( التفكير والعقل):مجال للتربية اللغوية أم هدف ؟
آفة الدرس اللغوي العربي في تعليمنا العام أنه مصمم وفق منظورات تربوية غير عربية ومن العجيب أننا لم نبلور نظرية تعليمية في لغتنا العربية تقوم علينا نحن ومنا نحن ولنا نحن, ليس مطلوبا أن نيسر لغتنا لغيرنا ونحن بعد عاجزون عنها حائرون في مكنونها.
للغتنا العربية خصوصية مختلفة عن غيرها من لغات الدنيا. خصوصيتها النص القرآني وهذا ما لا يتوفر لغيرها من الأصوات والكتابات. العناية بالشكل ضافية في تعليم اللغة من دون المضمون. التعبير إما شفهي أو كتابي, وإما وظيفي أو إبداعي, ولع بالتصنيف الشكلي,من دون غوص وراء الوحدة اللغوية العقلية الكامنة من وراء هذه التقسيمات.
قالوا قديما الإعراب فرع المعني.لم نفهم ما يقصدونه من( الإعراب), من فريق يعمل وفق منه} القزويني في التقسيم والتشقيق والتفريع. وليس منا من يحاول أن يفهم ما فعله عبدالقادر ولكننا احتفينا احتفاء مروعا لـ تشوفسكي ولم نحسن الأخذ عن هذا ولا عن ذاك. هل نحن في تعليم اللغة من أصحاب اللفظ أو هل نحن من أصحاب المعني؟ أو ليس من نفر رشيد يوفق بين الشكل و المضمون أو اللفظ و المعني.
حفظ النصوص الأدبية بين التلاميذ نعتبره عيبا وعارا, في حين كان الحافظ رتبة عقلية في مدارج الثقافة الإسلامية. التلاميذ يشوهون محفوظاتهم تصحيفا وتحريفا لأن التفوق اللغوي في امتحاناتهم يتوقف عند الأستاذ المصحح علي التطابق بين أنموذج الإجابة و مكتوبات هؤلاء التلاميذ, وبمقدار التطابق يكون التفوق, وما هكذا في اللغة تجري الأمور, وإلا فكيف تعددت محاولات تفسير القرآن من القرطبي إلي إبن كثير إلي السيوطي إلي النسفي إلي الشعراوي ؟. اللغة إنتاج وليست فورمات قياسية. إنتاج اللغة لا يفصل مطلقا عن التفكير. ويجب أن ندرك أن مصطلحا التفكير و العقل غير مفهومان لغويا, فمعاجمنا اللغوية علي قلتها مهملة في المدارس والبحوث التربوية.
التفكير تحليل يقوم علي التمييز. و العقل تركيب قائم علي الغرض و الهدف.
إنتاج اللغة تركيب أي عقل اعقلها وتوكل و لا يعقلها إلا العالمون وهذا يوضح كيف فشلنا في إنتاج اللغة لإننا لا نجيد الربط ومن قبله لا نجيد التحليل
قيل قديما:لا تعط الفقير كل يوم سمكة, بل علمه كيف يصطاد! التعليم اللغوي للقرن القادم يحتاج التركيز علي كيف يصطاد المتعلم الكلام: المنطوق والمكتوب. تعليمنا اللغة يقدم للتلاميذ كل سنة كتابا لكنه لا يعلمهم كيف يكتبون ولا كيف يقولون. تعليم الكيف هو ما ينقصنا في الدرس اللغوي. تعليم الكيف تشريح للبنية الظاهرة السطحية للغوص في باطن النص. باطن النص ليس في المنطوق ولا في المكتوب. باطن النص هو مخ القارئ أو هو بنيته المعرفية لا بنية المعرفة. تحليل النص هو التفكير قدرة أو قوة لا بد لها من فعل.
مصطلح القراءة لم نتفق علي تحديده وحاولنا ذلك من خلال الفكر التربوي الغربي, وهنا نسأل ما الفرق بين القراءة و التلاوة و الترتيل وما الصلة بين القراءة و الاستقراء ؟
تعليم اللغة هو تعليم القراءة, وللقراءة منهج وآليات, ولقد فشلنا في الفهم والتفسير والتأويل و الواصل لأننا فشلنا في القراءة.
والكتابة أيضا مختلط علينا أمرها: ما هي ؟ كيف هي؟ متي تبدأ؟ أمن السطح أم من الباطن؟ من لا يملك لا يكتب, الامتلاك هنا هو امتلاك المعاني لا نقش المباني.
الكتابة قال عنها العرب: قيد, والأفكار قالوا أنها صيد, وأوصونا, قيدوا صيدكم بكتاباتكم خطوطنا في الكتابة ليست نقوشا, وإنما هي أعقله جمع عقال تربط و تلم و تضم وتلم و تضم وتؤلف المتفرق ليبدو كلا ذا معني.
الربط و الضم و التوليف و الجمع و الضفر كل ذا ليس بمترادفات بل هي مهارات و كفاءات وعلي ذلك فالكتابة الملتوية دالة علي معني ملتو والنقش العقيم رمز لمعني عقيم.
علامات الترقيم ـ وحدهاـ تصلح مدخلا تعليميا للغة والتحليل اللغوي, والترقيم يرتبط بالنقط و الوقف الجائز والواجب
العرض العادي
