محمد بن راشد والحكومة الرشيدة ..... د. عارف الشيخ

[أفاق الفكر]

محمد بن راشد والحكومة الرشيدة ..... د. عارف الشيخ


أطلع صباح كل يوم على الصحف المحلية قبل أن أباشر عملي، وأتطلع الى الجديد الذي تحمله الصحف الى الناس يومياً، ففي مجال الأخبار الخارجية لا أقرأ جديداً على مستوى الوطن العربي أو العالم الإسلامي أو العالم عامة، إذ إن العالم ينتقل من ضيق الى أضيق، ومن بغضاء الى بغضاء أكبر، ومن ثم فإن دائرة الظلم تتوسع، فلا أكاد أجد دولتين متجاورتين متحابتين، ولا أرى سياستين متفاهمتين أو متقاربتين، وإنما كلها على قاعدة: فرّق تسد.

رغم أن الدول تحاول تغيير حكوماتها أو تعديلها بين حين وآخر، إرضاء للشارع العام، لكن الحكومات في واد والشارع العام في واد آخر لحاجة في نفس يعقوب.

لذلك، فإنني لا أتفاءل كثيرا بالأيام المقبلة، طالما أن الوجوه المقنّعة لا تريد أن ترفع لثامها، ولا تريد أن تعمل بشفافية، ومن خلال رؤية واستراتيجية واضحة، والله سبحانه وتعالى يقول: “إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم”.

وأما في مجال الأخبار المحلية على مستوى دولة الإمارات، فالرجل الذي كنا نراه يبسط شفافيته على دبي الإمارة، استطاع أن يبسط شفافيته على الإمارات الدولة بعد أن تولى زمام قيادة حكومة الإمارات.

فالشكر كل الشكر لصاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة ولإخوانه أصحاب السمو حكام الإمارات على الثقة التي أولوها لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي. فمن غير مجاملة ولا نفاق أقول: ما بلغت إليه حكومة دولة الإمارات اليوم من نضج في عهد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، لم تبلغ إليه طول عهد المسيرة الاتحادية، ولا أقول هذا انتقاصاً من العهود السابقة، بل تقديراً للرجل الذي استطاع أن يدرس الماضي ويتفهم الحاضر ويتبنى المستقبل، ببصيرته الوقادة، وحزمه وحنكه اللامحدودين.

إن حكومتنا اليوم تستحق أن توصف بالحكومة الرشيدة، لأن الرشد مرتبة النضج والكمال عند الفقهاء، وها هي اليوم تصدر قرارات ناضجة مفعمة بالكثير من التروي والعدل والحكمة.

لم تكن الحكومة تصل الى هذه المرحلة لو لم تكن قيادتها بيد رجل رشيد، والرجل الرشيد لم يكن قادرا على انتشال حكومته من عجز الماضي، لو لم يكن يمتلك طاقات من الحنك والحب والخير والعدل والسداد.

فالحاكم الشاعر لا بد أن تحركه مشاعره وأحاسيسه المرهفة نحو الإحساس بمعاناة الشعب ولا سيما المحرومين والمتضررين والمتوجعين.

والحاكم الفارس لا بد أن تحمله شجاعته الى ساحات الظلم والاستبداد، ليقيم فيها مدينة فاضلة محكمة أرجاؤها بالعدل والإنصاف.

والحاكم الرياضي تحمله نفسه ايضا الى ألا يستخدم قوته في هضم الآخرين حقوقهم، بل ترشده الى مواطن الضعف الموجودة في الدولة والشعب، فيذهب اليها، ليبدل النقص كمالاً، ويغير القبح جمالاً، ويكسو الفقر مالاً، ويمنح المرض من الصحة سربالاً.

إنني في الواقع لا أريد اليوم أن أتحدث عن إنجازات الشيخ محمد بن راشد ولا عن خططه ومشاريعه المستقبلية، فالأيام كفيلة بالتحدث عن خطط رجل إذا قال فعل، وإذا كل الناسُ عَمل.

لكن لفت نظري في الأسبوع الذي مضى ثلاثة أمور هي: زيادة رواتب المتقاعدين بنسبة 70% والإعلان عن ميزانية الدولة الاتحادية من غير عجز، وإعلان وزارة التربية عن شروط التعيين في مناصب القيادات الوسطى التي اعتبرت الشهادة المتخصصة واتقان اللغتين ومهارات الحاسوب، ابرز المعايير الجديدة.

أما نسبة الزيادة التي قررت الحكومة للمتقاعدين، فهي لا شك أنها كانت في عداد الميؤوس منه، وعلى افتراض انها كانت ستصدر، فإن الناس لم يتوقعوا زيادة بهذه النسبة، لذلك فإن هذا القرار القوي لم يكن يصدر لو لم تكن وراءه قيادة قوية، وأرجو الله أن يحفظها من جشع الأسواق.

وأما إقرار ميزانية الدولة بهذه المليارات، ورفع حصة التعليم منها الى هذا القدر ومن غير عجز، فإنه دليل على قوة الحكومة ومدى ثقتها بنفسها ومن قراراتها، وإنها لو لم تكن مبنية على رؤية واضحة واستراتيجية قوية، لما أعلنت ذلك بجرأة ومن غير تردد.

وأما إعلان وزارة التربية الذي ورد على لسان الدكتور حنيف حسن وزير التربية، فإنه يحسب للحكومة الرشيدة التي يتولى قيادتها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد.

فعلى مدار العقود الثلاثة او الاربعة الماضية لم نسمع ولم نقرأ شروط تعيين لمناصب قيادية وسطى أو عليا أو دنيا بهذا الوضوح وبهذه الصرامة، وإنما التعيين كان مبنياً على صداقة متينة أو مصلحة متبادلة او قاعدة “حِليلُه خلّ الرَيّال يحصّل كم من درهم”.

وقد حصدنا نحن في النهاية نتيجة مثل هذه التعيينات، حيث ان الكثيرين من أصحاب التخصصات وضعوا في أماكن غير أماكنهم، ورغم ان بعضهم قام بواجبه خير قيام، لكن بعضهم كان عبئاً ثقيلاً على العمل والإدارة، وكان ضرره أكثر من فائدته.

إن ما أعلنه وزير التربية بالأمس من شروط، تتفق تماما مع رؤية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد التطويرية والتحديثية، وقد يقال عنها إنها طاردة لأنها تحرم الكثيرين من البقاء في أماكنهم، لكن، ألسنا نتطلع الى مستقبل جديد قادر على التفاهم مع العالم المتحضر؟


إن الانجليزية اليوم هي لغة التعامل مع الحاسوب بنسبة 70% ونسبة مستخدمي الحاسوب او الانترنت من العرب عموما 2% وعلى رأس الاثنين دول الخليج، في حين أن نسبة مستخدمي الانترنت في “اسرائيل” 25% وفي أوروبا وأمريكا 45%.

فيا أمة “اقرأ” كيف تريدون زعامة العالم، وأنتم لا تجيدون لغتها، وإذا كنتم تفتخرون بأن لغتكم كانت هي لغة العلم والتطوير، فإنني أشارككم في الرأي ايضا، لكن الافتخار بعظام الأجداد شيء، والتحدث عن الحاضر شيء آخر، فابنوا الحاضر كماضيكم وتسلحوا بالعلم والمعرفة كماضيكم.

واقرأوا معي قول صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد في كتاب رؤيتي “أزمة العرب ليست أزمة مال أو رجال أو أخلاق أو أرض أو موارد، فكل هذا موجود والحمد لله، وإنما أزمة قيادة وأزمة إدارة وأزمة أنانية مستحكمة”.

ويقول ايضا “عشنا في الماضي ما يكفي وكان لذلك ضرورة، لكننا نريد الآن المستقبل، لذا لا بد أن نعيش بتفكيرنا وتخطيطنا في المستقبل”.


وفي النهاية ليس لنا إلا أن ندعو لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي لقيادته الرشيدة ونردد ما قلته فيه:



شيخ أجل من الزمان وأكبرُ
بخُطاه نحن بني العروبة نفخَرُ

أعطى الحياةَ سهولها وهضابها
ما تستحق فَوجهُ كونٍ أخضرُ

بوركت يا أغلى النفائس في الورى
وعلى الرؤس بقيت تاجا يَزهر

حُنكٌ وفكرٌ نيرٌ وعدالةٌ
عِش أنت أوحدَنا وحظك أوفر

د. عارف الشيخ

التوقيع :

لا اله الا الله رب السموات السبع ورب العرش العظيم