مرافىء شعبية: دراســة في محاولة استلهام التراث الشعبي في الكتابة للطفل
مرافىء شعبية: دراســة في محاولة استلهام التراث الشعبي في الكتابة للطفل
الاستفادة من الحكاية الشعبية في عمل روائي ليست حديثة وانما جرت محاولات كثيرة في هذا المجال، لأن التراث الشعبي لأية أمة من الأمم -ولا سيما الأمة العربية- خير مصدر لكثير من الأعمال الادبية الهادفة وهذا راجع الى إعتبارات كثيرة منها: ان التراث الشعبي أصيل في شكله ومضمونه وأنه أقرب الأشياء الى نفس الانسان ولا سيما الأطفال منهم وأنه مليء بالحوادث والحركة وبالانفعال ويمتلك خطا دراميا.
إنّ دعوتنا تنصبّ تحديدا على محاولة استلهام التراث وتقديمه في عمل أدبي للاطفال، لأهمية هذه المحاولة وخطورتها في الوقت نفسه، فقد جرت محاولات كثيرة لجمع التراث الشعبي وتدوينه وربما لإعادة صياغته وتقديمه للأطفال، وان عملا من مثل هذه الأعمال ليس سهلا ويحتاج الى الكثير من الجهد والحذر، فالحكاية الشعبية في وضعها الأصلي “تحتوي على عناصر سيئة وهذه اذا تركت من غير إصلاح او تهذيب او اشراف عليها ربما أصبحت عاملا سيئا في تربية الطفل، لأن المعلومات والحوادث التي تتضمنها هذه القصص تؤثر في تكوين الطفل العقلي والخلقي وفي ذوقه وخياله وفي لغته”(القصة في التربية- مجيد ص10) وهنا يكمن عنصر الحذر مما يقدم الى الطفل من حكايات شعبية غير منقحة، فان في ذلك أضراراً كبيرة وخطورة تؤثر في نفسية الطفل وسلوكه، وكما تقول الدكتورة (ألفت حقي)بأن: “الثقافة التي يعرضها المجتمع على الطفل يأخذها الناشئ على علاّتها، لذلك تكون مهمة العطاء حرجة سواء كانت عائلة الطفل ام مجتمعه الكبير له هو الآخر، صفاته، وحيث أنه أقدم وأكثر خصوبة وأقوى فاعلية من الناشئ الفج فأنه يفرض عليه أساليبه الفكرية والعملية بلا منازع”(مجلة عالم الفكر- المجلد العاشر- ع3- تشرين الاول 1979 مقال ثقافة الطفل الدكتورة ألفت حقي) هنا يأتي دور المتفهم لنفسية الاطفال والأفكار التربوية والاجتماعية وغربلة الحكايات الشعبية واختيار الجيد منها ليقدمه للأطفال بعد ان يصوغها بأسلوبه ويحذف منها ما يشاء ويضيف إليها ما يشاء خدمة للخط التربوي الذي لابد ان يقدم للطفل سعيا وراء بنائه وتكوينه النفسي والاجتماعي وهذا ما أكد عليه الدكتور (عبد العزيز عبد المجيد) حين قال: “وإذا كانت قصصنا الشعبية مليئة بالحوادث المزعجة وغير المناسبة، وإذا كانت بعض الأمهات لا يستطعن الآن اختيار المناسب من القصص ليسردنه للطفل او ليقرأه ويساعدنه على قراءته.. فإنا لنرجو ان يجيء يوم تتخلص القصة الشعبية فيه من كل ما بها من عيوب”(3) (القصة في التربية ص11-12).
وبالفعل بدأت الحكايات الشعبية تتخلص من عيوبها التي لا تلائم الأطفال كورود ألفاظ (السعلوة) و(الطنطل) و(السحر).. الى غير ذلك من ألفاظ ترسخ القوة الغيبية ومقدرتها على اللعب بمصير الإنسان، فقد تغربلت الحكايات الشعبية مما علق بها من أدران وشوائب، ان خير مثال على ذلك رواية الحطاب والعصفور التي أعدها عن قصة شعبية القاص خضير عبد الأمير وصدرت عن دار ثقافة الأطفال عام 1980 في سلسلة حكايات شعبية (15) والتي أعتمد المعد في كتابتها على الحكايات الشعبية على ألسن الأمهات والجدات على الرغم من ان هذا التداول في بعض الأحيان فيه بعض المسائل التي تضاف او تحذف لاعتبارات خاصة والتي تكون بعيدة عن أي هدف تربوي آخر، لكن المعد أحسن صنعا حين شذب الرواية القديمة وأضاف إليها إضافات كثيرة جعلت من العمل نصا أدبيا رائعا يستلهم التراث الشعبي ويضيف اليه الشيء الكثير، لأن في ذلك العمل إحساسا كبيرا بالفائدة التربوية لأطفالنا، حيث ان لهذه القصص وقعا خاصاً في نفوسهم ولقد أكد ذلك أكثر الباحثين حين قالوا: “وينبغي ان نعترف بالأثر السحري الذي تحدثه هذه القصص الخالدة (أي القصص الشعبية) في نفوس الأطفال)(مسرح الأطفال- ونيفريد وارد- ترجمة محمد شاهين الجوهري- مصر 1966).