإخوة عن فريضتها.
المحكم والمحيط الأعظم - ابن سيده
؟ حَجَبَهُ حَجْباً وحِجاباً: سَتَرَهُ، كَحَجَّبَهُ، وقَدِ احْتَجَبَ وتَحَجَّبَ. (..) والحِجابُ: ما احْتُجِبَ به، جمعه: حُجُبٌ.
القاموس المحيط - الفيروزابادي
؟ الحَجْب: كُلٌّ شيءٍ مَنَعَ شَيئاً من شيءٍ فقد حَجَبَه حَجْباً. (..) والحِجابُ، اسمٌ: ما حَجَبْتَ به شيئاً عن شيءٍ، ويجمع على: حُجُب
العين - الخليل بن أحمد


حيرة الأزياء.. الحشمة والاقتصاد

لم يتغير الحجاب وحده في البحرين، بل تغيرت أيضاً نوعيات الملابس التي ترتديها الفتيات.. في البداية، كان التردد كبيراً في الزي العملي الذي يمكّن الفتاة المتحجبة من الدراسة والعمل من دون أن تنتقد من قبل رافضي حجابها، وبقيت تلبس حتى نهاية السبعينات التنورة الطويلة والقميص، ولكن هناك من انتقد أن القميص الذي يحزَّم، ‘’يصف’’ الجسم والخصر، ولما سرى هذا الرأي حتى على إسدال القميص الطويل إلى ما تحت الخصر بمسافة.

في النصف الأول من الثمانينات سرت موضة ‘’البالطو’’ الملون، وهو قطعة قماش واحدة تنسدل بدون تفاصيل واضحة، لا تصف الجسم بشكل محدد.

حتى هذا الزي جرى انتقاده أيضاً أنه يبقي الأكتاف واضحة، فيتبين جزء من تفاصيل جسد المرأة بما ينبئ عن بقية التفاصيل الأخرى المراد إخفاؤها.

في هذه الفترة، ظلت فتيات القرى مائلات أكثر للبس العباءة التقليدية فوق الملابس، حتى ظهرت العباءة البالطو التي اعتبرها قطاع كبير من النساء أنها حل عملي واقتصادي أيضاً، فهو يقوم مقام العباءة والبالطو ويتخذ من السواد لوناً له ويغنيهن عن تواتر شراء الملابس الجديدة التي تكون في هذه الحالة غير مهمة تفاصيلها وجدتها ما دامت مخبأة تحت هذا الساتر.

انطبق على البالطو العباءة ما انطبق على البالطو الثمانيني من انتقادات ‘’الوصف’’ للجسم، ففضلت فتيات متحجبات العباءة التقليدية السابقة كونه ‘’أستر’’.


رد مع اقتباس
قديم 04-30-2010, 03:04 PM   رقم المشاركة : 6
الكاتب

أفاق الفكر

مراقب

مراقب

أفاق الفكر غير متواجد حالياً


الملف الشخصي








أفاق الفكر غير متواجد حالياً


رد: معارك الحجاب.. وصعود نجم الحشمة



(الحلقة السادسة)
من الكويت.. يأتي الحجاب النموذجي



تبدأ روايات الحجاب بالتكشف واحدة تلو الأخرى في اللحظة الزمنية الدقيقة التي قررت فيها <>الرائدات>> لبس الحجاب في أجواء أقل ما يقال عنها إنها كانت <>مستغربة>> بدءاً.
انتقلت هذه الأجواء بعد ذلك إلى أطوار أخرى أهمها التململ، فالمقاومة، فالمهاجمة، وانتهت إلى <>فوز>> الحجاب في هذا السباق، وانساق المجتمع إلى هذه الحالة التي لم يعد مستغرباً فيه أن امرأة تتحول إلى الحجاب بسهولة ويسر.

في الشهادات التالية توصيفاً مهمّاً لمتابعي التحولات المجتمعية في البحرين، فهي تصف حالات مختلفة على ألسنة الفتيات اللاتي قررن بدء ارتداء الحجاب في وسط لم يكن يقبل هذه الفكرة.

واحدة من هؤلاء اللاتي يجمع الكثير أنها من اللاتي سبقن أخريات كثيرات في ارتداء الحجاب عن قناعة، سعاد المير. تظل المير وشقيقتها عزيزة جلال (المير) بالنسبة لنساء المحرق خصوصاً من متلقيات الصعوبات في ارتداء الحجاب في ذلك المجتمع قبل نحو 30 عاماً، بينما المير نفسها تقول إن <>أخوات لها>> في الحورة كن ارتدين الحجاب قبلها.

سعاد المير: ثم اهتديت

ما الذي دعا المير إلى هذا الزي الذي كان يعتبر من الغرائبيات في منتصف السبعينات؟.
تقول <>مذ كنت طالبة في معهد المعلمات في العام ,1974 وفكرة الحجاب تراودني (..) إنها فكرة الستر في الأساس إذ إنني تربيت في بيئة محافظة (..) كان دخولي المعهد هو المحفز الحقيقي للتفكير الجدي في الحجاب (..) لم أكن أشعر بالارتياح وأنا سافرة أمام زملائي وأساتذتي (..) بحثت عن طريقة أشعر معها بالارتياح ولم يكن هناك شيء متاح غير العباءة (الدفة) البحرينية التي كنت أرتديها على رغم أن الفتيات كنّ سافرات في ذلك الوقت>>.

لم تهتد المير إلى الزي الذي تود أن يكون زياً عملياً لها، ربما أخّرت هذا البحث بعض الشيء كونها عملت معلمة في مدرسة للبنات، فلم تكن تحتاج إلى البحث الكثيف في هذا الاتجاه. لكنها تقول <>في السنة الأولى من عملي، كنت أرتدي العباءة عندما يأتي موجّه أو أختصاصي من وزارة التربية والتعليم لزيارة المدرسة>>.

وتضيف <>كنت أغطي شعري وأرتدي جوارب لأشعر بقليل من الرضا عن نفسي مخافة من الله ومراقبة له>>. لكنها مع ذلك شعرت بنوع من عدم الارتياح أو التوافق مع ما تريده ومع أفكارها الخاصة بالستر وإرضاء الرب <>كنت أبحث عن زي عمليّ ساتر (...) فالعباءة كانت غير عملية علاوة على أنها لم تكن تحقق ما أرنو إليه من الستر>>.

كان التحول الأساسي لدى المير ذلك الذي حدث في صيف العام ,1976 فقد رأت <>الحجاب>> لأول مرة ربما عبر <>أخوات>> من <>الحورة>>.

في ذلك العام (1976) وهي السنة الأولى التي تعمل فيها معلمة في الوزارة، افتتحت جمعية الإصلاح أول مركز لتحفيظ القرآن الكريم للفتيات، وكان ذلك في الأول من يوليو/تموز من ذلك العام <>فتطوعنا للتدريس في هذا المركز، وارتدينا الحجاب أنا ومجموعة من المعلمات (...) كان عمري آنذاك 20 عاماً وعلمنا أن أخوات لنا سبقننا قبل ذلك التاريخ بأشهر قليلة في الحورة>>.

<>في ذلك الصيف>> تقول المير <>وفي ذلك المركز أيضاً، بدأت مجموعة من الطالبات يتحجبن (...) ويطلن فساتينهن، يحتشمن في الملابس من دون دعوة من قبلنا لهن بذلك، ولكن من باب الاقتداء بمعلماتهن ربما (...) وأيضاً لمَا كنّ يتعلمنه من القرآن الكريم والسنة النبوية والسيرة، فكان كل ذلك دافعاً لهن لكي يرتدين الحجاب إرضاء لله ورسوله>>.

الدور الكويتي

خليجياً، كانت الكويت في الستينات والسبعينات مصدر إشعاع مختلف الاتجاهات على معظم دول المنطقة، وربما للصلات الكثيرة البحرينية الكويتية، وقوافل التعليم ما بعد المدرسي التي كانت تتجه إلى الكويت نظراً لسبقها في تأسيس الجامعة والمعاهد الأكاديمية. ونظراً لأسبقية الكويت في الفنون والإعلام والثقافة والكثير من المجالات الأخرى، كانت تأتي أيضاً <>الموضات>> بأشكالها المختلفة، نسائياً ورجالياً. وكان الكثيرون في البحرين يودون التشبه بما يجري في الكويت ويحذون حذوهم حتى يلحقوا بأهداب ما يجري سريعاً هناك ويعد تطوراً نوعياً.

أسهم في هذا التقدم النوعي الكويتي على الكثير من دول الخليج خصوصاً بعدما تراجع دور البحرين في عدد المجالات لاكتشاف النفط في دول الخليج الأخرى بكميات أكبر وتوظيفه في مجالات شتى، وجود الكثير من الجاليات العربية هناك، إذ نقلت هذه الجاليات في الأجواء الأكثر انفتاحاً تجاربها المتنوعة، وعلى الجانب الفكري على نحو خاص، وأسهمت الصحافة والإعلام في اجتذاب الكثير من الكوادر العربية إليها لتجد فيها متنفساً متباين الاتجاهات.

ومن بين هذه الاتجاهات، وجد الأخوان المسلمون[1] في الكويت أنفسهم متماسّين مع التجارب المصرية بدرجة، والتجارب الشامية (السورية تحديداً) بدرجة ربما أكبر، وخصوصاً في ظل الأوضاع الأمنية التي مرّت على إخوان سورية والتي انتهت بأحداث مدينة حماة المشهورة[2].

وعلى رغم أن <>جمعية الإصلاح الاجتماعي>> (الكويت) جاءت متأخرة عن <>نادي الإصلاح>> (جمعية الإصلاح لاحقاً) في البحرين بنحو 22 عاماً، إذ أشهرت رسمياً في 22 يوليو/تموز ,1963 إلا أن أثرها البالغ مصحوباً بالديناميكية الممنوحة لها إثر توافر الكوادر العربية والكويتية النشطة، جعلها سابقة على زميلتها البحرينية، بل ومؤثرة فيها. ويمكن ملاحظة المشروعات في <>إصلاح>> البحرين ومدى تطابق مسمياتها مع <>إصلاح>> الكويت، ومن ضمن هذه المؤثرات، كانت فكرة الحجاب.

تقول المير <>كانت تلك الفترة فترة اكتشاف جديد بالنسبة لي، فلقد سافرت مع مجموعة من أخواتي إلى الكويت، فرأينا الحجاب - بشكله الذي اتخذناه بعد ذلك - بادئ في الانتشار في تلك الأيام (...) كن يرتدين الحجاب (المنديل) المثبت على الرأس، مغطياً كامل الشعر، ومن فوقه تلبس العباءة الخليجية المعروفة>>.

كأنها وقعت على مفتاح اللغز، كأنها وقد كُشف عنها الغطاء وأبصرت ما كانت تبحث عنه عندما تقول <>كان ذلك إجابة على الكثير من التساؤلات ونهاية لحيرة الملبس الذي يتواءم معنا>>. هكذا تقول المير التي تستطرد <>عندما اهتديت إلى هذا الزي الإسلامي، شعرت براحة نفسية كبيرة (...) شعرت بالعزة والرفعة وأن الله منّ عليّ بالهداية وأنه فضلني على كثير من نساء ذلك الوقت الذي كنّ فيه يلبسن القصير من الملابس (...) كان لبس العباءة بحد ذاته مصدر خجل وتردد لدى الكثير منهن على اعتبار أنه من بقايا الرجعية والعادات البالية التي لم تكن تتناسب من وجهة نظرهن مع التطور أو الحرية>>.

عوامل أخرى أيضاً أثرت عليها، إذ - كما تروي المير - كانت قد نشأت في بيئة محافظة ومتدينة، كان أخوها عبدالعزيز قد تديّن وسبقها بفترة في هذا الأمر <>دعاني وأختي (عزيزة) للحجاب (...) كان متقدماً علينا في فهم طبيعة الإسلام بأنه منهج متكامل للحياة وأنني ما دمت مسلمة فلا بد لي أن أطيع خالقي في كل أمر وألا أطيعه في العبادة فقط وأعصيه في الحجاب>>.

هيفاء: حجاب يفضي إلى الضرب

<>ربما النصف الثاني من السبعينات، أي بين العامين 1976-,1977 عندما رأيت الحجاب لأول مرة في حياتي>> هذا ما تقوله الطبيبة والناشطة السياسية في المنبر الوطني الإسلامي هيفاء محمود وما تتذكره عن المرات الأولى التي رأت فيها الحجاب في حياتها.. إذ كانت طفلة في تلك الفترة، ولم تعتد بعد فكرة لبس الحجاب، كما لم يعتدها المجتمع بأسره.

لم تكن محمود منتمية إلى أي من الجمعيات أو التيارات الإسلامية المعروفة والتي كانت قد بدأت تتشكل لتوها وتحاول أخذ مكانها في المجتمع. فقد كانت البحرين قد طوت للتو تجربة المجلس الوطني (أغسطس/آب 1975)، وطالت موجة الاعتقالات كثيراً من الناشطين اليساريين والقوميين، والمشاغبين حتى طالت من يصفهم بعض الناشطين بـ <>بتاع الأوتوبيس>> الذين أخذوا إلى المعتقلات بالظنة أو لتشابه الأسماء أو لسوء حظهم لتواجدهم في المكان الخطأ.

فانحسرت تلك الاتجاهات في الوقت الذي بدأت إرهاصات تدّين تنمو في المجتمع وإن بخطى بطيئة.
تقول محمود <>كانت معلماتي من أمثال سعاد المير، وسلوى محمد يوسف من أوائل من رأيت يرتدين الحجاب (...) كنت حينها في الصف السادس الابتدائي>>.

ربما كان الهاجس لدى معلمة ملتزمة وقد وقعت على كشف جديد وفكرة مغايرة للسائد أن تنشر ما وصلت إليه، ومن غير اللائق ولا المقبول دينياً أن تكتم <>الحق>> الذي تعتقده <>فبدأتا تنشران الحجاب كواجب دعوي>> تقول محمود التي أخذت تقرأ كثيراً في هذا الاتجاه. اليوم تعزو الطبيبة هذه الحماسة الكبيرة التي كانت عليها في البداية إلى صغر سنها وتأثرها بمعلماتها وطريقة إصرارهن على ما يفعلن <>وربما لأنني اقتنعت أنه جزء من الإسلام والعبادة، لذا اتجهت إليه>>.

ما الحال بالنسبة لفتاة صغيرة في المرحلة الإعدادية وهي تنفرد في أسرتها بلبس غريب جديد؟ ما الذي واجهته من لوم وتقريع ومشاكل لا عداد لها؟.

تؤكد <>كان الأمر في بدايته صعباً عليّ، فقد كنت طفلة لا أزال، والحجاب شيء طارئ على المجتمع في ذلك الوقت إضافة إلى أن أسرتي كانوا أناساً عاديين (...) لم يكونوا متبحرين في الدين، كانوا كأي أسرة بحرينية متوسطة المستوى>>.

تضيف <>وبحكم أن والدي كان مسؤولا في أحد المصارف، وهذا يتطلب علاقات اجتماعية واسعة مع المجتمع وخصوصاً طبقة المديرين والمسؤولين المتقدمين فكان لبسي الحجاب في هذا المجتمع بدا غريباً بعض الشيء>>.

تناهب هيفاء محمود شعوران متناقضان، فهي تشعر أن ما تفعله هو عين الصواب، وأنها كانت تفعل ما تريد وما هي مقتنعة به، وربما ساعد صغر سنها على أن تبالغ في المعاندة والإصرار، لكنها على الطرف الآخر تشعر بشيء من الحرج لموقف والدها أمام الآخرين. تستدرك هنا <>لم يتدخل والدي في قراري، على رغم أنني كنت صغيرة السن وكان يسهل عليه أن يأمرني بخلع الحجاب لأنني بدوت غريبة نوعاً ما في وسطي المجتمعي (...) ربما كان هذا يسبب له بعض الحرج في المقابل، كانت والدتي متعاطفة معي، وتميل إلى التدين أكثر، ولكنها أيضاً تأثرت بما تنقله لها بعض المعلمات في ذلك الوقت، ليس عن سوء نية، ولكن عن استغراب وعدم تقبل كامل لأمر حجابي>>.

تضيف <>كنت حينها من الأوائل وكنّ (المعلمات) يبدين لوالدتي نوعاً من الحسرة (عن حب) فشكلن ضغطاً عليها وأخذن موقفاً مضاداً للحجاب إذ كانت الفكرة جديدة وغريبة (...) من الميني جوب إلى طفلة تلبس الحجاب (...) البعض رأى أن الحجاب أمرا غير إسلامي ولا يتوافق مع عاداتنا>>.

تتابع موضحة <>وصل الأمر إلى تحريض والدتي لكي أزيل الحجاب (..) في الوقت نفسه بدأ المجتمع يتحرك ويصفنا بالإخوان المسلمين (..) كان لفظ (إخوان مسلمين) في المجتمع البحريني عموماً مستهجنا وغير مقبول ربما من أناس كثر (..) وهذا ما أثار فضولي للقراءة عنهم والتعرف على مبادئهم وذلك بدلا من أن أنفر من هذه التسمية>>.

كان ارتداء الحجاب مستهجنا بعض الشيء في البحرين، ولكن الأمر لم يصل إلى حدود غير مقبولة كما تروي الشاهدات، كان هناك استهجان، سخرية مكتومة، أو كلمات ذات مدلولات معينة، لكنها لم تتجاوز هذه الحدود. تجاوزتها عندما كانت محمود وأسرتها خارج الحدود، تقول <>عندما ارتديت الحجاب كان الصيف على الأبواب، وكنا قررنا السفر في ذلك العام (..) لا أعتقد أن والدي كان مرتاحاً أن أسافر وأنا مرتدية الحجاب إلى بلدٍ غربي ومع ذلك احترم رغبتي (...) لكنني واجهت مشاكل في الخارج حتى أنني في تلك السفرة تعرضت للضرب من قبل الأجانب الذين استغربوا من شكلي، وكان أخي التوأم معي وحاول أن يصدهم عني على رغم صغر سنّينا>>.

تضيف <>في تلك السفرة، تعرضت للضرب مرتين في مدينتين مختلفتين بسبب حجابي ليس أكثر كنت بين الثانية عشرة والثالثة عشرة>>.

كان هذا الحادث في أواسط السبعينات، حينها لم يكن هناك ابن لادن ولا طالبان ولا أيٍّ من الأسماء المرعبة اليوم في الغرب. لم تستطع محمود تفسير سبب الهجوم عليها ولا ممن بالتحديد فقد كانت مأخوذة ومشدوهة بما جرى لها، ولكنها كانت من الحوادث التي تزيد المرء إصراراً على ما هو ماض فيه، وهذا ما تقوله بوضوح <>ربما هذا ما زادني إصراراً على التمسك بالحجاب، لأنني رأيت فيه كينونتي>>.

هوامش

[1] بدأت حركة الإخوان المسلمين - التي أسسها في مصر حسن البنا وصديق طفولته أحمد السكري - العام 1928 كحركة شبابية تُعنى بالأخلاق الحميدة والإصلاح الاجتماعي، . وفي ثلاثينات القرن العشرين، زاد التفاعل السياسي لجماعة الأخوان المسلمين وأصبحت من عداد الجماعات الرسمية المصرية وفي بلدان كثيرة، منها الأردن في العام ,1939 وفي البحرين العام .1941
في العام 1942 - وفي الحرب العالمية الثانية - عمل البنا على تأسيس فروع لحركة الأخوان المسلمين في كل من شرق الأردن وفلسطين، كما قام الفرع السوري على الانتقال إلى العاصمة دمشق في العام .1944 وبعد الحرب العالمية الثانية، قام عناصر من الأخوان المسلمين المصريين بالمشاركة في حرب .1948 وحُلت الجماعة - في أعقاب اتهامها باغتيال النقراشى باشا - ولم يستطع المرشد السيطرة عليها لأنها واجهت سخطا شعبيا مما سهّل ومهّد لاغتياله، ومنعت الجماهير من حضور جنازته.
في ,1964 أعاد جمال عبدالناصر الإفراج عن أعضاء الجماعة بعد سلسلة من الاعتقالات وقيل كثيراً عن التعذيب الذي قاسوه، وأمر مجدداً باعتقالهم في أعقاب الإعلان عن اكتشاف <>مؤامرة>> لاغتيال الرئيس لا يزال يدور حولها الكثير من النقاش، وأدى ذلك إلى إعدام منظّر الجماعة سيد قطب في .1966
بعد حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973 أعطى أنور السادات لهم مساحة من الحرية لضرب الشيوعيين والناصريين ومن أسماهم <>مراكز القوى>> الذين كانوا معارضين انفتاحه على الولايات المتحدة ولاسيما بعد إبرامه معاهدة السلام مع <>الكيان المحتل>> في .1979 وكان السادات قد سرّب عن نيّته في تبني الشريعة الإسلامية في الأحكام والقوانين، فكسب تعاطف الأخوان، ولكن الأمر لم يستمر إذ عقد اتفاق كامب ديفيد الذي عارضته الجماعة، حتى اغتيل من جماعة انشقّت عن الأخوان المسلمين وآمنت بالعنف في سبيل تطبيق <>الحاكمية لله>>، وهم من أسمتهم وسائل الإعلام المصرية في تلك الفترة جماعة <>التكفير والهجرة>>.
[2] أدت الوحدة بين سورية ومصر في 1958 إلى حظر نشاط الأخوان المسلمين في سورية تبعاً لما هو جار في مصر، ولكن بعد فشل التجربة في ,1961 عاد الأخوان السوريون إلى الظهور وفازوا بعشرة مقاعد في الانتخابات، ولكنهم عادوا إلى العمل السري بعدما انقلب حزب البعث على النظام واستولى على الحكم. وتعقد الأمر أكثر بتولي الرئيس الراحل حافظ الأسد مقاليد الحكم خصوصاً لانتمائه إلى الطائفة العلوية.


في 25 يونيو/حزيران ,1980 أعلن عن محاولة اغتيال للرئيس الأسد. فعمل على الحصول على تفويض من البرلمان السوري باعتبار الأخوان المسلمين من الجماعات المحظورة وإقرار قانون ينزل عقوبة الإعدام بكل من ثبت انتماؤه للجماعة، وإرسال الجيش إلى مدينة حماة ودكها بالطائرات، وتفاوتت الإحصاءات عن عدد من لقوا حتفهم في تلك الحملة ما بين 10 آلاف شخص و40 ألف شخص.


رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع تقييم هذا الموضوع
تقييم هذا الموضوع:

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:43 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.4, Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir