آخر 10 مشاركات
الخبيصه الاماراتيه (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 1 - المشاهدات : 12611 - الوقت: 09:09 PM - التاريخ: 01-13-2024)           »          حلوى المغلي بدقيق الرز (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 0 - المشاهدات : 7381 - الوقت: 03:16 PM - التاريخ: 12-11-2023)           »          دروس اللغة التركية (الكاتـب : عمر نجاتي - مشاركات : 0 - المشاهدات : 13261 - الوقت: 11:25 AM - التاريخ: 08-21-2023)           »          فيتامين يساعد على التئام الجروح وطرق أخرى (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 0 - المشاهدات : 14635 - الوقت: 08:31 PM - التاريخ: 07-15-2023)           »          صناعة العود المعطر في المنزل (الكاتـب : أفاق الفكر - آخر مشاركة : OM_SULTAN - مشاركات : 4 - المشاهدات : 48771 - الوقت: 10:57 PM - التاريخ: 11-06-2022)           »          كحل الصراي وكحل الاثمد وزينت المرأة قديما من التراث (الكاتـب : Omna_Hawaa - آخر مشاركة : OM_SULTAN - مشاركات : 2 - المشاهدات : 43832 - الوقت: 10:46 PM - التاريخ: 11-06-2022)           »          كيفية استخدام البخور السائل(وطريقة البخور السائل) (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 2 - المشاهدات : 36041 - الوقت: 10:36 PM - التاريخ: 11-06-2022)           »          جددي بخورك (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 0 - المشاهدات : 20851 - الوقت: 10:25 PM - التاريخ: 11-06-2022)           »          عطور الإمارات صناعة تراثية (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 0 - المشاهدات : 21113 - الوقت: 10:21 PM - التاريخ: 11-06-2022)           »          خلطات للعطور خاصة (الكاتـب : أفاق : الاداره - آخر مشاركة : OM_SULTAN - مشاركات : 1 - المشاهدات : 27059 - الوقت: 10:12 PM - التاريخ: 11-06-2022)

إضافة رد
 
أدوات الموضوع تقييم الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 05-27-2010, 03:28 PM   رقم المشاركة : 1
الكاتب

OM_SULTAN

المشرف العام

OM_SULTAN غير متواجد حالياً


الملف الشخصي








OM_SULTAN غير متواجد حالياً


ٍاصول الفقه في سؤال وجواب




بسم الله الرحمن الرحيم

ٍاصول الفقه في سؤال وجواب


المقدمة

ٍاصول الفقه في سؤال وجواب الجزء الأول

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادى له واشهد أن لا اله ألا الله وحده لا شريك له واشهد أن محمداً عبده ورسوله.
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُون}َ
{يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي َتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}


أما بعد

فإن اصدق الحديث كتاب الله , واحسن الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم , وشر الأمور محدثاتها , وكل محدثة بدعة , وكل بدعة ضلالة , وكل ضلالة في النار

ثم أما بعد

فهذا جزء بسيط من علم أصول الفقه جمعتها من كتب أهل العلم ورتبتها على هيئة سؤال وجواب ليسهل معرفتها

واسأل الله جل وعلا أن يجعل هذا العمل خالصا لوجهه الكريم

محتويات الكتاب

الجزء الاول

الدس الأول :- تعريف أصول الفقه .
الدرس الثاني :- الأحكام الشرعية وأقسامها .
الفصل الأول :- تعريف الأحكام الشرعية .
الفصل الثاني :- أقسام الأحكام الشرعية :-
القسم الأول :- تكليفية .
القسم الثاني :- وضعية .
تقسم الأحكام الشرعية باعتباره على وفق الدليل أو خلافه .
القسم الأول :- الرخصة .
القسم الثاني:- العزيمة .
الدرس الثالث :- مصادر الاستدلال .
الفصل الأول :-أدلة متفق عليها
القسم الأول :- الكتاب .
القسم الثاني :- السنة .
القسم الثالث :- الإجماع .
القسم الرابع :- القياس .
الفصل الثاني :- أدلة مختلف فيها .
القسم الأول :- قول الصحابي .
القسم الثاني :- شرع من قبلنا .
القسم الثالث :- العرف .
القسم الرابع :- الاستحسان .
القسم الخامس :- المصالح المرسلة .
تعريف أصول الفقه

س1)- عرف أصول الفقه ؟
نظر علماء الأصول إلى أصول الفقه بنظرتين وعلى ضوء هاذين النظرتين يمكن تعريف أصول الفقه .
النظرة الأولى )- نظرة باعتباره مفرديه (( أي باعتبار كلمة أصول وكلمة فقه)) ويعرف بما يأتي :-
فالأصول جمع ومفردها اصل وهو ما يبنى عليه غيره مثل اصل الشجرة الذي يتفرع منه أغصانها قال الله تعالى { أَلَمْ تَرَى كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ}
والفقه لغة الفهم قال الله تعالى { وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي } . أي يفهموا .
أما اصطلاحاً :- فهو معرفة الأحكام الشرعية العملية بأدلتها التفصيلية .
فالمراد بالمعرفة هي (( العلم والظن )) لان إدراك الأشياء إم أن تكون :-
اولاً)- العلم :- وهو إدراك الشيء على ما هو عليه إدراكاً جازماً .
ثانياً )- الظن :- وهو إدراك الشيء مع احتمال ضد مرجوح .
ثالثاً )- الشك :- وهو إدراك الشيء مع احتمال ضد مساو .
رابعاً)- الوهم :- وهو إدراك الشيء مع احتمال ضد راجح
خامساً )- الجهل :- وهو عدم الإدراك بالكلية .
سادساً )- الجهل المركب :- وهو إدراك الشيء على وجه يخالف ما هو عليه في الواقع .
والأحكام الشرعية هي الأحكام المتلقاة من الشرع كالوجوب والتحريم , و الأحكام ثلاثة أنواع :-
ا]- عقليه :- مثل الواحد نصف الاثنين .
ب]- حسية :- مثل النار محرقة .
ج] - شرعية :- مثل الصلاة واجبة .

والشرعية وهى ما تتوقف معرفتها من الشرع ولا تدرك إلا عن طريقه , وتقييد
الأحكام بكونها شرعية يخرج الغير شرعية كالأحكام الحسية و العقلية .



والعملية وهو ما يصدر عن المكلف من الأفعال , لان الأحكام الشرعية بحسب متعلقاتها تنقسم إلى :-
أ]- الاعتقادية :- وهى ما يتعلق باعتقاد الناس وتسمى أحكام اعتقاديه مثل الإيمان بالله وملائكته .
ب]- العملية :- وهى ما يتعلق بأفعال الناس التي تصدر عنهم وتسمى أحكاما عملية مثل وجوب الصلاة
ج]- الأخلاقية :- وهى ما تتعلق بتهذيب النفوس وتزكيتها وتسمى الأحكام الأخلاقية مثل وجوب الصدق وتحريم الكذب .
وتقييد الأحكام الشرعية بالعملية يخرج غير العملية وهى الاعتقادية والأخلاقية .
والمراد بقول بأدلتها التفصيلية أي أدلة الفقه المقرونة بمسائل الفقه التفصيلية , فيخرج به أصول الفقه لأن البحث فيه إنما يكون في أدلة الفقه الإجمالية .

النظرة الثانية )- نظرة باعتبار كونه لقباً لهذا الفن المعين فعرفه (( الأصوليين )) بعدة تعريفات نذكر منها ما يأتي :-


التعريف الأول )- هي القواعد التي يتوصل بها المجتهد إلى استنباط الأحكام الشرعية العملية من الأدلة التفصيلية .
شرح التعريف
1)- القواعد :- والقواعد جمع مفرده قاعدة و القاعدة عبارة عن قضية كلية تشمل جزئيات كثيرة كقاعدة (( الأمر للوجوب )) و (( النهى للتحريم )) وغيرها من القواعد . وبأخذ القاعدة في التعريف يخرج الأمور الجزئية .
2)- التي يتوصل بها المجتهد :- أي أن المجتهد يستطيع بواسطة هذه القواعد الأصولية أن يأخذ الأحكام الفقهية من الدليل التفصيلي .
3)- الأحكام :- جمع مفرده حكم والحكم إثبات أمر لاخر أو نفيه عنه
, والأحكام بحسب طريق إثباتها ثلاثة أنواع .
النوع الأول )- عقلي مثل الواحد نصف الاثنين .
النوع الثاني )- حسي مثل النار محرقة .
النوع الثالث )- شرعي مثل الصلاة واجبة .

4)- الشرعية )- وهى ما تتوقف معرفتها على الشرع . وتقييد الأحكام بكونها شرعية يخرج الأحكام الغير شرعية وهى الأحكام العقلية والحسية
5)- العملية )- وهو ما يصدر عن المكلف من الأفعال , لان الأحكام الشرعية بحسب متعلقاتها تنقسم إلى الاعتقادية والعملية والأخلاقية , وتقييد الأحكام الشرعية بالعملية يخرج غير العملية وهى الاعتقادية والأخلاقية .

6)- من الأدلة التفصيلية , والمراد الأدلة التفصيلية الأدلة الجزئية , وهى التي يتعلق كل دليل منها بمسألة مخصوصة , ويدل كل واحد منها على حكم معين , كقوله تعالى { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ } فإنه دليل تفصيلي تعلق بمسألة معينة وهى الزواج بأمهات , وتفيد حكماً معيناً وهو حرمة الزواج بالأم .

التعريف الثاني )- هو علم يبحث عن أدلة الفقه الإجمالية وكيفية الاستفادة منها وحال المستفيد .

شرح التعريف
فبقول الإجمالية (( وهى القواعد العامة )) مثل الأمر للوجوب و النهى للتحريم , فيخرج به أدلة الفقه التفصيلية فلا تذكر في أصول الفقه إلا على سبيل التمثيل للقاعدة .
وبقول وكيفية الاستفادة منها أي أن المجتهد يستطيع بواسطة هذه القواعد الأصولية أن يأخذ الحكم , وبتقييد الاستفادة منها يخرج القواعد التي لا يوصل البحث فيها إلى شئ بأن تكون مقصودة لذاتها مثل قاعدة (( العدل أساس الملك )) , والقواعد يجب أن تكون شرعية وكونها شرعية تخرج القواعد التي ليست شرعية كقواعد النحو مثلاً .
وبقول وحال المستفيد , والمستفيد هو المجتهد لأنه يستفيد بنفسه من الأحكام , فمعرفة المجتهد وشروط الاجتهاد وحكمه يبحث في أصول الفقه .

س2) - ما الفرق بين الأصولي والفقيه ؟
الأصولي يبحث عن القواعد الكلية , والنظر في الأدلة الإجمالية من حيث دلالتها على الحكم فهو ينظر في كيفيات هذه الأدلة وأحوالها من حيث كونها عامة أو خاصة , مطلقة أو مقيدة , أمراً أو نهياً , ويضع القواعد التي تبين الحكم لكل منها , فيبحث مثلاً في الأوامر فيجد قاعدة كلية وهى ((كل أمر - إذا تجرد من قرينة - يفيد الوجوب)) وهكذا النواهي يجد (( كل نهى - إذا تجرد من قرينة - يفيد التحريم )) , ويبحث في العام فيجد أن (( العام يتناول أفراده قطعاً )) .
أما الفقيه فهو يبحث في أدلة الفقه الجزئية ليصل من خلال ذلك إلى معرفة حكم من الأحكام الشرعية العملية , فإذا ما أراد مثلاً معرفة حكم الصلاة , فإنه يبحث في الأدلة التفصيلية المتعلقة بالصلاة فيجد فيما يجد قول الله تعالى { وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ } , فينظر في هذا الدليل الجزئي فيجد فيه الأمر بالصلاة .


س3)- ما فائدة أصول الفقه ؟
من فوائد أصول الفقه :-
1)- ضبط أصول الاستدلال وذلك ببيان الأدلة الصحيحة من الزائفة .
2)- التمكن من الحصول على قدرة يستطيع بها استخراج الأحكام الشرعية من أدلتها على أساس سليم .
3)- تيسير عملية الاجتهاد واعطاء الحوادث الجديدة ما يناسبها من الحكم .
4)- معرفة الأسباب التي أدت إلى وقوع الخلاف بين العلماء والتماس الأعذار لهم .
5)- بيان ضوابط الفتوى وشروط المفتى وآدابه .
6)- الوقوف على سماحة الشريعة ويسرها , والابتعاد عن الجمود المترتب على دعوى إغلاق باب الاجتهاد.

س4)- ما سبب وضع العلماء لعلم أصول الفقه ومن أول من وضعه ؟
إن سبب حمل العلماء على إنشاء هذا العلم إنه عندما كثرة الفتوحات الإسلامية واتسعت رقعة الإسلام أدى ذلك إلى اختلاط الأمة العربية بغيرها من الأمم فدخل في اللغة العربية الكثير من المفردات غير العربية فكثر تبعاً لذلك الاشتباه والاحتمال في فهم النصوص , كما أدت كثرة الفتوحات إلى وجود الكثير من الحوادث التي لم تكن موجودة من قبل والتي لم يرد ما يبين حكمها .
أما أول من وضع هذا العلم فهو الأمام الشافعي رحمه الله تعالى في أواخر القرن الثاني الهجري ثم توالت جهود العلماء فكانت المرحلة الثانية على يد إمامين جليلين هما الخطيب البغدادي وابن عبد البر ثم كانت مرحلة برز فيها جانب الإصلاح وتقويم الاعوجاج لهذا العلم على يد شيخ الإسلام ابن تيميه وتلميذه ابن القيم .

الأحكام الشرعية وأقسامها

تعريف الأحكام الشرعية

س1)- ما معنى الحكم الشرعي ؟
لغة )-
المنع ومنه قيل للقضاء حكم لأنه يمنع من غير المقتضى به .
اصطلاحاً ) -
هو خطاب الله المتعلق بأفعال المكلفين على جهة الطلب أو التخيير أو على جهة الوضع .
شرح التعريف
1)- خطاب :- والخطاب يشمل خطاب الله وخطاب غيره من الأنس والجن والملائكة , وبإضافة لفظ الجلالة قيد يخرج خطاب غير الله سبحانه وتعالى .
2)- المتعلق بأفعال المكلفين :- والمكلفين جمع مفرده مكلف , والمكلف هو كل بالغ عاقل بلغته الدعوة وكان أهلاً للخطاب , ولم يمنعه من التكليف مانع .وتقييد بالمتعلق بأفعال المكلفين قيد يخرج الخطاب المتعلق بغير أفعال المكلفين كالتعلق بذات الله عز وجل في مثل قوله تعالى { شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ } ومثل المتعلق بالجمادات كقوله تعالى { وَقِيلَ يَاأَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَاسَمَاءُ أَقْلِعِي } .
3)- على جهة الطلب أو التخيير أو الوضع :- يعنى أن خطاب الشرع تارة يقتضى الطلب وتارة يقتضى التخيير وتارة يكون شيئاً موضوعاً للدلالة على شئ .
فالطلب يدخل فيه الأمر والنهى (( الأمر طلب فعل والنهى طلب ترك )) وقد يكون الطلب على سبيل الإلزام وهو الواجب أو على سبيل الأفضلية وهو المندوب , وكذلك النهى قد يكون على سبيل الإلزام وهو الحرام وقد يكون على سبيل الأفضلية وهو المكروه , أما على سبيل التخيير فهو المباح .
وأما على جهة الوضع فهو وضع الشرع شيئاً للدلالة على شئ آخر مثل الشرط والسبب والمنع والصحيح والفاسد .

أقسام الأحكام الشرعية

س2)- ما هي أقسام الأحكام الشرعية ؟

تنقسم الأحكام الشرعية إلى قسمين هما :-
أ)- التكليفي :-
وهو خطاب الله المتعلق بأفعال المكلفين على جهة الطلب أو التخيير .
ب)- الوضعي :-وهو جعل الشيء سبباً لشيء آخر أو شرطاً أو منعاً أو صحيحاً أو فاسداً .

س3)- اذكر أمثلة لكل من الحكم التكليفى والحكم الوضعي ؟
يمكن أن يجتمع الحكم التكليفى والحكم الوضعي في نص واحد ويمكن أن يفترقا , وسنذكر أمثلة يجتمع فيهما الحكم التكليفى والحكم الوضعي وأمثلة أخرى ينفرد فيها كل من الحكم التكليفى والحكم الوضعي .
أولا )- أمثلة يجتمع فيهما كلاً من الحكم التكليفى والحكم الوضعي .
المثال الأول :-
قول الله تعالى { وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا } , فإن في هذا المثال وجوب قطع اليد وهو حكماً تكليفياً وفيه جعل السرقة سبباً في قطع اليد وهو حكماً وضعياً .
المثال الثاني :-
قول الله تعالى { وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا } , فالحكم التكليفى هو إباحة الصيد بعد التحلل من الإحرام , والحكم الوضعي هو جعل هذا التحلل سبباً في الإباحة .
ثانياً )- مثال ينفرد فيه الحكم التكليفى
مثل قول الله تعالى { وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ } , فإن هذه الآية تتضمن حكماً تكليفاً فقط وهو وجوب الصلاة والزكاة .
ثالثاً )- مثال ينفرد فيه الحكم الوضعي
المثال الأول :- كقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ{ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةً بِغَيْرِ طُهُورٍ } , فإن هذا الحديث متضمن حكماً وضعياً فقط وهو جعل الطهارة شرطاً لصحة الصلاة .
المثال الثاني :- وهو قوله صلى الله عليه وسلم { الْقَاتِلُ لَا يَرِثُ } , فإن هذا الحديث يشمل على حكم وضعي , وهو جعل القتل مانعاً من الميراث .

س4)- ما هي أقسام الأحكام التكليفيه ؟
ينقسم الحكم التكليفى إلى خمسة أقسام هي :-
القسم الأول )- الواجب ويسمى ((فرضاً - فريضة - حتماً - لازماً ))
القسم الثاني )- المندوب ويسمى (( سنة - مسنوناً - مستحباً - نفلاً ))
القسم الثالث )- المحرم
القسم الرابع )- المكروه
القسم الخامس )- المباح ويسمى (( حلالاً - جائزاً ))

س5)- عرف الواجب ؟

الواجب هو ما أمر به الشرع على وجه الإلزام (( ويثاب فاعله امتثالاً ويستحق العقاب تاركه )).
شرح التعريف
1)- ما أمر به الشرع :- يخرج ما نهى عنه الشرع وأباحه فيخرج من هذا القيد كلاً من المحرم والمكروه والمباح .
2)- على وجه الإلزام :- يخرج ما أمر به الشرع لا على وجه الإلزام وهو المندوب .
3)- ويثاب فاعله امتثالاً :- يخرج به من فعله لا امتثالاً للأمر فلا ثواب له .
4)- ويستحق العقاب تاركه :- أي إن تاركه يستحق العقاب ولكن قد يعفو الله عنه فقد يعاقب وقد لا.

س6)- ما هي أقسام الواجب ؟
يمكن تقسيم الواجب باعتبارين :-
1)- باعتبار المكلف :- وينقسم إلى واجب عين وواجب على الكفاية .
فالواجب العيني :- هو ما وجب على كل شخص بعينه كالصلاة والصيام .
وواجب الكفاية :- هو ماكان الفرض فيه مقصوداً به قصد الكفاية فيما ينوبه فإذا قام به البعض سقط على الآخرين كصلاة الجنازة .
2)- باعتبار وقت أدائه :- وينقسم إلى قسمين مطلق ومقيد .
مطلق :- وهو ما طلب الشرع فعله ولم يعين وقتاً لادائه مثل الكفارات فإن وجبت كفارة اليمين على شخص فإن له أن يؤديها متى شاء .
مقيد :- ما طلب الشارع أدائه وعين لهذا الأداء وقتاً محدداً كالصلوات الخمس وصيام رمضان .

س7)- ما هو الفرق بين الواجب والفرض ؟
ذهب جمهور الفقهاء إلى أن لافرق بين الفرض والواجب وقالوا إن هذين اللفظين مترادفين , وذهب فريق آخر من العلماء إلى أن الفرض غير الواجب فلفرض ما ثبت بدليل قطعي , والواجب ما ثبت بدليل ظني .
وعلى هذا يكون من ترك قراءة شئ من القرآن في الصلاة تكون صلاته باطلة , لأن القراءة فرض لثبوتها بدليل قطعي وهو قول الله تعالى {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْ الْقُرْآنِ } وأما من ترك قراءة الفاتحة فقط فإن صلاته تكون صحيحة لأن قراءتها ليست فرضاً وإنما هي واجبة فقط , لأنها ثابتة بدليل ظني وهو قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {َ لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ }

س8)- عرف المندوب ؟
المندوب هو ما أمر به الشارع لا على وجه الإلزام (( ويثاب فاعله امتثالاً ولا يعاقب تاركه )).
شرح التعريف
1)- ما أمر به الشرع :- يخرج ما نهى عنه الشرع وأباحه فيخرج من هذا القيد كلاً من المحرم والمكروه والمباح .
2)- لا على وجه الإلزام :- يخرج ما أمر به الشارع على وجه الإلزام وهو الواجب .
3)- ويثاب فاعله امتثالاً :- يخرج به من فعله لا امتثالاً للأمر فلا ثواب له .
4)- ولا يعاقب تاركه :- أي إن تارك المندوب لا يعاقب على تركه له .

س9)- عرف المحرم ؟
المحرم ما نهى عنه الشارع على وجه الإلزام (( يثاب تاركه امتثالاً ويستحق العقاب فاعله)) .
شرح التعريف
1)- ما نهى عنه الشارع :- يخرج ما أمر عنه الشارع وأباحه وهو الواجب والمندوب والمباح .
2)- على وجه الإلزام :- يخرج ما نهى عنه الشارع لا على وجه الإلزام وهو المكروه .
3)- يثاب تاركه امتثالاً :- يخرج به من تركه لا امتثالاً للأمر فلا ثواب له .
4)- ويستحق العقاب فاعله :- أي إن فاعله يستحق العقاب ولكن قد يعفو الله عنه فقد يعاقب وقد لا.

س10)- عرف المكروه ؟
المكروه ما نهى عنه الشارع لا على وجه الإلزام (( يثاب تاركه امتثالاً ولا يعاقب فاعله )) .
شرح التعريف
1)- ما نهى عنه الشارع :- يخرج ما أمر به الشارع وأباحه وهو الواجب والمندوب والمباح .
2)- لا على وجه الإلزام :-يخرج ما نهى عنه الشارع على وجه الإلزام وهو المحرم .
3)- يثاب تاركه امتثالاً :- يخرج به من تركه لا امتثالاً للأمر فلا ثواب له .
4)- ولا يعاقب فاعله :- أي إن فاعل المكروه لا يعاقب ولكن هذا لايعنى أن نتهاون بالمكروه لأنه يخشى
أن يكون هذا المكروه سلماً إلى المحرم كما أن المعاصي الصغار وسيلة للكبائر والكبائر وسيلة
إلى الكفر ولهذا يقولون المعاصي بريد الكفر أي موصلة للكفر .

س11)- عرف المباح ؟
هو ما لا يتعلق به أمر ولانهى لذاته (( لا يترتب عليه ثواب ولا عقاب ))
شرح التعريف
1)- ما لا يتعلق به أمر :- خرج به الواجب والمندوب .
2)- ولا نهى :- خرج به المحرم والمكروه .
3)- لذاته :- يخرج ما لو تعلق به أمر لكونه وسيلة لمأمور به أو نهى لكونه وسيلة لمنهي عنه فإن له حكم ما كان وسيلة له من مأمور أو منهي وهذا لا يخرج عن كونه مباح في الأصل (( مثل شراء الماء الأصل فيه الإباحة لكن إذا كان يتوقف على الوضوء للصلاة صار شراؤه واجباً فإذا أمر الشرع بشيء فهو أمر به و أمر بما لا يتم إلا به )) .
4)- لا يترتب عليه ثواب ولا عقاب :- أي إن فعله وتركه لا يترتب عليه عقوبة ولا ثواب .

س12)- ما هي أقسام الأحكام الوضعية ؟
ينقسم الحكم الوضعي إلى خمسة أقسام هي :-

القسم الأول )- السبب .
القسم الثاني )- الشرط .
القسم الثالث )-المانع .
القسم الرابع )- الصحة .
القسم الخامس )- الفساد .

س13)- عرف السبب ؟
السبب هو ما يلزم من وجوده الوجود ويلزم من عدمه العدم .(( أي إنه الوصف الظاهر الذي يلزم من وجوده وجود الحكم ومن عدمه عدم الحكم , مثل دخول وقت الصلاة فإنه سبب في وجوبها فيلزم من دخول الوقت وجوب الصلاة متى ما توفرت الشروط وانتفت الموانع , ويلزم من عدم دخول الوقت عدم الوجوب)) .

س14)- عرف الشرط ؟
الشرط هو ما يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم وكان خارجاً عن الماهية (( أي إنه الوصف الظاهر المنضبط الذي يلزم من عدمه عدم الحكم ولا يلزم من وجوده وجود الحكم ولا عدمه كالطهارة بالنسبة للصلاة فإنه يلزم من عدم الطهارة عدم صحة الصلاة ولا يلزم من وجودها وجود الصحة إذ قد توجد الطهارة وتكون الصلاة باطلة كما لو صلى مستدبراً القبلة مثلاً فهاهنا الشرط موجود وهو الطهارة لكن الحكم غير موجود , كما لا يلزم من وجود الشرط وجود الحكم فلا يلزم من وجود الطهارة وجود الصلاة إذ قد يتوضأ لقراءة القران مثلاً)) .


س15)- عرف المانع ؟
المانع هو ما يلزم من وجوده العدم ولا يلزم من عدمه وجود ولا عدم (( أي إنه الوصف الظاهر الذي يلزم من وجوده عدم الحكم ولا يلزم من عدمه وجود الحكم ولا عدمه , مثل الحيض فإنه يلزم من وجوده عدم صحة الصلاة ولا يلزم من عدمه صحة الصلاة ولا عدمها )).
وعلى هذا فلا بد في وجود الحكم الشرعي من توفر ثلاثة أمور وهى :-
(1)- وجود السبب .(2)- وجود الشرط .(3)- انتفاء الموانع .
فإذا تخلف أمر من هذه الأمور انتفى الحكم الشرعي ولا بد .
ومثال لذلك وجوب الزكاة :-
السبب :- بلوغ النصاب .
الشرط :- حولان الحول .
المانع :- وجود الدين .
فإذا وجد النصاب وحال الحول وانتفى الدين وجب أداء الزكاة .

س16)- عرف الصحة ؟
هو الفعل الذي يترتب عليه أثره المقصود منه سواء أكان عبادة أو معاملة .
فالصحيح من العبادات ما برئت به الذمة وسقط به المطلب , مثل ذلك أن رجلاً صلى الصلاة على إنه طاهر من الحدث والنجاسة واستقبل القبلة وأتى بكل شئ وبكل ما يلزم فهذه الصلاة صحيحة .
والصحيح من المعاملات هو ما ترتب أثاره على وجوده كترتب الملك على عقد البيع مثلاً.

س17)- عرف الفساد ؟
الفساد ما لا تترتب آثار فعله عبادة كان أو معاملة .
فالفاسد من العبادات :- ما لا تبرأ به الذمة ولا يسقط به الطلب كالصلاة قبل وقتها .
والفاسد من العقود :- ما لا تترتب آثاره عليه كبيع المجهول .

س18)- ما الفرق بين الباطل والفاسد ؟
يرى جمهور العلماء إنه لا فرق بينهما , ويذهب فريقاً آخر إلى أن بينهما فرق وهو :-
إن الباطل :- ما لم يشرع أصلا لا بأصله ولا بوصفه كصلاة الحائض وصومها فإنهما لم يشرع لها أصلا .
أما الفاسد :- ما شرع بأصل دون وصف مثل الصيام يوم النحر , فإن الصيام مشروع بأصله لكنه
ليس مشروعاً بوصفه وهو كونه في يوم النحر .
ومن ثمرت هذا التفريق - عند القائلين بذلك - في إن الباطل لا يعتد به أصلا ولا يترتب عليه أي
أثر بل يفسخ متى اطلع عليه , وأما الفاسد تترتب عليه آثار مع الإثم مثل بيع الربا يفيد الملك
للزيادة بالقبض مع الإثم فإن ألغيت الزيادة فلا إثم .

أقسام الحكم باعتباره على وفق الدليل أو خلافه

س19 )- تكلم عن أقسام الحكم باعتباره على وفق الدليل أو على خلافه ؟
يمكن تقسيم الحكم باعتباره على وفق الدليل أو على خلافه إلى قسمين هما :-


القسم الأول: الرخصة
هي الحكم الثابت بدليل على خلاف دليل آخر لعذر .
شرح التعريف
1)

- الحكم :- المراد به الحكم الشرعي .
2)- الثابت بدليل :- أي أن الرخصة لا بد لها من دليل فإذا لم تثبت بدليل فلا تجوز الأقدام عليها .
3)- على خلاف دليل آخر :- قيداً تخرج به الأحكام الثابتة على وفق الدليل مثل إباحة الأكل والشرب والنوم إذ لا يوجد دليل يقتضي منع هذه الأشياء حتى تكون إباحتها على خلافه بل هي موافقة للأصل إذ الأصل في الأشياء الإباحة .
4)- لعذر :- والمراد بالعذر ما تتحقق معه مشروعية الحكم ,مثل المشقة والحاجة والضرورة , وعليه فلا يدخل المانع في العذر كالحيض مثلاً لأن إسقاط الصلاة عن الحائض لا يسمى رخصة لأن الحيض مانع .
ويخرج بهذا القيد - لعذر- بعض أنواع العزيمة كوجوب الصلاة والزكاة مثلاً فإن هذه الأحكام ثابتة على خلاف الدليل وهو الأصل إذ الأصل عدم التكليف ومع ذلك فلا تسمى رخصة .
وتنقسم الرخصة إلى أربعة أقسام وهى :-
(1)- الإيجاب .(2)- الندب .(3)- الإباحة .(4)- خلاف الأولى .
فالإيجاب مثالها أكل الميتة للمضطر إذا خاف على نفسه الهلاك , فإن هذا الحكم ثابت بدليل وهو قول الله تعالى {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ } , مع قوله تعالى {فَمَنْ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } وهذا الدليل يخالف الدليل على حرمة أكل الميتة وهو قول الله تعالى { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ } فوجوب أكل الميتة للمضطر رخصة لأنه ثابت بدليل على خلاف دليل آخر لعذر وهو الاضطرار.
وأما الندب والإباحة فيكون الكلام فيه كما في الكلام على الإيجاب ولكن مع اختلاف حكم الرخصة فقد تكون الرخصة للاستحباب أو تكون للإباحة .
وأما خلاف الأولى فمثاله الفطر في نهار رمضان للمسافر الذي لا يتضرر بالصوم ,فإن جواز الفطر - والحال هذه - ثابت بقوله تعالى { فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } , فهذا الدليل مخالف لدليل آخر وهو قوله تعالى { فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ } , وهذا مخالف لعذر وهو مشقة السفر , وإنما كان الفطر لمن لا يتضرر بالسفر خلاف الأولى لقوله تعالى {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } .

القسم الثاني العزيمة

وهى الحكم الثابت على وفق الدليل أو خلاف الدليل .
وتنقسم العزيمة إلى نوعين :-
النوع الأول )- أحكام ثابتة على وفق الدليل :- مثل إباحة الأكل والشرب والنوم فإن هذه الأحكام ونحوها جاءت على وفق الدليل , وهو الأصل في الأشياء الإباحة .
النوع الثاني )- أحكام ثابتة على خلاف الدليل ولكن لغير عذر :- ومثال ذلك وجوب الصلاة والزكاة والصوم وغيرها من التكاليف الأخرى فإن هذه الأحكام جاءت على خلاف الدليل وهو أن الأصل عدم التكليف , ولكن هذه المخالفة كانت للابتلاء ولم تكن لعذر المشقة ونحوها .

مصادر الاستدلال

تمهيد

اتفق أهل السنة على أن الأدلة المعتبرة شرعاً هي الكتاب , والسنة , والإجماع , والقياس , وهذه الأدلة الأربعة متفقة لا تختلف إذ يوافق بعضها بعضاً ويصدق بعضها بعضاً لأن الجميع حق , والحق لا يتناقض , كما أن جميع هذه الأدلة ترجع إلى الكتاب .
فالكتاب دل على حجية السنة , والكتاب والسنة دلا على حجية الإجماع , وهذه الأدلة الثلاثة دلت على حجية القياس , لذلك يصح أن يقال إن مصدر هذه الأدلة هو القرآن , باعتبار أنه ماعداه بيان له وفرع عنه ومستند إليه .
وهناك أدلة اختلف العلماء عليها وهى, قول الصحابي , و شرع من قبلنا ,والعرف ,والاستحسان , و المصالح المرسلة .
وسوف نقوم إن شاء الله ببيان هذه الأدلة وما هو الدليل على أنها من مصادر الاستدلال , وما هي أقسامها وشروط الاستدلال بها .

الأدلة المتفق عليها

الكتاب - السنة - الإجماع - القياس


أولا:الكتاب

س1)- ما هو تعريف الكتاب ؟
الكتاب هو القرآن لقوله تعالى { وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنْ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ قَالُوا يَاقَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ } ,ويمكن تعريف القرآن بأنه كلام الله عز وجل حقيقة حروفه ومعانيه , ليس كلامه الحروف دون المعانى ولا المعانى دون الحروف , تكلم الله به قولاًوأنزله على نبيه وحياً وآمن به المؤمنون حقاً, وهو كتاب الله تعالى الذى جعله آية باهرة,ومعجزة قاهرة , وحجة باقية إلى قيام الساعة , وقد تكفل الله سبحانه وتعالى القرآن من التبديل و التحريف فقال جل شأنه {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}الحجر9, نزل به الروح ا لأمين جبريل عليه السلام على النبى الأمى محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم بلفظه ومعناه.
وقد انعقد الإجماع على أن القرآن نزل على النبى صلى الله عليه وسلم بواسطة جبريل عليه السلام فى اليقظة ولم ينزل منه شى فى المنام, وهذا لا يعنى أن طرق الوحى الأخرى يعتريها اللبس أو يلحقها الشك , فالوحى بجميع أنواعه فى اليقظة أو فى المنام يصاحبها علم يقينى بأنه من عند الله سبحانه وتعالى .
ومن هذا التعريف نستنتج الآتي :-
1)- أن القرآن كلام الله حقيقة هو اللفظ والمعنى جميعاً قال الله تعالى { وَإِنْ أَحَدٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ } .
2)- أن القرآن منزل من عند الله نزل به جبريل عليه السلام على محمد صلى الله عليه وسلام قال تعالى { نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنْ الْمُنذِرِينَ } .
3)- القرآن معجزاً أي أن القرآن معجزته من عند الله تعالى أما الحديث النبوي والحديث القدسي فهو ليس كذلك .

س2)- هل القرآن كله نزل باللغة العربية ؟
يمتاز القرآن الكريم عن بقية الكتب السماوية الأخرى (( التوراة و الإنجيل وغيرهما )) بأنه نزل باللغة العربية قال الله تعالى { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ } وقوله تعالى { وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنْ الْمُنذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ } وقوله تعالى { وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا } .وبمقتضى هذه الخاصية فإن ما ترجم من القرآن إلى غير اللغة العربية لا يسمى قرآناً وبالتالي لا يصح الاعتماد عليه في استنباط الأحكام الشرعية سواء كانت الترجمة حرفية أو غير حرفية .

س3)- هناك بعض الكلمات الأعجمية في القرآن مثل المشكاة و غيرها من الألفاظ الأعجمية فما جوابكم على ذلك ؟
أن وجود بعض الكلمات الأعجمية في القرآن مثل كلمة ((مِشْكَاةٍ )) في قوله تعالى {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ } , وكلمة ((الْقِسْطَاسِ )) في قوله تعالى {وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ } , وكلمة ((قَسْوَرَةٍ )) في قول الله تعالى {فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ } .
يمكن الجواب عنها بعدة وجوه :-
1)- أن هذه الألفاظ إنما هي عربية ولكن قد يجهل بعض الناس كونها ألفاظا عربية , وذلك إن لسان العرب أوسع الألسنة مذهباً و أكثرها ألفاظا ولا يحيط بجميع ألفاظها إنسان غير نبي .
2)- إنه لا يمتنع أن تكون هذه الألفاظ أعجمية وعربية وإن لها معنى في كل لغة فمن نسبها إلى العربية فهو محق ومن نسبها إلى غيرها فهو محقاً كذلك .
3)- ويمكن أن يقال إن هذه الألفاظ اصلها غير عربي ثم عربتها العرب واستعملتها فصارت من لسانها وإن كان اصلها أعجميا .

س4)- ما معنى المحكم والمتشابه في القرآن الكريم ؟
لقد ورد وصف القرآن إنه كله محكم فقال تعالى { الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ } , بمعنى أنه متقن غاية الإتقان في أحكامه وألفاظه ومعانيه , فهو غاية في الفصاحة والأعجاز .
كما ورد وصفه أنه متشابه قال تعالى { اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا } , بمعنى أن آياته تشبه بعضها بعضاً في الأعجاز والصدق والعدل .
وورد أيضا من أن القرآن منه ما هو محكم ومنه ما هو متشابه قال الله تعالى { هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُوْلُوا الْأَلْبَابِ } , وقد ذهب بعض السلف إلى أن المحكم هو ما لم يحتمل من التأويل غير وجه واحد والمتشابه ما احتمل من التأويل أكثر من وجه , وذهب بعضهم إلى أن المحكم ما اتضح معناه والمتشابه ما لم يتضح معناه وغيرها من الأقوال . ولكن كانت طريقتهم في التعامل مع المحكم والمتشابه متفقه وقالوا الواجب أن يرد المتشابه إلى المحكم ,كما قالوا إن القرآن ليس فيه ما لا معنى له , كما اتفقوا على أن جميع ما في القرآن يفهم معناه ويمكن تدبره وإنه ليس في القرآن مالا يمكن أن يعلم معناه أحد .

س5)- ما هي دلالة القرآن على الأحكام ؟
للقرآن الكريم جانبان :- جانب ثبوت وجانب الدلالة .
إما من حيث الثبوت فقد اتضح مما سبق أن القرآن كله متواتر ثابت , وإما من حيث دلالة على الأحكام فإنه قد يكون إما قطعي الدلالة , وإما ظني الدلالة .

س6)- ما معنى أن يكون القرآن قطعي الدلالة وما معنى أن يكون ظني الدلالة ؟ قد يكون القرآن قطعي الدلالة , وقد يكون ظني الدلالة .
ومعنى قطعي الدلالة أن لا يحتمل اللفظ إلا معنى واحداً فيتعين حمله عليه ومن أمثلة ذلك .
1)- آيات المواريث
ومنها قوله تعالى { وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمْ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوْ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ }
فإن النصف والربع والثمن والثلث و السدس مقادير محدودة لا تحتمل أكثر من معنى واحد ولا مجال فيها للرأي والاجتهاد .
2)- آيات الحدود
ومنها قوله تعالى { الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ } , وقوله تعالى { وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ } .
فإن المائة والثمانين ومثلهما ليس لها سوى معنى واحد وليس للاجتهاد فيها مجال .
ومعنى أن يكون ظني الدلالة هو أن يحتمل هذا الحكم ويحتمل غيره ( أي أن اللفظ يحتمل عدة معاني) ومن أمثلة ذلك , قول الله تعالى { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمْ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنْ الرَّضَاعَةِ } ,فإن الإرضاع يحتمل أن يكون المرة الواحدة , ويحتمل المرات المتعددة , ولذلك اختلف الفقهاء في القدر المحرم من الرضاع فدلالة الآية على أن الرضاع مرة واحده محرم دلالة ظنية .
هذا وقد يكون النص الواحد من القرآن قطعي الدلالة باعتبار وظني باعتبار آخر .
ومثال ذلك قوله تعالى { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ } , فإن دلالة هذه الآية على أصل المسح قطعية , ودلالتها على القدر المطلوب مسحه من الرأس ظنية , ولذلك اتفق الفقهاء على أن مسح الرأس في الوضوء مطلوب واختلفوا في القدر المطلوب مسحه .

س7)- هل في القرآن مجاز ؟
المجاز هو اللفظ المستعمل في غير موضوعه على وجه يصح , كاستعمال لفظ (( أسد )) في الرجل الشجاع.
وقد اختلف العلماء في المجاز في القرآن .
فقال فريق من العلماء لا مجاز في القرآن , قال ابن القيم المجاز طاغوت .
وقال فريق آخر بان المجاز جائز في القران ولكن على النحو الآتي :-
يقع المجاز في القرآن كما في قوله تعالى { وَاسْأَلْهُمْ عَنْ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ }
فبداء الأمر بمسألتهم عن القرية الحاضرة البحر إنما أراد به أهل القرية , لأن القرية لا تكون عادية ولا فاسقة بالعدوان في السبت ولا غيره , وإنه إنما أراد بالعدوان أهل القرية الذين بلاهم بما كانوا يفسقون .
وعلى هذا يجب من وجود قرينة من إثبات المجاز .
أما في آيات الصفات فلا مجاز ويجب حملها على حقيقتها .

ثانياً:السنة

س1)- عرف السنة ؟
السنة في اللغة هي الطريقة والسيرة , حميدة كانت أو ذميمة , قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ كُتِبَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا وَلَا يَنْقُصُ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ كُتِبَ عَلَيْهِ مِثْلُ وِزْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا وَلَا يَنْقُصُ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ } مسلم
أما في الاصطلاح , هي ماصدر عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غير القرآن , وهذا يشمل قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفعله وتقريره وكتابته وإشارته وهمه وتركه .
مثال للسنة القولية قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ} البخاري .
ومثال السنة الفعلية , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَالِكٍ ابْنِ بُحَيْنَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { كَانَ إِذَا صَلَّى فَرَّجَ بَيْنَ يَدَيْهِ حَتَّى يَبْدُوَ بَيَاضُ إِبْطَيْهِ} البخاري .
ومثال السنة التقريرية , قوله صلى الله عليه وسلم للجارية { أَيْنَ اللَّهُ قَالَتْ فِي السَّمَاءِ قَالَ مَنْ أَنَا قَالَتْ أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ قَالَ أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ} مسلم , فأقرها الرسول صلى الله عليه وسلم على ذلك .
ومثال كتابته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , عن عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَخْبَرَهُ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إِلَى قَيْصَرَ وَقَالَ فَإِنْ تَوَلَّيْتَ فَإِنَّ عَلَيْكَ إِثْمَ الْأَرِيسِيِّينَ } البخاري .
ومثال إشارته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ { صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِهِ وَهُوَ شَاكٍ فَصَلَّى جَالِسًا وَصَلَّى وَرَاءَهُ قَوْمٌ قِيَامًا فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ أَنْ اجْلِسُوا فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا} البخاري
ومثال همه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِالصَّلَاةِ فَتُقَامَ ثُمَّ أُخَالِفَ إِلَى مَنَازِلِ قَوْمٍ لَا يَشْهَدُونَ الصَّلَاةَ فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ} البخاري .
والمقصود بالترك , هو تركه صلى الله عليه وسلم فعل أمر من الأمور , وهى أنواع .
منها التصريح من الصحابة بأنه صلى الله عليه وسلم ترك كذا , أو لم يفعل كذا , كقول الصحابي في صلاة الْعِيدَ , عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { صَلَّى الْعِيدَ بِلَا أَذَانٍ وَلَا إِقَامَةٍ } .
ومنها عدم نقل الصحابة للفعل الذي لو فعله صلى الله عليه وسلم لنقلوه إلينا , مثال ترك النبي صلى الله عليه وسلم التلفظ بالنية عند دخوله في الصلاة .
وهذه الأنواع السابقة (( القولية , والفعلية , والتقريرية , والكتابية , والإشارية , والهمية , والتركية)) قد يدخل بعضها في بعض , فيدخل كل من الكتابة و الإشارة والهم والترك في الفعل .

س2)- ما الذي يدل عليه فعل النبي صلى الله عليه وسلم ؟
يمكن تصنيف أفعال النبي صلى الله عليه وسلم على النحو الآتي :-
1)- أفعال جبليه تصدر عنه بحكم الطبيعة كإنسان , وذلك مثل المشي والأكل والشرب والنوم ونحو ذلك وهذا القسم مباح , لأن ذلك لم يقصد به التشريع , لكن لو تأسى به متأسي فلا باس من ذلك ويثاب على قصد التأسي , كما ورد عَنْ عُبَيْدِ بْنِ جُرَيْجٍ أَنَّهُ قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا رَأَيْتُكَ تَصْنَعُ أَرْبَعًا لَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِكَ يَصْنَعُهَا قَالَ مَا هِيَ يَا ابْنَ جُرَيْجٍ قَالَ { رَأَيْتُكَ لَا تَمَسُّ مِنْ الْأَرْكَانِ إِلَّا الْيَمَانِيَيْنِ وَرَأَيْتُكَ تَلْبَسُ النِّعَالَ السِّبْتِيَّةَ وَرَأَيْتُكَ تَصْبُغُ بِالصُّفْرَةِ وَرَأَيْتُكَ إِذَا كُنْتَ بِمَكَّةَ أَهَلَّ النَّاسُ إِذَا رَأَوْا الْهِلَالَ وَلَمْ تُهِلَّ أَنْتَ حَتَّى كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ أَمَّا الْأَرْكَانُ فَإِنِّي لَمْ أَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمَسُّ إِلَّا الْيَمَانِيَيْنِ وَأَمَّا النِّعَالُ السِّبْتِيَّةُ فَإِنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلْبَسُ النِّعَالَ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا شَعَرٌ وَيَتَوَضَّأُ فِيهَا فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَلْبَسَهَا وَأَمَّا الصُّفْرَةُ فَإِنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْبُغُ بِهَا فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَصْبُغَ بِهَا وَأَمَّا الْإِهْلَالُ فَإِنِّي لَمْ أَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُهِلُّ حَتَّى تَنْبَعِثَ بِهِ رَاحِلَتُهُ } البخاري.
كما ورد عن الإمام أحمد أنه اختفى ثلاثة أيام ثم انتقل إلى موضع آخر اقتداء بفعل النبي صلى الله عليه وسلم في اختفائه في الغار ثلاثة أيام وقال : ما بلغني حديث إلا عملت به حتى أعطي الحجام ديناراً .
2)- أفعال خاصة به صلى الله عليه وسلم , واختصاصيتها ثابت بدليل , كالجمع بين تسع نسوة وهذا القسم يحرم فيه التأسي به .
3)- أفعال يقصد بها لبيان التشريع كأفعال الصلاة والحج وغيرهما , وحكم هذا القسم تابع لما بينه فإن كان المبين واجباً كان الفعل المبين له واجباً وإن كان مندوباً فمندوب .

س3)- ما هي الأدلة على وجوب اتباع السنة ؟
أولاً )- القرآن :-
•الأمر بطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى { قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ } .
•ترتب الوعيد على من يخالف أمر النبي صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى { فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }
•الأمر بالرد إلى الرسول صلى الله عليه وسلم { فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا } , وغيرها من الأدلة على وجوب اتباع السنة .
ثانياً )- السنة :-
َقولهَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ{ أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإِنْ كَانَ عَبْدًا حَبَشِيًّا فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي فَسَيَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسَنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ وَإِيَّاكُمْ وَالْمُحْدَثَاتِ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ و قَالَ أَبُو عَاصِمٍ مَرَّةً وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ فَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ } , وقَولهَِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { دَعُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِسُؤَالِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ فَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ }البخاري.

س4)- ما هي علاقة السنة بالقرآن الكريم ؟
1)- التأكيد :- وتسمى السنة المؤكدة وهى الموافقة للقرآن من كل وجه , ومن أمثلة ذلك قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {ُ لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ إِلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ } , فإن الحديث يؤكد النهى في قوله جل وعلا { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ } .

2)- البيان :- وتسمى السنة المبينة أو المفسرة لما أجمل في القرآن , كما هو الحال في الصلاة فإن القرآن أمر بها على وجه الإجمال ثم جاءت السنة لبيان أوقاتها وشروطها وموانعها , وكذلك الحال في الزكاة والصيام والحج وغير ذلك من كل ما جاء مجملاً في القرآن ثم تولت السنة شرحه وإيضاحه , ومنها (( السنة البيانية)) تخصيص ما ورد عاماً في القرآن وتقييد ما أطلق في القرآن .
3)- السنة الاستقلالية :- أو الزائدة على ما في القرآن , ومن أمثلة ذلك تحريم الجمع بين المرأة وعمتها أو
خالتها في عصمة واحدة فإن ذلك الحكم لم ينص عليه في القرآن وإنما بينة ذلك السنة وذلك لما يترتب عليه من العداوة والبغضاء بين ذوى الأرحام , وغير ذلك من الأحكام التي استقلت بها السنة عن القرآن .

ثالثاً : الإجماع

س1)- عرف الإجماع ؟
يعرف الإجماع اصطلاحاً بأنه اتفاق مجتهدي هذه الأمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم على حكم شرعي.
شرح التعريف
1)- اتفاق :- خرج به الاختلاف ولو من واحد فإذا خلاف ولو واحد فلا ينعقد الإجماع .
2)- مجتهدى :- خرج به العوام والمقلدون فلا يعتبر وفاقهم ولا خلافهم .
3)- هذه الأمة :- خرج به إجماع غير هذه الأمة فلا عبرة بإجماعهم .
4)- بعد النبي صلى الله عليه وسلم :- خرج به اتفاقهم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فلا يعتبر إجماعا لأن قول الصحابي كنا نفعل أو كانوا يفعلون كذا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم يكون مرفوع حكماً لا نقلاً للإجماع .
5)- على حكم شرعي :- خرج به اتفاقهم على حكم غير شرعي فلا دخل له هنا .





رد مع اقتباس
قديم 05-27-2010, 03:30 PM   رقم المشاركة : 2
الكاتب

OM_SULTAN

المشرف العام

OM_SULTAN غير متواجد حالياً


الملف الشخصي








OM_SULTAN غير متواجد حالياً


رد: ٍاصول الفقه في سؤال وجواب

س2)- ما هي أنواع الإجماع ؟


يمكن تقسيم الإجماع باعتبارين هما :-

أولاً باعتبار ذاته

وينقسم إلى :-
1)- الإجماع القولى :- وهو أن يتفق قول الجميع على حكم , بأن يقول الجميع مثلاً (( هذا حرام , أو هذا حلال )) .
2)- الإجماع العملي :- وهو أن يتعامل المجتهدون جميعاً في عصر ما بنوع من المعاملة كأن يتعاملوا بالتجارة مثلاً فإن عملهم هذا يدل على أن ما عملوه مشروع ويفيد جوازه .
3)- إجماع السكوت :- وهو أن يشتهر القول أو الفعل من البعض فيسكت الباقون عن إنكاره .
وقد اختلف العلماء على حجية إجماع السكوت فبعضهم اعتبره حجة والبعض الآخر لم يعتبره حجة وسبب الخلاف هو أن السكوت محتمل للرضا وعدمه ,
فمن رجح جانب الرضا وجزم به قال إنه حجة , ومن رجح جانب المخالفة وجزم به قال إنه لا يكون حجة .
لذلك لا يمكن إطلاق الحكم على إجماع السكوت بل لا بد من النظر في القرائن وأحوال الساكتين وملابسات المقام .

ثانياً باعتبار قوته

وينقسم إلى :-
1)- القطعي :- وهو ما يعلم وقوعه من الأمة بالضرورة كالإجماع على وجوب الصلوات الخمس وتحريم الزنى , وهذا النوع لا أحد ينكر ثبوته ولا كونه حجة , ويكفر مخالفة إذا كان ممن لا يجهله .
2)- الظني :- وهو ما لا يعلم إلا بالتبليغ والاستقراء وقد اختلف العلماء في إمكانية ثبوته , وأصح الأقوال ما قاله شيخ الإسلام ابن تيميه وهو أن الإجماع الذي ينضبط هو إجماع السلف الصالح وهم الصحابة والتابعون وتابع التابعون (( أي القرون الثلاثة المفضلة )) إذ بعدهم كثرت الاختلافات وانتشرت الأمة .

س3)- ما هي الأدلة على وحجية الإجماع ؟
قول الله تعالى { وَمَنْ يُشَاقِقْ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا } , ووجه الدلالة بهذه الآية أن الله توعد من يتبع غير سبيل المؤمنين بالعذاب الشديد , ولا يكون هذا الوعيد إلا على شيء محرم , فيكون اتباع سبيل غير المؤمنين محرماً , ويلزم من وجوب اتباع سبيل المؤمنين حجية الإجماع إذ المراد بسبيل المؤمنين ما يختارونه من قول أو فعل أو اعتقاد .
وقوله تعالى {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا }
ووجه دلالة هذه الآية أن الله امتدح هذه الأمة بأن جعلها خياراً , ولا يحسن هذا المدح إلا إذا كانوا على صواب , والصواب يجب اتباعه , وهو يدل على حجية الإجماع .
وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمََ { لَا يَجْمَعَ أُمَّتِي عَلَى ضَلَالَةٍ }
رابعاً : القياس وأنواعه

تعريف القياس

س1)- عرف القياس ؟
القياس هو حمل فرع على أصل في حكم لعلة جامعة بينهما .
ومن هذا التعريف نستنتج أن للقياس أربعة أركان هي :-
الركن الأول الأصل
وهو المحل الذي ثبت فيه الحكم , ويسمى المقيس عليه , والمشبه به , والملحق به
الركن الثاني الفرع
وهو المحل الذي لم يرد فيه نص , ويراد معرفة حكمه , ويسمى المقيس , والمشبه , والملحق .
الركن الثالث حكم الأصل
وهو الحكم الشرعي الثابت للأصل بالكتاب أو السنة أو إجماع , أما حكم الفرع فلا يعتبر ركناً لأن حكم الفرع ليس جزءاً من ماهية القياس , وإنما هو ثمرة القياس ونتجته , لأن ظهوره للمجتهد متأخر عن حكم الأصل , فهو لم يظهر له إلا بعد عملية القياس , والركن لا يتأخر عن الماهية .
الركن الرابع العلة
وهى الوصف الذي شرع الله من أجله حكم الأصل ووجده المجتهد في الفرع أيضا .
واليكم هذا المثال الذي يبين هذه الأركان الأربعة :-
وهو قوله صلى الله عليه وسلم { الْقَاتِلُ لَا يَرِثُ } فهذا الحديث يدل دلالة واضحة على أن الوارث إذا قتل موروثه ظلماً وعدواناً فإنه لا يرثه , فحرمان الوارث القاتل من الميراث حكم شرعي , فإذا بحث المجتهد عن علة هذا الحكم فإنه يجد إنها القتل المحرم , وحيثما وجدت هذه العلة غلب على ظنه وجود الحكم معها , لأن الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً .
ولذلك إذا قتل الموصى له الموصى فانه يمنع من اخذ الوصية لوجود العلة وهى (( القتل غير المشروع )) .
•فقتل الوارث موروثه : هو الأصل المنصوص على حكمه .
•ومنع القاتل من الميراث : هو حكم الأصل .
•والقتل المحرم : هو علة الحكم .
•وقتل الموصى له الموصى : هو الفرع .

س2)- ما معنى كل من (( تنقيح المناط - تخريج المناط - تحقيق المناط )) عند الأصوليين ؟

تنقيح المناط

معنى تنقيح المناط تخليصه من كل ما ليس له دخل في العلية , ويكون ذلك عندما تكون العلة منصوصاً عليها وتكون مشتملة على أوصاف متعددة ولم يوجد ما يعين أحد هذه الأوصاف للعلية .
واليكم هذا المثال الذي يبين هذا :-
قصة الأعرابي الذي جاء فزعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم واخبره بأنه جامع زوجته في نهار رمضان عمداً فأوجب عليه النبي صلى الله عليه وسلم الكفارة .
فإيجاب الكفارة حكم شرعي على الأعرابي , والذي وقع فيه الأعرابي أمور متعددة هي :-
(1)- الوقاع . (2)- كونه من الأعراب . (3)- كونه في زوجته . (4)- كونه في رمضان معين . (5)- كونه في نهار رمضان متعمداً .
فلكي يصل المجتهد إلى معرفة العلة التي أنيط بها هذا الحكم عليه أن ينقح هذه الأوصاف ويخلصها من كل مالا يصلح لأن يكون علة .
وبالبحث يتضح له أنه لا يصح واحد من تلك الأوصاف أن تكون علة لوجوب الكفارة سوى واحد , وهى الوقاع في نهار رمضان عمداً , وبذلك يتعين أن يكون هذا الوصف هو مناط الحكم الذي هو إيجاب الكفارة , غير أن الفقهاء اختلفوا في أن علة إيجاب الوقاع عمداً في نهار رمضان للكفارة , هل هو لخصوصية فيه فلا يجب في غيره بالأكل ونحوه عمداً ؟ أم إنه إنما كان علة لما فيه من انتهاك حرمة الشهر وعليه فإن الكفارة تجب في ما وجد الانتهاك ؟

تخريج المناط

هو الاجتهاد في استخراج علة الحكم المنصوص عليه , ولم تثبت علته بنص ولا إجماع , ويتم تخريج المناط بأي مسلك من مسالك العلة عدا النص والإجماع .
واليكم هذا المثال الذي يبين هذا :-
إذا ورد نص بتحريم الخمر , ولم تثبت علته بنص ولا إجماع , فإن المجتهد سيبحث عن علة التحريم , وهذا البحث يسمى تخريج المناط .
فتخريج المناط إذاً هو استنباط علة لحكم شرعي ورد به النص ولم يكن هناك نص ولا إجماع يثبت علته .

تحقيق المناط

هو البحث لغرض إثبات علة الحكم المنصوص عليه في واقعة لم ينص على حكمها .
واليكم هذه الأمثلة:-
المثال الأول )- ورد النص بان علة اعتزال النساء في المحيض هو الأذى بقوله تعالى { وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ } , فينظر المجتهد في تحقيق الأذى في النفاس , فإذا ما تحقق ثبت الحكم المنصوص عليه .
المثال الثاني )- ثبت أن علة تحريم الخمر هي الإسكار , فإذا ما أرد المجتهد أن يعرف حكم شرب النبيذ , فعليه أن يثبت أنه مسكر , فمتى ما اثبت هذه العلة ظهر الحكم .

س3)- لقد دل الكتاب والسنة وأقوال الصحابة على أن القياس أحد الأدلة التي تثبت
بها الأحكام الشرعية . اذكر هذه الأدلة ؟


الكتاب

•قوله تعالى { اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ } , والميزان ما توزن به الأمور ويقاس به بينها .
•وقوله تعالى { كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ } , فشبه الله تعالى إعادة الخلق بابتدائه .
•وقوله { وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ } , فشبه إحياء الأموات بإحياء الأرض وهذا هو القياس .

السنة

•عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ جَاءَتْ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ نَذْرٍ أَفَأَصُومُ عَنْهَا قَالَ { أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْنٌ فَقَضَيْتِيهِ أَكَانَ يُؤَدِّي ذَلِكِ عَنْهَا قَالَتْ نَعَمْ قَالَ فَصُومِي عَنْ أُمِّكِ } مسلم , ووجه الدلالة هي أن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قاس دين الله تعالى على دين الآدمي .
•عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَهُ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ امْرَأَتِي وَلَدَتْ غُلَامًا أَسْوَدَ فَقَالَ { هَلْ لَكَ مِنْ إِبِلٍ قَالَ نَعَمْ قَالَ مَا أَلْوَانُهَا قَالَ حُمْرٌ قَالَ هَلْ فِيهَا مِنْ أَوْرَقَ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَأَنَّى كَانَ ذَلِكَ قَالَ أُرَاهُ عِرْقٌ نَزَعَهُ قَالَ فَلَعَلَّ ابْنَكَ هَذَا نَزَعَهُ عِرْقٌ } البخاري , فهذا قياس مقنع لان البشر كالإبل في هذه الناحية فلا فرق .
وقد استعمل الصحابة القياس ومنها ما ذكر عن عمر بن الخطاب في كتابه إلى موسى الأشعري في القضاء .

أنواع القياس

س4)- ما هي أنواع القياس ؟
يمكن تقسيم القياس إلى ثلاثة أقسام بثلاثة اعتبارات وهى :-


باعتبار قوته وضعفه

ينقسم القياس باعتبار قوته وضعفه إلى قسمين هما :-

1)- قياس جلي :- وهو ما ثبتت علته بنص أو إجماع أو كان مقطوعاً فيه بنفي الفارق بين الأصل والفرع
من هذا التعريف يتضح أن العلة يجب أن تكون ثابتة بأحد الأمور الآتية :-
•النص وهو الكتاب والسنة .
•إجماع العلماء على أن هذه هي العلة , لأن الإجماع سبقا لنا أنه حجة ودليل شرعي فإذا اجمع العلماء على أن هذه العلة لهذا الحكم صارت كالعلة التي نص عليها الشارع .
•ما يقطع فيه (( أي يعلم علم اليقين أنه لا فرق بين الأصل والفرع )) .
واليكم هذا الأمثلة لهذه الأنواع الثلاثة :-
أولاً )- ما ثبتت علته بالنص :- وهو قياس المنع من الاستجمار بالدم النجس إلحاقاً على المنع من الاستجمار بالروثة , فإن علة حكم الأصل ثابتة بنص الدليل وهو حديث عبدا لله رضي الله عنه قال {أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يتبرز فقال ائتني بثلاثة أحجار فوجدت له حجرين وروثه حمار فامسك الحجرين وطرح الروثه وقال :-هي رجس }صححه الألباني , والرجس هي النجس .
ثانياً )- ما ثبتت علته بالإجماع :- وهو نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يقضى القاضي وهو غضبان , فإن قياس منع الحاقن من القضاء على منع الغضبان ثبتت علته بالإجماع وهي تشويش الفكر وانشغال القلب
ثالثاً )- ما كان مقطوع فيه بنفي الفارق بين الأصل والفرع :- ومثاله قياس تحريم إتلاف مال اليتيم بالبس على تحريم إتلافه بالأكل للقطع بنفي الفارق بينهما .
2)- القياس الخفي :- وهو ما ثبتت علته باستنباط ولم يقطع فيه بنفي الفارق بين الأصل والفرع .
ومثال ذلك قياس الأشنان على البر في تحريم الربا بجامع الكيل فإن التعليل بالكيل لم يثبت بنص ولا إجماع ولم يقطع فيه بنفي الفارق بين الأصل والفرع إذ من الجائز أن يفرق بينهما بأن البر مطعوم بخلاف الأشنان .

باعتبار إثبات أو نفي الحكم

ينقسم القياس باعتبار إثبات أو نفي الحكم إلى قسمين هما :-

1)- القياس الطردي :- وهو ما اقتضى إثبات الحكم في الفرع لثبوت علة الأصل فيه .
ومثال ذلك قوله صلى الله عليه وسلم { الْقَاتِلُ لَا يَرِثُ } فهذا الحديث يدل دلالة واضحة على أن الوارث إذا قتل موروثه ظلمـاً وعدواناً فإنه لا يرثه ولذلك إذا قتل الموصي له الموصي فإنه يمنع من أخذ الوصية لوجود العلة وهى (( القتل غير المشروع )) .
2)- القياس العكسي :- وهو إثبات نقيض حكم الأصل للفرع لوجود نقيض علة حكم الأصل فيه .
ومثال ذلك قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { وَفِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيَأتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكُونُ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ قَالَ أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي حَرَامٍ أَكَانَ عَلَيْهِ فِيهَا وِزْرٌ فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلَالِ كَانَ لَهُ أَجْرًا } مسلم .
فاثبت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للفرع وهو الوطء الحلال نقيض علة الأصل وهو الوطء الحرام لوجود نقيض علة حكم الأصل فيه , وإثبات للفرع أجراً لأنه وطء حلال كما أن الأصل وزراً لأنه وطء حرام .

باعتبار صحته وبطلانه

ينقسم القياس باعتبار صحته وفساده إلى ثلاثة أقسام هي :-

1)- القياس الصحيح :- وهو ما جاءت به الشريعة في الكتاب والسنة وهو الجمع بين المتماثلين ((أن تكون العلة موجودة في الفرع من غير معارض يمنع حكمها)) .
2)- القياس الفاسد :- وهو كل قياس دل النص على فساده , وكل من الحق منصوصاً بمنصوص يخالف حكمه فقياسه فاسد .
3)- قياس الشبه (( القياس المتردد فيه بين الصحة والفساد )):- وهو أن يتردد فرع بين أصلين مختلفي الحكم وفيه شبه بكل منهما , فيلحق بأكثرهما شبهاً به .
ومثال ذلك العبد هل يملك بالتمليك قياساً على الحر أو لا يملك قياساً على البهيمة ؟
إذا نظرنا إلى هذين الأصلين (( الحر والبهيمة )) وجدنا أن العبد متردد بينهما , فمن حيث أنه إنسان عاقل يثاب ويعاقب وينكح ويطلق يشبه الحر , ومن حيث أنه يباع ويرهن ويوقف ويوهب ويورث ويضمن بالقيمة ويتصرف فيه يشبه البهيمة , وقد وجد أنه من حيث التصرف المالي أكثر شبهاً بالبهيمة فالحق بها .


شروط الاستدلال بالأدلة المتفق عليها

س1)- ما هي شروط الاستدلال بالكتاب والسنة والإجماع والقياس ؟
سبق وأن عرفنا أن الكتاب والسنة والإجماع والقياس من الأدلة المتفق عليها , ولكن هناك شروطاً يجب مراعاتها عند الاستدلال بكل منها وهذه الشروط هي :-

شروط الاستدلال بالكتاب

صحت الاستدلال :- إن المستدل بالقرآن الكريم يحتاج إلى ثبوت دلالته على الحكم لأنه قد يستدل به مستدل ويكون هذا الدليل لا دلالة فيه على ما زعم .

شروط الاستدلال بالسنة
1)- صحت الدليل :-
وهى ثبوت سندها إلي النبي صلى الله عليه وسلم , لأن الأحاديث منها ما هو صحيح ومنها ما هو ضعيف .
2)- صحت الاستدلال :- لأن المستدل بالسنة يحتاج إلى ثبوت دلالته على الحكم كما هو الحال في القرآن الكريم .

شروط الاستدلال بالإجماع


1)- أن يثبت بطريق صحيح :- بأن يكون إما مشهوراً بين العلماء , أو ناقله ثقة واسع الاطلاع .
2)- ألا يسبقه خلاف مستقر :- فإن سبقه خلاف ولم يتراجع المخالف عن قوله فلا إجماع لأن الأقوال لا تبطل بموت قائليها , أما إن تراجع المخالف عن قوله ووفق ما اجمع عليه يكون إجماعاً لأن الخلاف لم يستقر .

شروط الاستدلال بالقياس

1)- أن لا يصادم دليلاً أقوى منه :- فلا اعتبار بقياس يصادم النص (( الكتاب والسنة )) أو الإجماع , ويسمى هذا القياس (( فاسد الاعتبار )) .
2)- أن يكون حكم الأصل ثابتاً بنص أو إجماع :- فإن كان ثابتاً بقياس لم يصح القياس عليه .
3)- أن يكون لحكم الأصل علة معلومة ليمكن الجمع بين الأصل والفرع فيها :- فإن كان حكم الأصل تعبدياً محضاً لم يصح القياس عليه .
4)- أن تكون العلة مشتملة على معنى مناسب للحكم يعلم من قواعد الشرع اعتباره :- ومثاله ما ثبتت علة بنص أو إجماع أو ما كان مقطوع فيه بنفي الفارق بين الأصل والفرع .
5)- أن تكون العلة موجودة في الفرع كوجودها في الأصل :- ومثال ذلك قوله صلى الله عليه وسلم { الْقَاتِلُ لَا يَرِثُ } فهذا الحديث يدل دلالة واضحة على أن الوارث إذا قتل موروثـه ظلمـاً وعدواناً فإنه لا يرثه ولذلك إذا قتل الموصي له الموصي فإنه يمنع من اخذ الوصية لوجود العلة في كلاً من الأصل والفرع وهى (( القتل غير المشروع )) .

الأدلة المختلف فيها

قول الصحابي - شرع من قبلنا- العرف - الاستحسان - المصالح المرسلة

أولا:قول الصحابي

س1)- عرف الصحابى ؟
الصحابي:- هو من اجتمع بالنبي صلى الله عليه وسلم أو راه مؤمناً به ومات على ذلك فيدخل فيه من ارتد ثم رجع إلى الإسلام .

س2)- هل قول الصحابي حجة ؟
اتفق العلماء على أن :-
1]

- قول الصحابى (( الذى لم يعرف بالأخذ عن أهل الكتاب )) قولاً لا مجال للاجتهاد فيه ولا يتعلق ببيان لغةأو شرح غريب.
2]- فعل الصحابى إذ لم يكن من قبيل الرأي .
له حكم الرفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم ويعتبر من السنة التى يجب اتباعها .
واختلفوا في قول الصحابي الذي ليس له حكم الرفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم هل هو حجة أم لا على قولين فمنهم من قال إنه حجة وعلل ذلك بأن الصحابة أقرب إلى الصواب , لكونهم شاهدوا النبي صلى الله عليه وسلم وعرفوا من أقواله وأفعاله وأحواله ما لم يعرفه أحد , ولأنهم أخلص لله نية وأبعد عن الهوى , ولأنهم خير هذه الأمة بشهادة النبي صلى الله عليه وسلم لقوله {خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ } البخاري . ولأنهم مقدمون على غيرهم في كتاب الله تعالى قال تعالى{ وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ } , وهذا يدل على أن لهم قولاً متبوعاً , فهذه الوجوه تدل على أن قول الصحابة حجة .
وقال البعض إنه لا حجة إلا فيما قاله الله ورسوله صلى الله عليه وسلم لأن الله تعالى قال {لِأَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ } , وقال تعالى {مَنْ يُطِعْ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا } , وقال تعالى { وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا } , ومعلوم أننا لو اتبعاً الصحابة لكنا أطعنا غير الرسول صلى الله عليه وسلم , أخذنا بغير ما قال الرسول صلى الله عليه وسلم , وهذا لادليل على وجوبه , وما ذكر من الأوصاف السابقة في الصحابة فنحن نؤمن بها لكن هذا لا يقتضي أن يكون ما قالوه مما لم يرد به نص حجة يجب اتباعها .
س3)- ما هو القول الراجح في حجية قول الصحابي ؟
يمكن تقسيم حجية أقوال الصحابة إلى ثلاثة أقسام حسب اختلاف أحوالهم :-
القسم الأول :- من نص الشرع على أن أقوالهم حجة فهذا واضح في أن قولهم حجة بنص الشرع .
ومثل ذلك :-
•قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { اقْتَدُوا بِاللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ } .فهذا نص في أن قولهما حجة لأنه قال اقْتَدُوا بِاللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي , وهذا لايعني أن الاقتداء بهما فيما فعلاه من سنته صلى الله عليه وسلم , إذ لو كان هذا هو المعنى لكان الحديث عديم الفائدة , لأن الاقتداء بمن أخذ بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم أمر مأمور به ولو كان الذي اقتدى به من القرن السابع أو العاشر .
•وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { َإِنْ يُطِيعُوا أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ يَرْشُدُوا } البخاري .وهذا الحديث صريح في الاقتداء بهما .
•وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسَنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ} , فهذا الحديث يدل على اتباع سنة الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واتباع سنة الخلفاء الراشدين من بعده .
القسم الثاني )- من عرفوا بالإمامة في الدين والفقه في العلم , فهؤلاء أيضا يعتبر قولهم حجة ولكن ليس مثل من نص الشرع على الاقتداء بهم.
القسم الثالث :- من لم يتصفوا بهذه الأوصاف السابقة (( القسم الأول والثاني )) . فقول هذا القسم من الصحابة ليس بحجة على القول الراجح .
وقول الصحابي الذي ذهب الأئمة إلى الاحتجاج به لا يكون مخالفاً للنص , فإذا خالف النص أخذ بالنص وترك قول الصحابي .
وهذا المثال يوضح ذلك :- كان على بن أبى طالب (( من القسم الأول )) , وابن عباس (( من القسم الثاني )) رضى الله عنهما يريان أن المرأة الحامل إذا توفى عنها زوجها اعتدت بأطول الأجلين (( الأشهر أو وضع الحمل )) فيقولان : إن وضعت قبل أربعة أشهر وعشرة أيام انتظرت حتى تتم أربعة أشهر وعشرة أيام , إن تم لها أربعة أشهر وعشرة أيام ولم تضع انتظرت حتى تضع. وقد خالف قولهما هذا النص وهو : {إن سبيعة الأسلمية نفست بعد موت زوجها بليال , فأذن لها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تتزوج}
أما إذا خالف قول الصحابي قول صحابي آخر نأخذ بالراجح منهما والراجح هو الأقرب إلى النص .

ثانياً:شرع من قبلنا

س1)- ما المراد بشرع من قبلنا ؟

المراد بشرع من قبلنا تلك الأحكام التي شرعها الله تعالى للأمم السابقة على لسان الأنبياء الذين أرسلهم الله إلى تلك الأمم , مثل سيدنا نوح وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم وعلى نبينا افضل الصلاة والتسليم .
ملاحظة :- إن المقصود من الأحكام الواردة فيما سبق هي تلك الأحكام التي قصها علينا القرآن الكريم أو جاءت على لسان الرسول صلى الله عليه وسلم , أما ماعدا ذلك من أحكام الشرائع السابقة فالإجماع منعقد على عدم العمل بها , ولذلك فلا يعمل بحكم ثبت بالتوراة أو الإنجيل ولم يرد ذكره في الكتاب ولا في السنة لأن كلاً من التوراة والإنجيل قد تعرضا للتحريف والتغيير .

س2)- هل يعتبر شرع من قبلنا شرعاً لنا أم لا ؟
للإجابة على هذا السؤال نقول إن أحكام من قبلنا تتنوع إلى ثلاثة أنواع :-
النوع الأول )- أحكام ورد في القرآن الكريم أو في السنة النبوية الشريفة ما يفيد إنها منسوخة بالنسبة لأمة محمد صلى الله عليه وسلم وهذه لا تعتبر شرعاً لنا باتفاق العلماء .
ومثال ذلك :- كان العاصي في شريعة موسى عليه السلام لا يكفر ذنبه إلا أن يقتل نفسه قال تعالى { وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمْ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ } , أما العاصي من أمة محمد صلى الله عليه وسلم فتكفيه التوبة الصادقة إلى الله تعالى ليكفر عن ذنبه .

النوع الثاني )- أحكام أقرتها الشريعة الإسلامية , ووافقت فيها الشرائع السابقة وإن اختلفت معها أحيانا في الشكل والكيفية , وقد اتفق العلماء على إنها شرعاً لنا .
مثل الصيام فإنه كان واجباً في الشرائع السابقة وقد أبقت الشريعة الإسلامية على هذا الحكم ,قال تعالى { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } , ولا شك إن كيفية أداة هذا الحكم تختلف في الشريعة الإسلامية عن الشرائع السابقة .
ومثال آخر وهو الأضحية فقد كانت مشروعة في ملة إبراهيم عليه السلام وقد أقرها الإسلام .
النوع الثالث )- أحكام قصها الله علينا في كتابه العزيز أو جاءت على لسان نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ولم يوجد في سياق النص أو في نص آخر ما يفيد أنها منسوخة عنا ولا ما يفيد أنها مقررة علينا .
وقد اختلف العلماء في الاحتجاج بها , فذهب الأكثر إلى أنها شرعاً لنا وهذا هو القول الراجح .

ثالثاً:العرف وأنواعه

س1)- ما المراد بالعرف ؟
يطلق العرف لغة على كل ما تعرفه النفس من الخير وتطمئن إليه , ويطلق أيضا على المعروف , وهو الخير والرفق والإحسان .
أما اصطلاحاً فهو ما اعتاد جمهور الناس وألفوه من فعل شاع بينهم أو لفظ تعارفوا إطلاقه على معنى خاص , بحيث لا يتبادر غيره عند سماعه .

س2)- ما الفرق بين العرف والعادة ؟
ذهب بعض الفقهاء إلى أنه لا فرق بين العادة والعرف , فهما لفظان مترادفان , وذهب المحققون منهم إلى أن العادة أعم من العرف لأنها تكون من الفرد ومن الجماعة , أما العرف فلا يكون إلا من جميع الناس أو أغلبهم .

س3)- ما الفرق بين العرف والإجماع ؟
قد يتبادر إلى الذهن أن العرف والإجماع شئ واحد , لأن كلاً منهما يتمثل في قول أو فعل طائفة من الناس , ولكن بشيء من التأمل في حقيقة كل واحد منهما ونوع الحكم المترتب عليه ومدى صلاحيته يتضح أن بينهما عدة فروق سواء من حيث الماهية أو من حيث قوة الحكم الثابت بهما , أو من حيث بقاء ذلك الحكم واستمراره .
ومن هذه الفروق ما يلي :-
1)- إن العرف يتحقق باتفاق أغلب الناس على قول أو فعل بغض النظر عن صفتهم , فهو يتحقق باتفاق المجتهدين وباتفاق غيرهم من الأميين والعوام .
أما الإجماع فلا يتحقق إلا باتفاق المجتهدين خاصة على حكم شرعي عملي , ولاعتداد باتفاق من سواهم
2)- إن العرف يتحقق باتفاق أغلب الناس ولا يتأثر بمخالفة بعضهم له .
أما الإجماع فلا يتحقق إلا باتفاق جميع المجتهدين , فإذا خالف مجتهد واحد في المسألة فإنه لا ينعقد .
3)- إن الحكم الثابت بالإجماع الصريح يكون كالحكم الثابت بالنص , فلا مجال فيه للاجتهاد , ولا يقبل التغيير بحال .
أما الحكم الثابت بالعرف فهو على خلاف ذلك .

أنواع العرف

س4)- ما هي أنواع العرف ؟
يمكن تقسيم العرف إلى ثلاثة أنواع بثلاثة اعتبارات وهى :-


النوع الأول )- القولي والعملي .
1)- العرف القولي :- وهو أن يتعارف جمهور الناس على إطلاق لفظ معين خاص بحيث إذا أطلق هذا اللفظ انصرف الذهن إلى ذلك المعنى المتعارف عليه دون حاجة إلى قرينة .
مثال ذلك :-
أ]- إطلاق لفظ الولد على الذكر دون الأنثى مع إنه في اللغة يشملهما معاً قال الله تعالى { يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ } .
ب]- إطلاق لفظ اللحم على ما عدا السمك مع إنه يسمى في اللغة لحماً يشهد لذلك قوله تعالى { وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا } , فقد سماه لحماً .
2)- العرف العملي :- وهو ما اعتاده جمهور الناس في تصرفاتهم , وساروا عليه في معاملاتهم .
مثال ذلك :-
تعارفهم على البيع بالتعاطي من غير صيغة لفظية بالإيجاب و القبول , وذلك بأن يدفع المشترى الثمن للبائع في السلع المعلومة الثمن , ويأخذ السلعة دون أن يقع منهما صيغة لفظية .
النوع الثاني )- العام والخاص .
1)- العرف العام :- وهو الذي يتعارفه أهل البلاد جميعاً في زمن من الأزمنة .
ومثال ذلك :-
تعارفهم على أن أجرة دخول الحمام لا تتعلق بمدة المكث فيه , ولا مقدار الماء المستهلك .
2)- العرف الخاص :- وهو ما كان سارياً في بعض البلدان دون باقيها , أو طائفة دون غيرها من الطوائف .
ومثال ذلك :-
تعارف أهل العراق على إطلاق لفظ الدابة على الفرس فقط .
النوع الثالث )- الصحيح والفاسد .
1)- العرف الصحيح :- وهو ما تعارف عليه الناس , وليس فيه مخلفة لنص ولا تفويت لمصلحة , ولا جلب لمفسدة .
ومثال ذلك :-
تعارف الناس على أن ما يقدمه الخاطب إلى خطيبته من ملابس ونحوها إنما هو هدية فقط وليس له علاقة بالمهر .
2)- العرف الفاسد :- وهو ما خالف نصاً شرعياً أو فوت مصلحة أو جلب مفسدة .
مثال ذلك :-
تعارف الناس على بعض العقود الربوية , وعلى بعض العادات المستنكرة التي تفعل في الأفراح والمآتم , ولا شك إن هذا النوع من العرف لا يلتفت إليه ولا يعول عليه , بل يجب محاربته والقضاء عليه .

س5)- هل يعتبر العرف حجة أم لا ؟
لا خلاف بين الفقهاء في أن العرف إذا كان مخالفاً لأدلة الشرع مناقضاً لحكمة وأهدافه , لا يعتد به بل يجب إلغاؤه , لأنه في بقائه من المفاسد ما يعلمها إلا الله , ولذلك فإن الشرع الحكيم قد ألغى جميع الأعراف الفاسدة الموجودة عند العرب قبل الإسلام مثل الطواف بالبيت عراة , ودفن البنات أحياءً , وحرمان النساء من الميراث , ونكاح الرهط , ونحو ذلك من الأعراف التي كانت قبل مجيء الإسلام .
ولا خلاف أيضا بينهم في أن العرف إذا كان صحيحاً بأن كان لا يخالف دليلاً من الأدلة الشرعية ولا قاعدة من قواعد الدين فإنه يجب الاعتداد به واعتباره .
أما إذا كان خاصاً فإنه محل خلاف بينهم , فقد ذهب فريق منهم إلى عدم الاعتداد به , وذهب فريق آخر إلى القول بوجوب الاعتماد عليه , وهذا هو القول الراجح الذي يدل عليه فعل النبي صلى الله عليه وسلم وفعل أصحابه من بعده .

س6)- ما هي شروط العمل بالعرف ؟

للعمل بالعرف شروطاً ثلاث يجب مراعاتها وهى :-
1)- أن يكون سابقاً أو مقروناً لإنشاء التصرف , فإذا حصل نزاع بين شخصين مثلاً في أي تصرف من التصرفات فإن العرف الذي يحكم به في هذا النزاع هو الموجود وقت النزاع , وبناءً على ذلك فلا يعتد بأي عرف طرأ بعد النزاع .
مثال ذلك :-
لو حلف شخص أن لا يأكل لحماً وكان عرف أهل البلد أن اللحم كل لحماً سوى السمك , فإذا ما تغير هذا العرف في هذه البلدة بعد ذلك واصبح يطلق على السمك لحماً , فإن هذا العرف المتغير لا يؤثر على هذا الشخص لأن اليمين سبق هذا العرف , وإنما يؤثر فيما يحدث بعده .
2)- أن لا يكون مخالفاً لشرط صريح , فإذا خالف العرف شرطاً صريحاً لا يعمل به .
مثال ذلك :-
إذا كان عرف أهل البلد تعجيل نصف الصداق وتأجيل النصف الآخر , واشترطت الزوجة على الزوج تعجيله كله وقبل هو هذا الشرط وجب عليه تعجيله كله , ولا يلتفت إلى العرف في هذه الحالة .
3)- أن لا يكون معطلاً لنص ولا مناقضاً لأصل شرعي فإذا كان هناك نص يمنع من فعل الشيء المتعارف عليه فإنه لا يعمل بهذا العرف .
ملاحظة :- إن السيمة المميزة للأحكام المستندة إلى العرف إنها غير ثابتة بل إنها تتغير بتغير العرف , وعلى هذا قد يتغير رأى الفقيه في القضية الواحدة بتغير العرف ويعبر الفقهاء عن هذا الاختلاف بأنه (( اختلاف عصر وزمان لا اختلاف حجة وبرهان )) .
ومثال ذلك :-
ما فعله الإمام الشافعي رحمة الله حينما جاء إلى مصر فإنه قد غير رأيه في كثير من الأحكام التي بناها على عرف أهل بغداد , وكان هذا التغير نتيجة حتمية لاعتبار عرف أهل مصر المخالف لعرف أهل بغداد .

رابعاً: الاستحسان

س1)- ما هو الاستحسان ؟
الاستحسان هو العدول بالمسألة عن حكم نظائرها إلى حكم آخر أقوى يقتضي هذا العدول .
شرح التعريف
من هذا التعريف يتضح أنه يوجد في المسألة دليلان إحداهما عام أو ظاهر والآخر خاص أو خفي وكان مقتضى هذا الظاهر إن هذه المسألة تأخذ حكم نظائرها بما دل عليه الدليل الظاهر , ولكن بعد التأمل وجد المجتهد أن الدليل الآخر أقوى و أوضح فعدل بها عن حكم نظائرها إلى حكم آخر , فهذا العدول هو المسمى بالاستحسان .

س2)- هل الاستحسان حجة أم لا ؟
ينسب إلى طائفة من الفقهاء القول بحجية الاستحسان والاعتماد عليه في إثبات الأحكام الشرعية , وينسب إلى طائفة أخر منهم القول بعدم الاحتجاج به , بل والتشنيع على من يحتج به .
ومن يقف على هذه الأقوال يتبادر إلى ذهنه أن مسألة الاستدلال بالاستحسان مسألة خلافية , ولكن بعد التدقيق يتضح أن للاستحسان نوعان هما :-
النوع الأول وهو الاستحسان الصحيح باتفاق العلماء .
وهو ترجيح دليل على دليل أو هو العمل بالدليل الأقوى أو الأبين , وهذا ما يعبر عنه الفقهاء ((العدول بحكم المسألة عن نظائرها لدليل خاص من الكتاب أو السنة )) .
النوع الثاني وهو الاستحسان الباطل باتفاق العلماء .
وهو ما استحسنه المجتهد بعقله دون استناد إلى شيء من أدلة الشريعة المعتبرة .
ومما سبق يتضح أن لفظ الاستحسان من الألفاظ المجملة فلا يصح الحكم عليها بالصحة أو الفساد إلا بعد معرفته من أي الأنواع .

س3)- ما هي أنواع الاستحسان الصحيح؟
يمكن تقسيم الاستحسان باعتبار نوع الدليل الذي ثبت به إلى :-
1)- استحسان ثبت بالنص (( القران أو السنة )) :-
مثال ما ثبت بالقرآن :-
عقد الإجارة :- فإن مقتضى القياس الظاهر أن هذا العقد لا يجوز لأن المعقود عليه غير موجود , والعقد على المعدوم يؤدى إلى الغور فيكون باطلاً , ولكن جاز استحساناً وسند هذا الاستحسان النص القرآني الكريم وذلك في قوله تعالى {عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَةَ حِجَجٍ } .
مثال ما ثبت بالس
نة :-


الأكل والشرب نسياناً في نهار رمضان :- فإن ظاهر القياس يقتضي فساد الصوم , لأن الإمساك عن المفطرات من أركان الصوم , ولكن صح الصوم استحساناً وسند هذا الاستحسان قول النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ أَكَلَ نَاسِيًا وَهُوَ صَائِمٌ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ} البخاري , فقد عدل الفقهاء عن ظاهر القياس إلى النص وهذا العدول يسمى استحسان , والنص المعدول إليه هو وجه الاستحسان ودليله .
2)- استحسان ثبت بالإجماع .ومثال ذلك :- لو اتفق شخص مع آخر على أن يصنع له شيئاً ما فإن مقتضى القياس الجلي أن هذا العقد باطلاً لأنه عقد على شيء غير موجود , وقد عدل عن مقتضى هذا القياس إلى القول بجوازه استحساناً , فقد جرى التعامل به في جميع الأعصار والأمصار دون أن ينكر أحد .
3)- استحسان ثبت بالعرف .
ومثال ذلك :- لو حلف شخص أن لا يأكل لحماً واكل سمكاً , فان مقتضى اللفظ انه يحنث لان القران سمى السمك لحماً قال تعالى { وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا } , ولكن الفقهاء نصوا على أنه لا يحنث (( إذا كان عرف أهل البلد لا يسمي السمك لحماً )) , فالعدول إلى عدم الحنث هو الاستحسان ودليله العرف .

خامساً: المصالح المرسلة

س1)- ما هي أقسام مطلق المصلحة ؟
تتنوع المصلحة من حيث اعتبار الشارع لها وعدم اعتباره إلى ثلاثة أنواع هي :-

النوع الأولى:المصلحة المعتبرة

وهي التي ورد دليل شرعي من الكتاب أو السنة أو الإجماع يفيد أن الشارع قد رعاها , فشرع من الأحكام ما يحقق تلك المصلحة .
وهذا النوع يدخل في عموم القياس , ولذلك يتفق جميع القائلين بحجية القياس على جواز التعليل به وبناء الحكم عليه .
ومثال ذلك :- ما يسمى بالضروريات الخمس وهى :-
1)- حفظ الديـن .
2)- حفظ النفس .
3)- حفظ العقل .
4)- حفظ النسب .
5)- حفظ المـال .
فمن أجل مثلاً حفظ المال وحمايته حرمت السرقة , وشرع حد قطع يد السارق .
ومن أجل حفظ النفس شرع القصاص , وحرم الاعتداء عليها .
ومن أجل حفظ العقول حرم شرب الخمر وغيرها من المسكرات وواجب الحد على شاربها .
إلى غير ذلك من المصالح التي اعتبرها الشارع وشرعت الأحكام لتحقيقها .

النوع الثاني: المصلحة الملغاة

هي المصلحة التي يرها العبد (( بنظرة القاصر )) مصلحة ولكن الشرع ألغاها و أهدرها ولم يلتفت إليها , بل جاءت الأدلة الشرعية بمنعها والنهي عنها من الكتاب أو السنة أو الإجماع أو القياس .
وإليكم هذه الأمثلة:-
1)- الاستسلام للعدو :- فقد يظهر لأول مرة أن فيه مصلحة وهى حفظ النفس من القتل , ولكن هذه المصلحة لم يعتبرها الشارع , لأن هناك مصلحة أرجح منها , وهي احتفاظ الأمة الإسلامية بالعزة والكرامة فشرع الله القتال لتحقيق هذه المصلحة العظيمة ودفعاً للمفاسد المترتبة على الخضوع والاستسلام للعدو .
2)- تعدد الزوجات :- قد يبدو لأول وهلة أن في منع تعدد الزوجات مصلحة وهي تلافي ما يحدث بين الضرائر من منازعات وخصومات قد تؤدى إلى حل الروابط بين أفراد الأسرة الواحدة , ولكن الشارع الحكيم لم يعتبر هذه المصلحة ولم يعتد بها حيث أباح التعدد , واكتفى باشتراط العدل بين الزوجات فقال تعالى { فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً } , وذلك لما يترتب على التعدد من المصالح التي لا تكاد تحصى والتي من أهمها :-
1)- كثرة النسل والتوالد الذي هو المقصود الأول من تشريع الزواج
2)- صون أصحاب الشهوات الحادة من الوقوع في رذيلة الزنا واتخاذ الخليلات .
3) - علاجاً اجتماعياً عندما يعرض للأمة نقص في رجالها وبخاصة في أعقاب الحروب .
وبهذا يدرك أن الشارع لم يلغ أية مصلحة من المصالح إلا إذا ترتب على اعتبارها ضياع مصلحة ارجح منها

النوع الثالث: المصلحة المسكوت عنها

وهى المصلحة آتى لم يرد من الشارع ما يفيد اعتبارها ولا إلغاءها .
وتسمى المصلحة المرسلة , فلمصلحة المرسلة إذ هي التي لم يشرع حكم لتحقيقها ولم يشهد لها أصل خاص بالاعتبار أو الإلغاء .
فإن شهد لها اصل خاص باعتبار دخلت في عموم القياس , وأن شهد لها بعدم الاعتبار كانت باطلة .
وإليكم هذا المثال :-
قتل الجماعة بالواحد :- فلم يرد دليل خاص باعتباره ولا بإلغائه , ولكن في قتلهم من المصلحة ما هو واضح , إذ لو لم يقتل الجماعة بالواحد عند اشتراكهم في القتل لأدى ذلك إلى إهدار الدماء , وفيه من المفاسد ما لا يخفى .


س2)- ما هي أنواع المصلحة المرسلة ؟
يمكن تقسيم المصلحة المرسلة إلى ثلاثة أقسام وذلك حسب قوتها :-
1)- المصلحة الضرورية (( درء المفاسد )) :- وهي ما كانت المصلحة فيها في محل الضرورة بحيث يترتب على تفويت هذه المصلحة تفويت شيء من الضروريات أو كلها , وهذه أعلى المصالح .
2)- المصلحة الحاجية (( جلب المصالح )) :- وهى ما كانت المصلحة فيها في محل الحاجة لا الضرورة فيحصل بتحقيق هذه المصلحة التسهيل وتحصيل المنافع , ولا يترتب على فواتها فوات شيء من الضروريات
3)- المصلحة التحسينية (( التتميمات )) :- وهي ما ليس ضروريا ولا حاجيا , ولكن من باب الجري على مكارم الأخلاق واتباع أحسن المناهج .

س3)- ما هي الأدلة على اعتبار المصلحة المرسلة ؟
من الأدلة على اعتبار المصلحة المرسلة :-
1)- عمل الصحابة رضي الله عنهم بها في وقائع كثيرة مشهورة مثل :-
أ]- استخلاف أبي بكر رضي الله عنه لعمر رضي الله عنه بعد أن أحس بدنو أجله , فلا يوجد في القرآن ولا في السنة ما يفيد ذلك , ولكن أبا بكر رضي الله عنه راعى في هذا الاستخلاف مصلحة الناس المتمثلة في حفظ كلمتهم من التفرق واختلافهم في اختيار الخليفة .
ب]- جمع القرآن في مصحف واحد في عهد أبي بكر رضي الله عنه , وليس في القرآن ولا في السنة ما يدل على ذلك , وإنما هو عمل مبني على المصلحة , وهي لمحافظة على القرآن من الضياع .

س4) - ما هي شروط العمل بالمصلحة المرسلة ؟
إن العمل بالمصلحة المرسلة أمر يجب فيه من التحفظ والحذر حتى يتحقق صحة المصلحة , ومن شروط العمل بالمصلحة المرسلة مايلي :-
1)- ألا تكون المصلحة مصادمة لنص أو إجماع .
2)- أن تعود على مقاصد بالحفظ والصيانة .
3)- ألا تكون المصلحة في الأحكام التي لا تتغير كوجوب الواجبات وتحريم المحرمات والحدود والمقدرات الشرعية .
4)- ألا تعارضها مصلحة ارجح منها أو مساوية لها , وألا يستلزم من العمل بها مفسدة أرجح منها أو مساوية لها .


رد مع اقتباس
قديم 06-11-2010, 08:46 AM   رقم المشاركة : 3
الكاتب

أفاق الفكر

مراقب

مراقب

أفاق الفكر غير متواجد حالياً


الملف الشخصي








أفاق الفكر غير متواجد حالياً


رد: ٍاصول الفقه في سؤال وجواب

بسم الله الرحمن الرحيم

- مستفاد من كتاب العلامة عيسى منون شيخ رواق المغاربة بالجامع الأزهر " نبراس العقول في تحقيق القياس عند علماء الأصول " رحمه الله ورضي عنه

القياس لغةً: مصدر قاس، ومثله قَيْس، وفي معناه اللغوي أقوال:
الأول: التقدير؛ قست كذا بكذا أي قدرته به، واستخدامه في معنى المساواة مجاز، من باب إطلاق اسم الملزوم على اللازم، إذ يلزم التقدير نوع مساواة؛ حيث تقول فلان لا يقاس بفلان أي لا يساويه. (الآمدي)
أو أن استخدامه في المساواة حقيقة عرفية (البهاري صاحب مسلم الثبوت "حنفي")
الثاني: مشترك لفظي بين التقدير والمساواة والمعنى الجامع بينهما؛ تقول قست الثواب بالذراع أي قدرته به، وفلان لا يقاس بفلان أي لا يساويه، وقست النعل بالنعل أي قدرته به فساواه.(العضد)
الثالث: مشترك معنوي بين التقدير والمساواة، فهو " كلي " تحته فردان: التقدير، والتسوية، والمتواطئ أولى من المجاز أولى من المشترك اللفظي (الكمال بن الهمام صاحب التحرير "حنفي")
الرابع: الاعتبار؛ تقول قست الشيء أي اعتبرته، وقيس الرأي أي رأي معتبر (الزركشي)
الخامس: التمثيل والتشبيه (ابن مقلة)
السادس: المماثلة؛ تقول: هذا قياس هذا أي مثله (الماوردي والروياني)
السابع: مأخوذ من الإصابة؛ تقول قست الشيء أي أصبته، والقياس يصاب به الحكم (ابن السمعاني)

ولكل قول توجيه ارتباطه بالمعنى الاصطلاحي يرد الحديث عنه في حينه.
هذا ولم تذكر أكثر معاجم اللغة من هذه التعريفات سوى التقدير، ولا حرج؛ فللاصوليون بحوث في اللغة لم يتطرف اليها اهل اللغة أصلا كما قال السبكي رحمه الله في مقدمة الإبهاج شرح المنهاج.

القياس اصطلاحا،وأدق من عرف القياس ثلاثة:
البيضاوي، وابن الحاجب، والسبكي

ويلاحظ أن البيضاوي استفاد كتابه كتلخيص لكتابين لخصا محصول الفخر الرازي، وابن الحاجب دون مختصره كتلخيص لملخص وضعه لإحكام الآمدي، فما بين الكتابين - أعني منهاج البيضاوي ومختصر ابن الحاجب - من فروق أكثره يرجع لما بين الرازي والآمدي من اختلاف، وأما السبكي فقد جمع كتابه من زهاء مئة مصنف

1- تعريف القاضي البيضاوي في المنهاج للقياس وما حول التعريف من كلام:
" اثبات مثل حكم معلوم في معلوم آخر لمشاركته له في علة حكمه عند المثبت"


الشرح:
اثبات: أي الإخبار بالاثبات لا الثبوت؛ فقد يكون الاخبار متعلق بثبوت الحكم: كدخول الربا في التفاح قياسا على البر بجامع الطعم، وقد يكون الاخبار متعلق بعدم كعدم صحة بيع الكلب قياسا على الخمر بجامع النجاسة !!
والاثبات كالجنس في التعريف، تليه قيود تعمل عمل الفصل في الحد الحقيقي، ونقول كالجنس وكالفصل لما سيظهر من أن التعريف هنا رسم لا حد.

مثل: المثلية مفهوم بديهي لا يُعرّف، وفائدة هذا القيد دفع استحالة قيام الواحد بمحلين، فأشار إلى ان الحكم الثابت للأصل ليس عين الثابت للفرع
واعترض الكمال بن الهمام بأن الحكم واحد، والتعد اعتباري اضافي
ويصح اعتراضه إن قطع النظر عن الاضافة، والا فلا.

حكم: أي الحكم الشرعي المعرف بأنه " خطاب الله المتعلق بأفعال المكلفين ...الخ"
ومعنى اثباته لمعلوم أي ادراك ثبوته له، لا نسبة الثبوت نفسها
فالأول كالوجوب والحرمة .. وهذا المراد
والثاني كالايجاب والتحريم

معلوم: المراد المتصور .. والتصور المفرد المقابل للتصديق الخالي اصلا عن العلم او الظن - اي الاعتقاد الجازم او غير الجازم -
والتعبير بالمعلوم اولى من الشيء ليدخل المعدوم فهو ليس بشيء عند أهل السنة !
ودخول المعدوم لا مانع منه لان القياس كما يتعلق بافعال العباد يتعلق بالشروط والاسباب والموانع وبعضها عدمي
ولم يعبر بالاصل والفرع لان معرفة وصف المعلومين بهذا الوصف بتاتى بعد معرفة القياس

في معلوم آخر: لأن القياس لا يعقل الا بين امرين، ولولا الاصل لكان اثباتا للشرع بالتحكم،... نعوذ بالله منه

لاشتراكهما في علة الحكم: لان القياس لا يتحقق بغير علة، ولانه مغاير لما يثبت الحكم فيه بدلالة النص او بالاجماع
والعلة هي الكلي الجامع بين الامرين تكون هي هي ما بالاصل ما بالفرع، لانتزاعها عن الاضافة ولان وجود الكلي ذهني فقط
والتعبير بالمشاركة اولى من المساواة لشموله قياس الاولى والادنى
وقيل التعبير بالمساواة اولى لمناسبتها للمعنى اللغوي ولانها احد معنيي المشاركة في اللغة وهي المراد منها فكان استخدامها اقرب كما ان المشاركة قد توجد ويوجد فرق في الحكم
واجيب بان شرط اجراء القياس اصلا انتفاء الفارق

عند المثبت: متعلق بقوله لاشتراكهما ليشمل الصحيح والفاسد بزعم القائس
ويعود فساد القياس الى عدم الجامع، وان كان ظاهره وجود النص او قيام الاجماع على خلافه
وعبر بالمثبت دون المجتهد ليدخله قياسات المقلدين اليوم ومجتهدي الفتوى والمذاهب


اعتراضات اشكلت على التعريف:
الأول: اثبات حكم الفرع ثمرة القياس فدخوله في التعريف دور

الجواب:

يكون ذلك دورا اذا ادعينا ان التعريف حد بالجنس والفصل الذاتيين، أما هذا فتعريف بالرسم فقط
ووجه حل الاشكال باعتبار التعريف رسما ان الرسم يفيد تمييز المعرَّف عما عداه فأجزاؤه ليست جزءا من المعرَّف، فيكون تقدم الحكم في التعريف بحسب التصور وتاخره في الثمرة بحسب الوجود فتنفك جهة الدور
ثم يبقى ان القياس إما لا حد له كما قال امام الحرمين او حده ما سيذكره المعترضون

جواب آخر:
باعتبار القياس هو في ذاته الدليل الذي يستنبط منه المجتهد الحكم، فنم لا يصح حمل الاثبات عليه ويلزم تقدير " ذو " بحيث يكون القياس هو المساواة بين الفرع والاصل ذات اثبات مثل حكم ........الخ
وان اعتبر القياس فعل المجتهد فيمكن حمل الاثبات عليه ولا يكون حينئذ ثمرة القياس بل عينه
وفي اعتباريه ترجيح وتفصيل ياتي في رد الاعتراض الثاني

الثاني: القياس دليل شرعي كالكتاب والسنة ثابت في نفسه سواء وجد مثبتا ام لا، فتعريفه بالاثبات الذي هو عمل المثبت غير صحيح.
توجيه الاعتراض بعبارة اخرى: القياس دليل يستند اليه القائس فكيف يكون فعله هو هو الدليل !

الجواب:
أكثر الاصوليين عرفه فعلا بانه فعل المجتهد رغم ان الدليل في الحقيقة هو المساواة بين الاصل والفرع في العلة لا فعله، غير ان السر في ذلك هو انه باعتبار فعل المجتهد يكون محلا للأخذ والرد بخلاف ما اذا نظر اليه باعتبار المساواة مع قطع النظر عن فعل المجتهد فانه لا فائدة فيه ولا اعتداد به لذا فقد عرفه البيضاوي والسبكي تعريفا ضم المعنيين
فهو اثبات ....... لاشتراكهما ...
فيعللون الاثبات بما هو الدليل في الحقيقة وهو المساواة في العلة فيطلقون القياس على فكرة المستنبط المستند الى الدليل الحقيقي وهو المساواة
وغيرهم - كابن الحاجب - يطلقه على الحقيقة بقطع النظر عن استعمالاته
يقول الزركشي: واختلفوا في وضع القياس على قولين:
- استدلال المجتهد وفكرة المستنبط
- المعنى الذي يدل على الحكم في اصل الشيء وفرعه

ومن هنا كان تعريف البيضاوي رسما، وابن الحاجب حدا

الثالث: هذ التعريف غير جامع؛ إذ لا يشمل قياس العكس، والدلالة، والذي في معنى الأصل، والشبه، والمنطقي بنوعيه - الاقتراني، والاستثنائي -
وتقرير ذلك أن:
قياس العكس هو: اثبات نقيض حكم الأصل في الفرع لوجود نقيض علته فيه
كاشتراط الصوم في الاعتكاف المطلق قياسا على عدم شرط الصلاة في الاعتكاف المنذور
وتقرير هذا القياس: أن الصلاة لا تشرط في الاعتكاف المطلق والمنذور، والصيام شرط في المنذور، فصار شرطا في المطلق
فالحكم في الاصل: عدم وجوب الصلاة في الاعتكاف المطلق
والحكم في الفرع وجوب الصيام
وعلة الاصل عدم الوجوب حال النذر
وعلة الفرع الوجوب حال النذر
ولا يعقل في قياس العكس جامع !

وقياس الدلالة: الجامع فيه لازم العلة أو اثرها او حكمها
فمثال لازمها: قياس النبيذ على الخمر بجامع الرائحة المشتدة فهي لازم للاسكار
ومثال اثرها: قياس القتل بمثقل على القتل بمحدد بجامع الاثم فهو اثر العلة التي هي العدوان
ومثال حكمها: قياس القطع على القتل في الجماعة تصيب الواحد بجامع الدية وهي حكم العلة التي هي الخطأ

والقياس في معنى الأصل: الجامع فيه نفي الفارق لا علة ثابتة
كقياس صب البول في الماء على التبول فيه بنفي الفارق بينهما في مقصود المنع

وقياس الشبه: الجامع فيه الوصف الشبهي لا العلة
كقياس التفاح على البر بجامع الطعم


والقياس المنطقي قول مؤلف من قضايا متى سلمت لزم عنها لذاتها قول آخر
وهو اقتراني يختص بالقضايا الحملية، واستثنائي - شرطي - يفتتح بقضية شرطية
ووجه مخالفته للقياس المعرَّف ظاهر

الجواب:
أولا: يجاب بجواب عام مفاده أن هذا تعريف لقياس العلة المقابل لكل ما ذكر، فلا يرد شيء منها عليه

ثانيا: يفصل الأمر في بعض ما ذكر:
- فليس الجامع في قياس الدلالة غير العلة، بل بها وإن لم يصرح اكتفاء بما يدل عليها
- ومثلها القياس في معنى الأصل

- وقياس الشبه الجامع فيه علة دلت على مطلق التعريف، وليس مطلوبا أكثر من ذلك

- وقياس العكس فيه أجوبة أربعة:
أجلها الأول فهو عام في كل صوره:
قياس العكس مركب من قياس شرطي متصل وقياس أصولي
ففي مثال الصوم الذي ذكر فيه يكون تقرير القياس فيه كالاتي:
لو لم يكن الصوم شرطا للاعتكاف مطلقا لما شرط للنذر
ووجه الملازمة القياس على الصلاة فانها لما لم تكن شرطا على الاطلاق لم تكن شرطا في النذر
فالمقيس الصوم، والمقيس عليه الصلاة، والجامع عدم الشرط للعتكاف والحكم عدم الوجوب على الاطلاق
والعلة والحكم تقديريان ... بمعنى اننا في الحقيقة لا نقول الصوم كالصلاة، فالعكس واضح، وانما نقول لو كان الصيام كالصلاة لما كان شرطا في النذر
لكنه شرط في النذر بالفعل، فينعكس الامر ويصير شرطا على الاطلاق

والجواب الثاني:
قياس العكس يرجع الى القياس بمعنى الاصل
فنقول المقيس عليه الاعتكاف المنذور، والمقيس الاعتكاف المطلق
ولم يؤت بالصلاة الا لنفي الفارق بين المنذور وغيره .. فباتفاق: حكم الصلاة واحد في الاعتكاف المنذور والمطلق

والجوابين الثالث والرابع يعودان الى صورة المثال، ويصعب اطرادهما في اكثر امثلة قياس العكس

فالثالث يقال قياس الصيام على الصلاة في عدم تاثير النذر في الوجوب بجامع العبادة فيعود لقياس العلة

والرابع قياس الصيام على الصلاة في التساوي بين حالي النذر وعدمه والجامع العبادة ايضا، فيعود للعلة

والفارق بينهما: ان الاول عدمي والاخر وجودي

- واطلاق لفظ " القياس " على المنطقي بنوعيه فيه تسامح وتجوز أصلا، وإلا فهو استدلال بقانون كلي، على افراد جزئية، بخلاف قياسات الاصوليين القائمة على الاستدلال بجزئي على جزئي آخر "تمثيل" او الاستدلال بجزئي على كلي " استقراء "


التوقيع :




لا اله الا الله رب السموات السبع ورب العرش العظيم








رد مع اقتباس
قديم 06-11-2010, 12:59 PM   رقم المشاركة : 4
الكاتب

أفاق الفكر

مراقب

مراقب

أفاق الفكر غير متواجد حالياً


الملف الشخصي








أفاق الفكر غير متواجد حالياً


رد: ٍاصول الفقه في سؤال وجواب

تعريف القياس

س1)- عرف القياس ؟
تعريف القياس العام

القياس هو حمل فرع على أصل في حكم لعلة جامعة بينهما .
ومن هذا التعريف نستنتج
أن للقياس أربعة أركان هي :-
الركن الأول الأصل
وهو المحل الذي ثبت فيه الحكم , ويسمى المقيس عليه , والمشبه به , والملحق به
الركن الثاني الفرع
وهو المحل الذي لم يرد فيه نص , ويراد معرفة حكمه , ويسمى المقيس , والمشبه , والملحق .
الركن الثالث حكم الأصل
وهو الحكم الشرعي الثابت للأصل بالكتاب أو السنة أو إجماع , أما حكم الفرع
فلا يعتبر ركناً لأن حكم الفرع ليس جزءاً من ماهية القياس , وإنما هو ثمرة القياس ونتجته ,
لأن ظهوره للمجتهد متأخر عن حكم الأصل , فهو لم يظهر له إلا بعد عملية القياس , والركن لا يتأخر عن الماهية .
الركن الرابع العلة
وهى الوصف الذي شرع الله من أجله حكم الأصل ووجده المجتهد في الفرع أيضا .
واليكم هذا المثال الذي يبين هذه الأركان الأربعة :-
وهو قوله صلى الله عليه وسلم { الْقَاتِلُ لَا يَرِثُ } فهذا الحديث يدل دلالة واضحة على أن الوارث إذا قتل موروثه ظلماً وعدواناً فإنه لا يرثه , فحرمان الوارث القاتل من الميراث حكم شرعي , فإذا بحث المجتهد عن علة هذا الحكم فإنه يجد إنها القتلالمحرم , وحيثما وجدت هذه العلة غلب على ظنه وجود الحكم معها , لأن الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً .

1

ولذلك إذا قتل الموصى له الموصى فانه يمنع من اخذ الوصية لوجود العلة
وهى (( القتل غير المشروع )) .
•فقتل الوارث موروثه : هو الأصل المنصوص على حكمه .
•ومنع القاتل من الميراث : هو حكم الأصل .
•والقتل المحرم : هو علة الحكم .
•وقتل الموصى له الموصى : هو الفرع .

س2)- ما معنى كل من (( تنقيح المناط - تخريج المناط - تحقيق المناط )) عند الأصوليين ؟

تنقيح المناط
معنى تنقيح المناط تخليصه من كل ما ليس له دخل في العلية , ويكون ذلك
عندما تكون العلة منصوصاً عليها وتكون مشتملة على أوصاف متعددة ولم يوجد ما يعين أحد هذه الأوصاف للعلية .
واليكم هذا المثال الذي يبين هذا :-
قصة الأعرابي الذي جاء فزعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم واخبره بأنه جامع زوجته في نهار رمضان عمداً فأوجب عليه النبي صلى الله عليه وسلم الكفارة .
فإيجاب الكفارة حكم شرعي على الأعرابي
, والذي وقع فيه الأعرابي أمور متعددة هي :-
(1)- الوقاع . (2)- كونه من الأعراب . (3)- كونه في زوجته . (4)- كونه في رمضان معين . (5)- كونه في نهار رمضان متعمداً .
فلكي يصل المجتهد إلى معرفة العلة التي أنيط بها هذا الحكم عليه أن ينقح هذه الأوصاف ويخلصها من كل مالا يصلح لأن يكون علة .
وبالبحث يتضح له أنه لا يصح واحد من تلك الأوصاف أن تكون علة لوجوب الكفارة سوى واحد , وهى الوقاع في نهار رمضان عمداً , وبذلك يتعين أن يكون هذا الوصف هو مناط الحكم الذي هو إيجاب الكفارة , غير أن الفقهاء اختلفوا في أن علة إيجاب الوقاع عمداً في نهار رمضان للكفارة

2

2, هل هو لخصوصية فيه فلا يجب في غيره بالأكل ونحوه عمداً ؟ أم إنه إنما كان علة لما فيه من انتهاك حرمة الشهر وعليه فإن الكفارة تجب في ما وجد الانتهاك ؟

تخريج المناط
هو الاجتهاد في استخراج علة الحكم المنصوص عليه , ولم تثبت علته بنص ولا إجماع , ويتم تخريج المناط بأي مسلك من مسالك العلة عدا النص والإجماع .
واليكم هذا المثال الذي يبين هذا :-
إذا ورد نص بتحريم الخمر , ولم تثبت علته بنص ولا إجماع , فإن المجتهد سيبحث عن علة التحريم , وهذا البحث يسمى تخريج المناط .
فتخريج المناط إذاً هو استنباط علة لحكم شرعي ورد به النص ولم يكن هناك نص ولا إجماع يثبت علته .

تحقيق المناط
هو البحث لغرض إثبات علة الحكم المنصوص عليه في واقعة لم ينص على حكمها .
واليكم هذه الأمثلة:-
المثال الأول )- ورد النص بان علة اعتزال النساء في المحيض هو الأذى بقوله تعالى
{ وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ}, فينظر المجتهد في تحقيق الأذى
في النفاس , فإذا ما تحقق ثبت الحكم المنصوص عليه .
المثال الثاني )- ثبت أن علة تحريم الخمر هي الإسكار , فإذا ما أرد المجتهد
أن يعرف حكم شرب النبيذ , فعليه أن يثبت أنه مسكر , فمتى ما اثبت هذه العلة ظهر الحكم .

3

س3)- لقد دل الكتاب والسنة وأقوال الصحابة على أن القياس أحد الأدلة التي تثبتبها الأحكام الشرعية . اذكر هذه الأدلة ؟

الكتاب
•قوله تعالى { اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ } , والميزان ما توزن به الأمور ويقاس به بينها .
•وقوله تعالى { كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ } , فشبه الله تعالى إعادة الخلق بابتدائه .
•وقوله { وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ }
, فشبه إحياء الأموات بإحياء الأرض وهذا هو القياس .

السنة

•عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ جَاءَتْ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ نَذْرٍ أَفَأَصُومُ عَنْهَا قَالَ
{ أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْنٌ فَقَضَيْتِيهِ أَكَانَ يُؤَدِّي ذَلِكِ عَنْهَا قَالَتْ نَعَمْ قَالَ فَصُومِي عَنْ أُمِّكِ } مسلم ,
ووجه الدلالة هي أن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قاس دين الله تعالى على دين الآدمي .
•عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَهُ
أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ امْرَأَتِي وَلَدَتْ غُلَامًا أَسْوَدَ فَقَالَ
{ هَلْ لَكَ مِنْ إِبِلٍ قَالَ نَعَمْ قَالَ مَا أَلْوَانُهَا قَالَ حُمْرٌ قَالَ هَلْ فِيهَا مِنْ أَوْرَقَ قَالَ نَعَمْ قَالَ
فَأَنَّى كَانَ ذَلِكَ قَالَ أُرَاهُ عِرْقٌ نَزَعَهُ قَالَ فَلَعَلَّ ابْنَكَ هَذَا نَزَعَهُ عِرْقٌ } البخاري
, فهذا قياس مقنع لان البشر كالإبل في هذه الناحية فلا فرق
وقد استعمل الصحابة القياس ومنها ما ذكر عن عمر بن الخطاب في كتابه إلى موسى الأشعري في القضاء .

4

أنواع القياس
س4)- ما هي أنواع القياس ؟
يمكن تقسيم القياس إلى ثلاثة أقسام بثلاثة اعتبارات وهى :-
باعتبار قوته وضعفه
ينقسم القياس باعتبار قوته وضعفه إلى قسمين هما :-
1)- قياس جلي :- وهو ما ثبتت علته بنص أو إجماع أو كان مقطوعاً فيه بنفي الفارق بين الأصل والفرع
من هذا التعريف يتضح أن العلة يجب أن تكون ثابتة بأحد الأمور الآتية :-
•النص وهو الكتاب والسنة .
•إجماع العلماء على أن هذه هي العلة , لأن الإجماع سبقا لنا أنه حجة ودليل شرعي
فإذا اجمع العلماء على أن هذه العلة لهذا الحكم صارت كالعلة التي نص عليها الشارع .
•ما يقطع فيه (( أي يعلم علم اليقين أنه لا فرق بين الأصل والفرع )) .
واليكم هذا الأمثلة لهذه الأنواع الثلاثة :-
أولاً )- ما ثبتت علته بالنص :-
وهو قياس المنع من الاستجمار بالدم النجس
إلحاقاً على المنع من الاستجمار بالروثة , فإن علة حكم الأصل ثابتة بنص
الدليل وهو حديث عبدا لله رضي الله عنه قال {أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يتبرز
فقال ائتني بثلاثة أحجار فوجدت له حجرين وروثه حمار فامسك الحجرين وطرح
الروثه وقال :-هي رجس }صححه الألباني , والرجس هي النجس .
ثانياً )- ما ثبتت علته بالإجماع :-
وهو نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يقضى القاضي وهو غضبان ,
فإن قياس منع الحاقن من القضاء على منع الغضبان ثبتت علته بالإجماع وهي تشويش الفكر وانشغال القلب

5

ثالثاً )- ما كان مقطوع فيه بنفي الفارق بين الأصل والفرع :-
ومثاله قياس تحريم إتلاف مال اليتيم بالبس على تحريم إتلافه بالأكل للقطع بنفي الفارق بينهما
2)- القياس الخفي :- وهو ما ثبتت علته باستنباط ولم يقطع فيه بنفي الفارق بين الأصل والفرع .
ومثال ذلك قياس الأشنان على البر في تحريم الربا بجامع الكيل فإن التعليل بالكيل لم يثبت بنص ولا إجماع ولم يقطع فيه بنفي الفارق بين الأصل والفرع إذ من الجائز أن يفرق بينهما بأن البر مطعوم بخلاف الأشنان .

باعتبار إثبات أو نفي الحكم
ينقسم القياس باعتبار إثبات أو نفي الحكم إلى قسمين هما :-
1)- القياس الطردي :- وهو ما اقتضى إثبات الحكم في الفرع لثبوت علة الأصل فيه .
ومثال ذلك قوله صلى الله عليه وسلم { الْقَاتِلُ لَا يَرِثُ } فهذا الحديث يدل دلالة واضحة
على أن الوارث إذا قتل موروثه ظلمـاً وعدواناً فإنه لا يرثه ولذلك إذا قتل
الموصي له الموصي فإنه يمنع من أخذ الوصية لوجود العلة وهى (( القتل غير المشروع )) .
2)- القياس العكسي :- وهو إثبات نقيض حكم الأصل للفرع لوجود نقيض علة حكم الأصل فيه .
ومثال ذلك قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
{ وَفِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيَأتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكُونُ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ
قَالَ أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي حَرَامٍ أَكَانَ عَلَيْهِ فِيهَا وِزْرٌ فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلَالِ كَانَ لَهُ أَجْرًا } مسلم .
فاثبت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للفرع وهو الوطء الحلال نقيض علة الأصل
وهو الوطء الحرام لوجود نقيض علة حكم الأصل فيه , وإثبات للفرع
أجراً لأنه وطء حلال كما أن الأصل وزراً لأنه وطء حرام .

6

باعتبار صحته وبطلانه
ينقسم القياس باعتبار صحته وفساده إلى ثلاثة أقسام هي :-
1)- القياس الصحيح :- وهو ما جاءت به الشريعة في الكتاب والسنة وهو الجمع بين المتماثلين ((أن تكون العلة موجودة في الفرع من غير معارض يمنع حكمها)) .
2)- القياس الفاسد :- وهو كل قياس دل النص على فساده , وكل من
الحق منصوصاً بمنصوص يخالف حكمه فقياسه فاسد .
3)- قياس الشبه (( القياس المتردد فيه بين الصحة والفساد )):-
وهو أن يتردد فرع بين أصلين مختلفي الحكم وفيه شبه بكل منهما , فيلحق بأكثرهما شبهاً به .
ومثال ذلك العبد هل يملك بالتمليك قياساً على الحر أو لا يملك قياساً على البهيمة ؟
إذا نظرنا إلى هذين الأصلين (( الحر والبهيمة )) وجدنا أن العبد متردد بينهما , فمن حيث أنه إنسان عاقل يثاب ويعاقب وينكح ويطلق يشبه الحر , ومن حيث أنه يباع ويرهن ويوقف ويوهب ويورث ويضمن بالقيمة ويتصرف فيه يشبه البهيمة , وقد وجد أنه من حيث التصرف المالي أكثر شبهاً بالبهيمة فالحق بها .

7

بسم الله الرحمن الرحيم
- مستفاد من كتاب العلامة عيسى منون شيخ رواق المغاربة بالجامع الأزهر
" نبراس العقول في تحقيق القياس عند علماء الأصول "
رحمه الله ورضي عنه

القياس لغةً: مصدر قاس، ومثله قَيْس، وفي معناه اللغوي أقوال:
الأول: التقدير؛ قست كذا بكذا أي قدرته به، واستخدامه في معنى المساواة مجاز،من باب إطلاق اسم الملزوم على اللازم، إذ يلزم التقدير نوع مساواة؛
حيث تقول فلان لا يقاس بفلان أي لا يساويه. (الآمدي)أو أن استخدامه في المساواة حقيقة عرفية (البهاري صاحب مسلم الثبوت "حنفي")
الثاني: مشترك لفظي بين التقدير والمساواة والمعنى الجامع بينهما؛ تقول قست الثواب بالذراع أي قدرته به، وفلان لا يقاس بفلان أي لا يساويه،
وقست النعل بالنعل أي قدرته به فساواه.(العضد)
الثالث: مشترك معنوي بين التقدير والمساواة، فهو " كلي " تحته فردان: التقدير،والتسوية، والمتواطئ أولى من المجاز أولى من المشترك اللفظي (الكمال بن الهمام صاحب التحرير "حنفي")
الرابع: الاعتبار؛ تقول قست الشيء أي اعتبرته، وقيس الرأي أي رأي معتبر (الزركشي)
الخامس: التمثيل والتشبيه (ابن مقلة)
السادس: المماثلة؛ تقول: هذا قياس هذا أي مثله (الماوردي والروياني)
السابع: مأخوذ من الإصابة؛ تقول قست الشيء أي أصبته، والقياس يصاب به الحكم (ابن السمعاني)ولكل قول توجيه ارتباطه بالمعنى الاصطلاحي يرد الحديث عنه في حينه.هذا ولم تذكر أكثر معاجم اللغة من هذه التعريفات سوى التقدير، ولا حرج؛فللاصوليون بحوث في اللغة لم يتطرف اليها اهل اللغة أصلا كما قال السبكي رحمه الله في مقدمة الإبهاج شرح المنهاج.

8

القياس اصطلاحا،وأدق من عرف القياس ثلاثة:
البيضاوي، وابن الحاجب، والسبكي
ويلاحظ أن البيضاوي استفاد كتابه كتلخيص لكتابين لخصا محصول الفخر الرازي،وابن الحاجب دون مختصره كتلخيص لملخص وضعه لإحكام الآمدي، فما بين الكتابين - أعني منهاج البيضاوي ومختصر ابن الحاجب - من فروق أكثره يرجع لما بين الرازي والآمدي من اختلاف، وأما السبكي فقد جمع كتابه من زهاء مئة مصنف

1- تعريف القاضي البيضاوي في المنهاج للقياس وما حول التعريف من كلام:
وهو تعريف البيضاوي للقياس
" اثبات مثل حكم معلوم في معلوم آخر لمشاركته له في علة حكمه عند المثبت"

الشرح:
اثبات: أي الإخبار بالاثبات لا الثبوت؛ فقد يكون الاخبار متعلق بثبوت الحكم:
كدخول الربا في التفاح قياسا على البر بجامع الطعم، وقد يكون الاخبار
متعلق بعدم كعدم صحة بيع الكلب قياسا على الخمر بجامع النجاسة !!
والاثبات كالجنس في التعريف، تليه قيود تعمل عمل الفصل في الحدالحقيقي،
ونقول كالجنس وكالفصل لما سيظهرمن أن التعريف هنا رسم لا حد.
مثل: المثلية مفهوم بديهي لا يُعرّف، وفائدة هذا القيد دفع استحالة قيام الواحد بمحلين، فأشار إلى ان الحكم الثابت للأصل ليس عين الثابت للفرع
واعترض الكمال بن الهمام بأن الحكم واحد، والتعد اعتباري اضافي
ويصح اعتراضه إن قطع النظر عن الاضافة، والا فلا.
حكم: أي الحكم الشرعي المعرف بأنه " خطاب الله المتعلق بأفعال المكلفين ...الخ"

9

ومعنى اثباته لمعلوم أي ادراك ثبوته له، لا نسبة الثبوت نفسها
فالأول كالوجوب والحرمة .. وهذا المرادوالثاني كالايجاب والتحريم
معلوم: المراد المتصور .. والتصور المفرد المقابل للتصديق الخالي اصلا

عن العلم او الظن - اي الاعتقاد الجازم او غير الجازم -
والتعبير بالمعلوم اولى من الشيء ليدخل المعدوم فهو ليس بشيء عند أهل السنة !ودخول المعدوم لا مانع منه لان القياس كما يتعلق بافعال العباد يتعلق بالشروط والاسباب والموانع وبعضها عدمي
ولم يعبر بالاصل والفرع لان معرفة وصف المعلومين بهذا الوصف بتاتى بعد معرفة القياس

في معلوم آخر: لأن القياس لا يعقل الا بين امرين، ولولا الاصل لكان اثباتا للشرع بالتحكم،... نعوذ بالله منه
لاشتراكهما في علة الحكم: لان القياس لا يتحقق بغير علة، ولانه مغاير لما يثبت الحكم فيه بدلالة النص او بالاجماع
والعلة هي الكلي الجامع بين الامرين تكون هي هي ما بالاصل ما بالفرع، لانتزاعها عن الاضافة ولان وجود الكلي ذهني فقط
والتعبير بالمشاركة اولى من المساواة لشموله قياس الاولى والادنى
وقيل التعبير بالمساواة اولى لمناسبتها للمعنى اللغوي ولانها احد معنيي المشاركة
في اللغة وهي المراد منها فكان استخدامها اقرب كما ان المشاركة قد توجد ويوجد فرق في الحكم
واجيب بان شرط اجراء القياس اصلا انتفاء الفارق

عند المثبت: متعلق بقوله لاشتراكهما ليشمل الصحيح والفاسد بزعم القائس
ويعود فساد القياس الى عدم الجامع، وان كان ظاهره وجود النص او قيام الاجماع على خلافه
وعبر بالمثبت دون المجتهد ليدخله قياسات المقلدين اليوم ومجتهدي الفتوى والمذاهب

10

اعتراضات اشكلت على التعريف:
الأول: اثبات حكم الفرع ثمرة القياس فدخوله في التعريف دور

الجواب:
يكون ذلك دورا اذا ادعينا ان التعريف حد بالجنس والفصل الذاتيين، أما هذا فتعريف بالرسم فقطووجه حل الاشكال باعتبار التعريف رسما ان الرسم يفيد تمييز المعرَّف عماعداه فأجزاؤه ليست جزءا من المعرَّف، فيكون تقدم الحكم في التعريف بحسب التصور وتاخره في الثمرة بحسب الوجود فتنفك جهة الدورثم يبقى ان القياس إما لا حد له كما قال امام الحرمين او حده ما سيذكره المعترضون

جواب آخر:
باعتبار القياس هو في ذاته الدليل الذي يستنبط منه المجتهد الحكم، فنم لا يصح
حمل الاثبات عليه ويلزم تقدير " ذو " بحيث يكون القياس
هو المساواة بين الفرع والاصل ذات اثبات مثل حكم ........الخ
وان اعتبر القياس فعل المجتهد فيمكن حمل الاثبات عليه ولا يكون حينئذ ثمرة القياس بل عينه
وفي اعتباريه ترجيح وتفصيل ياتي في رد الاعتراض الثاني

الثاني: القياس دليل شرعي كالكتاب والسنة
ثابت في نفسه سواء وجد مثبتا ام لا، فتعريفه بالاثبات الذي هو عمل المثبت غير صحيح.
توجيه الاعتراض بعبارة اخرى: القياس دليل يستند اليه القائس فكيف يكون فعله هو هو الدليل !

11

الجواب:
أكثر الاصوليين عرفه فعلا بانه فعل المجتهد رغم ان الدليل في الحقيقة
هو المساواة بين الاصل والفرع في العلة لا فعله، غير ان السر في ذلك هو
انه باعتبار فعل المجتهد يكون محلا للأخذ والرد بخلاف ما اذا نظر اليه
باعتبارالمساواة مع قطع النظرعن فعل المجتهد فانه لا فائدة فيه
ولا اعتداد به لذا فقد عرفه البيضاوي والسبكي تعريفا ضم المعنيين
فهو اثبات ....... لاشتراكهما ...فيعللون الاثبات بما هو الدليل في الحقيقة وهو المساواة في العلة فيطلقون القياس على فكرة المستنبط المستند الى الدليل الحقيقي وهو المساواةوغيرهم - كابن الحاجب - يطلقه على الحقيقة بقطع النظر عن استعمالاتهيقول الزركشي: واختلفوا في وضع القياس على قولين:
- استدلال المجتهد وفكرة المستنبط
- المعنى الذي يدل على الحكم في اصل الشيء وفرعه

ومن هنا كان تعريف البيضاوي رسما، وابن الحاجب حدا

الثالث: هذ التعريف غير جامع؛ إذ لا يشمل قياس العكس، والدلالة، والذي في معنى
الأصل، والشبه، والمنطقي بنوعيه - الاقتراني، والاستثنائي -
وتقرير ذلك أن:
قياس العكس هو: اثبات نقيض حكم الأصل في الفرع لوجود نقيض علته فيه
كاشتراط الصوم في الاعتكاف المطلق قياسا على عدم شرط الصلاة في الاعتكاف المنذور
وتقرير هذا القياس: أن الصلاة لا تشرط في الاعتكاف المطلق والمنذور، والصيام شرط في المنذور، فصار شرطا في المطلق
فالحكم في الاصل: عدم وجوب الصلاة في الاعتكاف المطلق

12
والحكم في الفرع وجوب الصيام
وعلة الاصل عدم الوجوب حال النذر
وعلة الفرع الوجوب حال النذر
ولا يعقل في قياس العكس جامع !

وقياس الدلالة: الجامع فيه لازم العلة أو اثرها او حكمها
فمثال لازمها: قياس النبيذ على الخمر بجامع الرائحة المشتدة فهي لازم للاسكار
ومثال اثرها: قياس القتل بمثقل على القتل بمحدد بجامع الاثم فهو اثر العلة التي هي العدوان
ومثال حكمها: قياس القطع على القتل في الجماعة تصيب الواحد بجامع الدية وهي حكم العلة التي هي الخطأ

والقياس في معنى الأصل: الجامع فيه نفي الفارق لا علة ثابتة
كقياس صب البول في الماء على التبول فيه بنفي الفارق بينهما في مقصود المنع

وقياس الشبه: الجامع فيه الوصف الشبهي لا العلة
كقياس التفاح على البر بجامع الطعم
والقياس المنطقي قول مؤلف من قضايا متى سلمت لزم عنها لذاتها قول آخر
وهو اقتراني يختص بالقضايا الحملية، واستثنائي - شرطي - يفتتح بقضية شرطية
ووجه مخالفته للقياس المعرَّف ظاهر

الجواب:
أولا: يجاب بجواب عام مفاده أن هذا تعريف لقياس العلة المقابل لكل ما ذكر، فلا يرد شيء منها عليه

13
ثانيا: يفصل الأمر في بعض ما ذكر:
- فليس الجامع في قياس الدلالة غير العلة، بل بها وإن لم يصرح اكتفاء بما يدل عليها
- ومثلها القياس في معنى الأصل
- وقياس الشبه الجامع فيه علة دلت على مطلق التعريف، وليس مطلوبا أكثر من ذلك

- وقياس العكس فيه أجوبة أربعة:
أجلها الأول فهو عام في كل صوره:
قياس العكس مركب من قياس شرطي متصل وقياس أصولي
ففي مثال الصوم الذي ذكر فيه يكون تقرير القياس فيه كالاتي:
لو لم يكن الصوم شرطا للاعتكاف مطلقا لما شرط للنذر
ووجه الملازمة القياس على الصلاة فانها لما لم تكن شرطا على الاطلاق لم تكن شرطا في النذر
فالمقيس الصوم، والمقيس عليه الصلاة، والجامع عدم الشرط للعتكاف والحكم عدم الوجوب على الاطلاق
والعلة والحكم تقديريان ... بمعنى اننا في الحقيقة لا نقول الصوم كالصلاة،
فالعكس واضح، وانما نقول لو كان الصيام كالصلاة لما كان شرطا في النذر
لكنه شرط في النذر بالفعل، فينعكس الامر ويصير شرطا على الاطلاق

والجواب الثاني:
قياس العكس يرجع الى القياس بمعنى الاصل
فنقول المقيس عليه الاعتكاف المنذور، والمقيس الاعتكاف المطلق
ولم يؤت بالصلاة الا لنفي الفارق بين المنذور وغيره .. فباتفاق: حكم الصلاة واحد في الاعتكاف المنذور والمطلق
والجوابين الثالث والرابع يعودان الى صورة المثال، ويصعب اطرادهما في اكثر امثلة قياس العكس

14

فالثالث يقال قياس الصيام على الصلاة في عدم تاثير النذر في الوجوب بجامع العبادة فيعود لقياس العلة
والرابع قياس الصيام على الصلاة في التساوي بين حالي النذر وعدمه والجامع العبادة ايضا، فيعود للعلة

والفارق بينهما: ان الاول عدمي والاخر وجودي

- واطلاق لفظ " القياس " على المنطقي بنوعيه فيه تسامح وتجوز أصلا، وإلا فهو
استدلال بقانون كلي، على افراد جزئية، بخلاف قياسات الاصوليين القائمة
على الاستدلال بجزئي على جزئي آخر "تمثيل" او الاستدلال بجزئي على كلي " استقرا

15



التوقيع :




لا اله الا الله رب السموات السبع ورب العرش العظيم








رد مع اقتباس
قديم 06-11-2010, 05:06 PM   رقم المشاركة : 5
الكاتب

أفاق الفكر

مراقب

مراقب

أفاق الفكر غير متواجد حالياً


الملف الشخصي








أفاق الفكر غير متواجد حالياً


رد: ٍاصول الفقه في سؤال وجواب


تعريف العلة لغة واصطلاحاً

تعريف العلة لغة :


عَلَّ - بلام مشددة مفتوحة -: فعل متعدٍ و لازمٌ ، نقول فيهما : عَلَّ يَعُِلّ – بضم العين وكسرها - و مصدرهما: عَلاًّ وعَلَلاً .

وأَعلَّهُ اللهُ : أي : أصابه بعلة .

والعلة : المرض ، عَلَّ واعتلّ ، أي مرض ، وصاحبها مُعتَلّ ، فهو عليل ، وهي حدث يشغل صاحبه عن وجهه ، كأنَّ تلك العلة صارت شُغلاً ثانياً ، منعه عن شغله الأول .

وعَلَّلَهُ بالشيء تعليلاً ، أي: لهّاه به ، كما يُعلَّل الصبيُّ بشيء من الطعام عن اللبن ، والتعليل : سقيٌ بعد سقي ، وجنيُ الثمرة مرة بعد أخرى ، والتعليل : تبيين عِلة الشيء ، وأيضاً ما يستدل به من العلة على المعلول ، وعَلَّلَ الشيءَ : بَيّن علتَهُ وأَثبتَهُ بالدليل ، فهو مُعلَّل(1) .

قال الخطَّابي : (( والعُلالة مأخوذة من العَلّ ، وهو الشرب الثاني بعد الأول ، ومنه سُميت المرأة عَلّة ؛ وذلك أنها تَعُلّ بعد صاحبتها ، أي ينتقل الزوج إليها بعد الأخرى ))(2) .

وذكر ابن فارس في عل : ثلاثة أصول صحيحة :
(( أحدها : تكرار أو تكرير ، و الثاني : عائق يعوق ، و الثالث : ضعف في الشيء .
فالأول : العلل ، و هو الشربة الثانية ، و يقال : علل بعد نهل ، ويقال : أعل القوم ، إذا شربت إبلهم عللاً .
قال ابن الأعرابي في المثل : ما زيارتك إيانا إلا سوم عالة ، أي : مثل الإبل التي تعل . وإنَّما قيل هذا ؛ لأنها إذا كرر عليها الشرب ، كان أقل لشربها الثاني .

والثاني :العائق يعوق ، قال الخليل : العلة : حدث يشغل صاحبه عن وجهه ، و يقال : اعتله كذا ، أي اعتاقه ، قال : فاعتله الدهر وللدهر علل .

والثالث : العلة المرض ، وصاحبها معتل ، قال ابن الأعرابي : عل المريض يعل ، فهو عليل ))(3)
وزاد صاحب كتاب : " العلة وأجناسها عند المحدّثين " معنى رابعاً ، هو التشاغل بالشيء والتلهي به ، ويمكن أنْ يضم تحت الأصل الثاني .

والمعل : اسم مفعول من أعله : أنزل به علة فهو مُعَلٌّ ، يقولون : لا أَعَلَّكَ اللهُ ، أي لا أصابك بعلة ، والحديث الذي اكْتُشِفَتْ فيه علةٌ قادحة هو مُعَلٌّ ؛ لأنَّه ظهر أنَّه مصاب بتلك العلة (4) .
وبهذا يتضح أنَّ أقرب المعاني اللغوية لمعنى العلة في اصطلاح المحدّثين هو المرض ؛ وذلك لأنَّ الحديث الذي ظاهره الصحة ، إذا اكتشف الناقد فيه علة قادحة ، فإنَّ ذلك يمنع من الحكم بصحته .

تعريف العلة اصطلاحاً :

عرفها الحافظ ابن الصلاح بقوله : (( هي عبارة عن أسباب خفية ، غامضة ، قادحة ، فيه )) (5) .
وعرفها النووي بقوله: (( عبارة عن سبب غامض ، قادح ، مع أنَّ الظاهر السلامة منه )) (6) .

فللعلة ركنان :

1- سبب خفي غامض .
2- قادح في السند أو المتن أو كليهما .

ولا يكون الحديث مُعَلاً إذا فقد أحد شرطيه .

الاصطلاح الذي يطلق على الحديث المصاب بعلة :

خاض(7) العلماء - قدامى ومُحْدَثينَ - في الاستعمال الصحيح لاسم المفعول للحديث الذي أصابته علة ، والحقيقة أنَّ اسم المفعول يكون اشتقاقه من الأفعال الثلاثية وغيرها .

فمن الفعل الثلاثي يكون على زنة ( مفعول ) ويشتق من الفعل المبني للمجهول أو لما لم يُسمَّ فاعله ، نحو : حُمِدَ فهو محمود ، وعُلَّ فهو معلول .

أما من الفعل غير الثلاثي وهو الرباعي والخماسي وغيرهما ، فيكون على وزن مضارعه مع إبدال حرف المضارعة ميماً مضمومة ، وفتح ما قبل الآخر ، نحو : أَعَلَّ فعل رباعي ، وزن مضارعه يَعِلُّ ، واسم المفعول منه مُعَلّ ، والفعل عَلّل رباعي أيضاً ، وزن مضارعه يعلل ، واسم المفعول منه مُعَلَّل ، والفعل اعتلّ خماسي ، وزن مضارعه يَعْتَلّ ، واسم المفعول منه مُعْتَلّ .

وتتفاوت نسبة استعمال العلماء لهذه التسميات ، فالمعلول تسمية للحديث الذي أصابته علة استعمله المحدّثون واللغويون ، فمن المحدّثين : البخاري ، والترمذي ، وابن عدي ، والدارقطني ، والحاكم وغيرهم ، ومن اللغويين : الزجّاج ، وابن القوطية ، وقطرب ، والجوهري ، والمطرزي ، وابن هشام وغيرهم .. ومن منكري هذه الصيغة ابن الصلاح فقد أنكرها بقوله : (( مرذول عند أهل العربية واللغة ))(8) ، وقال النووي : (( هو لحن ))(9) ، وقال العراقي في " ألفيته " : (( وسم ما بعلة مشمول معللاً ولا تقل معلول ))(10).

وأنكره الفيروزأبادي بقوله : (( ولا تقل : معلول )) (11) .
وتابع السيوطيُّ النوويَّ في تلحينه له ... (12) ، وحكاية بعض أهل اللغة له ، غير مخرج له عن كونه ضعيفاً ، ولا سيما قد أنكره غير واحد من اللغويين كابن سيده ، والحريري ، وغيرهما .

ثم اعترض العراقي على التسمية بـ (( معلل )) فقال : (( والأحسن أنْ يقال فيه : (( معل )) بلام واحدة لا معلل ؛ فإنَّ الذي بلامين يستعمله أهل اللغة بمعنى : ألهاه بالشيء و شغله به ، من تعليل الصبي بالطعام ، وأما بلام واحدة ، فهو الأكثر في كلام أهل اللغة ، وفي عبارة أهل الحديث أيضاً(13) )) .
وهاتان الصيغتان : ( معلول ) و ( معلل ) هما اللتان كثر الاعتراض عليهما ، أما باقي الصيغ فصحيحة أفصحها ( مُعَلّ ) .

ــــــــــــــــــــــ
(1) انظر : " العين " ، و " المعجم الوسيط " مادة ( عل ) ، و " الصحاح " ، و " اللسان " مادة ( علل ) .
(2) " غريب الحديث " للخطَّابي 1/75 .
(3) " معجم مقاييس اللغة " مادة ( عل ) .
(4) "لسان العرب " مادة ( علل ) .
(5) " معرفة أنواع علم الحديث " : 187 بتحقيقي .
(6) " التقريب " المطبوع مع " التدريب " 1/252 .
(7) أي : مشى وهذا من تشبيه المعقول بالمحسوس للإشارة إلى أنَّ المتكلم في ذلك كالخائض في الماء الماشي في غير مظنة المشي ، وهذا إيذان وتنبيه على أنَّ الناس مضطربون في هذا التعريف ، وانظر التعليق على " النكت الوفية " 1/92 .
(8) " معرفة أنواع علم الحديث " : 186 بتحقيقي .
(9) " التقريب " المطبوع مع " تدريب الراوي " 1/251 .
(10) " شرح التبصرة والتذكرة " 1/272 بتحقيقي .
(11) " القاموس المحيط " مادة ( علل ) .
(12) انظر : " تدريب الراوي " 1/251 .
(13) " التقييد والإيضاح " : 117 ، وعبارته في " شرح التبصرة والتذكرة " 1/273 بتحقيقي : (( والأجود في تسميته : المعل )) وقد عقب البقاعي على ذلك ، فقال في " النكت الوفية " 1/499 بتحقيقي : (( يفهم أنَّ في استعمال معلل جودةً ما ، وليس كذلك ؛ فإنَّه لا يجوز أصلاً ، فيحمل على أنَّ مراد الشيخ أنَّه أجود من المعلول )) .


سألة: الجزء الثاني التحليل الموضوعي
[ ص: 774 ] [ ص: 775 ] المقصد السابع

من مقاصد هذا الكتاب

في التعادل والترجيح

وفيه ثلاثة مباحث

المبحث الأول : في معناهما وفي العمل بالترجيح وفي شروطه .

المبحث الثاني : في التعارض بين دليلين قطعيين .

المبحث الثالث : في وجوه الترجيح بين المتعارضين لا في نفس الأمر بل في الظاهر .

[ ص: 776 ] [ ص: 777 ] ( المبحث الأول )

في معناهما ، وفي العمل بالترجيح ، وفي شروطه

أما التعادل : فهو التساوي ، وفي الشرع استواء الأمارتين .

وأما الترجيح : فهو إثبات الفضل في أحد جانبي المتقابلين ، أو جعل الشيء راجحا ويقال مجازا لاعتقاد الرجحان .

وفي الاصطلاح : اقتران الأمارة بما تقوى بها على معارضتها .

قال في المحصول : الترجيح تقوية أحد الطرفين على الآخر فيعلم الأقوى فيعمل به ، ويطرح الآخر ، وإنما قلنا طرفين ؛ لأنه لا يصح الترجيح بين الأمرين إلا بعد تكامل كونهما ( طريقين لو ) انفرد كل واحد منهما فإنه لا يصح ترجيح الطرف على ما ليس بطرف . انتهى .

والقصد منه تصحيح الصحيح ، وإبطال الباطل .

قال الزركشي في البحر : اعلم أن الله لم ينصب على جميع الأحكام الشرعية أدلة قاطعة ، بل جعلها ظنية ؛ قصدا للتوسع على المكلفين ، لئلا ينحصروا في مذهب واحد ، لقيام الدليل القاطع عليه ، وإذا ثبت أن المعتبر في الأحكام الشرعية الأدلة الظنية ، فقد تتعارض في الظاهر بحسب جلائها وخفائها ، فوجب الترجيح بينهما ، والعمل بالأقوى ، والدليل على تعيين الأقوى أنه إذا تعارض دليلان أو أمارتان ، فإما أن يعملا جميعا ، أو ( يلغيا جميعا أو ) يعمل بالمرجوح ، أو الراجح وهذا متعين .

قال : أما حقيقته ، يعني التعارض فهو تفاعل ، من العرض ، بضم العين ، وهو الناحية والجهة ، كأن الكلام المتعارض يقف بعضه في عرض بعض ، أي ناحيته وجهته ، [ ص: 778 ] فيمنعه من النفوذ إلى حيث وجه .

وفي الاصطلاح : تقابل الدليلين على سبيل الممانعة .

وللترجيح شروط :

( الأول ) : التساوي في الثبوت ، فلا تعارض بين الكتاب وخبر الواحد ، إلا من حيث الدلالة .

( الثاني ) : التساوي في القوة ، فلا تعارض بين المتواتر والآحاد ، بل يقدم المتواتر بالاتفاق ، كما نقله إمام الحرمين .

( الثالث ) : اتفاقهما في الحكم ، مع اتحاد الوقت والمحل والجهة ، فلا تعارض بين النهي عن البيع مثلا في وقت النداء ، مع الإذن به في غيره .

وحكى إمام الحرمين في تعارض الظاهرين في الكتاب والسنة مذاهب :

( أحدها ) : يقدم الكتاب لخبر معاذ .

( وثانيهما ) : تقدم السنة ؛ لأنها المفسرة للكتاب ، والمبينة له .


( وثالثها ) : التعارض ، وصححه ، واحتج عليه بالاتفاق ، وزيف الثاني بأنه ليس الخلاف في السنة المفسرة للكتاب ، بل المعارضة له .

وأقسام التعادل والترجيح بحسب القسمة العقلية عشرة ؛ لأن الأدلة أربعة : الكتاب ، والسنة ، والإجماع ، والقياس .

فيقع التعارض بين الكتاب والكتاب ، وبين الكتاب والسنة ، وبين الكتاب والإجماع ، وبين الكتاب والقياس ؛ فهذه أربعة .

ويقع بين السنة والسنة ، وبين السنة والإجماع ، وبين السنة والقياس ، فهذه ثلاثة .

ويقع بين الإجماع والإجماع ، وبين الإجماع والقياس ، وبين القياسين ، فهذه ثلاثة ، الجميع عشرة .

قال الرازي في المحصول : الأكثرون اتفقوا على جواز التمسك بالترجيح ، وأنكره [ ص: 779 ] بعضهم ، وقال : عند التعارض يلزم التخيير ، أو التوقف ، لنا وجوه :

( الأول ) : إجماع الصحابة على العمل بالترجيح ، فإنهم قدموا خبر عائشة بوجوب الغسل عند التقاء الختانين ، على خبر الماء من الماء وقدموا خبر من روى من أزواجه أنه كان - صلى الله عليه وآله وسلم - يصبح جنبا على ما روى أبو هريرة أنه من يصبح جنبا فلا صوم له .

وقبل علي خبر أبي بكر ولم يحلفه ، وكان لا يقبل من غيره إلا بعد تحليفه ، وقبل أبو بكر خبر المغيرة في ميراث الجدة لموافقة محمد بن مسلمة له .

وقبل عمر خبر أبي موسى في الاستئذان لموافقة أبي سعيد الخدري له .

[ ص: 780 ] ( الثاني ) : أن الظنين إذا تعارضا ، ثم ترجح أحدهما على الآخر ، كان العمل بالراجح متعينا عرفا ، فيجب شرعا ؛ لقوله - صلى الله عليه وآله وسلم - : ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن .

( الثالث ) : أنه لو لم يعمل بالراجح ؛ لزم العمل بالمرجوح على الراجح ، وترجيح المرجوح على الراجح ممتنع في بداهة العقل .

واحتج المنكر بأمرين :

( أحدهما ) : أن الترجيح لو اعتبر في الأمارات لاعتبر في البينات والحكومات ؛ لأنه لو اعتبر لكانت العلة في اعتباره ترجيح الأظهر على الظاهر ، وهذا المعنى قائم هنا .

( الثاني ) : أن قوله - تعالى - : فاعتبروا يا أولي الأبصار وقوله - صلى الله عليه وآله وسلم - نحن نحكم بالظاهر . يقتضي إلغاء زيادة الظن .

والجواب عن الأول والثاني : أن ما ذكرتموه دليل ظني ، وما ذكرناه قطعي ، والظني لا يعارض القطعي انتهى .

وما ذكره من الأحاديث هاهنا صحيح ، إلا حديث : ما رآه المسلمون حسنا وحديث " نحن نحكم بالظاهر " فلا أصل لهما ، لكن معناهما صحيح ، وقد ورد في أحاديث أخر ما يفيد ذلك كما في قوله - صلى الله عليه وآله وسلم - : للعباس لما قال له إنه خرج يوم بدر مكرها ، فقال : كان ظاهرك علينا وكما في قوله - صلى الله عليه [ ص: 781 ] وآله وسلم - : إنما أقضي بما أسمع وكما في أمره - صلى الله عليه وآله وسلم - بلزوم الجماعة ، وذم من خرج عنها وأمره بلزوم السواد الأعظم .


ويجاب عما ذكره المنكرون بجواب أحسن مما ذكره ، أما عن الأول : فيقال : نحن نقول بموجب ما ذكرتم فإذا ظهر الترجيح لإحدى البينتين على الأخرى ، أو لأحد الحكمين على الآخر ، كان العمل على الراجح .

وأما عن الثاني فيقال : لا دلالة على محل النزاع في الآية ، بوجه من الوجوه ، وأما قوله : نحن نحكم بالظاهر ( فلم يبق ) الظاهر ظاهرا بعد وجود ما هو أرجح منه .

إظهار التشكيل | إخفاء التشكيل
مسألة: الجزء الثاني التحليل الموضوعي
أنه لا يمكن التعارض بين دليلين قطعيين اتفاقا ، سواء كانا عقليين ، أو نقليين ، هكذا حكى الاتفاق الزركشي في البحر .

قال الرازي في المحصول : الترجيح لا يجوز في الأدلة اليقينية ؛ لوجهين :

( الأول ) : أن شرط اليقيني أن يكون مركبا من مقدمات ضرورية ، أو لازمة عنها لزوما ضروريا ، إما بواسطة واحدة ، أو وسائط ، شأن كل واحدة منها ذلك ، وهذا لا يتأتى إلا عند اجتماع علوم أربعة :

( الأول ) : العلم الضروري بحقية المقدمات ، إما ابتداء أو انتهاء .

( والثاني ) : العلم الضروري ( بصحة تركيبها .

( والثالث ) : العلم الضروري بلزوم النتيجة عنها .

( والرابع ) : العلم الضروري ) بأن ما يلزم عن الضروري لزوما ضروريا فهو ضروري .

فهذه العلوم الأربعة يستحيل حصولها في النقيضين معا ، وإلا لزم القدح في الضروريات ، وهو سفسطة ، وإذا علم ثبوتها امتنع التعارض .

[ ص: 782 ] ( الثاني ) الترجيح عبارة عن التقوية ، والعلم اليقيني لا يقبل التقوية ؛ لأنه إن قارنه احتمال النقيض ، ولو على أبعد الوجوه ، كان ظنا لا علما ، وإن لم يقارنه ذلك لم يقبل التقوية . انتهى .

وقد جعل أهل المنطق شروط التناقض في القضايا الشخصية ثمانية : اتحاد الموضوع ، والمحمول والإضافة والكل ، والجزء ، في القوة والفعل ، وفي الزمان ، والمكان .

وزاد بعض المتأخرين ( تاسعا ) وهو : اتحادهما في الحقيقة والمجاز ، نحو قوله - تعالى - : وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ورد هذا بعضهم بأنه راجع إلى وحدة الإضافة ، أي تراهم بالإضافة إلى أهوال يوم القيامة سكارى ، مجازا ، وما هم بسكارى ، بالإضافة إلى الخمر .

ومنهم من رد الثمانية إلى ثلاثة : الاتحاد في الموضوع والمحمول والزمان .

ومنهم من ردها إلى اثنين : الاتحاد في الموضوع ، والمحمول ، ولاندراج وحدة الزمان تحت وحدة المحمول .

ومنهم من ردها إلى أمر واحد ، وهو الاتحاد في النسبة .

وهذه الشروط على هذا الاختلاف فيها لا يخص الضروريات ، وإنما ذكرناها هاهنا لمزيد الفائدة بها .

ومما لا يصح التعارض فيه إذا كان أحد المتناقضين قطعيا ، والآخر ظنيا ؛ لأن الظن ينتفي بالقطع بالنقيض ، وإنما يتعارض الظنيان ، سواء كان المتعارضان نقليين ، أو عقليين ، أو كان أحدهما نقليا ، والآخر عقليا ، ويكون الترجيح بينهما بما سيأتي .

وقد منع جماعة وجود دليلين ينصبهما الله - تعالى - في مسألة ، متكافئين في نفس الأمر ، بحيث لا يكون لأحدهما مرجح ، وقالوا : لا بد أن يكون أحدهما أرجح من الآخر في نفس الأمر ، وإن جاز خفاؤه على بعض المجتهدين ، ولا يجوز تعارضهما في نفس الأمر ، من كل وجه .

قال إلكيا وهو الظاهر من مذهب عامة الفقهاء ، وبه قال العنبري .

[ ص: 783 ] وقال ابن السمعاني : وهو مذهب الفقهاء ونصره ، وحكاه الآمدي عن أحمد بن حنبل عن أحمد القاضي وأبو الخطاب من أصحابه ، وإليه ذهب أبو علي ، وأبو هاشم عن القاضي أبي بكر الباقلاني .

قال إلكيا وهو المنقول عن الشافعي ، وقرره الصيرفي في شرح الرسالة فقال قد صرح الشافعي بأنه لا يصح عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أبدا حديثان صحيحان متضادان ينفي أحدهما ما يثبته الآخر من غير جهة الخصوص ، والعموم والإجمال والتفسير إلا على وجه النسخ ، وإن لم يجده ، انتهى . وفصل القاضي من الحنابلة بين مسائل الأصول فيمتنع ، وبين مسائل الفروع فيجوز .

وحكى الماوردي والروياني عن الأكثرين أن التعارض على جهة التكافؤ ، في نفس الأمر ، بحيث لا يكون أحدهما أرجح من الآخر جائز وواقع .

وقال القاضي أبو بكر ، والأستاذ أبو منصور ، والغزالي ، وابن الصباغ : الترجيح بين الظواهر المتعارضة إنما يصح على قول من قال : إن المصيب في الفروع واحد ، وأما القائلون : بأن كل مجتهد مصيب ، فلا معنى لترجيح ظاهر على ظاهر ؛ لأن الكل صواب عنده .

واختار الفخر الرازي ، وأتباعه ، أن تعادل الأمارتين على حكم واحد في فعلين متباينين جائز وواقع ، وأما تعارضهما متباينين في فعل واحد ، كالإباحة والتحريم ، فإنه جائز عقلا ممتنع شرعا .

ص: 785 ] المبحث الثالث

في وجوه الترجيح بين المتعارضين

لا في نفس الأمر ، بل في الظاهر

وقد قدمنا في المبحث الأول أنه متفق عليه ، ولم يخالف في ذلك إلا من لا يعتد به .

ومن نظر في أحوال الصحابة والتابعين وتابعيهم ومن بعدهم ، وجدهم متفقين على العمل بالراجح وترك المرجوح ، وقد سمى بعضهم هذا المخالف في العمل بالترجيح فقال هو البصري الملقب بـ " جعل " كما حكاه القاضي ، واستبعد الإبياري وقوع ذلك من مثله ، وعلى كل حال فهو مسبوق بالإجماع على استعمال الترجيح في كل طبقة من طبقات أهل الإسلام .

وشرط القاضي في الترجيح شرطا غير ما قد ذكرناه في المبحث الأول ، فقال : لا يجوز العمل بالترجيح المظنون ؛ لأن الأصل امتناع العمل بشيء من الظنون ، وخرج من ذلك الظنون المستقلة بأنفسها ؛ لانعقاد إجماع الصحابة عليها ، وما وراء ذلك يبقى على الأصل ، والترجيح عمل بظن لا يستقل بنفسه دليلا .

وأجيب عنه : بأن الإجماع انعقد على وجوب العمل بالظن الذي لا يستقل كما انعقد على المستقل .

ومن شروط الترجيح التي لا بد من اعتبارها أن لا يمكن الجمع بين المتعارضين بوجه مقبول ، فإن أمكن ذلك تعين المصير ، ولم يجز المصير إلى الترجيح .

قال في المحصول : العمل بكل منهما من وجه أولى من العمل بالراجح من كل وجه ، وترك الآخر . انتهى .

وبه قال الفقهاء جميعا .

[ ص: 786 ] واعلم أن الترجيح قد يكون باعتبار الإسناد ، وقد يكون باعتبار المتن ، وقد يكون باعتبار المدلول ، وقد يكون باعتبار أمر خارج ، فهذه أربعة أنواع .

والنوع الخامس : الترجيح بين الأقيسة .

والنوع السادس : الترجيح بين الحدود السمعية .

( النوع الأول ) : الترجيح باعتبار الإسناد وله صور :

( الصورة الأولى ) : الترجيح بكثرة الرواة ، فيرجع ما رواته أكثر على رواته أقل ؛ لقوة الظن به ، وإليه ذهب الجمهور .

وذهب الشافعي في القديم إلى أنهما سواء ، وشبهه بالشهادات ، وبه قال الكرخي .

قال إمام الحرمين : إن لم يمكن الرجوع إلى دليل آخر قطع باتباع الأكثر ، فإنه أولى من الإلغاء ؛ لأنا نعلم أن الصحابة لو تعارض لهم خبران هذه صفتهما لم يعطلوا الواقعة ، بل كانوا يقدمون هذا .

قال : وأما إذا كان في المسألة قياس ، وخبران متعارضان ، كثرت رواة أحدهما ، فالمسألة ظنية ، والاعتماد على ما يؤدي إليه اجتهاد الناظر .

وفي المسألة قول رابع صار إليه القاضي ، والغزالي ، وهو أن الاعتماد على ما غلب ظن المجتهد ، فرب عدل أقوى في النفس من عدلين ؛ لشدة يقظته وضبطه انتهى .

وهذا صحيح ، لكن المفروض في الترجيح بالكثرة ، وهو كون الأكثر من الرواة مثل الأقل في وصف العدالة ونحوها .

قال ابن دقيق العيد : وهو مرجح من أقوى المرجحات ، فإن الظن يتأكد عند ترادف الروايات ؛ ولهذا يقوى الظن إلى أن يصير العلم به متواترا . انتهى .

أما لو تعارضت الكثرة من جانب ، والعدالة من الجانب الآخر ، ففيه قولان :

( أحدهما ) : ترجيح الكثرة .

[ ص: 787 ] ( وثانيهما ) ترجيح العدالة ، فإنه رب عدل يعدل ألف رجل في الثقة ، كما قيل : إن شعبة بن الحجاج كان يعدل مائتين وقد كان الصحابة يقدمون رواية الصديق على رواية غيره .

( النوع الثاني ) : أنه يرجح ما كانت الوسائط فيه قليلة ، وذلك بأن يكون إسناده عاليا ؛ لأن الخطأ والغلط فيما كانت وسائطه أقل ، دون ما كانت وسائطه أكثر .

( النوع الثالث ) : أنها ترجح رواية الكبير على رواية الصغير ؛ لأنه أقرب إلى الضبط ، إلا أن يعلم أن الصغير مثله في الضبط ، أو أكثر ضبطا منه .

( النوع الرابع ) : أنها ترجح رواية من كان فقيها على من لم يكن كذلك ؛ لأنه أعرف بمدلولات الألفاظ .

( النوع الخامس ) : أنها ترجح رواية من كان عالما باللغة العربية ؛ لأنه أعرف بالمعنى ممن لم يكن كذلك .

( النوع السادس ) : أن يكون أحدهما أوثق من الآخر .

( النوع السابع ) : أن يكون أحدهما أحفظ من الآخر .

( النوع الثامن ) : أن يكون أحدهما من الخلفاء الأربعة دون الآخر .

( النوع التاسع ) : أن يكون أحدهما متبعا والآخر مبتدعا .

( النوع العاشر ) : أن يكون أحدهما صاحب الواقعة ؛ لأنه أعرف بالقصة .

( النوع الحادي عشر ) : أن يكون أحدهما مباشرا لما رواه دون الآخر .

( النوع الثاني عشر ) : أن يكون أحدهما كثير المخالطة للنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - دون الآخر ؛ لأن المخالطة تقتضي زيادة في الاطلاع .

( النوع الثالث عشر ) : أن يكون أحدهما أكثر ملازمة للمحدثين من الآخر .

( النوع الرابع عشر ) : أن يكون أحدهما قد طالت صحبته للنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - دون الآخر .

( النوع الخامس عشر ) : أن يكون أحدهما قد ثبتت عدالته بالتزكية ، والآخر بمجرد الظاهر .

[ ص: 788 ] ( النوع السادس عشر ) أن يكون أحدهما قد ثبتت عدالته بالممارسة والاختبار ، والآخر بمجرد التزكية ، فإنه ليس الخبر كالمعاينة .

( النوع السابع عشر ) : أن يكون أحدهما قد وقع الحكم بعدالته دون الآخر .

( النوع الثامن عشر ) : أن يكون أحدهما قد عدل مع ذكر أسباب التعديل ، والآخر عدل بدونها .

( النوع التاسع عشر ) : أن يكون المزكون لأحدهما أكثر من المزكين للآخر .

( النوع العشرون ) : أن يكون المزكون لأحدهما أكثر بحثا عن أحوال الناس من المزكين للآخر .

( النوع الحادي والعشرون ) : أن يكون المزكون لأحدهما أعلم من المزكين للآخر ؛ لأن مزيد العلم له مدخل في الإصابة .

( النوع الثاني والعشرون ) : أن يكون أحدهما قد حفظ اللفظ ، فهو أرجح ممن روى المعنى ، أو اعتمد على الكتابة ، وقيل : إن رواية من اعتمد على الكتابة أرجح من رواية من اعتمد على الحفظ .

( النوع الثالث والعشرون ) : أن يكون أحدهما أسرع حفظا من الآخر ، وأبطأ نسيانا منه ، فإنه أرجح ، أما لو كان أحدهما أسرع حفظا ، وأسرع نسيانا ، والآخر أبطأ حفظا ، وأبطأ نسيانا ، فالظاهر أن الآخر أرجح من الأول ؛ لأنه يوثق بما حفظه ورواه وثوقا زائدا على ما رواه الأول .

( النوع الرابع والعشرون ) : أنها ترجح رواية من يوافق الحفاظ على رواية من يتفرد عنهم في كثير من رواياته .

( النوع الخامس والعشرون ) : أنها ترجح رواية من دام حفظه وعقله ، ولم يختلط على من اختلط في آخر عمره ، ولم يعرف هل روى الخبر حال سلامته أو حال اختلاطه .

( النوع السادس والعشرون ) : أنها ترجح رواية من كان أشهر بالعدالة والثقة من الآخر ؛ لأن ذلك يمنعه من الكذب .

( النوع السابع والعشرون ) : أنها ترجح رواية من كان مشهور النسب على من لم [ ص: 789 ] يكن مشهورا ؛ لأن احتراز المشهور عن الكذب أكثر .

( النوع الثامن والعشرون ) : أن يكون أحدهما معروف الاسم ، ولم يلتبس اسمه باسم أحد من الضعفاء على من يلتبس اسمه باسم ضعيف .

( النوع التاسع والعشرون ) : أنها ترجح رواية من ( تحمل بعد البلوغ على رواية من تحمل قبل البلوغ .

( النوع الثلاثون ) : أنها ترجح رواية من ) تأخر إسلامه على من تقدم إسلامه ؛ لاحتمال أن يكون ما رواه من تقدم إسلامه منسوخا ، هكذا قال الشيخ أبو إسحاق الشيرازي ، وابن برهان ، والبيضاوي ، وقال الآمدي بعكس ذلك .

( النوع الحادي والثلاثون ) : أنها ترجح رواية الذكر على الأنثى ؛ لأن الذكور أقوى فهما ، وأثبت حفظا ، وقيل : لا تقدم .

( النوع الثاني والثلاثون ) : أنها تقدم رواية الحر على العبد ؛ لأن تحرزه عن الكذب أكثر وقيل : لا تقدم .

( النوع الثالث والثلاثون ) : أنها تقدم رواية من ذكر سبب الحديث على من لم يذكر سببه .

( النوع الرابع والثلاثون ) : أنها تقدم رواية من لم يختلف الرواة عليه على من اختلفوا عليه .

( النوع الخامس والثلاثون ) : أن يكون أحدهما أحسن استيفاء للحديث من الآخر ، فإنها ترجح روايته .

( النوع السادس والثلاثون ) : أنها تقدم رواية من سمع شفاها على من سمع من وراء حجاب .

( النوع السابع والثلاثون ) : أن يكون أحد الخبرين بلفظ " حدثنا " أو أخبرنا فإنه أرجح من لفظ " أنبأنا " ونحوه ، قيل : ويرجح لفظ " حدثنا " على لفظ " أخبرنا " .

( النوع الثامن والثلاثون ) : أنها تقدم رواية من سمع من لفظ الشيخ على رواية من [ ص: 790 ] سمع بالقراءة عليه .

( النوع التاسع والثلاثون ) : أنها تقدم رواية من روى بالسماع على رواية من روى بالإجازة .

( النوع الأربعون ) : أنها تقدم رواية من روى المسند على رواية من روى المرسل .

( النوع الحادي والأربعون ) : أنها تقدم الأحاديث التي في الصحيحين على الأحاديث الخارجة عنهما .

( النوع الثاني والأربعون ) : أنها تقدم رواية من لم ينكر عليه على رواية من أنكر عليه .

( واعلم ) : أن وجوه الترجيح كثيرة ، وحاصلها أن ما كان أكثر إفادة للظن فهو راجح ، فإن وقع التعارض في بعض هذه المرجحات ، فعلى المجتهد أن يرجح بين ما تعارض منها .

وأما المرجحات باعتبار المتن فهي أنواع :

( النوع الأول ) : أن يقدم الخاص على العام ، كذا قيل ، ولا يخفاك أن تقديم الخاص على العام بمعنى العمل به فيما تناوله ، والعمل بالعام فيما بقي ليس من باب الترجيح ، بل من باب الجمع ، وهو مقدم على الترجيح .

( النوع الثاني ) : أنه يقدم الأفصح على الفصيح ؛ لأن الظن بأنه لفظ النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أقوى .

وقيل : لا يرجح بهذا ؛ لأن البليغ يتكلم بالأفصح والفصيح .

( النوع الثالث ) : أنه يقدم العام الذي لم يخصص على العام الذي قد خصص ، كذا نقله إمام الحرمين عن المحققين ، وجزم به سليم الرازي ، وعللوا ذلك بأن دخول التخصيص يضعف اللفظ ، ويصير به مجازا ، قال الفخر الرازي : لأن الذي قد خصص قد أزيل عن تمام مسماه .

واعترض على ذلك الصفي الهندي : بأن المخصص راجح ، من حيث كونه خاصا بالنسبة إلى العام ، الذي لم يخصص ( واختار ابن المنير تقديم العام المخصوص على [ ص: 791 ] العام الذي لم يخصص ) ؛ لأن المخصوص قد قلت أفراده ، حتى قارب النص ، إذ كل عام لا بد أن يكون نصا في أقل متناولاته .

( النوع الرابع ) : أنه يقدم العام الذي لم يرد على سبب على العام الوارد على سبب ، كذا قال إمام الحرمين في البرهان ، وإلكيا ، والشيخ أبو إسحاق الشيرازي في اللمع وسليم الرازي في التقريب والرازي في المحصول قالوا : لأن الوارد على غير سبب متفق على عمومه ، والوارد على سبب مختلف في عمومه .

قال الصفي الهندي : ومن المعلوم أن هذا الترجيح إنما يتأتى بالنسبة إلى ذلك السبب ، وأما بالنسبة إلى سائر الأفراد المندرجة تحت العامين . فلا انتهى .

وفيه نظر ، لأن الخلاف في عموم الوارد على سبب هو كائن في سائر الأفراد .

( النوع الخامس ) : أنها تقدم الحقيقة على المجاز ؛ لتبادرها إلى الذهن ، هذا إذا لم يغلب المجاز .

( النوع السادس ) : أنه يقدم المجاز الذي هو أشبه بالحقيقة على المجاز الذي لم يكن كذلك .

( النوع السابع ) : أنه يقدم ما كان حقيقة شرعية ، أو عرفية على ما كان حقيقة لغوية ، قال في المحصول : وهذا ظاهر في اللفظ الذي قد صار شرعيا ، لا فيما لم يكن كذلك ، كذا قال ، ولا يخفى أن الكلام فيما صار شرعيا ، لا فيما لا يثبت كونه شرعيا ، فإنه خارج عن هذا .

( النوع الثامن ) : أنه يقدم ما كان مستغنيا عن الإضمار في دلالته على ما هو مفتقر إليه .

( النوع التاسع ) : أنه يقدم الدال على المراد من وجهين على ما كان دالا على المراد من وجه واحد .

( النوع العاشر ) : أنه يقدم ما دل على المراد بغير واسطة على ما دل عليه بواسطة .

( النوع الحادي عشر ) : أنه يقدم ما كان فيه الإيماء إلى علة الحكم على ما لم يكن [ ص: 792 ] كذلك ؛ لأن دلالة المعلل أوضح من دلالة ما لم يكن معللا .

( النوع الثاني عشر ) : أنه يقدم ما ذكرت فيه العلة متقدمة على ما ذكرت فيه العلة متأخرة ، وقيل : العكس .

( النوع الثالث عشر ) : أنه يقدم ما ذكر فيه معارضة على ما لم يذكر ، كقوله : كنت نهيتكم عن زيارة القبور ، فزوروها على الدال على تحريم الزيارة مطلقا .

( النوع الرابع عشر ) : أنه يقدم المقرون بالتهديد على ما لم يقرن به .

( النوع الخامس عشر ) : أن يقدم المقرون بالتأكيد على ما لم يقرن به .

( النوع السادس عشر ) : أنه يقدم ما كان مقصودا به البيان على ما لم يقصد به .

( النوع السابع عشر ) : أن يقدم مفهوم الموافقة على مفهوم المخالفة ، وقيل : بالعكس ، وقيل : لا يرجح أحدهما على الآخر والأول أولى .

( النوع الثامن عشر ) : أنه يقدم النهي على الأمر .

( النوع التاسع عشر ) : أنه يقدم النهي على الإباحة .

( النوع العشرون ) : أنه يقدم الأمر على الإباحة .

( النوع الحادي والعشرون ) : أنه يقدم الأقل احتمالا على الأكثر احتمالا .

( النوع الثاني والعشرون ) : أنه يقدم المجاز على المشترك .

( النوع الثالث والعشرون ) : أنه يقدم الأشهر في الشرع ، أو اللغة ، أو العرف على غير الأشهر فيها .

( النوع الرابع والعشرون ) : أنه يقدم ما يدل بالاقتضاء على ما يدل بالإشارة وعلى ما يدل بالإيماء وعلى ما يدل بالمفهوم ، موافقة ومخالفة .

( النوع الخامس والعشرون ) : أنه يقدم ما يتضمن تخصيص العام على ما يتضمن تأويل الخاص ؛ لأنه أكثر .

( النوع السادس والعشرون ) : أنه يقدم المقيد على المطلق .

[ ص: 793 ] ( النوع السابع والعشرون ) : أنه يقدم ما كانت صيغة عمومه بالشرط الصريح ، على ما كان صيغة عمومه بكونه نكرة في سياق النفي ، أو جمعا معرفا ، أو مضافا ونحوهما .

( النوع الثامن والعشرون ) : أنه يقدم الجمع المحلى ، والاسم الموصول على اسم الجنس المعرف باللام ، لكثرة استعماله في المعهود ، فتصير دلالته أضعف ، على خلاف معروف في هذا ، وفي الذي قبله .

Cant See Links





رد مع اقتباس
قديم 06-11-2010, 06:14 PM   رقم المشاركة : 6
الكاتب

أفاق الفكر

مراقب

مراقب

أفاق الفكر غير متواجد حالياً


الملف الشخصي








أفاق الفكر غير متواجد حالياً


رد: ٍاصول الفقه في سؤال وجواب


بِـسمِ اللهِ الرَّحَمنِ الرَّحِيمِ

أصول الفقه

" وَيسأَلونَكَ عَـنْ الـرُّوحِ قُـل الـرُّوحُ مِـن أَمـرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُـم مِـنْ الـعِلمِ إِلا قَليلاً "

الآية رقم 85 سورة الإسراء

أهمية البحث :-

ترجع أهمية البحث في دراسة أصول الفقه الديني للوقوف على كيفية تحليل وإخراج الحكم الشرعي للأمور الدينية التي تهم المرء المسلم ليحاسب نفسه قبل أن يحاسب .

هدف البحث :-

وضع خطة البحث على مرحلتين هامتين إحداهما: تمهيدية وهي ما تسمى بمرحلة السطح. والأخرى: المرحلة العالية وهي ما تسمى بمرحلة الخارج.

مصادر البحث :-

اعتمدت في كتابه البحث عن عدة كتب استعرتها من المكتبة وبعض المقالات المأخوذة من الانترنت لدراسة علم الأصول من أكثر من جانب وبيان أهميته لنا كمجتمع إسلامي .

منهجية البحث :-

اتبعت في دراسة علم الأصول على منهج الوصف والتحليل وبداية نتعرف على تعريف علم الأصول وموضوعه ومنطق الفقه واللغة فيه وأهميته ، ثم بدأت في تقسيم الحكم الشرعي ثم الحديث عن بحوث علم الأصول .

فرضيات الدراسة والتساؤلات :-

هناك عدة أسئلة ستطرح في هذا البحث :-

حينما يتناول الفقيه مسألة كمسألة الإقامة للصلاة ، ويحاول استنباط حكمها يتساءل في البداية: ما هو نوع الحكم الشرعي المتعلق بالإقامة؟ فإن حصل على دليل يكشف عن نوع الحكم الشرعي للإقامة كان عليه أن يحدد موقفه العملي واستنباطه على أساسه، فيكون استنباطا قائما على أساس الدليل. وإن لم يحصل الفقيه على دليل يعين نوع الحكم الشرعي المتعلق بالإقامة فسوف يظل الحكم الشرعي مجهولا للفقيه وفي هذه الحالة يستبدل الفقيه سؤاله الأول الذي طرحه في البداية سؤال جديد كما يلي: ما هي القواعد التي تحدد الموقف العملي تجاه الحكم الشرعي المجهول؟ وهذه القواعد تسمى بالأصول العملية، ومثالها أصالة البراء‌ة، وهي القاعدة القائلة أن كل إيجاب أو تحريم مجهول لم يقم عليه دليل فلا أثر له على سلوك الإنسان وليس الإنسان ملزما بالاحتياط من ناحيته والتقييد به، ويقوم الاستنباط في هذه الحالة على أساس الأصل العملي بدلا عن الدليل والفرق بين الأصل والدليل أن الأصل لا يحرز الواقع وإنما يحدد الوظيفة العملية تجاهه وهو نحو من الاستنباط ولأجل هذا يمكننا تنويع عملية الاستنباط إلى نوعين: أحدهما الاستنباط القائم على أساس الدليل، كالاستنباط المستمد من نص دال على الحكم الشرعي، والآخر الاستنباط القائم على أساس الأصل العملي كالاستنباط المستمد من أصالة البراء‌ة.

المقدمة : -
إن الحمد لله نحمده ولا نجحده ونشكره ولا نكفره ونستعين به ونستنصره ونستهديه ونستغفره وصلاة وسلامًا على المبعوث رحمة للعالمين محمد e ورضوان الله على أصحابه والتابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد:

فإن الدراسات العلمية لعلم أصول الفقه تمر في مناهج الحوزة عادة بمرحلتين، أحداهما: تمهيدية وهي ما تسمى بمرحلة السطح. والأخرى: المرحلة العالية وهي ما تسمى بمرحلة الخارج.

وتتخذ هذه الدراسة في مرحلتها التمهيدية أسلوب البحث في كتب معينة مؤلفة في ذلك العلم يدرسها الطالب على يد الأساتذة الأكفاء ليتهيأ من خلال ذلك لحضور أبحاث الخارج. وقد جرى العرف العام على اختيار المعالم والقوانين والرسائل والكفاية كتبا دراسية للمرحلة المذكورة، وهذا عرف جرت عليه مناهج الحوزة منذ أكثر من نصف قرن ولم يطرأ تغيير ملحوظ باستثناء تضاؤل دور كتاب القوانين من بين هذه الكتب الأربعة ككتاب دراسي بالتدريج، وانصراف عدد كبير من الطلبة في الفترة الأخيرة عن دراسته، واستبداله بكتاب أصول الفقه كحلقة وسيطة بين المعالم وكتابي الرسائل والكفاية.

والحقيقة أن الكتب الأربعة لها مقامها العلمي، وهي على العموم تعتبر حسب مراحلها التاريخية كتبا تجديدية ساهمت إلى درجة كبيرة في تطوير الفكر العلمي الأصولي على اختلاف درجاتها في هذه المساهمة، وقد يكون اختيار هذه الكتب الأربعة كتبا دراسية نتيجة عامل مشترك وهو ما أثاره كل واحد منها عند صدوره من شعور عميق لدى العلماء بأهميته العلمية وما اشتمل عليه من أفكار ونكات، هذا إضافة إلى ما تميزت به بعض تلك الكتب من إيجاز للمطالب وضغط في العبارة كالكفاية مثلا.

وقد أدت هذه الكتب الأربعة دورا جليلا في هذا المضمار، وتخرج من حلقاتها الدراسية خلال نصف قرن الآلاف من الطلبة الذين وجدوا فيها سلمهم إلى أبحاث الخارج. ولا يسعنا في هذا المجال إلا أن نستشعر - بعمق - بما لأصحاب هذه الكتب الأبرار قدس الله أسرارهم الزكية من فضل عظيم على الحوزة ومسيرتها العلمية.

هذا ونسأل المولى سبحانه وتعالى أن يتقبل هذا البحث بلطفه وينفع به إخواننا الطلاب الأعزاء في الحوزات العلمية وأن ينفعنا به يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم والحمد لله رب العالمين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.


تعريف علم الأصول:

وعلى هذا الأساس نرى أن يعرف علم الأصول بأنه " العلم بالعناصر المشتركة في عملية استنباط الحكم الشرعي ".

ولكي نستوعب هذا التعريف يجب أن نعرف ما هي العناصر المشتركة في عملية الاستنباط. ولنذكر - لأجل ذلك - نماذج بدائية من هذه العملية في صيغ مختصرة

لكي نصل عن طريق دراسة هذه النماذج والمقارنة بينها إلى فكرة العناصر المشتركة في عملية الاستنباط.

افرضوا أن فقيها واجه هذه الأسئلة:

1 - هل يحرم على الصائم أن يرتمس في الماء؟

2 - هل يجب على الشخص إذا ورث مالا من أبيه أن يؤدي خمسه؟

3 - هل تبطل الصلاة بالقهقهة في أثنائها؟

فإذا أراد الفقيه أن يجيب على هذه الأسئلة فإنه سوف يجيب على السؤال الأول مثلا بالإيجاب وأنه يحرم الارتماس على الصائم ويستنبط ذلك بالطريقة التالية: قد دلت رواية يعقوب بن شعيب عن الإمام الصادق (عليه السلام) على حرمة الارتماس على الصائم فقد جاء فيها أنه قال: لا يرتمس المحرم في الماء ولا الصائم.

والجملة بهذا التركيب تدل في العرف العام على الحرمة وراوي النص يعقوب بن شعيب ثقة والثقة وإن كان قد يخطى أو يشذ أحيانا ولكن الشارع أمرنا بعدم اتهام الثقة بالخطأ أو الكذب واعتبره حجة، والنتيجة هي أن الارتماس حرام.

ويجيب الفقيه على السؤال الثاني بالنفي لان رواية علي بن مهزيار جاء‌ت في مقام تحديد الأموال التي يجب فيها الخمس وورد فيها أن الخمس ثابت في الميراث الذي لا يحتسب من غير أب ولا ابن، والعرف العام يفهم من هذه الجملة أن الشارع لم يجعل خمسا على الميراث الذي ينتقل من الأب إلى ابنه، والراوي ثقة وخبر الثقة حجة، والنتيجة هي أن الخمس في تركة الأب غير واجب.

ويجيب الفقيه على السؤال الثالث بالإيجاب بدليل رواية زرارة عن الإمام الصادق أنه قال: " القهقهة لا تنقض الوضوء وتنقض الصلاة " والعرف العام يفهم من النقض أن الصلاة تبطل بها وزرارة ثقة وخبر الثقة حجة، فالصلاة مع القهقهة باطلة إذن.

وبملاحظة هذه المواقف الفقهية الثلاثة نجد أن الأحكام التي استنبطها الفقيه كانت من أبواب شتى من الفقه، وأن الأدلة التي استند إليها الفقيه مختلفة، فبالنسبة إلى الحكم الأول استند إلى رواية يعقوب بن شعيب، وبالنسبة إلى الحكم الثاني استند إلى رواية علي ابن مهزيار، وبالنسبة إلى الحكم الثالث استند إلى رواية زرارة ولكل من الروايات الثلاث متنها وتركيبها اللفظي الخاص الذي يجب أن يدرس بدقة ويحدد معناه، ولكن توجد في مقابل هذا التنوع وهذه والاختلافات بين المواقف الثلاثة عناصر مشتركة أدخلها الفقيه في عمليه الاستنباط في المواقف الثلاثة جميعا.

فمن تلك العناصر المشتركة الرجوع إلى العرف العام في فهم الكلام الصادر عن المعصوم، وهو ما يعبر عنه بحجية الظهور العرفي فحجية الظهور إذن عنصر مشترك في عمليات الاستنباط الثلاث، وكذلك يوجد عنصر مشترك آخر وهو حجية خبر الثقة. وهكذا نستنتج أن عمليات الاستنباط تشتمل على عناصر مشتركة كما تشتمل على عناصر خاصة، ونعني بالعناصر الخاصة تلك العناصر التي تتغير من مسألة إلى أخرى فرواية يعقوب بن شعيب عنصر خاص في عملية استنباط حرمة الارتماس لأنها لم تدخل في عمليات الاستنابط الأخرى بل دخلت بدلا عنها عناصر خاصة أخرى كرواية علي بن مهزيار ورواية زرارة.

ونعني بالعناصر المشتركة القواعد العامة التي تدخل في عمليات استنباط أحكام عديدة في أبواب مختلفة. وفي علم الأصول تدرس العناصر المشتركة وفي علم الفقه تدرس العناصر الخاصة في كل مسألة. وهكذا يترك للفقيه في كل مسألة أن يفحص بدقة الروايات والمدارك الخاصة التي ترتبط بتلك المسألة ويدرس قيمة تلك الروايات ويحاول فهم ألفاظها وظهورها العرفي وأسانيدها بينما يتناول الأصول البحث عن حجية الظهور وحجية الخبر وهكذا.

وعلم الأصول لا يحدد العناصر المشتركة فحسب بل يحدد أيضا درجات استعمالها والعلاقة بينها .

موضوع علم الأصول:

لكل علم - عادة - موضوع أساسي ترتكز جميع بحوثه عليه وتدور حوله وتستهدف الكشف عما يرتبط بذلك الموضوع من خصائص وحالات وقوانين، فالفيزياء مثلا موضوعها الطبيعة وبحوث الفيزياء ترتبط كلها بالطبيعة وتحاول الكشف عن حالاتها وقوانينها العامة. والنحو موضوعه الكلمة لأنه يبحث عن حالات إعرابها وبنائها رفعها ونصبها.

فما هو موضوع علم الأصول الذي تدور حوله بحوثه؟.

ونحن إذا لاحظنا التعريف الذي قدمناه لعلم الأصول استطعنا أن نعرف أن علم الأصول يدرس في الحقيقة الأدلة المشتركة في علم الفقه لإثبات دليلها، وبهذا صح القول بأن موضوع علم الأصول هو الأدلة المشتركة في عملية الاستنباط.

أهمية علم الأصول في عملية الاستنباط :

ولسنا بعد ذلك بحاجة إلى التأكيد على أهمية علم الأصول وخطورة دوره في عالم الاستنباط لأنه ما دام يقدم لعملية الاستنباط عناصرها المشتركة ويضع لها نظامها العام فهو عصب الحياة فيها، وبدون علم الأصول يواجه الشخص في الفقه ركاما متناثرا من النصوص والأدلة دون أن يستطيع استخدامها والاستفادة منها في الاستنباط، كإنسان يواجه أدوات النجارة ويعطى منشارا وفأسا وما إليها من أدوات دون أن يملك أفكارا عامة عن عملية النجارة وطريقة استخدام تلك الأدوات.

وكما أن العناصر المشتركة ضرورية لعملية الاستنباط فكذلك العناصر الخاصة التي تختلف من مسألة إلى أخرى كمفردات الآيات والروايات المتناثرة فإنها الجزء الضروري الآخر فيها، فلا يكفي مجرد الإطلاع على العناصر المشتركة التي يمثلها علم الأصول ومن يحاول الاستنباط على أساس الإطلاع الأصولي فحسب نظير من يملك معلومات نظرية عامة عن عملية النجارة ولا يوجد لديه فأس ولا منشار وما إليهما من أدوات النجارة فكما يعجز هذا عن صنع سرير خشبي مثلا كذلك يعجز الأصولي عن الاستنباط إذ لم يفحص بدقة العناصر الخاصة المتغيرة من مسألة إلى أخرى.

فالعناصر المشتركة والعناصر الخاصة قطبان مندمجان في عملية الاستنباط ولا غنى للعملية عنهما معا.

جواز عملية الاستنباط :

ما دام علم الأصول يرتبط بعملية الاستنباط ويحدد عناصرها المشتركة فيجب أن نعرف قبل كل شيء موقف الشريعة من هذه العملية، فهل سمح الشارع لأحد بممارستها لكي يوجد مجال لوضع علم لدراسة عناصرها المشتركة؟

يجيب الجواب على البداهة بالإيجاب، لان عملية الاستنباط كما تقدم عبارة عن تحديد الموقف العملي تجاه الشريعة تحديدا استدلاليا، ومن البديهي أن الإنسان بحكم تبعيته للشريعة ملزم بتحديد موقفه العملي منها، ولما لم تكن أحكام الشريعة غالبا في البداهة والوضوح بدرجة تغني عن إقامة الدليل، فليس من المعقول أن يحرم على الناس جميعا تحديد الموقف العملي تحديدا استدلاليا.

الحكم الشرعي وتقسيمه:

عرفنا أن علم الأصول يدرس العناصر المشتركة في عملية استنباط الحكم الشرعي، ولأجل ذلك يجب أن نكون فكرة عامة منذ البدء عن الحكم الشرعي الذي يقوم علم الأصول بتحديد العناصر المشتركة في عملية استنباطه.

الحكم الشرعي هو: التشريع الصادر من الله تعالى لتنظيم حياة الإنسان. والخطابات الشرعية في الكتاب والسنة مبرزة للحكم وكاشفة عنه، وليست هي الحكم الشرعي نفسه.

وعلى هذا الضوء يكون من الخطأ تعريف الحكم الشرعي بالصيغة المشهورة بين قدماء الأصوليين، إذ يعرفونه بأنه الخطاب الشرعي المتعلق بأفعال المكلفين، فإن الخطاب كاشف عن الحكم والحكم هو مدلول الخطاب.

أضف إلى ذلك أن الحكم الشرعي لا يتعلق بأفعال المكلفين دائما، بل قد يتعلق بذواتهم أو بأشياء أخرى ترتبط بهم، لان الهدف من الحكم الشرعي تنظيم حياة الإنسان، وهذا الهدف كما يحصل بخطاب متعلق بأفعال المكلفين كخطاب " صل " و " صم " و " لا تشرب الخمر " كذلك يحصل بخطاب متعلق بذواتهم أو بأشياء أخرى تدخل في حياتهم من قبيل الأحكام والخطابات التي تنظم علاقة الزوجية وتعتبر المرأة زوجة للرجل في ظل شروط معينة، أو تنظيم علاقة الملكية وتعتبر الشخص مالكا للمال في ظل شروط معينه، فإن هذه الأحكام ليست متعلقة بأفعال المكلفين بل الزوجية حكم شرعي متعلق بذواتهم والملكية حكم شرعي متعلق بالمال. فالأفضل إذن استبدال الصيغة المشهور بما قلناه من أن الحكم الشرعي هو التشريع الصادر من الله لتنظيم حياة الإنسان سواء كان متعلقا بأفعال أو بذاته أو بأشياء أخرى داخلة في حياته.

تقسيم الحكم إلى تكليفي ووضعي:

وعلى ضوء ما سبق يمكننا تقسيم الحكم إلى قسمين:

أحدهما: الحكم الشرعي المتعلق بأفعال الإنسان والموجه لسلوكه مباشرة في مختلف جوانب حياته الشخصية والعبادية والعائلية والاجتماعية التي عالجتها الشريعة ونظمتها جميعا، كحرمة شرب الخمر ووجوب الصلاة ووجوب الإنفاق على بعض الأقارب، وإباحة إحياء الأرض، ووجوب العدل على الحاكم.

والآخر: الحكم الشرعي الذي لا يكون موجها مباشرا للإنسان في أفعاله وسلوكه، وهو كل حكم يشرع وضعا معينا يكون له تأثير غير مباشر في سلوك الإنسان، من قبيل الأحكام التي تنظم علاقات الزوجية، فإنها تشرع بصورة مباشرة علاقة معينة بين الرجل والمرأة وتؤثر بصورة غير مباشرة في السلوك وتوجهه لان المرأة بعد أن تصبح زوجة مثلا تلزم بسلوك معين تجاه زوجها، ويسمى هذا النوع من الأحكام بالأحكام الوضعية.

والارتباط بين الأحكام الوضعية والأحكام التكليفية وثيق، إذ لا يوجد حكم وضعي إلا ويوجد إلى جانبه حكم تكليفي، فالزوجية حكم شرعي وضعي توجد إلى جانبه أحكام تكليفية وهي وجوب إنفاق الزوج على زوجته ووجوب التمكين على الزوجة، والملكية حكم شرعي وضعي توجد إلى جانبه أحكام تكليفية من قبيل حرمة تصرف غير المالك في المال إلا بإذنه، وهكذا.

بحوث علم الأصول : تنويع البحث

حينما يتناول الفقيه مسألة كمسألة الإقامة للصلاة، ويحاول استنباط حكمها يتساءل في البداية: ما هو نوع الحكم الشرعي المتعلق بالإقامة؟

فإن حصل على دليل يكشف عن نوع الحكم الشرعي للإقامة كان عليه أن يحدد موقفه العملي واستنباطه على أساسه، فيكون استنباطا قائما على أساس الدليل. وإن لم يحصل الفقيه على دليل يعين نوع الحكم الشرعي المتعلق بالإقامة فسوف يظل الحكم الشرعي مجهولا للفقيه وفي هذه الحالة يستبدل الفقيه سؤاله الأول الذي طرحه في البداية سؤال جديد كما يلي:

ما هي القواعد التي تحدد الموقف العملي تجاه الحكم الشرعي المجهول؟

وهذه القواعد تسمى بالأصول العملية، ومثالها أصالة البراء‌ة، وهي القاعدة القائلة أن كل إيجاب أو تحريم مجهول لم يقم عليه دليل فلا أثر له على سلوك الإنسان وليس الإنسان ملزما بالاحتياط من ناحيته والتقييد به، ويقوم الاستنباط في هذه الحالة على أساس الأصل العملي بدلا عن الدليل والفرق بين الأصل والدليل أن الأصل لا يحرز الواقع وإنما يحدد الوظيفة العملية تجاهه وهو نحو من الاستنباط ولأجل هذا يمكننا تنويع عملية الاستنباط إلى نوعين: احدهما الاستنباط القائم على أساس الدليل، كالاستنباط المستمد من نص دال على الحكم الشرعي، والآخر الاستنباط القائم على أساس الأصل العملي كالاستنباط المستمد من أصالة البراء‌ة.

ولما كان علم الأصول هو العلم بالعناصر المشتركة في عملية الاستنباط فهو يزود كلا النوعين بعناصره المشتركة، وعلى هذا الأساس ننوع البحوث الأصولية إلى نوعين نتكلم في النوع الأول عن العناصر المشتركة في عملية الاستنباط التي تتمثل في أدلة محرزة للحكم، ونتكلم في النوع الثاني عن العناصر المشتركة في عملية الاستنباط التي تتمثل في أصول عملية.

1 - الدليل الشرعي:

أ - الدليل الشرعي اللفظي (الدلالة):


لما كانت دلالة الدليل اللفظي ترتبط بالنظام اللغوي العام للدلالة نجد من الراجح أن نمهد للبحث في دلالات الأدلة اللفظية بدراسة إجمالية لطبيعة الدلالة اللغوية وكيفية تكونها ونظرة عامة فيها.

ما هو الوضع والعلاقة اللغوية:

في كل لغة تقوم علاقات بين مجموعة من الألفاظ ومجموعة من المعاني، ويرتبط كل لفظ بمعنى خاص ارتباطا يجعلنا كلما تصورنا اللفظ انتقل ذهننا فورا إلى تصور المعنى وهذا الاقتران بين تصور اللفظ وتصور المعنى وانتقال الذهن من أحدهما إلى الآخر هو ما نطلق عليه اسم " الدلالة " فحين نقول: " كلمة الماء تدل على السائل الخاص " نريد بذلك أن تصور كلمة الماء يؤدي إلى تصور ذلك السائل الخاص، ويسمى اللفظ " دالا " والمعنى " مدلولا " وعلى هذا الأساس نعرف أن العلاقة بين تصور اللفظ وتصور المعنى تشابه إلى درجة ما العلاقة التي نشاهدها في حياتنا الاعتيادية بين النار والحرارة أو بين طلوع الشمس والضوء، فكما أن النار تؤدي إلى الحرارة وطلوع الشمس يؤدي إلى الضوء، كذلك تصور اللفظ يؤدي إلى تصور المعنى ولأجل هذا يمكن القول بأن تصور اللفظ سبب لتصور المعنى كما تكون النار سببا للحرارة وطلوع الشمس سببا للضوء، غير أن علاقة السببية بين تصور اللفظ وتصور والسؤال الأساسي بشأن هذه العلاقة التي توجد في اللغة بين اللفظ والمعنى هو السؤال عن مصدر هذه العلاقة وكيفية تكونها، فكيف تكونت علاقة السببية بين اللفظ والمعنى؟ وكيف أصبح تصور اللفظ سببا لتصور المعنى مع أن اللفظ والمعنى شيئان مختلفان كل الاختلاف؟ ويذكر في علم الأصول عادة اتجاهان في الجواب على هذا السؤال الأساسي، يقوم الاتجاه الأول على أساس الاعتقاد بأن علاقة اللفظ بالمعنى نابعة من طبيعة اللفظ ذاته كما نبعث علاقة النار بالحرارة من طبيعة النار ذاتها، فلفظ " الماء " مثلا له بحكم طبيعته علاقة بالمعنى الخاص الذي نفهمه منه، ولأجل هذا يؤكد هذا الاتجاه أن دلالة اللفظ على المعنى ذاتية وليست مكتسبة من أي سبب خارجي.

ويعجز هذا الاتجاه عن تفسير الموقف تفسيرا شاملا، لان دلالة اللفظ على المعنى وعلاقاته به إذا كانت ذاتية وغير نابعة من أي سبب خارجي وكان اللفظ بطبيعته يدفع الذهن البشري إلى تصور معناه فلماذا يعجز غير العربي عن الانتقال إلى تصور معنى كلمة " الماء " عند تصوره للكلمة؟ ولماذا يحتاج إلى تعلم اللغة العربية لكي ينتقل ذهنه إلى المعنى عند سماع الكلمة العربية وتصورها؟ إن هذا دليل على أن العلاقة التي تقوم في ذهننا بين تصور اللفظ وتصور المعنى ليست نابعة من طبيعة اللفظ بل من سبب آخر يتطلب الحصول عليه إلى تعلم اللغة، فالدلالة إذن ليست ذاتية.

وأما الاتجاه الآخر فينكر بحق الدلالة الذاتية، ويفترض أن العلاقات اللغوية بين اللفظ والمعنى نشأت في كل لغة على يد الشخص الأول أو الأشخاص الأوائل الذين استحدثوا تلك اللغة وتكلموا بها، فإن هؤلاء خصصوا ألفاظا معينة لمعان خاصة، فاكتسبت الألفاظ نتيجة لذلك التخصيص علاقة بتلك المعاني وأصبح كل لفظ يدل على معناه الخاص، وذلك التخصيص الذي مارسه أولئك الأوائل ونتجت عنه الدلالة يسمى ب‍ (الوضع)، ويسمى الممارس له (واضعا)، واللفظ (موضوعا)، والمعنى (موضوعا له).

والحقيقة أن هذا الاتجاه وإن كان على حق في إنكاره للدلالة الذاتية ولكنه لم يتقدم إلا خطوة قصيرة في حل المشكلة الأساسية التي لا تزال قائمة حتى بعد الفرضية التي يفترضها أصحاب هذا الاتجاه فنحن إذا افترضنا معهم أن علاقة السببية نشأت نتيجة لعمل قام به مؤسسو اللغة إذ خصصوا كل لفظ لمعنى خاص فلنا أن نتساءل منا هو نوع هذا العمل الذي قام به هؤلاء المؤسسون؟ وسوف نجد أن المشكلة لا تزال قائمة لان اللفظ والمعنى ما دام لا يوجد بينهما علاقة ذاتية ولا أي ارتباط مسبق فكيف استطاع مؤسس اللغة أن يوجد علاقة السببية بين شيئين لا علاقة بينهما؟ وهل يكفي مجرد تخصيص المؤسس للفظ وتعيينه له سببا لتصور المعنى لكي يصبح سببا لتصور المعنى حقيقة؟ وكلنا نعلم أن المؤسس وأي شخص آخر يعجز أن يعجل من حمرة الحبر الذي يكتب به سببا لحرارة الماء، ولو كرر المحاولة مائة مرة قائلا خصصت حمرة الحبر الذي أكتب به لكي تكون سببا لحرارة الماء، فكيف استطاع أن ينجح في جعل اللفظ سببا لتصور المعنى بمجرد تخصيصه لذلك دون أي علاقة سابقة بين اللفظ والمعنى؟.

وهكذا نواجه المشكلة كما كنا نواجهها، فليس يكفي لحلها أن نفسر علاقة اللفظ بالمعنى على أساس عملية يقوم بها مؤسس اللغة، بل يجب أن نفهم محتوى هذه العملية لكي نعرف كيف قامت علاقة السببية بين شيئين لم تكن بينهما علاقة. والصحيح في حل المشكلة أن علاقة السببية التي تقوم في اللغة بين اللفظ والمعنى توجد وفقا لقانون عام من قوانين الذهن البشري.

والقانون العام هو أن كل شيئين إذا اقترن تصور أحدهما مع تصور الآخر في ذهن الإنسان مرارا عديدة ولو على سبيل الصدفة قامت بينهما علاقة وأصبح أحد التصورين سببا لانتقال الذهن إلى تصور الآخر.


ومثال ذلك في حياتنا الاعتيادية أن نعيش مع صديقين لا يفترقان في مختلف شؤون حياتهما نجدهما دائما معا، فإذا رأينا بعد ذلك أحد هذين الصديقين منفردا أو سمعنا باسمه أسرع ذهننا إلى تصور الصديق الآخر، لان رؤيتهما معا مرارا كثيرا أوجد علاقة في تصورنا وهذه العلاقة تجعل تصورنا لأحدهما سببا لتصور الآخر.

وقد يكفي أن تقترن فكرة أحد الشيئيين بفكرة الآخر مرة واحدة لكي تقوم بينهما علاقة، وذلك إذا أقرنت الفكرتان في ظرف مؤثر، ومثاله إذا سافر شخص إلى بلد ومني هناك بالملاريا الشديدة ثم شفي منها ورجع فقد ينتج ذلك الاقتران بين الملاريا والسفر إلى ذلك البلد علاقة بينهما، فمتى تصور ذلك البلد انتقل ذهنه إلى تصور الملاريا.

وإذا درسنا على هذا الأساس علاقة السببية بين اللفظ والمعنى زالت المشكلة، إذا نستطيع أن نفسر هذه العلاقة بوصفها نتيجة لاقتران تصور المعنى بتصور اللفظ بصورة متكررة أو في ظرف مؤثر، الأمر الذي أدى إلى قيام علاقة بينهما كما وقع في الحالات المشار إليها.

ويبقى علينا بعد هذا أن نتساءل: كيف اقترن تصور اللفظ بمعنى خاص موارد كثيرة أو في ظرف مؤثر فأنتج قيام العلاقة اللغوية بينهما؟.

والجواب على هذا السؤال: أن بعض الألفاظ اقترنت بمعان معينة مرارا عديدة بصورة تلقائية فنشأت بينهما العلاقة اللغوية. وقد يكون من هذا القبيل كلمة (آه) إذا كانت تخرج من فم الإنسان بطبيعته كلما أحس بالألم، فارتبطت كلمة (آه) في ذهنه بفكرة الألم، فأصبح كلما سمع كلمة (آه) انتقل ذهنه إلى فكرة الألم.

ومن المحتمل أن الإنسان قبل أن توجد لديه أي لغة قد استرعي انتباهه هذه العلاقات التي قامت بين الألفاظ من قبيل (آه) ومعانيها نتيجة لاقتران تلقائي بينهما، وأخذ ينشئ على منوالها علاقات جديدة بين الألفاظ والمعاني.

وبعض الألفاظ قرنت بالمعنى في عملية واعية مقصودة لكي تقوم بينهما علاقة سببية. وأحسن نموذج لذلك الأعلام الشخصية فأنت حين تريد أن تسمي ابنك عليا تقرن اسم على بالوليد الجديد لكي تنشئ بينها علاقة لغوية ويصبح اسم علي دالا على وليدك. ويسمى عملك هذا " وضعا " فالوضع هو عملية تقرن بها لفظا بمعنى نتيجتها أن يقفز الذهن إلى المعنى عند تصور اللفظ دائما. ونستطيع أن نشبه الوضع على هذا الأساس بما تصنه حين تسأل عن طبيب العيون فيقال لك: هو (جابر) فتريد أن تركز اسمه في ذاكرتك وتجعل نفسك تستحضره متى أردت فتحاول أن تقرن بينه وبين شيء قريب من ذهنك فتقول مثلا: أنا بالأمس قرأت كتابا أخذ من نفسي مأخذا كبيرا اسم مؤلفه جابر فلا تذكر دائما أن اسم طبيب العيون هو اسم صاحب ذلك الكتاب.

وهكذا توجد عن هذا الطريق ارتباطا خاصا بين صاحب الكتاب والطبيب جابر، وبعد ذلك تصبح قادرا على استذكار اسم الطبيب متى تصورت ذلك الكتاب. وهذه الطريقة في إيجاد الارتباط لا تختلف جوهريا عن اتخاذ الوضع كوسيلة لإيجاد العلاقة اللغوية. وعلى هذا الأساس نعرف أن من نتائج الوضع إنسباق المعنى الموضوع له وتبادره إلى الذهن بمجرد سماع اللفظ بسبب تلك العلاقة التي يحققها الوضع ومن هنا يمكن الاستدلال على الوضع بالتبادر وجعله علامة على أن المعنى المتبادر هو المعنى الموضوع له لان المعلول يكشف عن العلة كشفا أنيا ولهذا عد التبادر من علامات الحقيقة.

ب - الدليل الشرعي غير اللفظي :

الدليل الشرعي غير اللفظي كل ما يصدر من المعصوم مما له دلالة على الحكم الشرعي وليس من نوع الكلام. ويدخل ضمن ذلك فعل المعصوم، فإن أتى المعصوم بفعل دل على جوازه، وأن تركه، دل على عدم وجوبه، وأن أوقعه بعنوان كونه طاعة لله تعالى دل على المطلوبية، ويثبت لدينا صدور هذه الإنحاء من التصرف عن المعصوم بنفس الطرق المتقدمة التي يثبت بها صدور الدليل الشرعي اللفظي. ويدخل ضمن ذلك تقرير المعصوم، وهو السكوت منه عن تصرف يواجهه، فإنه يدل على الإمضاء وإلا لكان على المعصوم أن يردع عنه فيستكشف من عدم الردع الإمضاء والارتضاء.

والتصرف تارة يكون شخصيا في واقعة معينة كما إذا توضأ إنسان أمام الإمام فمسح منكوسا وسكت الإمام عنه، وأخرى يكون نوعيا كالسيرة العقلائية، وهي عبارة عن ميل عام عند العقلاء نحو سلوك معين دون أن يكون للشرع دور إيجابي في تكوين هذا الميل، ومثال ذلك الميل العام لدى العقلاء نحو الأخذ بظهور كلام المتكلم أو خبر الثقة أو باعتبار الحيازة سببا لتملك المباحات الأولية، والسيرة العقلائية بهذا المعنى تختلف عن سيرة المشترعة التي تقدم أنها إحدى الطرق لكشف صدور الدليل الشرعي، فإن سيرة المشترعة بما هم كذلك تكون عادة وليدة البيان الشرعي، ولهذا تعتبر كاشفة عنه كشف المعلول عن العلة.

وأما السيرة العقلائية فمردها كما عرفنا إلى ميل عام يوجد عند العقلاء نحو سلوك معين، لا كنتيجة لبيان شرعي بل نتيجة العوامل والمؤثرات الأخرى التي تتكيف وفقا، لها، ميول العقلاء وتصرفاتهم، ولأجل هذا لا يقتصر الميل العام الذي تعبر عنه السيرة العقلائية على نطاق المتدينين خاصة، لان الدين لم يكن من عوامل تكوين هذا الميل.

2 - الدليل العقلي: دراسة العلاقات العقلية:

حينما يدرس العقل العلاقات بين الأشياء يتوصل إلى معرفة أنواع عديدة من العلاقة، فهو يدرك مثلا علاقة التضاد بين السواد والبياض، وهي تعني استحالة اجتماعهما في جسم واحد، ويدرك علاقة التلازم بين السبب والمسبب، فإن كل مسبب في نظر العقل ملازم لسببه ويستحيل إنفكاكه عنه، نظير الحرارة بالنسبة إلى النار، ويدرك علاقة التقدم والتأخر في الدرجة بين السبب والمسبب.

ومثاله: إذا أمسكت مفتاحا بيدك وحركت يدك فيتحرك المفتاح بسبب ذلك، وبالرغم من أن المفتاح في هذا المثال يتحرك في نفس اللحظة التي تتحرك فيها يدك، فإن العقل يدرك أن حركة اليد متقدمة على حركة المفتاح، وحركة المفتاح متأخرة عن حركة اليد لا من ناحية زمنية؟ من ناحية تسلسل الوجود، ولهذا نقول حين نريد أن نتحدث عن ذلك: " حركت يدي فتحرك المفتاح " فالفاء هنا تدل على تأخر حركة المفتاح عن حركة اليد، مع أنهما وقعا في زمان واحد. فهناك إذن تأخر لا يمت إلى الزمان بصلة، وإنما ينشأ عن تسلسل الوجود في نظر العقل، بمعنى أن العقل حين يلحظ حركة اليد وحركة المفتاح، ويدرك أن هذه نابعة من تلك، يرى أن حركة المفتاح متأخرة عن حركة اليد بوصفها نابغة منها، ويرمز إلى هذا التأخر بالفاء فيقول: " تحركت يدي فتحرك المفتاح "، ويطلق على هذا التأخر اسم " التأخر الرتبي ".

وبعد أن يدرك العقل تلك العلاقات يستطيع أن يستفيد منها في اكتشاف وجود الشيء أو عدمه، فهو عن طريق علاقة التضاد بين السواد والبياض، يستطيع أن يثبت عدم السواد في جسم إذا عرف أنه أبيض نظرا إلى استحالة

اجتماع البياض والسواد في جسم واحد، وعن طريق علاقة التلازم بين المسبب وسببه، يستطيع العقل أن يثبت وجود المسبب إذا عرف وجود السبب نظرا إلى استحالة الانفكاك بينهما. وعن طريق علاقة التقدم والتأخر يستطيع العقل أن يكتشف عدم وجود المتأخر قبل الشئ المتقدم، لان ذلك يناقض كونه متأخرا، فإذا كانت حركة المفتاح متأخرة عن حركة اليد في تسلسل الوجود، فمن المستحيل أن تكون حركة المفتاح - والحالة هذه - موجودة بصورة متقدمة على حركة اليد في تسلسل الوجود.

وكما يدرك العقل هذه العلاقات بين الأشياء ويستفيد منها في الكشف عن وجود شيء أو عدمه، كذلك يردك العلاقات القائمة بين الأحكام، ويستفيد من تلك العلاقات في الكشف عن وجود حكم أو عدمه، فهو يدرك مثلا التضاد بين الوجوب والحرمة، كما كان يدرك التضاد بين السواد والبياض، وكما كان يستخدم هذه العلاقة في نفي السواد إذا عرف وجود البياض كذلك يستخدم علاقة التضاد بين الوجوب والحرمة لنفي الوجوب عن الفعل إذا عرف أنه حرام. فهناك إذن أشياء تقوم بينها علاقات في نظر العقل، وهناك أحكام تقوم بينها علاقات في نظر العقل أيضا. ونطلق على الأشياء اسم " العالم التكويني " وعلى الأحكام اسم " العالم التشريعي ". وكما يمكن للعقل أن يكشف وجود الشيء أو عدمه في العالم التكويني عن طريق تلك العلاقات كذلك يمكن للعقل أن يكشف وجود الحكم أو عدمه في العالم التشريعي عن طريق تلك العلاقات.

ومن أجل ذلك كان من وظيفة علم الأصول أن يدرس تلك العلاقات في عالم الأحكام بوصفها قضايا عقلية صالحة لان تكون عناصر مشتركة في عملية الاستنباط .

فائدة علم الأصول:

اتضح مما سبق أن لعلم الأصول فائدة كبيرة للاستدلال الفقهي، وذلك أن الفقيه في كل مسألة فقهية يعتمد على نمطين من المقدمات في استدلاله الفقهي: أحدهما: عناصر خاصة بتلك المسألة من قبيل الرواية التي وردت في حكمها، وظهورها في إثبات الحكم المقصود، وعدم وجود معارض لها ونحو ذلك.

والآخر: عناصر مشتركة تدخل في الاستدلال على حكم تلك المسألة وفي الاستدلال على حكم مسائل أخرى كثيرة في مختلف أبواب الفقه، من قبيل أن خبر الواحد الثقة حجة وان ظهور الكلام حجة.

والنمط الأول من المقدمات يستوعبه الفقيه بحثا في نفس تلك المسألة، لان ذلك النمط من المقدمات مرتبط بها خاصة. وأما النمط الثاني فهو بحكم عدم اختصاصه بمسألة دون أخرى، أنيط ببحث آخر خارج نطاق البحث الفقهي في هذه المسألة وتلك، وهذا البحث الآخر هو الذي يعبر عنه علم الأصول، وبقدر ما اتسع الالتفات تدريجا من خلال البحث الفقهي إلى العناصر المشتركة، اتسع علم الأصول وازداد أهمية، وبذلك صح القول: بأن دور علم الأصول بالنسبة إلى الاستدلال الفقهي يشابه دور علم المنطق بالنسبة إلى الاستدلال بوجه عام، حيث إن علم المنطق يزود الاستدلال بوجه عام بالعناصر المشتركة التي لا تختص بباب من أبواب التكفير دون باب، وعلم الأصول يزود الاستدلال الفقهي خاصة بالعناصر المشتركة التي لا تختص بباب من أبواب الفقه دون باب.

الاستقراء والقياس :

عرفنا سابقا أن الأحكام الشرعية تابعة للمصالح والمفاسد والملكات التي يقدرها المولى وفق حكمته ورعايته لعباده، وليست جزافا أو تشهيا. وعليه فإذا حرم الشارع شيئا، كالخمر مثلا، ولم ينص على الملاك والمناط في تحريمه، فقد يستنتجه العقل ويحدس به، وفي حالة الحدس به يحدس حينئذ بثبوت الحكم في كل الحالات التي يشملها ذلك الملاك، لان الملاك بمثابة العلة لحكم الشارع وإدراك العلة يستوجب إدراك المعلول. وأما كيف يحدس العقل بملاك الحكم ويعينه في صفة محددة، فهذا ما قد يكون عن طريق الاستقراء تارة وعن طريق القياس أخرى.

والمراد بالاستقراء أن يلاحظ الفقيه عددا كبيرا من الأحكام يجدها جميعا تشترك في حالة واحدة من قبيل أن يحصي عددا كبيرا من الحالات التي يعذر فيها الجاهل فيجد أن الجهل هو الصفة المشتركة بين كل تلك المعذريات، فيستنتج أن المناط والملاك في المعذرية هو الجهل، فيعمم الحكم إلى سائر حالات الجهل.

والمراد بالقياس أن نحصي الحالات والصفات التي من المحتمل أن تكون مناطا للحكم وبالتأمل والحدس والاستناد إلى ذوق الشريعة يغلب على الظن أن واحدا منها هو المناط، فيعمم الحكم إلى كل حالة يوجد فيها ذلك المناط.

والاستنتاج القائم على أساس الاستقراء ظني غالبا، لان الاستقراء ناقص عادة، ولا يصل عادة إلى درجة اليقين.

والقياس ظني دائما لأنه مبني على استنباط حدسي للمناط، وكلما كان الحكم العقلي ظنيا، احتاج التعويل عليه إلى دليل على حجيته، كما هو واضح.



الخاتمة

وفي النهاية أطلب من الله سبحانه وتعالى أن أكون قد وفقت في الحديث عن علم الأصول وفائدته وأهميته والمنهج المتبع في دراسته وإن كان فيه نقص فمني ومن الشيطان وإن كان غير ذلك فأطلب من الله العلي العظيم أن يجعله في ميزان حسناتي ، وأخيرًا يقول سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه : ليس شدة السلطان قتلاً بالسيف ولا ضربًا بالسوط ولكن قضاء بالحق وأخذًا بالعدل "

{ دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنْ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

المراجع

1- صالح بن فوزان بن عبد الله آل فوزان ، الملخص الفقهي ، قسم المعاملات وغيرها ،ط1 ، دار ابن الجوزي ، الدمام 1415هـ ، 1994م .

2- د . سالم علي الثقفي ، مصطلحات الفقه الحنبلي وطرق استفادة الأحكام من ألفاظه ، ط2 ، دار النصر للطباعة الإسلامية ، شبرا 1401هـ ، 1981م .

3- السيد سابق ، فقه السنة ، ط3 ، دار الكتاب العربي المجلد الثاني ، 1397هـ ، 1977م .

4- د . محمد سيد طنطاوي ، أصول الفقه الإسلامي ، ط1 دار النصر ، الفجالة ، 1410هـ ، 1990م .

5- د. سيد قطب ، أصول الفقه المعاصر ، ط2 دار الشروق ، أسيوط ، 1402هـ ، 1982م .

6- د. منصور ناصر قموح ، الفقه وأصوله ، ط3 دار الغد ، الفجالة 1415هـ ، 1996م .


رد مع اقتباس
قديم 06-11-2010, 06:24 PM   رقم المشاركة : 7
الكاتب

أفاق الفكر

مراقب

مراقب

أفاق الفكر غير متواجد حالياً


الملف الشخصي








أفاق الفكر غير متواجد حالياً


رد: ٍاصول الفقه في سؤال وجواب


بِـسمِ اللهِ الرَّحَمنِ الرَّحِيمِ

أصول الفقه

" وَيسأَلونَكَ عَـنْ الـرُّوحِ قُـل الـرُّوحُ مِـن أَمـرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُـم مِـنْ الـعِلمِ إِلا قَليلاً "

الآية رقم 85 سورة الإسراء

أهمية البحث :-

ترجع أهمية البحث في دراسة أصول الفقه الديني للوقوف على كيفية تحليل وإخراج الحكم الشرعي للأمور الدينية التي تهم المرء المسلم ليحاسب نفسه قبل أن يحاسب .

هدف البحث :-

وضع خطة البحث على مرحلتين هامتين إحداهما: تمهيدية وهي ما تسمى بمرحلة السطح. والأخرى: المرحلة العالية وهي ما تسمى بمرحلة الخارج.

مصادر البحث :-

اعتمدت في كتابه البحث عن عدة كتب استعرتها من المكتبة وبعض المقالات المأخوذة من الانترنت لدراسة علم الأصول من أكثر من جانب وبيان أهميته لنا كمجتمع إسلامي .

منهجية البحث :-

اتبعت في دراسة علم الأصول على منهج الوصف والتحليل وبداية نتعرف على تعريف علم الأصول وموضوعه ومنطق الفقه واللغة فيه وأهميته ، ثم بدأت في تقسيم الحكم الشرعي ثم الحديث عن بحوث علم الأصول .

فرضيات الدراسة والتساؤلات :-

هناك عدة أسئلة ستطرح في هذا البحث :-

حينما يتناول الفقيه مسألة كمسألة الإقامة للصلاة ، ويحاول استنباط حكمها يتساءل في البداية: ما هو نوع الحكم الشرعي المتعلق بالإقامة؟ فإن حصل على دليل يكشف عن نوع الحكم الشرعي للإقامة كان عليه أن يحدد موقفه العملي واستنباطه على أساسه، فيكون استنباطا قائما على أساس الدليل. وإن لم يحصل الفقيه على دليل يعين نوع الحكم الشرعي المتعلق بالإقامة فسوف يظل الحكم الشرعي مجهولا للفقيه وفي هذه الحالة يستبدل الفقيه سؤاله الأول الذي طرحه في البداية سؤال جديد كما يلي: ما هي القواعد التي تحدد الموقف العملي تجاه الحكم الشرعي المجهول؟ وهذه القواعد تسمى بالأصول العملية، ومثالها أصالة البراء‌ة، وهي القاعدة القائلة أن كل إيجاب أو تحريم مجهول لم يقم عليه دليل فلا أثر له على سلوك الإنسان وليس الإنسان ملزما بالاحتياط من ناحيته والتقييد به، ويقوم الاستنباط في هذه الحالة على أساس الأصل العملي بدلا عن الدليل والفرق بين الأصل والدليل أن الأصل لا يحرز الواقع وإنما يحدد الوظيفة العملية تجاهه وهو نحو من الاستنباط ولأجل هذا يمكننا تنويع عملية الاستنباط إلى نوعين: أحدهما الاستنباط القائم على أساس الدليل، كالاستنباط المستمد من نص دال على الحكم الشرعي، والآخر الاستنباط القائم على أساس الأصل العملي كالاستنباط المستمد من أصالة البراء‌ة.

المقدمة : -
إن الحمد لله نحمده ولا نجحده ونشكره ولا نكفره ونستعين به ونستنصره ونستهديه ونستغفره وصلاة وسلامًا على المبعوث رحمة للعالمين محمد e ورضوان الله على أصحابه والتابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد:

فإن الدراسات العلمية لعلم أصول الفقه تمر في مناهج الحوزة عادة بمرحلتين، أحداهما: تمهيدية وهي ما تسمى بمرحلة السطح. والأخرى: المرحلة العالية وهي ما تسمى بمرحلة الخارج.

وتتخذ هذه الدراسة في مرحلتها التمهيدية أسلوب البحث في كتب معينة مؤلفة في ذلك العلم يدرسها الطالب على يد الأساتذة الأكفاء ليتهيأ من خلال ذلك لحضور أبحاث الخارج. وقد جرى العرف العام على اختيار المعالم والقوانين والرسائل والكفاية كتبا دراسية للمرحلة المذكورة، وهذا عرف جرت عليه مناهج الحوزة منذ أكثر من نصف قرن ولم يطرأ تغيير ملحوظ باستثناء تضاؤل دور كتاب القوانين من بين هذه الكتب الأربعة ككتاب دراسي بالتدريج، وانصراف عدد كبير من الطلبة في الفترة الأخيرة عن دراسته، واستبداله بكتاب أصول الفقه كحلقة وسيطة بين المعالم وكتابي الرسائل والكفاية.

والحقيقة أن الكتب الأربعة لها مقامها العلمي، وهي على العموم تعتبر حسب مراحلها التاريخية كتبا تجديدية ساهمت إلى درجة كبيرة في تطوير الفكر العلمي الأصولي على اختلاف درجاتها في هذه المساهمة، وقد يكون اختيار هذه الكتب الأربعة كتبا دراسية نتيجة عامل مشترك وهو ما أثاره كل واحد منها عند صدوره من شعور عميق لدى العلماء بأهميته العلمية وما اشتمل عليه من أفكار ونكات، هذا إضافة إلى ما تميزت به بعض تلك الكتب من إيجاز للمطالب وضغط في العبارة كالكفاية مثلا.

وقد أدت هذه الكتب الأربعة دورا جليلا في هذا المضمار، وتخرج من حلقاتها الدراسية خلال نصف قرن الآلاف من الطلبة الذين وجدوا فيها سلمهم إلى أبحاث الخارج. ولا يسعنا في هذا المجال إلا أن نستشعر - بعمق - بما لأصحاب هذه الكتب الأبرار قدس الله أسرارهم الزكية من فضل عظيم على الحوزة ومسيرتها العلمية.

هذا ونسأل المولى سبحانه وتعالى أن يتقبل هذا البحث بلطفه وينفع به إخواننا الطلاب الأعزاء في الحوزات العلمية وأن ينفعنا به يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم والحمد لله رب العالمين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.


تعريف علم الأصول:

وعلى هذا الأساس نرى أن يعرف علم الأصول بأنه " العلم بالعناصر المشتركة في عملية استنباط الحكم الشرعي ".

ولكي نستوعب هذا التعريف يجب أن نعرف ما هي العناصر المشتركة في عملية الاستنباط. ولنذكر - لأجل ذلك - نماذج بدائية من هذه العملية في صيغ مختصرة

لكي نصل عن طريق دراسة هذه النماذج والمقارنة بينها إلى فكرة العناصر المشتركة في عملية الاستنباط.

افرضوا أن فقيها واجه هذه الأسئلة:

1 - هل يحرم على الصائم أن يرتمس في الماء؟

2 - هل يجب على الشخص إذا ورث مالا من أبيه أن يؤدي خمسه؟

3 - هل تبطل الصلاة بالقهقهة في أثنائها؟

فإذا أراد الفقيه أن يجيب على هذه الأسئلة فإنه سوف يجيب على السؤال الأول مثلا بالإيجاب وأنه يحرم الارتماس على الصائم ويستنبط ذلك بالطريقة التالية: قد دلت رواية يعقوب بن شعيب عن الإمام الصادق (عليه السلام) على حرمة الارتماس على الصائم فقد جاء فيها أنه قال: لا يرتمس المحرم في الماء ولا الصائم.

والجملة بهذا التركيب تدل في العرف العام على الحرمة وراوي النص يعقوب بن شعيب ثقة والثقة وإن كان قد يخطى أو يشذ أحيانا ولكن الشارع أمرنا بعدم اتهام الثقة بالخطأ أو الكذب واعتبره حجة، والنتيجة هي أن الارتماس حرام.

ويجيب الفقيه على السؤال الثاني بالنفي لان رواية علي بن مهزيار جاء‌ت في مقام تحديد الأموال التي يجب فيها الخمس وورد فيها أن الخمس ثابت في الميراث الذي لا يحتسب من غير أب ولا ابن، والعرف العام يفهم من هذه الجملة أن الشارع لم يجعل خمسا على الميراث الذي ينتقل من الأب إلى ابنه، والراوي ثقة وخبر الثقة حجة، والنتيجة هي أن الخمس في تركة الأب غير واجب.

ويجيب الفقيه على السؤال الثالث بالإيجاب بدليل رواية زرارة عن الإمام الصادق أنه قال: " القهقهة لا تنقض الوضوء وتنقض الصلاة " والعرف العام يفهم من النقض أن الصلاة تبطل بها وزرارة ثقة وخبر الثقة حجة، فالصلاة مع القهقهة باطلة إذن.

وبملاحظة هذه المواقف الفقهية الثلاثة نجد أن الأحكام التي استنبطها الفقيه كانت من أبواب شتى من الفقه، وأن الأدلة التي استند إليها الفقيه مختلفة، فبالنسبة إلى الحكم الأول استند إلى رواية يعقوب بن شعيب، وبالنسبة إلى الحكم الثاني استند إلى رواية علي ابن مهزيار، وبالنسبة إلى الحكم الثالث استند إلى رواية زرارة ولكل من الروايات الثلاث متنها وتركيبها اللفظي الخاص الذي يجب أن يدرس بدقة ويحدد معناه، ولكن توجد في مقابل هذا التنوع وهذه والاختلافات بين المواقف الثلاثة عناصر مشتركة أدخلها الفقيه في عمليه الاستنباط في المواقف الثلاثة جميعا.

فمن تلك العناصر المشتركة الرجوع إلى العرف العام في فهم الكلام الصادر عن المعصوم، وهو ما يعبر عنه بحجية الظهور العرفي فحجية الظهور إذن عنصر مشترك في عمليات الاستنباط الثلاث، وكذلك يوجد عنصر مشترك آخر وهو حجية خبر الثقة. وهكذا نستنتج أن عمليات الاستنباط تشتمل على عناصر مشتركة كما تشتمل على عناصر خاصة، ونعني بالعناصر الخاصة تلك العناصر التي تتغير من مسألة إلى أخرى فرواية يعقوب بن شعيب عنصر خاص في عملية استنباط حرمة الارتماس لأنها لم تدخل في عمليات الاستنابط الأخرى بل دخلت بدلا عنها عناصر خاصة أخرى كرواية علي بن مهزيار ورواية زرارة.

ونعني بالعناصر المشتركة القواعد العامة التي تدخل في عمليات استنباط أحكام عديدة في أبواب مختلفة. وفي علم الأصول تدرس العناصر المشتركة وفي علم الفقه تدرس العناصر الخاصة في كل مسألة. وهكذا يترك للفقيه في كل مسألة أن يفحص بدقة الروايات والمدارك الخاصة التي ترتبط بتلك المسألة ويدرس قيمة تلك الروايات ويحاول فهم ألفاظها وظهورها العرفي وأسانيدها بينما يتناول الأصول البحث عن حجية الظهور وحجية الخبر وهكذا.

وعلم الأصول لا يحدد العناصر المشتركة فحسب بل يحدد أيضا درجات استعمالها والعلاقة بينها .

موضوع علم الأصول:

لكل علم - عادة - موضوع أساسي ترتكز جميع بحوثه عليه وتدور حوله وتستهدف الكشف عما يرتبط بذلك الموضوع من خصائص وحالات وقوانين، فالفيزياء مثلا موضوعها الطبيعة وبحوث الفيزياء ترتبط كلها بالطبيعة وتحاول الكشف عن حالاتها وقوانينها العامة. والنحو موضوعه الكلمة لأنه يبحث عن حالات إعرابها وبنائها رفعها ونصبها.

فما هو موضوع علم الأصول الذي تدور حوله بحوثه؟.

ونحن إذا لاحظنا التعريف الذي قدمناه لعلم الأصول استطعنا أن نعرف أن علم الأصول يدرس في الحقيقة الأدلة المشتركة في علم الفقه لإثبات دليلها، وبهذا صح القول بأن موضوع علم الأصول هو الأدلة المشتركة في عملية الاستنباط.

أهمية علم الأصول في عملية الاستنباط :

ولسنا بعد ذلك بحاجة إلى التأكيد على أهمية علم الأصول وخطورة دوره في عالم الاستنباط لأنه ما دام يقدم لعملية الاستنباط عناصرها المشتركة ويضع لها نظامها العام فهو عصب الحياة فيها، وبدون علم الأصول يواجه الشخص في الفقه ركاما متناثرا من النصوص والأدلة دون أن يستطيع استخدامها والاستفادة منها في الاستنباط، كإنسان يواجه أدوات النجارة ويعطى منشارا وفأسا وما إليها من أدوات دون أن يملك أفكارا عامة عن عملية النجارة وطريقة استخدام تلك الأدوات.

وكما أن العناصر المشتركة ضرورية لعملية الاستنباط فكذلك العناصر الخاصة التي تختلف من مسألة إلى أخرى كمفردات الآيات والروايات المتناثرة فإنها الجزء الضروري الآخر فيها، فلا يكفي مجرد الإطلاع على العناصر المشتركة التي يمثلها علم الأصول ومن يحاول الاستنباط على أساس الإطلاع الأصولي فحسب نظير من يملك معلومات نظرية عامة عن عملية النجارة ولا يوجد لديه فأس ولا منشار وما إليهما من أدوات النجارة فكما يعجز هذا عن صنع سرير خشبي مثلا كذلك يعجز الأصولي عن الاستنباط إذ لم يفحص بدقة العناصر الخاصة المتغيرة من مسألة إلى أخرى.

فالعناصر المشتركة والعناصر الخاصة قطبان مندمجان في عملية الاستنباط ولا غنى للعملية عنهما معا.

جواز عملية الاستنباط :

ما دام علم الأصول يرتبط بعملية الاستنباط ويحدد عناصرها المشتركة فيجب أن نعرف قبل كل شيء موقف الشريعة من هذه العملية، فهل سمح الشارع لأحد بممارستها لكي يوجد مجال لوضع علم لدراسة عناصرها المشتركة؟

يجيب الجواب على البداهة بالإيجاب، لان عملية الاستنباط كما تقدم عبارة عن تحديد الموقف العملي تجاه الشريعة تحديدا استدلاليا، ومن البديهي أن الإنسان بحكم تبعيته للشريعة ملزم بتحديد موقفه العملي منها، ولما لم تكن أحكام الشريعة غالبا في البداهة والوضوح بدرجة تغني عن إقامة الدليل، فليس من المعقول أن يحرم على الناس جميعا تحديد الموقف العملي تحديدا استدلاليا.

الحكم الشرعي وتقسيمه:

عرفنا أن علم الأصول يدرس العناصر المشتركة في عملية استنباط الحكم الشرعي، ولأجل ذلك يجب أن نكون فكرة عامة منذ البدء عن الحكم الشرعي الذي يقوم علم الأصول بتحديد العناصر المشتركة في عملية استنباطه.

الحكم الشرعي هو: التشريع الصادر من الله تعالى لتنظيم حياة الإنسان. والخطابات الشرعية في الكتاب والسنة مبرزة للحكم وكاشفة عنه، وليست هي الحكم الشرعي نفسه.

وعلى هذا الضوء يكون من الخطأ تعريف الحكم الشرعي بالصيغة المشهورة بين قدماء الأصوليين، إذ يعرفونه بأنه الخطاب الشرعي المتعلق بأفعال المكلفين، فإن الخطاب كاشف عن الحكم والحكم هو مدلول الخطاب.

أضف إلى ذلك أن الحكم الشرعي لا يتعلق بأفعال المكلفين دائما، بل قد يتعلق بذواتهم أو بأشياء أخرى ترتبط بهم، لان الهدف من الحكم الشرعي تنظيم حياة الإنسان، وهذا الهدف كما يحصل بخطاب متعلق بأفعال المكلفين كخطاب " صل " و " صم " و " لا تشرب الخمر " كذلك يحصل بخطاب متعلق بذواتهم أو بأشياء أخرى تدخل في حياتهم من قبيل الأحكام والخطابات التي تنظم علاقة الزوجية وتعتبر المرأة زوجة للرجل في ظل شروط معينة، أو تنظيم علاقة الملكية وتعتبر الشخص مالكا للمال في ظل شروط معينه، فإن هذه الأحكام ليست متعلقة بأفعال المكلفين بل الزوجية حكم شرعي متعلق بذواتهم والملكية حكم شرعي متعلق بالمال. فالأفضل إذن استبدال الصيغة المشهور بما قلناه من أن الحكم الشرعي هو التشريع الصادر من الله لتنظيم حياة الإنسان سواء كان متعلقا بأفعال أو بذاته أو بأشياء أخرى داخلة في حياته.


تقسيم الحكم إلى تكليفي ووضعي:

وعلى ضوء ما سبق يمكننا تقسيم الحكم إلى قسمين:

أحدهما: الحكم الشرعي المتعلق بأفعال الإنسان والموجه لسلوكه مباشرة في مختلف جوانب حياته الشخصية والعبادية والعائلية والاجتماعية التي عالجتها الشريعة ونظمتها جميعا، كحرمة شرب الخمر ووجوب الصلاة ووجوب الإنفاق على بعض الأقارب، وإباحة إحياء الأرض، ووجوب العدل على الحاكم.

والآخر: الحكم الشرعي الذي لا يكون موجها مباشرا للإنسان في أفعاله وسلوكه، وهو كل حكم يشرع وضعا معينا يكون له تأثير غير مباشر في سلوك الإنسان، من قبيل الأحكام التي تنظم علاقات الزوجية، فإنها تشرع بصورة مباشرة علاقة معينة بين الرجل والمرأة وتؤثر بصورة غير مباشرة في السلوك وتوجهه لان المرأة بعد أن تصبح زوجة مثلا تلزم بسلوك معين تجاه زوجها، ويسمى هذا النوع من الأحكام بالأحكام الوضعية.

والارتباط بين الأحكام الوضعية والأحكام التكليفية وثيق، إذ لا يوجد حكم وضعي إلا ويوجد إلى جانبه حكم تكليفي، فالزوجية حكم شرعي وضعي توجد إلى جانبه أحكام تكليفية وهي وجوب إنفاق الزوج على زوجته ووجوب التمكين على الزوجة، والملكية حكم شرعي وضعي توجد إلى جانبه أحكام تكليفية من قبيل حرمة تصرف غير المالك في المال إلا بإذنه، وهكذا.

بحوث علم الأصول : تنويع البحث

حينما يتناول الفقيه مسألة كمسألة الإقامة للصلاة، ويحاول استنباط حكمها يتساءل في البداية: ما هو نوع الحكم الشرعي المتعلق بالإقامة؟

فإن حصل على دليل يكشف عن نوع الحكم الشرعي للإقامة كان عليه أن يحدد موقفه العملي واستنباطه على أساسه، فيكون استنباطا قائما على أساس الدليل. وإن لم يحصل الفقيه على دليل يعين نوع الحكم الشرعي المتعلق بالإقامة فسوف يظل الحكم الشرعي مجهولا للفقيه وفي هذه الحالة يستبدل الفقيه سؤاله الأول الذي طرحه في البداية سؤال جديد كما يلي:

ما هي القواعد التي تحدد الموقف العملي تجاه الحكم الشرعي المجهول؟

وهذه القواعد تسمى بالأصول العملية، ومثالها أصالة البراء‌ة، وهي القاعدة القائلة أن كل إيجاب أو تحريم مجهول لم يقم عليه دليل فلا أثر له على سلوك الإنسان وليس الإنسان ملزما بالاحتياط من ناحيته والتقييد به، ويقوم الاستنباط في هذه الحالة على أساس الأصل العملي بدلا عن الدليل والفرق بين الأصل والدليل أن الأصل لا يحرز الواقع وإنما يحدد الوظيفة العملية تجاهه وهو نحو من الاستنباط ولأجل هذا يمكننا تنويع عملية الاستنباط إلى نوعين: احدهما الاستنباط القائم على أساس الدليل، كالاستنباط المستمد من نص دال على الحكم الشرعي، والآخر الاستنباط القائم على أساس الأصل العملي كالاستنباط المستمد من أصالة البراء‌ة.

ولما كان علم الأصول هو العلم بالعناصر المشتركة في عملية الاستنباط فهو يزود كلا النوعين بعناصره المشتركة، وعلى هذا الأساس ننوع البحوث الأصولية إلى نوعين نتكلم في النوع الأول عن العناصر المشتركة في عملية الاستنباط التي تتمثل في أدلة محرزة للحكم، ونتكلم في النوع الثاني عن العناصر المشتركة في عملية الاستنباط التي تتمثل في أصول عملية.

1 - الدليل الشرعي:

أ - الدليل الشرعي اللفظي (الدلالة):

لما كانت دلالة الدليل اللفظي ترتبط بالنظام اللغوي العام للدلالة نجد من الراجح أن نمهد للبحث في دلالات الأدلة اللفظية بدراسة إجمالية لطبيعة الدلالة اللغوية وكيفية تكونها ونظرة عامة فيها.

ما هو الوضع والعلاقة اللغوية:

في كل لغة تقوم علاقات بين مجموعة من الألفاظ ومجموعة من المعاني، ويرتبط كل لفظ بمعنى خاص ارتباطا يجعلنا كلما تصورنا اللفظ انتقل ذهننا فورا إلى تصور المعنى وهذا الاقتران بين تصور اللفظ وتصور المعنى وانتقال الذهن من أحدهما إلى الآخر هو ما نطلق عليه اسم " الدلالة " فحين نقول: " كلمة الماء تدل على السائل الخاص " نريد بذلك أن تصور كلمة الماء يؤدي إلى تصور ذلك السائل الخاص، ويسمى اللفظ " دالا " والمعنى " مدلولا " وعلى هذا الأساس نعرف أن العلاقة بين تصور اللفظ وتصور المعنى تشابه إلى درجة ما العلاقة التي نشاهدها في حياتنا الاعتيادية بين النار والحرارة أو بين طلوع الشمس والضوء، فكما أن النار تؤدي إلى الحرارة وطلوع الشمس يؤدي إلى الضوء، كذلك تصور اللفظ يؤدي إلى تصور المعنى ولأجل هذا يمكن القول بأن تصور اللفظ سبب لتصور المعنى كما تكون النار سببا للحرارة وطلوع الشمس سببا للضوء، غير أن علاقة السببية بين تصور اللفظ وتصور والسؤال الأساسي بشأن هذه العلاقة التي توجد في اللغة بين اللفظ والمعنى هو السؤال عن مصدر هذه العلاقة وكيفية تكونها، فكيف تكونت علاقة السببية بين اللفظ والمعنى؟ وكيف أصبح تصور اللفظ سببا لتصور المعنى مع أن اللفظ والمعنى شيئان مختلفان كل الاختلاف؟ ويذكر في علم الأصول عادة اتجاهان في الجواب على هذا السؤال الأساسي، يقوم الاتجاه الأول على أساس الاعتقاد بأن علاقة اللفظ بالمعنى نابعة من طبيعة اللفظ ذاته كما نبعث علاقة النار بالحرارة من طبيعة النار ذاتها، فلفظ " الماء " مثلا له بحكم طبيعته علاقة بالمعنى الخاص الذي نفهمه منه، ولأجل هذا يؤكد هذا الاتجاه أن دلالة اللفظ على المعنى ذاتية وليست مكتسبة من أي سبب خارجي.

ويعجز هذا الاتجاه عن تفسير الموقف تفسيرا شاملا، لان دلالة اللفظ على المعنى وعلاقاته به إذا كانت ذاتية وغير نابعة من أي سبب خارجي وكان اللفظ بطبيعته يدفع الذهن البشري إلى تصور معناه فلماذا يعجز غير العربي عن الانتقال إلى تصور معنى كلمة " الماء " عند تصوره للكلمة؟ ولماذا يحتاج إلى تعلم اللغة العربية لكي ينتقل ذهنه إلى المعنى عند سماع الكلمة العربية وتصورها؟ إن هذا دليل على أن العلاقة التي تقوم في ذهننا بين تصور اللفظ وتصور المعنى ليست نابعة من طبيعة اللفظ بل من سبب آخر يتطلب الحصول عليه إلى تعلم اللغة، فالدلالة إذن ليست ذاتية.

وأما الاتجاه الآخر فينكر بحق الدلالة الذاتية، ويفترض أن العلاقات اللغوية بين اللفظ والمعنى نشأت في كل لغة على يد الشخص الأول أو الأشخاص الأوائل الذين استحدثوا تلك اللغة وتكلموا بها، فإن هؤلاء خصصوا ألفاظا معينة لمعان خاصة، فاكتسبت الألفاظ نتيجة لذلك التخصيص علاقة بتلك المعاني وأصبح كل لفظ يدل على معناه الخاص، وذلك التخصيص الذي مارسه أولئك الأوائل ونتجت عنه الدلالة يسمى ب‍ (الوضع)، ويسمى الممارس له (واضعا)، واللفظ (موضوعا)، والمعنى (موضوعا له).

والحقيقة أن هذا الاتجاه وإن كان على حق في إنكاره للدلالة الذاتية ولكنه لم يتقدم إلا خطوة قصيرة في حل المشكلة الأساسية التي لا تزال قائمة حتى بعد الفرضية التي يفترضها أصحاب هذا الاتجاه فنحن إذا افترضنا معهم أن علاقة السببية نشأت نتيجة لعمل قام به مؤسسو اللغة إذ خصصوا كل لفظ لمعنى خاص فلنا أن نتساءل منا هو نوع هذا العمل الذي قام به هؤلاء المؤسسون؟ وسوف نجد أن المشكلة لا تزال قائمة لان اللفظ والمعنى ما دام لا يوجد بينهما علاقة ذاتية ولا أي ارتباط مسبق فكيف استطاع مؤسس اللغة أن يوجد علاقة السببية بين شيئين لا علاقة بينهما؟ وهل يكفي مجرد تخصيص المؤسس للفظ وتعيينه له سببا لتصور المعنى لكي يصبح سببا لتصور المعنى حقيقة؟ وكلنا نعلم أن المؤسس وأي شخص آخر يعجز أن يعجل من حمرة الحبر الذي يكتب به سببا لحرارة الماء، ولو كرر المحاولة مائة مرة قائلا خصصت حمرة الحبر الذي أكتب به لكي تكون سببا لحرارة الماء، فكيف استطاع أن ينجح في جعل اللفظ سببا لتصور المعنى بمجرد تخصيصه لذلك دون أي علاقة سابقة بين اللفظ والمعنى؟.

وهكذا نواجه المشكلة كما كنا نواجهها، فليس يكفي لحلها أن نفسر علاقة اللفظ بالمعنى على أساس عملية يقوم بها مؤسس اللغة، بل يجب أن نفهم محتوى هذه العملية لكي نعرف كيف قامت علاقة السببية بين شيئين لم تكن بينهما علاقة. والصحيح في حل المشكلة أن علاقة السببية التي تقوم في اللغة بين اللفظ والمعنى توجد وفقا لقانون عام من قوانين الذهن البشري.

والقانون العام هو أن كل شيئين إذا اقترن تصور أحدهما مع تصور الآخر في ذهن الإنسان مرارا عديدة ولو على سبيل الصدفة قامت بينهما علاقة وأصبح أحد التصورين سببا لانتقال الذهن إلى تصور الآخر.

ومثال ذلك في حياتنا الاعتيادية أن نعيش مع صديقين لا يفترقان في مختلف شؤون حياتهما نجدهما دائما معا، فإذا رأينا بعد ذلك أحد هذين الصديقين منفردا أو سمعنا باسمه أسرع ذهننا إلى تصور الصديق الآخر، لان رؤيتهما معا مرارا كثيرا أوجد علاقة في تصورنا وهذه العلاقة تجعل تصورنا لأحدهما سببا لتصور الآخر.

وقد يكفي أن تقترن فكرة أحد الشيئيين بفكرة الآخر مرة واحدة لكي تقوم بينهما علاقة، وذلك إذا أقرنت الفكرتان في ظرف مؤثر، ومثاله إذا سافر شخص إلى بلد ومني هناك بالملاريا الشديدة ثم شفي منها ورجع فقد ينتج ذلك الاقتران بين الملاريا والسفر إلى ذلك البلد علاقة بينهما، فمتى تصور ذلك البلد انتقل ذهنه إلى تصور الملاريا.

وإذا درسنا على هذا الأساس علاقة السببية بين اللفظ والمعنى زالت المشكلة، إذا نستطيع أن نفسر هذه العلاقة بوصفها نتيجة لاقتران تصور المعنى بتصور اللفظ بصورة متكررة أو في ظرف مؤثر، الأمر الذي أدى إلى قيام علاقة بينهما كما وقع في الحالات المشار إليها.

ويبقى علينا بعد هذا أن نتساءل: كيف اقترن تصور اللفظ بمعنى خاص موارد كثيرة أو في ظرف مؤثر فأنتج قيام العلاقة اللغوية بينهما؟.

والجواب على هذا السؤال: أن بعض الألفاظ اقترنت بمعان معينة مرارا عديدة بصورة تلقائية فنشأت بينهما العلاقة اللغوية. وقد يكون من هذا القبيل كلمة (آه) إذا كانت تخرج من فم الإنسان بطبيعته كلما أحس بالألم، فارتبطت كلمة (آه) في ذهنه بفكرة الألم، فأصبح كلما سمع كلمة (آه) انتقل ذهنه إلى فكرة الألم.

ومن المحتمل أن الإنسان قبل أن توجد لديه أي لغة قد استرعي انتباهه هذه العلاقات التي قامت بين الألفاظ من قبيل (آه) ومعانيها نتيجة لاقتران تلقائي بينهما، وأخذ ينشئ على منوالها علاقات جديدة بين الألفاظ والمعاني.

وبعض الألفاظ قرنت بالمعنى في عملية واعية مقصودة لكي تقوم بينهما علاقة سببية. وأحسن نموذج لذلك الأعلام الشخصية فأنت حين تريد أن تسمي ابنك عليا تقرن اسم على بالوليد الجديد لكي تنشئ بينها علاقة لغوية ويصبح اسم علي دالا على وليدك. ويسمى عملك هذا " وضعا " فالوضع هو عملية تقرن بها لفظا بمعنى نتيجتها أن يقفز الذهن إلى المعنى عند تصور اللفظ دائما. ونستطيع أن نشبه الوضع على هذا الأساس بما تصنه حين تسأل عن طبيب العيون فيقال لك: هو (جابر) فتريد أن تركز اسمه في ذاكرتك وتجعل نفسك تستحضره متى أردت فتحاول أن تقرن بينه وبين شيء قريب من ذهنك فتقول مثلا: أنا بالأمس قرأت كتابا أخذ من نفسي مأخذا كبيرا اسم مؤلفه جابر فلا تذكر دائما أن اسم طبيب العيون هو اسم صاحب ذلك الكتاب.

وهكذا توجد عن هذا الطريق ارتباطا خاصا بين صاحب الكتاب والطبيب جابر، وبعد ذلك تصبح قادرا على استذكار اسم الطبيب متى تصورت ذلك الكتاب. وهذه الطريقة في إيجاد الارتباط لا تختلف جوهريا عن اتخاذ الوضع كوسيلة لإيجاد العلاقة اللغوية. وعلى هذا الأساس نعرف أن من نتائج الوضع إنسباق المعنى الموضوع له وتبادره إلى الذهن بمجرد سماع اللفظ بسبب تلك العلاقة التي يحققها الوضع ومن هنا يمكن الاستدلال على الوضع بالتبادر وجعله علامة على أن المعنى المتبادر هو المعنى الموضوع له لان المعلول يكشف عن العلة كشفا أنيا ولهذا عد التبادر من علامات الحقيقة.

ب - الدليل الشرعي غير اللفظي :

الدليل الشرعي غير اللفظي كل ما يصدر من المعصوم مما له دلالة على الحكم الشرعي وليس من نوع الكلام. ويدخل ضمن ذلك فعل المعصوم، فإن أتى المعصوم بفعل دل على جوازه، وأن تركه، دل على عدم وجوبه، وأن أوقعه بعنوان كونه طاعة لله تعالى دل على المطلوبية، ويثبت لدينا صدور هذه الإنحاء من التصرف عن المعصوم بنفس الطرق المتقدمة التي يثبت بها صدور الدليل الشرعي اللفظي. ويدخل ضمن ذلك تقرير المعصوم، وهو السكوت منه عن تصرف يواجهه، فإنه يدل على الإمضاء وإلا لكان على المعصوم أن يردع عنه فيستكشف من عدم الردع الإمضاء والارتضاء.

والتصرف تارة يكون شخصيا في واقعة معينة كما إذا توضأ إنسان أمام الإمام فمسح منكوسا وسكت الإمام عنه، وأخرى يكون نوعيا كالسيرة العقلائية، وهي عبارة عن ميل عام عند العقلاء نحو سلوك معين دون أن يكون للشرع دور إيجابي في تكوين هذا الميل، ومثال ذلك الميل العام لدى العقلاء نحو الأخذ بظهور كلام المتكلم أو خبر الثقة أو باعتبار الحيازة سببا لتملك المباحات الأولية، والسيرة العقلائية بهذا المعنى تختلف عن سيرة المشترعة التي تقدم أنها إحدى الطرق لكشف صدور الدليل الشرعي، فإن سيرة المشترعة بما هم كذلك تكون عادة وليدة البيان الشرعي، ولهذا تعتبر كاشفة عنه كشف المعلول عن العلة.

وأما السيرة العقلائية فمردها كما عرفنا إلى ميل عام يوجد عند العقلاء نحو سلوك معين، لا كنتيجة لبيان شرعي بل نتيجة العوامل والمؤثرات الأخرى التي تتكيف وفقا، لها، ميول العقلاء وتصرفاتهم، ولأجل هذا لا يقتصر الميل العام الذي تعبر عنه السيرة العقلائية على نطاق المتدينين خاصة، لان الدين لم يكن من عوامل تكوين هذا الميل.

2 - الدليل العقلي: دراسة العلاقات العقلية:

حينما يدرس العقل العلاقات بين الأشياء يتوصل إلى معرفة أنواع عديدة من العلاقة، فهو يدرك مثلا علاقة التضاد بين السواد والبياض، وهي تعني استحالة اجتماعهما في جسم واحد، ويدرك علاقة التلازم بين السبب والمسبب، فإن كل مسبب في نظر العقل ملازم لسببه ويستحيل إنفكاكه عنه، نظير الحرارة بالنسبة إلى النار، ويدرك علاقة التقدم والتأخر في الدرجة بين السبب والمسبب.

ومثاله: إذا أمسكت مفتاحا بيدك وحركت يدك فيتحرك المفتاح بسبب ذلك، وبالرغم من أن المفتاح في هذا المثال يتحرك في نفس اللحظة التي تتحرك فيها يدك، فإن العقل يدرك أن حركة اليد متقدمة على حركة المفتاح، وحركة المفتاح متأخرة عن حركة اليد لا من ناحية زمنية؟ من ناحية تسلسل الوجود، ولهذا نقول حين نريد أن نتحدث عن ذلك: " حركت يدي فتحرك المفتاح " فالفاء هنا تدل على تأخر حركة المفتاح عن حركة اليد، مع أنهما وقعا في زمان واحد. فهناك إذن تأخر لا يمت إلى الزمان بصلة، وإنما ينشأ عن تسلسل الوجود في نظر العقل، بمعنى أن العقل حين يلحظ حركة اليد وحركة المفتاح، ويدرك أن هذه نابعة من تلك، يرى أن حركة المفتاح متأخرة عن حركة اليد بوصفها نابغة منها، ويرمز إلى هذا التأخر بالفاء فيقول: " تحركت يدي فتحرك المفتاح "، ويطلق على هذا التأخر اسم " التأخر الرتبي ".

وبعد أن يدرك العقل تلك العلاقات يستطيع أن يستفيد منها في اكتشاف وجود الشيء أو عدمه، فهو عن طريق علاقة التضاد بين السواد والبياض، يستطيع أن يثبت عدم السواد في جسم إذا عرف أنه أبيض نظرا إلى استحالة

اجتماع البياض والسواد في جسم واحد، وعن طريق علاقة التلازم بين المسبب وسببه، يستطيع العقل أن يثبت وجود المسبب إذا عرف وجود السبب نظرا إلى استحالة الانفكاك بينهما. وعن طريق علاقة التقدم والتأخر يستطيع العقل أن يكتشف عدم وجود المتأخر قبل الشئ المتقدم، لان ذلك يناقض كونه متأخرا، فإذا كانت حركة المفتاح متأخرة عن حركة اليد في تسلسل الوجود، فمن المستحيل أن تكون حركة المفتاح - والحالة هذه - موجودة بصورة متقدمة على حركة اليد في تسلسل الوجود.

وكما يدرك العقل هذه العلاقات بين الأشياء ويستفيد منها في الكشف عن وجود شيء أو عدمه، كذلك يردك العلاقات القائمة بين الأحكام، ويستفيد من تلك العلاقات في الكشف عن وجود حكم أو عدمه، فهو يدرك مثلا التضاد بين الوجوب والحرمة، كما كان يدرك التضاد بين السواد والبياض، وكما كان يستخدم هذه العلاقة في نفي السواد إذا عرف وجود البياض كذلك يستخدم علاقة التضاد بين الوجوب والحرمة لنفي الوجوب عن الفعل إذا عرف أنه حرام. فهناك إذن أشياء تقوم بينها علاقات في نظر العقل، وهناك أحكام تقوم بينها علاقات في نظر العقل أيضا. ونطلق على الأشياء اسم " العالم التكويني " وعلى الأحكام اسم " العالم التشريعي ". وكما يمكن للعقل أن يكشف وجود الشيء أو عدمه في العالم التكويني عن طريق تلك العلاقات كذلك يمكن للعقل أن يكشف وجود الحكم أو عدمه في العالم التشريعي عن طريق تلك العلاقات.

ومن أجل ذلك كان من وظيفة علم الأصول أن يدرس تلك العلاقات في عالم الأحكام بوصفها قضايا عقلية صالحة لان تكون عناصر مشتركة في عملية الاستنباط .

فائدة علم الأصول:

اتضح مما سبق أن لعلم الأصول فائدة كبيرة للاستدلال الفقهي، وذلك أن الفقيه في كل مسألة فقهية يعتمد على نمطين من المقدمات في استدلاله الفقهي: أحدهما: عناصر خاصة بتلك المسألة من قبيل الرواية التي وردت في حكمها، وظهورها في إثبات الحكم المقصود، وعدم وجود معارض لها ونحو ذلك.

والآخر: عناصر مشتركة تدخل في الاستدلال على حكم تلك المسألة وفي الاستدلال على حكم مسائل أخرى كثيرة في مختلف أبواب الفقه، من قبيل أن خبر الواحد الثقة حجة وان ظهور الكلام حجة.

والنمط الأول من المقدمات يستوعبه الفقيه بحثا في نفس تلك المسألة، لان ذلك النمط من المقدمات مرتبط بها خاصة. وأما النمط الثاني فهو بحكم عدم اختصاصه بمسألة دون أخرى، أنيط ببحث آخر خارج نطاق البحث الفقهي في هذه المسألة وتلك، وهذا البحث الآخر هو الذي يعبر عنه علم الأصول، وبقدر ما اتسع الالتفات تدريجا من خلال البحث الفقهي إلى العناصر المشتركة، اتسع علم الأصول وازداد أهمية، وبذلك صح القول: بأن دور علم الأصول بالنسبة إلى الاستدلال الفقهي يشابه دور علم المنطق بالنسبة إلى الاستدلال بوجه عام، حيث إن علم المنطق يزود الاستدلال بوجه عام بالعناصر المشتركة التي لا تختص بباب من أبواب التكفير دون باب، وعلم الأصول يزود الاستدلال الفقهي خاصة بالعناصر المشتركة التي لا تختص بباب من أبواب الفقه دون باب.


الاستقراء والقياس :

عرفنا سابقا أن الأحكام الشرعية تابعة للمصالح والمفاسد والملكات التي يقدرها المولى وفق حكمته ورعايته لعباده، وليست جزافا أو تشهيا. وعليه فإذا حرم الشارع شيئا، كالخمر مثلا، ولم ينص على الملاك والمناط في تحريمه، فقد يستنتجه العقل ويحدس به، وفي حالة الحدس به يحدس حينئذ بثبوت الحكم في كل الحالات التي يشملها ذلك الملاك، لان الملاك بمثابة العلة لحكم الشارع وإدراك العلة يستوجب إدراك المعلول. وأما كيف يحدس العقل بملاك الحكم ويعينه في صفة محددة، فهذا ما قد يكون عن طريق الاستقراء تارة وعن طريق القياس أخرى.

والمراد بالاستقراء أن يلاحظ الفقيه عددا كبيرا من الأحكام يجدها جميعا تشترك في حالة واحدة من قبيل أن يحصي عددا كبيرا من الحالات التي يعذر فيها الجاهل فيجد أن الجهل هو الصفة المشتركة بين كل تلك المعذريات، فيستنتج أن المناط والملاك في المعذرية هو الجهل، فيعمم الحكم إلى سائر حالات الجهل.

والمراد بالقياس أن نحصي الحالات والصفات التي من المحتمل أن تكون مناطا للحكم وبالتأمل والحدس والاستناد إلى ذوق الشريعة يغلب على الظن أن واحدا منها هو المناط، فيعمم الحكم إلى كل حالة يوجد فيها ذلك المناط.

والاستنتاج القائم على أساس الاستقراء ظني غالبا، لان الاستقراء ناقص عادة، ولا يصل عادة إلى درجة اليقين.

والقياس ظني دائما لأنه مبني على استنباط حدسي للمناط، وكلما كان الحكم العقلي ظنيا، احتاج التعويل عليه إلى دليل على حجيته، كما هو واضح.



الخاتمة

وفي النهاية أطلب من الله سبحانه وتعالى أن أكون قد وفقت في الحديث عن علم الأصول وفائدته وأهميته والمنهج المتبع في دراسته وإن كان فيه نقص فمني ومن الشيطان وإن كان غير ذلك فأطلب من الله العلي العظيم أن يجعله في ميزان حسناتي ، وأخيرًا يقول سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه : ليس شدة السلطان قتلاً بالسيف ولا ضربًا بالسوط ولكن قضاء بالحق وأخذًا بالعدل "

{ دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنْ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

المراجع

1- صالح بن فوزان بن عبد الله آل فوزان ، الملخص الفقهي ، قسم المعاملات وغيرها ،ط1 ، دار ابن الجوزي ، الدمام 1415هـ ، 1994م .

2- د . سالم علي الثقفي ، مصطلحات الفقه الحنبلي وطرق استفادة الأحكام من ألفاظه ، ط2 ، دار النصر للطباعة الإسلامية ، شبرا 1401هـ ، 1981م .

3- السيد سابق ، فقه السنة ، ط3 ، دار الكتاب العربي المجلد الثاني ، 1397هـ ، 1977م .

4- د . محمد سيد طنطاوي ، أصول الفقه الإسلامي ، ط1 دار النصر ، الفجالة ، 1410هـ ، 1990م .

5- د. سيد قطب ، أصول الفقه المعاصر ، ط2 دار الشروق ، أسيوط ، 1402هـ ، 1982م .

6- د. منصور ناصر قموح ، الفقه وأصوله ، ط3 دار الغد ، الفجالة 1415هـ ، 1996م .


رد مع اقتباس
قديم 06-12-2010, 10:10 AM   رقم المشاركة : 8
الكاتب

أفاق الفكر

مراقب

مراقب

أفاق الفكر غير متواجد حالياً


الملف الشخصي








أفاق الفكر غير متواجد حالياً


رد: ٍاصول الفقه في سؤال وجواب



وأما المرجحات باعتبار المدلول فهي أنواع :

( النوع الأول ) : أنه يقدم ما كان مقررا لحكم الأصل والبراءة على ما كان ناقلا ، وقيل : بالعكس ، وإليه ذهب الجمهور ، واختار الأول الفخر الرازي ، والبيضاوي .

والحق ما ذهب إليه الجمهور .

( النوع الثاني ) : أن يكون أحدهما أقرب إلى الاحتياط ، فإنه أرجح .

( النوع الثالث ) : أنه يقدم المثبت على المنفي ، نقله إمام الحرمين عن جمهور الفقهاء ؛ لأن مع المثبت زيادة علم ، وقيل : يقدم النافي ، وقيل : هما سواء ، واختاره في المستصفى .

( النوع الرابع ) : أنه يقدم ما يفيد سقوط الحد على ما يفيد لزومه .

( النوع الخامس ) : أنه يقدم ما كان حكمه أخف على ما كان حكمه أغلظ ، وقيل : بالعكس .

( النوع السادس ) : أنه يقدم ما لا تعم به البلوى على ما تعم به .

( النوع السابع ) : أن يكون أحدهما موجبا لحكمين ، والآخر موجبا لحكم واحد ، فإنه يقدم الموجب لحكمين ؛ لاشتماله على زيادة لم ينقلها الآخر .

( النوع الثامن ) : أنه يقدم الحكم الوضعي على الحكم التكليفي ؛ لأن الوضعي لا [ ص: 794 ] يتوقف على ما يتوقف عليه التكليفي من أهلية المكلف .

وقيل : بالعكس ؛ لأن التكليفي أكثر مثوبة ، وهي مقصودة للشارع .

( النوع التاسع ) : أنه يقدم ما فيه تأسيس على ما فيه تأكيد .

( واعلم ) : أن المرجح في مثل هذه الترجيحات هو نظر المجتهد المطلق ، فيقدم ما كان عنده أرجح على غيره إذا تعارضت .

وأما المرجحات بحسب الأمور الخارجة فهي أنواع :

( النوع الأول ) : أنه يقدم ما عضده دليل آخر على ما لم يعضده دليل آخر .

( النوع الثاني ) : أن يكون أحدهما قولا والآخر فعلا ، فيقدم القول ؛ لأن له صيغة ، والفعل لا صيغة له .

( النوع الثالث ) : أنه يقدم ما كان فيه التصريح بالحكم ، على ما لم يكن كذلك ، كضرب الأمثال ونحوها ، فإنها ترجح العبادة على الإشارة .

( النوع الرابع ) : أنه يقدم ما عمل عليه أكثر السلف على ما ليس كذلك ؛ لأن الأكثر أولى بإصابة الحق وفيه نظر ؛ لأنه لا حجة في قول الأكثر ، ولا في عملهم ، فقد يكون الحق في كثير من المسائل مع الأقل ، ولهذا مدح الله القلة في غير موضع من كتابه .

( النوع الخامس ) : أن يكون أحدهما موافقا لعمل الخلفاء الأربعة دون الآخر ، فإنه يقدم الموافق وفيه نظر .

( النوع السادس ) : أن يكون أحدهما توارثه أهل الحرمين دون الآخر ، وفيه نظر .

( النوع السابع ) : أن يكون أحدهما موافقا لعمل أهل المدينة ، وفيه نظر أيضا .

( النوع الثامن ) : أن يكون أحدهما موافقا للقياس دون الآخر ، فإنه يقدم الموافق .

( النوع التاسع ) : أن يكون أحدهما أشبه بظاهر القرآن ، دون الآخر ، فإنه يقدم الأشبه .

[ ص: 795 ] ( النوع العاشر ) : أنه يقدم ما فسره الراوي له بقوله ، أو فعله على ما لم يكن كذلك .

وقد ذكر بعض أهل الأصول مرجحات في هذا القسم زائدة على ما ذكرناه هاهنا ، وقد ذكرناها في الأنواع المتقدمة ؛ لأنها بها ألصق ، ومن أعظم ما يحتاج إلى المرجحات الخارجة إذا تعارض عمومان بينهما عموم وخصوص من وجه ، وذلك كقوله - تعالى : وأن تجمعوا بين الأختين مع قوله : أو ما ملكت أيمانكم فإن الأولى خاصة في الأختين ، عامة في الجمع بين الأختين في الملك ، أو بعقد النكاح ، والثانية عامة في الأختين وغيرهما ، خاصة في ملك اليمين ، وكقوله - صلى الله عليه وآله وسلم - : من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها مع نهيه عن الصلاة في الأوقات المكروهة فإن الأول عام في الأوقات ، خاص في الصلاة المقتضية ، والثاني عام في الصلاة ، خاص في الأوقات ، فإن علم المتقدم من العمومين ، والمتأخر منهما ، كان المتأخر ناسخا عند من يقول إن العام المتأخر ينسخ الخاص المتقدم .

وأما من لا يقول ذلك فإنه يعمل بالترجيح بينهما .

وإن لم يعلم المتقدم منهما من المتأخر وجب الرجوع إلى الترجيح ، على القولين جميعا ، بالمرجحات المتقدمة .

وإذا استويا إسنادا ومتنا ودلالة رجع إلى المرجحات الخارجية .

وإن لم يوجد مرجح خارجي ، وتعارضا من كل وجه فعلى الخلاف المتقدم ، هل يخير المجتهد في العلم بأحدهما ، أو يطرحهما ، ويرجع إلى دليل آخر إن وجد ، أو إلى البراءة الأصلية .

[ ص: 796 ] ونقل سليم الرازي عن أبي حنيفة أنه يقدم الخبر الذي فيه ذكر الوقت ، ولا وجه لذلك .

قال ابن دقيق العيد : هذه المسألة من مشكلات الأصول ، والمختار عند المتأخرين الوقف ، إلا بترجيح يقوم على أحد اللفظين بالنسبة إلى الآخر ، وكأن مرادهم الترجيح العام ، الذي لا يخص مدلول العموم كالترجيح بكثرة الرواة ، وسائر الأمور الخارجة عن مدلول العموم ، ثم حكي عن الفاضل أبي سعيد محمد بن يحيى أنه ينظر فيهما ، فإن دخل أحدهما تخصيص مجمع عليه فهو أولى بالتخصيص ، وكذلك إذا كان أحدهما مقصودا بالعموم رجح على ما كان عمومه اتفاقيا .

قال الزركشي في البحر : وهذا هو اللائق بتصرف الشافعي في أحاديث النهي عن الصلاة في الأوقات المكروهة ، فإنه قال لما دخلها التخصيص بالإجماع في صلاة الجنازة ضعفت دلالتها ، فتقدم عليها أحاديث المقضية ، وتحية المسجد وغيرهما ، وكذلك نقول دلالة وأن تجمعوا بين الأختين على تحريم الجمع مطلقا في النكاح والملك - أولى من دلالة الآية الثانية على جواز الجمع في ملك اليمين ؛ لأن هذه الآية ما سيقت لبيان حكم الجمع .

وأما الترجيح بين الأقيسة : فلا خلاف أنه يكون بين ما هو معلوم منها .



وأما ما كان مظنونا ، فذهب الجمهور إلى أنه يثبت الترجيح بينها ، وحكى إمام الحرمين عن القاضي أنه ليس في الأقيسة المظنونة ترجيح ، وإنما المظنون على حسب الاتفاق ، قال إمام الحرمين : وبناء على أصله أنه ليس في مجال المظنون مطلوب ، وإذا لم يكن فيها مطلوب فلا طريق على التعيين ، وإنما المظنون على حسب الوفاق .

قال إمام الحرمين : وهذه هفوة عظيمة ، ثم ألزمه القول بأنه لا أصل للاجتهاد .

قال الزركشي : والحق أن القاضي لم يرد ما حكاه عنه ، وقد عقد فصولا في [ ص: 797 ] " التقريب " في تقديم بعض العلل على بعض ، فعلم أنه ليس يعني إنكار الترجيح فيها ، وإنما مراده أنه لا يقدم نوع على نوع على الإطلاق ، بل ينبغي أن يرد الأمر في ذلك إلى ما يظنه المجتهد راجحا ، والظنون تختلف ، فإنه قد يتفق في آحاد النوع القوي شيء يتأخر عن النوع الضعيف . انتهى .

والترجيح بين الأقيسة يكون على أنواع :

النوع الأول : بحسب العلة .

النوع الثاني : بحسب الدليل الدال على وجود العلة .

النوع الثالث : بحسب الدليل الدال على علية الوصف للحكم .

النوع الرابع : بحسب دليل الحكم .

النوع الخامس : بحسب كيفية الحكم .

النوع السادس : بحسب الأمور الخارجة .

النوع السابع : بحسب الفرع .

أما الترجيح بينها بحسب العلة : فهو أقسام .

( الأول ) : أنه يرجح القياس المعلل بالوصف الحقيقي الذي هو مظنة الحكمة على القياس المعلل بنفس الحكمة ؛ للإجماع بين أهل القياس على صحة التعليل بالمظنة ، فيرجح التعليل بالسفر الذي هو مظنة المشقة على التعليل بنفس المشقة .

( القسم الثاني ) : ترجيح التعليل بالحكمة على التعليل بالوصف العدمي ؛ لأن العدم لا يكون علة ، إلا إذا علم اشتماله على الحكمة .

( القسم الثالث ) : أنه يرجح المعلل حكمة بالوصف العدمي على المعلل حكمة ، بالحكم الشرعي ؛ لأن التعليل بالعدمي يستدعي كونه مناسبا للحكم ، والحكم الشرعي لا يكون علة إلا بمعنى الأمارة ، والتعليل بالمناسب أولى من التعليل بالأمارة ، هكذا قال صاحب المنهاج واختاره .

[ ص: 798 ] وذكر إمام الحرمين الجويني في هذا احتمالين .

( القسم الرابع ) : أنه يرجح المعلل بالحكم الشرعي على غيره .

( القسم الخامس ) : أنه يرجح المعلل بالمتعدية على المعلل بالقاصرة ، قاله القاضي ، والأستاذ أبو منصور ، وابن برهان .

قال إمام الحرمين : وهو المشهور ، فإنه أكثر فائدة .

وقال الأستاذ أبو إسحاق : أنها ترجح القاصرة ؛ لأنها معتضدة بالنص ، ورجحه في المستصفى .

( القسم السادس ) : أنها ترجح العلة المتعدية التي فروعها أكثر على العلة المتعدية التي فروعها أقل ؛ لكثرة الفائدة . قاله الأستاذ أبو منصور وزيفه صاحب المنخول وكلام إمام الحرمين يقتضي أنه لا ترجيح بذلك .


( القسم السابع ) : أنها ترجح العلل البسيطة على العلل المركبة ، كذا قال الجدليون ؛ وأكثر الأصوليين ، إذ يحتمل في العلل المركبة أن تكون العلة فيها هي بعض الأجزاء لا كلها ، وأيضا البسيطة يكثر فروعها وفوائدها ، ويقل فيها الاجتهاد ، فيقل الغلط ، على ما في المركبة من الخلاف في جواز التعليل بها كما تقدم .

وقال جماعة : المركبة أرجح ، قال القاضي في مختصر التقريب : ولعله الصحيح .

وقال إمام الحرمين : إن هذا المسلك باطل عند المحققين .

( القسم الثامن ) : أنها ترجح العلة القليلة الأوصاف على العلة الكثيرة الأوصاف ؛ لأن الوصف الزائد لا أثر له في الحكم ؛ ولأن كثرة الأوصاف يقل فيها التفريع .

وقيل : وهو مجمع على هذا المرجح بين المحققين من الأصوليين ، إذا كانت القليلة الأوصاف داخلة تحت الكثيرة الأوصاف ، فإن كانت غير داخلة ، مثل أن يكون أوصاف إحداهما غير أوصاف الأخرى ، فاختلفوا في ذلك ، قيل : ترجح القليلة الأوصاف ، وقيل : ترجح الكثيرة الأوصاف .

[ ص: 799 ] ( القسم التاسع ) : أنه يرجح الوصف الوجودي على العدمي ، وكذا الوصف المشتمل على وجوديين على الوصف المشتمل على وجودي وعدمي ، كذا في المحصول .

( القسم العاشر ) : أنها ترجح العلة المحسوسة على الحكمية ، وقيل بالعكس .

( القسم الحادي عشر ) : أنها ترجح العلة التي مقدماتها قليلة على العلة التي مقدماتها كثيرة ؛ لأن صدق الأولى ، وغلبة الظن بها أكثر من الأخرى ، وقيل : بالعكس ، وقيل : هما سواء .

( القسم الثاني عشر ) : ( أنها تقدم العلة المطردة المنعكسة على العلة التي تطرد ولا تنعكس ؛ لأن الأولى مجمع على صحتها بخلاف الأخرى . )

( القسم الثالث عشر ) : أنها ترجح العلة المشتملة على صفة ذاتية على العلة المشتملة على صفة حكمية ، وقيل : بالعكس ، ورجحه ابن السمعاني .

( القسم الرابع عشر ) : أنها ترجح العلة الموجبة للحكم على العلة المقتضية للتسوية بين حكم وحكم ؛ للإجماع على جواز التعليل بالأولى ، بخلاف الثانية ففيها خلاف .

وقال أبو سهل الصعلوكي : إن علة التسوية أولى ، لكثرة الشبه فيها .

وأما الترجيح بحسب الدليل الدال على وجود العلة


فهو على أقسام

( القسم الأول ) : أنها تقدم العلة المعلومة ، سواء كان العلم بوجودها بديهيا أو ضروريا على العلة التي ثبت وجودها بالنظر والاستدلال ، كذا قال جماعة .

وذهب الأكثرون إلى أنه لا يجري الترجيح بين العلتين المعلومتين إذا كانت إحداهما معلومة بالبديهة ، والأخرى بالنظر والاستدلال .

( القسم الثاني ) : أنها ترجح العلة التي وجودها بديهي على العلة التي وجودها حسي .

[ ص: 800 ] ( القسم الثالث ) : أنها ترجح العلة المعلوم وجودها على العلة المظنون وجودها .

( والحاصل أن ما كان دليل وجوده ) أجلى وأظهر عند العقل فهو أرجح مما لم يكن كذلك

وأما الترجيح بحسب الدليل الدال على علية الوصف للحكم

فهو على أقسام


( القسم الأول ) : أنها ترجح العلة التي ثبت عليتها بالدليل القاطع على العلة التي لم يثبت عليتها بدليل قاطع .

وخالف في ذلك صاحب المحصول ، ولا وجه لخلافه .

( القسم الثاني ) : أنها ترجح العلة التي ثبت عليتها بدليل ظاهر على العلة التي ثبت عليتها بغيره من الأدلة التي ليست بنص ولا ظاهر .

( القسم الثالث ) : أنها ترجح العلة التي ثبت عليتها بالمناسبة على العلة التي ثبت عليتها بالشبه والدوران ؛ لقوة المناسبة واستقلالها بإثبات العلية . وقيل : بالعكس ، ولا وجه له .

( القسم الرابع ) : أنها ترجح العلة الثابتة عليتها بالمناسبة على العلة الثابتة عليتها بالسبر ، وقيل : بالعكس ، قيل : وليس هذا الخلاف في السبر المقطوع ، فإن العمل به متعين لوجوب تقديم المقطوع على المظنون ، بل الخلاف في السبر المظنون .

( القسم الخامس ) : ( أنه يرجح ما كان من المناسبة واقعا في محل الضرورة على ما كان واقعا في محل الحاجة ) .

( القسم السادس ) : أنه يرجح ما كان من المناسبة ثابتا بالضرورة الدينية على الضرورة الدنيوية .

( القسم السابع ) : أنه يقدم ما كان من المناسبة معتبرا نوعه في نوع الحكم على ما [ ص: 801 ] كان منها معتبرا نوعه في جنس الحكم ، وعلى ما كان منها معتبرا جنسه في نوع الحكم ، على ما كان منها معتبرا جنسه في جنس الحكم ، ثم يقدم المعتبر نوعه في جنس الحكم ، والمعتبر جنسه في نوع الحكم على المعتبر جنسه في جنس الحكم .

قال الهندي : الأظهر تقديم المعتبر نوعه في جنس الحكم على عكسه .

( القسم الثامن ) : أنها تقدم العلة الثابتة عليتها بالدوران على الثابتة عليتها بالسبر وما بعده ، وقيل : بالعكس .

( القسم التاسع ) : أنها تقدم العلة الثابتة عليتها ( بالسبر على الثابتة عليتها بالشبه وما بعده .

( القسم العاشر ) : أنها تقدم العلة الثابتة عليتها بالشبه ) على العلة الثابتة عليتها بالطرد .

قال البيضاوي : وكذا ترجح على العلة الثابتة عليتها بالإيماء ، وادعى في المحصول اتفاق الجمهور على أن ما ثبت عليته بالإيماء راجح على ما ثبت عليته بالوجوه العقلية ، من المناسبة والدوران والسبر ، وهو ظاهر كلام إمام الحرمين في البرهان ، قال الصفي الهندي : هذا ظاهر إن قلنا لا تشترط المناسبة في الوصف المومأ إليه ، وإن قلنا تشترط فالظاهر ترجيح بعض الطرق العقلية عليها ، كالمناسبة ؛ لأنها تستقل بإثبات العلية ، بخلاف الإيماء فإنه لا يستقل بذلك بدونها .

( القسم الحادي عشر ) : أنها تقدم العلة الثابتة بنفي الفارق على غيرها .
وأما الترجيح بحسب دليل الحكم فهو على أقسام :

( الأول ) : أنه يقدم ما دليل أصله قطعي على ما دليل أصله ظني .

( القسم الثاني ) : أنه يقدم ما كان دليل أصله الإجماع على ما كان دليل أصله النص ؛ لأن النص يقبل التخصيص ، والتأويل ، والنسخ ، والإجماع لا يقبلها .

قال إمام الحرمين : ويحتمل تقدم الثابت بالنص على الإجماع ؛ لأن الإجماع فرع [ ص: 802 ] النص ؛ لكونه المثبت له ، والفرع لا يكون أقوى من الأصل ، وبهذا جزم صاحب المنهاج .

( القسم الثالث ) : أنه يقدم القياس الذي هو مخرج من أصل منصوص عليه ، على ما كان مخرجا من أصل غير منصوص عليه ، قاله ابن برهان .

( القسم الرابع ) : أنه يقدم القياس الخاص بالمسألة على القياس العام الذي يشهد له القواعد ، قاله القاضي .

( القسم الخامس ) : أنه يقدم ما كان على سنن القياس على ما لم يكن كذلك .

( القسم السادس ) : أنه يقدم ما دل دليل خاص على تعليله دون ما لم يكن كذلك .

( القسم السابع ) : أنه يقدم ما لم يدخله النسخ بالاتفاق على ما وقع فيه الخلاف .

والحاصل أنه يقدم ما كان دليل أصله أقوى بوجه من الوجوه المعتبرة .
وأما المرجحات بحسب الأمور الخارجة فهي على أقسام :

( الأول ) : أنه يقدم القياس الموافق للأصول ، بأن يكون علة أصله على وفق الأصول الممهدة في الشرع على ما كان موافقا لأصل واحد ؛ لأن وجود العلة في الأصول الكثيرة دليل على قوة اعتبارها في نظر الشرع . هكذا قال الشيخ أبو إسحاق الشيرازي ، وابن السمعاني ، وغيرهما .

وقيل : هما سواء واختاره القاضي في " التقريب " .

( القسم الثاني ) : أنه يرجح ما كان أكثر فروعا على ما كان أقل ؛ لكثرة الفائدة .

وقيل : هما سواء . وجزم بالأول الأستاذ أبو منصور وزيفه الغزالي .

[ ص: 804 ] ( القسم الثالث ) : أنه يقدم ما كان حكم أصله موافقا للأصول على ما ليس كذلك ؛ للاتفاق على الأول ، والاختلاف في الثاني .

( القسم الرابع ) : أنه يرجح ما كان مطردا في الفروع بحيث يلزم الحكم به في جميع الصور على ما لم يكن كذلك .

( القسم الخامس ) : أنه يرجح ما انضمت إلى علته علة أخرى على ما لم ينضم إليه علة أخرى ؛ لأن ذلك الانضمام يزيد قوة ، وقيل : ( لا يرجح ) بذلك ، وصححه أبو زيد من الحنفية .

( القسم السادس ) : أنه يقدم ما انضم إليه فتوى صحابي على ما لم يكن كذلك ، وهو مبني على الخلاف المتقدم في حجية قول الصحابي .

وأما المرجحات بحسب بالفرع : فهي على أقسام :

( الأول ) : أنه يقدم ما كان مشاركا في عين الحكم وعين العلة على المشارك في جنس الحكم وعين العلة ، أو عين الحكم وجنس العلة ، أو جنس الحكم وجنس العلة .

( القسم الثاني ) : أنه يقدم ما كان مشاركا في عين الحكم وجنس العلة ، أو عين العلة وجنس الحكم على المشارك في جنس الحكم وجنس العلة .

( القسم الثالث ) : أنه يقدم المشارك في عين العلة وجنس الحكم على المشارك في عين الحكم وجنس العلة ؛ لأن العلة هي العمدة في التعدية .

( القسم الرابع ) : أنه يقدم ما كان مقطوعا بوجود علته في الفرع على المظنون وجودها فيه .

( القسم الخامس ) : أنه يقدم ما كان حكم الفرع ثابتا فيه جملة لا تفصيلا ، وقد دخل بعض هذه المرجحات فيما تقدم ؛ ( لصلاحية ما هنالك هنا ) لذكر ذلك فيه .

[ ص: 805 ] وأما المرجحات بين الحدود السمعية فهي على أقسام :

( الأول ) : أنه يرجح الحد المشتمل على الألفاظ الصريحة ، الدالة على المطلوب بالمطابقة أو التضمن على الحد المشتمل على الألفاظ المجازية أو المشتركة أو الغريبة أو المضطربة ، وعلى ما دل على المطلوب بالالتزام ؛ لأن الأول قريب إلى الفهم ، بعيد عن الخلل والاضطراب .

( القسم الثاني ) : أن يكون أحدهما أعرف من الآخر ، فإنه يقدم الأعرف على الأخفى ؛ ( لأن الأعرف ) أدل على المطلوب من الأخفى .

( القسم الثالث ) : أنه يقدم الحد المشتمل على الذاتيات على المشتمل على العرضيات ، لإفادة الأول تصور حقيقة المحدود ، دون الثاني .

( القسم الرابع ) : أنه يقدم ما كان مدلوله أعم من مدلول الآخر ، لتكثير الفائدة ، وقيل : بل يقدم الأخص ، للاتفاق على ما تناوله .

( القسم الخامس ) : أنه يقدم ما كان موافقا لنقل الشرع واللغة على ما لم يكن كذلك ؛ لكون الأصل عدم النقل .

( القسم السادس ) : أنه يقدم ما كان أقرب إلى المعنى المنقول عنه شرعا أو لغة .

( القسم السابع ) : أنه يقدم ما كان طريق اكتسابه أرجح من طريق اكتساب الآخر ؛ لأنه أغلب على الظن .

( القسم الثامن ) : أنه يقدم ما كان موافقا لعمل أهل مكة والمدينة ، ثم ما كان موافقا لأحدهما :

( القسم التاسع ) : أنه يقدم ما كان موافقا لعلم الخلفاء الأربعة .

( القسم العاشر ) : أنه يقدم ما كان موافقا للإجماع .

( القسم الحادي عشر ) : أنه يقدم ما كان موافقا لعمل أهل العلم .

[ ص: 806 ] ( القسم الثاني عشر ) : أنه يقدم ما كان مقررا لحكم الحظر على ما كان مقررا لحكم الإباحة .

( القسم الثالث عشر ) : أنه يقدم ما كان مقررا لحكم النفي ، على ما كان مقررا لحكم الإثبات .

( القسم الرابع عشر ) : أنه يرجح ما كان مقررا لإسقاط الحدود على ما كان موجبا لها .

( القسم الخامس عشر ) : أنه يقدم ما كان مقررا لإيجاب العتق على ما لم يكن كذلك .

وفي غالب هذه المرجحات خلاف يستفاد من مباحثه المتقدمة في هذا الكتاب ، ويعرف به ما هو الراجح في جميع ذلك ، وطرق الترجيح كثيرة جدا ، وقد قدمنا أن مدار الترجيح على ما يزيد الناظر قوة في نظره ، على وجه صحيح ، مطابق للمسالك الشرعية ، فما كان محصلا لذلك فهو مرجح معتبر .

Cant See Links



بيان الأصول التعادل والترجيح ,حكم التعارض ,تأسيس الأصل في التعارض

المقام الثاني: حكم التعارض
تأسيس الأصل في التعارض

وأمّا المقام الثاني: وهو في حكم التعارض الكلّي، فقد قال بعضهم: لا إشكال في عدم الثمرة للأصل مع الدليل، لأنّه أصل حيث لا دليل، والدليل في الأخبار المتعارضة موجود: من الترجيح، أو التخيير، على المباني المختلفة في مواردها.
فيبقى لبحث الأصل في التعارض موارد غير الأخبار: من تعارض ظاهري آيتين، أو ظاهري خبرين قطعيين: من متواترين، أو محفوفين بقرائن توجب القطع بالصدور.
وكذا تعارض الأمارات في الشبهات الموضوعية: كالبينتين، واليدين، ونحو ذلك.
أقول: إن كان المراد بالأصل: الأعمّ من الأمارة. كما هو كذلك لبحث تعارض الأخبار هنا. شمل الأخبار المتعارضة.
وإن كان المراد بالأصل: خصوص الأُصول العملية، فلا معنى للإستدلال على التساقط، أو التخيير، ببناء العقلاء لأنّه أمارة.
اللهمّ إلاّ على ما ذكرناه في أوّل الإستصحاب: من أنّ البناء العقلائي منه أمارة ومنه أصل.

أقوال المسألة

ثمّ إنّ هناك خلافاً في الأصل في المتعارضين، فالمشهور على التساقط مطلقاً، وجمع قديماً وحديثاً على التخيير مطلقاً، وآخرون على تفصيلات مختلفة.

القول الأوّل: التساقط مطلقاً ووجوه أدلته
الوجه الأوّل

مجمل أدلّة المشهور أُمور:
أحدها: إشكال إثباتي، وهو: أنّ الدليلين المتعارضين، إن كان وجه حجّيتهما بناء العقلاء، فلم يحرز إطلاق البناء الشامل لموارد التعارض، كحجّية الظهورين المتكافئين: كظهوري فتويين متخالفتين لمرجع تقليد. بخلاف الظاهر والأظهر. فيكونان من المجمل بالعَرَض.
وإن كان وجه حجّيتهما التعبّد، فلا ظهور في إطلاق التعبّد الشامل للمتعارضين، كقوله (عليه السلام): « أو تقوم به البيّنة »(1) وكالمجتهدين حيث يشملهما إبتداءً قوله (عليه السلام): « الفقهاء »(2) في مستفيض الروايات.

وفيه: إن تمّ بناء العقلاء على التخيير فبها، وكذا يفيد الإطلاق بصورة عدم الأخذ بالآخر.
الوجه الثاني

ثانيها: إشكال ثبوتي، وهو: إنّ الإحتمالات المتصوّرة في حجّية المتعارضين خمسة:
1. حجّيتهما.
2. حجّية هذا بعينه فقط.
3. حجّية ذاك بعينه فقط.
4. الحجّية التخييرية.
5. سقوطهما.
وحيث لا سبيل إلى شيء من الأربعة الأُولى، تعيّن الخامس.
أمّا الأوّل: فهو تعبّد بالمتناقضين.
الثاني والثالث: ترجيح بلا مرجّح.
الرابع: لا معنى لها، إذ الحجّية التخييرية يعني: تردّد الحجّية بين الوجود والعدم، وهو لا معنى له.
وفيه: إنّ معنى ذلك: عدم إمكان غير التساقط، فيرد عليه:
نقضاً: بالتخيير في الخبرين المتعارضين.
وحلا: بأنّ الحجّية التخييرية غير التردّد في الحجّية. المساوق للشكّ في الحجّية الذي هو مسرح أصل عدم الحجّية..
الوجه الثالث

ثالثها: إنّه لا ثمرة لهذا البحث، إذ لم يلتزم أحد من الفقهاء في الفقه التخيير في مورد، حتّى في تعارض الأخبار. في غير الدوران بين المحذورين الذي التخيير فيه حكم العقل، وهو: اللاّ بدّية، التي مع عدم الترجيح لا قدرة على غير التخيير..
وما ورد: من إطلاقات التخيير في الروايات بين ضعيف السند، أو الدلالة، أو كليهما، أو موردها الدوران بين المحذورين.
وفيه أوّلا: إنّهم في الفقه صرّحوا في موارد عديدة بالتخيير.
منها: في صلاة الجمعة، مع إنّ دوران الوجوب بين الظهر والجمعة ليس من المحذورين، لإمكان جمعهما، وإمكان تركهما.
ومنها: في شرح صلاة المسافر من العروة في مسألة: التساقط بتعارض البيّنتين الدالّتين على حصول المسافة وعدمه قالوا: على ما هو الأصل في المتعارضين، ما لم يدلّ دليل على الأخذ بأحدهما ترجيحاً أو تخييراً. كما في الخبرين..
وهو صريح في إنّ المبنى الفقهي والأُصولي في الخبرين الترجيح، أو التخيير.
وثانياً: إنّ كتب الفقه مشحونة بفتاوي التخيير، وذلك في مختلف الأبواب، ممّا يعسر جمعه.
وثالثاً: إنّ روايات التخيير بعضها معتبر سنداً ودلالة وعملا، مع إنّ بعضها ليس من الدوران بين المحذورين، وسيأتي إن شاء الله تعالى.

القول الثاني: التخيير مطلقاً والاستدلال بأمرين

وإستدلّ القائلون بأصالة التخيير بأمرين:
الأمر الأوّل

الأوّل: عدم المانع ثبوتاً، لما تقدّم في الجواب على أدلّة القائلين بالتساقط.
الأمر الثاني

الثاني: وجود الدليل على التخيير، وهي أُمور:
عقلائي، وعقلي، وعلى المباني، ونقلي.
التخيير وبناء العقلاء

1. فالعقلائي: هو بناء العقلاء على التخيير، فإنّهم إذا تعارض عندهم أمارتان على طرفي نقيض أو تضادّ، ولا يمكن الإحتياط، إختاروا أحدهما، ولا يتركونهما إلى ما لا حجّية له في عرض الأمارتين، كطبيبين، ومهندسين، ونحوهما.
الدليل العقلي والتخيير

2. والعقلي: هو إنّ كلا المتعارضين. لوحده. محتمل الإصابة للواقع، ولا محذور في العمل بهذا العلم الإجمالي إلاّ لزوم التعبّد بالمتناقضين، ويندفع المحذور برفع اليد عن إطلاق الدليلين.
وأشكل: بأنّ لازمه حجّية كلّ منهما عند ترك الأخذ بالآخر، فيعود محذور التناقض عند ترك كليهما، لحجّية كليهما حينئذ.
وفيه: إنّ مقتضى الجمع بين:
1. شمول أدلّة الحجّية لكلّ منهما مستقلا.
2. وشمول إطلاق الحجّية لكليهما معاً.
3. وحصول محذور التناقض.
هو: حجّيتهما على سبيل القضيّة الحقيقية المانعة الجمع والخلو.
التخيير على المباني

3. وعلى المباني: قالوا: إنّ حجّية الأمارة، إمّا على السببية، أو على المصلحة السلوكية، أو على الطريقية المحضة، وفي جميعها لا مقتضى للتساقط عند التعارض.
أمّا على السببية: ففي كلّ من الأمارتين ملاك الحجّية المستقلّة، فإذا تعارضتا كانتا من قبيل المتزاحمين.
مثلا: إذا جعل المولى البيّنة محدثة لمصلحة الأخذ بمؤدّاها، فإذا تعارضت بيّنتان وجدت مصلحتان متزاحمتان في الأخذ بكلتيهما.
وأمّا على مبنى الشيخ الأنصاري (رحمه الله) وجمع: من كون الحجّية على نحو المصلحة السلوكية، فالمصلحة في نفس الأمارة بما هي، والتعارض عارض على كلّ واحدة من الأمارتين، التي في كلّ منهما مصلحة السلوك.
وأمّا على الطريقية المحضة، فلوجود مناط الحجّية في كلّ من الأمارتين حال التعارض، كوجوده قبل التعارض.
إشكال وجواب

وأشكل: بأنّ العلم الإجمالي بكذب أحدهما مانع عن حجّية الكاذب الواقعي غير المعيّن عندنا، وحيث لا سبيل إلى تعيينه. لإحتمال الكذب في واحدة من الأمارتين. فتسقطان عن الحجّية.
وقد يجاب أوّلا: بأنّ مجرّد إحتمال الكذب لا يسقط الحجّة عن الحجّية.
وثانياً: بأنّ العلم الإجمالي بالكذب منجّز لهذا الإحتمال أينما اتّفق إذا لم يكن معارضاً بعلم إجمالي مقابل، وما نحن فيه معارض، للعلم الإجمالي بعدم مطابقة الواقع لأحد هذين الإحتمالين.
وبعبارة أُخرى: العلم الإجمالي بكذب أحدهما، معارض بالعلم الإجمالي بصدق أحدهما، فيتساقطان، وتبقى أدلّة حجّية الأمارتين. على سبيل القضيّة الحقيقية المانعة للجمع للعلم الإجمالي، والمانعة للخلو للعلم الإجمالي أيضاً. بلا مانع.
وإحتمال: إنّ العلم الإجمالي بصدق أحدهما غير منجّز، لعدم الإلزام فيه، غير تامّ، لتنجّز حجّية الأمارة المطابقة للواقع، ووجوب الأخذ بها.
نعم، كلّ مورد كان المؤدّى حكماً غير إلزامي لم يجب الأخذ به، لا إنّه ليس حجّة، فتأمّل.
مضافاً إلى أنّه كثيراً ما يكون ملزماً، كالبيّنة على طهارة الماء المنحصر، الذي يجب. عند حجّيتها. الوضوء والغسل به، ولا يجوز معه التيمّم.
لكن هذا هو الإشكال في أصل تنجّز العلم الإجمالي، الذي لأجله ذهب جمع من المحقّقين إلى عدم التنجّز، وإضطربت كلمات بعض آخر منهم، وقد تقدّم الكلام عليه مفصّلا في الإشتغال، فتأمّل.
الأدلّة النقلية والتخيير

4. والنقل: فإنّ أدلّة تخيير الأخبار يستفاد منها التخيير في كلّ المتعارضات، لا خصوص الأخبار، لشواهد:
أ. فهم عدم الخصوصية، إذ أيّة خصوصية يفهمها العرف في خبر الثقة، لا توجد في غيرها من الأمارات ؟
ويؤيّده: إنّ ذلك مقتضى الطريقية الممضاة الموجودة في الأخبار، وفي غيرها من الأمارات.
ب. وجود شواهد في أخبار تخيير الروايات يستفاد منها. بمجموعها. إنّه لأجل التعارض، لا لخصوصية كون المتعارضين من الروايات.
منها: جملة: « من باب التسليم » الواردة في العديد من الروايات والتي منها: معتبرة الحميري بواسطة الحسين بن روح عن الحجّة صلوات الله عليه: « وبأيّهما أخذت من باب التسليم كان صواباً » وكذا غيرها(3).
ومنها: مرسل الإحتجاج عن الحسن بن الجهم عن الإمام الرضا (عليه السلام): «... إذا لم تعلم فموسّع عليك بأيّهما أخذت »(4) فكلمة: « إذا لم تعلم » كالعلّة للتوسعة والتخيير، فكأنّ ملاك التخيير في الأخبار الجهل بموافقة أيّهما للواقع، لا خصوصية الخبرية، وهذا الجهل يعمّ غير الخبر.
شبهات وردود

إن قلت: هذا كلّه قياس، لإحتمال أن يكون للأخبار خصوصية دون غيرها.
قلت: هذا إيماء وإشارة في هذه الروايات وتراكمها ربّما يجعلها موجباً للإطمئنان، فيخرجه عن القياس، والله العالم.
إن قلت: أخبار التخيير دلّت عليه بعد فقد المرجّحات، فهل يلتزم بمثلها في تعارض غير الأخبار من الأدلّة ؟
قلت أوّلا: فليلتزم، كما التزم البعض في تعارض البيّنتين، بترجيح الراجحة منهما رجحاناً كيفيّاً، أو عددياً.
وثانياً: في نفس الأخبار معظم المحقّقين حملوا المرجّحات على اللاّ إقتضائية، وعلى ذلك جرى الجميع. إلاّ من ندر. في الفقه، حيث عارضوا بين الصحيح والموثّق، وثلاث روايات ورواية واحدة، وهكذا، كما لا يخفى.


رد مع اقتباس
قديم 06-12-2010, 10:24 AM   رقم المشاركة : 9
الكاتب

أفاق الفكر

مراقب

مراقب

أفاق الفكر غير متواجد حالياً


الملف الشخصي








أفاق الفكر غير متواجد حالياً


رد: ٍاصول الفقه في سؤال وجواب



الترجيح المقاصدي بين النصوص المتعارضة
مقدمة البحث ١
الباب الأول: مصطلحات ومفاهيم ٣
١٧ – المبحث الأول: ٤
مصطلح الترجيح المقاصدي ٤
المدلول الإفرادي للترجيح المقاصدي ٤
المدلول التركيبي للترجيح المقاصدي ٩
مفهوم الترجيح المقاصدي ١٠
المدلول العلمي للترجيح المقاصدي ١٠
الترجيح المقاصدي في الأدب الأصولي ١٢
٢٧ – المبحث الثاني: ١٨
مصطلح النصوص المتعارضة ١٨
المدلول الإفرادي للنصوص المتعارضة ١٨
المدلول التركيبي للنصوص المتعارضة ٢٢
مفهوم النصوص المتعارضة ٢٣
المدلول العلمي للنصوص المتعارضة ٢٣
النصوص المتعارضة في الأدب الأصولي ٢٥
الباب الثاني: الترجيح المقاصدي بين النصوص المتعارضة ٢٨
٣٥ – المبحث الأول: ٢٩
الترجيح ومقاصد الشرع ٢٩
المقارنة بين الترجيح ومقاصد الشرع ٢٩
القيم المقاصدية في إعمال الترجيح ٣٤
٤٦ – المبحث الثاني: ٣٦
وجوه الترجيح المقاصدي بين النصوص المتعارضة ٣٦
جلب المنفعة ودفع المفسدة ٣٧
مراتب المصالح الثلاث ٤٠
الضروريات الخمس ٤٣
خاتمة البحث ٤٧
المصادر والمراجع ٤٩
١
مقدمة البحث
الحمد لله رب العلمين والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين محمد وعلى آله
وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
إن الشريعة الإسلامية متمثلة في كياا منزلة من الشارع الحكيم في صورا
النصية والحكمية، وتتصف هذه الشريعة بخصية التكامل أو التناسق بين أجزائها وأطرافها
حيث إا تتأصل في الجذر السماوي الذي يتكفل على حفظه الشارع الخبير، وكذلك
شأنه المعتصم من التحريف والتبديل والدخل المخلوقي المتصف بالجهل والظلم يعضد
اختصاصها ذا التكامل والتناسق.
وقد يتبادر إلى أذهان المخاطبين باقتضاء الشريعة ما ينافي هذه الميزة إذ يرون أن ثمة
التناقض في نصوص الشريعة التي تفيد التعارض بين الأحكام التي تثبتها، وهذا التعارض
يتصور في اقتضاء نص من النصوص الشرعية على ما يخالف لاقتضاء نص آخر، فألجأم
هذا الحالة إلى موقفين متذبذبين بين الإقدام على النصوص المتعارضة مطلقا وبين التغافل
عنها مطلقا، وهما يستحيلان عقلا وشرعا، وهذا لأن ورود النصوص من أجل الطاعة
بأحكامها، ففي الموقف الأول استحالة لعدم التمكن من الجمع بين الأضداد، وفي الموقف
الثاني استحالة لنبذ النصوص إلى عدم إعمالها وتحقيق العبث والسدى في خطاب الشارع.
وهذا التعامل بين العقل الإنساني وخطاب الشارع ينتج تصورا علميا لدى العلماء
في أم بحاجة ملحة إلى وضع القوانين والضوابط فيه احتياطا من رمي الشبهات والشكوك
من قبل المتجاهلين والمتطفلين في العلم، ورسموا ما يخص بالتركيز على معالجة هذا التعارض
الواقع بين النصوص الشرعية، وصرحوا في بداية حديثهم عنه بأن هذا التعارض ظاهري
المنظر صوري المرأى حيث إنه لم يكن حقيقيا عند واضع الشريعة، ويترتب على عقبه
القول بالنظر النسبي الذي يعترف التعارض فيه وهو اتهد الذي يحس به حين تداوله
الاستنباط من النصوص، وهذا يتطلب من العلماء استقلالية البحث في ما يظهر لهم من
التعارض في النصوص.
والقانون الذي وضعه أهل العلم في درء التعارض تمحور أصلا حول التوفيق بين
مختلف الحديث، وهو من مهمات المحدثين حين تصدوا لدلالات متباينة التي أثبتتها
٢
الأحاديث، ثم ط  وره الأصوليون في طياة مضامين فن أصول الفقه بإصباغ لون جديد في
المنهج المتعارف عليهم حين تلقوا بالنصوص المتعارضة، وفي أياديهم ازدهر هذا القانون
يئة منظمة محتوية على أطراف شاملة من عرض التعارض في دلالات النصوص وأبعادها
الداخلية والخارجية ومراتبها وأنماطها والتعارض في اجتهادات العلماء وفتاويهم وأقضيتهم،
ووضعوا كذلك ما يصلح أن يكون دارئًا للتعارض ومزيلا له من مناهج ومسالك،
وتراعى حين العمد إلى السير بما يدرأ التعارض قدسيُة النصوص الشرعية ومقصدها في أا
أنزلت إلى البشر من أجل إعمالها وطاعتها وليس إهمالها ومعصيتها.
وه  م هذه الدراسة يكمن في النظر في إحدى طرق درء التعارض حيث منها تنطلق
الخطوة الأولى إلى التغلغل في الجانب الكلي الذي تتجه إليه النصوص الشرعية وأحكامها،
وبصيغة أصولية أنه دراسة في نظرية ترجيح النصوص المتعارضة المعتمد على مفهوم مقاصد
الشرع ومنهجه وكيفياته وآفاقه، وبالتحديد أن هذه الدراسة تتوقف على عنصرين هامين
وهما: الترجيح المقاصدي والنصوص المتعارضة حيث عليهما تبنى إجابات للسؤال المثار في
صلاحية توظيف مقاصد الشرع لدفع التعارض الظاهر في النصوص الشرعية من الآيات
القرآنية والأحاديث النبوية.
واضطرت الدراسة الباحث إلى الكشف عن الأبعاد المقاصدية في النصوص الشرعية
بغية العثور على ما يلائم القيام بالترجيح حين حالتها في التعارض، وكذلك تطلبت من
الباحث الإحاطة بالإطار المفهمي لمقاصد الشرع ليرى إمكانية إدماج المقاصد في الترجيح
وتصبح إحدى مسالك التراجيح في الأدب الأصولي، وصورة هذه النظرية تتمثل في إزالة
تعارض دلالات النصوص بترجيح إحداها وفق مقاصد الشرع، والذي يراعي أكثر حظا
من مفهوم مقاصد الشرع أولى بالتقديم وأرجح على الذي يراعي أقله.
إن إيصال عملية الترجيح إلى مقاصد الشرع أمر ضروري، وهذا لأن المقاصد
عبارة عن آفاق الشرع وحدوده التي تحافظ عليه من التجاوز والتضييق، وفي التجاوز
خوض في غير شرعيات وفي التضييق ركود في شرعيات، وأخيرًا نسأل الله تعالى أن يوافقنا
ويعيننا في إنجاز هذا العمل المتواضع ويجعلنا ممن يخدم كتابه وسنة نبيه والمسلمين جمعاء،
والله خير المقصد.
٣
الباب الأول
مصطلحات ومفاهيم
خص هذا الباب بتداول مقدمات هامة التي تمهد الدراسة للتطرق إلى تفاصيل الحديث عن
الترجيح المقاصدي بين النصوص المتعارضة. وهذا التمهيد يركز على التعريف بمصطلحات
مفتاحية التي ا نخوض في لب الدراسة، وكذلك يركز على تفسير مفاهيم مبدئية التي منها
ننطلق إلى عرض مقصد الدراسة. والاستيعاب الشامل لمصطلحات متداولة في هذه
الدراسة هام بغية علم بأرضية البحث التي يدور حول دلالات هذه المصطلحات، وكذلك
الفهم الكامل لمفاهيم متناولة في هذه الدراسة مه  م بغية معرفة بخلفية البحث التي يتمحور
حول مقتضيات هذه المفاهيم. وتحقيقا للقصد من وضع هذا الباب، يتولد منه مبحثان
اللذان يدرسان مصطلحات الدراسة ومفاهيمها، فأولهما يقدم على دراسة الترجيح
المقاصدي في كونيه مصطلحا علميا ومفهوما منهجيا، وثانيهما يقدم على دراسة النصوص
المتعارضة في كونيها مصطلحا علميا ومفهوما منهجيا. والباب يهدف بمبحثيه إلى تأطير
صورة الترجيح المقاصدي في النصوص الشرعية المتعارضة حيث به تتضح الخطوة الأولى في
السير مع هذه الدراسة.
٤
المبحث الأول:
مصطلح الترجيح المقاصدي
عنى هذا المبحث النظر في مصطلح "الترجيح المقاصدي" من مدلوليه الإفرادي والتركيبي
اللذين ما يتم التعرف عليه ويكون القول به مسبوقا بفهمه، وثنائي النظر الذي يلفت إليه
من أجل مراعاة طبيعة المصطلح التي تتأصل إلى دلالتين.
إن عملنا في إخضاع هذا المصطلح إلى مدلوليه الاثنين لم يكن خارقا للعادة التي
سار عليها القدامى، بل والوقوف على عناصر المصطلح المتركب لدراستها أمر مسّلم عند
المنطق، وكما فعله الأصوليون حين تصدوا للتعريف بعلم أصول الفقه أووا إلى هذه العملية
التحليلية، وحتى اشتهر لديهم القول ب "أن تعريف المركب يتوقف على تعريف مفرداته
ضرورة توقف معرفة الكل على معرفة أجزائه"، ١ والنظر في جزئيات المصطلح يعين النظر
في كلياته، وثمة ربط نعتي بين العبارتين فيه حيث يتطلب منا بيان أثر هذا الربط في تعريف
المصطلح، لأن الوصف يرسم للموصوف خطا دائريا حين تشغليه وتوظيفه في الوضع
التعريفي، وفيه تقييد لإطلاقه وتخصيص لعمومه وتبيين لإجماله.
المدلول الإفرادي للترجيح المقاصدي:
وكما أشرنا سابقا إلى أن مصطلح "الترجيح المقاصدي" متكون من العبارتين "الترجيح"
و"المقاصد"، وهما يمثلان موضعين من مواضيع فن أصول الفقه اللذين وضعا غالبا في اية
صفحات علم الأصول، ونلفت النظر إليهما كمصطلحين مستقلين اللذين يفيد كل واحد
منهما دلالة لغوية واصطلاحية.
دلالة الترجيح: كلمة الترجيح تعود إلى جذرها اللغوي ر  جح ويرجح وترجيحا،
وهو على وزنه الصرفي التفعيل وبناؤه يفيد التكثير، ٢ وقد ورد في مختار الصحاح أنه يعني
١ محمد بن علي بن محمد الشوكاني، إرشاد الفحول إلى تحقيق علم الأصول، تحقيق: أبو مصعب محمد سعيد
البدري (بيروت: مؤسسة الكتب الثقافية، ط- ١٩٩٥ ،٦ م) ص ١٧
٢ إبراهيم بن عبد الوهاب الزنجاني، متن البناء ومتن التصريف العزى، (مصر: مطبعة دار إحياء الكتب العربية،
١٢٧٦ ه) ص ٤
٥
رجح الميزان رجحان فيهما أي مال وأرجح ور  جح ترجيحا أي أعطاه راجحا، ٣ ويبدو أن
الرازي رحمه الله ذهب إلى تعريف الترجيح لغة بالميل لاستخدامه في الوزن بين الشيئين،
فإحدى الكفتين مالت إلى ما هو أثقلهما. وكذلك ما ورد في لسان العرب بأن كلمة
ر  جح من رجح، ورجح الشيء بيده وزنه ونظر ما ثقله، وأرجح الميزان َأي أثقله
حتى مال، ٤ ويبدو أن ابن منظور رحمه الله س  وى بين رجح ووزن لهدف كليهما إلى
تمييز الأثقل من الأخف، فيكون الأثقل هو الأرجح، ودليل لتعيين الأثقل ميل إحدى
الكفتين.
ودلالة الترجيح اصطلاحا تعود إلى الأدب الأصولي الذي ط  ورها من مجالها الضيق
في توفيق بين مختلف الأحاديث إلى مجالها الفسيح في عملية دفع التعارض بين النصوص
والأحكام والاجتهادات. ولا نرى ثمة ضرورة سرد كل تعاريف الترجيح التي تداول
الأصوليون في كتابام في هذه الدراسة الموجزة، إلا أن نتعارف على بعضها ونستخلص
بعدها ما يعيننا في فهم الترجيح كعميلة أصولية منهجية.
ونضع في بداية هذا الكلام ما ذكره السرخسي رحمه الله في تعريف الترجيح حيث
أنه يمثل التعريف عند الأصوليين الأحناف، ويقول: "تفسير الترجيح لغة إظهار فضل في
أحد جانبي المعادلة وصفا لا أصلا، فيكون عبارة عن مماثلة يتحقق ا التعارض، ثم يظهر
في أحد الجانبين زيادة على وجه لا تقوم تلك الزيادة بنفسها فيما تحصل به المعارضة أو
تثبت به المماثلة بين الشيئين"، ٥ ويفهم من هذا التعريف أن الترجيح يكون بزيادة وصف
في أحد المتعارضين ٦ وليست هذه الزيادة في أصله، أي الترجيح بالوصف دون الأصل،
لأن وجود الوصف الزائد يجعله أصله مفضلا على ما ليس له هذا الوصف.
٣ محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي، مختار الصحاح، مادة رجح (مصر: مطبعة مصطفى الحلبي وأولاده،
١٩٥٠ م) ص ٢٥٤
، ٤ أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم بن منظور، لسان العرب، مادة رجح (بيروت: دار صادر، ط- ١
١٩٩٠ م) ج ٢ ص ٤٤٥
٥ أبو بكر محمد بن أحمد بن أبي سهل السرخسي، أصول السرخسي، تحقيق: رفيق العجم (بيروت: دار المعرفة،
ط- ١٩٩٧ ،١ م) ج ٢ ص ٢٣٣

٦ عبد اللطيف عبد الله عزيز البرزنجي، التعارض والترجيح بين الأدلة الشرعية، بحث أصولي مقارن بالمذاهب
الإسلامية المختلفة (بيروت: دار الكتب العلمية، ١٩٩٦ م) ج ١ ص ٧٧
٦
ثم نذكر ما يمثل تعريف الترجيح عند الأصوليين الشافعية وهو ما عرفه فخر الدين
الرازي رحمه الله بأنه "تقوية أحد الطريقين على الآخر ليعلم الأقوى فيعمل به ويطرح
الآخر"، ٧ ويفهم من هذا التعريف أن الترجيح يعمله اتهد ٨ ليهدف إلى نيل أقوى
المتعارضين حسب قدرته على تقويته فتكون قوته نسبية له دون غيره، والأقوى هو
الأرجح وغيره مرجوح، فالمرجوح لا يعمل بل ويهمل حين حضور الأرجح، والراجح
يتأتي حين يقع التعارض في أكثر من الطريقين، وهو لم يقل به الرازي رحمه الله.
ويود الباحث سرد تعريفا مستخلصا من دراسة تعريفات الأصوليين لمصطلح
الترجيح ومناقشتها، وهو تعريف البرزنجي رحمه الله المختار لديه الذي يكون ب "تقديم
اتهد بالقول أو بالفعل أحد الطريقين المتعارضين لما فيه من مزية معتبرة تجعل العمل به
أولى من الآخر"، ٩ ويفهم من هذا التعريف أن الترجيح يقع في الطريقين المتعارضين الاثنين
ولم يقع في أكثر من الاثنين، وظاهر المسألة ينافي هذا التحديد لوجود بعض التعارضات
الواقعة في أكثر من الطريقين لأن التعارض بين الثلاثة وأكثر جائز في العقل كالتعارض بين
الأضداد مثل الأسود لم يعارضه الأبيض فحسب بل كل الألوان يعارضه من حيث دلالته
التي تقتضي السواد، فينتج منه مصطلح الراجح الذي يتوسط الأرجح والمرجوح، وهذا لم
ينتبه إليه المعرف، وقد يقصد الأغلب من التعارض بين الطرق.
وقد تبعه الحفناوي في تعريفه للترجيح إلا أنه لم يذكر القيد "بالقول أو بالفعل"،
ولكنه ذكره أثناء شرحه في المراد بالتقديم بل وزاد فيه الكتابة، أي كأن يكتب اتهدون
في كتبهم ومؤلفام ما يستفاد منه تقديم دليل على آخر، ١٠ والظاهر أن الكتابة تدخل في
الفعل، وقد يقصد من ذكرها الانتباه لضرورا في تصريح اتهد بترجيحه للقضايا
المتعارضة في الشرع.
٧ أبو عبد الله محمد بن عمر بن الحسين فخر الدين الرازي، المحصول في علم الأصول، تعليق: محمد عبد القادر عطا
(بيروت: دار الكتب العلمية، ط- ١٩٩٩ ،١ م) ج ٢ ص ٣٨٨
٨ البرزنجي، التعارض والترجيح، المرجع السابق، ج ١ ص ٧٨
٩ المرجع نفسه، ج ١ ص ٨٩
١٠ محمد إبراهيم محمد الحفناوي، التعارض والترجيح عند الأصوليين وأثرهما في الفقه الإسلامي (المنصورة: دار
الوفاء للطباعة والنشر والتوزيع، ط- ١٩٨٧ ،٢ م) ص ٢٨٢ وما بعدها.
٧
دلالة المقاصد: كلمة المقاصد ترجع إلى جذرها اللغوي قصد ويقصد وقصدا،
والمقاصد جمع المقصد، والمقصد مصدر ميمي للقصد، والقصد له معنيان إتيان الشيء
والعدل، وَق  صده أي نحا نحوه، ١١ والمقصد يضاهي القصد في دلالته إلا أنه يغاير له في
الشكل الصرفي، ويبدو لنا أن ما يقرب إلى المراد في هذه الدراسة هو دلالته في أنه يعني نحا
وينحو ونحوا. وذكر ابن منظور رحمه الله كلام ابن جني رحمه الله في أصل كلمة قصد في
الحقيقة في أنه يقع لمعان الاعتزام والتوجه والنهود والنهوض نحو الشيء، ١٢ ففي هذا
التفسير للقصد تفصيل لما اقتصر عليه الرازي رحمه الله سابقا، في أن القصد يعني هذه
الكلمات الأربع والنحو، وهي تدور حول دلالة واحدة التي تنضوي تحتها دلالة القصد
اللغوية وهي إرادة الإقدام أو عمليته على غاية ما حيث لم يحكم بوجوده بدوا.
ودلالة المقاصد الاصطلاحية لها صلة وطيدة بما نوقش في دلالتها اللغوية، إلا أا لم
تنتهج بالمنهج الذي تصطلح فيه دلالتها الاصطلاحية، فهي مبحث ذو بال في مباحث علم
أصول الفقه بل وفي كل علوم التي تتخذ وفق المنظور الشرعي. وهذا المصطلح كان فكرة
غير منضبطة لدى الأصوليين القدامى، ولذلك ما كانوا يتعارفون عليه كمصطلح أصولي،
وما صرحوا به في كتابام الأصولية، ومع ذلك ط  وروه كفكرة ونظرية في فهم غايات
موضوعة للشريعة الإسلامية.
وقد اتضح هذا بعد مجيء الشاطبي رحمه الله بكتابه القيم "الموافقات في أصول
الشريعة"، وقد وضع منهجا جديدا لكتابة علم الأصول بناء على مفهوم المقاصد.
والشاطبي رحمه الله مع مكانته هذه لم يكن يتعرض لوضع تعريف وح  د لمصطلح المقاصد،
وقد اكتفى بذكر قسمي المقاصد في بداية الحديث عنها حيث ميز قصد الشارع من قصد
المكلف، ١٣ وقد أشار إلى سبب هذا الريسوني في كتابه "نظرية المقاصد". ١٤ والذي نراه أن
١١ الرازي، مختار الصحاح، مادة قصد، المصدر السابق، ص ٥٦٢
١٢ ابن منظور، لسان العرب، مادة قصد، المصدر السابق، ج ٣ ص ٣٥٥
١٣ أبو إسحاق إبراهيم بن موسى الشاطبي، الموافقات في أصول الشريعة، شرح: عبد الله دراز (بيروت: دار الكتب
العلمية، د.ت) ج ٢ ص ٣
١٤ أحمد الريسوني، نظرية المقاصد عند الإمام الشاطبي، المعهد العالمي للفكر الإسلامي (الرياض: الدار العالمية
للكتاب الإسلامي، ط- ١٩٩٢ ،٢ م) ص ٥
٨
الشاطبي رحمه الله قد عرف المقاصد من خلال عرضه لتفاصيلها التي لم تكن متداولة عند
سابقيه، وهذا التعريف في صورة مط  ولة ومتشبعة بين أطراف حديثه عنها في هذا الكتاب.
وثمة عالم في المقاصد الذي لم يتم الحديث عنها بدون ذكره، وهو ابن عاشور
رحمه الله الذي كتب "مقاصد الشريعة الإسلامية"، وتطرق فيه إلى تعريف المقاصد تعريفا
ذا قسمين، والتعريف المبدئي هو "مقاصد التشريع العامة هي المعاني والحكم الملحوظة
للشارع في جميع أحوال التشريع أو معظمها؛ بحيث لا تختص ملاحظتها بالكون في نوع
خاص من أحكام الشريعة، فيدخل في هذا أوصاف الشريعة وغايتها العامة والمعاني التي لا
يخلو التشريع عن ملاحظتها، ويدخل في هذا أيضا معان من الحكم ليست ملحوظة في
سائر أنواع الأحكام، ولكنها ملحوظة في أنواع كثيرة منها". ١٥
وقول ابن عاشور رحمه الله بأن هذا التعريف لمقاصد التشريع العامة يدل على أنه
أراد التفريق بين المقاصد العامة والمقاصد الخاصة، وقد أشار إليها بأا تعني "الكيفيات
المقصودة للشارع لتحقيق مقاصد الناس النافعة أو لحفظ مصالحهم العامة في تصرفام
الخاصة،… ويدخل في ذلك كل حكمة روعيت في تشريع أحكام تصرفات الناس". ١٦
وهناك تعريف آخر للمقاصد الذي ذكره علال الفاسي رحمه الله في كتابه "مقاصد
الشريعة الإسلامية ومكارمها" حيث يقول فيه: "المراد بمقاصد الشريعة الغاية منها والأسرار
التي وضعها الشارع عند كل حكم من أحكامه". ١٧ ونستخلص من هذه التعريفات أن
المقاصد هي المعاني والغايات التي وضعت كل أحكام الشرع من أجلها حيث إن سمة هذه
المقاصد العليا تتمحور حول جلب المنفعة ودفع المفسدة.
وهذا ما يسهل لنا عرض المدلول الإفرادي لمصطلح الترجيح المقاصدي بدراسة
كلي جزئيه من منظوريهما اللغوي والاصطلاحي، ونعمد بعده إلى النظر في المدلول
التركيبي لهذا المصطلح.
١٥ محمد الطاهر بن عاشور، مقاصد الشريعة الإسلامية، تحقيق: محمد الطاهر الميساوي (كوالا لمبور: البصائر
للإنتاج العلمي، ط- ١٩٩٨ ،١ م) ص ١٧١
١٦ المصدر نفسه، ص ٣٠٠ وما بعدها.
١٧ نق ً لا عن الريسوني، نظرية المقاصد عند الإمام الشاطبي، المرجع السابق، ص ٦
٩
المدلول التركيبي للترجيح المقاصدي:
وقد مر بنا الحديث عن المدلول الإفرادي لهذه العبارة، وفي هذا الطرف من الدراسة يه  منا
الكلام على مدلوله التركيبي أي دلالته في كونه مصطلحا واحدا يفيد معنى معينا في ف  ن
أصول الفقه.
دلالة الوصف في المصطلح: مصطلح الترجيح المقاصدي من حيث التركيب هو
مركب جزئي وصفي، حيث إن لفظ المقاصد صفة أو نعت ١٨ للفظ الترجيح وهو
الموصوف، ووجود حرف ياء النسبة في لفظ المقاصد يدل على أا تتخذ بصيغة الصفة أو
النعت للفظ الترجيح. والصفة لها أثر في الموصوف ا ضرورة، لأن الصفة إذا وضعت
للموصوف مع قصد عدم أثرها فهذا محال، بل كون الموصوف موصوفا لسبب طروء
الصفة إليه. ومهمة الصفة في الموصوف تتصور في أا رسمت له إطارا دلاليا حيث به
يح  دد الموصوف ويعين، ولكنها لم تحجز نظائرها منه، وقولنا: التفاح الأخضر يلزم منه
تحديد التفاح وتعيينه بكونه أخضر، مع جواز اتصافه بغيره كالأحمر والأصفر.
وفي هذا المصطلح يحتل المقاصد محل الصفة والترجيح في محل الموصوف، والعلاقة
الوصفية بين الترجيح والمقاصد تعطي لكليهما إطارا دلاليا، وهذا الإطار الدلالي يقتضي
اتصاف الترجيح بالمقاصد حيث مدار الترجيح منضبط بما يراد به المقاصد، ويخ  ضع
الترجيح على وفق قوانين المقاصد ومسيراا. ومن حيث التعريف العلمي لهذا المصطلح
ننض  م تعريف الترجيح ١٩ إلى تعريف المقاصد ٢٠ ويكون عملية الترجيح منبنية على مقاصد
الشرع، ومطلق التقديم في تعريف الترجيح مقيد بمقاصد الشرع، وعمومه مخصص ا.
وهذا ما يسهل لنا عرض المدلول التركيبي لمصطلح الترجيح المقاصدي بدراسة
العلاقة الوصفية بين جزئيه، ويكون المصطلح أوضح في ما يأتي من الحديث عن مفهومه
العلمي الأصولي.
١٨ أن الصفة والنعت عند النحويين شيء واحد، والنعت اسم الفاعل نحو ضارب والمفعول نحو مضروب أو ما يرجع
،( إليهما من طريق المعنى نحو مثل وشبه، (انظر: الرازي، مختار الصحاح، المصدر السابق، مادة وصف، ص ٧٥٠
والذي نراه أن الوصف أعم من النعت، بدليل ما تعارف الناس عليه في هذا التفريق.
١٩ انظر إلى صفحة ٦
٢٠ انظر إلى صفحة ٨
١٠
مفهوم الترجيح المقاصدي
عنى هذا الجزء الثاني من المبحث الأول النظر في مفهوم الترجيح المقاصدي بعد أن لفتنا
النظر في تعريفه الاصطلاحي، وندرس في هذا اال مدلولا علميا للترجيح المقاصدي الذي
يتكون من الجانبين من جوانب أصول الفقه، وكذلك ندرس مدى تداول الأصوليين
بالترجيح المقاصدي في مناهجهم الاجتهادية.
المدلول العلمي للترجيح المقاصدي:
يعتني الحديث عن المدلول العلمي للترجيح المقاصدي بالنظر في عرض مفردات الترجيح
بقيود مقاصد الشرع حيث به نفهم المراد بالترجيح المقاصدي، ويكون هذا النظر معتمدا
على التعريفات الفارطة لهما، ونأخذ تعريف الترجيح كمفهوم مبدئي وتعريف المقاصد
كمفهوم توصيفي، والتوصيف يعمد إلى توظيف المبدأ في مقتضى أوصاف وحدود معينة.
ومن التعريف السابق لمصطلح الترجيح عند البرزنجي رحمه الله، تستخلص منه
مفرداته التي قام المعرف بتحليلها جامعا ومانعا. وكذلك التعريف لمصطلح المقاصد سابقا
عند ابن عاشور رحمه الله فيه عناصره التي لا بد من الوقوف عليها للكشف عن صلاحية
إدراجها تحت مدلول الترجيح. ونرى ضرورة التقسيم الأحادي لكلتي مفردات الترجيح
وعناصر المقاصد بغية العثور على مفهوم هذا المصطلح، وهو كما يأتي:
١) تقديم – وهو فعل اتهد ٢١ وليس فعل الشارع، لأن الترجيح قضية ظاهرية عند )
اتهد وليس قضية حقيقية عند الشارع، وإدخال عنصر من عناصر المقاصد هنا في
أن التقديم كما أنه يشير إلى تفاوت قوة الأدلة في مفهوم الترجيح، وكذلك يشير إلى
تفاوت قوة المعاني والحكم في مفهوم المقاصد، وهذا مثل تقديم المعاني في المقاصد
العامة على المعاني في المقاصد الخاصة. ٢٢
٢) اتهد – وهو القائم ذا التقديم يملك أهلية الاجتهاد التي اشترطها العلماء، وعنصر )
المقاصد هنا هو ضرورة إحاطة اتهد بعلم مقاصد الشرع، وهذا قد ذكره الشاطبي
٢١ البرزنجي، التعارض والترجيح، المرجع السابق، ج ١ ص ٩٠
٢٢ ابن عاشور، مقاصد الشريعة، المصدر السابق، ص ١٧١ و ٣٠٠
١١
رحمه الله الذي جعل فهم مقاصد الشريعة على كمالها شرط لحصول درجة
الاجتهاد، ٢٣ وقد تبعه بعض المعاصرين كالزحيلي ٢٤ وزيدان، ٢٥ وغيرهما.
٣) أحد الطريقين المتعارضين – والطريق كل ما يوصل المكلف إلى الأحكام الشرعية، ٢٦ )
ويدخل فيه النصوص وغيرها، ولكن المراد في هذه الدراسة النصوص من الكتاب
والسنة، وعنصر المقاصد هنا يتضح في الأبعاد المقاصدية في النصوص ٢٧ بحيث يجرى
الترجيح بين النصوص المتعارضة بالنظر إلى هذه الأبعاد وتفاوت المعاني والحكم
الملحوظة فيها.
٤) مزية – وهي القوة والفضل والزيادة ٢٨ التي ا يعمل التقديم والترجيح بين )
المتعارضين، ونرى أن هذا الجزء من تعريف الترجيح أبرز من غيره في فهم المصطلح
لأن يدخل في هذه المزية المعاني والحكم والغايات التي يعنيها مقاصد الشرع، وهذه
المزية قد تكون وصفا للدليل، وقد تكون حجة مستقلة له، ٢٩ وأما المزية المقاصدية
فهي تكون داخلية للدليل من جانب أا المعاني والحكم، وتكون خارجية له من
جانب أا الغايات والأهداف.
٥) معتبرة – وهي تؤول إلى اتفاق العلماء على اعتبار المزية، وأما المزايا الضعيفة )
والمختلف فيها لا تدخل في الترجيح، ٣٠ ومقاصد الشرع بمعنى المعاني والحكم معتبرة
عند جمهور العلماء إلا شرذمة قليلة، ولكن المراد العام بالمعاني اعتبره جميع أهل العلم
بأن الشرع له المعاني من أحكامه. ٣١
٢٣ الشاطبي، الموافقات، المصدر السابق، ج ٣ ص ٧٦
٢٤ وهبة الزحيلي، أصول الفقه الإسلامي، (بيروت: دار الفكر المعاصر، ط- ٢٠٠١ ،٢ م) ج ٢ ص ١٠٧٧
٢٥ عبد الكريم زيدان، الوجيز في أصول القفه، (بيروت: مؤسسة الرسالة، ط- ١٩٩٩ ،٧ م) ص ٤٠٥
٢٦ البرزنجي، التعارض والترجيح، المرجع السابق، ج ١ ص ٩١
٢٧ المزيد من التفصيل للبعد المقاصدي في النصوص الشرعية راجع المبحث الثاني من الباب الثاني من هذا البحث.
٢٨ البرزنجي، التعارض والترجيح، المرجع نفسه، ج ١ ص ٩٥
٢٩ المرجع نفسه، الصفحة نفسها
٣٠ المرجع نفسه، الصفحة نفسها
٣١ أشار الريسوني إلى أن ابن حزم رحمه الله الذي لم يقل بمعاني الأحكام اعتبرها وأطلقها على مقاصد الأحكام،
انظر: الريسوني، نظرية المقاصد عند الإمام الشاطبي، المرجع السابق، ص ١٥
١٢
٦) أولى – دلالة الأولى في الترجيح تقتضي أولوية تقديم الدليل المحّلى بالمزية على الدليل )
الغير المحّلى ا، وهذه الأولوية لم تبطل الدليل المق  دم عليه أو المرجوح، وله قابلية
للاستدلال به حينا ما، وفيها مراعاة قدسية الدليل الذي يلزم العمل به وليس الإهمال
عنه، والأولوية تشير إلى تفاوت مراتب المعاني في النصوص الشرعية.
وبعد التصدي للتقسيم الأحادي لتعريف الترجيح وإخضاعه تحت مفهوم المقاصد،
فنتمكن من الاكتفاء به لفهم هذا المصطلح، ونستغني عن صياغة تعريف خاص مستقل له
نظرا لوضوحه وعدم احتياجه إليه، لأن بصياغة تعريف له قد يؤدي إلى وضع الآفاق التي
لم تقصدها الدراسة.
الترجيح المقاصدي في الأدب الأصولي:
والذي يه  مه هذا الجزء من الدراسة هو الخوض في الميدان التاريخي أو التراث الأصولي
لمصطلح الترجيح المقاصدي، وهو يدرس مدى تناول الأصوليين به في ف  ن أصول الفقه،
ويكون تناولهم في أنه فكرة ومنهجا فحسب وما تعرضوا لكونه ذا الهيئة الاصطلاحية،
ولم نقف – حسب اطلاعنا الغير الواسع – على هذا المصطلح في كتابات قدامى
الأصوليين بل وهو مختلق من عندنا، ونرى أن هناك مصطلحات أصولية التي تنسب إليها
عبارة "المقاصد"، ٣٢ ونعتقد أن العبرة بما هو يعبر الفكرة ولا بأس بالمصطلح.
وإن الترجيح المقاصدي في التراث الأصولي قد مر على مراحل، وفي بدايته ٣٣ أنه
منهج في معالجة تعارض الأحاديث، وقد ألف العلماء كتبا فيه ومنهم الإمام الشافعي رحمه
الله الذي صنف "مختلف الحديث"، وابن قتيبة رحمه الله الذي صنف "تأويل مختلف
٣٢ وقد استخدم الباحثون هذه العبارة في عناوين كتابام، ويمكن ذكر بعضها هنا: الاجتهاد المقاصدي: حجيته
وضوابطه ومجالاته لنور الدين بن مختار الخادمي وهو كتاب منشور، والاجتهاد المقاصدي عند العز بن عبد السلام
لأم نائل بركاني والتأصيل المقصدي للأدلة الاجتهادية المختلف فيها لبوهدة غالية وهما رسالتان غير منشورتين.
٣٣ إن تأريخ الأدب الأصولي بدأ منذ عهد الرسالة من حيث إنه منهج اجتهادي، ولكن التعارض الذي يقتضي
الترجيح لم يكن واقعا لأن الوحي ما زال نازلا، وقد وقع جزء من درء التعارض وهو بصورة النسخ. وأما في عهد
الصحابة رضي الله عنهم وقعت هذه الظاهرة وعمدوا إلى الترجيح، بل وهم اختلفوا في الترجيح ومناهجه، ومثال
ذلك مسألة وجوب الغسل في الجماع مطلقا ينزل أم لم ينزل.
١٣
الحديث" و"مشكل القرآن" والتبريزي رحمه الله الذي كتب "مشكاة المصابيح" واليزيدي
رحمه الله الذي ألف رسالة في "التعارض والترجيح" والطحاوي رحمه الله الذي كتب
"تأويل مشكل الآثار". ٣٤ وبعد أن ترعرع فن أصول الفقه بظهور العلماء المهتمين بكتابة
المؤلفات الأصولية ونشأت المذاهب الفقهية التي انتهجت على أصول مختلفة صارت مسألة
الترجيح جزءا من هذا العلم، واتخذ صبغة جديدة فسيحة مما كان فيه. والإمام الشافعي
رحمه الله هو أول من كتب في أصول الفقه في كتابه "الرسالة"، ثم تلاه الأصوليون في
كتابة الكتب الأصولية التي سارت على مناهج مختلفة، وتحدثوا عن الترجيح في مبحث
التعارض وكيفية دفعه. وقد أدخل بعضهم مفهوم مقاصد الشرع في الترجيح، مع أم ما
أفردوه في بحث مستقل إلى أن جاء الشاطبي رحمه الله بكتابه "الموافقات"، وأظهر مدلول
هذا المصطلح فيه، وط  وره من بعده من العلماء.
وإذا تصفحنا مؤلفات الأصوليين سنجد أن فيها إشارات إلى مفهوم الترجيح
المقاصدي، وقد تحدثوا عنها في شتى مواضع من علم أصول الفقه، ومنهم من أخذ
بالترجيح المقاصدي في القياس أو العلة بوجه خاص، حين تعرضوا لبيان المناسبة وتقسيم
العلة في القياس، ومنهم من ذكره في مبحث التعارض والترجيح، وأدخلوه في الترجيح
بالمعاني، ومنهم من أشار إليه في مبحث مقاصد الشرع، وجعلوه في مراتب المصالح حين
تعارض بعضها بعضا. وليس همنا في هذا الباب التمهيدي أن نورد كل ما كتبه الأصوليون
في الترجيح المقاصدي لأن فيه نوع من التوسع والتعمق. إلا أننا نرى ضرورة سرد بعضا
منهم ولا سيما الذين أفردوه في مبحث مستقل.
فخر الدين الرازي رحمه الله (ت ٦٠٦ ه):
وفي كتابه "المحصول في علم الأصول" تحدث عن فكرة الترجيح المقاصدي في باب الكلام
في التعادل والترجيح في القسم الرابع في تراجيح الأقسية، ويقول في ترجيح بعض
المناسبات بأنه: "…والمصلحة الدينية إما أن تكون في محل الضرورة أو في محل الحاجة أو
في محل الزينة والتتمة، وظاهر أن المناسبة التي من باب الضرورة راجحة على التي من باب
٣٤ البرزنجي، التعارض والترجيح" المرجع السابق، ج ١ ص ٩
١٤
الحاجة، والتي من باب الحاجة مقدمة على التي من باب الزينة…"، ٣٥ ويتضح مما ذكرنا
من كلام الرازي رحمه الله أنه أدخل مقاصد الشرع في الترجيح، وأن المقاصد تدور حول
مفهوم المناسبة التي اعتبرت من وصف العلية في القياس الأصولي.
الآمدي رحمه الله (ت ٦٣١ ه):
تعرض الآمدي رحمه الله لفكرة الترجيح المقاصدي عند تناوله للترجيحات العائدة إلى صفة
العلة، وهي تتمثل في أنواعها الثلاثة الرابع عشر والخامس عشر والسادس عشر والسابع
عشر، وقال: "أن يكون المقصود من إحدى العلتين من المقاصد الضرورية كما بيناه من
قبل، والمقصود من العلة الأخرى غير ضروري، فما مقصوده من الحاجات الضرورية أولى
لزيادة مصلحته وغلبة الظن به…"، ٣٦ ويبدو أن الآمدي رحمه الله سار على ما قاله
الرازي رحمه الله سابقًا، ٣٧ إلا أن الخلاف بينهما في أنه في ترجيح المناسبات عند الرازي
رحمه الله، وأما عند الآمدي رحمه الله أنه في الترجيح في صفة العلة.
ابن الحاجب رحمه الله (ت ٦٤٦ ه):
تبينت فكرة الترجيح المقاصدي عند ابن الحاجب رحمه الله في أنه وافق على ما أخذه
شيخه الآمدي رحمه الله، وكثيرا ما نرى أنه تحدث عن هذه الفكرة في تعارض الأقيسة،
وقد قال في كتابه "منتهى الوصول" أنه: "ويرجح بكون الضابط فيها جامعا للحكمة مانعا
لها على خلافه، والمناسبة على الشبيهة، والمناسبة من المقاصد الخمسة الضرورية على
غيرها، والحاجية على التحسينية…". ٣٨
٣٥ فخر الدين الرازي، المحصول، المصدر السابق، ج ٢ ص ٤٢٠
، ٣٦ علي بن محمد الآمدي، الإحكام في أصول الأحكام، تحقيق: سيد الجميلي (بيروت: دار الكتاب العربي، ط- ٣
١٩٩٨ م) ج ٤ ص ٢٨٦
٣٧ والقول بأن الجديد المفيد عند الآمدي رحمه الله في أنه أدخل المقاصد في باب الترجيحات غير سليم، لأن يدل
على أن الآمدي رحمه الله هو الأول من فعل هذا، ولكن فخر الدين الرازي رحمه الله وهو أقدم منه قد عمل ذلك،
وقد أشار إلى هذا الريسوني، انظر: الريسوني، نظرية المقاصد عند الإمام الشاطبي، المرجع السابق، ص ٤٢
٣٨ أبو عمرو عثمان بن عمر بن أبي بكر ابن الحاجب، منتهى الوصول والأمل في علمي الأصول والجدل،
(بيروت: دار الكتب العلمية، ط- ١٩٨٥ ،١ م) ص ١٨٢ وما بعدها
١٥
العز بن عبد السلام رحمه الله (ت ٦٦٠ ه):
وأشار العز رحمه الله إلى فكرة الترجيح المقاصدي في كتابه القيم "قواعد الأحكام"، وقد
قال في بداية هذا الكتاب: "وقد أمر الله تعالى بإقامة مصالح متجانسة وأخرج بعضها عن
الأمر، إما لمشقة ملابستها وإما لمفسدة تعرضها، ورجز عن مفاسد متماثلة وأخرج بعضها
عن الرجز إما لمشقة اجتناا وإما لمصلحة تعارضها…"، ٣٩ ويفهم من هذا أن المصالح
والمفاسد متعددة وإخراج بعضها لطروء المشقة إليها أو لوقوع التعارض من جهة مقابلة،
وقد صرح العز رحمه الله بالترجيح بيت المصالح والمفاسد في قوله: "…وأن التقديم أرجح
المصالح فأرجحها محمود حسن، وأن درء أفسد المفاسد فأفسدها محمود حسن، وأن تقديم
المصالح الراجحة على المرجوحة محمود حسن، وأن درء المفاسد الراجحة على المصالح
المرجوحة محمود حسن…"، ٤٠ وهذا أوضح من كلامه العام السابق وأن تقديم المصالح
على بعضها حسب أرجحها فأرجح وكذلك المفاسد عند التعارض بينها، والأرجح
يقتضي الراجحة والمرجوحة وتقديمه عليهما عند التعارض.
القرافي رحمه الله (ت ٦٨٤ ه):
إن القرافي رحمه الله أشار إلى هذه الفكرة حين تصدى للمناسب وأقسامه ووقوع التعارض
فيه، وقال: "والمناسب ينقسم إلى ما هو في محل الضرورات، وإلى ما هو في محل الحاجات،
وإلى ما هو في محل التتمات، فيقدم الأول على الثاني والثاني على الثالث عند التعارض"، ٤١
والقصد من ترجيح التعارض المبني على مقاصد الشرع ظاهر من كلام القرافي رحمه الله
ومن قبله، وأنه أشار إليه في تعارض الأقيسة التي عللها معنية للمناسبة، والمناسب له أقسام
متفاوتة، ويقدم أعلاها على أسفلها وأقواها على أضعفها.
٣٩ أبو محمد عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام السلمي، قواعد الأحكام في مصالح الأنام، مراجعة: طه عبد
الرؤوف سعد (القاهرة: مكتبة الكليات الأزهرية، ١٩٦٨ م) ج ١ ص ٥
٤٠ المصدر نفسه، والصفحة نفسها
٤١ شهاب الدين أبو العباس أحمد بن إدريس القرافي، شرح تنقيح الفصول في اختصار المحصول في الأصول،
تحقيق: طه عبد الرؤوف سعد (القاهرة: مكتبة الكليات الأزهرية، ط- ١٩٩٣ ،٢ م) ص ٣٩١
١٦
الإسنوي رحمه الله (ت ٦٨٥ ه):
وقال الإسنوي رحمه الله شارحا لكلام البيضاوي رحمه الله: "ويراعي عند التقديم بالمناسبة
تقديم المناسب الضروري ثم المصلحي ثم التحسيني ثم مكمل الضروري على المكمل
المصلحي ثم المكمل التحسيني، ثم يقدم الضروري المتعلق بالدين على الضروري المتعلق
بالدنيا، لأن الأول ثمرته السعادة الأبدية، والثاني ثمرته السعادة الفانية…ثم يقدم الضروري
المتعلق بحفظ الدين على الضروري المتعلق بحفظ النفس، والمتعلق بحفظ النفس يقدم على
المتعلق بحفظ النسب، والمتعلق بحفظه مقدم على المتعلق بحفظ العقل، والمتعلق بحفظه مقدم
على المتعلق بحفظ المال"، ٤٢ وهو على ج من قبله في تقديم ما بين المراتب الثلاث
للمصلحة وما بين الضروريات الخمس.
الشاطبي رحمه الله (ت ٧٩٠ ه):
والشاطبي رحمه الله لم يتحدث عن فكرة الترجيح المقاصدي في باب الترجيح كما فعله
سابقوه، ولكنه ف  صلها في باب المقاصد، ولكنه لم يصرح بالترجيح المعتمد على مقاصد
الشرع عند التعارض بينها، وقال: "المقاصد الضرورية في الشريعة أصل في للحاجية
والتحسينية، فلو فرض اختلال الضروري بإطلاق لاختلا باختلاله بإطلاق، ولا يلزم من
اختلالهما اختلال الضروري بإطلاق…"، ٤٣ ويفهم منه أن الضرورية مقدمة على الحاجية
والتحسينية في حالة التعارض لأن الضرورية أصل لهما، والأصل أولى وأرجح بالتقديم،
ومثل هذا كثيرا في كلام الشاطبي رحمه الله في هذا الباب مع أنه لم يصرح بذلك.
ابن عاشور رحمه الله (ت ١٣٧٩ ه):
وقد أتى ابن عاشور رحمه الله بتقسيم مقاصد الشر إلى المرتبتين: القطعية والظنية، وقال في
هذا الصدد: "مثال المقاصد الشرعية القطعية ما يؤخذ من متكرر أدلة القرآن تكرار ينفي
احتمال قصد ااز والمبالغة، نحو كون مقصد الشارع التيسير…ومثال المقاصد الظنية
٤٢ شعبان محمد إسماعيل، ذيب شرح الإسنوي على منهاج الوصول إلى علم الأصول للقاضي البيضاوي،
(القاهرة: مكتبة الكليات الأزهرية، ١٩٧٦ م) ج ٣ ص ٢٣٨ وما بعدها
٤٣ الشاطبي، الموافقات، المصدر السابق، ج ٢ ص ١٣
١٧
القريبة من القطعي…مثل قوله صلى الله عليه وسلم: لا ضرر ولا ضرار، فإنه داخل تحت
أصل قطعي في هذا المعنى فإن الضرر والضرار مثبوت منعه في الشريعة كلها في وقائع
جزئيات وقواعد كليات…واعلم أن مراتب الظنون في فهم مقاصد الشريعة متفاوتة
بحسب تفاوت الاستقراء المستند إلى مقدار ما بين يدي الناظر من الأدلة، وبحسب خفاء
الدلالة وقوا." ٤٤ ونفهم من قطعية المقاصد وظنيتها أن القطعي مقدم على الظني عند
التعارض، وتفاوت مراتب الظنون في المقاصد يدل على أن الأعلى هو الأرجح.
وهذا مما يتسنى لنا عرض بعض العلماء الذين تطرقوا إلى فكرة الترجيح المقاصدي،
وقد وضح التطور الفكري الذي مر عليه الترجيح المقاصدي في التاريخ الأصولي، وهي قد
تكون هذه الفكرة رائدة عند المعاصرين حين تحدثوا عن أنواع الترجيحات،وأمثالهم
البرزنجي رحمه الله، ٤٥ والزحيلي، ٤٦ والحفناوي، ٤٧ وغيرهم.
وذا وصلنا إلى اية الحديث عن الجزء الأول من المصطلح الأساس لهذه الدراسة،
وجانبي الترجيح المقاصدي مصطلحا ومفهوما يرسمان لنا إطارا معرفيا عند تدواله في
الميدان التطبيقي في الباب الثاني، وقد ُفهم هذا المصطلح بعد هذا العرض المطول كأنه
منهج في درء التعارض الظاهري في الشرع، بل وهو مسلك ترجيحي الذي يدور حول
معاني الأحكام وإفضاءأا، وإعماله يتوقف على المعاني والإفضاءات.
٤٤ ابن عاشور، مقاصد الشريعة الإسلامية، المصدر السابق، ص ١٥٩ وما بعدها
٤٥ البرزنجي، التعارض والترجيح، المرجع السابق، ج ٢ ص ٣٢٧
٤٦ الزحيلي، أصول الفقه الإسلامي، المرجع السابق، ج ٢ ص ١٢٣٤
٤٧ الحفناوي، التعارض والترجيح، المرجع السابق، ص ٣٨٨
١٨
المبحث الثاني:
مصطلح النصوص المتعارضة
قام هذا المبحث بوظيفة مضاهية للمبحث الأول في دراسة مصطلح البحث، إلا أن الفرق
بين هذا المبحث الثاني والمبحث الأول الماضي في جزء المصطلح بحيث إن الأول يعتني
بدراسة الجزء الأول منه وهو "الترجيح المقاصدي"، وأما الثاني يعتني بدراسة الجزء الثاني
منه وهو "النصوص المتعارضة".
وما يبدو لنا أن هذه العبارة تكون على غرار العبارة السابقة في كوا متركبين من
الكلمتين اللتين أضيفت الأولى إلى الثانية بتعلق الوصف، فيكون عملنا هنا – كما عملنا
سابقا – إخضاع عبارة "النصوص المتعارضة" على دراستها في مدلوليها الإفرادي
والتركيبي، حيث إن مدلولها الأول نعرف به دلالة كلتي الكلمتين في منظوريهما اللغوي
والاصطلاحي، ونعرف بمدلولها الثاني دلالة الوصف فيها الذي يربط بينهما.
المدلول الإفرادي للنصوص المتعارضة:
القصد من وضع هذا الطرف من الدراسة هو الإحاطة بمقتضى المصطلح بتحليل جزئياته،
والذي يتبادر في أذهاننا أنه متكون من العبارتين "النصوص" و"المتعارضة"، وهما يشكلان
منطلقا أساسيا لفهم المصطلح الأول الذي طال الكلام عنه في المبحث السالف، ونلتف
النظر المتمعن إليهما من حيث إما مصطلحان مستقلان اللذان يفيد كل واحد منهما
دلالة لغوية واصطلاحية.
دلالة النصوص: كلمة النصوص جمع لكمة النص، وهي تؤول إلى جذرها اللغوي
ن  ص ين  ص ن  صا، ويقول صاحب مختار الصحاح: "ن  ص الشيء رفعه…ون  ص الحديث إلى
فلان رفعه إليه، ون  ص كل شيء منتهاه"، ٤٨ وقال صاحب لسان العرب: "الن  ص رفعك
الشيء، ون  ص الحديث ين  صه ن  صا رفعه، وكل ما ُأظهر فقد ن  ص"، ٤٩ وهو أن النص
المضاف إلى الحديث والكلام يعنى الإخبار والإيصال، وأما النص المطلق يعني الإظهار.
٤٨ الرازي، مختار الصحاح، المصدر السابق، مادة نصص، ص ٦٨٧
٤٩ ابن منظور، لسان العرب، المصدر السابق، مادة نصص، ج ٧ ص ٩٧
١٩
وإن مصطلح النص له دلالات عديدة عند الأصوليين، ومرة أنه نوع من أنواع
مصادر الأحكام، ومرة أنه قسم من أقسام دلالة الألفاظ على المعنى، ومرة أنه وصف
للدليل في دلالته وقوته. وننظر إلى ما تناوله الأصوليون في التعريف بالنص، وقال الغزالي
رحمه الله في هذا الصدد: "النص اسم مشترك يطلق في تعارف العلماء على ثلاثة أوجه:
الأول:…اللفظ الذي يغلب على الظن فهم معنى منه من غير قطع…، الثاني: ما لا
يتطرق إليه احتمال أصلا…اللفظ الذي يفهم منه على القطع معنى…، الثالث:…ما لا
يتطرق إليه احتمال مقبول يعضده دليل…"، ٥٠ والمراد بالنص هنا قسم من أقسام دلالات
الألفاظ على المعاني، وهذا الذي اشتهر عند الأصوليين عندما تعرضوا لمصطلح النص.
والنص في إطلاق ثان يقتضي معنى آخر غير هذا المعنى للنص في تقسم دلالة
اللفظ، وهو"…كل ملفوظ مفهوم المعنى من الكتاب والسنة سواء كان ظاهرا أو نصا أو
مفسرا حقيقة أو مجازا عاما أو خاصا اعتبارا منهم للغالب…"، ٥١ وهو يشمل كل أنواع
دلالات الألفاظ، وكونه ملفوظا مفهوم المعنى قد يمنع من دلالات غير واضحة نحو المتشابه
وامل والخفي والمشكل.
وقد يطلق النص للمعنى العام ويندرج تحته كل نص سواء أكان ظاهرا أم نصا أم
مفسرا أم أو محكما، ٥٢ وقد يفهم من قوله كل نص أنه يشمل كل أنواع النصوص سوء
كانت الشرعية وغير الشرعية التوقيفية والتوفيقية الاجتهادية وغير الاجتهادية، وهذا لم
يراد به في هذه الدراسة.
وقد أورد معنى النص بالتفريق بين إطلاقه الأصولي وإطلاقه الفقهي، ويتضح معناه
عقب هذا التفريق نظرا في أن الفقه وأصول الفقه متباينان في وجه، وبحيث إن النص في
عرف الأصوليين هو كما أشار إليه الغزالي رحمه الله سابقا، وإنه في عرف الفقهاء يعنى
٥٠ أبو حامد محمد بن محمد بن محمد الغزالي، المستصفى من علم الأصول، تصحيح: نجوى ض و (بيروت: دار
إحياء التراث العربي، ط- ١٩٩٧ ،١ م) ج ١ ص ٢٤٤ وما بعدها
٥١ محمد بن علي التهانوي، موسوعة كشف اصطلاحات الفنون والعلوم، مراجعة: رفيق العجم (بيروت: مكتبة
لبنان ناشرون، ط- ١٩٩٦ ،١ م) ج ٢ ص ١٦٩٥ وما بعدها

٥٢ محمد فتحي الدريني، المناهج الأصولية في الاجتهاد بالرأي في التشريع الإسلامي، (بيروت: مؤسسة الرسالة،
ط- ١٩٩٧ ،٣ م) ص ٦٧ الهامش: ١
٢٠
الكتاب والسنة مطلقا، ٥٣ أو نظم القرآن والسنة في مقابلة الأدلة الأخرى من الإجماع
وغيرها، ٥٤ وحمل هذا المعنى على إطلاق الفقهاء اعتبارا للغالب، ولأنه قد أطلقه الأصوليون
في كتابام عند الحديث عن الأدلة الشرعية، وقسموها على النص والحمل على النص.
وثمة معنى آخر للنص وهو الذي نقصده في هذه الدراسة، وهذا المعنى يؤول إلى
كل آية قرآنية أو حديث نبوي، ٥٥ وإذا ُقيد هذا المعنى باال الأصولي الفقهي كما في هذه
الدراسة وهو نصوص الأحكام من الكتاب والسنة، ٥٦ وسنعتمد على هذا المعنى عند السير
مع هذه الدراسة في أن إعمال الترجيح المقاصدي نظرية وتطبيقا متوقف على النصوص
القرآنية والحديثية دون غيرهما أو بوجه خاص التي تتعلق بالأحكام دون غيرها.
دلالة التعارض: وكلمة المتعارضة في صيغة اسم الفاعل المؤنث لكلمة التعارض،
والتعارض يرجع إلى جذره اللغوي عرض يعرض عرضا وتعارض يتعارض تعارضا،
والتعارض على وزنه الصرفي التفاعل وهو يفيد المشاركة، ٥٧ وكما ورد في مختار الصحاح
أن عرض يعني ظهر وأعرض أي أظهر واعترض الشيء صار عريضا كالخشبة واعترض
الشيء دون الشيء أي حال دونه، ٥٨ وورد في لسان العرب أن عارض الشيء بالشيء
معارضة قابله وعرض الشيء يعرض واعترض انتصب ومنع وصار عارضا كالخشبة
والعرض المانع، ٥٩ ويمكن الاستخلاص من هذه المعاني اللغوية لأصل التعارض عدة
الكلمات: المنع والظهور وحدوث الشيء بعد العدم والمقابلة والمساواة والمثل. ٦٠
٥٣ بدر الدين محمد بن ادر بن عبد الله الزركشي، تشنيف المسامع بجع الجوامع لتاج الدين السبكي، دراسة
وتحقيق: سيد عبد العزيز وعبد الله ربيع (القاهرة: مكتبة قرطبة، ط- ١٩٩٩ ،٣ م) ج ١ ص ٣٣١
٥٤ محمد مصطفى شلبي، أصول الفقه الإسلامي، (بيروت: دار النهضة العربية، ١٩٨٦ م) ص ٤٥٢
٥٥ عبد الكريم زيدان، الوجيز في أصول الفقه، المرجع السابق، ص ٣٤٠ الهامش: ٢
٥٦ محمد أديب صالح، تفسير النصوص في الفقه الإسلامي، دراسة مقارنة لمناهج العلماء في استنباط الأحكام من
نصوص الكتاب والسنة، (بيروت: المكتب الإسلامي، ط- ١٩٩٣ ،٤ م) ج ١ ص ٥٠
٥٧ الزنجاني، متن البناء، المصدر السابق، ص ٥
٥٨ الرازي، مختار الصحاح، المصدر السابق، مادة عرض، ص ٤٤٩ وما بعدها
٥٩ ابن منظور، لسان العرب، المصدر السابق، مادة عرض، ج ٧ ص ١٦٧ وما بعدها
٦٠ البرزنجي، التعارض والترجيح، المرجع السابق، ج ١ ص ١٥ وما بعدها
٢١
ودلالة التعارض الاصطلاحية تدور حول هذه المعاني اللغوية إلا أا تقيد ببعض
الشروط والضوابط لاعتبارها موضوعا من مواضع علم أصول الفقه الإسلامي، وقد
اصطلح الأصوليون على عبارة التعارض بصيغ التعريف المختلفة ولكنها متحدة في المراد
العام، ونذكر بعضها في يلي:
١. عرفه السرخسي رحمه الله: "…فهو تقابل الحجتين المتساويتين على وجه يوجب كل
واحد منهما ضد ما توجبه الأخرى كالحل والحرمة والنفي والإثبات…" ٦١ واستخدم
لفظ التقابل لتعبير معنى التعارض،
٢. وعرفه الشوكاني رحمه الله: "وفي الاصطلاح تقابل الدليلين على سبيل الممانعة" ٦٢
واستخدم كذلك لفظ التقابل لتعبير معنى التعارض، والجزء الثاني من التعريف يدل على
مفهوم التعريف الأول للسرخسي رحمه الله،
٣. وعرفه التمرتاشي رحمه الله: "وهي تقابل الحجتين على سواء في حكمين متضادين في
محل واحد في حالة واحدة بين اثنين، ٦٣
٤. وعرفه البرزنجي رحمه الله بعد مناقشته لتعريفات الأصوليين: "التمانع بين الأدلة
الشرعية مطلقا بحيث يقتضي أحدهما عدم ما يقتضيه الآخر" ٦٤
وإنعام النظر فيما مضى من الحديث عن معنى التعارض يرى أن بين مفهوميه
اللغوي والاصطلاحي علاقة، وهي في أن التعارض يمنع من العمل بما وقع فيه التعارض،
وهو يكون عارضا للقائم بمقتضى المحل الذي يتضمن التعارض، وهو كذلك يقتضي
التساوي والتماثل بين المتعارضين، ولكن إذا قيدنا التعارض بأنه الشرعي فهو ظاهري،
والتساوي فيه يكون في النظر الأ  ولي بحيث إذا نظرنا فيه بالتمعن والتفحص نجد أن في أحد
المتعارضين فضل ومزية، ومنه ننطلق إلى عملية الترجيح الذي هو مسلك من مسالك درء
التعارض في الشرع، وليس التعارض العقلي أو الطبيعي الغير الشرعي.
٦١ السرخسي، أصول السرخسي، المصدر السابق، ج ٢ ص ١٤
٦٢ الشوكاني، إرشاد الفحول، المصدر السابق، ص ٤٥٤
٦٣ محمد بن عبد الله بن أحمد بن محمد الخطيب التمرتاشي، الوصول إلى قواعد الأصول، تحقيق: محمد شريف
مصطفى أحمد سليمان (بيروت: دار الكتب العلمية، ط- ٢٠٠٠ ،١ م) ص ٢٦٧
٦٤ البرزنجي، التعارض والترجيح، المرجع السابق، ج ١ ص ٢٣
٢٢
المدلول التركيبي للنصوص المتعارضة:
وكما أخذنا في المدلول التركيبي لمصطلح الترجيح المقاصدي سالفا، إن هذا المصطلح
يضاهيه في طبيعة العلاقة بين عبارتيه، وهي العلاقة الوصفية بحيث عبارة النصوص
موصوف لعبارة المتعارضة وهي صفة، وكلامنا في هذا الجزء من الدراسة منحصر على
الإشارة إلى دلالة الوصف في هذا المصطلح.
دلالة الوصف في المصطلح: وقد أشرنا إلى نظرية هذه الدلالة عند تعرضنا لبيان
دلالة الوصف في مصطلح الترجيح المقاصدي فلا حاجة إلى تكرارها هنا، ٦٥ غير أننا نريد
أن نو  ضح مفهوم الإطار الدلالي الذي ترسمه هذه الدلالة الوصفية في طبيعة العلاقة بين
العبارتين في المصطلح، ويبدو أنه قد ُذكر بدون إيضاح مقنع ونتعمد في ذلك لنط ول
الكلام عنه في البحث عن المصطلح الثاني وهو النصوص المتعارضة، ولأننا نرى أن
المصطلح الثاني يفتقر إليه أكثر افتقارا لكونه مو  ضعا دراسيا لإجراء المصطلح الأول.
وإن الوصف أو الصفة في السياق يتطلب إخضاع الموصوف تحت مقتضياته
وآفاقه، ولهذا أن إعمال الصفة في الجملة الخبرية يكتمل بجميع دلالاا، وإعمال الموصوف
فيها يكتمل بما تدل عليه دلالات الصفة، وفي هذا المصطلح أن عبارة "المتعارضة" صفة،
وإعمالها في المصطلح يكتمل بجميع دلالات التعارض المتعارف عليها في أصول الفقه،
وإعمال الموصوف وهو عبارة "النصوص" يكتمل بما تدل عليه دلالات التعارض أي أن
النصوص التي وقع فيها التعارض دون غيرها.
والإطار الدلالي الذي يربط بين هاتين العبارتين في المصطلح يكمن في أن النصوص
الشرعية التي تتمثل في الآيات القرآنية والأحاديث النبوية مخصصة من معناها العام بكوا
متعارضة أو مقيدة من معناها المطلق بكونه متعارضة، وإذن، إن النظر البحثي في هذه
الدراسة يتوقف على النصوص المتعارضة فحسب دون الخوض في التعارض بين الأقيسة
وأقوال العلماء والأحكام العقلية، والإطار الدلالي للنصوص ح  دده كوا متعارضة وليس
العكس، ونتعامل مع النصوص تعاملا موصوفيا ونتعامل مع التعارض تعاملا وصفيا،
ونعالجهما مع مراعاة كونيهما في المصطلح.
٦٥ انظر إلى صفحة ٩
٢٣
مفهوم النصوص المتعارضة
وقد التمسنا بعض الذي يف  هم منه مفهوم مصطلح النصوص المتعارضة عند تطرقنا إلى
دراسته سابقا، إلا أننا نراه أنه  عرض بأفكار متبعثرة مترامية، وقصدا من تنظيم هذه
الأفكار توضيحها نضع الجزء الثاني لهذا المبحث، وسنعرض في هذا اال مدلولا علميا
للنصوص المتعارضة بذكر ما يندرج تحتها وما لا يندرج، ومدى صلاحية استخدام هذا
المصطلح لتعبير المقصد، وكذلك سندرس وقوع هذا المصطلح في الأدب الأصولي من
حيث إنه فكرة ومن حيث إنه مصطلح.
المدلول العلمي للنصوص المتعارضة:
ونرى ضرورة الإقدام على التقسيم الأحادي لتعريفات هاتين العبارتين بغية النظر في مدى
الوفاق واللئام بينهما بحيث ننطلق منه إلى نيل المدلول العلمي للمصطلح، وهو كما يلي:
١) النص – ويراد به النص الذي وقع فيه التعارض أي تقابل بين النصين فأكثر أو تمانع )
بينهما، وصورته أن هناك نصان واردان وتقتضي دلالة أحدهما خلاف ما تقتضيه
دلالة الآخر، ٦٦ والتعارض في هذه الدلالة التي سيق النص من أجلها، ولا يقع
التعارض في ثبوت النص، لأن الثبوت فوق الدلالة وينظر إليه أ و ً لا قبل النظر في
الدلالة، والدلالة متوقفة على الثبوت عند التعارض، فليس هناك التعارض المعتبر بين
الثابت بالقطع والثابت بالظن مع أن دلالتهما متعارضة. ٦٧
٢) النصوص – وهي تشمل الآية القرآنية والسنة النبوية، وأن التعارض وقع فيهما، )
وصوره الثلاث: الأولى، التعارض بين الآيات القرآنية بعضها بعضا، والثانية، التعارض
٦٦ وعند تعريف البرزنجي رحمه الله (ص ٢١ من هذا البحث) أنه قيده ب "يقتضي أحدهما عدم ما يقتضيه الآخر"
ثم أشار في شرحه إلى أنه خرج به الدليلان الشرعيان المتوافقان (انظر: البرزنجي، التعارض والترجيح، المرجع
السابق، ج ١ ص ٢٨ )، وقد يفهم من استخدامه لعبارة عدم أن أحد الدليلين المتعارضين يدل على الوجود وثانيها
يدل على العدم أي نفي ذلك الوجود، وهذا يفيد حصر التعارض فيهما مع أنه يشمل كذلك المخالفة، ولأن
التعارض لا يقع في الوجود والعدم فحسب بل يقع في الأمور المخالفة كالأضداد.
٦٧ وهذه الخصية أي الثبوت والدلالة تتحلى ا النصوص الشرعية فقط دون غيرها، وهي ترجع إلى جانبين
النصوص عند ورودها إلينا من حيث كيف وصل إلينا وما هو وصل إلينا، والأول يهتم بالجانب الخارجي للنص
والثاني يهتم بالجانب الداخلي له.
٢٤
بين الأحاديث النبوية بعضها بعضا وفيها تفصيل، أي التعارض بين الأحاديث
المتواترة، والتعارض بين أحاديث الآحاد، والتعارض بين المتواترة والآحاد، والثالثة،
التعارض بين الآيات والأحاديث وفيها تفصيل، أي التعارض بين الآيات والأحاديث
المتواترة، والتعارض بينها والآحاد. وأن الثابت بالقطع يرجح على الثابت بالظن بل
ولا يعتبر وقوع التعارض بينهما، ٦٨
٣) الأحكام – وهي قيد للنصوص ويراد ا الأحكام الشرعية غير الأحكام العقلية )
والطبيعية والحسية، وتقصد هذه الدراسة الأحكام الفقهية ٦٩ دون الأحكام الشرعية
مطلقا التي تحتوي على الأحكام العقدية والفقهية والخلقية، والنصوص كما قيدت
بكوا متعارضة وهي كذلك مقيدة بكوا مفيدة للأحكام الفقهية،
إن إطلاقنا على مصطلح النصوص المتعارضة إشارة إلى حدوث التعارض بين
النصوص الشرعية، وهو قد يفهم منه بأنه حدوث حقيقي، أي أن الخطاب الصادر من
الشارع الحكيم يقع في موقع يتعارض فيه بعضه بعضا، وهذا ينافي صفة الكمال والعلم من
الشارع، وهيهات هيهات. وأما الذي نقصده من استخدام هذه المصطلح هو حدوث
التعارض في النصوص حدوثا صوريا، أي أنه يتجّلى في نظر اتهد الذي لم يحط به العلم
الحقيقي، وأنه لم يوجد التعارض في نفس الأمر. ٧٠ وهذا التصور الإنساني تجاه النصوص
يلاحظ أا تتعارض بعضها بعضا فيلجأ إلى إزالة هذا التصور من الأذهان بالسير في
كيفيات درئه ودفعه. وقد يعسر القبول عند البعض بأن التعارض في النصوص صوريا
ظاهريا مع أن الواقع يشهد على أنه حقيقي، وهو ابتلاء ابتلينا به ليعرف المطيع من
العاصي.
٦٨ وفيه مسائل كثيرة مطولة عند الأصوليين وتفرقوا إلى مواقف وآراء، ومن هذه المسائل المتعلقة ذه الفكرة هي:
وقوع التعارض في الشرع حقيقيا أم صوريا، ووقوع التعارض بين القطعيات، واشتراط التسوية في التعارض وغيرها،
ولمزيد من التفصيل راجع: البرزنجي، التعارض والترجيح، المرجع نفسه، ج ١ ص ٣١ وما بعدها، والحفناوي،
التعارض والترجيح، المرجع السابق، ص ٢٩ وما بعدها.
٦٩ وقد ُقيدت الأحكام لتكون دالة على أا جزء من الأحكام الشرعية بإضافتها إلى أعمال الإنسان أو المكلفين،
وخرجت ذا القيد الأحكام العقدية والخلقية منها (انظر: الغزالي، المستصفى، المصدر السابق، ج ١ ص ١٥ وفخر
.( الدين الرازي، المحصول، المصدر السابق، ج ١ ص ٤ والزحيلي، أصول الفقه، المرجع السابق، ج ١ ص ٢١
٧٠ انظر: الشاطبي، الموافقات، المصدر السابق، ج ٤ ص ٢١٧ وما بعدها
٢٥
النصوص المتعارضة في الأدب الأصولي:
وقد س  جل تاريخ الأدب الأصولي في صفحاته أمثلًة للنصوص الشرعية المتعارضة، وفي هذا
الطرف من الدراسة يمكننا عرض هذه الأمثلة ضمن الحديث عن مفهوم النصوص
المتعارضة، ومن أجل توضيح المراد سنمر ذا العرض التاريخي مع مراعاة مراحل الأدب
الأصولي ومناهجه التي تطورت حينا بعد آخر، والقصد من وضع هذا العرض هو التأكد
من وقوع التعارض – الصوري – في النصوص الشرعية كما شهده تاريخ الأدب
الأصولي.
وفي عصر الرسالة كان الوحي ما فتئ نازلا من السماء إلى رسول الله صلى الله
عليه وسلم، والصحابة كانوا يكتبون القرآن ويحفظونه، والبيان الصادر من الرسول صلى
الله عليه وسلم كان الوحي كذلك إلا أن الصحابة رضي الله عنهم لاحظوا الفرق بين
الوحي المتلو وبين الوحي الغير المتلو، ولكنهم اعتنوا ما حفظا ودراسة كالنصوص
الشرعية. وفي هذا العصر لم يكن التعارض بين النصوص متعارفا عليه نظرا لاستمرارية
نزول الحي ووروده، إلا أن هناك النسخ الذي حدث لتحقيق مبدأ التدرج في تشريع
الحكم، ٧١ وفيه نوع من مفهوم التعارض وهو أن النسخ قد يكون فيه تعارض الدلالة بين
النص الناسخ والنص المنسوخ كالنسخ في حكم شرب الخمر، ٧٢ وقد لاحظ الصحابة
رضي الله عنهم نوعا من التعارض بين النصوص من الآيات والأحاديث ولجئوا إلى النبي
صلى الله عليه وسلم للتوضيح والبيان.
وفي عصر الصحابة رضي الله عنهم كانوا وقعوا في مسألة التعارض بين النصوص
الشرعية لا سيما الأحاديث النبوية، وعالجوا هذه المسألة بالأخذ بمناهج ومسالك التي
رأوها صالحة لدفع التعارض ودرئه، وفي هذه المناهج استخدموا طرقا عديدة أمثال ترجيح
أحد النصين المتعارضين أو الجمع بينهما أو نسخ أحدهما، وهو ش ّ كل سببا من أسباب
٧١ عبد الكريم زيدان، المدخل لدراسة الشريعة الإسلامية، (بيروت: مؤسسة الرسالة، ط- ١٩٨٩ ،١١ م) ص ٩٥
٧٢ إن الآية الأولى تقول بأن في الخمر منافع وإثما ولكن إثمه أكبر من نفعه (البقرة: ٢١٩ ) فنزلت الآية الثانية التي
تنهى عن شرب الخمر في أوقات الصلاة (النساء: ٤٣ ) ثم نزلت الآية الثالثة التي تجعل الخمر من ضمن أعمال
الشيطان وأمرت باجتنابه (المائدة: ٩٠ )، والتعارض حادث في دلالات هذه الآيات الثلاث، لأن الأولى تدل على
عدم حرمته مطلقا، والثانية تدل على حرمته مقيدا، والثالثة تدل على حرمته مطلقا، ووجه التعارض بينها واضح.
٢٦


التوقيع :




لا اله الا الله رب السموات السبع ورب العرش العظيم








رد مع اقتباس
قديم 06-12-2010, 10:30 AM   رقم المشاركة : 10
الكاتب

أفاق الفكر

مراقب

مراقب

أفاق الفكر غير متواجد حالياً


الملف الشخصي








أفاق الفكر غير متواجد حالياً


رد: ٍاصول الفقه في سؤال وجواب


الاختلاف في هذا العصر، ومن أمثلة اجتهادات الصحابة في درء التعارض هو التعارض في
آيتي العدة للمتوفى عنها زوجها وهي حامل، ٧٣ وذهب ابن مسعود وابن عباس وعلي
رضي الله عنهم إلى الجمع، وذهب أبو سعيد الخدري رضي الله عنه إلى النسخ. ٧٤
وفي عصر التابعين أصبحت قضية التعارض بين النصوص ترعرعت وأخذت لونا
جديدا في مناهجها ومسالكها، وفي بداية هذا العصر اتخذت هذه القضية كموضوع من
طياة الحديث عن التوفيق بين مختلف الحديث، ثم ط  ورت في الأدب الأصولي عند تعرضه
لتعارض الدلالات بين النصوص الشرعية ووضعت عقبها مناهج أصولية التي تتسنى لها
معالجة التعارض الظاهري. وقد تأثر علم أصول الفقه بما جرى من قبل في منهج درء
التعارض بين النصوص، واتضح هذا التأثير في أن التركيز على الطرف الثاني من النصوص
الشرعية أي الحديث أكثر بل أغلب في دراسام من القرآن، وكأم توقفوا على أن
التعارض في الأحاديث فحسب، ٧٥ ونرى أم تصدوا للكلام عن التعارض بين الآيات
القرآنية عند مبحث مراتب دلالات ألفاظ الكتاب على أحكامه ومعانيه، وأشاروا إلى
كيفية دفع التعارض الواقع بين أقسام الدلالات. ونتيجة من ذلك، أم قسموا دلالات
الألفاظ إلى أقسام التي رتبت حسب القوة عند التعارض، وهذه القوة آيلة إلى وضوح
٧٣ الآية الأولى تقول بأن المرأة المتوفى عنها زوجها تعتد بأربعة أشهر وعشر أيام (البقرة: ٢٣٤ ) والآية الثاني تقول
بأن المرأة المطلقة وهي حامل تعتد بوضع حملها (الطلاق: ٤) ووجه التعارض هو في أن الأولى تدل على عدة المرأة
المتوفى عنها زوجها سواء كانت حامل أم غير حامل، وأما الثانية تدل على عدة المرأة الحامل سواء كان طلاقها
بالوفاة أم بغير الوفاة، فتعارضت في حكم المطلقة بالوفاة وهي حامل، والجمع في هذه المسألة يؤدي إلى الأخذ بأبعد
الأجلين، والنسخ فيها يؤدي إلى الأخذ بالوضع والولادة.
٧٤ محمد بن إسماعيل الأمير اليمني الصنعاني، سبل السلام شرح بلوغ المرام من جمع أدلة الأحكام، تحقيق: خليل
مأمون شيحا (بيروت: دار المعرفة، ط- ١٩٩٨ ،٤ م) ج ٣ ص ٣٠٨ |محمد بن أحمد بن محمد بن رشد القرطبي،
بداية اتهد واية المقتصد، تصحيح: محمد الأمد (بيروت: دار إحياء التراث العربي، ط- ١٩٩٦ ،١ م) ج ٢ ص
٩٤ وما بعدها
٧٥ بدأوا حديثهم عن الترجيح بكيفية الترجيح بين الأخبار من حيث السند ومن حيث المتن ومن حيث الأمور
الخارجية التي تعضد أحد المتعارضين، ولم يبدأوا بكيفية الترجيح بين الآيات، انظر: الغزالي، المستصفى، المصدر
السابق، ج ٢ ص ٢٠٧ |فخر الرازي، المحصول، المصدر السابق، ج ٢ ص ٣٩٧ |الآمدي، الإحكام، المصدر
السابق، ج ٤ ص ٢٥١ | وغيرها من المصادر الأصولية.
٢٧
المعنى وخفائه، ٧٦ فالأوضح يرجح على الواضح، والخفي يرجح على الأخفى، وهكذا
دواليك.
وكثيرا ما نرى، أن دراسات أصولية في النصوص المتعارضة تتوقف على ما انتهجه
السابقون، أي أن نصوص القرآن تتعارض في دلالتها دون ثبوا لأن القرآن كله ثابت
بالقطع، وأن نصوص الحديث تتعارض في دلالتها وثبوا ولكن التعارض في ثبوت الحديث
آيل إلى سند الآحاد التي ثبتت بالظن، وصورة التعارض التي تتمحور حول هذه نواحي
النصوص تجعل عملية الترجيح التي هي وليدة التعارض تنحصر فيها كذلك، بل وهي
إحدى طرق معالجة التعارض بين النصوص، وفيه تضييق لتوظيف الترجيح بين النصوص
المتعارضة.
حصيلة الباب: وبعد مرورنا بمصطلحي الترجيح المقاصدي والنصوص المتعارضة
ومفهوميهما في هذا الباب، تمكننا صياغة دلالة مو  حدة بينهما إشارًة إلى إفادة كلمة "بين"
في عنوان الدراسة، ونقول بأن عملية تقديم أحد المتعارضين المعتمدة على المزية المعتبرة عند
مقاصد الشرع تدور في نطاق النصوص الشرعية التي تتطلب هذه العملية، وأن هذه
القضية الاجتهادية تتصور عندما لاحظ اتهد التعارض في دلالات النصوص ولا يتمكن
من درئه بجمعها، فآوى إلى الأخذ بالبحث عن فضل أو مزية في أحد النصين المتعارضين،
وهذا النظر البحثي يراعي مضامين مقاصد الشرع وقواعدها، ويعمد إلى الترجيح بناء على
أنه أحق بالتقديم وأولى في النظر المقاصدي، والمر  جح يتحلى بالمزية التي اعتبرا المقاصد
أعلى وأكبر وأكثر، وأما المر  جح عليه يتحلى بالمزية التي اعتبرا أدنى وأصغر وأقل.
٧٦ وإذا تصفحنا كتب علم الأصول سنقف على أن الأصوليين قسموا دلالات الألفاظ إلى قسمين أساسين وهما
ينبنيان على وضوح دلالة اللفظ على المعنى وخفائها. وفي وضوح الدلالة مراتب وأدناها الظاهر ثم النص ثم المفسر ثم
المحكم، وأساس وضع هذه الرتبة التصاعدية هو وضوح الدلالة على المعنى بحيث لا يحتمل التأويل، وتقدم أعلى
المرتبة على أدناها في حالة تعارض دلالتيهما. وفي خفاء الدلالة مراتب وأدناها الخفي ثم المشكل ثم امل ثم المتشابه،
وأساس وضع هذه الرتبة التصاعدية هو خفاء الدلالة على المعنى بحيث تقدم أدنى المتربة على أعلاها عند التعارض.
(راجع: الدريني، المناهج الأصولية في الاجتهاد بالرأي، المرجع السابق، ص ٥٩ وما بعدها)
٢٨
الباب الثاني
الترجيح المقاصدي بين النصوص المتعارضة
عمد الباب الثاني من هذه الدراسة إلى تنزيل النظرية في الواقع، وأن وظيفة هذا الباب
تتراءى في إجراء الترجيح المقاصدي في ميدان النصوص الشرعية التي ظهر تعارضها، وكأ ّ ن
الحديث عن موضوع الدراسة في الصفحات السالفة يلتبس عليه الغموض لعدم إرجاعه إلى
البعد العملي، وهو كذلك كلام يرى أنه لا يقوم على السطح الملموس أو الفضاء المحسوس
لإطلاقه من قيود التطبيقات التوضيحية، وصياغة هذا الباب عقب هذه الحالة ملائمة في
إبراز النظرية والمفهوم والمنهج المستنتج في المنحى الفقهي بحيث يسير على مسيرة تدرك
فيها آثارها وثمراا، ونرى أن ثمة ضرورة الإشارة إلى فكرتين اللتين تعيناننا في فهم عملية
هذا التنزيل، وهما يمثلان مبحثين في هذا الباب، فالمبحث الأول يعالج فضية العلاقة بين
الترجيح والمقاصد حيث به نتعرف على أن عملية الترجيح تراعي مقاصد الشرع،
والمبحث الثاني يعتني بأوجه التراجيح المقاصدية في النصوص آخذا بأعلى عنصر المقاصد
وهو جلب المنافع ودرء المفاسد فأدناها فأدناها، والباب يهدف بمبحثيه إلى توظيف
الترجيح المقاصدي في النصوص الشرعية المتعارضة.
٢٩
المبحث الأول:
الترجيح ومقاصد الشرع
إن القصد من وضع هذا المبحث هو إيضاح التداخل والتشابك بين الترجيح ومقاصد
الشرع، وهو نقطة مررنا ا أثناء حديثنا عن التعريف بمصطلح الترجيح المقاصدي مرورا
كراما ولم نكن مهتمين ا لعدم التناسب بين المقال والمقام، ونعمد الآن إلى التماسها نظرا
لأهميتها في تنزيل الترجيح المقاصدي على النصوص المتعارضة، والغاية التي ترجي ورائه
هي علم بالترجيح والمقاصد يلتقيان في بعض الحالات، وأن الإقدام على عملية الترجيح
بين النصوص لها حظ في اعتبار مقاصد الشرع.
وقد يطرح السؤال عن مدى صلاحية فكرة الترجيح المقاصدي في درء التعارض
بين النصوص، ويبدو أن الترجيح والمقاصد موضوعان متباينان بحيث لا يمكن التوافق
والتلاؤم بينهما، لأن الترجيح يعمل في الجانب الخارجي للنصوص وأما المقاصد تعمل في
الجانب المعنوي لها، وتكون الفكرة التي هي أساس هذه الدراسة لم تع  د معتبرة عند فن
أصول الفقه ولا هي موجودة، وكأن الجهد الذي يبذل في تأسيسها وتأطيرها وتوسيعها
تافه ولا يؤول إلى الجدوى، ولأا جمع بين الض  دين فهو محال عقلا وشرعا. وهذا السؤال
الصادر ممن يستعجل نظره في هذه الفكرة سنجيبه بحول الله تعالى في صفحات آتية.
المقارنة بين الترجيح ومقاصد الشرع:
الأمر الأول الذي سنجعله ما يتسنى لإجابة السؤال الذي أثير من قبل هو دراسة المقارنة
بين الترجيح والمقاصد من حيث ا نتعرف على جوانب التساوي وجوانب التغاير بينهما،
ولأن بجوانب التساوي بينهما ندرك الحالات والمواقع التي فيها يلتقي مفهوم الترجيح مع
مفهوم المقاصد، وننطلق من هذه الإدراك إلى وضع ما يراعي هذا الالتقاء من عمليات
ونظريات، ومن ضمنها فكرة الترجيح المقاصدي الذي بين أيدينا، وبجوانب التغاير بينهما
نعلم الحالات والمواقع التي فيها يتصادم مفهوم الترجيح مع مفهوم المقاصد، وننطلق من
هذا العلم إلى صياغة ما يراعي هذا التصادم بحيث لا يتكن فيه من الجمع بينهما ويكون
السعي إليه مصيره إلى عبث وسدى.
٣٠
ومعيارنا في اعتبار التساوي والتغاير بين الترجيح والمقاصد هو مفهوماهما اللذان
أخذنا ما في الباب السابق، ولا نقف على مفردات التعريف لهما لأن فيه تضييق لآفاقهما
وتضئيل لوظيفتهما، ولأن التعريف قضية لفظية لغوية التي دف إلى تعبير ما يفهم في
عموم نظريته ومفهومه إلى ما يفهم في خصوص كلماته ومفرداته، ١ وبالمفهوم اتسع اال
للخوض في هذا العمل.
جوانب التساوي بين الترجيح والمقاصد:
ولع ّ ل يسأل سائل عن سبب تقديم جوانب التساوي على جوانب التغاير في دراستنا هذه،
ونجيب بأن موضوع هذه الدراسة تقتضي ذلك أي قولنا بالترجيح المقاصدي يومئ إلى أن
هناك ترادفا وطيدا بينهما وإلا لما يصلح إطلاق هذا المصطلح على أن يكون مصطلحا
علميا، وذلك يتطلب تقديمه على جوانب التباين بينهما، ولأن العكس يقضي عليه.
ومن أجل توضيح المراد نعرض هذه الجوانب في التقسيم بحيث ندرس كل واحد
منها جانبا تلو آخر، وهي كما يأتي:
١) العمل ما معتبر عند الجمهور – وقد ذهب جمهور الأصوليين والفقهاء والمحدثين من )
المذاهب الأربعة وغيرها إلى العمل بالترجيح والمقاصد في أصلهما إلا أن الخلاف بينهم
يظهر في التفاصيل، وأم اتفقوا على أن الأخذ بالترجيح مشروعا عند وجود التعارض في
النصوص، مع أم اختلفوا في رتبة الترجيح من بين مسالك درء التعارض، والأكثرية
ذهبوا إلى وضع الترجيح في الرتبة الثانية بعد الجمع، ٢ والحنفية ذهبوا إلى وضعه في الرتبة
الثانية كذلك بعد النسخ، ٣ والمحدثون ذهبوا إلى وضعه في الرتبة الثالثة بعد الجمع والنسخ. ٤
١ نق ً لا من البحث الذي كتبه الباحث مع باحث آخر لتكميل متطلبات المادة الدراسية مقاصد الشريعة والاجتهاد في
الجامعة الإسلامية العالمية ماليزيا، سنة ٢٠٠١ م، وعنوانه "نظرية المقاصد عند الإمام الآمدي، دراسة في المنهج
التطبيقي للمقاصد"، وهو محفوظ عند الباحث، ص ٢١
٢ الزركشي، تشنيف المسامع، المصدر السابق، ج ٣ ص ٤٩٥ وما بعدها| إسماعيل، ذيب شرح الإسنوي،
المرجع السابق، ج ٣ ص ٢١٤ | ولي الدين أبو زرعة العراقي، الغيث الهامع شرح جمع الجوامع، تحقيق: مكتبة
قرطبة (القاهرة: الفاروق الحديثة للطباعة والنشر، ط- ٢٠٠٠ ،١ م) ج ٣ ص ٨٣٦
٣ راجع: السرخسي، أصول السرخسي، المصدر السابق، ج ٢ ص ١٤ وما بعدها
٤ محمد عجاج الخطيب، أصول الحديث علومه ومصطلحه، (بيروت: دار الفكر، ١٩٨٩ م) ص ٢٨٨
٣١
وأم كذلك اتفقوا على اعتبار المقاصد في الشرع، وذلك يستنبط من تصريحام الأصولية
ومن تطبيقام الفقهية، وهو ظاهر عند المذاهب الثلاثة وعلى رأسهم المالكية، وتداولهم
بالمقاصد أصولا وفروعا شهدت عليه مؤلفام، والأحناف مع أم برعوا في الاستحسان
والتعليل وسعة التعامل مع الفروع لم يكونوا على هذا الوضوح في الموقف ٥ إلا متأخرهم
من بعد الشاطبي رحمه الله كصاحب "التحرير" الذي أشار فيه إلى مراتب المقاصد الثلاث
والضروريات الخمس، ٦ وهذا لا يعني أن متقدمي الأحناف أهملوا مفهوم المقاصد في
تطبيقام الفقهية. وبالجملة أن جمهور العلماء اعتبروا العمل بالترجيح والمقاصد.
٢) وأما يعالجان العنصر الداخلي للنص – وأن الترجيح من كيفياته النظر في داخل )
النصوص من دلالاا على المعاني وكيفيات هذه الدلالة، وهو كما رأينا سابقا بأن تعارض
الآيات القرآنية يقع في دلالات ألفاظها على المعاني وهذا الذي اهتم به الأصوليين كثيرا
عندما تعرضوا لمبحث الدلالة في الكتاب، وبدءا من تقسيمهم لدرجات الدلالة قصدوا منه
ترجيح ما هو أعلاها على أدناها، والدلالة جانب داخلي للنص. ٧ ومقاصد الشرع تكون
عنصرا داخليا للنص في كوا المعاني وا  لح َ كم، ٨ والمعنى جانب داخلي للنص كذلك.
٣) وأما عملية اجتهادية التي تقوم على أدوات وآلات – والترجيح تقديم دليل على )
دليل لوجود مزية في المق  دم، والنظر الاجتهادي ٩ فيه يكمن في التقديم نفسه بحيث إنه

٥ الريسوني، نظرية المقاصد، المرجع السابق، ص ٤٩
٦ ابن أمير الحاج الحلبي، التقرير والتحبير على التحرير في أصول الفقه، ضبط: عبد الله محمود محمد عمر (بيروت:
دار الكتب العلمية، ط- ١٩٩٩ ،١ م) ج ٣ ص ١٨٣
٧ والدلالة في المنطق تعني فهم أمر من أمر كفهمنا الجرم المعهود من لفظ السماء، فلفظ السماء يسمى دالا والجرم
المعهود مدلولا، انظر: أحمد الدمنهوري، إيضاح المبهم من معاني السلم شرح سلم المنطق، ويليه شرح العلامة
الأخضر على سلم المنطق، (سنقافورا: مكاتب سليمان مرعي، د.ت) ص ٦، أي وهي المعنى الذي يوصل الدال إلى
المدلول، وكونه معنى للفظ أو النص يجعله داخلا فيه.
٨ وتكون عنصرا خارجيا للنص عند اعتبارها الأهداف والغايات، انظر: يوسف حامد العالم، المقاصد العامة
للشريعة الإسلامية، (هيرندن: المعهد العالمي للفكر الإسلامي، ط- ١٩٩١ ،١ م) ص ٧٩
٩ ونعني بالنظر الاجتهادي هنا أن اتهد يرى التعارض في أمر ما والآخر لا يرى ذلك، وهذا لأن اختلف منهجهما
في الاجتهاد، ويكون التعارض عندهما نسبي اجتهادي، ومثل هذا قول الحنفية بحصول التعارض بين العام والخاص
لقطعية دلالتهما، والجمهور لا يقول بذلك، راجع: مصطفى سعيد الخن، أثر الاختلاف في القواعد الأصولية في
اختلاف الفقهاء (بيروت: مؤسسة الرسالة، ط- ٢٠٠٠ ،٢ م) ص ٢١٥ وما بعدها
٣٢
يلاحظ ما يقتضيه من التعارض، وكذلك في البحث عن المزية أو الفضل في أحد
المتعارضين، واتهد يتمسك بما وضعه من قواعد وضوابط في اعتبار مزية من المزايا.
والمقاصد التي هي معاني النصوص و  ح َ كمها لا تستغني من الاجتهاد كذلك، وهو
الاستقراء والتتبع والتقصي، ١٠ وإذا كانت عامة أا تستخلص من النظر الاستقرائي لجميع
النصوص، وإذا كانت خاصة أا تستنبط من مفهوم نص واحد أو نصوص متعددة في
موضوع واحد. فإذًا، أن الترجيح والمقاصد يدخل إليهما الاجتهاد، ولكن الاجتهاد فيهما
لا يستلزم النسبية إطلاقًا، بل حالات دون حالات أخرى ومواضع دون مواضع أخرى.
وهذا مما توصلنا إليه من جوانب التساوي بين الترجيح والمقاصد، ويبدو في
النقطتين الأخيرتين منها مقتضى الفكرة الذي تبنى عليه هذه الدراسة في الترجيح
المقاصدي، وما ازداد الوضوح في مرادنا ذا المصطلح الأساس.
جوانب التغاير بين الترجيح والمقاصد:
وابتغاءً لتوازن هذه المقارنة نذكر هنا جوانب التغاير بين الترجيح والمقاصد بعد أن لفتنا
النظر في جوانب التساوي بينهما، والحديث عنها واسع ذو امتداد مط  ول لظهور الفرق
والخلاف، ونقتطف منه بعض الجوانب التي نتمكن به من القول بتغايرهما، ونجعلها في
النقاط الآتية:
١) التباين في سبب الوجود – وذهب جمهور الأصوليين إلى أن التعارض سبب لوجود )
الترجيح، ١١ ويفهم منه بأن الترجيح من آثار التعارض وهو سبب له، وحكم وجود
الترجيح تعلقًا بغيره، لأن القول بالترجيح بين الأدلة لكوا متعارضة، واللجوء إلى الترجيح
من أجل درء هذا التعارض. وأما المقاصد فخلاف ذلك، لأن وجودها متوقف على ما د ّ ل
عليه النص والخطاب مما يصلح اعتباره عند المعرفة بحدود الشرع وآفاقه. وإذا كان صلة
الترجيح بالتعارض تتمثل في مفهوم الأثر، فصلة المقاصد بالنصوص تتمثل في مفهوم المعنى
والحكمة والمصلحة.
١٠ ابن عاشور، مقاصد الشريعة، المصدر السابق، ص ١٢٥ | الشاطبي، الموافقات، المصدر السابق، ج ١ ص ١٦
١١ اتفاقهم على هذا مستنبط من تعريفام للترجيح حيث ذكروا فيها قيد التعارض، وقد ر  جح البرزنجي رحمه الله
هذا الرأي بعد الدراسة والمناقشة، راجع: البرزنجي، التعارض والترجيح، المرجع السابق، ج ١ ص ٩٧ وما بعدها
٣٣
٢) التباين في موضع الإعمال – إن الترجيح كما يعمل في دفع التعارض بين النصوص )
الشرعية كذلك في الاجتهادات والأقوال، وقد ثبت عند الأصوليين الأخذ بالترجيح عندما
تصدوا للتعارض بين الأقوال من مجتهد واحد التي لا يمكن جمعها، وهو إما بترجيح المتأخر
من الأقوال إن علم التاريخ، وإما بجمعها إن لم يعلم بأن يريد التخيير، وإما أن يقترن أحد
قوليه ما يرجحه على الآخر أو غيرها. ١٢ وأما المقاصد لا تعمل إلا في النصوص الشرعية
من الكتاب والسنة، وهذا بفهم مدلولاا استقراءً واستدلا ً لا، وهي بكوا صادرة من
الشارع الحكيم الخبير لا يسوغ اتصافها بالعبث والسدى في دلالتها على الحكم ودلالتها
على المعنى، ١٣ وليس كذلك كلام البشر مهما بلغ من العلم والاجتهاد.
٣) التباين في إفادة الحكم – والترجيح بين المتعارضين يفيد تقسيمهما إلى الراجح )
والمرجوح، ويكون العمل بالراجح واجب عند القائم بترجيحه ١٤ ويحرم عليه العمل
بالمرجوح إلا أن تعين له ما يقتضي تغيير اجتهاده. والمقاصد التي تجري في النصوص لا
تفيد حكما شرعيا من حيث إا دالة على ذلك، بل واعتبارها مفهوما شرعيا الذي يتعامل
مع المعاني في جهة ومع الغايات في جهة أخرى، وشتان.
فهذه النقاط الثلاثة ١٥ أومأت إلى بعض المناحي التي فيها يتميز الترجيح من
المقاصد، وهي تو ّ طد ما جرى من حديثنا عن دراسة المقارنة بينهما في هذا اال.
١٢ الزركشي، بدر الدين محمد بن ادر بن عبد الله، البحر المحيط في أصول الفقه، تحقيق: لجنة من علماء الأزهر،
(مصر: دار الكتبى، ط- ١٩٩٤ ،١ م) ج ٨ ص ١٣١ وما بعدها| فخر الرازي، المحصول، المصدر السابق، ج ٢
ص ٣٨٥ وما بعدها| البرزنجي، التعارض والترجيح، المرجع السابق، ج ٢ ص ٣٢٤ وما بعدها| الحفناوي،
التعارض والترجيح، المرجع السابق، ص ٨٢ وما بعدها
١٣ لأن النصوص تنص على الحكم بطريقي المباني والمعاني، وفي المباني النظر في ألفاظها وعباراا وفي المعاني النظر في
دلالاا وإشاراا، ولذلك وضع الشاطبي رحمه الله ما يعتني باللغة العربية في فهم المقاصد، راجع: الشاطبي،
الموافقات، ج ٢ ص ٤٩ وما بعدها| الريسوني، نظرية المقاصد، ص ١٢٩ |ابن عاشور، مقاصد الشريعة، ص
١٣٥ ، والاجتهادات لا تكون في مثل هذه الدرجة من الاعتبار والاتعاظ.
| ١٤ الآمدي، الإحكام، المصدر السابق، ج ٤ ص ٢٤٦ |الشوكاني، إرشاد الفحول، المصدر السابق، ص ٤٥٤
البرزنجي، التعارض والترجيح، المرجح السابق، ج ٢ ص ١٥٠
١٥ وهناك جوانب أخرى التي يخالف فيها الترجيح المقاصد نحو مدى احتياج اتهد إليهما والقطع والظن فيهما
وتفاوت النظر في الأدلة فيهما وغيرها، ونكتفي ذه الثلاثة لتمثيل صورة التباين بين الترجيح والمقاصد.
٣٤
القيم المقاصدية في إعمال الترجيح:
وما سبقنا من كلام على توصيل الترجيح إلى الإطار المقاصدي يفتقر إلى إيضاح بعض
القيم التي تعتبرها مقاصد الشرع في إعمال الترجيح عند الوقوف على التعارض، فنرى أن
هذا المقام لائق للحديث عنها وهو على إثر دراسة المقارنة بين الترجيح والمقاصد.
وإذًا، ّ همنا هنا سرد كل ما يتعلق بالترجيح مع ذكر قيمة من القيم المقاصدية التي
يمكن فهمها فيه، وهي تتمثل عمومًا في المصالح المعتبرة عند الشرع وما يقصده الشارع من
خطاباته ونصوصه وأحكامه، وذلك في ما يأتي:
أولا: درء التعارض: ونعلم بأن الترجيح مسبوق بحصول التعارض وهو يكون
دارئا له، ويتبين لنا ضرورة الإقدام على إزالة التعارض بكل طريقة والترجيح من ضمنها.
وعين الاعتبار تلاحظ طرفا من مفهوم مقاصد الشرع في هذا، ولأن وقوع التعارض في
الأدلة تكّلف على المكلفين وهم مخاطبون بأحكام من هذه الأدلة المتعارضة، بل وتجعلهم
مكلفين بمحال وبما لا يطاق بحيث لا يقدرون على القيام باقتضائها، ومعنى التكلف
بمحال هنا عدم جواز اللجوء إلى أي مبر  ر منه، ففي العمل بكلها محال لعجز الجمع بين
الأضداد، وفي العمل بإحداها محال لاحتياجه إلى حجة، وفي العدول عنها محال لإثبات
السدى. وهذا من الأمور التي تراعيها مقاصد الشرع، ١٦ وحفظًا لهذا المعنى المقاصدي
وضع العلماء مسالك درء التعارض والترجيح منها، فالترجيح يتجه إلى محافظة على مقصد
من مقاصد الشرع.
ثانيا: الترجيح وإعمال الدليل: والوحي السماوي الذي يتمثل في النصوص أنزله
الشارع من أجل العمل بمقتضياا والطاعة على أحكامها، ١٧ وفي التعارض الذي يحتاج إلى
١٦ وقد ذكر الشاطبي رحمه الله في النوع الثالث من تقسيمه لقصد الشارع، وتحدث فيه عن أن شرط التكليف أو
سببه القدرة على المكلف به، راجع: الشاطبي، الموافقات، المصدر السابق، ج ٢ ص ٨٢ ، وبناء على هذا أن
التكليف عند التعارض ينافي هذا القصد، لأنه تكليف بما لا يطاق.
١٧ من مقاصد الوحي العمل به لأنه ينزل من عند الله تعالى لهداية البشر، وكونه مقصدا من مقاصد الشرع أنه
منبع أساس للدين ويكون الحفاظ عليه حفاظ على الدين، وحفظ الدين من الضروريات الخمس التي اعتبره الشرع،
انظر: الشاطبي، الموافقات، المصدر السابق، ج ٢ ص ٨| يوسف العالم، المقاصد العامة، المرجع السابق، ص ٢٢٦
٣٥
ما يدفعه إبطال لهذا القصد من إنزال الوحي. وللترجيح الذي يأتي بعد الجمع وقبل النسخ
أثر في مراعاة هذا المقصد، وإذا كان التعارض يمكن درئه بالجمع فبه يؤخذ، لأن فيه العمل
بجميع المتعارضين، وتحقيق مقصد النص فيه كامل بدون التغافل عن أحد منها، ١٨ وإذا لم
يمكن الجمع فيه فيدفع بالترجيح، وفيه تقديم أحد منها لوجود ما يميزه من غيره، وفيه
العمل بالراجح وإهمال المرجوح، وتحقيق مقصد النص فيه غير كامل لهذا الإهمال ومع
جواز اعتبار المرجوح والعمل به، ١٩ وإذا لم يمكن الترجيح فيه فيدرأ بالنسخ شريطة العلم
بتاريخ النص، ويكون تحقيق مقصد النص فيه ناقصا لإبطال نص بتأ  خر غيره. وإن اعتبار
العمل بالنص في الترجيح أوفر من النسخ مع أما يفيدان الأخذ بنص واحد راجحا أو
ناسخا، ولكن مراعاة مقصد النص في الترجيح أبين وأسلم من النسخ نظرا لإمكانية العمل
ببقية النصوص المرجوحة دون المنسوخة.
ثالثا: الترجيح والنظر الكلي: يتطلب القيام بالترجيح إلى النظر الكلي في كل ما
يدل على دلالة التي أفادت التعارض، أي أن اتهد لم يجرؤ إلى التحكيم بالنص بدون
اعتبار ما يعارضه من النصوص الأخرى التي يعلمها هو أو يشير إليها مخالفه، ونظره في
جميع هذه النصوص المتعارضة دلالة أو ثبوتا كليًا بحيث تتسع له الفرصة لجمعها أو
ترجيحها أو نسخها أو إسقاطها وفق منهجه في الترتيب. والنظر الكلي يراعي مفهوم
مقاصد الشرع الذي ينتهج مسلك الاستقراء وتتبع الجزئيات ٢٠ للوصول إلى أمر كلي
الذي يجمع معاني تلك الجزئيات، وهو في الترجيح يكمن في أنه تقصي النصوص المتعارضة
باحثا عن ترادف المعاني وتفاوا، ويبني على هذا التفاوت تقديم نص على آخر.
١٨ أي لا يهمل أحد من النصوص المتعارضة من حيث دلالته الكلية وقد يهمل من حيث دلالته الجزئية، لأن في
الجمع يلجأ اتهد إلى التأويل، وفي التأويل صرف المعنى دون اللفظ، وفي صرف المعنى إهمال لدلالته الجزئية مع إبقاء
| دلالته الكلية في اللفظ، راجع تعريف التأويل ومفهومه في: الغزالي، المستصفى، المصدر السابق، ج ١ ص ٢٤٥
الآمدي، الإحكام، المصدر السابق، ج ٣ ص ٥٩ | الدريني، المناهج الأصولية، المرجع السابق، ص ١٦٧ ، العمل
بجميع دلالات المتعارضين في الجمع يكون في المعنى الجامع لها كليا.
١٩ وقد ذكر الآمدي رحمه الله جواز العمل بالدليل المرجوح، انظر: الآمدي، الإحكام، المصدر السابق، ج ٤ ص
٢٤٧ | البرزنجي، التعارض والترجيح، المرجع السابق، ج ١ ص ٩٦ ، وقد يقصد منه التفريق بين المرجوح
والمنسوخ بحيث للمرجوح قابلية للاعتبار والنظر حينا لاحقا بعد الترجيح بخلاف المنسوخ.
٢٠ ابن عاشور، مقاصد الشريعة، المصدر السابق، ص ١٢٥
٣٦
المبحث الثاني:
وجوه الترجيح المقاصدي بين النصوص المتعارضة
وهذا المبحث يمثل محورا تطبيقيا لدراستنا في ترجيح النص على النص المبني على مفهوم
مقاصد الشرع الإسلامي، وهو يأتي بعد الخوض في أبجديات هذه العملية وأساسياا وبعد
فهم آفاقها ومداراا في المباحث الماضية.
والحديث عن موضوع الترجيح لا يتجلى واضحًا في الأذهان لتوقفه على تأطيره
إطارًا نظريا خاليا من الجانب التنزيلي، ونرى ثمة حاجة لهذه الدراسة إلى إلقائها في
الميدان الفقهي العملي بغية إيضاحها أكثر وضوحا، وهذا الذي يدفعنا إلى صياغة هذه
المبحث في اية الدراسة، وشأنه كشأن متتم لما سبق ومكمله لنقصانه من ناحية العلم به.
وقولنا بأن الترجيح المقاصدي له وجوه في درء التعارض الظاهر بين النصوص
يومئ إلى أنه مفهوم واسع بحيث تع  دد فيه مسالكه وطرقه، بل وجوه الترجيح القائم على
المقاصد عبارة عن جزء صغير من أوجه التراجيح الأخرى، وهذا يشير إلى سعة الجهد
المبذول من قبل اتهدين في إيجاد ما يدفع التعارض في الشرع. ونحن في هذا الجزء من
الوجوه سنقوم بدراستها وجها بعد وجه مع ذكر لكل منها مثال تطبيقي فقهي، ويكون
اهتمامنا أوفر بإجراء الترجيح المقاصدي على النصوص المتعارضة التي تتخذ كسبب من
أسباب الخلاف بين المذاهب الفقهية.
والأصوليون أقروا ذا حين تعرضوا لإعمال المقاصد في دفع التعارض بين
النصوص، ورأوا أن التفاوت في معاني النصوص يقتضي صلاحية الترجيح بينها حسب هذا
التفاوت، وقد مرت بنا الإشارة إلى تناولهم بالترجيح ٢١ في معاني النصوص، وهو يدور
حول المناسبات والعلل والحكم والمصالح، وما هذه كلها إلا من معاني النصوص. ولذا،
تقسيمنا هنا في وجوه الترجيح المقاصدي منحصر في هذا الجانب وهو مما أخذ به العلماء
سلفا وخلفا بأسماء متغايرة.
٢١ انظر إلى صفحة ١٣ وما بعدها
٣٧
وكاد أن يتفق العلماء على أن مقاصد الشرع متوقف على أمور ثلاثة، وهي:
جلب المصلحة ودفع المفسدة، ومراتب المصالح الثلاث من الضروريات والحاجيات
والتحسينيات، والضروريات الخمس من حفظ الدين والنفس والنسل والمال والعقل، إلا
أن ابن عاشور رحمه الله زاد عليها بأمور أخرى كالفطرة والسماحة والمساواة والرخصة
والحرية، ٢٢ ونسلك على اعتبار تلك الثلاثة التي ّ تم الاتفاق عليه.
أ  و ً لا: جلب المنفعة ودفع المفسدة
وهو رمز أساسي في مقاصد الشرع الإسلامي بحيث إن أحكام الشرع كلها تؤول
إلى جلب المنافع ودفع المفاسد، ٢٣ والمصلحة عبارة عن الأثر المترتب على الفعل بمقتضى
الضوابط الشرعية التي ترمي إلى تحقيق مقصود الشارع من التشريع جلبا لسعادة
الدارين، ٢٤ والمفسدة خلاف ذلك وهي عبارة عن عبارة عن الأثر المترتب على الفعل
بمقتضى الضوابط الشرعية التي ترمي إلى تفويت مقصود الشارع من التشريع دفعا لسعادة
الدارين، ووجوه الترجيح في هذا العنصر المقاصدي كالآتي: ٢٥
١) إذا تعارض نصان وأحدهما يفيد جلب المنفعة والثاني يفيد دفع المفسدة، فير  جح النص )
الدافع عن المفسدة على النص الجالب للمصلحة، ٢٦
٢) إذا تعرضان نصان وكلاهما يفيدان جلب المصلحة أو دفع المفسدة إلا أن الأول )
مصلحته أو مفسدته أعلى وأكبر من الثاني فيرجح الأول على الثاني،
٢٢ ابن عاشور، مقاصد الشريعة، المصدر السابق، ص ١٧٧ وما بعدها
٢٣ العز، قواعد الأحكام، المصدر السابق، ج ١ ص ١١
٢٤ يوسف حامد العالم، المقاصد العامة، المرجع السابق، ص ١٤٠
٢٥ الغزالي، المستصفى، المصدر السابق، ج ١ ص ٢٢٢ | العز، قواعد الأحكام، المصدر السابق، ج ١ ص ٥ و ٤٢
وما بعدها |الزركشي، البحر المحيط، المصدر السابق، ج ٨ ص ٢١٨ | ابن الحاجب، منتهى الوصول والأمل،
المصدر السابق، ص ٢٢٧ |شعبان محمد إسماعيل، ذيب شرح الأسنوي، المصدر السابق، ج ٣ ص ٢٣٩
٢٦ ترجيح المفسدة على المصلحة عند الأصوليين لم يكن معتبرا بإطلاقه، والشاطبي رحمه الله جعل قيدا لهذا الترجيح
وهو أن يكون حصول التعارض بين المصلحة والمفسدة في حكم الاعتياد، (راجع: الشاطبي، الموافقات، المصدر
( السابق، ج ٢ ص ٢١ )، و(راجع كذلك: العز بن عبد السلام، قواعد الأحكام، المصدر السابق، ج ١ ص ٥
٣٨
٣) إذا تعارض نصان وأحدهما يفيد جلب المنفعة الدنيوية والثاني يفيد جلب المنفعة )
الأخروية ٢٧ فيرجح الثاني على الأول، وإذا تعارض نصان وأحدهما يفيد دفع المفسدة
الدنيوية والثاني يفيد دفع المفسدة الأخروية فيرجح الثاني على الأول، وإذا تعارض نصان
وأحدهما يفيد جلب المنفعة الدنيوية والثاني يفيد دفع المفسدة الأخروية فيرجح الثاني على
الأول، وإذا تعارض نصان وأحدهما دفع المفسدة الدنيوية والثاني يفيد جلب المنفعة
الأخروية فيرجح الثاني على الأول،
٤) إذا تعارض نصان وكلاهما يفيدان جلب المصلحة أو دفع المفسدة إلا أن الأول )
مصلحته أو مفسدته عامة والثاني مصلحته أو مفسدته خاصة فيرجح الأول على الثاني،
٥) إذا تعارض نصان وأحدهما يفيد جلب المصلحة الآجلة أو دفع المفسدة الآجلة والثاني )
يفيد جلب المصلحة العاجلة أو دفع المفسدة العاجلة فيرجح الثاني على الأول،
أنموذج تطبيقي فقهي:
ونقتطف زهرة من بستان الخلاف الفقهي بين الفقهاء لنطبق قاعدة من هذه القواعد
المقاصدية عليها، ولنرى مدى صلاحية توظيف المقاصد في ترجيح النصوص الشرعية التي
تتخذ مثيرا لتغاير الأنظار والآراء، وهي مسألة التي لم يزل الحديث عنها عند الإشارة إلى
الخلاف الفقهي بين الفقهاء.
وقضية الولاية في النكاح قديمة قدم التأريخ الفقهي، ومنذ أن تعرف المسلمون على
مفهوم التعارض بين النصوص الشرعية وقفوا على هذه المسألة، وتفرقوا إلى موقفين؛ بين
القول بوجوا وبين القول بعدم وجوا، وكل فريق بنى وجهات نظرهم على أساس
الخلاف وهو تعارض النصوص في هذه المسألة، وإليك موجز الكلام على إمكانية مفهوم
المقاصد في حل هذه المشكلة وفق المنظور السليم المسّلم.
٢٧ وأن المنفعة أو المصلحة قد تكون إما دنيوية وإما أخروية، وقد تكون كذلك دنيوية وأخروية في الوقت نفسه،
وهذا النوع يراد به المصالح التي يحصل ا منفعة للناس في دنياهم وآخرم معًا، مثال ذلك: إيجاب الكفارات، فهي
محصلة للرجز عن الأفعال التي وجبت الكفارة من أجلها، مع أن فيها تكفيرًا للذنوب وتلافيا للتقصير الذي حصل
من المكلف نتيجة لتلك الأفعال، عبد الحكيم عبد الرحمن أسعد السعدي، مباحث العلة في القياس عند الأصوليين،
( (بيروت: دار البشائر الإسلامية، ط- ٢٠٠٠ ،٢ م) ص ٣١٨
٣٩
ومن ضمن أدلتهم هناك حديثان متعارضان بحيث احتج بواحد منهما كل فريق
فيحصل الخلاف الناشئ من هذا التعارض، والحديث الأول هو "أيما امرأة نكحت بغير
إذن وليها فنكاحها باطل"، ٢٨ واستدل به الجمهور القائلون بوجوب الولاية في النكاح،
والحديث الثاني هو "الثيب أحق بنفسها من وليها والبكر تستأمر في نفسها وإذا
سكوا"، ٢٩ واستدل به الحنفية القائلون بعدم وجوب الولاية في النكاح، ٣٠ ومحل التعارض
في هذين الحديثين هو حكم اشتراط إذن الولي في نكاح المرأة البالغة العاقلة، بحيث يدل
الأول على وجوب هذا الشرط ويدل الثاني على عدم وجوبه، لأن الأول يفيد بصريح
الدلالة على بطلان النكاح بغير إذن وليها دون تخصيص أو تمييز، ٣١ وأما الثاني يفيد أن
للمرأة من الحق في أمر تزويج نفسها فوق ما لوليها من ذلك الحق. ٣٢
وقد عمد كلا الفريقين إلى إعمال مسالك درء هذا التعارض في هذه القضية، وقد
لجئوا إلى الجمع تارة ٣٣ والى الترجيح تارة أخرى ٣٤ بعد العجز من الجمع، ولكن الواقع
الفقهي يشهد بأن هذين الرأيين لم يزالا معمولين ما حيث إن الرأي الأول يمثل مذهب
الجمهور ومن وافقهم والرأي الثاني يمثل مذهب الحنفية ومن وافقهم، ومهمتنا في هذا
٢٨ أخرجه الأربعة إلا النسائي، وصححه أبو عوانة وابن حبان والحاكم، (انظر: الصنعاني، سبل السلام، المصدر
( السابق، ج ٣ ص ١٨٦
( ٢٩ رواه مسلم، (انظر: المصدر نفسه، ج ٣ ص ١٨٨
٣٠ ابن رشد، بداية اتهد، المصدر السابق، ج ٢ ص ١١ |محمد عقلة، دراسات في الفقه المقارن، (عمان: مكتبة
الرسالة الحديثة، ط- ١٩٨٣ ،١ م) ص ١٣٨ |علي حسب الله، الزواج في الشريعة الإسلامية، (مصر: دار ر
النيل للطباعة، د.ت) ص ١٢٨ وما بعدها
٣١ محمد عقلة، دراسات في الفقه المقارن، المرجع السابق، ص ١٤٥
٣٢ المرجع نفسه، ص ١٤١
٣٣ وقد جمع الإمام أبو حنيفة رحمه الله وأصحابه بين الحديثين بحمل امرأة في الأول على الأمة فيكون المعنى أن نكاح
الأمة نفسها باطل ونكاح الحرة نفسها جائز، ولم يقبل الجمهور هذا الجمع، وقد رد الغزالي رحمه الله على هذا
( التأويل البعيد، (راجع: البرزنجي، التعارض والترجيح، ج ١ ص ٢٣٠
٣٤ وقد درئ هذا التعارض بمسلك الترجيح بكون اللفظ مؤكدا، حيث يرجح أحد الخبرين المتعارضين على معارضه
إذا كان لفظه مؤكدا لعدم احتمال التأويل فيه، وفي رواية أخرى أن الحديث الأول ورد مؤكدا بتكرار لفظ
فنكاحها باطل ثلاث مرات، فيرجح على الثاني، (انظر: البرزنجي، المصدر نفسه، ج ٢ ص ١٩٩ وما بعدها)
٤٠
المقام إعمال إحدى القواعد المقاصدية المبنية على جلب المصلحة ودفع المفسدة الآنفة
الذكر، ولم نجرؤ إلى الجمع بينهما لورطة التأويل وبعده.
وإذا لفتنا النظر المقاصدي إلى هذين الحديثين نجد أن في أحدهما جلب المصلحة
وفي الآخر دفع المفسدة، ففي الحديث الأول الذي يشترط إذن الولي دفع المفسدة، وهي
سوء اختيار الزوج لأن المرأة قليلة الاختبار سريعة التأثر والانخداع ويغريها الثناء وزخرف
القول ويغلبها الهوى والرغبة في المتعة العاجلة فتخضع لحكم العاطفة ولا يمتد نظرها إلى
المستقبل، وهي تحتاج إلى من يعرف أحوال الرجال لكيلا تقع في هذه المفسدة، وفي
الحديث الثاني الذي لم يشترط إذن الولي جلب المصلحة، وهي الحرية في التصرف لأن
المرأة كما هي حرة في التصرف في مالها وكذلك في التصرف في نفسها، وعدم منع هذا
الحق مصلحة لها، وهي كذلك تختص بما يترتب على زواجها من منافع كالمهر
والاستمتاع، وهي لا تحتاج إلى الولي في هذه الحالة. ٣٥
وقد مرت بنا القاعدة الأولى من زمرة القواعد المقاصدية السابقة التي تومئ إلى أن
النص الدافع عن المفسدة مقدم على النص الجالب للمصلحة لأن الشرع يعتني أكثر
بالمنهيات التي تفيد دفع المفسدة من المأمورات التي تفيد جلب المصلحة، وأن في دفع
المفسدة جلب المصلحة وليس العكس، فإذا، أن الحكم بوجوب اشتراط الولاية في النكاح
أرجح من الحكم بعدم وجوبه بناء على هذه القاعدة. والله أعلم.
ثانيًا: مراتب المصالح الثلاث
وهذا يندرج تحت الرمز الأساس لمقاصد الشرع في أحد عنصريها وهو جلب المصالح،
ويراد ذه المراتب الثلاث تقسيم المصالح إلى الضروريات والحاجيات والتحسينيات. ٣٦
ومعنى الضروريات هو ما لا بد منها في قيام مصالح الدين والدنيا، بحيث إذا فقدت
لم تجر مصالح الدنيا على استقامة بل على فساد وارج وفوت الحياة، وفي الأخرى فوت
٣٥ علي حسب الله، الزواج في الشريعة الإسلامية، المرجع السابق، ص ١٢٩ |محمد عقلة، دراسات في الفقه
المقارن، المرجع السابق، ص ١٤٢ و ١٤٦
٣٦ وقد يعتبر الجويني رحمه الله أول من أتى ذه الأقسام الثلاثة، وهو أشار إليها عند حديثه عن تقسيمه الخماسي
للعلل والمقاصد الشرعية، (انظر: الريسوني، نظرية المقاصد، المرجع السابق، ص ٣٤ وما بعدها)
٤١
النجاة والنعيم والرجوع بالخسران المبين، فالحاجيات أا مفتقر إليها من حيث التوسعة
ورفع الضيق المؤدي في الغالب إلى الحرج والمشقة اللاحقة بقوت المطلوب، وأما
التحسينات فمعناها الأخذ بما يليق من محاسن العادات، وتجنب الأحوال المدنسات التي
تأنفها العقول الراجحات، ولكل مرتبة مكملات أو متممات التي إذا فقدت لم تخل
بحكمتها الأصلية، ٣٧ ووجوه الترجيح في هذا العنصر المقاصدي كالآتي: ٣٨
١) إذا تعارض نصان وأحدهما يفيد الحكم الضروري والثاني يفيد الحكم الحاجي أو )
الحكم التحسيني فيرجح الأول على الثاني،
٢) إذا تعارض نصان وأحدهما يفيد الحكم الحاجي والثاني يفيد الحكم التحسيني فيرجح )
الأول على الثاني،
٣) إذا تعارض نصان وأحدهما يفيد الحكم لمكمل الضروري والثاني يفيد الحكم الحاجي )

أو مكمله فيرجح الأول على الثاني،
٤) إذا تعارض نصان وأحدهما يفيد الحكم لمكمل الحاجي والثاني يفيد الحكم التحسيني )
أو مكمله فيرجح الأول على الثاني،
أنموذج تطبيقي فقهي:
والقضية الفقهية التي نجعلها نموذجا تطبيقيا في هذه الزمرة من القواعد المقاصدية هي مسألة
عدة الحامل المتوفى عنها، وقد تفرق كلام الفقهاء قديما وحديثا في هذه المسألة إلى قولين،
والذين  : ولكل قول ما يعضده من مسلك درء التعارض الحاصل بين الآيتين الكريمتين
( البقرة: ٢٣٤ )  يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا
.( الطلاق: ٤ )  وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن  و
٣٧ الشاطبي، الموافقات، المصدر نفسه، ج ٢ ص ٧ وما بعدها
٣٨ فخر الرازي، المحصول، المصدر السابق، ج ٢ ص ٤٢٠ |الآمدي، الإحكام، المصدر السابق، ج ٤ ص ٢٨٦
|ابن الحاجب، منتهى الوصول، المصدر السابق، ص ٢٢٧ |شعبان محمد إسماعيل، ذيب شرح الأسنوي،
المصدر السابق، ج ٣ ص ٢٣٨ وما بعده| الباحث، نظرية المقاصد عن الإمام الآمدي، البحث السابق، ص ٢٩
٤٢
القول الأول الذي يذهب إلى أن عدة المرأة الحامل المتوفى عنها هي أبعد
الأجلين يتمسك بمسلك الجمع بين الآيتين، لأن الآية الأولى تفيد بصريح الدلالة أن
المتوفى عنها حاملا كانت أم غير حامل عدا أربعة أشهر وعشرا، والآية الثانية تفيد
بصريح الدلالة أن المرأة الحامل مطلقة بالوفاة أم مطلقة يغيرها عدا الوضع، فتعارضتا
في عدة الحامل المتوفى عنها بين أن تكون أربعة أشهر وعشرا أو الوضع، وهذا الرأي
القائل بالجمع بينهما يرى أن عدا أبعد الأجلين لأن فيه إعمال لكلي الدليلين، وإذا
كانت المرأة وضعت قبل مضي أربعة أشهر وعشرا فهي تتربص حتى أن تكمل هذه
العدة، وإذا كانت المرأة لم تضع بعد مضي هذه العدة فهي تتربص حتى أن تلد، وفي
كلتي الحالتين عمل للدليلين، وهذا مذهب ابن عباس وعلي رضي الله عنهم. ٣٩
القول الثاني الذي يذهب إلى أن عدة المرأة الحامل المتوفى عنها هي الوضع
يتمسك بمسلك النسخ في إحدى الآيتين، وأن الآية الأولى التي في سورة البقرة
نسخت بالآية الثانية التي في سورة الطلاق، ٤٠ وتكون العدة للحامل المتوفى عنها
الوضع وليست أبعد الأجلين، وهذا مذهب الجمهور وجميع فقهاء الأمصار. ٤١
ونحن نريد أن نلفت النظر المقاصدي في هذه المسألة ونحكم ذا النظر على
مدى مراعاة هذين التوجيهين لمفهوم مقاصد الشرع، وأولا، نتحدث عن إمكانية
الترجيح المقاصدي في هذه المسألة، وثانيا، ننطلق من هذا الترجيح إلى الكلام على
هذين القولين في صلاحيتهما في مراعاة مقاصد الشرع.
النظر المتمعن في الآية الأولى التي تقتضي من المرأة المتوفى عنها زوجها حاملا
كانت أم غير حامل التربص لمدة أربعة أشهر وعشرا تفيد معنى آخر غير براءة الرحم،
لأن إذا قلنا أا تفيد براءة الرحم فقد خالفنا الآية الأخرى التي تنص على أن عدة
٣٩ ابن رشد، بداية اتهد، المصدر السابق، ج ٢ ص ٩٥ |الصنعاني، سبل السلام، المصدر السابق، ج ٣ ص
٣٠٨ وما بعدها
٤٠ سميت سورة الطلاق بسورة النساء القصرى، وذلك قال ابن مسعود رضي الله عنه: نسخت سورة النساء
القصرى كل عدة وهو يقصد هذه الآية في سورة الطلاق، راجع: الصنعاني، المصدر نفسه، الصفحة نفسها
٤١ ابن رشد، بداية اتهد، المصدر السابق، ج ٢ ص ٩٤
٤٣
المطلقات ثلاثة قروء (البقرة: ٢٢٨ )، إذن، المعنى في هذه الآية هو الوفاء للزوج، وقد
يدخل في هذا المعنى إحداد الزوجة على الزوج الذي أوجبه الشرع، وفي هذا الإحداد
ما يشير إلى أن المراد هنا الوفاء أو الرثاء على الزوج، ٤٢ وهذا يندرج تحت المرتبة
الثالثة في المصالح أي مرتبة التحسينيات لكوا خصلة من خصال محمودة.
والنظر المتفحص في الآية الثانية التي تقتضي من المرأة الحامل المطلقة بالوفاة أم
بغيرها أن تعتد حتى الوضع أو الولادة تفيد معنى استبراء الرحم، لأن الوضع يدل على
أن رحمها بريء من بذور زوجها المتوفى، وقد تحققت فيه علة العدة وهي براءة
الرحم، وهذا كما تعتد المطلقات لثلاثة قروء، وهذا يندرج تحت المرتبة الأولى من
المصالح وهي مرتبة الضروريات التي من ضمنها حفظ النسل.
وبناء على القاعدة الأولى السابقة، نرجح ما يدل على الحكم الضروري على
ما يدل على الحكم التحسيني، فأن القول الثاني في هذه المسألة يرجح على القول
الأول تبعا لهذا الترجيح المقاصدي. وذا نقول أن إعمال مسلك الجمع في هذه
المسألة قد لا يقبل لمصادمته مع هذا المفهوم المقاصدي، وكذلك اللجوء إلى النسخ في
هذه المسألة أمر غير مسلم لإمكانية درء التعارض ذا الترجيح المقاصدي، ومع ذلك
لكلي القولين حظ في إصابة الحق هنا لأن الأول قد عمد إلى الجمع وهو أولى من
الترجيح، وأن الثاني قد استدل بأدلة أخرى قوية في تعضيد رأيه. والله أعلم.
ثالثًا: الضروريات الخمس
وهو يندرج تحت أعلى المراتب الماضية وهي مرتبة الضروريات، ولذا تعرف بالضروريات
الخمس عند الناس وقد تعرف بالأصول الخمس أو المقاصد الخمس، وهي تتصور في خمسة
أمور وهي: الدين والنفس والعقل والنسل والمال، ٤٣ ويكون مفهوم مقاصد الشرع فيها
٤٢ وقد ورد الحديث في هذا الحكم، انظر: الصنعاني، السبل السلام، ج ٣ ص ٣١٢
( ٤٣ وهذا الترتيب على ما وضعه الغزالي رحمه الله، (راجع: الغزالي، المستصفى، المصدر السابق، ج ١ ص ٢١٧
٤٤
بحفظها، فكل ما يتضمن حفظ هذه الأصول الخمسة فهو مصلحة، وكل ما يفوت هذه
الأصول فهو مفسدة ودفعها مصلحة. ٤٤
وفي الحفاظ على هذه الضروريات الخمس تقسيم ثنائي وهو: جانب الوجود
وجانب العدم، ويراد بحفظها في جانب الوجود مراعاة ما يقيم أركاا ويثبت قواعدها،
ويراد بحفظها في جانب العدم مراعاة ما يدرأ عنها الاختلال الواقع أو المتوقع فيها، ٤٥
ويكون جانب الوجود حفظها بالمسلك الإيجابي، ويكون جانب العدم حفظها بالمسلك
السلبي، ووجوه الترجيح في هذا العنصر المقاصدي كالآتي: ٤٦
١) إذا تعارض نصان وأحدهما يفيد حفظ الدين والثاني يفيد حفظ النفس فيرجح الأول )
على الثاني، وهكذا في بقية الضروريات الخمس أن الترتيب فيها يقتضي الرجحان عند
حصول التعارض، فالأقدم أرجح،
٢) إذا تعارض نصان وأحدهما يفيد حفظ مكمل الدين والثاني يفيد حفظ النفس فيرجح )
الأول على الثاني، وهكذا في بقية الضروريات أن الأقدم ومكمله راجح على ما يليه،
٣) إذا تعارض نصان وأحدهما يفيد حفظ هذه الضروريات الخمس من جانب الوجود )
والثاني يفيد حفظها من جانب العدم فيرجح الأول على الثاني،
أنموذج تطبيقي فقهي:
ولهذه الزمرة من قواعد الترجيح المقاصدي نموذج فقهي كذلك، وهو قضية خلافية رائدة
عند المذاهب الفقهية حيث توّلد فيه رأيان اللذان يمثلان طرفين من الموقف الفقهي، وقد لا
نستغرب وقوع تع  دد أنظار فقهائنا في مسألة نكاح المحرم إلى قولين؛ بين أن يحكموه بجوازه
وبين أن يحكموه بعدم جوازه.
٤٤ الغزالي، المستصفى، المصدر نفسه، ج ١ ص ٢١٧
٤٥ الشاطبي، الموافقات، المصدر السابق، ج ٢ ص ٧ |ابن عاشور، مقاصد الشريعة، المصدر السابق، ص ٢١١
٤٦ الآمدي، الإحكام، المصدر السابق، ج ٤ ص ٢٨٦ وما بعدها |فخر الرازي، المحصول، المصدر السابق، ج ٢
ص ٤٢٠ |شعبان محمد إسماعيل، ذيب شرح الأسنوي، المصدر السابق، ج ٣ ص ٢٣٩ |يوسف حامد العالم،
المقاصد العامة، المرجع السابق، ص ١٨٩ |الزحيلي، أصول الفقه، المرجع السابق، ج ٢ ص ١٢٣٤
٤٥
والخلاف آيل إلى أم وقفوا أمام التعارض بين النصوص الشرعية التي تدل على
الدلالتين المتعارضتين حيث إنه يفضي إلى التعارض بين الأحكام المبنية عليهما، وكثيرا ما
لا" : نرى في استدلالام أم اعتمدوا على الحديثين المتعارضين دلالة، وأولهما قوله
 ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب"، والثاني ما رواه ابن عباس رضي الله عنه أن النبي
تزوج ميمونة بنت الحرث وهو محرم، ٤٧ وبدا من هذين الحديثين أن دلالة الأول على تحريم
نكاح المحرم لنفسه أو لغيره وخطبته، وأن دلالة الثاني على جواز نكاح المحرم لفعل النبي
والتعارض بينهما ظاهر وواضح. ،
والقول الذي يرى بعدم جواز نكاح المحرم استدل بالحديث الأول الذي ينص في
صريح الدلالة على تحريمه ولم يقبل الحديث الثاني، وق  وى أصحاب هذا القول رأيهم بأدلة
أخرى التي تدل على ما ينقض دلالة الحديث الثاني كما رواه أبى رافع رضي الله عنه في أن
تزوج ميمونة حلالا، ٤٨ وهذا ما ذهب إليه الأئمة الثلاثة والأوزعي رحمهم الله، ٤٩  النبي
والقول الذي يرى بجواز نكاح المحرم احتج بالحديث الثاني الذي ينص في صريح الدلالة
على جوازه ولم يستدل بالحديث الأول، واحتجوا بأن الحديث الأول ثبتت صحته وقد
خرجه أهل الصحاح، ٥٠ وهذا ما ذهب إليه أبو حنيفة والثوري. ٥١
وقد قام كلا الفريقين بترجيح رأيهم اعتمادا على قواعد الترجيح، فالمذهب الأول
تزوج ا وهو حلال، ورواية  رجح دليلهم برواية صاحبة القصة ميمونة أن الرسول
صاحبة القصة أولى بالقبول، وكذلك برواية أبي رافع الذي كان سفيرا بينهما، ورواية
السفير أولى لأنه أخبر وأعرف ا، ورجح المذهب الثاني دليلهم بكون الراوي فيه وهو ابن
عباس رضي الله عنه فقيها وعالما، وهو أرجح من روية أبي رافع، ٥٢ وقد حاول ابن رشد
٤٧ الصعناني، السبل السلام، المصدر السابق، ج ٢ ص ٣٠٧ وما بعدها
٤٨ المصدر نفسه، الصفحة نفسها
٤٩ ابن رشد، بداية اتهد، المصدر السابق، ج ١ ص ٣٣٤ |مصطفى الخن، أثر الاختلاف في القواعد الأصولية،
المرجع السابق، ص ٩٧
٥٠ ابن رشد، المصدر نفسه، ج ١ ص ٣٣٥
٥١ المصدر نفسه، ج ١ ص ٣٣٤ |مصطفى الخن، المرجع نفسه، ص ٩٧
٥٢ مصطفى الخن، المرجع نفسه، ص ٩٨
٤٦
رحمه الله الجمع بين الحديثين بحمل النهي في الحديث الأول على الكراهية والفعل في
الحديث الثاني على الجواز، ٥٣ وهذا جهد يستحق الثناء عليه إلا أن اللجوء إلى المعنى
اازي في النهي خلاف الأصل وهو بحاجة إلى قرينة ودليل، وصرفه إلى الكراهية من
التحريم لم يكن سالما بدون التأكد من وجود ما يعضده.
ووظيفتنا تجاه هذه المسألة – ونحن في صدد الحديث عن مقاصد الشرع – جعلها
تجرى على النظر المقاصدي حيث نعيدها إلى ما يراعي مقاصد الشرع، ونقيم الترجيح بين
هذين الدليلين على مفهوم مقاصد الشرع وهو في هذا المقام الضروريات الخمس، وإذا
لاحظنا إلى المعنى المقاصدي الذي يستفاد من الحديث الأول نجد أنه يندرج تحت مكملات
حفظ الدين، لأن الحج من ضمن حفظ الدين في جانب الوجود، ٥٤ والنهي عن النكاح
والخطبة في أثناء القيام بأعمال الحج يشير إلى وجوب التركيز على هذه العبادة والتفرغ لها
والاجتناب عما يلهيه من الأمور الدنيوية، والنكاح في هذا الوقت يشغله من تحقيق هذا
المقصد من الحج، وإذا نظرنا إلى المعنى المقاصدي المستفاد من الحديث الثاني نجد أنه يدخل
في حفظ النسل، لأن النكاح أو الزواج من ضمن حفظ النسل في جانب الوجود، ٥٥ وفعل
فيه يدل على جوازه ولا على وجوبه، وأن المقصد من الزواج هو مواصلة النسل  النبي
والذرية في الأرض لتعميرها.
والقاعدة الثانية السابقة تقول بأن إذا تعارض نصان وأحدهما يفيد حفظ مكمل
الدين والثاني يفيد حفظ النفس فيرجح الأول على الثاني، وهكذا في بقية الضروريات أن
الأقدم ومكمله راجح على ما يليه، فالحديث الأول الذي يراعي مكمل حفظ الدين يرجح
على الحديث الثاني الذي يراعي حفظ النسل، ولذا، القول بعدم جواز النكاح للمحرم في
الحج أرجح من القول بجوازه بناء على هذه القاعدة المقاصدية. والله أعلم.
٥٣ ابن رشد، بداية اتهد، المصدر السابق، ج ١ ص ٣٣٥
٥٤ يوسف حامد العالم، المقاصد العامة، المرجع السابق، ص ٢٤٤
٥٥ المرجع نفسه، ص ٣٩٩
٤٧
خاتمة البحث
ومما يجدر بالذكر في هذا الطرف الأخير من الدراسة هو نتائجها، وقد لا تدرك تلك
النتائج أثناء ما تعرضنا له في الصفحات السالفة لغموض ما يعبر عنها ولظهور ما لا يعبر
عنها، ونظرا لأهمية العلم بتلك النتائج نسردها في هذا المقام مرّقمة وم  برزة، وهي تتمثل في
ما يأتي:
١. إن الترجيح عمل اجتهادي يقدم عليه اتهد لدرء التعارض الحاصل في نظره بين
الأدلة الشرعية بعد أن يعجز من محاولة الجمع بينها، والترجيح ذا المفهوم أمر نسبي،
قد يلاحظ مجتهد حصول التعارض الذي يقتضي الترجيح وقد يلاحظ آخر عدم ذلك،
٢. توظيف مقاصد الشرع في الترجيح بين النصوص والأدلة يكمن في مفهوم الترجيح
المقاصدي، وهو إجراء عملية تقديم أحد المتعارضين المعتمدة على المزية المعتبرة عند
مقاصد الشرع في نطاق النصوص الشرعية التي تتطلبها،
٣. وفي الإقدام على هذا التوظيف لوحظت جوانب التساوي بين الترجيح والمقاصد
حيث إا تجعلهما متآلفتين، وقد لوحظت كذلك جوانب التغاير بينهما حيث إا
تجعلهما متخالفتين،
٤. وعند السير مع هذا التوظيف اكتشفت بعض القيم المقاصدية في العمل بالترجيح وهي
تتصور في كونه دارئا للتعارض بين النصوص الشرعية، وفي كونه محافظا على إعمال
النص والدليل، وفي كونه محققا للنظر الكلي في الجزئيات،
٥. اتضح الحديث عن وجوه الترجيح المقاصدي في تقعيدها لوضوح إمكانية تنزيلها
إلى الميدان الفقهي، وقد ظهر لنا نجاح القواعد المقاصدية في تضييق فجوة الخلاف بح ّ ل
المسائل الفقهية التي أ  سست على التعارض،
٦. الترجيح المقاصدي يضطر اتهد إلى الخوض في مراعاة أهداف الشارع وغاياته من
وضع الأحكام، والعمل به يراعي المعنى الأسمى في الشرع بحيث لم يجرؤ إلى التحكم في
هذا الأمر لعظم شأنه،
وأخيرا، نختتم هذه الدراسة المتواضعة راجين العفو من رب العاملين لزلل الأقلام وخلل
الأفهام، وراجين أن نكون قد خدمنا المسلمين ذا الجهد الحقير، والله خير المقصد.
٤٩
المصادر والمراجع
- إسماعيل، شعبان محمد، ذيب شرح الأسنوي على منهاج الوصول إلى علم
الأصول للقاضي البيضاوي، القاهرة، مكتبة الكليات الأزهرية، ١٩٧٦ م.
- الآمدي، علي بن محمد، الإحكام في أصول الأحكام، تحقيق: سيد الجميلي، بيروت،
دار الكتاب العربي، ط- ١٩٩٨ ،٣ م.
- ابن الحاجب، أبو عمرو عثمان بن عمر بن أبي بكر، منتهى الوصول والأمل في
علمي الأصول والجدل، بيروت، دار الكتب العلمية، ط- ١٩٨٥ ،١ م.
- ابن رشد، محمد بن أحمد بن محمد القرطبي، بداية اتهد واية المقتصد، تصحيح:
محمد الأمد، بيروت، دار إحياء التراث العربي، ط- ١٩٩٦ ،١ م.
- ابن عاشور، محمد الطاهر، مقاصد الشريعة الإسلامية، تحقيق: محمد الطاهر
الميساوي، كوالا لمبور، البصائر للإنتاج العلمي، ط- ١٩٩٨ ،١ م.
- ابن منظور، أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم، لسان العرب، بيروت، دار
صادر، ط- ١٩٩٠ ،١ م.
- البرزنجي، عبد اللطيف عبد الله عزيز، التعارض والترجيح بين الأدلة الشرعية، بحث
أصولي مقارن بالمذاهب الإسلامية المختلفة، بيروت، دار الكتب العلمية، ١٩٩٦ م.
- التمرتاشي، محمد بن عبد الله بن أحمد بن محمد الخطيب، الوصول إلى قواعد
الأصول، تحقيق: محمد شريف مصطفى أحمد سليمان، بيروت، دار الكتب العلمية،
ط- ٢٠٠٠ ،١ م.
- التهانوي، محمد بن علي، موسوعة كشف اصطلاحات الفنون والعلوم، مراجعة:
رفيق العجم، بيروت، مكتبة لبنان ناشرون، ط- ١٩٩٦ ،١ م.
- حسب الله، علي، الزواج في الشريعة الإسلامية، مصر، دار ر النيل للطباعة،
د.ت.
- الحفناوي، محمد إبراهيم محمد، التعارض والترجيح عند الأصوليين وأثرهما في الفقه
الإسلامي، المنصورة، دار الوفاء للطباعة والنشر والتوزيع، ط- ١٩٨٧ ،٢ م.
٥٠
- الحلبي، ابن أمير الحاج، التقرير والتحبير على التحرير في أصول الفقه، ضبط: عبد
الله محمود محمد عمر، بيروت، دار الكتب العلمية، ط- ١٩٩٩ ،١ م.
- الخطيب، محمد عجاج، أصول الحديث، علومه ومصطلحه، بيروت، دار الفكر،
١٩٨٩ م.
- الخن، مصطفى سعيد، أثر الاختلاف في القواعد الأصولية في اختلاف الفقهاء،
بيروت، مؤسسة الرسالة، ط- ٢٠٠٠ ،٢ م.
- الدريني، محمد فتحي، المناهج الأصولية في الاجتهاد بالرأي في التشريع الإسلامي،
بيروت، مؤسسة الرسالة، ط- ١٩٩٧ ،٣ م.
- الدمنهوري، أحمد، إيضاح المبهم من معاني السلم شرح سلم المنطق، ويليه شرح
العلامة الأخضر على سلم المنطق، سنقافورا، مكاتب سليمان مرعي، د.ت.
- الرازي، محمد بن أبي بكر بن عبد القادر، مختار الصحاح، مصر، مطبعة مصطفى
الحلبي وأولاده، ١٩٥٠ م.
- الريسوني، أحمد، نظرية المقاصد عند الإمام الشاطبي، المعهد العالمي للفكر الإسلامي،
الرياض، الدار العالمية للكتاب الإسلامي، ط- ١٩٩٢ ،٢ م.
، - الزحيلي، وهبة، أصول الفقه الإسلامي، بيروت، دار الفكر المعاصر، ط- ٢
٢٠٠١ م.
- الزركشي، بدر الدين محمد بن ادر بن عبد الله، البحر المحيط في أصول الفقه،
تحقيق: لجنة من علماء الأزهر، مصر، دار الكتبى، ط- ١٩٩٤ ،١ م.
- __________، تشنيف المسامع بجمع الجوامع لتاج الدين السبكي، دراسة
وتحقيق: سيد عبد العزيز وعبد الله ربيع، القاهرة، مكتبة قرطبة، ط- ١٩٩٩ ،٣ م.
- الزنجاني، إبراهيم بن عبد الوهاب، متن البناء ومتن التصريف العزى، مصر، مطبعة
دار إحياء الكتب العربية، ١٢٧٦ ه.
- زيدان، عبد الكريم، المدخل لدراسة الشريعة الإسلامية، بيروت، مؤسسة الرسالة،
ط- ١٩٨٩ ،١١ م.
٥١
، - __________، الوجيز في أصول القفه، بيروت، مؤسسة الرسالة، ط- ٧
١٩٩٩ م.
- السرخسي، أبو بكر محمد بن أحمد بن أبي سهل، أصول السرخسي، تحقيق: رفيق
العجم، بيروت، دار المعرفة، ط- ١٩٩٧ ،١ م.
- السعدي، عبد الحكيم عبد الرحمن أسعد، مباحث العلة في القياس عند الأصوليين،
بيروت، دار البشائر الإسلامية، ط- ٢٠٠٠ ،٢ م.
- السلمي، أبو محمد عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام، قواعد الأحكام في مصالح
الأنام، مراجعة: طه عبد الرؤوف سعد، القاهرة، مكتبة الكليات الأزهرية، ١٩٦٨ م.
- الشاطبي، أبو إسحاق إبراهيم بن موسى، الموافقات في أصول الشريعة، شرح: عبد
الله دراز، بيروت، دار الكتب العلمية، د.ت.
- شلبي، محمد مصطفى، أصول الفقه الإسلامي، بيروت، دار النهضة العربية،
١٩٨٦ م.
- شمس الدين، مصطفى محمد جبري (بالاشتراك)، نظرية المقاصد عند الإمام الآمدي،
دراسة في المنهج التطبيقي للمقاصد، بحث غير منشور، ٢٠٠١ م.
- الشوكاني، محمد بن علي بن محمد، إرشاد الفحول إلى تحقيق علم الأصول، تحقيق:
أبو مصعب محمد سعيد البدري، بيروت، مؤسسة الكتب الثقافية، ط- ١٩٩٥ ،٦ م.
- صالح، محمد أديب، تفسير النصوص في الفقه الإسلامي، دراسة مقارنة لمناهج
العلماء في استنباط الأحكام من نصوص الكتاب والسنة، بيروت، المكتب
الإسلامي، ط- ١٩٩٣ ،٤ م.
- الصنعاني، محمد بن إسماعيل الأمير اليمني، سبل السلام شرح بلوغ المرام من جمع
أدلة الأحكام، تحقيق: خليل مأمون شيحا، بيروت، دار المعرفة، ط- ١٩٩٨ ،٤ م.
- العالم، يوسف حامد، المقاصد العامة للشريعة الإسلامية، هيرندن، الولايات المتحدة
الأمريكية، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، ط- ١٩٩١ ،١ م.
- العراقي، ولي الدين أبو زرعة أحمد، الغيث الهامع شرح جمع الجوامع، تحقيق: مكتبة
قرطبة، القاهرة، الفاروق الحديثة للطباعة والنشر، ط- ٢٠٠٠ ،١ م.
٥٢
، - عقلة، محمد، دراسات في الفقه المقارن، عمان، مكتبة الرسالة الحديثة، ط- ١
١٩٨٣ م.
- الغزالي، أبو حامد محمد بن محمد بن محمد، المستصفى من علم الأصول، تصحيح:
نجوى ض  و، بيروت، دار إحياء التراث العربي، ط- ١٩٩٧ ،١ م.
- فخر الدين الرازي، أبو عبد الله محمد بن عمر بن الحسين، المحصول في علم
، الأصول، تعليق: محمد عبد القادر عطا، بيروت، دار الكتب العلمية، ط- ١
١٩٩٩ م.
- القرافي، شهاب الدين أبو العباس أحمد بن إدريس، شرح تنقيح الفصول في اختصار
المحصول في الأصول، تحقيق: طه عبد الرؤوف سعد، القاهرة، مكتبة الكليات
الأزهرية، ط- ١٩٩٣ ،٢ م.


رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع تقييم هذا الموضوع
تقييم هذا الموضوع:

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:04 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.4, Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
سبق لك تقييم هذا الموضوع: