آخر 10 مشاركات
الخبيصه الاماراتيه (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 1 - المشاهدات : 21033 - الوقت: 09:09 PM - التاريخ: 01-13-2024)           »          حلوى المغلي بدقيق الرز (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 0 - المشاهدات : 14803 - الوقت: 03:16 PM - التاريخ: 12-11-2023)           »          دروس اللغة التركية (الكاتـب : عمر نجاتي - مشاركات : 0 - المشاهدات : 20985 - الوقت: 11:25 AM - التاريخ: 08-21-2023)           »          فيتامين يساعد على التئام الجروح وطرق أخرى (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 0 - المشاهدات : 22369 - الوقت: 08:31 PM - التاريخ: 07-15-2023)           »          صناعة العود المعطر في المنزل (الكاتـب : أفاق الفكر - آخر مشاركة : OM_SULTAN - مشاركات : 4 - المشاهدات : 56433 - الوقت: 10:57 PM - التاريخ: 11-06-2022)           »          كحل الصراي وكحل الاثمد وزينت المرأة قديما من التراث (الكاتـب : Omna_Hawaa - آخر مشاركة : OM_SULTAN - مشاركات : 2 - المشاهدات : 51507 - الوقت: 10:46 PM - التاريخ: 11-06-2022)           »          كيفية استخدام البخور السائل(وطريقة البخور السائل) (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 2 - المشاهدات : 43415 - الوقت: 10:36 PM - التاريخ: 11-06-2022)           »          جددي بخورك (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 0 - المشاهدات : 25810 - الوقت: 10:25 PM - التاريخ: 11-06-2022)           »          عطور الإمارات صناعة تراثية (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 0 - المشاهدات : 26192 - الوقت: 10:21 PM - التاريخ: 11-06-2022)           »          خلطات للعطور خاصة (الكاتـب : أفاق : الاداره - آخر مشاركة : OM_SULTAN - مشاركات : 1 - المشاهدات : 32091 - الوقت: 10:12 PM - التاريخ: 11-06-2022)

إضافة رد
 
أدوات الموضوع تقييم الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 02-18-2006, 10:16 PM   رقم المشاركة : 1
الكاتب

أفاق : الاداره

مراقب

مراقب

أفاق : الاداره غير متواجد حالياً


الملف الشخصي









أفاق : الاداره غير متواجد حالياً


البداية والنهاية الجزء الرابع عشر

البداية والنهاية الجزء الرابع عشر

*2* ثم دخلت سنة ثمان وتسعين وستمائة

@
استهلت والخليفة الحاكم العباسي وسلطان البلاد المنصور لاجين ونائبه بمصر مملوكه سيف الدين منكوتمر وقاضي الشافعية الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد والحنفي حسام الدين الرازي والمالكي والحنبلي كما تقدم ونائب الشام سيف الدين قبجق المنصوري وقضاة الشام هم المذكورون في التي قبلها والوزير تقي الدين توبة والخطيب بدر الدين بن جماعة
ولما كان في أثناء المحرم رجعت طائفة من الجيش من بلاد سيس بسبب المرض الذي أصاب بعضهم فجاء كتاب السلطان بالعتب الأكيد والوعيد الشديد لهم وأن الجيش يخرج جميعه صحبة نائب السلطنة قبجق إلى هناك ونصب مشانق لمن تأخر بعذر أو غيره فخرج نائب السلطنة الأمير سيف الدين قبجق وصحبته الجيوش وخرج أهل البلد للفرجة على الأطلاب على ما جرت به العادة فبرز نائب السلطنة في ابهة عظيمة فدعت له العامة وكانوا يحبونه واستمر الجيش سائرين قاصدين بلاد سيس فلما وصلوا إلى حمص بلغ الأمير سيف الدين قبجق وجماعة من الأمراء أن السلطان قد تغلث خاطره بسبب سعي منكوتمر فيهم وعلموا ان السلطان لا يخالفه لمحبته له فاتفق جماعة منهم على الدخول الى بلاد التتر والنجاة بأنفسهم فساقوا من حمص فيمن اطاعهم وهم قبجق وبزلي وبكتمر السلحدار والايلي واستمروا ذاهبين فرجع كثير من الجيش إلى دمشق وتخبطت الامور وتأسفت العوام على قبجق لحسن سيرته وذلك في ربيع الآخر من هذه السنة فانا لله وإنا اليه راجعون
ذكر مقتل المنصور لاجين وعود الملك الى محمد بن قلاوون
لما كان يوم السبت التاسع عشر ربيع الاخر وصل جماعة من البريدية وأخبروا بقتل السلطان الملك المنصور لاجين ونائبه سيف الدين منكوتمر وأن ذلك كان ليلة الجمعة حادي عشره على يد الأمير سيف الدين كرجي الاشرفي ومن وافقه من الأمراء وذلك بحضور القاضي حسام الدين الحنفي وهو جالس في خدمته يتحدثان وقبل كانا يلعبان بالشطرنج فلم يشعرا إلا وقد دخلوا عليهم فبادروا الى السلطان بسرعة جهرة ليلة الجمعة فقتلوه وقتل نائبه صبرا صبيحة يوم الجمعة وألقى على مزبلة واتفق الأمراء على إعادة ابن استاذهم الملك الناصر محمد بن قلاوون فارسلوا وراءه وكان بالكرك ونادوا له بالقاهرة وخطب له على المنابر قبل قدومه وجاءت الكتب الى نائب الشام قبجق فوجدوه قد فر خوفا من غائلة لاجين فسارت إليه البريدية فلم يدركوه الا وقد لحق بالمغول عند رأس العين من اعمال ماردين وتفارط الحال ولا قوة الا بالله
وكان الذي شمر العزم وراءهم وساق ليردهم الأمير سيف الدين بلبان وقام باعباء البلد نائب القلعة علم الدين أرجواش والامير سيف الدين جاعان واحتاطوا على ما كان له اختصاص بتلك الدولة وكان منهم جمال الدين يوسف الرومي محتسب البلد وناظر المارستان ثم اطلق بعد مدة وأعيد الى وظائفه واحتيط ايضا على سيف الدين جاعان وحسام الدين لاجين والى البر وأدخلا القلعة وقتل بمصر الامير سيف الدين طغجي وكان قد ناب عن الناصر اربعة ايام وكرجي الذي تولى قتل لاجين فقتلا وألقيا على المزابل وجعل الناس من العامة وغيرهم يتأملون صورة طغجي وكان جميل الصورة ثم بعد الدلال والمال والملك وارتهم هناك قبور فدفن السلطان لاجين وعند رجليه نائبه منكوتمر ودفن الباقون في مضاجعهم هنالك
وجاءت البشائر بدخول الملك الناصر الى مصر يوم السبت رابع جمادي الاولى وكان يوما مشهودا ودقت البشائر ودخل القضاة وأكابر الدولة الى القلعة وبويع بحضرة علم الدين ارجواش وخطب له على المنابر بدمشق وغيرها بحضرة أكابر العلماء والقضاة والأمراء وجاء الخبر بأنه قد ركب وشق القاهرة وعليه خلعة الخليفة والجيش معه مشاة فضربت البشائر أيضا وجاءت مراسيمه فقرئت على السدة وفيها الرفق بالرعايا والأمر بالإحسان اليهم فدعوا له وقدم الأمير جمال الدين آقوش الافرم نائبا على دمشق فدخلها يوم الأربعاء قبل العصر ثاني عشرين جمادي الأولى فنزل بدار السعادة على العادة وفرح الناس بقدومه وأشعلوا له الشموع وكذلك يوم الجمعة أشعلوا له لما جاء إلى صلاة الجمعة بالمقصورة وبعد أيام أفرج عن جاعان ولاجين والى البر وعادا إلى ما كانا عليه واستقر الأمير حسام الدين الاستادار اتابكا للعساكر المصرية والأمير
سيف الدين سلار نائبا بمصر وأخرج الأعسر في رمضان من الحبس وولى الوزارة بمصر واخرج قراسنقر المنصوري من الحبس واعطى نيابة الصبيبة ثم لما مات صاحب حماة الملك المظفر نقل قراسنقر اليهما
وكان قد وقع في اواخر دولة لاجين بعد خروج قبجق من البلد محنة للشيخ تقي الدين بن تيمية قام عليه جماعة من الفقهاء وأرادوا احضاره الى مجلس القاضي جلال الدين الحنفي فلم يحضر فنودي في البلد في العقيدة التي كان قد سأله عنها أهل حماة المسماة بالحموية فانتصر له الأمير سيف الدين جاعان وأرسل يطلب الذين قاموا عنده فاختفى كثير منهم وضرب جماعة ممن نادى على العقيدة فسكت الباقون فلما كان يوم الجمعة عمل الشيخ تقي الدين الميعاد بالجامع على عادته وفسر في قوله تعالى وإنك لعلى خلق عظيم ثم اجتمع بالقاضي امام الدين يوم السبت واجتمع عنده جماعة من الفضلاء وبحثوا في الحموية وناقشوه في اماكن فيها فأجاب عنها بما اسكتهم بعد كلام كثير ثم ذهب الشيخ تقي الدين وقد تمهدت الامور وسكنت الاحوال وكان القاضي امام الدين معتقده حسنا ومقصده صالحا
وفيها وقف علم الدين سنجر الدويدار رواقه داخل باب الفرج مدرسة ودار حديث وولى مشيخته الشيخ علاء الدين بن العطار وحضر عنده القضاة والأعيان وعمل لهم ضيافة وأفرج عن قراسنقر وفي يوم السبت حادي عشر شوال فتح مشهد عثمان الذي جدده ناصر الدين بن عبد السلام ناظر الجامع وأضاف اليه مقصورة الخدم من شماليه وجعل له اماما راتبا وحاكى به مشهد علي بن الحسين زين العابدين وفي العشر الأولى من ذي الحجة عاد القاضي حسام الدين الرازي الى قضاء الشام وعزل عن قضاء مصر وعزل ولده عن قضاء الشام وفيها في ذي القعدة كثرت الاراجيف بقصد التتر بلاد الشام وبالله المستعان وممن توفي فيها من الأعيان
*3* الشيخ نظام الدين
@ احمد بن الشيخ جمال الدين محمود بن احمد بن عبد السلام الحصري الحنفي مدرس النورية ثامن المحرم ودفن في تاسعه يوم الجمعة في مقابر الصوفية كان فضالا ناب في الحكم في وقت ودرس بالنورية بعد ابيه ثم درس بعده الشيخ شمس الدين بن الصدر سليمان بن النقيب
*3* المفسر الشيخ العالم الزاهد
@ جمال الدين عبد الله بن محمد بن سليمان بن حسن بن الحسين البلخي ثم المقدسي الحنفي ولد في النصف من شعبان سنة احدى عشرة وستمائة بالقدس واشتغل بالقاهرة وأقام مدة بالجامع الازهر ودرس في بعض المدارس هناك ثم انتقل الى القدس فاستوطنه الى ان مات في المحرم منها وكان
شيخا فاضلا في التفسير وله فيه مصنف حافل كبير جمع فيه خمسين مصنفا من التفسير وكان الناس يقصدون زيارته بالقدس الشريف ويتبركون به
*3* الشيخ ابو يعقوب المغربي المقيم بالقدس
@ كان الناس يجتمعون به وهو منقطع بالمسجد الأقصى وكان الشيخ تقي الدين بن تيمية يقول فيه هو على طريقة ابن عربي وابن سبعين توفي في المحرم من هذه السنة
*3* التقي توبة الوزير
@ تقي الدين توبة بن علي بن مهاجر بن شجاع بن توبة الربعي التكريتي ولد سنة عشرين وستمائة يوم عرفة بعرفة وتنقل بالخدم الى ان صار وزيرا بدمشق مرات عديدة حتىتوفي ليلة الخيمس ثاني جمادي الآخرة وصلى عليه غدوة بالجامع وسوق الخيل ودفن بتربته تجاه دار الحديث الأشرفية بالسفح وحضر جنازته القضاة والأعيان وباشر بعده نظر الدواوين فخر الدين بن الشيرجي وأخذ امين الدين بن الهلال نظر الخزانة
*3* الأمير الكبير
@ شمس الدين بيسرى كان من أكابر الأمراء المتقدمين في خدمة الملوك من زمن قلاوون وهلم جرا توفي في السجن بقلعة مصر وعمل له عزاء بالجامع الأموي وحضره نائب السلطنة الافرم والقضاة والأعيان
*3* السلطان الملك المظفر
@ تقي الدين محمود بن ناصر الدين محمد بن تقي الدين عمر بن شاهنشاه بن ايوب صاحب حماة وابن ملوكها كابرا عن كابر توفي يوم الخميس الحادي والعشرين من ذي القعدة ودفن ليلة الجمعة
*3* الملك الاوحد
@ نجم الدين يوسف بن الملك داود بن المعظم ناظر القدس توفي به ليلة الثلاثاء رابع ذي القعدة ودفن برباطه عند باب حطة عن سبعين سنة وحضر جنازته خلق كثير وكان من خيار ابناء الملوك دينا وفضيلة وإحسانا الى الضعفاء
*3* القاضي شهاب الدين يوسف
@ ابن الصالح محب الدين بن النحاس احد رؤساء الحنفية ومدرس الزنجانية والظاهرية توفي ببستانه بالمزة ثالث عشر ذي الحجة ودرس بعده بالزنجانية القاضي جلال الدين بن حسام الدين
*3* الصاحب نصر الدين ابو الغنائم
@ سالم بن محمد بن سالم بن هبة الله بن محفوظ بن صصرى التغلبي كان احسن حالا من اخيه القاضي نجم الدين وقد سمع الحديث وأسمعه كان صدرا معظما ولي نظر الدواوين ونظر الخزانة
ثم ترك المناصب وحج وجاور بمكة ثم قدم دمشق فأقام بها دون السنة ومات توفي يوم الجمعة ثامن وعشرين ذي الحجة وصلى عليه بعد الجمعة بالجامع ودفن بتربتهم بسفح قاسيون وعمل عزاؤه بالصاحبية
*3* ياقوت بن عبد الله
@ ابو الدر المستعصمي الكاتب لقبه جمال الدين وأصله رومي كان فاضلا مليح الخط مشهورا بذلك كتب ختما حسانا وكتب الناس عليه ببغداد توفي بها في هذه السنة وله شعر رائق فمنه ما اورده البرزالي في تاريخه عنه
تجدد الشمس شوقي كلما طعلت * الى محياك يا سمعي ويا بصري
وأسهر الليل في انس بلاونس * إذ طيب ذكراك في ظلماته يسرى
وكل يوم مضى لا أراك به * فلست محتسبا ماضيه من عمري
ليلى نهار إذا ما درت في خلدي * لأن ذكرك نور القلب والبصر
*2* ثم دخلت سنة تسع وتسعين وستمائة
@ وفيها كانت وقعة قازان وذلك ان هذه السنة استهلت والخليفة والسطان هما المذكوران في التي قبلها ونائب مصر سلار ونائب الشام اقوش الافرم وسائر الحكام هم المذكورون في التي قبلها وقد تواترت الأخبار بقصد التتار بلاد الشام وقد خاف الناس من ذلك خوفا شديدا وجفل الناس من بلاد حلب وحماة وبلغ كرى الخيل من حماة الى دمشق نحو المائتي درهم فلما كان يوم الثلاثاء ثاني المحرم ضربت البشائر بسبب خروج السلطان من مصر قاصدا الشام فلما كان يوم الجمعة ثامن ربيع الأول دخل السلطان الى دمشق في مطر شديد ووحل كثير ومع هذا خرج الناس لتلقيه وكان قد اقام بغزة قريبا من شهرين وذلك لما بلغه قدوم التتار الى الشام فتهيأ لذلك وجاء فدخل دمشق فنزل بالطارمة وزينت له البلد وكثرت له الأدعية وكان وقتا شديدا وحالا صعبا وامتلأ البلد من الجافلين النازحين عن بلادهم وجلس الأعسر وزير الدولة وطالب العمال واقتضروا اموال الأيتام وأموال الأسرى لأجل تقوية الجيش وخرج السلطان بالجيش من دمشق يوم الأحد سابع عشر ربيع الأول ولم يتخلف احد من الجيوش وخرج معهم خلق كثير من المتطوعة واخذ الناس في الدعاء والقنوت في الصلوات بالجامع وغيره وتضرعوا واستغاثوا وابتهلوا الى الله بالادعية
*3* وقعة قازان
@ لما وصل السلطان الى وادي الخزندار عند وادي سلمية فالتقى التتر هناك يوم الأربعاء السابع والعشرين من ربيع الأول فالتقوا معهم فكسروا المسلمين وولى السلطان هاربا فانا لله وانا اليه راجعون وقتل جماعة من الأمراء وغيرهم ومن العوام خلق كثير وفقد في المعركة قاضي قضاة
الحنفية وقد صبروا وبالوا بلاء حسنا ولكن كان امر الله قدرا مقدورا فولى المسلمون لا يلوى احد على احد ثم كانت العاقبة بعد ذلك للمتقين غير انه رجعت العساكر على اعقابها للديار المصرية واجتاز كثير منهم على دمشق وأهل دمشق في خوف شديد على انفسهم وأهليهم وأموالهم ثم انهم استكانوا واستسلموا للقضاء والقدر وماذا يجدي الحذر اذا نزل القدر ورجع السلطان في طائفة من الجيش على ناحية بعلبك والبقاع وأبواب دمشق مغلقة والقلعة محصنة والغلاء شديد والحال ضيق وفرج الله قريب وقد هرب جماعة من اعيان البلد وغيرهم الى مصر كالقاضي امام الدين الشافعي وقاضي المالكية الزواوي وتاج الدين الشيرازي وعلم الدين الصوابي والى البر وجمال الدين بن النحاس والى المدينة والمحتسب وغيرهم من التجار والعوام وبقي البلد شاغرا ليس فيهم حاكم سوى نائب القلعة
وفي ليلة الأحد ثاني ربيع الأول كسر المحبوسون بحبس باب الصغير الحبس وخرجوا منه على حمية وتفرقوا في البلد وكانوا قريبا من مائتي رجل فنهبوا ما قدروا عليه وجاؤا الى باب الجابية فكسروا اقفال الباب البراني وخرجوا منه الى بر البلد فتفرقوا حيث شاؤا لا يقدر احد على ردهم وعاثت الحرافشة في ظاهر البلد فكسروا ابواب البساتين وقلعوا من الأبواب والشبابيك شيئا كثيرا وباعوا ذلك بأرخص الأثمان هذا وسلطان التتار قد قصد دمشق بعد الوقعة فاجتمع اعيان البلد والشيخ تقي الدين بن تيمية في مشهد على واتفقوا على المسير الى قازان لتلقيه وأخذ الأمان منه لأهل دمشق فتوجهوا يوم الاثنين ثالث ربيع الآخر فاجتمعوا به عند النبك وكلمه الشيخ تقي الدين كلاما قويا شديدا فيه مصلحة عظيمة عاد نفعها على المسلمين ولله الحمد ودخل المسلمون ليلتئذ من جهة قازان فنزلوا بالبدرانية وغلقت ابواب البلد سوى باب توما وخطب الخطيب بالجامع يوم الجمعة ولم يذكر سلطانا في خطبته وبعد الصلاة قدم الامير اسماعيل ومعه جماعة من الرسل فنزلوا ببستان الظاهر عند الطرن وحضر الفرمان بالامان وطيف به في البلد وقرئ يوم السبت ثامن الشهر بمقصورة الخطابة ونثر شيء من الذهب والفضة وفي ثاني يوم من المناداة بالامان طلبت الخيول والسلاح والاموال المخبأة عند الناس من جهة الدولة وجلس ديوان الاستخلاص إذ ذاك بالمدرسة القيمرية وفي يوم الاثنين عاشر الشهر قدم سيف الدين قبجق المنصوري فنزل في الميدان واقترب جيش التتر وكثر العيث في ظاهر البلد وقتل جماعة وغلت الاسعار بالبلد جدا وارسل قبجق الى نائب القلعة ليسلمها الى التتر فامتنع ارجواش من ذلك اشد الامتناع فجمع له قبجق اعيان البلد فكلموه ايضا فلم يجبهم الى ذلك وصمم على ترك تسليمها اليهم وبها عين تطرف فان الشيخ تقي الدين بن تيمية ارسل الى نائب القلعة يقول له ذلك لو لم يبق فيها
الا حجر واحد فلا تسلمهم ذلك ان استطعت وكان في ذلك مصلحة عظيمة لهل الشام فان الله حفظ لهم هذا الحصن والمعقل الذي جعله الله حرزا لاهل الشام التي لا تزال دار ايمان وسنة حتى ينزل بها عيسى ابن مريم وفي يوم دخول قبجق الى دمشق دخل السلطان ونائبه سلار الى مصر كما جاءت البطاقة بذلك الى القعلة ودقت البشائر بها فقوى جأش الناس بعض قوة ولكن الامر كما يقال
كيف السبيل الى سعاد ودونها * قلل الجبال ودونهن حتوف
الرجل حافية ومالي مركب * والكف صفر والطريق مخوف

وفي يوم الجمعة رابع عشر ربيع الآخر خطب لقازان على منبر دمشق بحضور المغول بالمقصورة ودعى له على السدة بعد الصلاة وقرئ عليها مرسوم بنيابة قبجق على الشام وذهب اليه الأعيان فهنؤه بذلك فأظهر الكرامة وأنه في تعب عظيم مع التتر ونزل شيخ المشايخ محمود بن علي الشيباني بالمدرسة العادلية الكبيرة وفي يوم السبت النصف من ربيع الآخر شرعت التتار وصاحب سيس في نهب الصالحية ومسجد الاسدية ومسجد خاتون ودار الحديث الاشرفية بها واحترق جاع التوبة بالعقيبية وكان هذا من جهة الكرج والارمن من النصارى الذين هم مع التتار قبحهم الله وسبوا من اهلها خلقا كثيرا وجما غفيرا وجاء أكثر الناس الى رباط الحنابلة فاحتاطت به التتار فحماه منهم شيخ الشيوخ المذكور وأعطى في الساكن مال له صورة ثم اقحموا عليه فسبوا منه خلقا كثيرا من بنات المشايخ وأولادهم فإنا لله وإنا اليه راجعون
ولما نكب دير الحنابلة في ثاني جمادي الاولى قتلوا خلقا من الرجال وأسروا من النساء كثيرا ونال قاضي القضاة تقي الدين اذى كثير ويقال إنهم قتلوا من أهل الصالحية قريبا من اربعمائة وأسروا نحوا من اربعة آلاف اسير ونهبت كتب كثيرة من الرباط الناصري والضيائية وخزانة ابن البزوري وكانت تباع وهي مكتوب عليها الوقفية وفعلوا بالمزة مثل ما فعلوا بالصالحية وكذلك بداريا وبغيرها وتحصن الناس منهم في الجامع بداريا ففتحوه قسرا وقتلوا منهم خلقا وسبوا نساءهم وأولادهم فإنا لله وإنا اليه راجعون
وخرج الشيخ ابن تيمية في جماعة من أصحابه يوم الخميس العشرين من ربيع الآخر الى ملك التتر وعاد بعد يومين ولم يتفق اجتماعه به حجبه عنه الوزير سعد الدين والرشيد مشير الدولة المسلماني ابن يهودي والتزما له بقضاء الشغل وذكرا له ان التتر لم يحصل لكثير منهم شيء الى الآن ولا بد لهم من شيء واشتهر بالبلد ان التتر يريدون دخول دمشق فانزعج الناس لذلك وخافوا خوفا شديدا وأرادوا الخروج منها والهرب على وجوهم وأين الفرار ولات حين مناص وقد اخذ من البلد فوق العشرة آلاف فرس ثم فرضت اموال كثيرة على البلد موزعة على اهل الاسواق
كل سوق بحسبه من المال فلا قوة إلا بالله وشرع التتر في عمل مجانيق بالجامع ليرموا بها القلعة من صحن الجامع وغلقت ابوابه ونزل التتار في مشاهده يحرسون اخشاب المجانيق وينهبون ما حوله من الأسواق وأحرق ارجوان ما حول القلعة من الابنية كدار الحديث الأشرفية وغير ذلك الى حد العادلية الكبيرة واحرق دار السعادة لئلا يتمكنوا من محاصرة القلعة من اعاليها ولزم الناس منازلهم لئلا يسخروا في طم الخندق وكانت الطرقات لا يرى بها احد الا القليل والجامع لا يصلي فيه احد الا اليسير ويوم الجمعة لا يتكامل فيه الصف الأول وما بعده إلا بجهد جهيد ومن خرج من منزله في ضرورة يخرج بثياب زيهم ثم يعود سريعا ويظن انه لا يعود الى اهله وأهل البلد قد اذاقهم الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون فإنا لله وإنا اليه راجعون
والمصادرات والتراسيم والعقوبات عمالة في أكابر اهل البلد ليلا ونهارا حتى اخذ منهم شيء كثير من الأموال والأوقاف كالجامع وغيره ثم جاء مرسوم بصيانة الجامع وتوفير اوقافه وصرف ما كان يؤخذ بخزائن السلاح والى الحجاز وقرئ ذلك المرسوم بعد صلاة الجمعة بالجامع في تاسع عشر جمادي الأولى وفي ذلك اليوم توجه السلطان قازان وترك نوابه بالشام في ستين الف مقاتل نحو بلاد العراق وجاء كتابه انا قد تركنا نوابنا بالشام في ستين الف مقاتل وفي عزمنا العود اليها في زمن الخريف والدخول الى الديار المصرية وفتحها وقد اعجزتهم القلعة ان يصلوا الى حجر منها وخرج سيف الدين قبجق لتوديع قطلوشاه نائب قازان وسار وراءه وضربت البشائر بالقلعة فرحا لرحيلهم ولم تفتح القلعة وأرسل أرجواش ثاني يوم من خروج قبجق القعلية الى الجامع فكسروا اخشاب المنجنيقات المنصوبة به وعادوا الى القلعة سريع سالمين واستصحبوا معهم جماعة ممن كانوا يلوذون بالتتر قهرا الى القلعة منهم الشريف القمي وهو شمس الدين محمد ابن محمد بن احمد بن ابي القاسم المرتضي العلوي وجاءت الرسل من قبجق الى دمشق فنادوا بها طيبوا أنفوسكم وافتحوا دكاكينكم وتهيئوا غدا لتلقي سلطان الشام سيف الدين قبجق فخرج الناس الى اماكنهم فأشرفوا عليها فرأوا ما بها من الفساد والدمار وانفك رؤساء البلد من التراسيم بعدما ذاقوا شيئا كثيرا
قال الشيخ علم الدين البرزالي ذكر لي الشيخ وجيه الدين بن النجا انه حمل الى خزانة قازان ثلاثة آلاف الف وستمائة الف درهم سوى ما تمحق من التراسيم والبراطيل وما اخذ غيره من الأمراء والوزراء وأن شيخ المشايخ حصل له نحو ستمائة الف درهم والأصيل بن النصير الطوسي مائة الف والصفي السخاوي ثمانون الفا وعاد سيف الدين قبجق الى دمشق يوم الخميس بعد الظهر خامس عشرين جمادي الاولى ومعه الاليكي وجماعة وبين يديه السيوف مسللة وعلى
رأسه عصابة فنزل بالقصر ونودي بالبلد نائبكم قبجق قد جاء فافتحوا دكاكينكم واعملوا معاشكم ولا يغرر احد بنفسه هذا الزمان والاسعار في غاية الغلاء والقلة قد بلغت الغرارة الى اربعمائة واللحم الرطل بنحو العشرة والخبز كل رطل بدرهمين ونصف والعشرة الدقيق بنحو الأربعين والجبن الأوقية بدرهم والبيض كل خمسة بدرهم ثم فرج عنهم في اواخر الشهر ولما كان في أواخر الشهر نادى قبجق بالبلد ان يخرج الناس الى قراهم وأمر جماعة وانضاف اليه خلق من الأجناد وكثرت الأراجيف على بابه وعظم شأنه ودقت البشائر بالقلعة وعلى باب قبجق يوم الجمعة رابع جمادي الآخرة وركب قبجق بالعصائب في البلد والشاويشية بين يديه وجهز نحوا من الف فارس نحو خربة اللصوص ومشى مشى الملوك في الولايات وتأمير الأمراء والمراسيم العالية النافذة وصار كما قال الشاعر
يا لك من قنبرة بمعمري * خلالك الجو فبيضي واصفري
ونقري ماشئت ان تنقري
ثم انه ضمن الخمارات ومواضع الزنا من الحانات وغيرها وجعلت دارا ابن جرادة خارج من باب توما خمارة وحانة أيضا وصار له على ذلك في كل يوم الف درهم وهي التي دمرته ومحقت آثاره وأخذ اموالا آخر من اوقاف المدارس وغيرها ورجع بولاي من جهة الأغوار وقد عاث في الارض فسادا ونهب البلاد وخرب ومعه طائفة من التتر كثيرة وقد خربوا قرى كثيرة وقتلوا من أهلها وسبوا خلقا من أطفالها وجبي لبولاي من دمشق أيضا جباية اخرى وخرج طائفة من القلعة فقتلوا طائفة من التتر ونهبوهم وقتل جماعة من المسلمين في غبون ذلك وأخذوا طائفة ممن كان يلوذ بالتتر ورسم قبجق لخطيب البلد وجماعة من الأعيان ان يدخلوا القلعة فيتكلموا مع نائبها في المصالحة فدخلوا عليه يوم الاثنين ثاني عشر جمادي الآخرة فكلموه وبالغوا معه فلم يجب الى ذلك وقد اجاد وأحسن وأرجل في ذلك بيض الله وجهه
وفي ثامن رجب طلب قبجق القضاة والأعيان فحلفهم على المناصحة للدولة المحمودية يعني قازان فخلفوا له وفي هذا اليوم خرج الشيخ تقي الدين بن تيمية الى مخيم بولاي فاجتمع به في فكاك من كان معه من اسارى المسلمين فاستنقذ كثيرا منهم من ايديهم وأقام عنده ثلاثة ايام ثم عاد ثم راح اليه جماعة من اعيان دمشق ثم عادوا من عنده فشلحوا عند باب شرقي وأخذ ثيابهم وعمائمهم ورجعوا في شر حالة ثم بعث في طلبهم فاختفى اكثرهم وتغيبوا عنه ونودي بالجامع بعد الصلاة ثالث رجب من جهة نائب القلعة بأن العساكر المصرية قادمة الى الشام وفي عشية يوم السبت رحل بولاي وأصحابه من التتر وانشمروا عن دمشق وقد أراح الله منهم وساروا من على عقبة دمر فعاثوا في تلك النواحي فسادا ولم يأت سابع الشهر وفي حواشي البلد منهم احد وقد أزاح الله عز وجل

شرهم عن العباد والبلاد ونادى قبجق في الناس قد أمنت الطرقات ولم يبق بالشام من التتر أحد وصلى قبجق يوم الجمعة عاشر رجب بالمقصورة ومعه جماعة عليهم لأمة الحرب من السيوف والقسى والتراكيش فيها النشاب وأمنت البلاد وخرج الناس للفرجة في غيض السفرجل على عادتهم فعاثت عليهم طائفةمن التتر فلما رأوهم رجعوا الى البلد هاربين مسرعين ونهب بعض الناس بعضا ومنهم من القى نفسه في النهر وإنما كانت هذه الطائفة مجتازين ليس لهم قرار وتقلق قبجق من البلد ثم انه خرج منها في جماعة من رؤسائها واعيانها منهم عز الدين ابن القلانسي ليتلقوا الجيش المصري وذلك ان جيش مصر خرج الى الشام في تاسع رجب وجاءت البريدية بذلك وبقي البلدليس به احد ونادى ارجواش في البلد احفظوا الاسوار وأخرجوا ما كان عندكم من الاسلحة ولا تهملوا الاسوار والابواب ولا يبيتن احد الا على السور ومن بات في داره شنق فاجتمع الناس على الأسوار لحفظ البلاد وكان الشيخ تقي الدين بن تيمية يدور كل ليلة على الأسوار يحرض الناس على الصبر والقتال ويتلو عليهم آيات الجهاد والرباط
وفي يوم الجمعة سابع عشر رجب اعيدت الخطبة بدمشق لصاحب مصر ففرح الناس بذلك وكان يخطب لقازان بدمشق وغيرها من بلاد الشام مائة يوم سواء وفي بكرة يوم الجمعة المذكور دار الشيخ تقي الدين بن تيمية رحمه الله وأصحابه على الخمارات والحانات فكسروا آنية الخمور وشققوا الظروف وأراقوا الخمور وعزروا جماعة من اهل الحانات المتخذة لهذه الفواحش ففرح الناس بذلك ونودي يوم السبت ثامن عشر رجب بأن تزين البلد لقدوم العساكر المصرية وفتح باب الفرج مضافا الى باب النصر يوم الأحد تاسع عشر رجب ففرح الناس بذلك وانفرجوا لأنهم لم يكونوا يدخلون إلا من باب النصر وقدم الجيش الشامي صحبة نائب دمشق جمال الدين آقوش الأفرم يوم السبت عاشر شعبان وثاني يوم دخل بقية العساكر وفيهم الأميران شمس الدين قراسنقر المنصوري وسيف الدين قطلبك في تجمل وفي هذا اليوم فتح باب العريش وفيه درس القاضي جلال الدين القزويني بالأمينية عوضا عن اخيه قاضي القضاة امام الدين توفي بمصر وفي يوم الاثنين والثلاثاء والأربعاء تكامل دخول العساكر صحبة نائب مصر سيف الدين سلار وفي خدمته الملك العادل كتبغا وسيف الدين الطراخي في تجمل باهر ونزلوا في المرج وكان السلطان قد خرج عازما على المجيء فوصل الى الصالحية ثم عاد الى مصر
وفي يوم الخميس النصف من شعبان اعيدالقاضي بدر الدين بن جماعة الى قضاة القضاة بدمشق مع الخطابة بعد إمام الدين ولبس معه في هذا اليوم امين الدين العجمي خلعة الحسبة وفي يوم سابع عشرة لبس خلعة نظر الدواوين تاج الدين الشيرازي عوضا عن فخر الدين بن الشيرجي
ولبس أقبجاشد الدواوين في باب الوزير شمس الدين سنقر الأعسر وباشر الأمير عز الدين ايبك الدويدار النجيبي ولاية البر بعد ما جعل من أمراء الطبلخانة ودرس الشيخ كمال الدين بن الزملكاني بأم الصالح عوضا عن جلال الدين القزويني يوم الأحد الحادي والعشرين من شعبان وفي هذا اليوم ولي قضاء الحنفية شمس الدين بن الصفي الحريري عوضا عن حسام الدين الرومي فقد يوم المعركة في ثاني رمضان ورفعت الستائر عن القعلة في ثالث رمضان وفي مستهل رمضان جلس الأمير سيف الدين سلار بدار العدل في الميدان الأخضر وعنده القضاة والأمراء يوم السبت وفي السبت الآخر خلع على عز الدين القلانسي خلعة سنية وجعل ولده عماد الدين شاهدا في الخزانة وفي هذا اليوم رجع سلار بالعساكر الى مصر وانصرفت العساكر الشامية الى مواضعها وبلدانها وفي يوم الاثنين عاشر رمضان درس على بن الصفي بن ابي القاسم البصراوي الحنفي بالمدينة المقدمية وفي شوال فيها عرفت جماعة ممن كان يلوذ بالتتر ويؤذي المسلمين وشنق منهم طائفة وسمر آخرون وكحل بعضه وقطعت ألسن وجرت امور كثيرة وفي منتصف شوال درس بالدولعية قاضي القضاة جمال الدين الزرعي نائب الحكم عوضا عن جمال الدين بن الباجريقي وفي يوم الجمعة العشرين منه ركب نائب السلطنة جمال الدين آقوش الأفرم في جيش دمشق الى جبال الجرد وكسروان وخرج الشيخ تقي الدين بن تيمية ومعه خلق كثير من المتطوعة والحوارنة لقتال أهل تلك الناحية بسب فسادنيتهم وعقائدهم وكفرهم وضلالهم وما كانوا عاملوا به العساكر لما كسرهم التتر وهربوا حين اجتازوا ببلادهم وثبوا عليهم ونهبوهم واخذوا اسلحتهم وخيولهم وقتلوا كثيرا منهم فلما وصلوا الى بلادهم جاء رؤساؤهم الى الشيخ تقي الدين بن تيمية فاستتابهم وبين للكثير منهم الصواب وحصل بذلك خير كثير وانتصار كبير على اولئك المفسدين والتزموا برد ما كانوا اخذوه من أموال الجيش وقرر عليهم أموالا كثيرة يحملونها الى بيت المال وأقطعت اراضيهم وضياعهم ولم يكونوا قبل ذلك يدخلون في طاعة الجند ولا يلتزمون احكام الملة ولا يدينون دين الحق ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله وعاد نائب السلطنة يوم الأحد ثالث عشر ذي القعدة وتلقاه الناس بالشموع الى طريق بعلبك وسط النهار وفي يوم الأربعاء سادس عشره نودي في البلد ان يعلق الناس الأسلحة بالدكاكين وأن يتعلم الناس الرمي فعملت الأماجات في أماكن كثيرة من البلد وعلقت الأسلحة بالأسواق ورسم قاضي القضاة بعمل الأماجات في المدارس وأن يتعلم الفقهاء الرمي ويستعدوا لقتال العدو ان حضر وبالله المستعان
وفي الحادي والعشرين من ذي القعدة استعرض نائب السلطنة اهل الأسواق بين يديه وجعل على كل سوق مقدما وحوله اهل سوقه وفي الخميس رابع عشرينه عرضت الأشراف مع نقيبهم نظام
الملك الحسيني بالعدد والتجمل الحسن وكان يوما مشهودا ومما كان من الحوادث في هذه السنة أن جدد إمام راتب عند رأس قبر زكريا وهو الفقيه شرف الدين أبو بكر الحموي وحضر عنده يوم عاشوراء القاضي إمام الدين الشافعي وحسام الدين الحنفي وجماعة ولم تطل مدته إلا شهورا ثم عاد الحموي إلى بلده وبطلت هذه الوظيفة الى الان ولله الحمد وممن توفي فيها من الأعيان
*3* القاضي حسام الدين أبو الفضائل
@ الحسن بن القاضي تاج الدين أبي المفاخر أحمد بن الحسن انوشروان الرازي الحنفي ولي قضاء ملطية مدة عشرين سنة ثم قدم دمشق فوليها مدة ثم انتقل الى مصر فوليها مدة وولده جلال الدين بالشام ثم صار الى الشام فعاد الى الحكم بها ثم لما خرج الجيش الى لقاء قازان بوادي الخزندار عند وادي سلمية خرج معهم ففقد من الصف ولم يدر ما خبره وقد قارب السبعين وكان فاضلا بارعا رئيسا له نظم حسن ومولده باقسيس من بلاد الروم في المحرم سنة احدى وثلاثين وستمائة فقد يوم الأربعاء الرابع والعشرين من ربيع الأول منها وقد قتل يومئذ عدة من مشاهير الأمراء ثم ولى بعده القضاء شمس الدين الحريري
*3* القاضي الامام العالي
@ إمام الدين ابو المعالي عمر بن القاضي سعد الدين ابي القاسم عبد الرحمن بن الشيخ امام الدين ابي حفص عمر بن احمد بن محمد القزويني الشافعي قدم دمشق هو وأخوه جلال الدين فقررا في مدارس ثم انتزع امام الدين قضاء القضاة بدمشق من بدر الدين بن جماعة كما تقدم في سنة سبع وسبعين وناب عنه اخوه وكان جميل الأخلاق كثير الاحسان رئيسا قليل الأذى ولما ازف قدوم التتار سافر الى مصر فلما وصل اليها لم يقم بها سوى اسبوع وتوفي ودفن بالقرب من قبة الشافعي عن ست واربعين سنة وصار المنصب الى بدر الدين بن جماعة مضافا الى ما بيده من الخطابة وغيرها ودرس اخوه بعده بالأمينية
*3* المسند المعمر الرحلة
@ شرف الدين احمد بن هبة الله بن الحسن بن هبة الله بن عبد الله بن الحسن بن عساكر الدمشقي ولد سنة اربع عشرة وستمائة وسمع الحديث وروى توفي خامس عشر جمادي الأولى عن خمس وثمانين سنة
*3* الخطيب الإمام العالم
@ موفق الدين ابو المعالي محمد بن محمد بن الفضل النهراواني القضاعي الحموي خطيب حماة ثم خطب بدمشق عوضا عن الفاروثي ودرس بالغزالية ثم عزل بابن جماعة وعاد الى بلده ثم قدم دمشق عام قازان فمات بها
*3* الصدر شمس الدين


التوقيع :


اللهم صل على سيدنا محمد عبدك ونبيك ورسولك
النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم تسليما عدد مااحاط به علمك
وخط به قلمك واحصاه كتابك
وارض اللهم عن سادتنا ابي بكر وعمر وعثمان وعلي
وعن الصحابة أجمعين وعن التابعين وتابعيهم بإحسان الى يوم الدين





آخر تعديل abo _mohammed يوم 09-01-2006 في 07:39 PM.
رد مع اقتباس
قديم 09-01-2006, 03:37 PM   رقم المشاركة : 2
الكاتب

عابدين

Registered User

عابدين غير متواجد حالياً


الملف الشخصي








عابدين غير متواجد حالياً


مشاركة: البداية والنهاية الجزء الرابع عشر

بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على سيّدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين .
وبعد :-
إن الفقه السياسي والفتوى السياسية لها مساحة واسعة في عالم التشريع لكثرة المفردات وتنوعها وابتلاء الشعوب بها نتيجة الغزوات
والحروب الثقافية والعسكرية التي تعيق حركتها الوطنية ، كما إن تخريج الأفكار والطروحات وإخضاعها إلى الممارسة والتطبيق من قبل فقهاء القانون الوضعي والقادة السياسيين وخصوصاً الغربيين وفرضها على الشعوب المستضعفة الإسلامية وغيرها ، تفرض على فقهاء الإسلام التصدي لها ضمن التكليف الشرعي والمسؤولية الكبيرة الملقاة على عاتقهم باعتبارهم الأمناء على هذا الدين بكل ما لهذه الكلمة من معنى، فتبحث هذه المفردات الأبتلائية وغيرها تحت عنوان المستحدثات أو الفقه السياسي ، لبيان نظام الحكم في الإسلام ومفرداته لتكون مساحة حركة السياسيين معلومة في إطارها الشرعي لكي لا يخرجوا مفهوماً وميداناً عنه تحت ذرائع وأسباب بعيدة عن الشرع ، وهذا مما يستدعي تحصيناً للأمة الإسلامية عن طريق نشر الوعي الثقافي والعقائدي وعقد المؤتمرات الدينية في الحوزات العلمية وإبراز صوتها بمنشورات جريئة (واضحة وصريحة) اتجاه كل حدث أو قانون لكي تكون ظهيراً قوياً للمرجعيات الدينية في تغيير المسارات التي يرفضها الشرع ليتم تصحيحها بكل أمانة وشجاعة ، ولتحسين الواقع الإسلامي في قوة التأثير ، وقوة التمثيل السياسي والحركي على الساحة العملية وان كان هذا يحتاج إلى جهد جماعي كما اشرنا ، ومن خلال هذا الفهم كانت لنا محاولات بسيطة مطبوعة لعلها تساهم في بلورة هذا الطموح الإسلامي نذكر بعضها وهي (نقض الحكم ألولائي)( حكومة الفقهاء ودستور الأمّة )
( المرجعية الدينية والمرجعية السياسية ) ( الفدرالية من منظور فقهي )
وهذا الأخير قد نشر مختصره في مجلة ( أنصار الحجة عج) العدد- 14
التي تصدر في بغداد عن مكتب أنصار الحجة عج . ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يتقبل من الأقل العبد الفقير إليه هذه المساهمة المتواضعة لخدمة دينه الحنيف انه سميع الدعاء . ( أبو الحسن)
حميد المقدّس الغريفي
النجف الأشرف
(( المدخل))

ينبغي الأخذ بنظر الاعتبار أن مسيرة العاملين لابد أن ترتكز على مقومات أساسية تنهض بالعاملين إلى المستوى المطلوب من الارتباط والمصداقـية في العمل ، اللذان يمثلان المسار الصحيح والهادف لأداء الرسالة ، لان العمل الإسلامي لا يكون صحيحا ولا موضوعيا منتجا إذا ابتعد العامل فيه عن مقومات العمل الحقيقي التي تعتبر نقاط توصيل فاعلة وصادقة إلى الهدف .
ولذا يتم تقـييم العمل وبيان مدى موضوعيته من خلال مراعاة هذه المقومات والتي منها :
تنقيح موضوع العمل و تشخيصه الذي يعتبر المسار الصحيح والطبيعي للعاملين لأنه يسهل بتحديده اختيار الحكم المناسـب له وفق مقررات الشرع الشريف ، ذلك لان العلاقة وطيدة ومترابطة بين الموضوع والحكم ، وحيث إن فعليّة الحكم كما هو معروف متوقفة على فعليّة الموضوع ،وهذا يعني أن الحكم يأتي متأخراً عن الموضوع ، كما يتأخر كل مسبب عن سببه والذي ربما يكون الموضوع من الأعيان الخارجية كالخمر والخنزير أو من الموضوعات الشرعية كالصلاة والصيام أ و من الموضوعات العقلية أو من الموضوعات العرفية على اختلاف أنواعها . فالموضوع الخارجي كالخمر يترتب عليه حكم شرعي وهو حرمة شربه ، وكذا الخنزير يترتب عليه حكم شرعي وهو حرمة أكله .
أما الموضوعات الشرعية فأنّ (الصلاة واجبة) فالصلاة مفهوم وهي موضوع وحكمها المحمول عليها هو الوجوب، ومتعلق هذا الوجوب هو المصداق الخارجي المشتمل على أفعال خاصة كالقيام والركوع والسجود وقراءات وأذكار معينة ،(والصوم الواجب) يعني أن الصوم الذي له خصوصيات وشرائط هو محكوم عليه بالوجوب . وهنا ينبغي أن يعلم أن فعل الصلاة خارجاً وكذا الصيام هو ما يطلق عليه بمتعلق الوجوب، وفرق ما بين الموضوع والحكم ومتعلق الحكم ،لأنّ الموضوع قد وضع ليحكم عليه بشيء والفعل الخارجي يكون تابعاً ومتعلقاً بالحكم .
وأما الموضوع العقلي فأنّ العقل يدرك بأنّ (النقيضان لا يجتمعان ولا

يرتفعان) فيكون النقيضان موضوعاً يوجد في العقل فقط ، لأنه يستحيل أن يوجدان في الخارج لاستحالة اجتماعهما أو ارتفاعهما إلى شيء ثالث .
وأما الموضوع العرفي فتحديده كما في( الغناء ) الذي حكمه الحرمة حيث يتحدد موضوع الغناء من خلا ل ما يعرفه العرف لتوافقه مع مجالس أهل
اللهو والطرب والفسوق والفجور .
أذن الموضوع تارة يكون من المفاهيم التي وجودها في العقل ، وتارة يكون الموضوع موجوداً في الخارج كالأعيان .
وعلى هذا يجب على العاملين للإسلام أن ينقحوا موضوعات عملهم لكي يتخذ عملهم مساراً شرعياً من خلال تطبيق ما يناسبه من حكم شرعي ، لأن العمل الإسلامي الصادق يجب أن يسير وفق مقتضيات الشرع الشريف ، فلا يكون فيه جهالة وتعدي واغتصاب للحقوق وإفساد في الأرض بذريعة أنه يريد أن يعمل للأسلام جهلاً منه في ذلك أو تجاهلا، قاصراً في ذلك أو مقصراً ، فيخرج بتصرفه هذا عن العمل للإسلام إلى ما يصب في مصلحة الشيطان. فيكون الالتزام بمتابعة تنقيح الموضوعات للعاملين المتدينين له مد خلية كبيرة في تصحيح المسيرة وإصابة الحكم الشرعي الصحيح سواء كان الحكم الواقعي الأولي أو الثانوي وبذلك يحصل العاملون للأسلام على غطاء شرعي وخلق إسلامي يؤدون وظيفتهم الشرعية على أكمل وجه وأحسن صورة لتحفظ بذلك الحقوق وتمنع المظالم ويستقر النظام ونصل به إلى مقاصد الشريعة .
وهذا يعني مسؤولية كبيرة على العاملين في تشخيص الموضوعات بإجادة ومهارة عالية لكي لا يقع اختياره على حكم لا يناسب موضوعه الواقعي.
ومراعاة ذلك من الأمور المطلوبة لوقوعها في دائرة التكاليف الشرعية
والحقوق الإنسانية التي لها تأثيرات شرعية ووضعية على الجميع، ويتطلب هذا أيضا وجوب الابتعاد عن المؤثرات النفسية والمصالح الشخصية والفئوية والعصبية لأنها تعطي طابعاً تخلفياً ورجعياً على العاملين وبالتالي يكون عملهم عقيماً يؤسس لإيجاد أزمات وردود أفعال سلبية ونتيجته الضعف في الاستعداد والأداء والاستجابة . في حين أنً الإسلام يحث ويؤكد بشدّة على ممارسة السلوكيات العادلة ونشر الطروحات الواضحة والأعمال المنتجة التي يعتمد جميعها على غطاء شرعي صحيح .


((الفدرالية))

إذا أردنا بيان بعض الموضوعات كما هو مصطلح عليه في العرف السياسي العالمي هو مصطلح الفدرالية فأنه موضوع مطروح للعمل به على الساحة العراقية اليوم المتفق عليه سابقاً بين معارضة النظام ألصدامي خارج العراق الذي صرًح به السيد جلال الطالباني كما هو مقرر في مؤتمراتهم في لندن وغيرها وكما أذاعته محطات الإذاعة والتلفزة العالمية قبل سقوط نظام صدام وتحت غطاء المجتمع الدولي برئاسة أمريكا وبريطانيا ،في حين أنّ هذا المصطلح لم يكن مطروحاً ولا متداولاً بيننا في أوساط المعارضة للنظام في داخل العراق مع احترامنا واعتزازنا بالجميع لأنهم عراقيون ومعارضون سواء في الداخل أو في الخارج، وهذا الأجراء من طرح الفدرالية وتقسيم البلاد إلى ثلاثة أقسام للأكراد والسنة والشيعة لأسباب ودوافع كثيرة يكون غير ملزم للشعب العراقي لأنّ ما اتفقوا عليه خارج العراق غير خاضع لإرادة الشعب ولم يصوت عليه وما حصل بعد السقوط من الاستفتاء على الدستور أنما هو في ظروف استثنائية طارئة لتقليص مدة بقاء المحتل ودحر الإرهاب (ولكنها مع الأسف لم تغير شيئاً بل أزداد الأمر تعقيداً) وصارت الموافقة على الدستور جملة وليس تفصيلاً باعتبار وجود تحفظات على كثير من مواد الدستور والتي منها الفدرالية والتي ستناقش في جلسات قادمة لمجلس النواب ضمن سلسلة تغيير تلك المواد بحسب ماأتفقوا عليه في الملحق التابع للدستور ،وأما ما أقرّ عليه من قبل السياسيين اليوم ونفّذ بحجم كبير وضخم هو إقليم شمال العراق فأنّه يعتبر خطاءً كبيراً في عالمي السياسة والتشريع وبتقادم الزمن تتضح معالم هذا الخطاء أكثر ، وهذا لايعني أننا لانتمى لهم الخير من الأستقراروالأمان والسعادة والاعتزاز بالقومية ،بل هم جزء من الشعب العراقي الذي طالما تعرض للاضطهاد والظلم والإقصاء ، ولكن لا نريد أن تكون ردود أفعال ذلك سلبية على الشعب العراقي جميعاً ووحدة العراق بأحداث التقسيم والتمايز.وعلى كل حال فالحديث طويل. ولكن ما نرغب في التوصل أليه في هذا الموضوع السياسي ضمن القناعة المبنية على الدليل الفقهي سواء كان بعنوانه الأولي أو الثانوي ويكون هذا بتجرد بعيدا عن المؤثرات الخارجية لكونه بحثاً علمياً ومعرفياً ، وما يمكن أن يحصل فيه اختلاف بوجهات نظر متعددة فانه أمر طبيعي ، والتقييم والحكم فيه هو الشرع والعقل والوجدان الإنساني ومع ذلك فأننا نحترم جميع الآراء الوطنية وأن اختلفت معنا في الرأي لأن هذا يمكن أن يحصل داخل الأسرة الواحدة والمذهب الواحد والدين الواحد والوطن الواحد ، وهذا الاختلاف العلمي لا يفسد للود قضية ، بل هو مما يبلور الأفكاروالطروحات وينضجها إلى ما تصبو إليه من واقعية علمية يمكن تطبيقها على ساحة العمل بسهولة واطمئنان وبلا صرا عات ونزاعات وإرهاب تؤدي إلى الفوضى وعدم الاستقرار وفقدان الأمان .ومن منطلق المساهمة الوطنية والمشاركة في الرأي وطبقاً لأصالة الحرية وتعددية الرأي المبني على أسس علمية وشواهد حسية نقول :-
يجب على العامل الإسلامي والداعية المبلغ قبل أن يرتجل حكماً معيناً أو يتخذ خطوات عملية عليه أن يقوم بعملية تنقيح الموضوع لمعرفة أبعاده وحدوده وفيما نحن فيه هو موضوع (الفدرالية ) ليستكشف بعد ذلك الحكم الشرعي الأولي له ، ثم يتابع بعد ذلك ويدرس ما يحيط الموضوع من ملابسات وقضايا وعناوين ثانوية حرجية أو ضررية تؤثر على المسيرة والنظام بشكل عام أو خاص فأن وجدت فأنها تكون حاكمة شرعاً وعقلاً على العنوان الأولي فيتغير الحكم من الإباحة إلى الحرمة فيما لو فرضنا أنّ العنوان الأولي هو الإباحة بمقتضى أدلة نفي العسر والحرج والضرر، وأن لم تثبت هذه العناوين الثانوية فأنّ الحكم الشرعي الأولي يبقى ساري المفعول . علماً أن (الفدرالية ) كنظام أداري للحياة موجود ومطبق منذ العصور القديمة لضرورة اقتضتها الطبيعة الإنسانية في الأسر والمجتمعات والشعوب التي يتوسع سكانها طبقاً لموازين الحياة وأسبابها الطبيعية في التكاثر والبقاء فيحصل الاضطرار لاختيار مكان آخر بولاية جديدة تابعة ومرتبطة بالمركز الأصل بأحد أنحاء الارتباط الأسري أو الديني أو الوطني أو القومي أو مصالح مشتركة أخرى أو يكون الارتباط قهرياً كما في التوسع الاستعماري للبلدان والشعوب المستضعفة التي تحتل وتقهر وتظلم من قبل المستعمر الذي يفرض عليها طبيعة العلاقة والارتباط والقانون ،أو يكون الارتباط من جهة الفتوحات الإسلامية لتحرير الشعوب المستضعفة ورفع الظلم عنها وتحقيق العدالة لها وفي هذا نظر ، ينبغي دراسته بجدّية وواقعية فيما بعد وفاة الرسول (ص) .
أذن هذه البلدان المستعمرة والمفتوحة التي أخذت جانب التوسع تحتاج إلى حكام وولاة يديرون ويدبرون شؤون البلاد والعباد ويحفظون لهذه الولايات النظام والحقوق بما يحقق المصالح العليا للجهة الحاكمة وهذه الولايات بطبيعة الحال ترتبط بالمركز العاصمة التي لها مقاليد الحكم العام والتي تشكل نظاماً فدرالياً اتحادياً يستوعب جميع الولايات ، وهذه الشكلية للنظام الفدرالي متوارثة وسارية المفعول إلى يومنا هذا . وان كان ينبغي الفصل والتمييز بين ما كان له غطاء شرعي ومشروعية عمل كما في الفتوحات الإسلامية المبنية على التحرير والإصلاح والعدالة وحفظ النظام والتكافل الاجتماعي وعدالة توزيع الثروات المعهودة في زمن الرسول محمد (ص) وتطبيقات علي بن أبي طالب (ع) العادلة وتوصياته (ع) المعروفة لمن يعهد إليه بالولاية ومتابعته لشوؤن الأمة مهما اتسعت رقعتها الجغرافية وطرده لبعض الولاة الفاسدين كما فعل مع والي الشام (معاوية) الذي أقاله الأمام (ع) عن الحكم ولكنه امتنع عن الاستجابة وتمرد على خليفة المسلمين الشرعي الذي بويع بالخلافة بالإجماع أثناء حياة الرسول(ص) وتكرر عليه أجماع المسلمين بالبيعة والخلافة أيضاً بعد مقتل عثمان بن عفان .
وأما إذا كانت النظم الاتحادية الفدرالية مبنية على الاحتلال والتسلط ونهب الخيرات واستضعاف الشعوب كما هو شأن بلاد فارس وبلاد الروم والدولة العثمانية والإتحاد السوفييتي وبريطانيا وألمانيا وفرنسا وأمريكا وغيرها من الدول المستعمرة التي تمتص دماء الشعوب من أجل تحقيق أهدافها الشيطانية الباطلة والتي تمارس صراحة إرهاب دولة كما حصل اليوم في فلسطين والعراق ولبنان وبكل وقاحة يعتبرون سفك دماء الأطفال والنساء والشيوخ وتدمير البنى التحتية (هي آلام مخاض لشرق أوسط جديد ) ويعدون ويبشرون العالم بالقضاء على الإرهاب ونشر الحرية والسلام وعودة الحقوق إلى أهلها والتي تعني جميعها تقسيم البلدان إلى طوائف وقوميات وأقليات تابعة لإرادة المحتل وقتل كل عنصر ممانع ومقاوم لها كما في فلسطين ولبنان، وهذا مما يعجزون عن تحقيقه حتى في الأحلام لفشلهم وزيف دعاواهم .ولأن النصر والخلاص دائماً لا يكون إلا عن طريق المقاومين الممانعين والممهدين لعصر ظهور الأمام (عجل الله فرجه ) لتكون على يديه الكريمتين الدولة العالمية الموعودة التي تعتمد التوسع وليس التقسيم لتحرير الشعوب المستضعفة وتحقق وتطبق الفدرالية العادلة بأصولها المحمدية الصادقة والأمينة لننعم فيها بالأمن والسلام والطمأنينة والعدالة ، وليس ما يعدنا به الاستكبار العالمي في تطبيقاته الدموية الظالمة لإيجاد شرق أوسط جديد والذي هو استعمار واستعباد جديد و صريح للشعوب وللقضاء على الإسلام والمسلمين ونهب خيراتهم وتقسيم أراضيهم كما هو مخطط له ومعهود عنهم في تصرفاتهم .
وعوداً على بدء : ينبغي معرفة أساس النظام الفدرالي الاتحادي في صدر الإسلام كأسلوب عملي شرعي يمكن الاستناد إليه في مسيرة الأمة وحركيتها على الساحة السياسية العالمية والإطلاع على كيفية بناء هيكلية الدولة الإسلامية الفتية في المدينة المنورة والتي توسعت إلى عموم الجزيرة العربية لتشمل مكة المكرمة ثم أخذت بالتوسع المبني على القناعة والأيمان وقبول الجماهير العربية والشعوب الأخرى ورغبتها بالدين الإسلامي ونظامه القائم على العدالة والأنصاف والتشريع الإلهي الذي يستجيب إليه الناس بقناعة عقلائية واطمئنان حتى شمل التوسع الإيماني والإصلاحي اليمن والبحرين والعراق والشام ومصر وغيرها من البلدان التي دخلت ّ إلى الإسلام والتزمت بنظامه ، وبطبيعة الحال والضرورة الفعلية البلدان والولايات تحتاج إلى ممثلين عن القيادة المركزية الواقعية المتمثلة آنذاك بشخص الرسول الأكرم محمد (ص) بما يعرف عنهم بالولاة والأمراء لتدبير شؤون البلاد والعباد بما يخدم المصلحة العامة وتطبيق النظم الإسلامية العادلة ، وهذا التطبيق الفدرالي في نظام الدولة الإسلامية لا يحتاج إلى بحث وتحقيق في من ابتكره وابتدعه بعدما عرفنا انه طبيعة فطرية وحاجة يلجاء إليها الناس في ممارساتهم وسلوكياتهم في مجال التوسع ، على أن تكون شبيهة بنظام المحافظات التابعة للمركز باعتباره عاصمة البلاد الإسلامية الموحدة التي تمتلك مقومات القيادة والقدرة العالية على فهم التشريع والتفريع عليه في إطار النظم الإسلامية . وعلى هذا الأساس فأنّ النظام الاتحادي الفدرالي يتلاءم ويتفاعل طبيعياً وعقلياً وكما هو مكتشف من خلال السيرة العقلائية والمتشرعية مع توسيع الرقعة الجغرافية وانضمام البلدان والولايات إلى المركز العاصمة لاعتبارات إيمانية أو اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية أو عسكرية لإيجاد تحالف مشترك يتحدون مع هذا النظام الإسلامي لتحقيق أهدافهم المشروعة من الوحدة و التطور والتقدم والقوة وزيادة قدرات النظام الاقتصادية والعسكرية والعلمية .
ومن خلال فهم هذا المطلب بالشكل المطروح الآن فأنّ قيام نظام فدرالي بخلاف ما هو ثابت بحسب السيرة أي بصورة معاكسة لها بمعنى تحجيم وتقسيم الرقعة الجغرافية الواحدة إلى ولايات وأقاليم متعددة والأدهى من ذلك نشوء حكومات فيها تتضمن وزارات و مجالس نيابية ولها دستور ومكاتب في السفارات وأنظمة مسلحة ( ميلشيات) تحت عناوين مختلفة وتقاسم للثروات وعلم خاص وجواز سفر خاص وعلاقات خاصة معلنة وغير معلنة مع دول العالم ومنح رخص اقامة للوافدين والمهجّرين من أبناء البلد الواحد ضمن ضوابط وقوانين ذلك الإقليم ، وهذا النظام موجود اليوم في شمال العراق تحت عنوان ( إقليم كردستان ) ، وأشدّ من هذا المطالبة المّلِحَة للأكراد أيضاً (مع احترامنا واعتزازنا بهم كعراقيين ) بضم كركوك النفط إليهم ،مع أنها ملك للعراقيين من أقصى العراق إلى أقصاه ولا يحق للسياسيين وغيرهم المساومة عليها وبيعها ولو بتزوير الأصوات عليها ، ثم ينتقلون إلى مرحلة توسيع الإقليم بأكثر من ذلك كله ليمتد ضمن خارطة أعلن عنها في بداية سقوط صدام المجرم وأثناء قيام مجلس الحكم لتستوعب أجزاء من محافظة ديالى أضف إلى ذلك وعلى لسان الكثير من مسئوليهم يهددون بين الحين والآخر بالانفصال والانعزال عن العراق حينما تحصل الأزمات والتوترات الداخلية أو لم تستجب لهم مطالب ، إضافة إلى بعض السلوكيات والتصريحات المعلنة ، حيث قال مسعود البر زاني رئيس ( إقليم كردستان ) في حديث صحفي ( لا مانع لدينا أن توجد قنصلية لإسرائيل في كردستان إذا ارتأى العراق أن يفتح سفارة في بغداد ) وكأنّ كردستان خارجة عن العراق وندُّ له ولها معه اعتبارات مصلحية ينبغي مراعاتها ،وبمعنى لامانع لديه من اقامة هذه العلاقة في جهة استقلاليته لولا العراق ، كما إن وزير الخارجية العراقي الكردي هوشيار زيباري الذي ألّبَ الدول العربية والإسلامية على شيعة العراق وأنهم يسيطرون على نظام الحكم وبدوافع طائفية وتحالفهم مع إيران وأخذ يعلن تخوفه صراحة ًعلى العراق فأنه وبنفس الوقت يقوم علناً بمصافحة عناصر صهيونية في الأمم المتحدة ، وأيضاً سفير العراق في الأمم المتحدة صلاح عطاوي الكردي أيضاً يحضر الاحتفال الصهيوني حول المحرقة اليهودية" الهولكوست" وهذا نحو من الاعتراف بإسرائيل ولو ضمناً والذي يعد خرقاً فاضحاً لحق العرب والمسلمين في مقاومة هذا الكيان الدموي الغاصب لإرجاع الحقوق المغتصبة في فلسطين وغيرها ، كما أنه يعتبر تأييداً ومواساةً وتطميناً للصهاينة ، وما يشاع بشدة بوجود إسرائيلي في شمال العراق وما خفي كان أعظم ، وكل ما ذكرناه هي مؤشرات واضحة تنبئ بخطر عظيم على وحدة العراق أرضاً وشعباً وعلى علاقاته الخارجية والداخلية ولو مستقبلاً ، ثم أنها مظاهر وتحركات تؤكد على استقلالية الشمال وانفصاله عن العراق في سياساته المبنية على مصلحة الأكراد أولاً و آخراً ، ومع ذلك كله فهم يشاركون باقي العراقيين في حكم العراق بكل تفاصيله ، ولهم صلاحية توظيف أبنائهم في مؤسسات الدولة خارج منطقة إقليمهم ، بينما لا يحق لباقي العراقيين التوظيف في مؤسساتهم داخل إقليم الشمال ،والأنكى من ذلك تكون حكومة المركز ضعيفة اتجاه حكومة الإقليم إذن التقديرات المحسوبة للفدرالية بهذا الحجم وهذه الضخامة هي تقديرات خاطئة ولابد من إعادة النظر فيها جملةً وتفصيلا لأنها تشكل خطراً على مستقبل العراق ،هذا في جانب ، والجانب الآخر فيما لو قامت المحافظات السنّية بإنشاء إقليم( المثلث السني ) كإقليم واحد أو أقاليم متفرقة فأنّه سيتفاقم الخطر أكبر ،لأنها ستكون حاضنة كبيرة للإرهابيين وبقيادة الصداميين والتكفيريين بمعنى تأسيس أمارة (طالبان) كما يطمحون ويعدون بذلك ويأتي التمويل لهم من الدول العربية وغيرها لأسباب طائفية وسياسية وتبدأ تنظيماتهم وضغوطاتهم على إخواننا السنّة المعتدلين من أجل مشاركتهم في إثارة الفتنة الطائفية والغزوات الإرهابية على أبناء الشعب الواحد ،ويكون هذا الإقليم مصدراً للأزمات والتوترات والإرهاب الداخلي والخارجي ، وغير ملتزم بضوابط حكومة المركز ، والكلام في هذا طويل وله أبعاد كثيرة ، وحينئذٍ سنكون أمام خيارات ثلاثة : إما أن نتراجع عن فكرة الأقاليم أو ندخل في حروب دامية بين الأقاليم بذريعة التحرير وإعادة الوطن الموحد كما حصل الأمر في غزو الكويت من قبل الطاغية صدام أو تفرض الهيمنة الأستكبارية حلاً تدعي أنه الوسط بجعل الاستقلال والانفصال لهذه الأقاليم بعضها عن بعض لعدم قدرتها على التعايش السلمي وتضع قوات دولية بينهم وهكذا تستمر مسرحية الاحتلال عبر عقود من الزمان إلى أن تستكمل هذه القوات أهدافها ومصالحها الخاصة في المنطقة وتترك الخراب فيه ولا نعرف متى سيكون رحيلها؟وحينئذٍََ نسأل هل النظام الفدرالي يعتبر نظاماً صالحاً للتطبيق في العراق ؟
ولو سلّمنا جدلاً بهذا الطرح المعكوس (لأنّ الأصل في النظام الفدرالي هو توسيع الرقعة الجغرافية خارج حدود البلد وليس تقسيم البلد الواحد إلى أقاليم) .
وقبلنا بهذا الوضع وقلنا انه نظام إداري مدني والحكم الأولي فيه هو الجواز لخلوه شرعاً وقانوناً مما هو ضار ومحرم شرعاً وتعاملنا معه بحسن النية ، فمن يضمن لنا سلامة تطبيق هذا النظام مما هو محذور وضار ، علماً أنّ الحكومات المتعاقبة بعد سقوط نظام البعث البغيض ولمدة أربع سنوات لم تستطع إنجاز الوعود الكثيرة لقصورها عن ذلك أو تقصيرها ونخشى بقوة وبحذر شديد أن تكون الفدرالية ضمن سلسلة تلك الوعود والتي توقع الشعب في نفق مظلم ونعيش حالة التيه والضياع إلى أمدٍ غير معلوم والشعب لا طاقة له بهذه المخاطرة وهو يعيش يوميا ويشاهد حمامات الدم المستمرة والتهجير ألقسري الجماعي لالآف العوائل من أتباع أهل البيت (ع) ، وهل الفدرالية تضمن عودة ثلاثين ألف عائلة مهجرة إلى محل عملهم وسكناهم بسلامة وأمان ؟ أم أنهم يعيشون مشردين وغرباء في أوطانهم بذريعة الإرهاب وعدم قدرة الحكومة على الوصول إلى تلك الأماكن الساخنة ؟ ! أم هل تستطيع الفدرالية إيقاف نزيف الدم والأحزمة الناسفة والمفخخات ؟ وهل تتمكن من الأعمار والازدهار وتوفير الخدمات وتحسينها ومنح فرص عمل غير مشروطة بالانتماءات والو لاءات الحزبية ؟ وهل تستطيع الفدرالية أن تضمن تعايش الأقاليم فيما بينها بسلام وأمان وتعاون ومودة ؟ وووووووووووووغيرها من الأستفهامات الكثيرة التي تختلج في صدور المواطنين بدون أن تتذرع الحكومة بنفس الذرائع السابقة وغيرها عند التأخير أو البطء في تحقيق الوعود . بل أين هي حقوق الشيعة الذين يمثلون الأكثرية في البلاد . نحن نتمنى وندعوا دائماً للحكومات العراقية النجاح في مساعيها لخدمة الشعب وفي إيجاد مخرج سليم يطمئن الجميع ويبعث على الارتياح والنجاح الدائم وبنفس الوقت نرجو أن لا تحترق صورتها أمام الشعب بسبب القصور أو التقصير مما يؤديان إلى فقدان الثقة بين الحكومة والجماهير والعاقبة تكون وخيمة .
وهنا يمكن دراسة فرص النجاح والفشل للنظام الفدرالي مع الألتفات إلى حجم المخاطر والمكاسب لطبيعة هذا النظام بدراسة موضوعية جادة بعيدة عن المؤثرات الجانبية مع ملاحظة المصلحة العليا للشعب وموافقة الشر ع له .
ولكن نقول واقعاً إذا كان النزاع والقتال والتهجير أحد أسبابه تفعيل الدعوة والسعي الحثيث لإقامة النظام الفدرالي في عموم العراق ووجود ملازمة بينهما فكيف يمكن ترجيح جهة المكاسب على المخاطر بنسبة عالية تؤهل قيام هذا النظام مع أن أحد أسباب الخصومة قائم وموجود إضافة إلى اجتماع عناصر الحقد والفساد من الصدّاميين والتكفيريين والذين لم يُفعَّل في حقهم قانون اجتثاث البعث والإرهاب لضعف القضاء العراقي وانتشار الفساد الإداري وحدوث خر وقات كبيرة وواسعة في جميع مؤسسات الدولة وعلى أعلى المستويات ليشكلوا شبكة حاضنة
ودا عمة ومدافعة عن الإرهاب والإرهابيين بكل صراحة ووقاحة ،والأشدّ من ذلك تسلط الاحتلال وازدواجيته في التعامل مع السياسيين وعموم أبناء الشعب بما يخدم مصالحه الخاصة حتى لو يقتضي الأمر توسيع دائرة الفتن الطائفية وخلق الفوضى والقتال ليعيد ترتيب الوضع العام بما يتوافق مع مصالحه الشيطانية ، بمعنى لا أمان ولا استقرار ولا نظام مع وجود ألصدامي والتكفيري والمحتل ،فيكون التفكير بالفدرالية سابقاً لأوانه ، فكيف يمكن أن نهرب من هذا الواقع إلى واقع يمكن أن يكون أشدّ وأقسى لبقاء نفس الظروف وعناصر التخريب والفساد ؟

ولو سلّمنا بهذا الواقع مع مسايرة تطبيق النظام الفدرالي ، فأنّ الحاجة تكون قد اضطرتنا إلى فرض قوانين قاسية بحق أبنائنا منها مراجعة مكاتب الأقاليم في السفارة أو الجهة المخولة بمتابعة شؤون المواطنين وفرض قانون الفيزة أو الطلبية أو الجواز لمن يريد السفر أو التنقل بين الأقاليم بدعوى وذرائع شتى والتي منها حفظ الإقليم من المخربين والإرهابيين حتى تتوسع الحواجز لسن قوانين مجحفة بحق الشعب تؤدي إلى الحرج ، ثم لتحدث مقاطعة ونزاعات بين الأقاليم ولربما يصير الأمر والعياذ بالله إلى حروب أهلية بين الأقاليم وكوارث غير محسوبة ليتذرع بها من يرغب بالانفصال فيجعله سبباً وحقاً في التقسيم مكرهاً عليه ، والشعب حينئذ يكون هو الضحية ، وعندئذ تتحقق رغبة الاستكبار العالمي في إضعاف وتقسيم العراق وشعبه إلى طوائف وقوميات وأقليات خارجة عن طبيعتها ووطنيتها وبالتالي تنتصر إرادة الاستكبار العالمي وأذنابه في صناعة شرق أوسط جديد كما يحلموا به .
ثم لو أقرّ إقليم الوسط والجنوب وهو محسوب على الشيعة الذين طالما نالتهم يد الغدر والظلم والإقصاء والأبادة عبر التأريخ والى يومنا هذا بسبب ولائهم لأهل بيت النبوة عليهم الصلاة والسلام ويدفعون دائماً ضريبة حبهم وولائهم لهذا البيت الطاهر الذي أمرنا الله تعالى بمودتهم ومحبتهم والولاء لهم بنص القرآن والسنّة ونحمده تعالى على ما انعم علينا بنعمة الولاية ، ونحن صابرون بمشيئة الله تعالى على تحمل هذه المسؤولية ولكن بنفس الوقت الشيعة عموماً يبحثون جادين عن السلام والأمان والاستقرار والاطمئنان والحكومة الوطنية العادلة التي ينعمون في ظلّها بالعدالة والحرية والحياة الكريمة والازدهار ولهم الحق الكبير في ذلك لدوافع وحقوق إنسانية وسيادية في وطنهم ، كما أنه يفترض العمل على توسيع المساحة الجغرافية والقاعدة الجماهيرية الواعية الممهدة لعصر ظهور الأمام (عجل الله فرجه الشريف) ،بحيث لايتم التفريط بشبر من أرض العراق من أقصاه إلى أقصاه وتحت حاكمية وطنية عادلة وقوية دون الانحسار في بقعة جغرافية ضيّقة والحاكمية تكون فيها (قلقة) لأسباب كثيرة ، ومع ذلك فانّ الفدرالية التي يصفها الآخرون بأنها شيعية وسيفرضون عليها ضرائب ظالمة وقاسية ، هل تمتلك خطة استراتيجية لحماية الشيعة في عموم العراق كما في الموصل وكركوك وصلاح الدين وديالى والأنبا ر وبغداد وبعض المدن العراقية ؟ ، ثم هل بالأمكان معالجة ملف المهجرين وإرجاعهم إلى أوطانهم معززين مكرمين محميين ؟ ، أم سنبني لهم مستوطنات في الوسط والجنوب ليزداد ويتضاعف حينئذٍ التهجير وتحت ذرائع شتى كما هو شأن الفلسطينيين ؟ ، أم أننا نقبل بسياسة تغيير خارطة العراق ديمغرافياً لجعل شمال العراق خالصاً للأكراد ، والمثلث السنّي وما يتبعها خالصاً للسنّة ، والوسط والجنوب خالصاً للشيعة ، وبغداد تصبح قاعدة للصراع والبقاء فيها للأقوى ؟ وهذا هو التقسيم بعينه الذي يرفضه الإسلام ويسعى الاحتلال لفرضه ولو بالقوة على المدى المنظور أو غير المنظور ضمن خارطة شرق أوسط جديد . وهذه التساؤلات يستطيع أن يجيب عنها كل عراقي من خلال معايشته ومشاهدته للواقع العراقي وكثرة الوعود فيه ، ولا توجد أي ضمانات واقعية يمكن طرحها والاعتماد عليها وذلك لتسلط الاحتلال على منافذ صنع القرار السياسي والعسكري والاقتصادي ، وتردي الأوضاع الأمنية في عموم العراق ، ولذا فالحكومة واقعة بين خيارين إما أن توصف بكونها قاصرة لما ذكرنا أو مقصرة وكلاهما يعجزان عن إعطاء ضمانات حقيقية للشعب العراقي .

فإذا حصل الأمر بهذا الشكل أو يحتمل حدوثه احتمالاً عقلائياً معتداً به ولو بصورة أقل حدّية مما هو مذكور فانّه سيكون كفيلاً لأن يقلب الحكم الأولي الذي فرضناه وهو الجواز إلى الحرمة ، لحاكمية العناوين الثانوية على الأولية ، وتبعاً لذلك يكون العمل والدعوة إلى النظام الفدرالي محرماً وباطلاً .
ولو لم يكن الأمر بهذه الخطورة ، فانّ التصرف بالبلاد وموارده مما لا يصار إلى غير أهله وحينئذٍ لابد من الرجوع إلى المرجعية الدينية في النجف الأشر ف لحسم الخلاف والقطع به إما بالجواز وإما بعدمه ، لتتضح صورة العاملين تحت غطاء شرعي ومن لا يعمل ، حتى تكون خطوط عمل العاملين واضحة ومفروزة عن الآخرين وكما هو مشهور عن كاشف الغطاء (ره) وهو أحد الشواهد ، انه نصب صريحاً " فتح علي شاه " سلطاناً على إيران وأعطاه الأجازة في تولية هذا المنصب . لأنه كما هو معلوم لا يكون في هذا المنصب في عصر الغيبة إلا فقيه ،أو وكيله الخاص ممن يسترشد برأي الفقيه ، أو غاصب معتدي ولكي تكون التصرفات شرعية للمتصدين لحكم العراق لا بد من تحصيل إجازة المرجعية الدينية وعدم القطع بالقضايا العراقية المصيرية مالم يعلم صراحةً تأييد المرجعية لذلك ، وليس هناك اليوم أخطر من موضوع
( الفدرالية ) والتصرفات المالية .
ثم انّنا جميعاً تضررنا وعانينا من ظلم صدام وزبانيته العبيد بالقهر والحبس والاضطهاد والإعدام والى الآن المعاناة مستمرة وقاسية حتى استشهد والدي الحجة المجاهد السيد كمال الدين المقدس الغر يفي (قدست نفسه الزكية ) بتاريخ 1\ 7\ 2005 م على أيدي التكفيريين والصداميين قاتلهم الله تعالى ،وقد أصابنا لذلك وغيره من المظالم ما لا يعلمه إلا الله وبعض الخيرين ، فكلنا إذن نبحث عن الخلاص والمخرج الصحيح والسليم مما نحن فيه ، ولكن هل الأنجرار والتأييد لتأسيس أقاليم فدرالية لأسباب عاطفية كما هي رغبة بعض العوام أو الساسة أو نتيجة مؤثرات خارجية تكون مسوغاً شرعياً وعقلائياً لقبول هذا العمل بعدما أوضحنا بعض الجوانب السلبية وما سيأتي بيانه .
ثم إن البلد الواحد وفي مثل هذه الظروف العصيبة والأليمة والتدخلات الخارجية من المحتلين وغيرهم حريٌٌِّ بأن يجمع المكونات العراقية بتنوعهم برباط الأخوة الوطنية التي تلغي الفوارق والعصبيات تحت حكومة موحدة قوية قادرة على دحر الإرهاب ، ونظام واحد يستطيع إدارة جميع البلاد ، ودستور أصيل يحفظ الحقوق للجميع .
ويتضح من خلال ما بيّناه إن الفدرالية في وضعنا الراهن لا تحمي الجميع ، وليست بعلاج للتوترات والأزمات والاختناقات مادام الخلل موجوداً وباقياً في الإنسان التكفيري والصدامي والانتهازي النفعي ، والعميل التابع لإرادة المحتل ، ومن يؤمن بانّ التنوع في الشعب العراقي سبباً راجحاً لصنع الفدرالية فانه يقع في الخطأ من جهة المنظور الديني والوطني لأنهما أقوى عنصرين في ربط وتقوية أواصر الشعب الرافضة لتقنين عمليات الفصل والعزلة بين أبناء الشعب الواحد ولو بنحو تدريجي ، بل التنوع والتداخل بين أبناء الشعب الواحد في جميع مناطق العراق يقوي من وحدة العراقيين بنسبة عالية ، بينما الفصل يضعف من هذه الوحدة ويقلل نسبة التلاحم بينهم ، ثم إن المكون الواحد داخل الشعب لا ينحصر في بقعة جغرافية واحدة حتى يمكن أن تتزايد نسبة المنفعة بالفدرالية ولكن أبناء المكون الواحد ينتشرون في عموم العراق فإذا حصل الانعزال في مساحة جغرافية محددة وأعلنوا إقليما لهم فسوف تنفصل هذه الأسر عن بعضها البعض ، وتتضاعف نسبة التهجير ألقسري كما ذكرنا أكثر مما عليه الآن والتي وصلت بحسب إحصائية وزارة الهجرة والمهجرين إلى ثلاثين ألف عائلة ولا يزال التهجير ألقسري مستمراً مع عجز الحكومة العراقية لأ يجاد مخرج ينقذ هذا التشريد الجماعي والذي يعتبر كارثةً إنسانية ، أو الحد منه ، ويزداد هذا الضغط على الشعب داخل الأقاليم بدوافع طائفية أو صدامية وتكفيرية أو عنصرية ليكونوا غرباء في أوطانهم . ولا تستطيع حكومة المركز مواجهة الموقف مباشرة لأنها ضعيفة دستوراً وقانوناً اتجاه حكومة الإقليم ، ولكنها تبدأ مخاطبات بين الحكومتين والتي لا تضر ولا تنفع ، لأنه ربما يكون حكومة الإقليم تمارس بنفسها إرهابا ممنهجاً وهو ما يحتمل قوياً حدوث مثل هذه الجرائم الممولة والمدعومة حتى من جهات خارجية ناهيك عن دور الاحتلال في ممارسة هذه اللعبة ، وبالتالي تضطر باقي الأقاليم لممارسة نفس هذا الأسلوب كرد فعل ، لتتوسع حينئذٍ دائرة التحدي والعناد إلى حروب يكون الشعب ضحية هذه السياسات الخاطئة ،فتزداد مأساة العراقيين وآلامهم .
وعليه ما يحتاجه الشعب العراقي اليوم هو حكومة وطنية أمينة وعادلة وقوية لشعب واحد وأرض واحدة ، وقضاء عادل وشجاع ، وأجهزة أمنية صالحة ونزيهة ومستقلة ، وجيش نظامي وطني مستقل ، ويُفترض ونحن نعيش في العراق (عصر الإرهاب ) أن لا ترفع شعارات غير صالحة للتطبيق كالديمقراطية ونحن أمام الإرهاب ، واستقلال القضاء وهو ضعيف وأمامه فساد كبير من الرشاوى حتى عرفت إحدى المحاكم
( بمحكمة الدفاتر العليا ) ، واستعمال صيغة( التوافق ) وهي تستغل كمحاصَّة ومساومة والتي هي احد أسباب العقم لأي نتاج حكومي ، ومصالحة وطنية يعقبها إفراج عن الإرهابيين ودخول في الحكومة لأجل إرضاء فلان وفلان ، في حين أن هذا وغيره هو اختراق ونخر في بنية الحكومة ، فانّ الإرهاب يستفيد من كل هذه المفردات ويحتمي بها ، لأنّه لا يؤمن بهذه المفاهيم ولديه أهداف ونحن نتحاور معه كحوار الطرشان ،
وبالتالي هذه الحكومة الصالحة العادلة والواعية والقوية هي التي ترعى الحقوق وتجمع المكونات الدينية المختلفة والمتخالفة والقوميات والأقليات برباط مقدّس وهو (الوطن) وتحارب بؤر الإرهاب وحاضنيه أينما حل وتمنع الفساد بكل أشكاله داخل الدولة وخارجها وهذه الحكومة الفعلية التي تحكم جميع العراق حكماً موحداً تكون أقوى وأفضل وأهيب وأقرب إلى الواقع الشرعي من حكومة الأقاليم والتي تكون فيها حكومة المركز صورية ، وعليه ينبغي أن نتمتع بالوعي وبُعد النظر والقوة والشجاعة والصبر ولا نخاف في الله لومة لائم لنبسط حاكميتنا العادلة على جميع ارض العراق ولا نفسح المجال للصداميين والتكفيريين والنفعيين من العبث والإفساد بأرض العراق والسيطرة على أجزاء منه بواسطة القانون والدستور تحت عنوان الفدرالية ، ونكون بعد ذلك قد مكنّاهم وجنينا على أنفسنا ، كالذي أولد سبب شقائه وفنائه.
ولا يخفى على أحد أنّ ما يتأثر بالنظام الفدرالي أيضا هو مرقد الإمامين العسكريين (عليهم السلام) والسيدتين حكيمة ونرجس (رض) ومقام الأمام الحجة بن الحسن (عج) في سامراء ، وكذا مرقد السيد الجليل(سيد محمد) (ع) والمعروف عنه بسبع الدجيل في منطقة بلد ، وما تمتاز هذه الأضرحة من تعظيم وتقديس ورموز طاهرة عند المسلمين وخصوصاً عند أتباع أهل البيت (ع) باعتبار العسكريين(ع) والإمام المهدي (عجل الله فرجه ) أئمة معصومين عندهم يمثلون تسلسل الأئمة – العاشر والحادي عشر والثاني عشر – فنقول حينئذٍ : لمن سيخضع أمر هذه الأضرحة المقدّسة ؟ ولأي إقليم يتبع ؟ وهل نتبرع به إلى الآخرين بمقتضى حاكميتهم للإقليم الذي تكون الأضرحة الطاهرة ضمن حدود جغرافيته ؟ ثم نتسامح ليقوم الإرهابيون بجعلها مرتعاً لهم ويستفيدوا من خيراتها ثمّ يفجروها وقت ما يشاءون بأسلوب بعيد عن الإنسانية والتحضر والأخلاق والتي هي تعبير واضح عن سلوكية المجرمين القتلة الذين يحاربون أولياء الله تعالى وأئمة المسلمين في حياتهم ويحرثون ويفجرون قبورهم المقدسة بعد استشهادهم كما فعل المتوكل العباسي ألناصبي وصدام المجرم وأزلامه والتكفيريون ، وهكذا هم الأحفاد والأتباع اليوم يمارسون نفس الدور في محاربة أتباع أهل البيت (ع) ويستعملون معهم سياسة الإقصاء ومصادرة الحقوق والقتل والتهجير ألقسري . أم تكون هذه المراقد المقدسة موضع نزاع يثير دائما التوتر ويزيد من الاحتقان ؟ أم انه يخضع إلى وزارة الأوقاف الموحدة ؟ أو الوقف الشيعي ؟ بحيث يمكن إن يأخذ طابعه الديني الصحيح في الإدارة والحماية والأذان والصلاة وحماية الزائرين له ضمن حكومة وطنية قوية موحدة . وما يثير العجب والسخرية اليوم هو صيرورة أحد مراقد الأئمة الأطهار (ع) مديوناً بأكثر من مليار دولار أمريكي ، فأين إذن واردات الأمام (ع) وأوقافه ؟ بل أين دور الأوقاف والتي خزينتها تزيد على ميزانية دولة؟
ولكي لا نطيل عليكم فانّ محصل ما ذكرنا هو أنّنا في المرحلة الأولى ،جعلنا النظام الاتحادي الفدرالي بحسب الحكم الأولي وعلى نحو التنزيل الجدلي والفرضي هو الجواز والحلّية بالشكل العام ولكن لمّا كانت العناوين الثانوية متوافرة ومتراكمة لاعتقاد الخطر والضرر البالغين والثابتين بالحس والمشاهدة كما هو واضح ولا أقل من منح وتمكين الإرهاب لأرض وقاعدة وحصانة يستغلوها للغزو والإفساد ، وهذا المنح والعطاء محرم بأقل مراتبه ، ولذا فأنّ هذه العناوين الثانوية كفيلة لئن تقلب الحكم الأولي بالجواز إلى الحكم الثانوي وهي الحرمة .
وأما المرحلة الثانية ، فانّ النظام الاتحادي الفدرالي مبني على الاتساع وليس التقسيم بناءً على ماهو ثابت في السيرة العقلائية والمتشرعية كما أوضحنا ذلك ، والتعدي من الاتساع إلى التضييق والتقسيم خلاف الأصل فيحتاج إلى دليل ،كما أنّ المصلحة العليا تقتضي بالبقاء على الأصل إضافة إلى إن هذا النظام الثابت بأدلة لبِّية فأنّه يقتصر فيه على القدر المتيقن وهو حالة التوسع وخلاف هذا يحتاج إلى دليل كما بيّنا ،وأكثر من هذا أن الفدرالية كنظام يمنح الإرهابيين والصداميين والعلمانيين وعملاء المحتل من استلام زمام الحكم في أقاليمهم وتحت ايِّ ظروف كانت ، آنية أو مستقبلية ، ويتسترون تحت ايِّ غطاء إذا اقتضت الضرورة ذلك فيكون هذا النظام مخالفا لخطوط حاكمية الإسلام على الساحة العالمية لأنّه يمكّن أعداء الإسلام من الحكم على الأرض ، كما انّه يتسامح ويفرط بحقوق الشيعة وهم الأكثرية في عموم العراق ، وهذا ضد مصلحة الإسلام والمسلمين .
وامّا المرحلة الثالثة ، فأنّه إذا استطاع الطرف الآخر إثبات عكس ما ثبت لدينا من حرمة وبطلان هذا النظام ، واثبات العكس احتمال في غاية الضعف ، فأنه سيواجه قضية التصرف بالبلاد والتي منها الفدرالية والتقسيم الجغرافي والأموال العامة وهذا التصرف بطبيعة الحال يحتاج إلى غطاء شرعي صريح من المرجعية الدينية في النجف الاشرف بمقتضى ولاية الفقيه على تلك الأمور ، وهذه الولاية كما بيّناها في كتابنا (نقض الحكم ألولائي) هي ولاية اتساعية تدريجية تتسع تدريجياً بمقتضى الحاجة الضرورية لها ولا تصل إلى مرتبة الولاية الكاملة التي هي لله سبحانه وللرسول (ص) والأئمة (ع) ، والولاية العامّة للفقهاء هي محض ادعاء ومجاز لأن العموم فيها ناقص بمراتب عظيمة ولا يمكن تدارك ذلك النقص والوصول إلى المرتبة الكاملة حتى بمراحل الأتساع والتدرج ، فالخلاف عند الفقهاء في مبانيهم الفقهية بين الولاية الخاصة والعامة هو لفظي ، لأنهم في مقام التطبيق والعمل والحاكمية لا يفرقون بينهما ، حيث لا يبقى الفقيه مكتوف اليد اتجاه المستحدثات من المسائل وتحديد أحكام الموضوعات، وإيجاد حلول ومخارج فقهيه لمعالجة الحوادث والأزمات ، ولا يعطل أو يعلق الفقيه تطبيق الأحكام والحدود في مرحلة بسط اليد (الحاكمية) إلى ظهور الأمام (عج) لأنّ هذا يُعدّ من القصور أو التقصير وحاشا فقهائنا الذين تستجمع فيهم الشرائط أن يصلوا إلى هذه المرحلة مع قدرتهم على التطبيق والتنفيذ ، لما عرف عن الجميع بالتقوى والصلاح فتأملوا هذا بشكل منصف.
وندعوا الله سبحانه وتعالى دائماً الخلاص من الصداميين والتكفيريين وقوى الاحتلال فإنهم رموز الشر والإرهاب في العراق و العالم ، ونبتهل إلى ألعلي القدير أن يحفظ العراق ووحدته أرضاً وشعباً ، وينعم عليه بالسلام والأمان والازدهار وحكومة وطنية عادلة وقوية وشجاعة آمين رب العالمين ، وصلّي اللهم على سيدنا محمد الأكرم وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين وصحبه المنتجين .


أبو الحسن
حميد المقدّس الغريفي
النجف الأشرف
1- جمادى الآخرة- 1427 هجري


آخر تعديل abo _mohammed يوم 09-01-2006 في 07:43 PM.
رد مع اقتباس
قديم 09-01-2006, 07:48 PM   رقم المشاركة : 3
الكاتب

abo _mohammed

المشــرف العــــام

abo _mohammed غير متواجد حالياً


الملف الشخصي









abo _mohammed غير متواجد حالياً


مشاركة: البداية والنهاية الجزء الرابع عشر

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


اهلا وسهلا اخونا عابدين مشكور على المشاركه شكرا

ودائما في انتطار مشاركاتكم


التوقيع :



قال تعالى :
{وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ}
[فصلت:33]






رد مع اقتباس
قديم 09-01-2006, 07:55 PM   رقم المشاركة : 4
الكاتب

أفاق : الاداره

مراقب

مراقب

أفاق : الاداره غير متواجد حالياً


الملف الشخصي









أفاق : الاداره غير متواجد حالياً


مشاركة: البداية والنهاية الجزء الرابع عشر

تتمة الملف البداية والنهاية الجزء الرابع عشر جزءنا الملف لصعوقبة التصفح وسنجزء الباقي


محمد بن سليمان بن حمايل بن علي المقدسي المعروف بابن غانم وكان من اعيان الناس وأكثرهم مروءة ودرس بالعصرونية توفي وقد جاوز الثمانين كان من الكتاب المشهورين المشكورين وهو والد الصدر علاء الدين بن غانم
*3* الشيخ جمال الدين ابو محمد

@ عبد الرحيم بن عمر بن عثمان الباجريقي الشافعي اقام مدة بالموصل يشتغل ويفتى ثم قدم دمشق عام قازان فمات بها وكان قد أقام بها مدة كذلك ودرس بالقليجية والدولعية وناب في الخطابة ودرس بالغزالية نيابة عن الشمس الأيكي وكان قليل الكلام مجموعا عن الناس وهو والد الشمس محمد المنسوب الى الزندقة والانحلال وله اتباع ينسبون الى ما ينسب اليه ويعكفون على ما كان يعكف عليه وقد حدث جمال الدين المذكور بجامع الأصول عن بعض اصحاب مصنفات ابن الأثير وله نظم ونثر حسن والله سبحانه اعلم

*2* ثم دخلت سنة سبعمائة من الهجرة النبوية

@
استهلت والخليفة والسلطان ونواب البلاد والحكام بها هم المذكورون في التي قبلها غير الشافعي والحنفي ولما كان ثالث المحرم جلس المستخرج لاستخلاص اجرة اربعة أشهر عن جميع أملاك الناس وأوقافهم بدمشق فهرب اكثر الناس من البلد وجرت خبطة قوية وشق ذلك على الناس جدا
وفي مستهل صفر وردت الأخبار بقصد التتر بلاد الشام وأنهم عازمون على دخول مصر فانزعج الناس لذلك وازدادوا ضعفا على ضعفهم وطاشت عقولهم وألبابهم وشرع الناس في الهرب الى بلاد مصر والكرك والشوبك والحصون المنيعة فبلغت الحمارة الى مصر خمسمائة وبيع الجمل بألف والحمار بخمسمائة وبيعت الأمتعة والثياب والمغلات بأرخص الأثمان وجلس الشيخ تقي الدين ابن تيمية في ثاني صفر بمجلسه في الجامع وحرض الناس على القتال وساق لهم الآيات والأحاديث الواردة في ذلك ونهى عن الإسراع في الفرار ورغب في إنفاق الاموال في الذب عن المسلمين وبلادهم وأموالهم وأن ما ينفق في اجرة الهرب اذا انفق في سبيل الله كان خيرا واوجب جهاد التتر حتما في هذه الكرة وتابع المجالس في ذلك ونودي في البلاد لا يسافر احد إلا بمرسوم وورقة فتوقف الناس عن السير وسكن جأشهم وتحدث الناس بخروج السلطان من القاهرة بالعساكر ودقت البشائر لخروجه لكن كان قد خرج جماعة من بيوتات دمشق كبيت ابن صصرى وبيت ابن فضل الله وابن منجا وابن سويد وابن الزملكاني وابن جماعة
وفي اول ربيع الآخر قوى الارجاف بأمر التتر وجاء الخبر بأنهم قد وصلوا الى البيرة ونودي
في البلد ان تخرج العامة مع العسكر وجاء مرسوم النائب من المرج بذلك فاستعرضوا في أثناء الشهر فعرض نحو خمسة آلاف من العامة بالعدة والاسلحة على قدر طاقتهم وقنت الخطيب ابن جماعة في الصلوات كلها واتبعه ائمة المساجد وأشاع المرجفون بأن التتر قد وصلوا الى حلب وأن نائب حلب تقهقر الى حماة ونودي في البلد يتطييب قلوب الناس واقبالهم علىمعايشهم وان السلطان والعساكر واصلة وأبطل ديوان المستخرج وأقيموا ولكن كانوا قد استخرجوا أكثر مما أمروا به وبقيت بواقي على الناس الذين قد اختفوا فعفى عما بقي ولم يرد ما سلف لا جرم ان عواقب هذه الأفعال خسر ونكر وأن اصحابها لا يفلحون ثم جاءت الأخبار بان سلطان مصر رجع عائدا الى مصر بعد ان خرج منها قاصدا الشام فكثر الخوف واشتد الحال وكثرت الامطار جدا وصار بالطرقات من الأوحال والسيول ما يحول بين المرء وبين ما يريده من الانتشار في الأرض والذهاب فيها فإنا لله وانا إليه راجعون

وخرج كثير من الناس خفافا وثقالا يتحملون بأهليهم وأولادهم والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون وجعلوا يحملون الصغار في الوحل الشديد والمشقة على الدواب والرقاب وقد ضعفت الدواب من قلة العلف مع كثرة الأمطار والزلق والبرد الشديد والجوع وقلة الشيء فلا حول ولا قوة الا بالله
واستهل جمادي الاولى والناس على خطة صعبة من الخوف وتأخر السلطان واقترب العدو وخرج الشيخ تقي الدين بن يتيمة رحمه الله تعالى في مستهل هذا الشهر وكان يوم السبت الى نائب الشام في المرج فثبتهم وقوى جأشهم وطيب قلوبهم ووعدهم النصر والظفر على الأعداء وتلا قوله تعالى ومن عاقب بمثل ما عوقب به ثم بغى عليه لينصرنه الله إن الله لعفو غفور وبات عند العسكر ليلة الاحد ثم عاد الى دمشق وقد سأله النائب والامراء ان يركب على البريد الى مصر يستحث السلطان على المجيء فساق وراء السلطان وكان السلطان قد وصل الى الساحل فلم يدركه الا وقد دخل القاهرة وتفارط الحال ولكنه استحثهم على تجهيز العساكر الى الشام إن كان لهم به حاجة وقال لهم فيما قال ان كنتم اعرضتم عن الشام وحمايته أقمنا له سلطانا يحوطه ويحميه ويستغله في زمن الأمن ولم يزل بهم حتى جردت العساكر الى الشام ثم قال لهم لو قدر انكم لستم حكام الشام ولا ملوكه واستنصركم أهله وجب عليكم النصر فكيف وأنتم حكامه وسلاطينه وهم رعايتكم وانتم مسؤلون عنهم وقوى جأشهم وضمن لهم النصر هذه الكرة فخرجوا الى الشام فلما تواصلت العساكر الى الشام فرح الناس فرحا شديدا بعد ان كانوا قد يئسوا من أنفسهم وأهليهم وأموالهم ثم قويت الأراجيف بوصول التتر وتحقق عود السلطان الى مصر ونادى ابن النحاس متولي البلد في الناس من قدر على السفر فلا يقعد بدمشق فتصايح النساء والولدان ورهق الناس
ذلة عظيمة وخمدة وزلولوا زلزالا شديدا وغلقت الاسواق وتيقنوا ان لا ناصر لهم الا الله عز وجل وأن نائب الشام لما كان فيه قوة مع السلطان عام اول لم يقو على التقاء جيش التتر فكيف به الآن وقد عزم على الهرب ويقولون ما بقي اهل دمشق الا طعمة العدو ودخل كثير من الناس الى البراري والقفار والمغر بأهليهم من الكبار والصغار ونودي في الناس من كانت نيته الجهاد فليلحق بالجيش فقد اقترب وصول التتر ولم يبق بدمشق من أكابرها الا القليل وسافر ابن جماعة والحريري وابن صصرى وابن منجا وقد سبقهم بيوتهم الى مصر وجاءت الاخبار بوصول التتر الى سرقين وخرج الشيخ زين الدين الفارقي والشيخ إبراهيم الرقي وابن قوام وشرف الدين بن تيمية وابن خبارة الى نائب السلطنة الافرم فقووا عزمه على ملاقاة العدو واجتمعوا بمهنا امير العرب فحرضوه على قتال العدو فأجابهم بالسمع والطاعة وقويت نياتهم على ذلك وخرج طلب سلار من دمشق الى ناحية المرج واستعدوا للحرب والقتال بنيات صادقة
ورجع الشيخ تقي الدين بن تيمية من الديار المصرية في السابع والعشرين من جمادي الأولى على البريد وأقام بقلعة مصر ثمانية أيام يحثهم على الجهاد والخروج الى العدو وقد اجتمع بالسلطان والوزير وأعيان الدولة فأجباوه الى الخروج وقد غلت الاسعار بدمشق جدا حتى بيع خاروفان بخمسمائة درهم واشتد الحال ثم جاءت الاخبار بأن ملك التتار قد خاض الفرات راجعا عامة ذلك لضعف جيشه وقلة عددهم فطابت النفوس لذلك وسكن الناس وعادوا الى منازلهم منشرحين آمنين مستبشرين ولما جاءت الأخبار بعدم وصول التتار الى الشام في جمادي الأخرة تراجعت أنفس الناس اليهم وعاد نائب السلطنة الى دمشق وكان مخيما في المرج من مدة أربعة أشهر متتابعة وهو من اعظم الرباط وتراجع الناس الى أوطانهم وكان الشيخ زين الدين الفارقي قد درس بالناصرية لغيبة مدرسها كمال الدين بن الشريشني بالكرك هاربا ثم عاد اليها في رمضان وفي أواخر الشهر درس ابن الزكي بالدولعية عوضا عن جمال الدين الزرعي لغيبته وفي يوم الاثنين قرئت شروط الذمة على أهل الذمة وألزموا بها واتفقت الكلمة على عزلهم عن الجهات وأخذوا بالصغار ونودي بذلك في البلد وألزم النصارى بالعمائم الزرق واليهود بالصفر والسامرة بالحمر فحصل بذلك خير كثير وتميزوا عن المسلمين وفي عاشر رمضان جاء المرسوم بالمشاركة بين أرجواش والأمير سيف الدين اقبجا في نيابة القلعة وأن يركب كل واحد منهما يوما ويكون الآخر بالقلعة يوما فامتنع ارجواش من ذلك
وفي شوال درس بالاقبالية الشيخ شهاب الدين بن المجد عوضا عن علاء الدين القونوي بحكم إقامته بالقاهرة وفي يوم الجمعة الثالث عشر من ذي القعدة عزل شمس الدين بن الحريري عن قضاء الحنفية بالقاضي جلال الدين بن حسام الدين على قاعدته وقاعدة أبيه وذلك باتفاق من
الوزير شمس الدين سنقر الأعسر ونائب السلطان الأفرم وفيها وصلت رسل ملك التتار الى دمشق فأنزلوا بالقلعة ثم ساروا الى مصر وممن توفي فيها من الاعيان
*3* الشيخ حسن الكردي
@ المقيم بالشاغور في بستان له يأكل من غلته ويطعم من ورد عليه وكان يزار فلما احتضر اغتسل وأخذ من شعره واستقبل القبلة وركع ركعات ثم توفي رحمه الله يوم الاثنين الرابع جمادي الاولى وقد جاوز المائة سنة
*3* الطواشي صفي الدين جوهر التفليسي
@ المحدث اعتنى بسماع الحديث وتحصيل الأجزاء وكان حسن الخلق صالحا لين الجانب رجلا حاميا زكيا ووقف أجزاءه التي ملكها على المحدثين
*3* الأمير عز الدين
@ محمد بن ابي الهيجاء بن محمد الهيدباني الأربلي متولي دمشق كان لديه فضائل كثيرة في التواريخ والشعر وربما جمع شيئا في ذلك وكان يسكن بدرب سعور فعرف به فيقال درب ابن أبي الهيجاء وهو أول منزل نزلناه حين قدمنا دمشق في سنة ست وسبعمائة ختم الله لي بخير في عافية آمين توفي ابن ابي الهيجاء في طريق مصر وله ثمانون سنة وكان مشكور السيرة حسن المحاضرة
*3* الأمير جمال الدين آقوش الشريفي
@ والي الولاة بالبلاد القبلية توفي في شوال وكانت له هيبة وسطوة وحرمة
*2* ثم دخلت سنة إحدى وسبعمائة
@ استهلت والحكام هم المذكورون في التي قبلها والأمير سيف الدين سلار بالشام ونائب دمشق الأفرم وفي أولها عزل الامير قطلبك عن نيابة البلاد الساحلية وتولاها الأمير سيف الدين استدمر وعزل عن وزارة مصر شمس الدين الأعسر وتولي سيف الدين أقجبا المنصوري نيابة غزة وجعل عوضه بالقلعة الامير سيف الدين بهادر السيجري وهو من الرحبة وفي صفر رجعت رسل ملك التتر من مصر الى دمشق فتلقاهم نائب السلطنة والجيش والعامة وفي نصف صفر ولي تدريس النورية الشيخ صدر الدين على البصراوي الحنفي عوضا عن الشيخ ولي الدين السمرقندي وإنما كان وليها ستة أيام ودرس بها أربعة دروس بعد بني الصدر سليمان توفي وكان من كبار الصالحين يصلي كل يوم مائة ركعة وفي يوم الأربعاء تاسع عشر ربيع الأول جلس قاضي القضاة وخطيب الخطباء بدر الدين بن جماعة بالخانقاه الشمساطية شيخ الشيوخ بها عن طلب الصوفية له بذلك ورغبتهم فيه وذلك بعد وفاة الشيخ يوسف بن حمويه الحموي وفرحت الصوفية به وجلس حوله ولم تجتمع هذه المناصب لغيره قبله ولا بلغنا انها اجتمعت الى احد بعده الى زماننا هذا القضاء والخطابة ومشيخة الشيوخ وفي يوم الاثنين الرابع والعشرين من ربيع الأول وقتل الفتح احمد بن الثقفي بالديار المصرية حكم فيه القاضي زين الدين بن مخلوف المالكي بما ثبت عنده من تنقيصه للشريعة واستهزائه بالآيات المحكمات ومعارضة المشتبهات بعضها ببعض يذكر عنه انه كان يحل المحرمات من اللواط والخمر وغير ذلك لمن كان يجتمع فيه من الفسقة من الترك وغيرهم من الجهلة هذا وقد كان له فضيلة وله اشتغال وهيئة جميلة في الظاهر وبزته ولبسته جيدة ولما أوقف عند شباك دار الحديث الكاملية بين القصرين استغاث بالقاضي تقي الدين بن دقيق العيد فقال ما تعرف مني فقال اعرف منك الفضيلة ولكن حكمك الى القاضي زين الدين فأمر القاضي للوالي ان يضرب عنقه فضرب عنقه وطيف برأسه في البلد ونودي عليه هذا جزاء من طعن في الله ورسوله قال البرزالي في تاريخه وفي وسط شهر ربيع الأول ورد كتاب من بلاد حماة من جهة قاضيها يخبر فيه انه وقع في هذه الأيام ببارين من عمل حماة برد كبار على صور حيوانات مختلفة شقى سباع وحيات وعقارب وطيور ومعز ونساء ورجال في أوساطهم حوائص وأن ذلك ثبت بمحضر عند قاضي الناحية ثم نقل ثبوته الى قاضي حماة وفي يوم الثلاثاء عاشر ربيع الأخر شنق الشيخ على الحويرالي بواب الظاهرية على بابها وذلك انه اعترف بقتل الشيخ زين الدين السمرقندي وفي النصف منه حضر القاضي بدر الدين بن جماعة تدريس الناصرية الجوانية عوضا عن كمال الدين ابن الشريشي ودلك انه ثبت محضر انها لقاضي الشافعية بدمشق فانتزعها من يد ابن الشريشي وفي يوم الثلاثاء التاسع والعشرين من جمادي الاولى قدم الصدر علاء الدين بن شرف الدين بن القلانسي على أهله من التتر بعد أسر سنتين وأياما وقد حبس مدة ثم لطف الله به وتلطف حتى تخلص منهم ورجع الى أهله ففرحوا به
وفي سادس جمادي الآخرة قدم البريد من القاهرة وأخبر بوفاة أمير المؤمنين الخليفة الحاكم بأمر الله العباسي وأن ولده ولي الخلافة من بعده وهو أبو الربيع سليمان ولقب بالمستكفي بالله وأنه حضر جنازته الناس كلهم مشاة ودفن بالقرب من الست نفيسة وله اربعون سنة في الخلافة وقدم مع البريد تقليد بالقضاء لشمس الدين الحريري الحنفي ونظر الدواوين لشرف الدين بن مزهر واستمرت الخاتونية الجوانية بيد القاضي جلال الدين بن حسام الدين بإذن نائب السلطنة وفي يوم الجمعة تاسع جمادي الآخرة خطب للخليفة المستكفي بالله وترحم على والده بجامع دمشق واعيدت الناصرية الى ابن الشريشي وعزل عنها ابن جماعة ودرس بها يوم الأربعاء الرابع عشر من جمادي الآخرة وفي شوال قدم الى الشام جراد عظيم اكل الزرع والثمار وجرد الاشجار حتى صارت مثل العصى ولم يعهد مثل هذا وفي هذا الشهر عقد مجلس لليهود الخيابرة وألزموا باداء الجزية أسوة أمثالهم من اليهود فأحضروا كتابا معهم يزعمون انه من رسول الله صلى الله عليه وسلم بوضع الجزية عنهم فلما وقف عليه الفقهاء تبينوا انه مكذوب مفتعل لما فيه من الألفاظ الركيكة والتواريخ المحبطة واللحن الفاحش وحاققهم عليه شيخ الاسلام ابن تيمية وبين لهم خطأهم وكذبهم وأنه مزور مكذوب فأنابوا الى أداء الجزية وخافوا من ان تستعاد منهم الشئون الماضية قلت وقد وقفت انا على هذا الكتاب فرأيت فيه شهادة سعد بن معاذ عام خيبر وقد توفي سعد قبل ذلك بنحو من سنتين وفيه وكتب علي بن طالب وهذا لحن لا يصدر عن أمير المؤمنين علي لأن علم النحو إنما أسند اليه من طريق ابي الاسود الدؤلي عنه وقد جمعت فيه جزءا مفردا وذكرت ما جرى فيه أيام القاضي المارودي وكتاب أصحابنا في ذلك العصر وقد ذكره في الحاوي وصاحب الشامل في كتابه وغير واحد وبينوا خطأه ولله الحمد والمنة
وفي هذا الشهر ثار جماعةمن الحسدة على الشيخ تقي الدين بن تيمية وشكوا منه انه يقيم الحدود ويعزر ويحلق رؤس الصبيان وتكلم هو أيضا فيمن يشكو منه ذلك وبين خطأهم ثم سكنت الأمور وفي ذي القعدة ضربت البشائر بقلعة دمشق أياما بسبب فتح اماكن من بلاد سيس عنوة ففتحها المسلمون ولله الحمد وفيه قدم عز الدين بن ميسر على نظر الدواوين عوضا عن ابن مزهر وفي يوم الثلاثاء رابع ذي الحجة حضر عبدالسيد بن المهذب ديان اليهود الى دار العدل ومعه اولاده فأسلموا كلهم فأركمهم نائب السلطنة وأمر ان يركب بخلعة وخلفه الدبادب تضرب والبوقات الى داره وعمل ليلتئذ ختمة عظيمة حضرها القضاة والعلماء وأسلم على يديه جماعة كبيرة من اليهود وخرجوا يوم العيد كلهم يكبرون مع المسلمين وأكرمهم الناس إكراما زائدا وقدمت رسل ملك التتار في سابع عشر ذي الحجة فنزلوا بالقلعة وسافروا الى القاهرة بعد ثلاثة أيام وبعد مسيرهم بيومين مات ارجواس وبعد موته بيومين قدم الجيش من بلاد سيس وقد فتحوا جانبا منها فخرج نائب السلطنة والجيش لتلقيهم وخرج الناس للفرجة على العادة وفرحوا بقدومهم ونصرهم وممن توفي فيها من الأعيان
*3* أمير المؤمنين الخليفة الحاكم بأمر الله
@ ابو العباس أحمد بن المسترشد بالله الهاشمي العباسي البغدادي المصري بويع بالخلافة بالدولة الظاهرية في أول سنة إحدى وستين وستمائة فاستكمل اربعين سنة في الخلافة وتوفي ليلة الجمعة ثامن عشر جمادي الأولى وصلى عليه وقت صلاة العصر بسوق الخيل وحضر جنازته الاعيان والدولة كلهم مشاة وكان قد عهد بالخلافة الى ولده المذكور ابي الربيع سليمان


التوقيع :


اللهم صل على سيدنا محمد عبدك ونبيك ورسولك
النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم تسليما عدد مااحاط به علمك
وخط به قلمك واحصاه كتابك
وارض اللهم عن سادتنا ابي بكر وعمر وعثمان وعلي
وعن الصحابة أجمعين وعن التابعين وتابعيهم بإحسان الى يوم الدين





رد مع اقتباس
قديم 09-01-2006, 08:19 PM   رقم المشاركة : 5
الكاتب

أفاق : الاداره

مراقب

مراقب

أفاق : الاداره غير متواجد حالياً


الملف الشخصي









أفاق : الاداره غير متواجد حالياً


مشاركة: البداية والنهاية الجزء الرابع عشر

*3* خلافة المستكفي بالله
@
*3* أمير المؤمنين ابن الحاكم بأمر الله العباسي
@ لما عهد اليه كتب تقليده بذلك وقرئ بحضرة السلطان والدولة يوم الأحد العشرين من ذي الحجة من هذه السنة وخطب له على المنابر بالبلاد المصرية والشامية وسارت بذلك البريدية الى جميع البلاد الاسلامية وفي فيها
*3*الأمير عز الدين
@ أيبك بن عبد الله النجيبي الدويدار والي دمشق واحد أمراء الطبلخانة بها وكان مشكور السيرة ولم تطل مدته ودفن بقاسيون توفي يوم الثلاثاء سادس عشر ربيع الأول
*3* الشيخ الإمام العالم شرف الدين أبو الحسن
@ علي بن الشيخ الامام العالم العلامة الحافظ الفقيه تقي الدين ابي عبد الله محمد بن الشيخ ابي الحسن احمد بن عبد الله بن عيسى بن أحمد بن محمد اليونيني البعلبكي وكان أكبر من أخيه الشيخ قطب الدين بن الشيخ الفقيه ولد شرف الدين سنة احدى وعشرين وستمائة فأسمعه ابوه الكثير واشتغل وتفقه وكان عابدا عاملا كثير الخشوع دخل عليه إنسان وهو بخزانة الكتب فجعل يضربه بعصا في رأسه ثم بسكين فبقي متمرضا أياما ثم توفي الى رحمة الله يوم الخميس حادي عشر رمضان ببعلبك ودفن بباب بطحا وتأسف الناس عليه لعلمه وعمله وحفظه الأحاديث وتودده الى الناس وتواضعه وحسن سمته ومرؤءته تغمده الله برحمته
*3* الصدر ضياء الدين
@ احمد بن الحسين بن شيخ السلامية والد القاضي قطب الدين موسى الذي تولى فيها بعد نظر الجيش بالشام وبمصر أيضا توفي يوم الثلاثاء عشرين ذي القعدة ودفن بقاسيون وعمل عزاؤه بالرواحية
*3* الأمير الكبير المرابط المجاهد
@ علم الدين ارجواش بن عبد الله المنصوري نائب القلعة بالشام كان ذا هيبة وهمة وشهامة وقصد صالح قدر الله على يديه حفظ معقل المسلمين لما ملكت التتار الشام أيام قازان وعصت عليهم القلعة ومنعها الله منهم على يدي هذا الرجل فإنه التزم ان لا يسملها اليهم ما دام بها عين تطرف واقتدت بها بقية القلاع الشامية وكانت وفاته بالقلعة ليلة السبت الثاني والعشرين من ذي الحجة وأخرج منها ضحوة يوم السبت فصلى عليه وحضر نائب السلطنة فمن دونه جنازته ثم حمل الى سفح قاسيون ودفن بتربته رحمه الله
*3* الأبرقوهي المسند المعمر المصري
@
هو الشيخ الجليل المسند الرحلة بقية السلف شهاب الدين ابو المعالي أحمد بن إسحاق بن محمد ابن المؤيد بن علي بن إسماعيل بن أبي طالب الأبرقوهي الهمداني ثم المصري ولد بأبرقوه من بلاد شيراز في رجب او شعبان سنة خمس عشرة وستمائة وسمع الكثير من الحديث على المشايخ الكثرين وخرجت له مشيخات وكان شيخا حسنا لطيفا مطيقا توفي بمكة بعد خروج الحجيج بأربعة أيام رحمه الله وفيها توفي
*3* صاحب مكة
@
الشريف ابو نمي محمد بن الأمير ابي سعد حسن بن علي بن قتادة الحسني صاحب مكة منذ اربعين سنة وكان حليما وقورا ذا رأي وسياسة وعقل ومروءة وفيها ولد كاتبه إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي المصري الشافعي عفا الله عنه والله سبحانه اعلم
*2* ثم دخلت سنة اثنتين وسبعمائة من الهجرة
@ استهلت والحكام هم المذكورون في التي قبلها وفي يوم الأربعاء ثاني صفر فتحت جزيرة أرواد بالقرب من أنطرسوس وكانت من أضر الأماكن على أهل السواحل فجاءتها المراكب من الديار المصرية في البحر وأردفها جيوش طرابلس ففتحت ولله الحمد نصف النهار وقتلوا من أهلها قريبا من ألفين وأسروا قريبا من خمسمائة وكان فتحها من تمام فتح السواحل وأراح الله المسلمين من شر أهلها وفي يوم الخميس السابع عشر من شهر صفر وصل البريد الى دمشق فأخبر بوفاة قاضي القضاة ابن دقيق العيد ومعه كتاب من السلطان الى قاضي القضاة ابن جماعة فيه تعظيم له واحترام وإكرام يستدعيه الى قربه ليباشر وظيفة القضاء بمصر على عادته فتهيأ لذلك ولما خرج خرج معه نائب السلطنة الأفرم وأهل الحل والعقد وأعيان الناس ليودعوه وستأتي ترجمة ابن دقيق العيد في الوفيات ولما وصل ابن جماعة الى مصر أكرمه السلطان إكراما زائدا وخلع عليه خلعة صوف وبغلة تساوي ثلاثة آلاف درهم وباشر الحكم بمصر يوم السبت رابع ربيع الأول ووصلت رسل التتار في أواخر ربيع الأول قاصدين بلاد مصر وباشر شرف الدين الفزاري مشيخة دار الحديث الظاهرية يوم الخميس ثامن ربيع الآخر عوضا عن شرف الدين الناسخ وهو أبو حفص عمر بن محمد بن عمر بن حسن بن خواجا إمام الفارسي توفي بها عن سبعين سنة وكان فيه بر ومعروف وأخلاق حسنة رحمه الله
وذكر الشيخ شرف الدين المذكور درسا مفيدا وحضر عنده جماعة من الأعيان وفي يوم الجمعة حادي عشر جمادي الأولى خلع على قاضي القضاة نجم الدين بن صصرى بقضاء الشام عوضا عن ابن جماعة وعلى الفارقي بالخطابة وعلى الأمير ركن الدين بيبرس العلاوي بشد الدواوين وهنأهم الناس وحضر نائب السلطنة والأعيان المقصورة لسماع الخطبة وقرئ تقليد ابن صصرى بعد الصلاة ثم جلس في الشباك الكمالي وقرئ تقليده مرة ثانية وفي جمادي الاولى وقع بيد نائب السلطنة كتاب مزور فيه ان الشيخ تقي الدين بن تيمية والقاضي شمس الدين بن الحريري وجماعة من الأمراء والخواص الذين بباب السلطنة يناصحون التتر ويكاتبوهم ويرويدون تولية قبجق على الشام وأن الشيخ كمال الدين بن الزملكاني يعلمهم بأحوال الأمير جمال الدين الأفرم وكذلك كمال الدين بن العطار فلما وقف عليه نائب السلطنة عرف ان هذا مفتعل ففحص عن واضعه فإذا هو فقير كان مجارا بالبيت الذي كان مجاور محراب الصحابة يقال له اليعفوري وآخر معه يقال له أحمد الغناري وكانا معروفين بالشر والفضول ووجد معهما مسودة هذا الكتاب فتحقق نائب السلطنة ذلك فعزرا تعزيرا عنيفا ثم وسطا بعد ذلك وقطعت يد الكاتب الذي كتب لهما هذا الكتاب وهو التاج المناديلي وفي أواخر جمادي الأولى انتقل الأمير سيف الدين بلبان الجوكندار المنصوري الى نيابة القلعة عوضا عن ارجواش
*3* عجيبة من عجائب البحر
@ قال الشيخ علم الدين البرزالي في تاريخه قرأت في بعض الكتب الواردة من القاهرة أنه لما كان بتاريخ يوم الخميس رابع جمادي الآخرة ظهرت دابة من البحر عجيبة الخلقة من بحر النيل الى أرض المنوفية بين بلاد منية مسعود واصطباري والراهب وهذه صفتها لونها لون الجاموس بلا شعر وآذانها كآذان الجمل وعيناها وفرجها مثل الناقة يغطي فرجها ذنب طوله شبر ونصف كذنب السمكة ورقبتها مثل غلظ التنين المحشو تبنا وفمها وشفتاها مثل الكربال ولها أربعة أنياب اثنان من فوق واثنان من أسفل طول كل واحد دون الشبر في عرض اصبعين وفي فمها ثمان وأربعون ضرسا وسن مثل بيادق الشطرنج وطول يديها من باطنها الى الارض شبران ونصف ومن ركبتها الى حافرها مثل بطن الثعبان اصفر مجعد ودور حافرها مثل السكرجة بأربعة أظافير مثل أظافير الجمل وعرض ظهرها مقدار ذراعين ونصف وطولها من فمها الى ذنبها خمسة عشر قدما وفي بطنها ثلاثة كروش ولحمها أحمر وزفر مثل السمك وطعمه كلحم الجمل وغلظه أربعة أصابع ما تعمل فيه السيوف وحمل جلدها على خمسة جمال في مقدار ساعة من ثقله على جمل بعد جمل وأحضروه الى بين يدي السلطان بالقلعة وحشوه تبنا وأقاموه بين يديه والله أعلم
وفي شهر رجب قويت الأخبار بعزم التتار على دخول بلاد الشام فانزعج الناس لذلك واشتد خوفهم جدا وقنت الخطيب في الصلوات وقرئ البخاري وشرع الناس في الجفل الى الديار المصرية والكرك والحصون المنيعة وتأخر مجيء العساكر المصرية عن إبانها فاشتد لذلك الخوف وفي شهر رجب باشر نجم الدين بن أي الطيب نظر الخزانة عوضا عن أمين الدين سليمان وفي يوم السبت ثالث شعبان باشر مشيخة الشيوخ بعد ابن جماعة القاضي ناصر الدين عبد السلام وكان جمال الدين الزرعي يسد الوظيفة الى هذا التاريخ وفي يوم السبت عاشر شعبان ضربت البشائر بالقلعة وعلى أبواب الأمراء بخروج السلطان بالعساكر من مصر لمناجزة التتار المخذولين وفي هذا اليوم بعينه كانت وقعة غرض وذلك انه التقى جماعة من أمراء الاسلام فيهم استدمرو بها درأخي وكجكن وغرلوا العادلي وكل منهم سيف من سيوف الدين في ألف وخمسمائة فارس وكان التتار في سبعة آلاف فاقتتلوا وصبر المسلمون صبرا جيدا فنصرهم الله وخذل التتر فقتلوا منهم خلقا وأسروا آخرين وولوا عند ذلك مدبرين وغنم المسلمون منهم غنائم وعادوا سالمين لم يفقد منهم الا القليل ممن اكرمه الله بالشهادة ووقعت البطاقة بذلك ثم قدمت الأسارى يوم الخميس نصف شعبان وكان يوم خميس النصارى
*3* اوائل وقعة شقحب
@ وفي ثامن عشر قدمت طائفة كبيرة من جيش المصريين فيهم الامير ركن الدين بيبرس الجاشنكير والامير حسام الدين لاجين المعروف بالاستادار المنصوري والامير سيف الدين كراي المنصوري ثم قدمت بعدهم طائفة اخرى فيهم بدر الدين امير سلاح وأيبك الخزندار فقويت القلوب واطمأن كثير من الناس ولكن الناس في جفل عظيم من بلاد حلب وحماة وحمص وتلك النواحي وتقهقر الجيش الحلبي والحموي الى حمص ثم خافوا ان يدهمهم التتر فجاؤا فنزلوا المرج يوم الاحد خامس شعبان ووصل التتار الى حمص وبعلبك وعاثوا في تلك الاراضي فسادا وقلق الناس قلقا عظيما وخافوا خوفا شديدا واختبط البلد لتأخر قدوم السلطان ببقية الجيش وقال الناس لا طاقة لجيش الشام مع هؤلاء المصريين بلقاء التتار لكثرتهم وإنما سبيلهم ان يتأخروا عنهم مرحلة مرحلة وتحدث الناس بالاراجيف فاجتمع الامراء يوم الاحد المذكور بالميدان وتحالفوا على لقاء العدو وشجعوا أنفسهم ونودي بالبلد أن لا يرحل احد منه فسكن الناس وجلس القضاة بالجامع وحلفوا جماعة من الفقهاء والعامة على القتال وتوجه الشيخ تقي الدين بن تيمية الى العسكر الواصل من حماة فاجتمع بهم في القطيعة فأعلمهم بما تحالف عليه الامراء والناس من لقاء العدو فأجابوا الى ذلك وحلفوا معهم وكان الشيخ تقي الدين بن تيمية يحلف للأمراء والناس إنكم في هذه الكرة منصورون فيقول له الأمراء قل إن شاء الله فيقول إن شاء الله تحقيقا لا تعليقا وكان يتأول في ذلك اشياء من كتاب الله منها قوله تعالى ومن بغى عليه لينصرنه الله

استهلت والخليفة والسلطان ونواب البلاد والحكام بها هم المذكورون في التي قبلها غير الشافعي والحنفي ولما كان ثالث المحرم جلس المستخرج لاستخلاص اجرة اربعة أشهر عن جميع أملاك الناس وأوقافهم بدمشق فهرب اكثر الناس من البلد وجرت خبطة قوية وشق ذلك على الناس جدا
وقد تكلم الناس في كيفية قتال هؤلاء التتر من أي قبيل هو فإنهم يظهرون الاسلام وليسوا بغاة على الامام فإنهم لم يكونوا في طاعته في وقت ثم خالفوه فقال الشيخ تقي الدين هؤلاء من جنس الخوارج الذين خرجوا على علي ومعاوية ورأوا أنهم أحق بالامر منهما وهؤلاء يزعمون أنهم أحق بإقامة الحق من المسلمين ويعيبون على المسلمين ما هم متلبسون به من المعاصي والظلم وهم متلبسون بما هو أعظم منه بأضعاف مضاعفة فتفطن العلماء والناس لذلك وكان يقول للناس إذا رأيتموني من ذلك الجانب وعلى رأسي مصحف فاقتلوني فتشجع الناس في قتال التتار وقويت قلوبهم ونياتهم ولله الحمد
ولما كان يوم الرابع والعشرين من شعبان خرجت العساكر الشامية فخيمت على الجسورة من ناحية الكسوة ومعهم القضاة فصار الناس فيهم فريقين فريق يقولون إنما ساروا ليختاروا موضعا للقتال فإن المرج فيه مياه كثيرة فلا يستطيعون معها القتال وقال فريق إنما ساروا لتلك الجهة ليهربوا وليلحقوا بالسلطان فلما كانت ليلة الخميس ساروا الى ناحية الكسوة فقويت ظنون الناس في هربهم وقد وصلت التتار الى قارة وقيل انهم وصلوا الى القطيعة فانزعج الناس لذلك شديدا ولم يبق حول القرى والحواضر احد وامتلأت القلعة والبلد وازدحمت المنازل والطرقات واضطرب الناس وخرج الشيخ تقي الدين بن تيمية صبيحة يوم الخميس من الشهر المذكور من باب النصر بمشقة كبيرة وصحبته جماعة ليشهد القتال بنفسه ومن معه فظنوا أنه إنما خرج هاربا فحصل اللوم من بعض الناس وقالوا أنت منعتنا من الجفل وها أنت هارب من البلد فلم يرد عليهم وبقي البلد ليس فيه حاكم وجاس اللصوص والحرافيش فيه وفي بساتين الناس يخربون وينتهبون ما قدروا عليه ويقطعون المشمش قبل أوانه والباقلاء والقمح وسائر الخضراوات وحيل بين الناس وبين خبر الجيش وانقطعت الطرق الى الكسوة وظهرت الوحشة على البلد والحواضر وليس للناس شغل غير الصعود إلى المآذن ينظرون يمينا وشمالا وإلى ناحية الكسوة فتارة يقولون رأينا غبرة فيخافون ان تكون من التتر ويتعجبون من الجيش مع كثرتهم وجودة عدتهم وعددهم اين ذهبوا فلا يدرون ما فعل الله بهم فانقطعت الآمال وألح الناس في الدعاء والابتهال وفي الصلوات وفي كل حال وذلك يوم الخميس التاسع والعشرين من شعبان وكان الناس في خوف ورعب لا يعبر عنه لكن كان الفرج من ذلك قريبا ولكن أكثرهم لايفلحون كما جاء في حديث ابي رزين عجب ربك من قنوط عباده وقرب غيره ينظر إليكم ازلين قنطين فيظل يضحك يعلم أن فرجكم قريب
فلما كان آخر هذا اليوم وصل الأمير فخر الدين إياس المرقبي احد أمراء دمشق فبشر الناس بخير هو أن السلطان قد وصل وقت اجتمعت العساكر المصرية والشامية وقد ارسلني أكشف هل طرق البلد احد من التتر فوجد الأمر كما يحب لم يطرقها أحد منهم وذلك أن التتار عرجوا من دمشق الى ناحية العساكر المصرية ولم يشتغلوا بالبلد وقد قالوا إن غلبنا فإن البلد لنا وإن غلبنا فلا حاجة لنا به ونودي بالبلد في تطييب الخواطر وأن السلطان قد وصل فاطمأن الناس وسكنت قلوبهم وأثبت الشهر ليلة الجمعة القاضي تقي الدين الحنبلي فإن السماء كانت مغيمة فعلقت القناديل وصليت التراويح واستبشر الناس بشهر رمضان وبركته وأصبح الناس يوم الجمعة في هم شديد وخوف أكيد للأنهم لا يعلمون ما خبر الناس فبينما هم كذلك إذ جاء الأمير سيف الدين غرلو العادلي فاجتمع بنائب القلعة ثم عاد سريعا إلى العسكر ولم يدر أحد ما أخبر به ووقع الناس في الأراجيف والخوض
*3* صفة وقعة شقحب

@ اصبح الناس يوم السبت على ما كانوا عليه من الخوف وضيق الأمر فرأوا من المآذن سوادا وغبرة من ناحية العسكر والعدو فغلب على الظنون ان الوقعة في هذا اليوم فابتهلوا الى الله عز وجل بالدعاء في المساجد والبلد وطلع النساء والصغار على الأسطحة وكشفوا رءوسهم وضج البلد ضجة عظيمة ووقع في ذلك الوقت مطر عظيم غزير ثم سكن الناس فلما كان بعدالظهر قرئت بطاقة بالجامع تتضمن أن في الساعة الثانية من نهار السبت هذا اجتمعت الجيوش الشامية والمصرية مع السلطان في مرج الصفر وفيها طلب الدعاء من الناس والأمر بحفظ القلعة والتحرز على الأسوار فدعا الناس في المآذن والبلد وانقضى النهار وكان يوما مزعجا هائلا وأصبح الناس يوم الأحد يتحدثون بكسر التتر وخرج الناس الى ناحية الكسوة فرجعوا ومعهم شيء من المكاسب ومعهم رؤس من رؤس التتر وصارت كسرة التتار تقوى وتتزايد قليلا قليلا حتى اتضحت جملة ولكن الناس لما عندهم من شدة الخوف وكثرة التتر لا يصدقون فلما كان بعد الظهر قرئ كتاب السلطان الى متولي القلعة يخبر فيه باجتماع الجيش ظهر يوم السبت بشقحب وبالكسوة ثم جاءت بطاقة بعد العصر من نائب السلطان جمال الدين آقوش الأفرم الى نائب القلعة مضمونها أن الوقعة كانت من العصر يوم السبت الى الساعة الثانية من يوم الاحد وأن السيف كان يعمل في رقاب التتر ليلا ونهارا وأنهم هربوا وفروا واعتصموا بالجبال والتلال وأنه لم يسلم منهم الا القليل فأمسى الناس وقد استقرت خواطرهم وتباشروا لهذا الفتح العظيم والنصر المبارك ودقت البشائر بالقلعة من أول النهار المذكور ونودي بعد الظهر باخراج الجفال من القلعة لأجل نزول السلطان بها وشرعوا في الخروج وفي يوم الاثنين رابع الشهر رجع الناس من الكسوة الى دمشق فبشروا الناس بالنصر وفيه دخل الشيخ تقي الدين بن تيمية البلد ومعه اصحابه من الجهاد ففرح الناس به ودعوا له وهنؤه بما يسر الله على يديه من الخير وذلك أنه ندبه العسكر الشامي أن يسير الى السلطان يستحثه على
السير الى دمشق فسار اليه فحثه على المجيء إلى دمشق بعد ان كاد يرجع الى مصر فجاء هو وإياه جميعا فسأله السلطان ان يقف معه في معركة القتال فقال له الشيخ السنة ان يقف الرجل تحت راية قومه ونحن من جيش الشام لا نقف الا معهم وحرض السلطان على القتال وبشره بالنصر وجعل يحلف بالله الله لا إله إلا هو إنكم منصورون عليهم في هذه المرة فيقول له الأمراء قل إن شاء الله فيقول إن شاء الله تحقيقا لا تعليقا وأفتى الناس بالفطر مدة قتالهم وأفطر هو أيضا وكان يدور على الأجناد والأمراء فيأكل من شيء معه في يده ليعلمهم أن إفطارهم ليتقوا وعلى القتال أفضل فيأكل الناس وكان يتأول في الشاميين قوله صلى الله عليه وسلم إنكم ملاقوا العدو غدا والفطر أقوى لكم فعزم عليهم في الفطر عام الفتح كما في حديث أبي سعيد الخدري وكان الخليفة أبو الربيع سليمان في صحبة السلطان ولما اصطفت العساكر والتحم القتال ثبت السلطان ثباتا عظيما وأمر بجواده فقيد حتى لا يهرب وبايع الله تعالى في ذلك الموقف وجرت خطوب عظيمة وقتل جماعة من سادات الامراء يومئذ منهم الأمير حسام الدين لاجين الرومي استاذ دار السلطان وثمانية من الأمراء المقدمين معه وصلاح الدين بن الملك السعيد الكامل بن السعيد بن الصالح إسماعيل وخلق من كبار الأمراء ثم نزل النصر على المسلمين قريب العصر يومئذ واستظهر المسلمون عليهم ولله الحمد والمنة
فلما جاء الليل لجأ التتر إلى اقتحام التلول والجبال والآكام فأحاط بهم المسلمون يحرسونهم من الهرب ويرمونهم عن قوس واحدة إلى وقت الفجر فقتلوا منهم مالا يعلم عدده إلا الله عز وجل وجعلوا يجيئون بهم في الحبال فتضرب أعناقهم ثم اقتحم منهم جماعة الهزيمة فنجا منهم قليل ثم كانوا يتساقطون في الأودية والمهالك ثم بعد ذلك غرق منهم جماعة في الفرات بسبب الظلام وكشف الله بذلك عن المسلمين غمة عظيمة شديدة ولله الحمد والمنة
ودخل السلطان إلى دمشق يوم الثلاثاء خامس رمضان وبين يديه الخليفة وزينت البلد وفرح كل واحد من أهل الجمعة والسبت والأحد فنزل السلطان في القصر الأبلق والميدان ثم تحول إلى القلعة يوم الخميس وصلى بها الجمعة وخلع على نواب البلاد وأمرهم بالرجوع إلى بلادهم واستقرت الخواطر وذهب اليأس وطابت قلوب الناس وعزل السلطان ابن النحاس عن ولاية المدينة وجعل مكانة الأمير علاء الدين أيدغدي أمير علم وعزل صارم الدين إبراهيم والى الخاص عن ولاية البر وجعل مكانه الأمير حسام الدين لاجين الصغير ثم عاد السلطان إلى الديار المصرية يوم الثلاثاء ثالث شوال بعد ان صام رمضان وعيد بدمشق
وطلب الصوفية من نائب دمشق الافرم ان يولي عليهم مشيخة الشيوخ للشيخ صفي الدين
الهندي فأذن له في المباشرة يوم الجمعة سادس شوال عوضا عن ناصر الدين بن عبدالسلام ودخل السلطان القاهرة يوم الثلاثاء ثالث عشرين شوال وكان يوما مشهودا وزينت القاهرة وفيها جاءت زلزلة عظيمة يوم الخميس بكرة الثالث والعشرين من ذي الحجة من هذه السنة وكان جمهورها بالديار المصرية وتلاطمت بسببها البحار فكسرت المراكب وتهدمت الدور ومات خلق كثير لا يعلمهم إلا الله وشققت الحيطان ولم ير مثلها في هذه الأعصار وكان منها بالشام طائفة لكن كان ذلك أخف من سائر البلاد غيرها وفي ذي الحجة باشر الشيخ أبو الوليد بن الحاج الأشبيلي المالكي إمام محراب الملاكية بجامع دمشق بعد وفاة الشيخ شمس الدين محمد الصنهاجي وممن توفي فيها من الاعيان
*3* ابن دقيق العيد
@ الشيخ الامام العالم العلامة الحافظ قاضي القضاة تقي الدين ابن دقيق العيد القشيري المصري ولد يوم السبت الخامس والعشرين من شعبان سنة خمس وعشرين وستمائة بساحل مدينة ينبع من أرض الحجاز سمع الكثير ورحل في طلب الحديث وخرج وصنف فيه إسنادا ومتنا مصنفات عديدة فريدة مفيدة وانتهت إليه رياسة العلم في زمانه وفاق أقرانه ورحل اليه الطلبة ودرس في أماكن كثيرة ثم ولي قضاء الديار المصرية في سنة خمس وتسعين وستمائة ومشيخة دار الحديث الكاملية وقد اجتمع به الشيخ تقي الدين بن تيمية فقال له تقي الدين بن دقيق العيد لما رأى تلك العلوم منه ما أظن بقي يخلق مثلك وكان وقورا قليل الكلام غزير الفوائد كثير العلوم في ديانة نزاهة وله شعر رائق توفي يوم الجمعة حادي عشر شهر صفر وصلى عليه يوم الجمعة المذكور بسوق الخيل وحضر جنازته نائب السلطنة والأمراء ودفن بالقرافة الصغرى رحمه الله
*3* الشيخ برهان الدين الاسكندري
@ إبراهيم بن فلاح بن محمد بن حاتم سمع الحديث وكان دينا فاضلا ولد سنة ست وثلاثين وستمائة وتوفي يوم الثلاثاء رابع وعشرين شوال عن خمس وستين سنة وبعد شهور بسواء كانت وفاة الصدر جمال الدين بن العطار كاتب الدرج منذ أربعين سنة أبو العباس أحمد بن أبي الفتح محمود بن أبي الوحش أسد بن سلامة بن فتيان الشيباني كان من خيار الناس وأحسنهم تقية ودفن بتربة لهم تحت الكهف بسفح قاسيون وتأسف الناس عليه لاحسانه إليهم رحمه الله
*3* الملك العالد زين الدين كتبغا
@ توفي بجماة نائبا عليها بعد صرخد يوم الجمعة يوم عيد الاضحى ونقل إلى تربته بسفح قاسيون غربي الرباط الناصري يقال لها العادلية وهي تربة مليحة ذات شبابيك وبوابة ومأذنة وله عليها أوقاف دارة على وظائف من قراءة وأذان وإمامة وغير ذلك وكان من كبار الامراء المنصورية وقد ملك البلاد بعد مقتل الاشرف خليل بن المنصور ثم انتزع الملك منه لاجين وجلس في قلعة دمشق ثم تحول إلى صرخد وكان بها إلى أن قتل لاجين وأخذ الملك الناصر بن قلاوون فاستنابه بحماة حتى كانت وفاته كما ذكرنا وكان من خيار الملوك وأعد لهم وأكثرهم برا وكان من خيار الامراء والنواب رحمه الله
*2* ثم دخلت سنة ثلاث وسبعمائة
@ استهلت والحكام هم المذكورون في التي قبلها وفي صفر تولي الشيخ كمال الدين بن الشريشي نظارة الجامع الأموي وخلع عليه وباشره مباشرة مشكورة وساوى بين الناس وعزل نفسه في رجب منها وفي شهر صفر تولى الشيخ شمس الدين الذهبي خطابة كفر بطنا وأقام بها ولما توفي الشيخ زين الدين الفارقي في هذه السنة كان نائب السلطنة في نواحي البلقاء يكشف بعض الامور فلما قدم تكلموا معه في وظائف الفارقي فعين الخطابة لشرف الدين الفزاري وعين الشامية البرانية ودار الحديث للشيخ كمال الدين بن الشريشي وذلك بإشارة الشيخ تقي الدين بن تيمية وأخذ منه النصارية للشيخ كمال الدين بن الزملكاني ورسم بكتابة التواقيع بذلك وباشر الشيخ شرف الدين الامامة والخطابة وفرح الناس به لحسن قراءته وطيب صوته وجودة سيرته فلما كان بكرة يوم الاثنين ثاني عشرين ربيع الأول وصل البريد من مصر صحبة الشيخ صدر الدين بن الوكيل وقد سبقه مرسوم السلطان له بجميع جهات الفارقي مضافا إلى ما بيده من التدريس فاجتمع بنائب السلطنة بالقصر وخرج من عنده إلى الجامع ففتح له باب دار الخطابة فنزلها وجاءه الناس يهنئونه وحضر عنده القراء والمؤذنون وصلى بالناس العصر وباشر الامامة يومين فأظهر الناس التألم من صلاته وخطابته وسعوا فيه إلى نائب السلطنة فمنعه من الخطابة وأقره على التداريس ودار الحديث وجاء توقيع سلطاني للشيخ شرف الدين الفزاري بالخطابة فخطب يوم الجمعة سابع عشر جمادي الأولى وخلع عليه بطرحة وفرح الناس به وأخذ الشيخ كمال الدين بن الزملكاني تدريس الشامية البرانية من يد ابن الوكيل وباشرها في مستهل جمادي الأولى واستقرت دار الحديث بيد ابن الوكيل مع مدرستيه الاوليتين وأظنهما العذاراوية والشامية الجوانية
ووصل البريد في ثاني عشر جمادي الأولى بإعادة السنجري إلى نيابة القلعة وتولية نائبها الأمير سيف الدين الجوكندراني نيابة حمص عوضا عن عز الدين الحموي توفي وفي يوم السبت ثاني عشر رمضان قدمت ثلاثة آلاف فارس من مصر وأضيف إليها ألفان من دمشق وساروا وأخذوا معهم نائب حمص الجوكندراني ووصلوا إلى حماة فصحبهم نائبها الأمير سيف الدين قبجق وجاء إليهم استدمر نائب طرابلس وانضاف إليهم قراسنقر نائب حلب وانفصلوا كلهم عنها وافتقروا فرقتين فرقة سارت صحبة فيجق إلى ناحية ملطية وقلعة الروم والفرقة الأخرى صحبة قراسنقر حتى دخلوا الدربندات وحاصروا تل حمدون فتسلموه عنوة في ثالث ذي القعدة بعد حصار طويل فدقت البشائر بدمشق لذلك ووقع مع صاحب سيس على أن يكون للمسلمين من نهر جيهان إلى حلب وبلاد ما رواء النهر إلى ناحيتهم لهم وأن يعجلوا حمل سنتين ووقعت الهدنة على ذلك وذلك بعد أن قتل خلق من أمراء الأرمن ورؤسائهم وعادت العساكر إلى دمشق مؤيدين منصورين ثم توجهت العساكر المصرية صحبة مقدمهم امير سلاح إلى مصر
وفي أواخر السنة كان موت قازان وتولية اخيه خربندا وهو ملك التتار قازان واسمه محمود بن أرغون بن أبغا وذلك في رابع عشر شوال أو حادي عشرة أو ثالث عشرة بالقرب من همدان ونقل إلى تربته بيبرين بمكان يسمى الشام ويقال إنه مات مسموما وقام في الملك بعده أخوه خربندا محمد بن أرغون ولقبوه الملك غياث الدين وخطب له على منابر العراق وخراسان وتلك البلاد
وحج في هذه السنة الأمير سيف الدين سلار نائب مصر وفي صحبته اربعون أميرا وجميع أولاد الأمراء وحج معهم وزير مصر الأمير عز الدين البغدادي وتولى مكانه بالبركة ناصر الدين محمد الشيخي وخرج سلار في أبهة عظيمة جدا وأمير ركب المصريين الحاج إباق الحسامي وترك الشيخ صفي الدين مشيخة الشيوخ فوليها القاضي عبد الكريم بن قاضي القضاة محي الدين ابن الزكي وحضر الخانقاه يوم الجمعة الحادي عشر من ذي القعدة وحضر عنده ابن صصرى وعز الدين القلانسي والصاحب ابن ميسر والمحتسب وجماعة
وفي ذي القعدة وصل من التتر مقدم كبير قد هرب منهم إلى بلاد الاسلام وهو الأمير بدر الدين جنكي بن البابا وفي صحبته نحو من عشرة فحضروا الجمعة في الجامع وتوجهوا إلى مصر فأكرم وأعطى إمرة ألف وكان مقامه ببلاد آمد وكان يناصح السلطان ويكاتبه ويطلعه على عورات التتر فلهذا عظم شأنه في الدولة الناصرية وممن توفي فيها من الاعيان ملك التتر قازان
*3* الشيخ القدورة العابد أبو إسحاق
@ أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد بن محمد بن معالي بن محمد بن عبدالكريم الرقي الحنبلي كان أصله من بلاد الشرق ومولده بالرقة في سنة سبع وأربعين وستمائة واشتغل وحصل وسمع شيئا من الحديث وقدم دمشق فسكن بالمأذنة الشرقية في أسفلها بأهله إلى جانب الطهارة بالجامع وكان معظما عند الخاص والعام فصيح العبارة كثير العبادة خشن العيش حسن المجالسة لطيف الكلام كثير التلاوة قوي التوجه من أفراد العالم عارفا بالتفسير والحديث والفقه والأصلين وله مصنفات وخطب وله شعر حسن توفي بمنزلة ليلة الجمعة خامس عشر المحرم وصلى عليه عقيب الجمعة ونقل إلى تربة الشيخ ابي عمر بالسفح وكانت جنازته حافلة رحمه الله وأكرم مثواه
وفي هذا الشهر توفي الأمير زين الدين قراجا استاذ دار الأفرم ودفن بتربته بميدان الحصا عند النهر
*3* والشيخ شمس الدين محمد بن إبراهيم بن عبد السلام
@ عرف بابن الحبلى كان من خيار الناس يتردد إلى عكا أياما حين ما كانت في أيدي الفرنج في فكاك أسارى المسلمين جزاه الله خيرا وعتقه من النار وأدخله الجنة برحمته
*3* الخطيب ضياء الدين
@ أبو محمد عبد الرحمن بن الخطيب جمال الدين أبي الفرج عبدا لوهاب بن علي بن أحمد بن عقيل السلمي خطيب بعلبك نحوا من ستين سنة هو ووالده ولد سنة أربع عشرة وستمائة وسمع الكثير وتفرد عن القزويني وكان رجلا جيدا حسن القراءة من كبار العدول توفي ليلة الاثنين ثالث صفر ودفن بباب سطحا

*3* الشيخ زين الدين الفارقي
@ عبد الله بن مروان ابن عبد الله بن فهر بن الحسن أبو محمد الفارقي شيخ الشافعية ولد سنة ثلاث وثلاثين وستمائة وسمع الحديث الكثير واشتغل ودرس بعدة مدارس وأفتى مدة طويلة وكانت له همة وشهامة وصرامة وكان يباشر الاوقاف جيدا وهو الذي عمر دار الحديث بعد خرابها بيد قازان وقد باشرها سبعا وعشرين سنة من بعد النواوي إلى حين وفاته وكانت معه الشامية البرانية وخطابة الجامع الأموي تسعة أشهر باشر به الخطابة قبل وفاته وقد انتقل إلى دار الخطابة وتوفي بها يوم الجمعة بعدالعصر وصلى عليه ضحوة السبت صلى عليه ابن صصرى عند باب الخطابة وبسوق الخيل قاضي الحنفية شمس الدين بن الحريري وعند جامع الصالحية قاضي الحنابلة تقي الدين سليمان ودفن بتربة أهله شمالي تربة الشيخ أبي عمر رحمه الله وباشر بعده الخطابة شرف الدين الفزاري ومشيخه دار الحديث ابن الوكيل والشامية البرانية ابن الزملكاني وقد تقدم ذلك
*3* الأمير الكبير عز الدين ايبك الحموي
@ ناب بدمشق مدة ثم عزل عنها إلى صرخد ثم نقل قبل موته بشهر إلى نيابة حمص وتوفي بها يوم العشرين من ربيع الاخر ونقل إلى تربته بالسفح غربي زاوية ابن قوام وإليه ينسب الحمام بمسجد القصب الذي يقال له حمام الحموي عمره في أيام نيابته
*3* الوزير فتح الدين
@ أبو محمد عبد الله بن محمد بن احمد بن خالد بن محمد بن نصر بن صقر القرشي المخزومي ابن القيسراني كان شيخا جليلا أدبيا شاعرا مجودا من بيت رياسة ووزارة ولي وزارة دمشق مدة ثم أقام بمصر موقعا مدة وكان له اعتناء بعلوم الحديث وسماعه وله مصنف في أسماء الصحابة الذين خرج لهم في الصحيحين وأورد شيئا من أحاديثهم في مجلدين كبيرين موقوفين بالمدرسة الناصرية بدمشق وكان له مذاكرة جيدة محررة باللفظ والمعنى وقد خرج عنه الحافظ الدمياطي وهو آخر من توفي من شيوخه توفي بالقاهرة في يوم الجمعة الحادي والعشرين من ربيع الآخرة وأصلهم من قيسارية الشام وكان جده موفق الدين أبو البقاء خالد وزيرا لنور الدين الشهيد وكان من الكتاب المجيدين المتقنين له كتابة جيدة محررة جدا توفي في أيام صلاح الدين سنة ثمان وثمانين وخمسمائة وأبوه محمد بن نصر بن صقر وله بعكة قبل أخذ الفرنج لها سنة ثمان وسبعين وأربعمائة فلما أخذت بعد السبعين وأربعمائة أنتقل اهلهم إلى حلب وكانوا بها وكان شاعرا مطبقا له ديوان مشهور وكان له معرفة جيدة بالنجوم وعلم الهيئة وغير ذلك
*3* ترجمة والد ابن كثير مؤلف هذا التاريخ
@ وفيها توفي الوالد وهو الخطيب شهاب الدين ابو حفص عمر بن كثير بن ضوبن كثير بن ضوبن درع القرشي من بني حصلة وهم ينتسبون إلى الشرف وبأيديهم نسب وقف على بعضها شيخنا المزي فأعجبه ذلك وابتهج به فصار يكتب في نسبي بسبب ذلك القرشي من قرية يقال لها الشركوين غربي بصرى بينها وبين أذرعات ولد بها في حدود سنة أربعين وستمائة واشتغل بالعلم عند أخواله بني عقبة ببصرى فقرأ البداية في مذهب أبي حنيفة وحفظ جمل الزجاجي وعنى بالنحو والعربية واللغة وحفظ اشعار العرب حتى كان يقول الشعر الجيد الفائق الرائق في المدح والمراثي وقليل من الهجاء وقرر بمدارس بصرى بمنزل الناقة شمالي البلد حيث يزار وهو المبرك المشهور عند الناس والله أعلم بصحة ذلك ثم انتقل إلى خطابة القرية شرقي بصرى وتمذهب للشافعي وأخذ عن النواوي والشيخ تقي الدين الفزاري وكان يكرمه ويحترمه فيما أخبرني شيخنا العلامة ابن الزملكاني فأقام بها نحوا من ثنتي عشرة سنة ثم تحول إلى خطابة مجيدل القرية التي منها الوالدة فأقاما بها مدة طويلة في خير وكفاية وتلاوة كثيرة وكان يخطب جيدا وله مقول عند الناس ولكلامه وقع لديانته وفصاحته وحلاوته وكان يؤثر الاقامة في البلاد لما يرى فيها من الرفق ووجود الحلال له ولعياله وقد ولد له عدة اولاد من الوالدة ومن أخرى قبلها أكبرهم إسماعيل ثم يونس وإدريس ثم من الوالدة عبدالوهاب وعبدالعزيز ومحمد وأخوات عدة ثم أنا أصغرهم وسميت باسم الأخ اسماعيل لأنه كان قد قدم دمشق فاشتغل بها بعد أن حفظ القرآن على والده وقرأ مقدمة في النحو وحفظ التنبيه وشرحه على العلامة تاج الدين الفزاري وحصل المنتخب في أصول الفقة قاله لي شيخنا ابن الزملكاني ثم إنه سقط من سطح الشامية البرانية فمكث اياما ومات فوجد الوالد عليه وجدا كثيرا ورثاه بأبيات كثيرة فلما ولدت له أنا بعد ذلك سماني باسمه فأكبر أولاده اسماعيل وآخرهم وأصغرهم إسماعيل فرحم الله من سلف وختم بخير لمن بقي توفي والدي في شهر جمادي الاولى سنة ثلاث وسبعمائة في قرية مجيدل القرية ودفن بمقبرتها الشمالية عند الزيتون وكنت إذ ذاك صغيرا ابن ثلاث سنين او نحوها لا أدركه إلا كالحلم ثم تحولنا من بعده في سنة سبع وسبعمائة الى دمشق صحبة كمال الدين عبد الوهاب وقد كان لنا شقيقا وبنا رفيقا شفوقا وقد تأخرت وفاته إلى سنة خمسين فاشتغلت على يديه في العلم فيسر الله تعالى منه ما يسر وسهل منه ما تعسر والله أعلم
وقد قال شيخنا الحافظ علم الدين البرازلي في معجمه فيما أخبرني عنه شمس الدين محمد بن سعد المقدسي مخرجه له ومن خط المحدث شمس الدين بن سعد هذا نقلت وكذلك وقفت على خط الحافظ البرزالى مثله في السفينة الثانية من السفن الكبار قال عمر بن كثير القرشي خطيب القرية وهي قرية من أعمال بصرى رجل فاضل له نظم جيد ويحفظ كثيرا من اللغز وله همة وقوة كتبت عنه من شعره بحضور شيخنا تاج الدين الفزاري وتوفي في جمادي الأولى سنة ثلاث وسبعمائة بمجيدل القرية من عمل بصرى أنشدنا الخطيب شهاب الدين أبو حفص عمر بن كثير القرشي خطيب القرية بها لنفسه في منتصف شعبان من سنة سبع وثمانين وستمائة
نأى النوم عن جفني فبت مسهدا * أخا كلف حلف الصبابة موجدا
سمير الثريا والنجوم مدلها * فمن ولهي خلت الكواكب ركدا
طريحا على فرش الصبابة والاسى * فما ضركم لو كنتم لي عودا
تقلبني أيدي الغرام بلوعة * أرى النار من تلقائها لي أبردا
ومزق صبري بعد جيران حاجز * سعير غرام بات في القلب موقدا
فأمطرته دمعي لعل زفيره * يقل فزادته الدموع توقدا
فبت بليل نابغي ولا أرى * على النأي من بعد الاحبة صعدا
فيالك من ليل تباعد فجره * على إلى أن خلته قد تخلدا
غراما ووجدا لا يحد أقله * بأهيف معسول المراشف أغيدا
له طلعة كالبدر زان جمالها * بطرة شعر حالك اللون أسودا
يهز من القدر الرشيق مثقفا * ويشهر من جفنيه سيفا مهندا
وفي ورد خديه وآس عذاره * وضوء ثناياه فنيت تجلدا
غدا كل حسن دونه متقاصرا * وأضحى له رب الجمال موحدا
إذا مارنا واهتز عند لقائه * سباك فلم تملك لسانا ولا يدا
وتسجد إجلالا له وكرامة * وتقسم قد أمسيت في الحسن أوحدا
ورب أخي كفر تأمل حسنه * فأسلم من إجلاله وتشهدا
وأنكر عيسى والصليب ومريما * وأصبح يهوى بعد بغض محمدا
أيا كعية الحسن التي طاف حولها * فؤادي أما للصد عندك من فدا
قنعت بطيف من خيالك طارق * وقد كنت لا أرضى بوصلك سرمدا
فقد شفني شوق تجاوز حده * وحسبك وحسبك من شوق تجاوز واعتدا
سألتك إلا ما مررت بحينا * بفضلك يا رب الملاحة والندا
لعل جفوني أن تغيض دموعها * ويسكن قلب مذ هجرت فما هدا
غلطت بهجراني ولو كنت صابيا * لما صدك الواشون عني ولا العدا
وعدتها ثلاثة وعشرون بيتا والله يغفر له ما صنع من الشعر
*2* ثم دخلت سنة اربع وسبعمائة


التوقيع :


اللهم صل على سيدنا محمد عبدك ونبيك ورسولك
النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم تسليما عدد مااحاط به علمك
وخط به قلمك واحصاه كتابك
وارض اللهم عن سادتنا ابي بكر وعمر وعثمان وعلي
وعن الصحابة أجمعين وعن التابعين وتابعيهم بإحسان الى يوم الدين





رد مع اقتباس
قديم 09-01-2006, 08:23 PM   رقم المشاركة : 6
الكاتب

أفاق : الاداره

مراقب

مراقب

أفاق : الاداره غير متواجد حالياً


الملف الشخصي









أفاق : الاداره غير متواجد حالياً


مشاركة: البداية والنهاية الجزء الرابع عشر

@ استهلت والخليفة والسلطان والحكام والمباشرون هم المذكورون في التي قبلها وفي يوم الأحد ثالث ربيع الأول حضرت الدروس والوظائف التي أنشأها الأمير بيبرس الجاشنكير المنصوري بجامع الحاكم بعد أن جدده من خرابه بالزلزلة التي طرأت على دياره مصرفي آخر سنة ثنتين وسبعمائة وجعل القضاة الاربعة هم المدرسين للمذاهب وشيخ الحديث سعد الدين الحارثي وشيخ النحو أثير الدين أبو حيان وشيخ القراءات السبع الشيخ نور الدين الشطنوفي وشيخ إفادة العلوم الشيخ علاء الدين القونوي وفي جمادي الاخر باشر الأمير ركن الدين بيبرس الحجوبية مع الأمير سيف الدين بكتمر وصارا حاجبين كبيرين في دمشق وفي رجب أحضر الى الشيخ تقي الدين بن تيمية شيخ كان يلبس دلقا كبيرا متسعا جدا يسمى المجاهد إبراهيم القطان فأمر الشيخ بتقطيع ذلك الدلق فتناهبه الناس من كل جانب وقطعوه حتى لم يدعوا فيه شيئا وأمر بحلق رأسه وكان ذا شعر وقلم أظفاره وكانوا طوالا جدا وحف شاربه المسبل على فمه المخالف للسنة واستتابه من كلام الفحش وأكل ما يغير العقل من الحشيشة وما لا يجوز من المحرمات وغيرها وبعده استحضر الشيخ محمد الخباز البلاسي فاستتابه أيضا عن أكل المحرمات ومخالطة أهل الذمة وكتب عليه مكتوبا ان لا يتكلم في تعبير المنامات ولا في غيرها بمالا علم له به وفي هذا الشهر بعينه راح الشيخ تقي الدين بن تيمية الى مسجد التاريخ وأمر أصحابه ومعهم حجارون بقطع صخرة كانت هناك بنهر قلوط تزار وينذر لها فقطعها وأراح المسلمين منها ومن الشرك بها فأزاح عن المسلمين شبهة كان شرها عظيما وبهذا وأمثاله حسدوه وأبرزوا له العداوة وكذلك بكلامه بابن عربي وأتباعه فحسد على ذلك وعودى ومع هذا لم تأخذه في الله لومة لائم ولا بالي ولم يصلوا اليه بمكروه وأكثر ما نالوا منه الحبس مع أنه لم ينقطع في بحث لا بمصر ولا بالشام ولم يتوجه لهم عليه ما يشين وإنما أخذوه وحبسوه بالجاه كما سيأتي وإلى الله إياب الخلق وعليه حسابهم وفي رجب جلس قاضي القضاة نجم الدين بن صصرى بالمدرسة العادلية الكبيرة وعملت التخوت بعدما جددت عمارة المدرسة ولم يكن احد يحكم بها بعد وقعة قازان بسبب خرابها وجاء المرسوم للشيخ برهان الدين الفزاري بوكلة بيت المال فلم يقبل وللشيخ كمال الدين بن الزملكاني بنظر الخزانة فقبل وخلع عليه بطرحة وحضر بها يوم الجمعة وهاتان الوظيفتان كانتا مع نجم الدين بن أبي الطيب توفي إلى رحمة الله وفي شعبان سعى جماعة في تبطيل الوقيد ليلة النصف وأخذوا خطوط العلماء في ذلك وتكلموا مع نائب السلطنة فلم يتفق ذلك بل اشعلوا وصليت صلاة ليلة النصف أيضا وفي خامس رمضان وصل الشيخ كمال الدين بن الشريشي من مصر بوكلة بيت المال ولبس الخلعة سابع رمضان وحضر عند ابن صصرى بالشباك الكمالي وفي سابع شروال عزل وزير مصر ناصر الدين بن الشيخي وقطع إقطاعه ورسم عليه وعوقب إلى أن مات في ذي القعدة وتولى الوزارة سعد الدين محمد بن محمد بن عطاء وخلع عليه وفي يوم الخميس الثاني والعشرين من ذي القعدة حكم قاضي القضاة جمال الدين الزواوي بقتل الشمس محمد بن جمال الدين بن عبد الرحمن الباجريقي وإراقة دمه وإن تاب وان اسلم بعد اثبات محضر عليه يتضمن كفر الباجريقي المذكور وكان ممن شهد فيه عليه الشيخ مجد الدين التونسي النحوي الشافعي فهرب الباجريقي إلى بلاد الشرق فمكث بها مدة سنين ثم جاء بعد موت الحاكم المذك كما سيأتي
وفي ذي القعدة كان نائب السلطنة في الصيد فقصدهم في الليل طائفة من الاعراب فقاتلهم الأمراء فقتلوا من العرب نحو النصف وتوغل في العرب الأمير يقال له سيف الدين بها درتمر احتقارا بالعرب فضربه واحد منهم برمح فقتله فكرت الأمراء عليهم فقتلوا منهم خلقا أيضا وأخذوا واحدا منهم زعموا أنه هو الذي قتله فصلب تحت القلعة ودفن الأمير المذكور بقبر الست وفي ذي القعدة تكلم الشيخ شمس الدين بن النقيب وجماعة من العلماء في الفتاوي الصادرة من الشيخ علاء الدين بن العطار شيخ دار الحديث النورية والقوصية وأنها مخالفة لمذهب الشافعي وفيها تخبيط كثير فتوهم من ذلك وراح إلى الحنفي فحقن دمه وأبقاه على وظائفه ثم بلغ ذلك نائب السلطنة فأنكر على المنكرين عليه ورسم عليهم ثم اصطلحوا ورسم نائب السلطنة ان لا تثار الفتن بين الفقهاء وفي مستهل ذي الحجة ركب الشيخ تقي الدين بن تيمية ومعه جماعة من أصحابه إلى جبل الجرد والكسروانيين ومعه نقيب الأشراف زين الدين بن عدنان فاستتابوا خلقا منهم وألزموهم بشرائع الاسلام ورجع مؤيدا منصورا وممن توفي فيها من الاعيان
*3* الشيخ تاج الدين بن شمس الدين بن الرفاعي
@ شيخ الأحمدية بأم عبيدة من مدة مديدة وعنه تكتب إجازات الفقراء ودفن هناك عند سلفة بالبطائح
*3* الصدر نجم الدين بن عمر
@ ابن ابي القاسم بن عبد المنعم بن محمد بن الحسن بن أبي الكتائب بن محمد بن أبي الطيب وكيل بيت المال وناظر الخزانة وقد ولى في وقت نظر المارستان النوري وغير ذلك وكان مشكور السيرة رجلا جيدا وقد سمع الحديث وروى أيضا توفي ليلة الثلاثاء الخامس عشر من جمادي الآخرة ودفن بتربتهم بباب الصغير
*2* ثم دخلت سنة خمس وسبعمائة
@ استهلت والخليفة المستكفي والسلطان الملك الناصر والمباشرون هم المذكورون فيما مضى وجاء الخبر أن جماعة من التتر كمنوا لجيش حلب وقتلوا منهم خلقا من الأعيان وغيرهم وكثر النوح ببلاد حلب بسبب ذلك وفي مستهل المحرم حكم جلال الدين القزويني أخو قاضي القضاة إمام الدين نيابة عن ابن صصرى وفي ثانيه خرج نائب السلطنة بمن بقي من الجيوش الشامية وقد كان تقدم بين يديه طائفة من الجيش مع ابن تيمية في ثاني المحرم فساروا إلى بلاد الجرد والرفض والتيامنة فخرج نائب السلطنة الأفرم بنفسه بعد خروج الشيخ لغزوهم فنصرهم الله عليهم وأبادوا خلقا كثيرا منهم ومن فرقتهم الضالة ووطئوا أراضي كثيرة من صنع بلادهم وعاد نائب السلطنة إلى دمشق في صحبته الشيخ ابن تيمية والجيش وقد حصل بسبب شهود الشيخ هذه الغزوة خير كثير وأبان الشيخ علما وشجاعة في هذه الغزوة وقد امتلأت قلوب اعدائه حسدا له وغما وفي مستهل جمادي الأولى قدم القاضي امين الدين أبو بكر ابن القاضي وجيه الدين عبد العظيم بن الرفاقي المصري من القاهرة على نظر الدواوين بدمشق عوضا عن عز الدين بن مبشر
*3* ما جرى للشيخ تقي الدين بن تيمية مع الأحمدية وكيف عقدت له المجالس الثلاثة
@ وفي يوم السبت تاسع جمادي الأولى حضر جماعة كثيرة من الفقراء الأحمدية إلى نائب السلطنة بالقصر الأبلق وحضر الشيخ تقي الدين بن تيمية فسألوا من نائب السلطنة بحضرة الأمراء أن يكف الشيخ تقي الدين إمارته عنهم وأن يسلم لهم حالهم فقال لهم الشيخ هذا ما يمكن ولا بد لكل أحد أن يدخل تحت الكتاب والسنة قولا وفعلا ومن خرج عنهما وجب الانكار عليه فأرادوا أن يفعلوا شيئا من أحوالهم الشيطانية التي يتعاطونها في سماعاتهم فقال الشيخ تلك أحوال شيطانية باطلة وأكثر أحوالهم من باب الحيل والبهتان ومن اراد منهم أن يدخل النار فليدخل أولا إلى الحمام وليغسل جسده غسلا جيدا ويدلكه بالخل والأشنان ثم يدخل بعد ذلك إلى النار إن كان صادقا ولو فرض أن أحدا من أهل البدع دخل النار بعد أن يغتسل فإن ذلك لا يدل على صلاحه ولا على كرامته بل حاله من أحوال الدجاجلة المخالفة للشريعة إذا كان صاحبها على السنة فما الظن بخلاف ذلك فابتدر شيخ المنيبع الشيخ صالح وقال نحن أحوالنا إنما تنفق عند التتر ليست تنفق عند الشرع فضبط الحاضرون عليه تلك الكلمة وكثر الانكار عليهم من كل أحد ثم اتفق الحال على أنهم يخلعون الأطواق الحديد من رقابهم وأن من خرج عن الكتاب والسنة ضربت عنقه وصنف الشيخ جزءا في طريقة الأحمدية وبين فيه أحوالهم ومسالكهم وتخيلاتهم وما في طريقتهم من مقبول ومردود بالكتاب وأظهر الله السنة على يديه أخمد بدعتهم ولله الحمد والمنة
وفي العشر الأوسط من هذا الشهر خلع علي جلال الدين بن معبد وعز الدين خطاب وسيف الدين بكتمر مملوك بكتاش الحسامي بالأمرة ولبس التشاريف وركبوا بها وسلموا لهم جبل الجرد والكسروان والبقاع وفي يوم الخميس ثالث رجب خرج الناس للاستسقاء إلى سطح المزة ونصبوا هناك منبرا وخرج نائب السلطنة وجميع الناس من القضاة والعلماء والفقراء وكان مشهدا هائلا وخطبة عظيمة بليغة فاستسقوا فلم يسقوا يومهم ذلك
*3* أول المجالس الثلاثة لشيخ الاسلام ابن تيمية
@ وفي يوم الاثنين ثامن رجب حضر القضاة والعلماء وفيهم الشيخ تقي الدين بن تيمية عندنائب السلطنة بالقصر وقرئت عقيدة الشيخ تقي الدين الواسطية وحصل بحث في أماكن منها وأخرت مواضع إلى المجلس الثاني فاجتمعوا يوم الجمعة بعد الصلاة ثاني عشر الشهر المذكور وحضر الشيخ صفي الدين الهندي وتكلم مع الشيخ تقي الدين كلاما كثيرا ولكن ساقيته لاطمت بحرا ثم اصطلحوا على ان يكون الشيخ كمال الدين بن الزملكاني هو الذي يحاققه من غير مسامحة فتناظرا في
ذلك وشكر الناس من فضائل الشيخ كمال الدين بن الزملكاني وجودة ذهنه وحسن بحثه حيث قاوم ابن تيمية في البحث وتكلم معه ثم انفصل الحال على قبول العقيدة وعاد الشيخ إلى منزله معظما مكرما وبلغني ان العامة حملوا له الشمع من باب النصر إلى القصاعين على جاري عادتهم في أمثال هذه الأشياء وكان الحامل على هذه الاجتماعات كتاب ورد من السلطان في ذلك كان الباعث على إرساله قاضي المالكية ابن مخلوف والشيخ نصر المنبجي شيخ الجاشنكير وغيرهما من أعدائه وذلك أن الشيخ تقي الدين بن تيمية كان يتكلم في المنبجي وينسبه إلى اعتقاد ابن عربي وكان للشيخ تقي الدين من الفقهاء جماعة يحسدونه لتقدمه عند الدولة وانفراده بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وطاعة الناس له ومحبتهم له وكثرة أتباعه وقيامه في الحق وعلمه وعمله ثم وقع بدمشق خبط كثير وتشويش بسبب غيبة نائب السلطنة وطلب القاضي جماعة من أصحاب الشيخ وعزر بعضهم ثم اتفق ان الشيخ جمال الدين المزي الحافظ قرأ فصلا بالرد على الجهمية من كتاب أفعال العباد للبخاري تحت قبة النسر بعد قراءة ميعاد البخاري بسبب الاستسقاء فغضب بعض الفقهاء الحاضرين وشكاه إلى القاضي الشافعي ابن صصرى وكان عدو الشيخ فسجن المزي فبلغ الشيخ تقي الدين فتألم لذلك وذهب إلى السجن فأخرجه منه بنفسه وراح إلى القصر فوجد القاضي هنالك فتقاولا بسبب الشيخ جمال الدين المزي فحلف ابن صصرى لا بد أن يعيده إلى السجن وإلا عزل نفسه فأمر النائب باعادته تطييبا لقلب القاضي فحبسه عنده في القوصية أياما ثم أطلقه ولما قدم نائب السلطنة ذكر له الشيخ تقي الدين ما جرى في حقه وحق اصحابه في غيبته فتألم النائب لذلك ونادى في البلد أن لا يتكلم احد في العقائد ومن عاد إلى تلك حل ماله ودمه ورتبت داره وحانوته فسكنت الامور وقد رأيت فصلا من كلام الشيخ تقي الدين في كيفية ما وقع في هذه المجالس الثلاثة من المناظرات
ثم عقد المجلس الثالث في يوم سابع شعبان بالقصر واجتمع الجماعة على الرضى بالعقيدة المذكورة وفي هذا اليوم عزل ابن صصرى نفسه عن الحكم بسبب كلام سمعه من بعض الحاضرين في المجلس المذكور وهو من الشيخ كمال الدين بن الزملكاني ثم جاء كتاب السلطان في السادس والعشرين من شعبان فيه إعادة ابن صصرى إلى القضاء وذلك بإشارة المنبجي وفي الكتاب إنا كنا سمعنا بعقد مجلس للشيخ تقي الدين بن تيمية وقد بلغنا ما عقد له من المجالس وأنه على مذهب السلف وإنما أردنا بذلك براءة ساحته مما نسب إليه ثم جاء كتاب آخر في خامس رمضان يوم الاثنين وفيه الكشف عن ما كان وقع للشيخ تقي الدين بن تيمية في أيام جاغان والقاضي إمام الدين القزويني وأن يحمل هو والقاضي ابن صصرى إلى مصر فتوجها على البريد نحو مصر وخرج مع الشيخ خلق من اصحابه وبكوا وخافوا عليه من أعدائه وأشار عليه نائب السلطنة ابن الأفرم بترك الذهاب

الى مصر وقال له انا أكاتب السلطان في ذلك وأصلح القضايا فامتنع الشيخ من ذلك وذكر له ان في توجهه لمصر مصلحة كبيرة ومصالح كثيرة فلما توجه لمصر ازدحم الناس لوداعه ورؤيته حتى انتشروا من باب داره إلى قرب الجسورة فيما بين دمشق والكسوة وهم فيما بين باك وحزين ومتفرج ومتنزه ومزاحم متغال فيه فلا كان يوم السبت دخل الشيخ تقي الدين غزة فعمل في جامعها مجلسا عظيما ثم دخلا معا إلى القاهرة والقلوب معه وبه متعلثقة فدخلا مصر يوم الاثنين الثاني والعشرين من رمضان وقيل إنهما دخلاها يوم الخميس فلما كان يوم الجمعة بعد الصلاة عقد للشيخ مجلس بالقلعة اجتمع فيه القضاة وأكابر الدولة وأراد أن يتكلم على عادته فلم يتمكن من البحث والكلام وانتدب له الشمس ابن عدنان خصما احتسابا وادعى عليه عندابن مخلوف المالكي انه يقول ان الله فوق العرش حقيقة وأن الله يتكلم بحرف وصوت فسأله القاضي جوابه فأخذ الشيخ في حمد الله والثناء عليه فقيل له أجب ما جئنا بك لتخطب فقال ومن الحاكم في فقيل له القاضي المالكي فقال له الشيخ كيف تحكم في وأنت خصمي فغضب غضبا شديدا وانزعج وأقيم مرسما عليه وحبس في برج أياما ثم نقل منه ليلة العيد إلى الحبس المعروف بالجب هو واخوه شرف الدين عبد الله وزين الدين عبد الرحمن
وأما ابن صصرى فانه جدد له توقيع بالقضاء باشارة المنبجي شيخ الجاشنكير حاكم مصر وعاد إلى دمشق يوم الجمعة سادس ذي القعدة والقلوب له ماقنة والنفوس منه نافرة وقرئ تقليده بالجامع وبعده قرئ كتاب فيه الحط على الشيخ تقي الدين ومخالفته في العقيدة وأن ينادي بذلك في البلاد الشامية وألزم أهل مذهبه بمخالفته وكذلك وقع بمصر قام عليه جاشنكير وشيخه نصر المنبجي وساعدهم جماعة كثيرة من الفقهاء والفقراء وجرت فتن كثيرة منتشرة نعوذ بالله من الفتن وحصل للحنابلة بالديار المصرية إهانة عظيمة كثيرة وذلك أن قاضيهم كان قليل العلم مزجي البضاعة وهو شرف الدين الحراني فلذلك نال أصحابهم ما نالهم وصارت حالهم حالهم وفي شهر رمضان جاء كتاب من مقدم الخدام بالحرم النبوي يستأذن السلطان في بيع طائفة من قناديل الحرم النبوي لينفق ذلك ببناء مأذنة عند باب السلام الذي عند المطهرة فرسم له بذلك وكان في جملة القناديل قنديلان من ذهب زنتهما ألف دينار فباع ذلك وشرع في بنائها وولى سراج الدين عمر قضاءها مع الخطابة فشق ذلك على الروافض
وفي يوم الخميس ثاني عشر ذي القعدة وصل البريد من مصر بتولية القضاء لشمس الدين محمد بن إبراهيم بن داود الأذرعي الحنفي قضاء الحنفية عوضا عن شمس الدين ابن الحسيني معزولا وبتولية الشيخ برهان الدين ابن الشيخ تاج الدين الفزاري خطابة دمشق عوضا عن عمه الشيخ شرف الدين توفي إلى رحمة الله وخلع عليهما بذلك وباشرا في يوم الجمعة ثالث عشر الشهر وخطب الشيخ برهان الدين خطبة حسنة حضرها الناس والأعيان ثم بعد خمسة أيام عزل نفسه عن الخطابة وآثر بقاءه على تدريس البادرائية حين بلغه أنها طلبت لتؤخذ منه فبقى منصب الخطابة شاغرا ونائب الخطيب يصلي بالناس ويخطب ودخل عيد الأضحى وليس للناس خطيب وقد كاتب نائب السلطنة في ذلك فجاء المرسوم بالزامه بذلك وفيه لعلمنا بأهليته وكفايته واستمراره على ما بيده من تدريس البادرائية فباشرها القيسي جمال الدين ابن الرحبي سعى في البادرائية فأخذها وباشرها في صفر من السنة الآتية بتوقيع سلطاني فعزل الفزاري نفسه عن الخطابة ولزم بيته فراسله نائب السلطنة بذلك فصمم على العزل وأنه لا يعود إليها أبدا وذكر انه عجز عنها فلما تحقق نائب السلطنة ذلك اعاد إليه مدرسته وكتب له بها توقيعا بالعشر الأول من ذي الحجة وخلع على شمس الدين بن الخطيري بنظر الخزانة عوضا عن ابن الزملكاني وحج بالناس الامير شرف الدين حسن بن حيدر وممن توفي فيها من الأعيان :
*3* الشيخ عيسى بن الشيخ سيف الدين الرحبي
@ ابن سابق بن الشيخ يونس القيسي ودفن بزاويتهم التي بالشرق الشمالي بدمشق غربي الوراقة والعزية يوم الثلاثاء سابع المحرم
*3* الملك الاوحد
@ ابن الملك تقي الدين شادي بن الملك الزاهر مجير الدين داود بن الملك المجاهد أسد الدين شيركوه بن ناصر الدين محمد بن أسد الدين شيركوه بن شادي توفي بجبل الجرد في آخر نهار الأربعاء ثاني صفر وله من العمر سبع وخمسون سنة فنقل إلى تربتهم بالسفح وكان من خيار الملوك والدولة معظما عند الملوك والأمراء وكان يحفظ القرآن وله معرفة بعلوم ولديه فضائل
*3* الصدر علاء الدين
@ على بن معالي الانصاري الحراني الحاسب يعرف بابن الزريز وكان فاضلا بارعا في صناعة الحساب انتفع به جماعة توفي في آخر هذه السنة فجأة ودفن بقاسيون وقد أخذت الحساب عن الحاضري عن علاء الدين الطيوري عنه
*3* الخطيب شرف الدين أبو العباس
@ أحمد بن إبراهيم بن سباع بن ضياء الفزاري الشيخ الامام العلامة أخو العلامة شيخ الشافعية تاج الدين عبد الرحمن ولد سنة ثلاثين وسمع الحديث الكثير وانتفع على المشايخ في ذلك العصر كابن الصلاح وابن السخاوي وغيرهما وتفقه وأفتى وناظر وبرع وساد أقرانه وكان استاذا في العربية واللغة والقراءات وإيراد الأحاديث النبوية والتردد إلى المشايخ للقراءة عليهم وكان فصيح العبارة حلو المحاضرة لا تمل مجالسته وقد درس بالطبية وبالرباط الناصري مدة ثم تحول عنه إلى خطابة جامع جراح ثم انتقل إلى خطابة جامع دمشق بعد الفارقي في سنة ثلاث ولم يزل به حتى توفي يوم الأربعاء عشية التاسع من شوال عن خمس وسبعين سنة وصلى عليه صبيحة يوم الخميس على باب الخطابة ودفن عند أبيه وأخيه بباب الصغير رحمهم الله وولى الخطابة ابن اخيه
*3* شيخنا العلامة برهان الدين الحافظ الكبير الدمياطي
@ وهو الشيخ الامام العالم الحافظ شيخ المحدثين شرف الدين أبو محمد عبد المؤمن بن خلف بن ابي الحسن بن شرف بن الخضر بن موسى الدمياطي حامل لواء هذا الفن أعني صناعة الحديث وعلم اللغة في زمانه مع كبر السن والقدر وعلو الاسناد وكثرة الرواية وجودة الدراية وحسن التآليف وإنتشار التصانيف وتردد الطلبة إليه من سائر الآفاق ومولده في آخر سنة ثلاث عشرة وستمائة وقد كان أول سماعه في سنة ثنتين وثلاثين بالاسكندرية سمع الكثير على المشايخ ورحل وطاف وحصل وجمع فأوعى ولكن ما منع ولا بخل بل بذل وصنف ونشر العلم وولي المناصب بالديار المصرية وانتفع الناس به كثيرا وجمع معجما لمشايخه الذين لقيهم بالشام والحجاز والجزيرة والعراق وديار مصر يزيدون على ألف وثلثمائة شيخ وهو مجلدان وله الأربعون المتباينة الاسناد وغيرها وله كتاب في الصلاة الوسطى مفيد جدا ومصنف في صيام ستة أيام من شوال أفاد فيه وأجاد وجمع ما لم يسبق إليه وله كتاب الذكر والتسبيح عقيب الصلوات وكتاب التسلى في الاغتباط بثواب من يقدم من الافراط وغير ذلك من الفوائد الحسان ولم يزل في إسماع الحديث إلى ان أدركته وفاته وهو صائم في مجلس الأمراء غشى عليه فحمل إلى منزله فمات من ساعته يوم الاحد عاشر ذي القعدة بالقاهرة ودفن من الغد بمقابر باب النصر وكانت جنازته حافلة جدا رحمه الله تعالى
*2* ثم دخلت سنة ست وسبعمائة
@ استهلت والحكام هم المذكرون في التي قبلها والشيخ تقي الدين بن تيمية مسجون بالجب من قلعة الجبل وفي يوم الاربعاء جاء البريد بتولية الخطابة للشيخ شمس الدين إمام الكلاسة وذلك في ربيع الاول وهنئ بذلك فأظهر التكره لذلك والضعف عنه ولم يحصل له مباشرة لغيبة نائب السلطنة في الصيد فلما حضر أذن له فباشر يوم الجمعة العشرين من الشهر فأول صلاة صلاها الصبح يوم الجمعة ثم خلع عليه وخطب بها يومئذ وفي يوم الأربعاء ثامن عشر ربيع الأول باشر نيابة الحكم عن القاضي نجم الدين احمد بن عبد المحسن بن حسن المعروف بالدمشقي عوضا عن تاج الدين بن صالح بن تامر بن خان الجعبري وكان معمرا قديم الهجرة كثير الفضائل دينا ورعا جيد المباشرة وكان قد ولي الحكم في سنة سبع وخمسين وستمائة فلما ولى ابن صصرى كره نيابته وفي يوم الأحد العشرين من ربيع الآخر قدم البريد من القاهرة ومعه تجديد توقيع القاضي شمس الدين الأزرعي الحنفي فظن الناس انه بولاية القضاء لابن الحر يرى فذهبوا ليهنئوه مع البريد إلى الظاهرية واجتمع الناس لقراءة التقليد على العادة فشرع الشيخ علم الدين البرزالي في قراءته فلما وصل إلى الاسم تبين له أنه ليس له وأنه للأزرعي فبطل القارئ وقام الناس مع البريدي إلى الأزرعي وحصلت كسرة وخمدة على الحريري والحضارين ووصل مع البريدي أيضا كتاب فيه طلب الشيخ كمال الدين بن الزملكاني إلى القاهرة فتوهم من ذلك وخاف أصحابه عليه سبب انتسابه إلى الشيخ تقي الدين بن تيمية فتلطف به نائب السلطنة ودارى عنه حتى اعفى من الحضور إلى مصر ولله الحمد
وفي يوم الخميس تاسع جمادي الأولى دخل الشيخ ابن براق إلى دمشق وبصحبته مائة فقير كلهم محلقي ذقونهم موفري شواربهم عكس ما وردت به السنة على رؤسهم قرون لبابيد ومعه أجراس وكعاب وجوا كين خشب فنزلوا بالمنيبع وحضروا الجمعة برواق الحنابلة ثم توجهوا نحو القدس فزاروا ثم استأذنوا في الدخول إلى الديار المصرية فلم يؤذن لهم فعادوا إلى دمشق فصاموا بها رمضان ثم انشمروا راجعين إلى بلاد الشرق إذ لم يجدوا بدمشق قبولا وقد كان شيخهم براق روميا من بعض قرى دوقات من أبناء الاربعين وقد كانت له منزلة عند قازان ومكانه وذلك أنه سلط عليه نمرا فزجره فهرب منه وتركه فحظى عنده وأعطاه في يوم واحد ثلاثين ألفا ففرقها كلها فأحبه ومن طريقة أصحابه أنهم لا يقطعون لهم صلاة ومن ترك صلاة ضربوه أربعين جلدة وكان يزعم ان طريقه الذي سلكه إنما سلكه ليخرب على نفسه ويرى أنه زي المسخرة وان هذا هو الذي يليق بالدنيا والمقصود انما هو الباطن والقلب وعمارة ذلك ونحن إنما نحكم بالظاهر والله أعلم بالسرائر
وفي يوم الأربعاء سادس جمادي الآخرة حضر مدرس النجيبية بهاء الدين يوسف بن كمال الدين أحمد بن عبد العزيز العجمي الحلبي عوضا عن الشيخ ضياء الدين الطوسي توفي وحضر عنده ابن صصرى وجماعة من الفضلاء وفي هذه السنة صليت صلاة الرغائب في النصف بجامع دمشق بعد أن كانت قد أبطلها ابن تيمية منذ أربع سنين ولما كانت ليلة النصف حضر الحاجب ركن الدين بيبرس العلائي ومنع الناس من الوصول إلى الجامع ليلتئذ وغلقت أبوابه فبات كثير من الناس في الطرقات وحصل للناس أذى كثير وإنما أراد صيانة الجامع من اللغو والرفث والتخليط وفي سابع عشر رمضان حكم القاضي تقي الدين الحنبلي بحقن دم محمد الباجريقي وأثبت عنده محضرا بعداوة ما بينه وبين الشهود الستة الذين شهدوا عليه عند المالكي حين حكم بإراقة دمه وممن شهد بهذه العداوة ناصر الدين بن عبد السلام وزين الدين بن الشريف عدنان وقطب الدين بن شيخ السلامية وغيرهم وفيها باشر كمال الدين بن الزملكاني نظر ديوان ملك الأمراء عوضا عن شهاب الدين الحنفي وذلك في آخر رمضان وخلع عليه بطيلسان وخلعة وحضر بها دار العدل وفي ليلة عيد الفطر أحضر الامير سيف الدين سلار نائب مصر القضاة الثلاثة وجماعة من الفقهاء فالقضاة الشافعي والمالكي والحنفي والفقهاء الباجي والجزري والنمراوي وتكلموا في إخراج الشيخ تقي الدين بن تيمية من الحبس فاشترط بعض الحاضرين عليه شروطا بذلك منها أنه يلتزم بالرجوع عن بعض العقيدة وأرسلوا اليه ليحضر ليتكلموا معه في ذلك فامتنع من الحضور وصمم وتكررت الرسل إليه ست مرات فصمم على عدم الحضور ولم يلتفت إليهم ولم يعدهم شيئا فطال عليهم المجلس فتفرقوا وانصرفوا غير مأجورين وفي يوم الأربعاء ثاني شوال أذن نائب السلطنة الأفرم للقاضي جلال الدين القزويني أن يصلى بالناس ويخطب بجامع دمشق عوضا عن الشيخ شمس الدين إمام الكلاسة توفي فصلى الظهر يومئذ وخطب الجمعة واستمر بالامامة والخطابة حتى وصل توقيعه بذلك من القاهرة وفي مستهل ذي القعدة حضر نائب السلطنة والقضاة والأمراء والاعيان وشكرت خطبته وفي مستهل ذي القعدة كمل بناء الجامع الذي ابتناه وعمره الأمير جمال الدين نائب السلطنة الأفرم عند الرباط الناصري بالصالحية ورتب فيه خطيبا يخطب يوم الجمعة وهو القاضي شمس الدين محمد بن العز الحنفي وحضر نائب السلطنة والقضاة وشكرت خطبة الخطيب به ومد الصاحب شهاب الدين الحنفي سماطا بعد الصلاة بالجامع المذكور وهو الذي كان الساعي في عمارته والمستحث عليها فجاء في غاية الاتقان والحسن تقبل الله منهم
وفي ثالث ذي القعدة استناب ابن صصرى القاضي صدر الدين سليمان بن هلال بن شبل الجعبري خطيب داريا في الحكم عوضا عن جلال الدين القزويني بسبب اشتغاله بالخطابة عن الحكم وفي يوم الجمعة التاسع والعشرين من ذي القعدة قدم قاضي القضاة صدر الدين ابو الحسن على بن الشيخ صفي الدين الحنفي البصراوي إلى دمشق من القاهرة متوليا قضاء الحنفية عوضا عن الأزرعي مع ما بيده من تدريس النورية والمقدمية وخرج الناس لتلقيه وهنؤه وحكم بالنورية وقرئ تقليده بالمقصورة الكندية في الزاوية الشرقية من جامع بني امية وفي ذي الحجة ولي الأمير عز الدين بن صبرة على البلاد القبلية والي الولاة عوضا عن الأمير جمال الدين آقوش الرستمي بحكم ولايته شد الدواوين بدمشق وجاء كتاب من السلطان بولاية وكالته للرئيس عز الدين بن حمزة القلانسي عوضا عن ابن عمه شرف الدين فكره ذلك
وفي اليوم الثامن والعشرين من ذي الحجة أخبر نائب السلطنة بوصول كتاب من الشيخ تقي الدين من الحبس الذي يقال له الجب فأرسل في طلبه فجيء به فقرئ على الناس فجعل يشكر الشيخ ويثني عليه وعلى علمه وديانته وشجاعته وزهده وقال ما رأيت مثله وإذا هو كتاب مشتمل على ما هو عليه في السجن من التوجه إلى الله وأنه لم يقبل من أحد شيئا لا من النفقات السلطانية ولا من الكسوة ولا من الادرارات ولا غيرها ولا تدنس بشيء من ذلك
وفي هذا الشهر يوم الخميس السابع والعشرين منه طلب اخوا الشيخ تقي الدين شرف الدين وزين الدين من الحبس إلى مجلس نائب السلطان سلار وحضر ابن مخلوف المالكي وطال بينهم كلام كثير فظهر شرف الدين بالحجة على القاضي المالكي بالنقل والدليل والمعرفة وخطأه في مواضع ادعى فيها دعاوي باطلة وكان الكلام في مسألة العرش ومسألة الكلام وفي مسألة النزول
وفي يوم الجمعة ثاني عشرين ذي الحجة وصل على البريد من مصر نصر الدين محمد بن الشيخ فخر الدين بن أخي قاضي القضاة البصراوي وزوج ابنته على الحسبة بدمشق عوضا عن جمال الدين يوسف العجمي وخلع عليه بطيلسان ولبس الخلعة ودار بها في البلد في مستهل سنة سبع وسبعمائة وفي هذه السنة عمر في حرم مكة بنحو مائة ألف وحج بالناس من الشام الأمير ركن الدين بيبرس المجنون وممن توفي فيها من الأعيان :
*3*القاضي تاج الدين
@ صالح بن أحمد بن حامد بن علي الجعدي الشافعي نائب الحكم بدمشق ومفيد الناصرية كان ثقة دينا عدلا مرضيا زاهدا حكم من سنة سبع وخمسين وستمائة له فضائل وعلوم وكان حسن الشكل والهيئة توفي في ربيع الأول عن ست وسبعين سنة ودفن بالسفح وناب في الحكم بعده نجم الدين الدمشقي
*3* الشيخ ضياء الدين الطوسي
@ أبو محمد عبدالعزيز بن محمد بن علي الشافعي مدرس النجيبية شارح الحاوي ومختصر ابن الحاجب كان شيخا فاضلا بارعا وأعاد في الناصرية أيضا توفي يوم الاربعاء بعد مرجعه من الحمام تاسع عشر من جمادي الاولى وصلى عليه يوم الخميس ظاهر باب النصر وحضر نائب السلطنة وجماعة من الأمراء والأعيان ودفن بالصوفية ودرس بعده بالمدرسة بهاء الدين بن العجمي
*3* الشيخ جمال الدين إبراهيم بن محمد بن سعدالطيبي
@ المعروف بابن السوابلي والسوابل الطاسات كان معظما ببلاد الشرق جدا كان تاجرا كبيرا توفي في هذا الشهر المذكور
*3* الشيخ الجليل سيف الدين الرجيحي
@ ابن سابق بن هلال بن يونس شيخ اليونسية بمقامهم صلى عليه سادس رجب بالجامع ثم أعيد إلى داره التي سكنها داخل باب توما وتعرف بدار أمين الدولة فدفن بها وحضر جنازته خلق كثير من الأعيان والقضاة والأمراء وكانت له حرمة كبيرة عند الدولة وعند طائفته وكان ضخم الهامة جدا محلوق الشعر وخلف أموالا وأولادا
*3* الأمير فارس الدين الروادي
@ توفي في العشر الأخير من رمضان وكان قد رأى النبي قبل وفاته بأيام وهو يقول له أنت مغفور لك او نحو هذا وهو من أمراء حسام الدين لاجين
*3* الشيخ العابد خطيب دمشق شمس الدين
@ شمس الدين محمد بن الشيخ أحمد بن عثمان الخلاطي إمام الكلاسة كان شيخا حسنا بهى المنظر كثير العبادة عليه سكون ووقار باشر إمامة الكلاسة قريبا من أربعين سنة ثم طلب إلى أن يكون خطيبا بدمشق بالجامع من غير سؤال منه ولا طلب فباشرها ستة أشهر ونصف أحسن مباشرة وكان حسن الصوت طيب النغمة عارفا بصناعة الموسيقا مع ديانة وعبادة وقد سمع الحديث توفي فجأة بدار الخطابة يوم الاربعاء ثامن شوال عن ثنتين وستين سنة وصلى عليه بالجامع وقد امتلأ بالناس ثم صلى عليه بسوق الخيل وحضر نائب السلطنة والأمراء والعامة وقد غلقت الأسواق ثم حمل إلى سفح قاسيون رحمه الله
*2* ثم دخلت سنة سبع وسبعمائة
@ استهلت والحكام هم المذكورون في التي قبلها والشيخ تقي الدين بن تيمية معتقل في قلعة الجبل بمصر وفي أوائل المحرم أظهر السلطان الملك الناصر الغضب على الامير ابن سلار والجاشنكير وامتنع من العلامة وأغلق القلعة وتحصن فيها ولزم الأميران بيوتهما واجتمع عليهما جماعة من الأمراء وحوصرت القعلة وجرت خبطة عظيمة وغلقت الأسواق ثم راسلوا السلطان فتأطدت الأمور وسكنت الشرور على دخن وتنافر قلوب وقوى الأميران أكثر مما كانا قبل ذلك وركب السلطان ووقع الصلح على دخن وفي المحرم وقعت الحرب بين التتر وبين أهل كيلان وذلك أن ملك التتر طلب منهم أن يجعلوا في بلادهم طريقا إلى عسكره فامتنعوا من ذلك فأرسل ملك التتر خربندا جيشا كثيفا ستين ألفا من المقاتلة أربعين ألفا مع قطلوشاه وعشرني ألفا مع جوبان فأمهلهم أهل كيلان حتى توسطوا بلادهم ثم ارسلوا عليهم خليجا من البحر ورموهم بالنفط فغرق كثير منهم واحترق آخرون وقتلوا بأيديهم طائفة كثيرة فلم يفلت منهم إلا القليل وكان فيمن
قتل امير التتر الكبير قطلوشاه فاشتد غضب خربندا على أهل كيلان ولكنه فرح بقتل قطلوشاه فإنه كان يريد قتل خربندا فكفى امره عنهم ثم قتل بعده بولاي ثم إن ملك التتر ارسل الشيخ براق الذي قدم الشام فيما تقدم إلى أهل كيلان يبلغهم عنه رسالة فقتلوه وأراحوا الناس منه وبلادهم من أحصن البلاد وأطيبها لا تستطاع وهم أهل سنة وأكثرهم حنابلة لا يستطيع مبتدع أن يسكن بين أظهرهم
وفي يوم الجمعة رابع عشر صفر اجتمع قاضي القضاة بدر الدين بن جماعة بالشيخ تقي الدين ابن تيمية في دار الأوحدي من قلعة الجبل وطال بينهما الكلام ثم تفرقا قبل الصلاة والشيخ تقي الدين مصمم على عدم الخروج من السجن فلما كان يوم الجمعة الثالث والعشرين من ربيع الأول جاء الأمير حسام الدين مهنا بن عيسى ملك العرب إلى السجن بنفسه وأقسم على الشيخ تقي الدين ليخرجن اليه فلما خرج اقسم عليه ليأتين معه إلى دار سلار فاجتمع به بعض الفقهاء بدار سلار وجرت بينهم بحوث كثيرة ثم فرقت بينهم الصلاة ثم اجتمعوا إلى المغرب وبات الشيخ تقي الدين عند سلار ثم اجتمعوا يوم الأحد بمرسوم السلطان جميع النهار ولم يحضر احد من القضاة بل اجتمع من الفقهاء خلق كثير أكثر من كل يوم منهم الفقيه نجم الدين بن رفع وعلاء الدين التاجي وفخر الدين بن بنت أبي سعد وعز الدين النمراوي وشمس الدين بن عدنان وجماعة من الفقهاء وطلبوا القضاة فاعتذروا بأعذار بعضهم بالمرض وبعضهم بغيره لمعرفتهم بما ابن تيمية منطوي عليه من العلوم والادلة وأن احدا من الحاضرين لا يطيقه فقبل عذرهم نائب السلطنة ولم يكلفهم الحضور بعد أن رسم السلطان بحضورهم أو بفصل المجلس على خير وبات الشيخ عند نائب السلطنة وجاء الأمير حسام الدين مهنا يريد أن يستصحب الشيخ تقي الدين معه إلى دمشق فأشار سلار باقامة الشيخ بمصر عنده ليرى الناس فضله وعلمه وينتفع الناس به ويشتغلوا عليه وكتب الشيخ كتابا إلى الشام يتضمن ما وقع له من الأمور قال البرزالي وفي شوال منها شكى الصوفية بالقاهرة على الشيخ تقي الدين وكلموه في ابن عربي وغيره إلى الدولة فردوا الأمر في ذلك إلى القاضي الشافعي فعقد له مجلس وادعى عليه ابن عطاء بأشياء فلم يثبت عليه منها شيء لكنه قال لا يستغاث إلا بالله لا يستغاث بالنبي استغاثة بمعنى العبارة ولكن يتوسل به ويتشفع به إلى الله فبعض الحاضرين قال ليس عليه في هذا شيء ورأى القاضي بدر الدين بن جماعة أن هذا فيه قلة أدب فحضرت رسالة الى القاضي أن يعمل معه ما تقتضيه الشريعة فقال القاضي قد قلت له ما يقال لمثله ثم إن الدولة خيروه بين أشياء إما أن يسير إلى دمشق او الاسكندرية بشروط أو الحبس فاختار الحبس فدخل عليه جماعة في السفر إلى دمشق ملتزما ما شرط فأجاب أصحابه إلى ما اختاروا جبرا لخواطرهم فركب خيل البريد ليلة الثامن عشر من شوال ثم ارسلوا خلفه من الغد بريدا آخر فردوه وحضر عند قاضي القضاة ابن جماعة وعنده جماعة من الفقهاء فقال له بعضهم إن الدولة ما ترضى إلا بالحبس فقال القاضي وفيه مصلحة له واستتاب شمس الدين التونسي المالكي وأذن له ان يحكم عليه بالحبس فامتنع وقال ما ثبت عليه شيء فأذن لنور الدين الزواوي المالكي فتحير فلما رأى الشيخ توقفهم في حبسه قال انا امضي إلى الحبس وأتبع ما تقتضيه المصلحة فقال نور الدين الزواوي يكون في موضع يصلح لمثله فقيل له الدولة ما ترضى إلا بمسمى الحبس فأرسل إلى حبس القضاة في المكان الذي كان فيه تقي الدين ابن بنت الأعز حين سجن واذن له ان يكون عنده من يخدمه كان ذلك كله بإشارة نصر المنبجي لوجاهته في الدولة فإنه كان قد استحوذ على عقل الجاشنكير الذي تسلطن فيما بعد وغيره من الدولة والسلطان مقهور معه واستمر الشيخ في الحبس يستفتي ويقصده الناس ويزورونه وتأتيه الفتاوي المشكلة التي لا يستطيعها الفقهاء من الأمراء وأعيان الناس فيكتب عليها بما يحير العقول من الكتاب والسنة ثم عقد للشيخ مجلس بالصالحية بعد ذلك كله ونزل الشيخ بالقاهرة بدار ابن شقير وأكب الناس على الاجتماع به ليلا ونهارا وفي سادس رجب باشر الشيخ كمال الدين بن الزملكاني نظر ديوان المارستان عوضا عن يوسف العجمي توفي وكان محتسبا بدمشق مدة فأخذها منه نجم الدين بن البصراوي قبل هذا بستة أشهر وكان العجمي موصوفا بالامانة وفي ليلة النصف من شعبان أبطلت صلاة ليلة النصف لكونها بدعة وصين الجامع من الغوغاء والرعاع وحصل بذلك خير كثير ولله الحمد والمنة

وفي رمضان قدم الصدر نجم الدين البصراوي ومعه توقيع بنظر الخزانة عوضا عن شمس الدين الخطيري مضافا إلى ما بيده من الحسبة ووقع في أواخر رمضان مطر قوي شديد وكان الناس لهم مدة لم يمطروا فاستبشروا بذلك ورخصت الاسعار ولم يمكن الناس الخروج إلى المصلى من كثرة المطر فصلوا بالجامع وحضر نائب السلطنة فصلى بالمقصورة وخرج المحمل وأمير الحج عامئذ سيف الدين بلبان البدري التتري وفيها حج القاضي شرف الدين البارزي من حماة وفي ذي الحجة وقع حريق عظيم بالقرب من الظاهرية مبدؤه من الفرن تجاهها الذي يقال له فرن العوتية ثم لطف الله وكف شرها وشررها
قلت وفي هذه السنة كان قدومنا من بصرى إلى دمشق بعد وفاة الوالد وكان أول ما سكنا بدرب سعور الذي يقال له درب ابن ابي الهيجاء بالصاغة العتيقة عند الطوريين ونسأل الله حسن العاقبة والخاتمة آمين
وممن توفي فيها من الاعيان :
*3* الامير ركن الدين بيبرس
@ العجمي الصالحي المعروف بالجالق كان رأس الجمدارية في أيام الملك الصالح نجم الدين أيوب وامره الملك الظاهر كان من أكابر الدولة كثير الاموال توفي بالرملة لأنه كان في قسم اقطاعه في نصف جمادي الأولى ونقل إلى القدس فدفن به
*3* الشيخ صالح الاحمدي الرفاعي
@ شيخ المينبع كان التتر يكرمونه لما قدموا دمشق ولما جاء قطلوشاه نائب التتر نزل عنده وهو الذي قال للشيخ تقي الدين بن تيمية بالقصر نحن ما ينفق حالنا إلا عند التتر وأما عند الشرع فلا
*2* ثم دخلت سنة ثمان وسبعمائة
@ استهلت والحكام هم المذكورون في التي قبلها والشيخ تقي الدين قد أخرج من الحبس والناس قد عكفوا عليه زيارة وتعلما وإستفتاء وغير ذلك وفي مستهل ربيع الاول أفرج عن الامير نجم الدين خضر بن الملك الظاهر فأخرج من البرج وسكن دار الافرم بالقاهرة ثم كانت وفاته في خامس رجب من هذه السنة وفي أواخر جمادي الاولى تولى نظر ديوان ملك الامراء زين الدين الشريف ابن عدنان عوضا عن ابن الزملكاني ثم اضيف اليه نظر الجامع أيضا عوضا عن ابن الخطيري وتولى نجم الدين بن الدمشقي نظر الأيتام عوضا عن نجم الدين بن هلال وفي رمضان عزل الصاحب امين الدين الرفاقي عن نظر الدواوين بدمشق وسافر إلى مصر وفيها عزل كمال الدين ابن الشريشي نفسه عن وكالة بيت المال وصمم على الاستمرار على العزل وعرض عليه العود فلم يقبل وحملت اليه الخلعة لما خلع على المباشرين فلم يلبسها واستمر معزولا الى يوم عاشوراء من السنة الاتية فجدد تقليده وخلع عليه في الدولة الجديدة
وفهيا خرج الملك الناصر محمد بن قلاوون من الديار المصرية قاصدا الحج وذلك في السادس والعشرين من رمضان وخرج معه جماعة من الامراء لتوديعه فردهم ولما اجتاز بالكرك عدل اليها فنصب له الجسر فلما توسطه كسر به فسلم من كان أمامه وقفز به الفرس فسلم وسقط من كان وراءه وكانوا خمسين فمات منهم أربعة وتهشم أكثرهم في الوادي الذي تحت الجسر وبقي نائب الكرك الامير جمال الدين آقوش خجلا يتوهم أن يكون هذا يظنه السلطان عن قصد وكان قد عمل للسلطان ضيافة غرم عليها أربعة عشر ألفا فلم يقع الموقع لاشتغال السلطان بهم وما جرى له ولأصحابه ثم خلع على النائب وأذن له في الانصراف إلى مصر فاسفر واشتغل السلطان بتدبير المملكة في الكرك وحدها كان يحضر دار العدل ويباشر الامور بنفسه وقدمت عليه زوجته من مصر فذكرت له ما كانوا فيه من ضيق الحال وقلة النفقات
ذكر سلطنة الملك المظفر ركن الدين بيبرس الجاشنكير بشيخ المنبجي عدو ابن تيمية لما استقر الملك النصار بالكرك وعزم على الاقامة بها كتب كتابا إلى الديار المصرية يتضمن عزل نفسه عن المملكة فأثبت ذلك على القضاة بمصر ثم نفذ على قضاة الشام وبويع الامير ركن الدين بيبرس الجاشنكير في السلطنة في الثالث والعشرين من شوال يوم السبت بعد العصر بدار الامير سيف الدين سلار اجتمع بها اعيان الدولة من الامراء وغيرهم وبايعوه وخاطبوه بالملك المظفر وركب إلى القلعة ومشوا بين يديه وجلس على سرير الملكة بالقلعة ودقت البشائر وسارت البريدية بذلك إلى سائر البلدان وفي مستهل ذي القعدة وصل الامير عز الدين البغدادي الى دمشق فاجتمع بنائب السلطنة والقضاة والأمراء والاعيان بالقصر الابلق فقرأ عليهم كتاب الناصر إلى أهل مصر وأنه قد نزل عن الملك وأعرض عنه فأثبته القضاة وامتنع الحنبلي من إثباته وقال ليس أحد يترك الملك مختارا ولولا أنه مضطهد ما تركه فعزل وأقيم غيره واستحلفهم للسلطان الملك المظفر وكتبت العلامة على القلعة وألقابه على محال المملكة ودقت البشائر وزينت البلد ولما قرئ كتاب الملك الناصر على الامراء بالقصر وفيه إني قد صحبت الناس عشر سنين ثم اخترت المقام بالكرك تباكى جماعة من الامراء وبايعوا كالمكرهين وتولى مكان الامير ركن الدين بيبرس الجاشنكير الامير سيف الدين بن علي ومكان ترعكي سيف الدين بنخاص ومكان بنخاص الامير جمال الدين آقوش الذي كان نائب الكرك وخطب للمظفر يوم الجمعة على المنابر بدمشق وغيرها وحضر نائب السلطنة الافرم والقضاة وجاءت الخلع وتقليد نائب السلطنة في تاسع عشر ذي القعدة وقرأ تقليد النائب كاتب السر القاضي محيي الدين بن فضل الله بالقصر بحضرة الأمراء وعليهم الخلع كلهم وركب المظفر بالخلعة السوداء الخليفية والعمامة المدورة والدولة بين يديه عليهم الخلع يوم السبت سابع ذي القعدة والصاحب ضياء الدين ! النسائي حامل تقليد السلطان من جهة الخليفة في كيس أطلس أسود وأوله إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم ويقال إنه خلع في القاهرة قريب ألف خلعة ومائتي خلعة وكان يوما مشهودا وفرح بنفسه أياما يسيرة وكذا شيخه المنبجي ثم أزال الله عنهما نعمته سريعا
وفيها خطب ابن جماعة بالقلعة وباشر الشيخ علاء الدين القونوي تدريس الشريفية وممن توفي فيها من الاعيان :
*3* الشيخ الصالح عثمان الحلبوني
@ اصله من صعيد مصر فاقام مدة بقرية حلبون وغيرها من تلك الناحية ومكث مدة لا يأكل الخبز واجتمع عليه جماعة من المريدين وتوفي بقرية برارة في أواخر المحرم ودفن بها وحضر جنازته نائب الشام والقضاة وجماعة من الاعيان
*3* الشيخ الصالح
@ أبو الحسن علي بن محمد بن كثير الحراني الحنبلي إمام مسجد عطية ويعرف بابن المقري روى الحديث وكان فقيها بمدارس الحنابلة ولد بحران سنة أربع وثلاثين وستمائة وتوفي بدمشق في العشر الاخير من رمضان ودفن بسفح قاسيون وتوفي قبله الشيخ زين الدين الحراني بغزة وعمل عزاؤه بدمشق رحمهما الله
*3* السيد الشريف زين الدين
@ أبو علي الحسن بن محمد بن عدنان الحسيني نقيب الاشراف كان فاضلا بارعا فصيحا متكلما يعرف طريقة الاعتزال ويباحث الامامية ويناظر على ذلك بحضرة القضاة وغيرهم وقد باشر قبل وفاته بقليل نظر الجامع ونظر ديوان الأفرم توفي يوم الخامس من ذي القعدة عن خمس وخمسين سنة ودفن بتربتهم بباب الصغير
*3* الشيخ الجليل ظهير الدين
@ أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن أبي الفضل بن منعة البغدادي شيخ الحرم الشريف بمكة بعد عمه عفيف الدين منصور بن منعة وقد سمع الحديث واقام ببغداد مدة طويلة ثم سار إلى مكة بعد وفاة عمه فتولى مشيخة الحرم إلى أن توفي


التوقيع :


اللهم صل على سيدنا محمد عبدك ونبيك ورسولك
النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم تسليما عدد مااحاط به علمك
وخط به قلمك واحصاه كتابك
وارض اللهم عن سادتنا ابي بكر وعمر وعثمان وعلي
وعن الصحابة أجمعين وعن التابعين وتابعيهم بإحسان الى يوم الدين





رد مع اقتباس
قديم 09-01-2006, 08:39 PM   رقم المشاركة : 7
الكاتب

أفاق : الاداره

مراقب

مراقب

أفاق : الاداره غير متواجد حالياً


الملف الشخصي









أفاق : الاداره غير متواجد حالياً


مشاركة: البداية والنهاية الجزء الرابع عشر

@
*2* ثم دخلت سنة تسع وسبعمائة
@ استهلت وخليفة الوقت المستكفي أمير المؤمنين ابن الحاكم بأمر الله العباسي وسلطان البلاد الملك المظفر ركن الدين بيبرس الجاشنكير ونائبه بمصر الامير سيف الدين سلار وبالشام آقوش الأفرم وقضاة مصر والشام هم المذكورون في التي قبلها وفي ليلة سلخ صفر توجه الشيخ تقي الدين ابن تيمية من القاهرة إلى الاسكندرية صحبة أمير مقدم فأدخله دار السلطان وأنزله في برج منها فسيح متسع ! الاكناف فكان الناس يدخلون عليه ويتشغلون في سائر العلوم ثم كان بعد ذلك يحضر الجمعات ويعمل المواعيد على عادته في الجامع وكان دخوله إلى الاسكندرية يوم الاحد وبعد عشرة أيام وصل خبره إلى دمشق فحصل عليه تألم وخافوا عليه غائلة الجاشنكير وشيخه المنبجي فتضاعف له الدعاء وذلك أنهم لم يمكنوا أحدا من أصحابه أن يخرج معه إلى الاسكندرية فضاقت له الصدرو وذلك أنه تمكن منه عدوه نصر المنبجي وكان سبب عداوته له أن الشيخ تقي الدين كان ينال من الجاشنكير ومن شيخه نصر المنبجي ويقول زالت أيامه وانتهت رياسته وقرب انقضاء أجله ويتكلم فيهما وفي ابن عربي وأبتاعه فأرادوا أن يسيروه إلى الاسكندرية كهيئة المنفي لعل أحدا من أهلها يتجاسر عليه فيقتله غيلة فما زاد ذلك الناس إلا محبة فيه وقربا منه وانتفاعا به واشتغلا عليه وحنوا وكرامة له وجاء كتاب من أخيه يقول فيه إن الاخ الكريم قد نزل بالثغر المحروس على نية الرباط فإن اعداء الله قصدوا بذلك أمروا يكيدونه بها ويكيدون الاسلام وأهله
وكانت تلك كرامة في حقنا وظنوا أن ذلك يؤدي إلى هلاك الشيخ فانقلبت عليهم مقاصدهم الخبيثة وانعكست من كل الوجوه وأصبحوا وأمسوا ومازالوا عند الله وعند الناس العارفين سود الوجوه يتقطعون حسرات وندما على ما فعلوا وانقلب أهل الثغر اجمعين إلى الأخ مقبلين عليه مكرمين له وفي كل وقت ينشر من كتاب الله وسنة رسوله ما تقربه أعين المؤمنين وذلك شجى في حلوق الاعداء واتفق انه وجد بالاسكندرية إبليس قد باض فيها وفرخ وأضل بها فرق السبعينية والعربية فمزق الله بقدومه عليهم شملهم وشتت جموعهم شذر مذر وهتك أستارهم وفضحهم واستتاب جماعة كثيرة منهم وتوب رئيسا من رؤسائهم واستقر عند عامة المؤمنين وخواصهم من أمير وقاض وفقيه ومفتي وشيخ وجماعة المجتهدين إلا من شذ من الأغمار الجهال مع الذلة والصغار محبة الشيخ وتعظيمه وقوبل كلامه والرجوع إلى أمره ونهيه فعلت كلمة الله بها على أعداء الله ورسوله ولعنوا سرا وجهرا وباطنا وظاهرا في مجامع الناس بأسمائهم الخاصة بهم وصار ذلك عند نصر المنبجي المقيم المقعد ونزل به من الخوف والذل مالا يعبر عنه وذكر كلاما كثيرا
والمقصود أن الشيخ تقي الدين أقام بثغر الاسكندرية ثمانية اشهر مقيما ببرج متسع مليح نظيف له شبا كان أحدهما إلى جهة البحر والاخر إلى جهة المدينة وكان يدخل عليه من شاء ويتردد إليه الاكابر والاعيان والفقهاء ويقرؤن عليه وستفيدون منه وهو في أطيب عيش وأشرح صدر وفي آخر ربيع الاول عزل الشيخ كمال الدين بن الزملكاني عن نظر المارستان بسبب انتمائه إلى ابن تيمية باشارة المنبجي وباشره شمس الدين عبدا لقادر بن الخطيري وفي يوم الثلاثاء ثالث ربيع الاخر ولي قضاء الحنابلة بمصر الشيخ الامام الحافظ سعد الدين أبو محمود مسعود بن أحمد ابن مسعود بن زين الدين الحارثي شيخ الحديث بمصر بعد وفاة القاضي شرف الدين أبي محمد عبدالغني بن يحيى بن محمد بن عبد الله بن نصر بن أبي بكر الحراني وفي جمادي الاولى برزت المراسيم السلطانية المظفرية إلى البلاد السواحلية بإبطال الخمور وتخريب الحانات ونفى اهلها ففعل ذلك وفرح المسلمون بذلك فرحا شديدا وفي مستهل جمادى الاخرة وصل بريد بتولية قضاء الحنابلة بدمشق للشيخ شهاب الدين أحمد بن شريف الدين حسن بن الحافظ جمال الدين أبي موسى عبد الله بن الحافظ عبد الغني المقدسي عوضا عن التقى سليمان بن حمزة بسبب تكلمه في نزول الملك الناصر عن الملك وإنه إنما نزل عنه مضطهدا بذلك ليس بمختار وقد صدق فيما قال وفي عشرين جمادي الاخرة وصل البريد بولاية شد الدواوين للأمير سيف الدين بكتمر الحاجب عوضا عن الرستمي فلم يقبل وبنظر الخزانة للأمير عز الدين احمد بن زين الدين محمد بن أحمد بن محمود المعروف بابن القلانسي فباشرهما وعزل عنها البصراوي محتسب البلد وفي هذا الشهر باشر قاضي القضاة ابن جماعة مشيخة سعيد السعداء
بالقاهرة بطلب الصوفية له ورضوا منه بالحضور عندهم في الجمعة مرة واحدة وعزل عنها الشيخ كريم الدين الايكي لأنه عزل منها الشهود فثاروا عليه وكتبوا في حقه محاضر بأشياء قادحة في الدين فرسم بصرفه عنهم وعومل بنظير ما كان يعامل به الناس ومن جملة ذلك قيامه على شيخ الاسلام ابن تيمية وافتراؤه عليه الكذب مع جهله وقلة ورعه فجعل الله له هذا الخزي على يدي أصحابه وأصدقائه جزاء وفاقا وفي شهر رجب كثر الخوف بدمشق وانتقل الناس من ظاهرها إلى داخلها وسبب ذلك أن السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون ركب من الكرك قاصدا دمشق يطلب عوده إلى الملك وقد مالأه جماعة من الأمراء وكاتبوه في الباطن وناصحوه وقفز اليه جماعة من أمراء المصريين وتحدث الناس بسفر نائب دمشق الافرم إلى القاهرة وأن يكون مع الجم الغفير فاضطرب الناس ولم تفتح أبواب البلد إلى ارتفاع النهار وتخبطت الامور فاجتمع القضاة وكثير من الامراء بالقصر وجددوا البيعة للملك المظفر وفي آخر نهار السبت غلقت أبواب البلد بعد العصر وازدحم الناس بباب النصر وحصل لهم تعب عظيم وازدحم البلد بأهل القرى وكثر الناس بالبلد وجاء البريد بوصول الملك الناصر إلى الخمان فانزعج نائب الشام لذلك وأظهر أنه يريد قتاله ومنعه من دخول البلد وقفز اليه الاميران ركن الدين بيبرس المجنون وبيبرس العلمي وركب اليه الامير سيف الدين بكتمر حاجب الحجاب يشير عليه بالرجوع ويخبره بأنه لا طاقة له بقتال المصريين ولحقه الامير سيف الدين بهادرا يشير عليه بمثل ذلك ثم عاد إلى دمشق يوم الثلاثاء خامس رجب وأخبر أن السلطان الملك الناصر قد عاد الى الكرك فسكن الناس ورجع نائب السلطنة الى القصر وتراجع بعض الناس الى مساكنهم واستقروا بها

*3* صفة عود الملك الناصر محمد بن الملك المنصور قلاوون الى الملك وزاول دولة المظفر الجاشنكير بيبرس وخذلانه وخذلان شيخه نصر المنبجي الاتحادي الحلولي
@ لما كان ثالث عشر شعبان جاء الخبر بقدوم الملك الناصر إلى دمشق فساق اليه الاميران سيف الدين قطلوبك والحاج بهادر إلى الكرك وحضاه على المجيء اليها واضطرب نائب دمشق وركب في جماعة من اتباعه على الهجن في سادس عشر شعبان ومعه ابن صبح صاحب شقيف اربون وهيئت بدمشق ابهة السلطنة والاقامات اللائقة به والعصائب والكوسات وركب من الكرك في أبهة عظيمة وأرسل الأمان ألى الافرم ودعا له المؤذنون في المأذنة ليلة الاثنين سابع عشر شعبان وصبح بالدعاء له والسرور بذكره ونودي في الناس بالأمان وأن يفتحوا دكاكينهم
ويامنوا في أوطانهم وشرع الناس في الزينة ودقت البشائر ونام الناس في الاسطحة ليلة الثلاثاء ليتفرجوا على السلطان حين يدخل البلد وخرج القضاة والأمراء والاعيان لتلقيه
قال كاتبه ابن كثير وكنت فيمن شاهد دخوله يوم الثلاثاء وسط النهار في أبهة عظيمة وبسط له من عند المصلى وعليه أبهة الملك وبسطت الشقاق الحرير تحت أقدام فرسه كلما جاوز شقة طويت من ورائه والجد على رأسه والأمراء السلحدارية عن يمينه وشماله وبين يديه والناس يدعون له ويضجون بذلك ضجيجا عاليا وكان يوما مشهودا قال الشيخ علم الدين البرزالي وكان على السلطان يومئذ عمامة بيضاء وكارثة حمراء وكان الذي حمل الغاشية على رأس السلطان الحاج بهادر وعليه خلعة معظمة مذهبة بفرو فاخم ولما وصل الى القلعة نصب له الجسر ونزل اليه نائبها الامير سيف الدين السنجري فقبل الارض بين يديه فأشار اليه إني الان لا أنزل ههنا وسار بفرسه إلى جهة القصر الابلق والامراء بين يديه فخطب له يوم الجمعة
وفي بكرة يوم السبت الثاني والعشرين من الشهر وصل الأمير جمال الدين آقوش الافرم نائب دمشق مطيعا للسلطان فقبل الارض بين يديه فترجل له السلطان وأكرمه وأذن له في مباشرة النيابة على عادته وفرح الناس بطاعة الأفرم له ووصل إليه أيضا الامير سيف الدين قبجق نائب حماة والامير سيف الدين استدمر نائب طرابلس يوم الاثنين الرابع والعشرين من شعبان وخرج الناس لتلقيهما وتلقاهما السلطان كما تلقى الأفرم وفي هذا اليوم رسم السلطان بتقليد قضاء الحنابلة وعوده إلى تقي الدين سليمان وهنأه الناس وجاء إلى السلطان إلى القصر فسلم عليه ومضى إلى الجوزية فحكم بها ثلاثة أشهر وأقيمت الجمعة الثانية بالميدان وحضر السلطان والقضاة إلى جانبه وأكابر الامراء والدولة وكثير من العامة وفي هذا اليوم وصل إلى اسلطان الامير قراسنقر المنصوري نائب حلب وخرج دهليز السلطان يوم الخميس رابع رمضان ومعه القضاة والقراء وقت العصر وأقيمت الجمعة خامس رمضان بالميدان أيضا ثم خرج السلطان من دمشق يوم الثلاثاء تاسع رمضان وفي صحبته ابن صصرى وصدر الدين الحنفي قاضي العساكر والخطيب جلال الدين والشيخ كمال الدين بن الزملكاني والموقعون وديوان الجيش وجيش الشام بكماله قد اجتمعوا عليه من سائر مدنه واقاليمه بنوا به وأمرائه فلما انتهى السلطان إلى غزة دخلها في أبهة عظيمة وتلقاه الامير سيف الدين بهادر هو وجماعة من أمراء المصريين فأخبروه أن الملك المظفر قد خلع نفسه من المملكة ثم تواتر قدوم الامراء من مصر إلى السلطان وأخبروه بذلك فطابت قلوب الشاميين واستبشروا بذلك ودقت البشائر وتأخر مجيء البريد بصورة الناصري
واتفق في يوم هذا العيد أنه خرج نائب الخطيب الشيخ تقي الدين الجزري المعروف بالمقضاي في ! السناجق إلى المصلى على العادة واستناب في البلد الشيخ مجد الدين التونسي فلما وصلوا إلى المصلى وجدوا خطيب المصلى قد شرع في الصلاة فنصبت السناجق في صحن المصلى وصلى بينهما تقي الدين المقضاي ثم خطب وكذلك فعل ابن حسان داخل المصلى فعقد فيه صلاتان وخطبتان يومئذ ولم يتفق مثل هذا فيما نعلم
وكان دخول السلطان الملك الناصر إلى قلعة الجبل آخر يوم عيد الفطر من هذه السنة ورسم لسلار أن يسافر إلى الشوبك واستناب بمصر الأمير سيف الدين بكتمر الجوكندار الذي كان نائب صفد وبالشام الأمير قراسنقر المنصوري وذلك في العشرين من شوال واستوزر الصاحب فخر الدين الخليلي بعدها بيومين وباشر القاضي فخر الدين كاتب الممالك نظر الجيوش بمصر بعد بهاء الدين عبد الله بن أحمد بن علي بن المظفر الحلي توفي ليلة الجمعة عاشر شوال وكان من صدور المصريين وأعيان الكبار وقد روى شيئا من الحديث وصرف الامير جمال الدين آقوش الأفرم إلى نيابة صرخد وقدم إلى دمشق الامير زين الدين كتبغا رأس نوبة الجمدارية شد الدواوين واستاذ دار الاستادارية عوضا عن سيف الدين اقجبا وتغيرت الدولة وانقلبت قلبة عظيمة
قال الشيخ علم الدين البرزالي ولما دخل السلطان إلى مصر يوم عيد الفطر لم يكن له دأب إلا طلب الشيخ تقي الدين بن تيمية من الاسكندرية معززا مكرما مبجلا فوجه إليه في ثاني يوم من شوال بعد وصوله بيوم أو يومين فقدم الشيخ تقي الدين على السلطان في يوم ثامن الشهر وخرج مع الشيخ خلق من الاسكندرية يودعونه واجتمع بالسلطان يوم الجمعة فأكرمه وتلقاه ومشى اليه في مجلس حفل فيه قضاة المصريين والشاميين وأصلح بينه وبينهم ونزل الشيخ إلى القاهرة وسكن بالقرب من مشهد الحسين والناس يترددون اليه والامراء والجند وكثير من الفقهاء والقضاة منهم من يعتذر اليه ويتنصل مما وقع منه فقال انا حاللت كل من أذاني
قلت وقد أخبرني القاضي جمال الدين بن القلانسي بتفاصيل هذا المجلس وما وقع فيه من تعظيمه وإكرامه مما حصل له من الشكر والمدح من السلطان والحاضرين من الامراء وكذلك أخبرني بذلك قاضي القضاة منصور الدين الحنفي ولكن أخبار ابن القلانسي أكثر تفصيلا وذلك أنه كان إذ ذاك قاضي العساكر وكلاهما كان حاضرا هذا المجلس ذكر لي أن السلطان لما قدم عليه الشيخ تقي الدين بن تيمية نهض قائما للشيخ أول ما رآه ومشى له إلى طرف الايوان واعتنقا هناك هنيهة ثم أخذ معه ساعة إلى طبقة فيها شباك إلى بستان فجلسا ساعة يتحدثان ثم جاء ويد الشيخ في يد السلطان فجلس السلطان وعن يمينه ابن جماعة قاضي مصر وعن يساره ابن الخليلي الوزير وتحته ابن صصرى ثم صدر الدين علي الحنفي وجلس الشيخ تقي الدين بين يدي السلطان على طرف طراحته وتكلم الوزير في إعادة أهل الذمة إلى لب س العمائم البيض بالعلائم وأنهم قد التزموا للديوان بسبع مائة ألف في كل سنة زيادة على الحالية فسكت الناس وكان فيهم قضاة مصر والشام وكبار العلماء من أهل مصر والشام من جملتهم ابن الزملكاني قال ابن القلانسي وأنا في مجلس السلطان إلى جنب ابن الزملكاني فلم يتكلم أحد من العلماء ولا من القضاة فقال لهم السلطان ما تقولون يستفتيهم في ذلك فلم يتكلم أحد فجثى الشيخ تقي الدين على ركبتيه وتكلم مع السلطان في ذلك بكلام غليظ ورد على الوزير ما قاله ردا عنيفا وجعل يرفع صوته والسلطان يتلافاه ويسكته بترفق وتؤدة وتوقير وبالغ الشيخ في الكلام وقال مالا يستطيع أحد أن يقوم بمثله ولا بقريب منه وبالغ في التشنيع على من يوافق في ذلك وقال للسلطان حاشاك ان يكون أول مجلس جلسته في أبهة الملك تنصر فيه أهل الذمة لأجل حطام الدنيا الفانية فاذكر نعمة الله عليك إذ رد ملكك إليك وكبت عدوك ونصرك على أعدائك فذكر أن الجاشنكير هو الذي جدد عليهم ذلك فقال والذي فعله الجاشنكير كان من مراسيمك لأنه إنما كان نائبا لك فأعجب السلطان ذلك واستمر بهم على ذلك وجرت فصول يطول ذكرها وقد كان السلطان أعلم بالشيخ من جميع الحاضرين ودينه وزينته وقيامه بالحق وشجاعته وسمعت الشيخ تقي الدين يذكر ما كان بينه وبين السلطان من الكلام لما انفردا في ذلك الشباك الذي جلسا فيه وأن السلطان استفتى الشيخ في قتل بعض القضاة بسبب ما كانوا تكلموا فيه وأخرج له فتاوى بعضهم بعزله من الملك ومبايعة الجاشنكير وأنهم قاموا عليك وآذوك أنت أيضا وأخذ يحثه بذلك على أن يفتيه في قتل بعضهم وإنما كان حنقه عليهم بسبب ما كانوا سعوا فيه من عزله ومبايعة الجاشنكير ففهم الشيخ مراد السلطان فأخذ في تعظيم القضاة والعلماء وينكر أن ينال أحدا منهم بسوء وقال له إذا قتلت هؤلاء لا تجد بعدهم مثلهم فقال له إنهم قد آذوك وأرادوا قتلك مرارا فقال الشيخ من آذاني فهو في حل ومن آذى الله ورسوله فالله ينتقم منه وأنا لاأنتصر لنفسي وما زال به حتى حلم عنهم السلطان وصفح
قال وكان قاضي المالكية ابن مخلوف يقول ما رأينا مثل ابن تيمية حرضنا عليه فلم نقدر عليه وقدر علينا فصفح عنا وحاجج عنا ثم إن الشيخ بعد اجتماعه بالسلطان نزل إلى القاهرة وعاد إلى بث العلم ونشره وأقبلت الخلق عليه ورحلوا اليه يشتغلون عليه ويستفتونه ويجيبهم بالكتابة والقول وجاء الفقهاء يعتذرون مما وقع منهم في حقه فقال قد جعلت الكل في حل وبعث الشيخ كتابا إلى أهله يذكر ما هو فيه من نعم الله وخيره الكثير ويطلب منهم جملة من كتب
العلم التي له ويستعينوا على ذلك بجمال الدين المزي فإنه يدري كيف يستخرج له ما يريده من الكتب التي أشار اليها وقال في هذا الكتاب والحق كل ماله في علو وإزدياد وانتصار والباطل في انخفاض وسفول واضحلال وقد أذل الله رقاب الخصوم وطلب أكابرهم من السلم من يطول وصفه وقد اشترطنا عليهم من الشروط ما فيه عز الاسلام والسنة وما فيه قمع الباطل والبدعة وقد دخلوا تحت ذلك كله وامتنعنا من قبول ذلك منهم حتى يظهر الى الفعل فلم نثق لهم بقول ولا عهد ولم نجبهم إلى مطلوبهم حتى يصير المشروط معمولا والمذكور مفعولا ويظهر من عز الاسلام والسنة للخاصة والعامة ما يكون من الحسنات التي تمحو سيئاتهم وذكر كلاما طويلا يتضمن ما جرى له مع السلطان في قمع اليهود والنصارى وذلهم وتركهم على ما هم عليه من الذلة والصغار والله سبحانه أعلم

وفي شوال أمسك السلطان جماعة من الامراء قريبا من عشرين أميرا وفي سادس عشر شوال وقع بين أهل حوران من قيس ويمن فقتل منهم مقتلة عظيمة جدا قتل من الفريقين نحو من ألف نفس بالقرب من السوداء وهم يسمونها السويداء ووقعة السويداء وكانت الكسرة على يمن فهربوا من قيس حتى دخل كثير منهم إلى دمشق في أسوأ حال وأضعفه وهربت قيس خوفا من الدولة وبقيت القرى خالية والزروع سائبة فإنا لله وإنا اليه راجعون
وفي يوم الأربعاء سادس القعدة قدم الأمير سيف الدين قبجق المنصوري نائبا على حلب فنزل القصر ومعه جماعة من أمراء المصريين ثم سافر إلى حلب بمن معه من الأمراء والأجناد واجتاز الأمير سيف الدين بهادر بدمشق ذاهبا إلى طرابلس نائبا والفتوحات السواحلية عوضا عن الامير سيف الدين استدمر ووصل جماعة ممن كان قدسا فر مع السلطان إلى مصر في ذي القعدة منهم قاضي قضاة الحنفية صدر الدين ومحيي الدين بن فضل الله وغيرهما فقمت وجلست يوما إلى القاضي صدر الدين الحنفي بعد مجيئة من مصر فقال لي أتحب ابن تيمية قلت نعم فقال لي وهو يضحك والله لقد أحببت شيئا مليحا وذكر لي قريبا مما ذكر ابن القلانسي لكن سياق ابن القلانسي أتم
*3* مقتل الجاشنكيري
@ كان قد فر الخبيث في جماعة من أصحابه فلما خرج الامير سيف الدين قراسنقر المنصوري من مصر متوجها إلى نيابة الشام عوضا من الافرم فلما كان بغزة في سابع ذي القعدة ضرب حلقة لأجل الصيد فوقع في وسطبا ! الجاشنكير في ثلاثمائة من أصحابه فأحيط بهم وتفرق عنه أصحابه فأمسكوه ورجع معه قراسنقر وسيف الدين بهادر على الهجن فلما كان بالخطارة تلقاهم استدمر فتسلمن منهم
ورجعا إلى عسكرهم ودخل به استدمر على السلطان فعاتبه ولامه وكان آخر العهد به قتل ودفن بالقرافة ولم ينفعه شيخه المنبجي ولا أمواله بل قتل شر قتلة ودخل قراسنقر دمشق يوم الاثنين الخامس والعشرين من ذي القعدة فنزل بالقصر وكان في صحبته ابن صصرى وابن الزملكاني وابن القلانسي وعلاء الدين بن غانم وخلق من الامراء المصريين والشاميين وكان الخطيب جلال الدين القزويني قد وصل قبلهم يوم الخميس الثاني والعشرين من الشهر وخطب يوم الجمعة على عادته فلما كان يوم الجمعة الاخرى وهو التاسع والعشرون من الشهر خطب بجامع دمشق القاضي بدر الدين محمد بن عثمان بن يوسف بن حداد الحنبلي عن إذن نائب السلطنة وقرئ تقليده على المنبر بعد الصلاة بحضرة القضاة والاكابر والاعيان وخلع عليه عقيب ذلك خلعة سنية واستمر يباشر الامامة والخطابة اثنين واربعين يوما ثم أعيد الخطيب جلال الدين بمرسوم سلطاني وباشر يوم الخميس ثاني عشر المحرم من السنة الاتية
وفي ذي الحجة درس كمال الدين بن الشيرازي بالمدرسة الشامية البرانية انتزعها من يد الشيخ كمال الدين بن الزملكاني وذلك أن استدمر ساعده على ذلك وفيها أظهر ملك التتر خربندا الرفض في بلاده وأمر الخطباء أولا أن لا يذكروا في خطبتهم إلا على بن أبي طالب رضي الله عنه وأهل بيته ولما وصل خطيب بلاد الازج إلى هذا الموضع من خطبته بكى بكاءا شديدا وبكى الناس معه ونزل ولم يتمكن من إتمام الخطبة فأقيم من أتمها عنه وصلى بالناس وظهر على الناس بتلك البلاد من أهل السنة أهله البدعة فإنا لله وإنا اليه راجعون ولم يحج فيها أحد من أهل الشام بسبب تخبيط الدولة وكثرة الاختلاف وممن توفي فيها من الاعيان
*3* الخطيب ناصر الدين أبو الهدى
@ أحمد بن الخطيب بدر الدين يحيى بن الشيخ عز الدين بن عبدالسلام خطيب العقيبة بداره بها وقد باشر نظر الجامع الاموي وغير ذلك توفي يوم الاربعاء النصف من المحرم وصلى عليه بجامع العقيبة ودفن عند والده بباب الصغير وقد روى الحديث وباشر الخطابة بعد والده بدر الدين وحضر عنده نائب السلطنة والقضاة والاعيان :
*3* قاضي الحنابلة بمصر
@ شرف الدين أبو محمد عبد الغني بن يحيى بن محمد بن عبد الله بن نصر بن أبي بكر الحراني ولد بحران سنة خمس وأربعين وستمائة وسمع الحديث وقدم مصر فباشر نظر الخزانة وتدريس الصالحية ثم أضيف إليه القضاء وكان مشكور السيرة كثير المكارم توفي ليلة الجمعة رابع عشر ربيع الاول دفن بالقرافة وولى بعده سعدالدين الحارثي كما تقدم
*3* الشيخ نجم الدين
@ أيوب بن سليمان بن مظفر المصري المعروف بمؤذن النجيبي كان رئيس المؤذنين بجامع دمشق ونقيب الخطباء وكان حسن الشكل رفيع الصوت واستمر بذلك نحوا من خمسين سنة إلى أن توفي في مستهل جمادي الاولى وفي هذا الشهر توفي
*3* الامير شمس الدين سنقر الاعسر المنصوري
@ تولى الوزارة بمصر مع شد الدواوين معا وباشر شد الدواوين بالشام مرات وله دار وبستان بدمشق مشهوران به وكان فيه نهضة وله همة عالية وأموال كثيرة توفي بمصر
*3* الامير جمال الدين آقوش بن عبد الله الرسيمي
@ شاد الدواوين بدمشق وكان قبل ذلك والي الولاة بالجهة القبلية بعد الشريفي وكانت له سطوة توفي يوم الاحد تاسع عشر جمادي الأولى ودفن ضحوة بالقبة التي بناها تجاه قبة الشيخ رسلان وكان فيه كفياة وخبرة وباشر بعده شد الدواوين أقبجا وفي شعبان أو في رجب توفي
*3* التاج ابن سعيد الدولة
@ وكان مسلمانيا وكان سفير الدولة وكانت له مكانة عند الجاشنكير بسبب صحبته لنصر المنبجي شيخ الجاشنكير وقد عرضت عليه الوزارة فلم يقبل ولما توفي تولى وظيفته ابن اخته كريم الدين الكبير
*3* الشيخ شهاب الدين
@ أحمد بن محمد بن أبي المكرم بن نصر الاصبهاني رئيس المؤذنين بالجامع الأموي ولد سنة اثنتين وستمائة وسمع الحديث وباشر وظيفة الأذان من سنة خمس وأربعين إلى أن توفي ليلة الثلاثاء خامس ذي القعدة وكان رجلا جيدا والله سبحانه أعلم
*2* ثم دخلت سنة عشر وسبعمائة
@ استهلت وخليفة لوقت المستكفي بالله أبو الربيع سليمان العباسي وسلطان البلاد الملك الناصر محمد بن المنصور قلاوون والشيخ تقي الدين بن تيمية مقيم بمصر معظما مكرما ونائب مصر الامير سيف الدين بكتمر أميرخزندار وقضاته هم المذكورون في التي قبلها سوى الحنبلي فإنه سعدالدين الحارثي والوزير بمصر فخر الدين الخليلي وناظر الجيوش فخر الدين كاتب المماليك ونائب الشام قراسنقر المنصوري وقضاة دمشق هم هم ونائب حلب قبجق ونائب طرابلس الحاج بهادر والأفرم بصرخد
وفي محرم منها باشر الشيخ أمين الدين سالم بن أبي الدرين وكيل بيت المال إمام مسجد هشام تدريس الشامية الجوانية والشيخ صدر الدين سليمان بن موسى الكردي تدريس العذراوية كلاهما انتزعها من ابن الوكيل بسبب إقامته بمصر وكان قد وفد إلى المظفر فألزمه رواتب لانتمائه إلى المنبجي ثم عاد بتوقيع سلطاني إلى مدرستيه فأقام بهما شهرا أو سبعة وعشرين يوما ثم استعدادهما منه ورجعنا إلى المدرسين الأولين الامين سالم والصدر الكردي ورجع الخطيب جلال الدين إلى الخطابة في سابع عشر المحرم وعزل عنها البدر بن الحداد وباشر الصاحب شمس الدين نظر الجامع والأسرى والأوقاف قاطبة يوم الاثنين ثم خلع عليه وأضيف إليه شرف الدين بن صصرى في نظر الجامع وكان ناظره مستقلا به قبلهما وفي يوم عاشوراء قدم استدمر إلى دمشق متوليا نيابة حماة وسافر إليها بعد سبعة أيام
وفي المحرم باشر بدر الدين بن الحداد نظر المارستان عوضا عن شمس الدين بن الخطيري ووقعت منازعة بين صدر الدين بن المرحل وبين الصدر سليمان الكردي بسبب العذراوية وكتبوا إلى الوكيل محضرا يتضمن من القبائح والفضائح والكفريات على ابن الوكيل فبادر ابن الوكيل إلى القاضي تقي الدين سليمان الحنبلي فحكم باسلامه وحقن دمه وحكم باسقاط التعزير عنه والحكم بعدالته واستحقاقه إلى المناصب وكانت هذه هفوة من الحنبلي ولكن خرجت عنه المدرستان العذراوية لسليمان الكردي والشامية الجوانية للأمين سالم ولم يبق معه سوى دار الحديث الاشرفية وفي ليلة الاثنين السابع من صفر وصل النجم محمد بن عثمان البصراوي من مصر متوليا الوزارة بالشام ومعه توقيع بالحسبة لاخيه فخر الدين سليمان فباشرا المنصبين بالجامع ونزلا بدرب سفون الذي يقال له درب ابن ابي الهيجاء ثم انتقل الوزير إلى دار الأعسر عند باب البريد واستمر نظر الخزانة لعز الدين احمد بن القلانسي أخي الشيخ جلال الدين
وفي مستهل ربيع الاول باشر القاضي جمال الدين الزرعي قضاء القضاة بمصر عوضا عن ابن جماعة وكان قد أخذ منه قبل ذلك في ذي الحجة مشيخة الشيوخ واعيدت الى الكريم الايكي وأخذت منه الخطابة أيضا وجاء البريد إلى الشام بطلب القاضي شمس الدين بن الحريري لقضاء الديار المصرية فسار في العشرين من ربيع الأول وخرج معه جماعة لتوديعه فلما قدم على السلطان أكرمه وعظمه وولاه قضاء الحنفية وتدريس الناصرية والصالحية وجامع الحاكم وعزل عن ذلك القاضي شمس الدين السروجي فمكث أياما ثم مات
وفي نصف هذا الشهر مسك من دمشق سبعة أمراء ومن القاهرة أربعة عشر أميرا وفي ربيع الاخر اهتم السلطان بطلب الامير سيف الدين سلار فحضر هو بنفسه إليه فعاتبه ثم استخلص منه أمواله وحواصله في مدة شهر ثم قتل بعد ذلك فوجد معه من الاموال والحيوان والاملاك والاسلحة والمماليك والبغال والحمير أيضا والرباع شيئا كثيرا وأما الجواهر والذهب والفضة فشيء لا يحد
ولا يوصف في كثرته وحاصل الأمر أنه قد استأثر لنفسه طائفة كبيرة من بيت المال وأموال المسلمين تجري إليه ويقال إنه كان مع ذلك كثير العطاء كريما محببا إلى الدولة والرعية والله أعلم
وقد باشر نيابة السلطنة بمصر من سنة ثمان وتسعين إلى أن قتل يوم الاربعاء رابع عشرين هذا الشهر ودفن بتربته ليلة الخميس بالقرافة سامحه الله وفي ربيع الاخر درس القاضي شمس الدين بن المعز الحنفي بالظاهرية عوضا عن شمس الدين الحريري وحضر عنده خاله الصدر علي قاضي قضاة الحنفية وبقية القضاة والأعيان وفي هذا الشهر كان الأمير سيف الدين استدمر قد قدم دمشق لبعض أشغاله وكان له حنو على الشيخ صدر الدين بن الوكيل فاستنجز له مرسوما بنظر دار الحديث وتدريس العذراوية فلم يباشر ذلك حتى سافر استدمر فاتفق انه وقعت له بعد يومين كائنة بدار ابن درباس الصالحية وذكر أنه وجد عنده شيء من المنكرات واجتمع عليه جماعة من أهل الصالحية مع الحنابلة وغيرهم وبلغ ذلك نائب السلطنة فكاتب فيه فورد الجواب بعزله عن المناصب الدينية فخرجت عنه دار الحديث الاشرفية وبقي بدمشق وليس بيده وظيفة لذلك فلما كان في آخر رمضان سافر إلى حلب فقرر له نائبها استدمر شيئا على الجامع ثم ولاه تدريسا هناك وأحسن إليه وكان الأمير استدمر قد انتقل إلى نيابة حلب في جمادي الاخرة عوضا عن سيف الدين قبجق توفي وباشر مملكة حماة بعده الأمير عماد الدين اسماعيل بن الأفضل علي بن محمود بن تقي الدين عمر بن شاهنشاه بن أيوب وانتقل جمال الدين آقوش الأفرم من صرخد إلى نيابة طرابلس عوضا عن الحاج بهادر وفي يوم الخميس سادس عشر شعبان باشر الشيخ كمال الدين ابن الزملكاني مشيخة دار الحديث الاشرفية عوضا عن ابن الوكيل وأخذ في التفسر والحديث والفقه فذكر من ذلك دروسا حسنة ثم لم يستمر بها سوى خمسة عشر يوما حتى انتزعها منه كمال الدين ابن الشريشي فباشرها يوم الاحد ثالث شهر رمضان وفي شعبان رسم قراسنقر نائب الشام بتوسعة المقصورة فأخرت سدة المؤذنين إلى الركنين المؤخرين تحت قبة النسر ومنعت الجنائز من دخول الجامع أياما ثم أذن في دخولهم
وفي خامس رمضان قدم فخر الدين إياس الذي كان نائبا في قلعة الروم إلى دمشق شاد الدواوين عوضا عن زين الدين كتبغا المنصوري وفي شوال باشر الشيخ علاء الدين علي بن إسماعيل القونوي مشخية الشيوخ بالديار المصرية عوضا عن الشيخ كريم الدين عبدالكريم بن الحسين الايكي توفي وكان له تحرير وهمة وخلع على القونوي خلعة سنية وحضر سعيد السعداء بها وفي يوم الخميس ثالث ذي القعدة خلع على الصاحب عز الدين القلانسي خلعة الوزارء بالشام عوضا عن النجم البصراوي بحكم إقطاعه إمرة عشرة وإعراضه عن الوزارة وفي يوم الاربعاء سادس عشر ذي القعدة عاد الشيخ كمال الدين بن الزملكاني إلى تدريس الشامية البرانية وفي هذا اليوم لبس تقي الدين ابن الصاحب شمس الدين بن السلعوس خلعة النظر على الجامع الأموي ومسك الأمير سيف الدين استدمر نائب حلب في ثاني ذي الحجة ودخل إلى مصر وكذلك مسك نائب البيرة سيف الدين ضرغام بعده بليال وممن توفي فيها من الاعيان :
*3* قاضي القضاة شمس الدين أبو العباس
@ أحمد بن إبراهيم بن عبد الغني السروجي الحنفي شارح الهداية كان بارعا في علوم شتى وولى الحكم بمصر مدة وعزل قبل موته بأيام توفي يوم الخميس ثاني عشر ربيع الاخر ودفن بقرب الشافعي وله اعتراضات على الشيخ تقي الدين بن تيمية في علم الكلام أضحك فيها على نفسه وقد رد عليه الشيخ تقي الدين في مجلدات وأبطل حجته وفيها توفي سلار مقتولا كما تقدم
*3* الصاحب امين الدولة
@ أبو بكر بن الوجيه عبدالعظيم بن يوسف المعروف بابن الرقاقي والحاج بهادر نائب طرابلس مات بها والأمير سيف الدين قبجق نائب حلب مات بها ودفن بتربته بحماه ثاني جمادي الآخرة وكان شهما شجاعا وقد ولى نيابة دمشق في أيام لاجين ثم قفز إلى التتر خوفا من لاجين ثم جاء مع التتر وكان على يديه فرج المسلمين كما ذكرنا عام قازان ثم تنقلت به الأحوال إلى أن مات بحلب ثم وليها بعده استدمر ومات أيضا في آخر السنة وفيها توفي
*3* الشيخ كريم الدين بن الحسين الأيكي
@ شيخ الشيوخ بمصر كان له صلة بالأمراء وقد عزل مرة عن المشيخة بابن جماعة توفي ليلة السبت سابع شوال بخانقاه سعيد السعداء وتولاها بعدة الشيخ علاء الدين القونوي كما تقدم
*3* الفقيه عز الدين عبد الجليل
@ النمراوي الشافعي كان فاضلا بارعا وقد صحب سلار نائب مصر وارتفع في الدنيا بسببه
*3* ابن الرفعة
@ هو الامام العلامة نجم الدين أحمد بن محمد شارح التنبيه وله غير ذلك وكان فقيها فاضلا وإماما في علوم كثيرة رحمهم الله
*2* ثم دخلت سنة إحدى عشرة وسبعمائة
@ استهلت والحكام هم المذكرورن في التي قبلها غير الوزير بمصر فإنه عزل وتولى سيف الدين بكتمر وزيرا والنجم البصراوي عزل أيضا بعز الدين القلانسي وقد انتقل الافرم إلى نيابة طرابلس باشارة ابن تيمية على السلطان بذلك ونائب حماة الملك المؤيد عماد الدين على قاعدة أسلافه وقد مات نائب حلب استدمر وهي شاغرة عن نائب فيها وأرغون الدوادار الناصري قد وصل الى دمشق لتسفير قراسنقر منها الى حلب واحضار سيف الدين كراي الى نيابة دمشق وغالب العساكر بحلب والاعراب محدقة باطراف البلاد فخرج قراسنقر المنصوري من دمشق ف ثالث المحرم في جميع حواصله وحاشيته وأتباعه وخرج الجيش لتوديعه وسار معه أرغون لتقريره بحلب وجاء المرسوم الى نائب القلعة الامير سيف الدين بهادر السنجري أن يتكلم في أمور دمشق الى ان يأتيه نائب فحضر عنده الوزير والموقعون وباشر النيابة وقويت شوكته وقويت شوكة الوزير الى ان ولي ولايات عديدة منها لابن أخيه عماد الدين نظر الاسرار واستمر في يده وقدم نائب السلطنة سيف الدين كراي المنصوري الى دمشق نائبا عليها وفي يوم الخميس الحادي عشرين من المحرم خرج الناس لتلقيه وأوقدوا الشموع واعيدت مقصورة الخطابة الى مكانها رابع عشرين المحرم وانفرج الناس ولبس النجم البصراوي خلعة الامرة يوم الخميس ثالث عشر صفر على قاعدة الوزراء بالطرحة وركب مع المقدمين الكبار وهو أمير عشرة باقطاع يضاهي إقطاع كبر الطبلخانات
وفي يوم الاربعاء سابع عشر ربيع الاول جلس القضاة الاربعة بالجامع لانفاذ امر الشهود بسبب تزوير وقع من بعضهم فاطلع عليه نائب السلطنة فغضب وأمر بذلك فلم يكن منه كبير شيء ولم يتغير حال وفي هذا اليوم ولي الشريف نقيب الأشراف أمين الدين جعفر بن محمد بن محيي الدين عدنان نظر الدواودين عوضا عن شهاب الدين الواسطي وأعيد تقي الدين بن الزكي الى مشيخة الشيوخ وفيه ولي ابن جماعة تدريس الناصرية بالقاهرة وضياء الدين النسائي تدريس الشافعي والميعاد العام بجامع طولون ونظر الاحباس ايضا وولي الوزارة بمصر أمين الملك أبو سعيد عوضا عن سيف الدين بكتمر الحاجب في ربيع الاخر وفي هذا الشهر احتيط على الوزير عز الدين ابن القلانسي بدمشق ورسم عليه مدة شهرين وكان نائب السلطنة كثير الحنق عليه ثم أفرج عنه وأعيد بدر الدين بن جماعة الى الحكم بديار مصر في حادي عشر ربيع الآخر مع تدريس دار الحديث الكاملية وجامع طولون والصالحية والناصرية وجعل له إقبال كثير من السلطان
واستقر جمال الدين الزرعي على قضاء العسكر وتدريس جامع الحاكم ورسم له أن يجلس مع القضاة بين الحنفي والحنبلي بدار العدل عند السلطان وفي مستهل جمادي الاولى اشهد القاضي نجم الدين الدمشقي نائب ابن صصرى على نفسه بالحكم ببطلان البيع في الملك الذي اشتراه ابن القلانسي من تركة المنصوري في الرمثا والثوجة والفصالية لكونه بدون ثمن المثل ونفذه بقية الحكام وأحضر ابن القلانسي الى دار السعادة وادعى عليه بريع ذلك ورسم عليه بها ثم حكم قاضي القضاة تقي الدين الحنبلي بصحة هذا البيع وبنقض ما حكم به الدمشقي ثم نفذ بقية الحكام ما حكم به الحنبلي وفي هذا الشهر قرر على أهل دمشق ألف وخمسمائة فارس لكل فارس خمسمائة درهم وضربت على الاملاك والأوقاف فتألم الناس من ذلك تألما عظيما وسعى إلى الخطيب جلال الدين فسعى إلى القضاة واجتمع الناس بكرة يوم الاثنين ثالث عشر الشهر واحتفلوا بالاجتماع وأخرجوا معهم المصحف العثماني والأثر النبوي والسناجق الخليفية ووقفوا في الموكب فلما رآهم كراي تغيظ عليهم وشتم القاضي والخطيب وضرب مجد الدين التونسي ورسم عليهم ثم أطلقهم بضمان وكفالة فتألم الناس من ذلك كثيرا فلم يمهله الله الا عشرة أيام فجاءه الأمر فجأت فعزل وحبس ففرح الناس بذلك فرحا شديدا ويقال إن الشيخ تقي الدين بلغه ذلك الخبر عن أهل الشام فأخبر السلطان بذلك فبعث من فوره فمسكه شر مسكة وصفة مسكه ان تقدم الامير سيف الدين ارغون الدوادار فنزل في القصر فلما كان يوم الخميس الثالث والعشرين من جمادي الاولى خلع على الامير سيف الدين كراي خلعة سنية فلبسها وقبل العتبة وحضر الموكب ومد السماط فقيد بحضرة الامراء وحمل على البريد الى الكرك صحبة غرلو العادلي وبيبرس المجنون وخرج عز الدين القلانسي من الترسيم من دار السعادة فصلى في الجامع الظهر ثم عاد الى داره وقد أوقدت له الشموع ودعا له الناس ثم رجع الى دار الحديث الاشرفية فجلس فيها نحوا من عشرين يوما حتى قدم الأمير جمال الدين نائب الكرك
وفي هذا الشهر مسك نائب صفت الأمير سيف الدين بكتمر أمير خزندار وعوض عنه بالكرك بيبرس الدوادار المنصوري ومسك نائب غزة وعوض عنه بالجاولي فاجتمع في حبس الكرك استدمر نائب حلب وبكتمر نائب مصر وكراي نائب دمشق وقطلوبك نائب صفت وقلطنمز نائب غزة وبنحاص وقدم جمال الدين آقوش المنصوري الذي كان نائب الكرك على نيابة دمشق إليها في يوم الاربعاء رابع عشر ربيع الآخر وتلقاه الناس وأشعلت له الشموع وفي صحبته الخطيرى لتقريره في النيابة وقد باشر نيابة الكرك من سنة تسعين وستمائة الى سنة تسع وسبعمائة وله بها آثار حسنة وخرج عز الدين بن القلانسي لتلقى النائب وقريء يوم الجمعة كتاب السلطان على السدة بحضرة النائب والقضاة والاعيان وفيه الأمر بالاحسان الى الرعية وإطلاق البواقي التي كانت قد فرضت عليهم أيام كراي فكثرت الأدعية للسلطان وفرح الناس وفي يوم الاثنين التاسع عشر خلع على الأمير سيف الدين بهادراص بنيابة صفت فقبل العتبة وسار إليها يوم الثلاثاء وفيه لبس الصدر بدر الدين بن أبي الفوارس خلعة نظر الدواوين بدمشق مشاركا للشريف ابن عدنان وبعد ذلك بيومين قدم تلقليد عز الدين بن القلانسي وكالة السلطان على ما كان عليه وأنه أعفى عن الوزارة لكراهته لذلك
وفي رجب باشر ابن السلعوس نظر الاوقاف عوضا عن شمس الدين عدنان وفي شعبان ركب نائب السلطنة بنفسه الى أبواب السجون فأطلق المحبوسين بنفسه فتضاعفت له الادعية في الاسواق وغيرها وفي هذا اليوم قدم الصاحب عز الدين بن القلانسي من مصر فاجتمع بالنائب وخلع عليه ومعه كتاب يتضمن احترامه وإكرامه واستمراره على وكالة السلطان ونظر الخاص والانكار لما ثبت عليه بدمشق وأن السلطان لم يعلم بذلك ولا وكل فيه وكان المساعد له على ذلك كريم الدين ناظر الخاص السلطاني والامير سيف الدين أرغون الدوادار وفي شعبان منع ابن صصرى الشهود والعقاد من جهته وامتنع غيرهم أيضا وردهم المالكي وفي رمضان جاء البريد بتولية زين الدين كتبغا المنصوري حجوبية الحجاب والأمير بدر الدين ملتوبات القرماني شد الدواوين عوضا عن طوغان وخلع عليهما معا وفيه ركب بهادر السنجري نائب قلعة دمشق على البريد الى مصر وتولاها سيف الدين بلبان البدري ثم عاد السنجري في آخر النهار على نيابة البيرة فسار إليها وجاء الخبر بأنه قد احتيط على جماعة من قصاد المسلمين ببغداد فقتل منهم ابن العقاب وابن البدر وخلص عبيدة وجاء سالما وخرج المحمل في شوال وأمير الحاج الامير علاء الدين طيبغا أخوبها دراص
وفي آخر ذي القعدة جاء الخبر بأن الأمير قراسنقر رجع من طريق الحجاز بعد أن وصل الى بركة زيرا وأنه لحق بمهنا بن عيسى فاستجار به خائفا على نفسه ومعه جماعة من خواصه ثم سار من هناك الى التتر بعد ذلك كله وصحبه الأفرم والزردكش وفي العشرين من ذي القعدة وصل الأمير سيف الدين ارغون في خمسة آلاف الى دمشق وتوجهوا إلى ناحية حمص وتلك النواحي وفي سابع ذي الحجة وصل الشيخ كمال الدين بن الشريشي من مصر مستمرا عل وكالته ومع توقيع بقضاء العسكر الشامي وخلع عليه في يوم عرفة وفي هذا اليوم وصلت ثلاثة آلاف عليهم سيف الدين ملى من الديار المصرية فتوجهوا وراء أصحابهم الى البلاد الشمالية وفي آخر الشهر وصل شهاب الدين الكاشنغري من القاهرة ومعه توقيع بمشيخة الشيوخ فنزل في الخانقاه وباشرها بحضرة القضاة والأعيان وانفصل ابن الزكي عنها وفيه باشر الصدر علاء الدين بن تاج الدين بن الأثير كتابة السر بمصر وعزل عنها شرف الدين بن فضل الله الى كتابة السر بدمشق عوضا عن أخيه محيي الدين واستمر محيي الدين على كتابة الدست بمعلوم أيضا والله أعلم وممن توفي فيها من الاعيان :
*3* الشيخ الرئيس بدر الدين
@ محمد بن رئيس الأطباء أبي إسحاق إبراهيم بن محمد بن طرخان الأنصاري من سلالة سعد ابن معاذ السويدي من سويداء حوران سمع الحديث وبرع في الطب توفي في ربيع الأول ببستانه بقرب الشبلية ودفن في تربة له في قبة فيها عن ستين سنة
*3* الشيخ شعبان بن أبي بكر بن عمر الاربلي
@ شيخ الحلبية بجامع بني أمية كان صالحا مباركا فيه خير كثير كان كثير العبادة وإيجاد الراحة للفقراء وكانت جنازته حافلة جدا صلى عليه بالجامع بعد ظهر يوم السبت تاسع عشرين رجب ودفن بالصوفية وله سبع وثمانون سنة وروى شيئا من الحديث وخرجت له مشيخة حضرها الأكابر رحمه الله
*3* الشيخ ناصر الدين يحيى بن ابراهيم
@ ابن محمد بن عبد العزيز العثماني خادم المصحف العثماني نحوا من ثلاثين سنة وصلى عليه بعد الجمعة سابع رمضان ودفن بالصوفية وكان لنائب السلطنة الأفرم فيه اعتقاد وصله منه افتقاد وبلغ خمسا وستين سنة
*3* الشيخ الصالح الجليل القدوة
@ أبو عبد الله محمد بن الشيخ القدوة إبراهيم بن الشيخ عبد الله الأموي توفي في العشرين من رمضان بسفح قاسيون وحضر الأمراء والقضاة والصدور جنازته وصلى عليه بالجامع المظفري ثم دفن عند والده وغلق يومئذ سوق الصالحية له وكانت له وجاهة عند الناس وشفاعة مقبولة وكان عنده فضيلة وفيه تودد وجمع أجزاء في أخبار جيدة وسمع الحديث وقارب السبعين رحمه الله
*3* ابن الوحيد الكاتب
@ هو الصدر شرف الدين أبو عبد الله محمد بن شريف بن يوسف الزرعي المعروف بابن الوحيد كان موقعا بالقاهرة وله معرفة بالانشاء وبلغ الغاية في الكتابة في زمانه وانتفع الناس به وكان فاضلا مقداما شجاعا توفي بالمرستان المنصوري بمصر سادس عشر شوال
*3* الامير ناصر الدين
@ محمد بن عماد الدين حسن بن النسائي أحد أمراء الطبلخانات وهو حاكم البندق ولي ذلك بعد سيف دين بلبان توفي في العشرين الآخر من رمضان
*3* التميمي الداري
@ توفي يوم عيد الفطر ودفن بالقرافة الصغرى وقد ولى الوزارة بمصر وكان خبيرا كافيا مات معزولا وقد سمع الحديث وسمع عليه بعض الطلبة
وفي ذي القعدة جاء الخبر إلى دمشق بوفاة الامير الكبير استدمر وبنخاص في السجن بقلعة الكرك
*3* القاضي الامام العلامة الحافظ
@ سعد الدين مسعود الحارثي الحنبلي الحاكم بمصر سمع الحديث وجمع وخرج وصنف وكانت له يد طولي في هذه الصناعة والأسانيد والمتون وشرح قطعة من سنن أبي داود فأجاد وافاد وحسن الاسناد رحمه الله تعالى والله أعلم
*2* ثم دخلت سنة اثنتي عشرة وسبعمائة
@ استهلت والحكام هم المذكورون في التي قبلها وفي خامس المحرم توجه الأمير عز الدين ازدمر الزردكاش وأميران معه إلى الأفرم وساروا بأجمعهم حتى لحقوا بقراسنقر وهو عند مهنا وكاتبوا السلطان وكانوا كالمستجيرين من الرمضاء بالنار وجاء البريد في صفر بالاحتياط على حواصل الافرم وقراسنقر والزردكاش وجميع ما يتعلق بهم وقطع خبز مهنا وجعل مكانه في الامرة أخاه محمدا وعادت العساكر صحبة أرغون من البلاد الشمالية وقد حصل عند الناس من قراسنقر وأصحابه هم وغم وحزن وقدم سودي من مصر على نيابة حلب فاجتاز بدمشق فخرج الناس والجيش لتلقيه وحضر السماط وقرئ المنشور بطلب جمال الدين نائب دمشق الى مصر فركب من ساعته على البريد الى مصر وتكلم في نيابته لغيبة لاجين وطلب في هذا اليوم قطب الدين موسى شيخ السلامية ناظر الجيش الى مصر فركب في آخر النهار إليها فتولى بها نظر الجيش عوضا عن فخر الدين الكاتب كاتب المماليك بحكم عزله ومصادرته وأخذ أمواله الكثيرة منه في عاشر ربيع الأول وفي الحادي عشر منه باشر الحكم للحنابلة بمصر القاضي تقي الدين أحمد بن المعز عمر بن عبد الله بن عمر بن عوض المقدسي وهو ابن بنت الشيخ شمس الدين بن العماد أول قضاة الحنابلة وقدم الأمير سيف الدين نمر على نيابة طرابلس عوضا عن الأفرم بحكم هربه إلى التتر وفي ربيع الآخر مسك بيبرس العلائي نائب حمص وبيبرس المجنون وطوغان وجماعة آخرون من الأمراء ستة في نهار واحد وسيروا الى الكرك معتقلين بها وفيه مسك نائب مصر الامير ركن الدين بيبرس الدوادار المنصوري وولى بعده ارغون الدوادار ومسك نائب الشام جمال الدين نائب الكرك وشمس الدين سنقر الكمالي حاجب الحجاب بمصر وخمسة أمراء آخرون وحبسوا كلهم بقلعة الكرك في برج هناك وفيه وقع حريق داخل باب السلامية احترق فيه دور كثيرة منها دار ابن ابي الفوارس ودار الشريف القباني
*3* نيابة تنكز على الشام
@ في يوم الخميس العشرين من ربيع الاخر دخل الامير سيف الدين تنكز بن عبد الله المالكي الناصري نائبا على دمشق بعد مسك نائب الكرك ومعه جماعة من مماليك السلطان منهم الحاج ارقطاي على حيز بيبرس العلائي وخرج الناس لتلقيه وفرحوا به كثيرا ونزل بدار السعادة ووقع عند قدومه مصر فرح عظيم وكان ذلك اليوم يوم الرابع والعشرين من آب وحضر يوم الجمعة الخطبة بالمقصورة وأشعلت له الشموع في طريقه وجاء توقيع لابن صصرى باعادة قضاء العسكر إليه وأن ينظر الأوقاف فلا يشاركه احد في الاستنابة في البلاد الشامية على عادة من تقدمه من قضاة الشافعية وجاء مرسوم لشمس الدين ابي طالب بن حميد بنظر الجيش عوضا عن ابن شيخ السلامية بحكم إقامته بمصر ثم بعد أيام وصل الصدر معين الدين هبة الله بن خشيش ناظر الجيش وجعل ابن حميد بوظيفة ابن البدر وسافر ابن البدر على نظر جيش طرابلس وتولى ارغون نيابة مصر وعاد فخر الدين كاتب المماليك الى وظيفته مع استمرار قطب الدين بن شيخ السلامية مباشرا معه
وفي هذا الشهر قام الشيخ محمد بن قوام ومعه جماعة من الصالحين على ابن زهرة المغربي الذي كان يتكلم بالكلاسة وكتبوا عليه محضرا يتضمن استهانته بالمصحف وانه يتكلم في أهل العلم فأحضر إلى دار العدل فاستسلم وحقن دمه وعزر تعزيرا بليغا عنيفا وطيف به في البلد باطنه وظاهره وهو مكشوف الرأس ووجهه مقلوب وظهره مضروب ينادي عليه هذا جزاء من يتكلم في العلم بغير معرفة ثم حبس وأطلق فهرب الى القاهرة ثم عاد على البريد في شعبان ورجع الى ما كان عليه وفيها قدم بهادراص من نيابة صعد الى دمشق وهنأه الناس وفيها قدم كتاب من السلطان الى دمشق ان لا يولي أحد بمال ولا برشوة فإن ذلك يفضي إلى ولاية من لا يستحق الولاية وإلى ولاية غير الاهل فقرأه ابن الزملكاني على السدة وبلغه عنه ابن حبيب المؤذن وكان سبب ذلك الشيخ تقي الدين بن تيمية رحمه الله
وفي رجب وشعبان حصل للناس خوف بدمشق بسبب أن التتر قد تحركوا للمجيء الى الشام فانزعج الناس من ذلك وخافوا وتجول كثير منهم الى البلد وازدحموا في الابواب وذلك في شهر رمضان وكثرت الأراجيف بأنهم قد وصلوا الى الرحبة وكذلك جرى واشتهر بأن ذلك باشارة قراسنقر وذويه فالله أعلم وفي رمضان جاء كتاب السلطان ان من قتل لا يجني أحد عليه بل يتبع القاتل حتى يقتص منه بحكم الشرع الشريف فقرأه ابن الزملكاني على السدة بحضرة نائب السلطنة ابن تنكز وسببه ابن تيمية هو أمر بذلك وبالكتاب الاول قبله وفي أول رمضان وصل التتر الى الرحبة فحاصروها عشرين يوما وقاتلهم نائبها الأمير بد الدين موسى الازدكشي خمسة أيام قتالا عظيما ومنعهم منها فأشار رشيد الدولة بأن ينزلوا الى خدمة السلطان خربندا ويهدوا له هدية ويطلبون منه العفو فنزل القاضي نجم الدين إسحاق وأهدوا له خمسة رؤس خيل وعشرة أباليج سكر فقبل ذلك ورجع الى بلاده وكانت بلاد حلب وحماة وحمص قد أجلوا منها وخرب أكثرها ثم رجعوا اليها لما تحققوا رجوع التتر عن الرحبة وطابت الاخبار وسكنت النفوس ودقت البشائرة وتركت الائمة القنوت وخطب الخطيب يوم العيد وذكر الناس بهذه النعمة وكان سبب رجوع التتر قلة العلف وغلاء الاسعار وموت كثير منهم واشار على سلطانهم بالرجوع الرشيد وجوبان
وفي ثامن شوال دقت البشائر بدمشق بسبب خروج السلطان من مصر لأجل ملاقاة التتر وخرج الركب في نصف شوال وأميرهم حسام الدين لاجين الصغير الذي كان والى البر وقدمت العساكر المصرية أرسالا وكان قدوم السلطان ودخوله دمشق ثالث عشرين شوال واحتفل الناس لدخوله ونزل القلعة وزينت البلد وضربت البشائر ثم انتقل بعد ليلتئذ الى القصر وصلى الجمعة بالجامع بالمقصورة وخلع على الخطيب وجلس في دار العدل يوم الاثنين وقدم وزيره أمين الملك يوم الثلاثاء عشرين الشهر وقدم صحبة السلطان الشيخ الامام العالم العلامة تقي الدين أبو العباس أحمد بن تيمية الى دمشق يوم الاربعاء مستهل ذي القعدة وكانت غيبته عنها سبع سنين ومعه أخواه وجماعة من أصحابه وخرج خلق كثير لتلقيه وسروا بقدومه وعافيته ورؤيته واستبشروا به حتى خرج خلق من السناء أيضا لرؤيته وقد كان السلطان صحبه معه من مصر فخرج معه بنية الغزاة فلما تحقق عدم الغزاة وأن التتر رجعوا الى بلادهم فارق الجيش من غزة وزار القدس وأقام به أياما ثم سافر على عجلون وبلاد السواد وزرع ووصل دمشق في أول يوم من ذي القعدة فدخلها فوجد السطان قد توجه إلى الحجاز الشريف في أربعين أميرا من خواصه يوم الخميس ثاني ذي القعدة ثم إن الشيخ بعد وصوله الى دمشق واستقراره بها لم يزل ملازما لاشتغال الناس في سائر العلوم ونشر العلم وتصنيف الكتب وإفتاء الناس بالكلام والكتابة المطولة والاجتهاد في الاحكام الشرعية ففي بعض الأحكام يفتي بما أدى إليه اجتهاده من موافقة أئمة المذاهب الاربعة وفي بعضها يفتي بخلافهم وبخلاف المشهور في مذاهبهم وله اختيارات كثيرة مجلدات عديدة أفتى فيها بما أدى إليه اجتهادة واستدل على ذلك من الكتاب والسنة وأقوال الصحابة والسلف
فلما سار السلطان الى الحج فرق العساكر والجيوش بالشام وترك أرغون بدمشق وفي يوم الجمعة لبس الشيخ كمال الدين الزملكاني خلعة ! وكلة بيت المال عوضا عن ابن الشريشي وحضر بها الشباك وتكلم وزير السلطان في البلد وطلب أموالا كثيرة وصادر وضرب بالمقارع وأهان جماعة من الرؤساء منهم ابن فضل الله محيي الدين وفيه عين شهاب الدين بن جهبل لتدريس الصلاحية بالمقدس عوضا عن نجم الدين داود الكردي توفي وقد كان مدرسا بها من نحو ثلاثين سنة فسافر ابن جهبل الى القدس بعد عيد الاضحى
وفيها مات ملك القفجاق المسمى طغطاي خان وكان له في الملك ثلاث وعشرون سنة وكان عمره ثمانا وثلاثين سنة وكان شهما شجاعا على دين التتر في عبادة الاصنام والكواكب يعظم المجسمة والحكماء والاطباء ويكرم المسلمين أكثر من جميع الطوائف كان جيشه هائلا لا يجسر أحد على قتاله لكثرة جيشه وقوتهم وعددهم وعددهم ويقال إنه جرد مرة تجريدة من كل عشرة من جيشه واحدا فبلغت التجريدة مائتي ألف وخمسين ألفا توفي في رمضان منها وقام في الملك من بعده ابن أخيه أزبك خان وكان مسلما فأظهر دين الاسلام ببلاده وقتل خلقا من أمراء الكفرة وعلت الشرائع المحمدية على سائر الشرائع هناك ولله الحمد والمنة على الاسلام والسنة وممن توفي فيها من الاعيان :
*3* الملك المنصور صاحب ماردين
@ وهو نجم الدين أبو الفتح غازي بن الملك المظفر قرارسلان بن الملك السعيد نجم الدين غازي بن الملك المنصور ناصر الدين ارتق بن غازي بن المنى بن تمرتاش بن غازي بن أرتق الارتقي أصحاب ماردين من عدة سنين كان شيخا حسنا مهيبا كامل الخلقة بدينا سمينا إذا ركب يكون ! خلفعه محفة خوفا من أن يمسه لغوب فيركب فيها توفي في تاسع ربيع الآخرة ودفن بمدرسته تحت القلعة وقد بلغ من العمر فوق السبعين ومكث في الملك قريبا من عشرين سنة وقام من بعده في الملك ولده العادل فمكث سبعة عشر يوما ثم ملك أخوه المنصور وفيها مات
*3* الامير سيف الدين قطلوبك الشيخي
@ كان من امراء دمشق الكبار
*3* الشيخ الصالح
@ نور الدين ابو الحسن علي بن محمد بن هارون بن محمد بن هارون بن علي بن حميد الثعلبي الدمشقي قارئ الحديث بالقاهرة ومسندها روى عن ابن الزبيدي وابن الليثي وجعفر الهمداني وابن الشيرازي وخلق وقد خرج له الامام العلامة تقي الدين السبكي مشيخة وكان رجلا صالحا توفي بكرة الثلاثاء تاسع عشر ربيع الآخر وكانت جنازته حافلة
*3* الامير الكبير الملك المظفر
@ شهاب الدين غازي بن الملك الناصر داود بن المعظم سمع الحديث وكان رجلا متواضعا توفي بمصر ثاني عشر رجب ودفن بالقاهرة
*3* قاضي القضاة
@ شمس الدين ابو عبد الله محمد بن إبراهيم بن داود بن خازم الازرعي الحنفي كان فاضلا درس وأفتى وولى قضاء الحنفية بدمشق سنة ثم عزل واستمر على تدريس الشبلية مدة ثم سافر إلى مصر فأقام بسعيد السعداء خمسة أيام وتوفي يوم الاربعاء ثاني عشرين رجب فالله أعلم
*2* ثم دخلت سنة ثلاث عشرة وسبعمائة
@ استهلت والحكام هم هم والسلطان في الحجاز لم يقدم بعد وقد قدم الامير سيف الدين تجليس يوم السبت مستهل المحرم من الحجاز وأخبر بسلامة السلطان وأنه فارقه من المدينة النبوية أنه قد قارب البلاد فدقت البشائر فرحا بسلامته ثم جاء البريد فأخبر بدخوله إلى الكرك ثاني المحرم يوم الاحد فلما كان يوم الثلاثاء حادي عشر المحرم دخل دمشق وقد خرج الناس لتلقيه على العادة وقد رأيته مرجعه من هذه الحجة على شفته ورقة قد الصقها عليه فنزل بالقصر وصلى الجمعة رابع عشر المحرم بمقصروة الخطابة وكذلك الجمعة التي تليها ولعب في الميدان بالكرة يوم السبت النصف من المحرم وولى نظر الدواوين للصاحب شمس الدين غبريال يوم الاحد حادي عشر المحرم وشد الدواوين لفخر الدين إياس الاعسري عوضا عن القرماني وسافر القرماني إلى نيابة الرحبة وخلع عليهما وعلى وزيره وخلع على ابن صصرى وعلى الفخر كاتب المماليك وكان مع السلطان في الحج وولى شرف الدين بن صصرى حجابة الديوان وباشر فخر الدين ابن شيخ السلامية نظر الجامع وباشر بهاء الدين بن عليم نظر الاوقاف والمنكورسي شد الاوقاف وتوجه السلطان راجعا الى الديار المصرية بكرة الخميس السابع والعشرين من المحرم وتقدمت الجيوش بين يديه ومعه وفي أواخر صفر اجتاز على البريد في الرسلية الى مهنا الشيخ صدر الدين الوكيل وموسى بن مهنا والامير علاء الدين الطنبغا فاجتمعوا به في تدمر ثم عاد الطنبغا وابن الوكيل الى القاهرة
وفي جمادي الاخرة مسك امين الملك وجماعة من الكبار معه وصودروا بأموال كثيرة وأقيم عوضه بدر الدين بن التركماني الذي كان والي الخزانة وفي رجب كملت أربعة مناجيق واحد لقلعة دمشق وثلاثة تحمل إلى لاكرك ورمى باثنين على باب الميدان وحضر نائب السلطنة تنكز والعامة وفي شعبان تكامل حفر النهر الذي عمله سودى نائب حلب بها كان طوله من نهر الساجور إلى نهر قويق أربعين ألف ذراع في عرض ذراعين وعمق ذراعين وغرم عليه ثلثمائة ألف درهم وعمل بالعدل ولم يظلم فيه أحدا وفي يوم السبت ثامن شوال خرج الركب من دمشق واميره سيف الدين بلباي التتري وحج صاحب حماة في هذه السنة وخلق من الروم والغرباء وفي يوم السبت السادس والعشرين من ذي الحجة وصل القاضي قطب الدين موسى ابن شيخ السلامية من مصر على نظر الجيوش الشامية كما كان قبل ذلك وراح معين الدين بن الخشيش الى مصر في رمضان صحبة الصاحب شمس الدين بن غبريال وبعد وصول ناظر الجيوش بيومين وصلت البشائر بمقتضى إزالة الاقطاعات لما رآه السلطان بعد نظره في ذلك اربعة أشهر وممن توفي فيها من الاعيان :
*3* الشيخ الامام المحدث
@ فخر الدين أبو عمرو عفان بن محمد بن عثمان بن أبي بكر بن محمد بن داود التوزي بمكة يوم الاحد حادي ربيع الاخرة وقد سمع الكثير وأجازه خلق يزيدون على ألف شيخ وقرأ الكتب الكبار وغيرها وقرا صحيح البخاري أكثر من ثلاثين مرة رحمه الله
*3* عز الدين محمد بن العدل
@ شهاب الدين أحمد بن عمر بن إلياس الرهاوي كان يباشر استيفاء الاوقاف وغير ذلك وكان من أخصاء أمين الملك فلما مسك بمصر أرسل إلى هذا وهو معتقل بالعذراوية ليحضر على البريد فمرض فمات بالمدرسة العذراوية ليلة الخميس التاسع عشر من جمادي الآخرة وله من العمر خمس وثلاثون سنة وكان قد سمع من ابن طبرزد الكندي ودفن من الغد بباب الصغير وترك من بعده ولدين ذكرين جمال الدين محمد وعز الدين
*3* الشيخ الكبير المقريء
@ شمس الدين المقصاي هو أبو بكر بن عمر بن السبع الجزري المعروف بالمقصاي نائب الخطيب وكان يقرئ الناس بالقراءات السبع وغيرها من الشواذ وله إلمام بالنحو وفيه ورع واجتهاد توفي ليلة السبت حادي عشرين جمادي الاخرة ودفن من الغد بسفح قاسيون تجاه الرباط الناصري وقد جاوز الثمانين رحمه الله
*2* ثم دخلت سنة أربع عشرة وسبعمائة
@ استهلت والحكام هم هم في التي قبلها إلا الوزير أمين الملك فمكانه بدر الدين التركماني وفي رابع المحرم عاد الصاحب شمس الدين غبريال من مصر على نظر الدواوين وتلقاه أصحابه وفي عاشر المحرم يوم الجمعة قرئ كتاب السلطان على السدة بحضرة نائب السلطنة والقضاة والأمراء يتضمن باطلاق البواقي من سنة ثمان وتسعين وستمائة إلى آخر سنة ثلاث عشرة وسبعمائة فتضاعفت الادعية للسلطان وكان القارئ جمال الدين بن القلانسي ومبلغه صدر الدين بن صبح المؤذن ثم قرئ في الجمعة الاخرى مرسوم آخر فيه الافراج عن المسجونين وأن لا يؤخذ من كل واحد إلا نصف درهم ومرسوم آخر فيه إطلاق السخر في الغصب وغيره عن الفلاحين قرأه ابن الزملكاني وبلغه عنه أمين الدين محمد بن مؤذن النجيبي وفي المحرم استحضر السلطان إلى بين يديه الفقيه نور الدين على البكري وهم بقتله شفع فيه الأمراء فنفاه ومنعه من الكلام في الفتوى والعلم وكان قد هرب لما طلب من جهة الشيخ تقي الدين بن تيمية فهرب واختفى وشفع فيه أيضا ثم لما ظفر به السلطان الآن وأراد قتله شفع فيه الأمراء فنفاه ومنعه من الكلام والفتوى وذلك لاجترائه وتسرعه على التكفير والقتل والجهل الحامل له على هذا وغيره وفي يوم الجمعة مستهل صفر قرأ ابن الزملكاني كتابا سلطانيا على السدة بحضرة نائب السلطان القاضي وفيه الأمر بابطال ضمان القواسير وضمان النبيذ وغير ذلك فدعا الناس للسلطان وفي أواخر ربيع الاول اجتمع القضاة بالجامع للنظر في أمر الشهود ونهوهم عن الجلوس في المساجد وأن لا يكون أحد منهم في مركزين وان لا يتولوا
ثبات الكتب ولا يأخذوا أجرا على أداء الشهادة وأن لايغتابوا أحدا وأن يتناصفوا في المعيشة ثم جلسوا مرة ثانية لذلك وتواعدوا ثالثة فلم يتفق اجتماعهم ولم يقطع احد من مركزه
وفي يوم الاربعاء الخامس والعشرين منه عقد مجلس في دار ابن صصرى لبدر الدين بن بضيان وأنكر عليه شيء من القراءات فالتزم بترك الاقراء بالكلية ثم استأذن بعد أيام في الاقرءا فأذن له فجلس بين الظهر والعصر بالجامع وصارت له حلقة على العادة وفي منتصف رجب توفي نائب حلب الامير سيف الدين سودي ودفن بتربته وولى مكانه علاء الدين الطنبغا الصالحي الحاجب بمصر قبل هذه النيابة وفي تاسع شعبان خلع على الشريف شرف الدين عدنان بنقابة الاشراف بعد والده أمين الدين جعفر توفي في الشهر الماضي
وفي خامس شوال دفن الملك شمس الدين دوباح بن ملكشاه بن رستم صاحب كيلان بتربته المشهورة بسفح قاسيون وكان قد قصد الحج في هذا العام فلما كان بغباغب أدركته منيته يوم السبت سادس عشرين رمضان فحمل إلى دمشق وصلى عليه ودفن في هذه التربة اشتريت له وتممت وجاءت حسنة وهي مشهورة عند المكارية شرقي الجامع المظفري وكان له في مملكة كيلان خمسة وعشرين سنة وعمر أربعا وخسمين سنة وأوصى ان يحج عنه جماعة ففعل ذلك وخرج الركب في ثالث شوال وأميره سيف الدين سنقر الابراهيمي وقاضيه محيي الدين قاضي الزبداني وفي يوم الخميس سابع ذي القعدة قدم القاضي بدر الدين بن الحداد من القاهرة متوليا حسبة دمشق فخلع عليه عوضا عن فخر الدين سليمان البصراوي عزل فسافر سريعا إلى البرية ليشتري خيلا للسلطان يقدمها رشوة على المنصب المذكور فاتفق موته في البرية في سابع عشر الشهر المذكور وحمل إلى بصرى فدفن بها عند أجداده في ثامن ذي القعدة وكان شابا حسنا كريم الاخلاق حسن الشكل وفي أواخره مسك نائب صغد بلبان طوباي المنصوري وسجن وتولى مكانه سيف الدين بلباي البدري وفي سادس ذي الحجة تولي ولاية البر الامير علاء الدين علي بن محمود بن معبد البعلبكي عوضا عن شرف الدين عيسى بن البركاسي وفي يوم عيد الاضحى وصل الامير علاء الدين بن صبح من مصر وقد افرج عنه فسلم عليه الامراء وفي هذا الشهر أعيد أمين الملك إلى نظر النظار بمصر وخلع على الصاحب بهاء الدين النسائي بنظر الخزانة عوضا عن سعد الدين حسن بن الاقفاصي وفيه وردت البريدية بأمر السلطان للجيوش الشامية بالمسير إلى حلب وأن يكون مقدم العساكر كلها تنكز نائب الشام وقدم من مصر ستة آلاف مقاتل عليهم الامير سيف الدين بكتمر الابوبكري وفيهم تجليس وبدر الدين الوزيري وكتشلي وابن طيبرس وشاطي وابن سلار وغيرهم فتقدموا إلى البلاد الحلبية بين يدي نائب الشام تنكز
وممن توفي فيها من الأعيان :


التوقيع :


اللهم صل على سيدنا محمد عبدك ونبيك ورسولك
النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم تسليما عدد مااحاط به علمك
وخط به قلمك واحصاه كتابك
وارض اللهم عن سادتنا ابي بكر وعمر وعثمان وعلي
وعن الصحابة أجمعين وعن التابعين وتابعيهم بإحسان الى يوم الدين





رد مع اقتباس
قديم 09-01-2006, 09:52 PM   رقم المشاركة : 8
الكاتب

أفاق : الاداره

مراقب

مراقب

أفاق : الاداره غير متواجد حالياً


الملف الشخصي









أفاق : الاداره غير متواجد حالياً


مشاركة: البداية والنهاية الجزء الرابع عشر

*3* سودي نائب حلب في رجب
@ ودفن بتربته وهو الذي كان السبب في إجراء نهر إليها غرم عليه ثلثمائة ألف درهم وكان مشكور السيرة حميد الطريقة رحمه الله وفي شعبان توفي
*3* الصاحب شرف الدين
@ يعقوب بن مزهر وكان بارا بأهله وقرابته رحمه الله
*3* والشيخ رشيد أبو الفداء إسماعيل
@ أبو محمد القرشي الحنفي المعروف بابن المعلم كان من أعلام الفقهاء والمفتيين ولديه علوم شتى وفوائد وفرائد وعنده زهد وانقطاع عن الناس وقد درس بالبلخية مدة ثم تركها لولده وسار إلى مصر فأقام بها وعرض عليه قضاء دمشق فلم يقبل وقد جاوز السبعين من العمر توفي سحر يوم الأربعاء خامس رجب ودفن بالقرافة رحمه الله تعالى وفي شوال توفي
*3* الشيخ سليمان التركماني
@ الموله الذي كان يجلس على مصطبته بالعلبيين وكان قبل ذلك مقيما بطهارة باب البريد وكان لا يتحاشى من النجاسات ولا يتقيها ولا يصلي الصلوات ولا ياتيها وكان بعض الناس من الهمج له فيه عقيدة قاعدة الهمج الرعاع الذين هم أتباع كل ناعق من المولهين والمجانين ويزعمون أنه يكاشف وأنه رجل صالح ودفن بباب الصغير في يوم كثير الثلج وفي يوم عرفة توفيت
*3* الشيخة الصالحة العابدة الناسكة
@ أم زينب فاطمة بنت عباس بن أبي الفتح بن محمد البغدادية بظاهر القاهرة وشهدها خلق كثير وكانت من العالمات الفاضلات تأمر بالمعروف وتنهي عن المنكر وتقوم على الاحمدية في مواخاتهم النساء والمردان وتنكر أحوالهم وأصول أهل البدع وغيرهم وتفعل من ذلك مالا تقدر عليه الرجال وقد كانت تحضر مجلس الشيخ تقي الدين بن تيمية فاستفادت منه ذلك وغيره وقد سمعت الشيخ تقي الدين يثنى عليها ويصفها بالفضيلة والعلم ويذكر عنها أنها كانت تستحضر كثيرا من المغنى او أكثره وأنه كان يستعد لها من كثرة مسائلها وحسن سؤالاتها وسرعة فهمها وهي التي ختمت نساء كثيرا القرآن منهن أم زوجتي عائشة بنت صديق زوجة الشيخ جمال الدين المزي وهي التي أقرأت ابنتها زوجتي امة الرحيم زينب رحمهن الله واكرمهن برحمته وجنته آمين
*2* ثم دخلت سنة خمس عشرة وسبعمائة
@ استهلت والحكام في البلاد هم المذكورون في التي قبلها
*3* فتح ملطية
@ في يوم الإثنين مستهل المحرم خرج سيف الدين تنكز في الجيوش قاصدا ملطية وخرجت الاطلاب على راياتها وأبرزوا ما عندهم من العدد وآلات الحرب وكان يوما مشهودا وخرج مع الجيش ابن صصرى لأنه قاضي العساكر وقاضي قضاة الشامية فساروا حتى دخلوا حلب في الحادي عشر من الشهر ومنها وصلوا في السادس عشر إلى بلاد الروم إلى ملطية فشرعوا في محاصرتها في الحادي والعشرين من المحرم وقد حصنت ومنعت وغلقت أبوابها فلما رأوا كثرة الجيش نزل متوليها وقاضيها وطلبوا الأمان فأمنوا المسلمين ودخلوها فقتلوا من الارمن خلقا ومن النصارى وأسروا ذرية كثيرة وتعدى ذلك إلى بعض المسلمين وغنموا شيئا كثيرا وأخذت أموال كثير من المسلمين ورجعوا عنها بعد ثلاثة أيام يوم الاربعاء رابع عشرين المحرم إلى عين تاب إلى مرج دابق وزينت دمشق ودقت البشائر وفي أول صفر رحل نائب ملطية متوجها إلى السلطان وفي نصف الشهر وصل قاضيها الشريف شمس الدين ومعه خلق من المسلمين من أهلها وفي بكرة نهار الجمعة سادس عشر ربيع الاول دخل تنكز دمشق وفي خدمته الجيوش الشامية والمصرية وخرج الناس للفرجة عليهم على العادة وأقام المصريون قليلا ثم ترحلوا إلى القاهرة وقد كانت ملطية إقطاعا للجوبان أطلقها له ملك التتر فاستناب بها رجلا كرديا فتعدى وأساء وظلم وكاتب أهلها السلطان الناصر وأحبوا أن يكونوا من رعيته فلما ساروا إليها وأخذوها وفعلوا ما فعلوا فيها جاءها بعد ذلك الجوبان فعمرها ورد إليها خلقا من الأرمن وغيرهم
وفي التاسع عشر من هذا الشهر وصل إلينا الخبر بمسك بكتمر الحاجب وايد غدي شقير وغيرهما وكان ذلك يوم الخميس مستهل هذا الشهر وذلك أنهم اتفقوا على السلطان فبلغه الخبر فمسكهم واحتيط على أموالهم وحواصلهم وظهر لبكتمر أموال كثيرة وأمتعة وأخشاب وحواصل كثيرة وقدم مجليس من القاهرة فاجتاز بدمشق إلى ناحية طرابلس ثم قدم سريعا ومعه الامير سيف الدين تمير نائب طرابلس تحت الحوطة ومسك بدمشق الأمير سيف الدين بهادر آص المنصوري فحمل الاول إلى القاهرة وجعل مكانه في نيابة طرابلس كسناي وحمل الثاني وحزن الناس عليه ودعوا له وفي يوم الخميس الحادي والعشرين من ربيع الآخر قدم عز الدين بن مبشر دمشق محتسبا وناظر الأوقاف وانصرف ابن الحداد عن الحسبة وبهاء الدين عن نظر الأوقاف وفي ليلة الاثنين ثالث عشر جمادي الاولى وقع حريق قبالة مسجد الشنباشي داخل باب الصغير احترق فيه دكاكين ودور وأموال وأمتعة وفي يوم الأربعاء سادس عشر جمادي الآخرة درس قاضي ملطية الشريف شمس الدين بالمدرسة الخاتونية البرانية عوضا عن قاضي القضاة الحنفي البصروي وحضر عنده الأعيان وهو رجل له فضيلة وخلق حسن كان قاضيا بملطية وخطيبا بها نحوا من عشرين سنة
وفي يوم الخميس رابع جمادي الآخرة أعيد ابن الحداد إلى الحبسة واستمر ابن مبشر ناظر الآوقاف وفي يوم الاربعاء تاسع جمادي الآخرة درس ابن صصرى بالاتابكية عوضا عن الشيخ صفي الدين الهندي وفي يوم الأربعاء الآخر حضر ابن الزمكاني درس الظاهرية الجوانية عوضا عن الهندي أيضا بحكم وفاته كما ستأتي ترجمته وفي أواخر رجب أخرج الامير آقوش نائب الكرك من سجن القاهرة وأعيد إلى الامرة وفي شعبان توجه خمسة آلاف من بلاد حلب فأغاروا على بلاد آمد وفتحوا بلدنا كثيرة وقتلوا وسبوا وعادوا سالمين وخمسوا ما سبوا فبلغ سهم الخمس أربعة آلاف رأس وكسور وفي أواخر رمضان وصل قراسنقر المنصوري إلى بغداد ومعه زوجته الخاتون بنت أبغا ملك التتر وجاء في خدمته خربندا واستأذنه في الغارة على أطراف بلاد المسلمين فلم يأذن له ووثب عليه رجل فداوى من جهة صاحب مصر فلم يقدر عليه وقتل الفداوي وفي يوم الأربعاء سادس عشر رمضان درس بالعادلية الصغيرة الفقيه الامام فخر الدين محمد بن علي المصري المعروف بابن كاتب قطلوبك بمقتضى نزول مدرسها كمال الدين بن الزملكاني له عنها وحضر عنده القضاة والأعيان والخطيب وابن الزملكاني ايضا وفي هذا الشهر كملت عمارة القيسارية المعروفة بالدهشة عند الوراقين واللبادين وسكنها التجار فتميزت بذلك أوقاف الجامع وذلك بمباشرة الصاحب شمس الدين وفي ثامن شوال قتل أحمد الزوسي ! شهد عليه بالعظائم من ترك الواجبات واستحلال المحرمات واستهانته وتنقيصه بالكتاب والسنة فحكم المالكي بإراقة دمه وإن أسلم فاعتقل ثم قتل وفي هذا اليوم كان خروج الركب الشامي وأميره سيف الدين طقتمر وقاضيه قاضي ملطية وحج فيه قاضي حماة وحلب وماردين ومحيي الدين كاتب ملك الامراء تنكز وصهره فخر الدين المصري وممن توفي فيها من الاعيان :
*3* شرف الدين أبو عبد الله
@ محمد بن العدل عماد الدين محمد بن أبي الفضل محمد بن أبي الفتح نصر الله بن المظفر بن أسعد ابن حمزة بن أسد بن علي بن محمد التميمي الدمشقي ابن القلانسي ولد سنة ست وأربعين وستمائة وباشر نظر الخاص وقد شهد قبل ذلك في القيمة ثم تركها وقد ترك اولادا وأموالا جمة توفي ليلة السبت ثاني عشر صفر ودفن بقاسيون
*3* الشيخ صفي الدين الهندي
@ أبو عبد الله محمد بن عبد الرحيم بن محمد الارموي الشافعي المتكلم ولد بالهند سنة اربع وأربعين وستمائة واشتغل على جده لامه وكان فاضلا وخرج من دهلي في رجب سنة سبع وستين فحج وجاور بمكة أشهر ثم دخل اليمن فاعطاه ملكها المظفر أربعمائة دينار ثم دخل مصر فأقام بها أربع سنين ثم سافر إلى الروم على طريق إنطاكية فأقام إحدى عشرة سنة بقونية وبسيواس خمسا وبقيسارية سنة واجتمع بالقاضي سراج الدين فأكرمه ثم قدم إلى دمشق في سنة خمس وثمانين فأقام بها وساتوطنها ودرس بالرواحية والدولعية والظاهرية والاتابكية وصنف في الاصول والكلام وتصدى للاشتغال والافتاء ووقف كتبه بدار الحديث الاشرفية وكان فيه بر وصلة توفي ليلة الثلاثاء تاسع عشرين صفر ودفن بمقابر الصوفية ولم يكن معه وقت موته سوى الظاهرية وبها مات فدرس بعده فيها ابن الزملكاني وأخذ ابن صصرى الاتابكية
*3* القاضي المسند المعمر الرحلة
@ تقي الدين سليمان بن حمزة بن أحمد بن عمر بن الشيخ ابي عمر المقدسي الحنبلي الحاكم بدمشق ولد في نصف رجب سنة ثمان وعشرين وستمائة وسمع الحديث الكثير وقرأ بنفسه وتفقه وبرع وولى الحكم وحدث وكان من خيار الناس وأحسنهم خلقا وأكثرهم مروءة توفي فجأة بعد مرجعه من البلد وحكمه بالجوزية فلما صار إلى منزله بالدير تغيرت حاله ومات عقيب صلاة المغرب ليلة الاثنين حادي عشرين ذي القعدة ودفن من الغد بتربة جده وحضر جنازته خلق كثير وجم غفير رحمه الله
*3* الشيخ علي بن الشيخ علي الحريري
@ كان مقدما في طائفته مات أبوه وعمره سنتان توفي في قرية نسر في جمادي الأولى
*3* الحكيم الفاضل البارع
@ بهاء الدين عبدالسيد بن المهذب إسحاق بن يحيى الطبيب الكحال المتشرف بالاسلام ثم قرأ القرآن جميعه لأنه أسلم على بصيرة وأسلم على يديه خلق كثير من قومه وغيرهم وكان مباركا على نفسه وعليهم وكان قبل ذلك ديان اليهود فهداه الله تعالى وتوفي يوم الاحد سادس جمادي الآخرة ودفن من يومه بسفح قاسيون أسلم على يدي شيخ الإسلام ابن تيمية لما بين له بطلان دينهم وما هم عليه وما بدلوه من كتابهم وحرفوه من الكلم عن مواضعه رحمه الله
*2* ثم دخلت سنة ست عشرة وسبعمائة
@ استهلت وحكام البلاد هم المذكورون في التي قبلها غير الحنبلي بدمشق فإنه توفي في السنة الماضية وفي المحرم تكملت تفرقة المثالات السلطانية بمصر بمقتضى إزالة الاجناد وعرض الجيش على السلطان وأبطل السلطان المكس بسائر البلاد القبلية والشامية وفيه وقعت فتنة بين الحنابلة والشافعية بسبب العقائد وترافعوا إلى دمشق فحضروا بدار السعادة عند نائب السلطنة تنكز فأصلح بينهم وانفصل الحال على خير من غير محاققه ولا تشويش على أحد من الفريقين وذلك يوم الثلاثاء سادس عشر المحرم وفي يوم الأحد سادس عشر صفر قرئ تقليد قاضي القضاة شمس الدين أبو عبد الله محمد بن مسلم بن مالك بن مزروع الحنبلي بقضاء الحنابلة والنظر بأوقافهم عوضا عن تقي الدين سليمان بحكم وفاته رحمه الله وتاريخ التقليد من سادس ذي الحجة وقرئ بالجامع الأموي بحضور القضاة والصاحب والاعيان ثم مشوا معه وعليه الخلعة إلى دار السعادة فسلم على النائب وراح إلى الصالحية ثم نزل من الغد إلى الجوزية فحكم بها على عادة من تقدمه واستناب بعد أيام الشيخ شرف الدين بن الحافظ وفي يوم الاثنين سابع صفر وصل الشيخ كمال الدين بن الشريشي من مصر على البريد ومعه توقيع بعود الوكلة إليه فخلع عليه وسلم على النائب والخلعة عليه وفي هذا الشهر مسك الوزير عز الدين بن القلانسي واعتقل بالعذراوية وصودر بخمسين ألفا ثم أطلق له ما كان أخذ منه وأنفصل من ديوان نظر الخاص وفي ربيع الاخر وصل من مصر فضل ابن عيسى وأجرى له ولابن أخيه موسى بن مهنا إقطاعات صيدا وذلك بسبب دخول منها إلى بلاد التتر واجتماعهم بملكهم خربندا
وفي يوم الاثنين سادس عشر جمادي الاولى باشر ابن صصرى مشيخة الشيوخ بالسميساطية بسؤال الصوفية وطلبهم له من نائب السلطنة فحضرها وحضر عنده الأعيان في هذا اليوم عوضا عن الشريف شهاب الدين أبي القاسم محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحيم بن عبد الكريم ابن محمد بن علي بن الحسن بن الحسين بن يحيى بن موسى بن جعفر الصادق وهو الكاشنغر توفي عن ثلاث وستين سنة ودفن بالصوفية وقسي جمادي الآخرة باشر بهاء الدين إبراهيم بن جمال الدين يحيى الحنفي المعروف بابن علية وهو ناظر ديوان النائب بالشام نظر الدواوين عوضا عن شمس الدين محمد ابن عبد القادر الخطيري الحاسب الكاسب توفي وقد كان مباشرا عدة من الجهات الكبار مثل نظر الخزانة ونظر الجامع ونظر المارستان وغير ذلك واستمر نظر المارستان من يومئذ بأيدي ديوان نائب السلطنة من كان وصارت عادة مستمرة وفي رجب نقل صاحب حمص الأمير شهاب الدين قرطاي إلى نيابة طرابلس عوضا عن الأمير سيف الدين التركستاني بحكم وفاته وولى الامير سيف الدين إرقطاي نيابة حمص وتولى نيابة الكرك سيف الدين طقطاي الناصري عوضا عن سيف الدين تيبغا
وفي يوم الاربعاء عاشر رجب درس بالنجيبية القاضي شمس الدين الدمشقي عوضا عن بهاء الدين يوسف بن جمال الدين أحمد بن الظاهري العجمي الحلبي سبط الصاحب كمال الدين بن العديم توفي ودفن عندخاله ووالده بتربة العديم وفي آواخر شعبان وصل القاضي شمس الدين ابن عز الدين يحيى الحراني أخو قاضي قضاة الحنابلة بمصر شرف الدين عبدالغني إلى دمشق متوليا نظر الاوقاف بها عوضا عن الصاحب عز الدين أحمد بن محمد بن أحمد بن مبشر توفي في مستهل رجب بدمشق وقد باشر نظر الدواوين بها وبمصر والحسبة وبالاسكندرية وغير ذلك ولم يكن بقي معه في آخر وقت سوى نظر الاوقاف بدمشق وقد قارب الثمانين ودفن باقسيون
وفي آخر شوال خرج الركب الشامي وأميرهم سيف الدين أرغون السلحدار الناصري الساكن عند دار الطراز بدمشق وحج من مصر سيف الدين الدوادار وقاضي القضاة ابن جماعة وقد زار القدس الشريف في هذه السنة بعد وفاة ولده الخطيب جمال الدين عبد الله وكان قد رأس وعظم شأنه وفي ذي القعدة سار الامير سيف الدين تنكز إلى زيارة القدس فغاب عشرين يوما وفيه وصل الأمير سيف الدين بكتمر الحاجب إلى دمشق من مصر وقد كان معتقلا في السجن فأطلق وأكرم وولى نيابة صفد فسار إليها بعد ما قضى أشغاله بدمشق ونقل القاضي حسام الدين القزويني من قضاء صفد إلى قضاء طرابلس وأعيدت ولاية قضاء صفد إلى قاضي دمشق فولى فيها ابن صصرى شرف الدين الهاوندي وكان متوليا طرابلس قبل ذلك ووصل مع بكتمر الحاجب الطواشي ظهير الدين مختار المعروف بالزرعي متوليا الخزانة بالقعلة عوضا عن الطواشي ظهير الدين مختار البلستين توفي
وفي هذا الشهر أعني ذا القعدة وصلت الاخبار بموت ملك التتر خربندا محمد بن أرغون بن أبغا ابن هولاكوقان ملك العراق وخراسان وعراق العجم والروم وأذربيجان والبلاد الأرمينية وديار بكر توفي في السابع والعشرين من رمضان وفدن بتربته بالمدنية التي أنشأها التي يقال لها السلطانية وقد جاوز الثلاثين من العمر وكان موصوفا بالكرم ومحبا للهو واللعب والعمائر وأظهر الرفض أقام سنة على السنة ثم تحول إلى الرفض أقام شعائره في بلاده وحظى عنده الشيخ جمال الدين بن مطهر الحلي تلميذ نصير الدين الطوسي وأقطعه عدة بلاد ولم يزل على هذا المذهب الفاسد إلى أن مات في هذه السنة وقد جرت في أيامه فتن كبار ومصائب عظام فاراح الله منه العباد والبلاد وقام في الملك بعده ولده أبو سعيد وله إحدى عشرة سنة ومدبر الجيوش والممالك له الامير جوبان واستمر في الوزارة على شاه النيريزي وأخذ أهل دولته بالمصادرة وقتل الاعيان ممن أتهمهم بقتل أبيه مسموما ولعب كثير من الناس به في أول دولته ثم عدل إلى العدل وإقامة السنة فأمر بإقامة الخطبة بالترضي عن الشيخين أولا ثم عثمان ثم على رضى الله عنهم ففرح الناس بذلك وسكنت بذلك الفتن والشرور والقتال الذي كان بين أهل تلك البلاد وبهراة واصبهان وبغداد وإربل وساوه وغير ذلك وكان صاحب مكة الامير خميصة بن أبي نمي الحسني قد قصد ملك التتر حربندا
لينصره على أهل مكة فساعده الروافض هناك وجهزوا معه جيشا كثيفا من خراسان فلما مات خربندا بطل ذلك بالكلية وعاد خميصة خائبا خاسئا وفي صحبته أمير من كبار الروافض من التتر يقال له الدلقندي وقد جمع لخميصة أموالا كثيرة ليقيم بها الرفض في بلاد الحجاز فوقع بهما الامير محمد بن عيسى أخو مهنا وقد كان في بلاد التتر أيضا ومعه جماعة من العرب فقهرهما ومن كان معهما ونهب ما كان معهما من الاموال وحضرت الرجال وبلغت أخبار ذلك إلى الدولة الاسلامية فرضى عنه الملك الناصر وأهل دولته وغسل ذلك ذنبه عنده فاستدعى به السلطان إلى حضرته فحضر سامعا مطيعا فأكرمه نائب الشام فلما وصل إلى السلطان أكرمه أيضا ثم إنه استفتى الشيخ تقي الدين بن تيمية وكذلك ارسل إليه السلطان يسأله عن الأموال التي أخذت من الدلقندي فأفتاهم أنها تصرف في المصالح التي يعود نفعها على المسلمين لأنها كانت معدة لعناد الحق ونصرة أهل البدعة على السنة وممن توفي فيها من الأعيان :
*3* عز الدين المبشر والشهاب الكاشنغيري شيخ الشيوخ والبهاء العجمي مدرس النجيبية
@ وفيها قتل خطيب المزة قتله رجل جبلي ضربه بفأس اللحام في رأسه في السوق فبقي أياما ومات وأخذ القاتل فشنق في السوق الذي قتل فيه وذلك يوم الأحد ثالث عشر ربيع الاخر ودفن هناك وقد جاوز الستين
*3* الشرف صالح بن محمد بن عربشاه
@ ابن أبي بكر الهمداني مات في جمادي الاخرة ودفن بمقابر النيرب وكان مشهورا بطيب القراءة وحسن السيرة وقد سمع الحديث وروى جزءا
*3* ابن عرفة صاحب التذكرة الكندية
@ الشيخ الامام المقرئ المحدث النحوي الاديب علاء الدين علي بن المظفر بن إبراهيم بن عمر ابن زيد بن هبة الله الكندي الاسكندراني ثم الدمشقي سمع الحديث على أزيد من مائتي شيخ وقرأ القراءات السبع وحصل علوما جيدة ونظم الشعر الحسن الرائق الفائق وجمع كتابا في نحو من خمسين مجلدا فيه علوم جمة أكثرها أدبيات سماها التذكرة الكندية وقفها بالسميساطية وكتب حسنا وحسب جيدا وخدم في عدة خدم وولى مشيخة دار الحديث النفيسية في مدة عشر سنين وقرأ صحيح البخاري مرات عديدة وأسمع الحديث وكان يلوذ بشيخ الاسلام ابن تيمية وتوفي ببستان عند قبة المسجد ليلة الاربعاء سابع عشر رجب ودفن بالمزة عن ست وسبعين سنة
*3* الطواشي ظهير الدين مختار
@ البكنسي الخزندار بالقلعة وأحد أمراء الطبلخانات بدمشق كان زكيا خبيرا فاضلا يحفظ القرآن يؤديه بصوت طيب ووقف مكتبا للايتام على باب قلعة دمشق ورتب لهم الكسوة الجامكية وكان يمنحنهم بنفسه ويفرح بهم وعمل تربة خارج باب الجابية ووقف عليها القريتين وبنى عندها مسجدا حسنا ووقفه بإمام وهي من أوائل ما عمل من الترب بذلك الخط ودفن بها في يوم الخميس عاشر شعبان رحمه الله وكان حسن الشكل والأخلاق عليه سكينة ووقار وهيبة وله وجاهة في الدولة سامحه الله وولى بعده الخزانة سميه ظهير الدين مختار الزرعي
*3* الامير بدر الدين
@ محمد بن الوزيري كان من الامراء المقدمين ولديه فضيلة ومعرفة وخبرة وقد ناب عن السلطان بدار العدل مرة بمصر وكان حاجب الميسرة وتكلم في الأوقاف وفيما يتعلق بالقضاة والمدرسين ثم نقل إلى دمشق فمات بها في سادس عشر شعبان ودفن بميدان الحصى فوق خان النجيبي وخلف تركة عظيمة
*3* الشيخة الصالحة
@ ست الوزراء بنت عمر بن أسعد بن المنجا راوية صحيح البخاري وغيره جاوزت التسعين سنة وكانت من الصالحات توفيت ليلة الخميس ثامن عشر شعبان ودفنت بتربتهم فوق جامع المظفري بقاسيون
*3* القاضي محب الدين
@ ابو الحسن ابن قاضي القضاة تقي الدين بن دقيق العيد استنابه أبوه في أيامه وزوجه بابنة الحاكم بأمر الله ودرس باللهارية ورأس بعد أبيه وكانت وفاته يوم الاثنين تاسع عشر رمضان وقد قارب الستين ودفن عند أبيه بالقرافة
*3* الشيخة الصالحة
@ ست المنعم بنت عبد الرحمن بن علي بن عبدوس الحرانية والدة الشيخ تقي الدين بن تيمية عمرت فوق السبعين سنة ولم ترزق بنتا قط توفيت يوم الأربعاء العشرين من شوال ودفنت بالصوفية وحضر جنازتها خلق كثير وجم غفير رحمها الله
*3* الشيخ نجم الدين موسى بن علي بن محمد
@ الجيلي ثم الدمشقي الكاتب الفاضل المعروف بابن البصيص شيخ صناعة الكتابة في زمانه لا سيما في المزوج والمثلث وقد اقام يكتب الناس خمسين سنة وأنا ممن كتب عليه أثابه الله وكان شيخا حسنا بهى المنظر يشعر جيدا توفي يوم الثلاثاء عاشر ذي القعدة ودفن بمقابر الباب الصغير وله خمس وستون سنة
*3* الشيخ تقي الدين الموصلي
@ أبو بكر بن أبي الكرم شيخ القراءة عند محراب الصحابة وشيخ ميعاد ابن عامر مدة طويلة وقد انتفع الناس به نحوا من خمسين سنة في التلقين والقراءآت وختم خلقا كثيرا وكان يقصد لذلك ويجمع تصديقات يقولها الصبيان ليالي ختمهم وقد سمع الحديث وكان خيرا دينا توفي ليلة الثلاثاء سابع عشر ذي القعدة ودفن بباب الصغير رحمه الله
*3* الشيخ الصالح الزاهد المقري
@ أبو عبد الله محمد بن الخطيب سلامة بن سالم بن الحسن بن ينبوب الماليني احد الصلحاء المشهورين بجامع دمشق سمع الحديث وأقرأ الناس نحوا من خمسين سنة وكان يفصح الاولاد في الحروف الصعبة وكان مبتلي في فمه يحمل طاسة تحت فمه من كثرة ما يسيل منه من الريال وغيره وقد جاوز الثمانين بأربع سنين توفي بالمدرسة الصارمية يوم الاحد ثاني عشر ذي القعدة ودفن بباب الصغير بالقرب من القندلاوي وحضر جنازته خلق كثير جدا نحوا من عشرة آلاف رحمه الله تعالى
*3* الشيخ الصدر بن الوكيل
@ هو العلامة أبو عبد الله محمد بن الشيخ الامام مفتي المسلمين زين الدين عمر بن مكي بن عبدالصمد المعروف بابن المرحل وبابن الوكيل شيخ الشافعية في زمانه وأشهرهم في وقته بالفضيلة وكثرة الاشتغال والمطالعة والتحصيل والاقتنان بالعلوم العديدة وقد أجاد معرفة المذهب والأصلين ولم يكن بالنحو بذاك القوى وكان يقع منه اللحن الكثير مع أنه قرا منه المفصل للزمخشري وكانت له محفوظات كثيرة ولد في شوال سنة خمس وستين وستمائة وسمع الحديث على المشايخ من ذلك مسند أحمد علي ابن علان والكتب الستة وقرئ عليه قطعة كبيرة من صحيح مسلم بدار الحديث عن الأمير الأربلي والعامري والمزي وكان يتكلم على الحديث بكلام مجموع من علوم كثيرة من الطب والفلسفة وعلم الكلام وليس ذلك بعلم وعلوم الأوائل وكان يكثر من ذلك وكان يقول الشعر جيدا وله ديوان مجموع مشتمل على أشياء لطيفة وكان له أصحاب يحسدونه ويحبونه وآخرون يحسدونه ويبغضونه وكانوا يتكلمون فيه بأشياء ويرمونه بالعظام وقد كان مسرفا على نفسه قد ألقى جلباب الحياء فيما يتعاطاه من القاذورات والفواحش وكان ينصب العداوة للشيخ ابن تيمية ويناظره في كثير من المحافل والمجالس وكان يعترف للشيخ تقي الدين بالعلوم الباهرة ويثنى عليه ولكنه كان يجاحف عن مذهبه وناحيته وهواه وينافح عن طائقته وقد كان شيخ الاسلام ابن تيمية يثنى عليه وعلى علومه وفضائله ويشهد له بالاسلام إذا قيل له عن أفعاله وأعماله القبيحة وكان يقول كان مخلطا على نفسه متبعا مراد الشيطان منه يميل إلى الشهوة والمحاضرة ولم يكن كما يقول فيه بعض أصحابه ممن يحسده ويتكلم فيه هذا أو ما هو في معناه وقد درس بعدة مدارس بمصر والشام ودرس بدمشق بالشاميتين والعذراوية ودار الحديث الأشرفية وولى في وقت الخطابة أياما يسيرة كما تقدم ثم قام الخلق عليه وأخرجوها من يده ولم يرق منبرها ثم خالط نائب السلطنة الأفرم فجرت له أمور لا يمكن ذكرها ولا يحسبن من القبائح ثم آل به الحال على أن عزم على الانتقال من دمشق الى حلب لاستحوازه على قلب نائبها فاقام بها ودرس ثم تردد في الرسلية بين السلطان ومهنا صحبة ارغون والطنبغا ثم استقر به المنزل بمصر ودرس فيها بمشهد الحسين الى أن توفي بها بكرة نهار الأربعاء رابع عشرين ذي الحجة بداره قريبا من جامع الحاكم ودفن من يومه قريبا من الشيخ محمد بن أبي جمرة بتربة القاضي ناظر الجيش بالقرافة ولما بلغت وفاته دمشق صلى عليه بجامعها صلاة الغائب بعد الجمعة ثالث المحرم من السنة الاتية ورثاه جماعة منهم ابن غانم علاء الدين والقجقازي والصفدي لانهم كانوا من عشرائه وفي يوم عرفة توفي
*3* الشيخ عماد الدين اسماعيل الفوعي
@ وكيل قجليس وهو الذي بنى له الباشورة على باب الصغير بالبرانية الغربية وكانت فيه نهضة وكفاية وكان من بيت الرفض اتفق أنه استحضره نائب السلطنة فضربه بين يديه وقام النائب إليه بنفسه فجعل يضربه بالمهاميز في وجهه فرفع من بين يديه وهو تالف فمات في يوم عرفة ودفن من يومه بسفح قاسيون وله دار ظاهر باب الفراديس
*2* ثم دخلت سنة سبع عشرة وسبعمائة
@ استهلت والحكام هم المذكورون في التي قبلها وفي صفر شرع في عمارة الجامع الذي أنشأه ملك الامراء تنكز نائب الشام ظاهر باب النصر تجاه حكر السماق على نهر بانياس بدمشق وتردد القضاة والعلماء في تحرير قبلته فاستقر الحال في أمرها على ما قاله الشيخ تقي الدين بن تيمية في يوم الأحد الخامس والعشرين منه وشرعوا في بنائه بأمر السلطان ومساعدته لنائبه في ذلك وفي صفر هذا جاء سيل عظيم بمدينة بعلبك أهلك خلقا كثيرا من الناس وخرب دورا وعمائر كثيرة وذلك في يوم الثلاثاء سابع وعشرين صفر
وملخص ذلك أنه قبل ذلك جاءهم رعد وبرق عظيم معهما برد ومطر فسالت الأودية ثم جاءهم بعده سيل هائل خسف من سور البلد من جهة الشمال شرق مقدار أربعين ذراعا مع أن سمك الحائط خمسة أذرع وحمل برجا صحيحا ومعه من جانبيه مدينتين فحمله كما هو حتى مر فحفر في الارض نحو خمسمائة ذراع سعة ثلاثين ذراعا وحمل السيل ذلك إلى غربي البلد لا يمر على شيء إلا اتلفه ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها فاتلف ما يزيد على ثلثها ودخل الجامع فارتفع فيه على قامة ونصف ثم قوى على حائطه الغربي فأخربه وأتلف جميع ما فيه الحواصل والكتب والمصاحف وأتلف شيئا كثيرا من رباغ الجامع وهلك تحت الهدم خلق كثير من الرجال والنساء والأطفال فإنا لله وإنا إليه راجعون وغرق في الجامع الشيخ علي بن محمد بن الشيخ علي الحريري هو وجماعة معه من الفقراء ويقال كان من جملة من هلك في هذه الكائنة من أهل بعلبك مائة وأربعة واربعون
نفسا سوى الغرباء وجملة الدور التي خربها والحوانيت التي ألتفها نحو من ستمائة دار وحانوت وجملة البساتين التي جرف أشجارها عشرون بستانا ومن الطوحين ثمانية سوى الجامع والأمينية وأما الاماكن التي دخلها وأتلف ما فيها ولم تخرب فكثير جدا
وفي هذه السنة زاد النيل زيادة عظيمة لم يسمع بمثلها من مدد وغرق بلادا كثيرة وهلك فيها ناس كثير أيضا وغرق منية السبرج فهلك اللناس فيها شيء كثير فإنا لله وإنا إليه راجعون وفي مستهل ربيع الاخر منها أغار جيش حلب على مدينة آمد فنهبوا وسبوا وعادوا سالمين وفي يوم السبت تاسع وعشرين منه قدم قاضي المالكية إلى الشام من مصر وهو الامام العلامة فخر الدين أبو العباس أحمد بن سلامة بن أحمد بن احمد بن سلامة الاسكندري المالكي على قضاء دمشق عوضا عن قاضي القضاة جمال الدين الزواوي لضعفه واشتداد مرضه فالتقاه القضاة والأعيان وقرئ تقليده بالجامع ثاني يوم وصوله وهو مؤرخ بثاني عشر الشهر وقد نائبه الفقيه نور الدين السخاوي درس بالجامع في جمادي الاولى وحضر عنده الاعيان وشكرت فضائله وعلومه ونزاهته وصرامته وديانته وبعد ذلك بتسعة أيام توفي الزواوي المعزول وقد باشر القضاء بدمشق ثلاثين سنة وفيها أفرج عن الامير سيف الدين بهادر آص من سجن الكرك وحمل إلى القاهرة وأكرمه السلطان وكان سجنه بها مطاوعة لاشارة نائب الشام بسبب ما كان وقع بينهما بملطية وخرج المحمل في يوم الخميس تاسع شوال وأمير الحج سيف الدين كجكني المنصوري وممن حج قاضي القضاة نجم الدين ابن صصرى وابن اخيه شرف الدين وكمال الدين بن الشيرازي والقاضي جلال الدين الحنفي والشيخ شرف الدين بن تيمية وخلق وفي سادس هذا الشهر درس بالجار وضية القاضي جلال الدين محمد بن الشيخ كمال الدين الشريشني بعد وفاة الشيخ شرف الدين بن أبي سلام وحضر عنده الاعيان وفي التاسع عشر منه درس ابن الزملكاني بالعذراوية عوضا عن ابن سلام وفيه درس الشيخ شرف الدين بن تيمية بالحنبلية عن إذن أخيه له بذلك بعد وفاة اخيهما لأمهما بدر الدين قاسم بن محمد ابن خالد ثم سافر الشيخ شرف الدين إلى الحج وحضر الشيخ تقي الدين الدرس بنفسه وحضر عنده خلق كثير من الأعيان وغيرهم حتى عاد أخوه وبعد عوده أيضا وجاءت الأخبار بأنه قد أبطلت الخمور والفواحش كلها من بلاد السواحل وطرابلس وغيرها ووضعت مكوس كثيرة عن الناس هنالك وبنيت بقرى النصيرية في كل قرية مسجد ولله الحمد والمنة
وفي بكرة نهار الثلاثاء الثامن والعشرين من شوال وصل الشيخ الامام العلامة شيخ الكتاب شهاب الدين محمود بن سليمان الحلبي على البريد من مصر إلى دمشق متوليا كتابة السر بها عوضا عن شرف الدين عبد الوهاب بن فضل الله توفي إلى رحمه الله وفي ذي القعدة يوم الاحد درس بالصمصامية التي جددت للمالكية وقد وقف عليها الصاحب شمس الدين غبريال درسا ودرس بها فقهاء وعين تدريسها لنائب الحكم الفقيه نور الدين على بن عبد البصير المالكي وحضر عنده القضاة والاعيان وممن حضر عنده الشيخ تقي الدين بن تيمية وكان يعرفه من اسكندرية وفيه درس بالدخوارية الشيخ جمال الدين محمد بن الشيخ شهاب الدين احمد الكحال ورتب في رياسة الطب عوضا عن أمين الدين سليمان الطبيب بمرسوم نائب السلطنة تنكز واختاره لذلك واتفق انه في هذا الشهر تجمع جماعة من التجار بماردين وانضاف اليهم خلق من الجفال من الغلا قاصدين بلاد الشام حتى إذا كانوا بمرحلتين من رأس العين لحقهم ستون فارسا من التتار فمالوا عليهم بالنشاب وقتلوهم عن آخرهم ولم يبق منهم سوى صبيانهم نحو سبعين صبيا فقالوا من يقتل هؤلاء فقال واحد منهم أنا بشرط ان تنقلوني بمال من الغنيمة فقتلهم كلهم عن آخرهم وكان جملة من قتل من التجار ستمائة ومن الجفلان ثلثمائة من المسلمين فانا لله وإنا اليه راجعون وردموا بهم خمس صهاريج هناك حتى امتلأت بهم رحمهم الله ولم يسلم من الجميع سوى رجل واحد تركماني هرب وجاء إلى رأس العين فأخبر الناس بما رأى وشاهد من هذا الأمر الفظيع المؤلم الوجيع فاجتهد متسلم ديار بكر سوياي في طلب أولئك التتر حتى أهلكهم عن آخرهم ولم يبق منهم سوى رجلين لا جمع الله بهم شملا ولا بهم مرحبا ولا أهلا آمين يا رب العالمين
*3* صفة خروج المهدي الضال بأرض جبلة
@ وفي هذه السنة خرجت النصيرية عن الطاعة وكان من بينهم رجل سموه محمد بن الحسن المهدي القائم بأمر الله وتارة يدعى على بن أبي طالب فاطر السموات والارض تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا وتارة يدعى أنه محمد بن عبد الله صاحب البلاد وخرج يكفر المسلمين وأن النصيرية على الحق واحتوى هذا الرجل على عقول كثير من كبار النصيرية الضلال وعين لكل إنسان منهم تقدمه ألف وبلادا كثيرة ونيابات وحملوا على مدينة جبلة فدخلوها وقتلوا خلقا من أهلها وخرجوا منها يقولون لا إله إلا على ولا حجاب إلا محمد ولا باب الا سلمان وسبوا الشيخين وصاح أهل البلد واإسلاماه واسلطاناه واأميراه فلم يكن لهم يومئذ ناصر ولا منجد وجعلوا يبكون ويتضرعون إلى الله عز وجل فجمع هذا الضال تلك الاموال فقسمها على أصحابه وأتباعه قبحهم الله أجمعين وقال لهم لم يبق للمسلمين ذكر ولا دولة ولو لم يبق معي سوى عشرة نفر لملكنا البلاد كلها ونادى في تلك البلاد إن المقاسمة بالعشر لا غير ليرغب فيه وأمر أصحابه بخراب المساجد واتخاذها خمارات وكانوا يقولون لمن أسره من المسلمين قل لا إله إلا على واسجد لالهك المهدي الذي يحيى ويميت حتى يحقن دمك ويكتب لك فرمان وتجهزوا وعملوا أمرا عظيما جدا فجردت إليهم العساكر فهزموهم وقتلوا منهم خلقا كثيرا وجما غفيرا وقتل المهدي أضلهم وهو يكون يوم القيامة مقدمهم إلى عذاب السعير كما قال تعالى ومن الناس من يجادل في الله بغير علم وبتيع كل شيطان مريد كتب عليه أنه من تولاه فأنه يضله ويهديه إلى عذاب السعير ذلك بما قدمت يداك الآية وفيها حج الأمير حسام الدين مهنا وولده سليمان في ستة آلاف وأخوه محمد بن عيسى في أربعة آلاف ولم يجتمع مهنا بأحد من المصريين ولا الشاميين وقد كان في المصريين فجليس وغيره والله اعلم وممن توفي بها من الاعيان :
*3* الشيخ الصالح
@ أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الله المنتزه كان فاضلا وكتب حسنا نسخ التنبيه والعمدة وغير ذلك وكان الناس ينتفعون به ويقابلون عليه ذلك ويصححون عليه ويجلسون إليه عند صندوق كان له في الجامع توفي ليلة الاثنين سادس محرم ودفن بالصوفية وقد صححت عليه في العمدة وغيره
*3* الشيخ شهاب الدين الرومي
@ أحمد بن محمد بن إبراهيم بن المراغي درس بالعينية وأم بمحراب الحنفية بمقصورتهم الغربية إذ كان محرابهم هناك وتولى مشيخة الخاتونية وكان يؤم بنائب السلطان الأفرم وكان يقرأ حسنا بصوت مليح وكانت له مكانة عنده وربما راح إليه الافرم ماشيا حتى يدخل عليه زاويته التي أنشأها بالشرق الشمالي على الميدان الكبير ولما توفي بالمحرم ودفن بالصوفية قام ولداه عماد الدين وشرف الدين بوظائفه
*3* الشيخ الصالح العدل
@ فخر الدين عثمان بن أبي الوفا بن نعمة الله الأعزازي كان ذا ثروة من المال كثير المروءة والبلاوة أدى الامانة في ستين ألف دينار وجواهر لا يعلم بها إلا الله عز وجل بعد ما مات صاحبها مجردا في الغزاة وهو عز الدين الجراحي نائب غزة أودعه إياها فأداها إلى أهلها أثابه الله ولهذا لما مات يوم الثلاثاء الثالث والعشرين من ربيع الآخر حضر جنازته خلق لا يعلمهم إلا الله تعالى حتى قيل إنهم لم يجتمعوا في مثلها قبل ذلك ودفن بباب الصغير رحمه الله
*3* قاضي القضاة
@ جمال الدين أبو عبد الله محمد بن سليمان بن يوسف الزواوي قاضي المالكية بدمشق من سنة سبع وثمانين وستمائة قدم مصر من المغرب واشتغل بها وأخذ عن مشايخها منهم الشيخ عز الدين بن عبد السلام ثم قدم دمشق قاضيا في سنة سبع وثمانين وستمائة وكان مولده تقريبا في سنة تسع وعشرين وستمائة وأقام شعار مذهب مالك وعمر الصمصامية في أيامه وجدد عمارة النورية وحدث
بصحيح مسلم وموطأ مالك عن يحيى بن يحيى عن مالك وكتاب الشفا للقاضي عياض وعزل قبل وفاته بعشرين يوما عن القضاء وهذا من خيره حيث لم يمت قاضيا توفي بالمدرسة الصمصامية يوم الخميس التاسع من جمادي الاخرة وصلى عليه بعدالجمعة ودفن بمقابر باب الصغير تجاه مسجد التاريخ وحضر الناس جنازته وأثنوا عليه خيرا وقد جاوز الثمانين كمالك رحمه الله ولم يبلغ إلى سبعة عشر من عمره على مقتضى مذهبه أيضا
*3* القاضي الصدر الرئيس
@ رئيس الكتاب شرف الدين أبو محمد عبدالوهاب بن جمال الدين فضل الله بن الحلى القرشي العدوى المعمري ولد سنة تسع وعشرين وستمائة وسمع الحديث وخدم وارتفعت منزلته حتى كتب الانشاء بمصر ثم نقل إلى كتابة السر بدمشق إلى أن توفي في ثامن رمضان ودفن بقاسيون وقد قارب التسعين وهو ممتع بحواسه وقواه وكانت له عقيدة حسنة في العلماء ولا سيما في ابن تيمية وفي الصلحاء رحمه الله وقد رثاه الشهاب محمود كاتب السر بعده بدمشق وعلاء الدين بن غانم وجمال الدين بن نباته
*3* الفقيه الامام العالم المناظر
@ شرف الدين أبو عبد الله الحسين بن الامام كمال الدين علي بن إسحاق بن سلام الدمشقي الشافعي ولد سنة ثلاث وسبعين وستمائة واشتغل وبرع وحصل ودرس بالجاروضية والعذراوية وأعاد بالظاهرية وأفتى بدار العدل وكان واسع الصدر كثير الهمة كريم النفس مشكورا في فهمه وخطه وحفظه وفصاحته ومناظرته توفي في رابع عشرين رمضان وترك أولادا ودينا كثيرا فوفته عنه زوجته بنت زويزان تقبل الله منها وأحسن إليها
*3* الصاحب إنيس الملوك
@ بدر الدين عبد الرحمن بن إبراهيم الاربلي ولد سنة ثمان وثلاثين وستمائة واشتغل بالأدب فحصل على جانب جيد منه وارتزق عند الملوك به فمن رقيق شعره ما أروده الشيخ علم الدين في ترجمته قوله
ومدامة خمر تشبه خد من * أهو ودمعي يسقى بها قمرا
أعز علي من سمعي ومن بصري
وقوله في مغنية
وعزيزة هيفاء ناعمة الصبا * طوع العناق مريضة الاجفان
غنت وماس قومها فكأنها ال * ورقاء تسجع فوق عصن البان
*3* الصدر الرئيس شرف الدين محمد بن جمال الدين إبراهيم
@ ابن شرف الدين عبد الرحمن بن أمين الدين سالم بن الحافظ بهاء الدين الحسن بن هبة الله بن محفوظ بن صصرى ذهب إلى الحجاز الشريف فلما كانوا ببردى اعتراه مرض ولم يزل به حتى مات توفي بمكة وهو محرم ملب فشهد الناس جنازته وغبطوه بهذه الموتة وكانت وفاته يوم الجمعة آخر النهار سابع ذي الحجة ودفن ضحى يوم السبت بمقبرة بباب الحجون رحمه الله تعالى وأكرم مثواه
*2* ثم دخلت سنة ثمان عشرة وسبعمائة
@ الخليفة والسلطان هما هما وكذلك النواب والقضاة سوى المالكي بدمشق فإنه العلامة فخر الدين ابن سلامة بعدالقاضي جمال الدين الزواوي رحمه الله ووصلت الاخبار في المحرم من بلاد الجزيرة وبلاد الشرق سنجار والموصل وماردين وتلك النواحي بغلاء عظيم وفناء شديد وقلة الامطار وخوف التتار وعدم الاقوات وغلاء الاسعار وقلة النفقات وزوال النعم وحلول النقم بحيث إنهم أكلوا ما وجدوه من الجمادات والحيوانات والميتات وباعوا حتى أولادهم وأهاليهم فبيع الولد بخمسين درهماوأقل من ذلك حتى إن كثير كانوا لايشترون من أولاد المسلمين وكانت المرأة تصرح بأنها نصرانية ليشترى منها ولدها لتنتفع بثمنه ويحصل له من يطعمه فيعيش وتأمن عليه من الهلاك فإنا لله وإنا إليه راجعون ووقعت أحوال صعبة يطول ذكرها وتنبو الاسماع عن وصفها وقد ترحلت منهم فرقة قريب الاربعمائة إلى ناحية مراغة فسقط عليهم ثلج أهلكهم عن آخرهم وصحبت طائفة منهم فرقة من التتار فلما انتهوا إلى عقبة صعدها التتار ثم منعوهم ان يصعدوها لئلا يتكلفوا بهم فماتوا عن آخرهم فلا حول ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم وفي بكرة الاثنين السابع من صفر قدم القاضي كريم الدين عبدالكريم بن العلم هبة الله وكيل الخاص السلطاني بالبلاد جميعها قدم إلى دمشق فنزل بدار السعادة وأقام بها أربعة ايام وأمر ببناء جامع القبيبات الذي يقال له جامع كريم الدين وراح لزيارة بيت المقدس وتصدق بصدقات كثيرة وافرة وشرع ببناء جامع بعد سفره وفي ثاني صفر جاءت ريح شديدة ببلاد طرابلس على ذوق تركمان فأهلكت لهم كثيرا من الامتعة وقتلت اميرا منهم يقال له طرالي وزوجته وابنتيه وابني ابنيه وجاريته وأحد عشر نفسا وقتلت جمالا كثيرة وغيرها وكسرت الامتعة والاثاث وكانت ترفع البعير في الهواء مقدار عشرة أرماح ثم تلقيه مقطعا ثم سقط بعد ذلك مطر شديد وبرد عظيم بحيث أتلف زروعا كثيرة في قرى عديدة نحو من أربعة وعشرين قرية حتى أنها لا ترد بدارها وفي صفر أخرج الامير سيف الدين طغاي الحاصلي إلى نيابة صفت فأقيم بها شهرين مسلك والصاحب أمين الدين إلى نظر الاوقاف بطرابلس على معلوم وافر قال الشيخ علم الدين
وفي يوم الخميس منتصف ربيع الاول اجتمع قاضي القضاة شمس الدين بن مسلم بالشيخ الامام العلامة تقي الدين بن تيمية وأشار عليه في ترك الافتاء في مسألة الحلف بالطلاق فقبل الشيخ نصيحته وأجاب إلى ما اشار به رعاية لخاطره وخواطر الجماعة المفتيين ثم ورد البريد في مستهل جمادي الاولى بكتاب من السلطان فيه منع الشيخ تقي الدين من الافتاء في مسألة الحلف بالطلاق وانعقد بذلك مجلس وانفصل الحال على ما رسم به السلطان ونودي به في البلد وكان قبل قدوم المرسوم قد اجتمع بالقاضي ابن مسلم الحنبلي جماعة من المفتيين الكبار وقالوا له أن ينصح الشيخ في ترك الافتاء في مسألة الطلاق فعلم الشيخ نصيحته وأنه إنما قصد بذلك ترك ثوران فتنة وشر وفي عاشره جاء البريد إلى صفت بمسك سيف الدين طغاي وتولية بدر الدين القرماني نيابة حمص
وفي هذا الشهر كان مقتل رشيد الدولة فضل الله بن أبي الخير بن عالي الهمداني كان أصله يهوديا عطارا فتقدم بالطب وشملته السعادة حتى كان عند خربندا الجزء الذي لا يتجزأ وعلت رتبته وكلمته وتولى مناصب الوزراء وحصل له من الاموال والأملاك والسعادة مالا يحد ولا يوصف وكان قد أظهر الاسلام وكانت لديه فضائل جمة وقد فسر القرآن وصنف كتبا كثيرة وكان له اولاد وثروة عظيمة وبلغ الثمانين من العمر وكانت له يد جيدة يوم الرحبة فإنه صانع عن المسلمين وأتقن القضية في رجوع ملك التتار عن البلاد الشامية سنة ثنتي عشرة كما تقدم وكان يناصح الاسلام ولكن قد نال منه خلق كثير من الناس واتهموه على الدين وتكلموا في تفسيره هذا ولا شك أنه كان مخبطا مخلطا وليس لديه علم نافع ولا عمل صالح ولما تولى أبو سعيد المملكة عزله وبقي مدة خاملا ثم استدعاه جوبان وقال له أنت سقيت السلطان خربندا سما فقال له أنا كنت في غاية الحقارة والذلة فصرت في أيامه وأيام أبيه في غاية العظمة والعزة فكيف أعمد إلى سقيه والحالة هذه فأحضرت الاطباء فذكروا صورة مرض خربندا وصفته وأن الرشيد أشار باسهاله لما عنده في باطنه من الحواصل فانطلق باطنه نحوا من سبعين مجلسا فمات بذلك على وجه أنه أخطأ في الطب فقال فأنت إذا قتلته فقتله وولده إبراهيم واحتيط على حواصله وامواله فبلغت شيئا كثيرا وقطعت أعضاؤه وحمل كل جزء منها إلى بلدة ونودي على رأسه بتبريز هذا رأس اليهودي الذي بدل كلام الله لعنه الله ثم أحرقت جثته وكان القائم عليه على شاه
وفي هذا الشهر أعني جمادي الاولى تولى قضاء المالكية بمصر تقي الدين الاخنائي عوضا عن زين الدين بن مخلوف توفي عن اربع وثمانين سنة وله في الحكم ثلاث وثلاثون سنة وفي يوم الخميس عاشر رجب لبس صلاح الدين يوسف بن الملك الاوحد خلعة الامرة بمرسوم السلطان
وفي آخر رجب جاء سيل عظيم بظاهر حمص خرب شيئا كثيرا وجاء إلى البلد ليدخلها فمنعه الخندق وفي شعبان تكامل بناء الجامع الذي عمره تنكز ظاهر باب النصر وأقيمت الجمعة فيه عاشر شعبان وخطب فيه الشيخ نجم الدين علي بن داود بن يحيى الحنفي المعروف بالفقجازي من مشاهير الفضلاء ذوي الفنون المتعددة وحضر نائب السلطنة والقضاة والاعيان والقراء والمنشدون وكان يوما مشهودا وفي يوم الجمعة التي يليها خطب بجامع القبيبات الذي أنشأه كريم الدين وكيل السلطان وحضر فيه القضاة والاعيان وخطب فيه الشيخ شمس الدين محمد بن عبد الواحد بن يوسف بن الرزين الحراني الاسدي الحنبلي وهو من الصالحين الكبار ذوي الزهادة والعبادة والنسك والتوجه وطيب الصوت وحسن السمت وفي حادي عشر رمضان خرج الشيخ شمس الدين ابن النقيب إلى حمص حاكما بها مطلوبا مولى مرغوبا فيه وخرج الناس لتوديعه
وفي هذا الشهر حصل سيل عظيم بسلمية ومثله بالشوبك وخرج المحمل في شوال وأمير الركب الأمير علاء الدين بن معبد والى البر وقاضيه زين الدين ابن قاضي الخليل الحاكم بحلب وممن حج في هذه السنة من الاعيان الشيخ برهان الدين الفزاري وكمال الدين ابن الشريشي وولده وبدر الدين ابن العطار وفي الحادي والعشرين من ذي الحجة انتقل الامير فخر الدين إياس الأعسري من شد الدواوين بدمشق إلى طرابلس اميرا وفي يوم الجمعة السابع عشر ذي الحجة أقيمت الجمعة في الجامع الذي انشأه الصاحب شمس الدين عبريال ! ناظر الدواوين بدمشق خارج باب شرقي إلى جانب ضرار بن الازور بالقرب من محلة القعاطلة وخطب فيه الشيخ شمس الدين محمد بن التدمري المعروف بالنيرباني وهو من كبار الصالحين ذوي العبادة والزهادة وهو من أصحاب شيخ الاسلام ابن يتيمة وحضره الصاحب المذكور وجماعة من القضاة والاعيان وفي يوم الاثنين والعشرين من ذي الحجة باشر الشيخ شمس الدين محمد بن عثمان الذهبي المحدث الحافظ بتربة أم الصالح عوضا عن كمال الدين بن الشريشي توفي بطريق الحجاز في شوال وقد كان له في مشيختها ثلاث وثلاثون سنة وحضر عند الذهبي جماعة من القضاة وفي يوم الثلاثاء صبيحة هذا الدرس أحضر الفقيه زين الدين بن عبيدان الحنبلي من بعلبك وحوقق على منام رآه زعم أنه رآه بين النائم واليقظان وفيه تخليط وتخبيط وكلام كثير لا يصدر عن مستقيم المزاج كان كتبه بخطه وبعثه لي بعض أصحابه فاستسلمه القاضي الشافعي وحقن دمه وعزره ونودي عليه في البلد ومنع من الفتوى وعقود الانكحة ثم أطلق وفي يوم الاربعاء بكرة باشر بدر الدين محمد بن بضحان شيخة الاقزاء بتربة أم الصالح عوضا عن الشيخ مجد الدين التونسي توفي وحضر عنده الاعيان الفضلاء وقد حضرته يومئذ وقبل ذلك باشر مشيخة الاقراء بالأشرفية عوضا عنه أيضا الشيخ
محمد بن خروف الموصلي وفي يوم الخميس ثالث عشرين ذي الحجة باشر الشيخ الامام العلامة الحافظ الحجة شيخنا ومفيدنا أبو الحجاج يوسف بن الزكي عبدالرحمن بن يوسف المزي مشيخة دار الحديث الاشرفية عوضا عن كمال الدين بن الشريشي ولم يحضر عنده كبير أحد لما في نفوس بعض الناس من ولايته لذلك مع أنه لم يتولها أحد قبله أحق بها منه ولا احفظ منه وما عليه منهم إذا لم يحضروا عنده فإنه لا يوحشه إلا حضورهم عنده وبعدهم عنه انس والله أعلم وممن توفي فيها من الاعيان :
*3* الشيخ الصالح العباد الناسك
@ الورع الزاهد القدوة بقية السلف وقدوة الخلف أبو عبد الله محمد بن الشيخ الصالح عمر بن السيد القدوة الناسك الكبير العارف ابي بكر بن قوام بن علي بن قوام البالسي ولد سنة خمسين وستمائة ببالس وسمع من أصحاب ابن طبرزد وكان شيخا جليلا بشوش الوجه حسن السمت مقصدا لكل أحد كثير الوقار عليه سيما العبادة والخير وكان يوم قازان في جملة من كان مع الشيخ تقي الدين ابن تيمية لما تكلم مع قازان فحكى عن كلام شيخ الاسلام تقي الدين لقازان وشجاعته وجرأته عليه وأنه قال لترجمانه قل للقان أنت تزعم أنك مسلم ومعك مؤذنون وقاضي وإمام وشيخ على ما بلغنا فغزوتنا وبلغت بلادنا على ماذا وابوك وجدك هلاكو كانا كافرين وما غزوا بلاد الاسلام بل عاهدوا قومنا وأنت عاهدت فغدرت وقلت فما وفيت قال وجرت له مع قازان وقطلوشاه وبولاي أمور ونوب قام ابن تيمية فيها كلها لله وقال الحق ولم يخش إلا الله عز وجل قال وقرب إلى الجماعة طعاما فأكلوا منه إلا ابن تيمية فقيل له ألا تأكل فقال كيف آكل من طعامكم وكله مما نهبتم من أغنام الناس وطبختموه بما قطعتم من أشجار الناس قال ثم إن قازان طلب منه الدعاء فقال في دعائه اللهم إن كان هذا عبدك محمود إنما يقاتل لتكون كلمتك هي العليا وليكون الدين كله لك فانصره وأيده وملكه البلاد والعباد وإن كان إنما قام رياء وسمعة وطلبا للدنيا ولتكون كلمته هي العليا وليذل الاسلام وأهله فاخذ له وزلزله ودمره واقطع دابره قال وقازان يؤمن على دعائه ويرفع يديه قال فجعلنا نجمع ثابنا خوفا من أن تتلوث بدمه إذا أمر بقتله قال فلما خرجنا من عنده قال له قاضي القضاة نجم الدين ابن صصرى وغيره كدت أن تهلكنا وتهلك نفسك والله لانصحبك من هنا فقال وأنا والله لا أصحبكم قال فانطلقنا عصبة وتأخر هو في خاصة نفسه ومعه جماعة من أصحابه فتسامعت به الخواقين والأمراء من أصحاب قازان فأتوه يتبركون بدعائه وهو سائر إلى دمشق وينظرون إليه قال والله ما وصل إلى دمشق إلا في نحو ثلثمائة فارس في ركابه وكنت أنا من جملة من كان معه وأما أولئك الذين أبو أن يصحبوه فخرج عليهم جماعة من التتر فشلحوهم عن آخرهم هذا الكلام أو نحوه وقد سمعت هذا الحكاية من جماعة غيره وقد تقدم ذلك توفي الشيخ محمد بن قوام ليلة الاثنين
الثاني والعشرين من صفر الزاوية المعروفة بهم غربي الصالحية والنصارية والعادلية وصلى عليه بها ودفن بها وحضر جنازته ودفنه خلق كثير وجم غفير وكان في جملة الجمع الشيخ تقي الدين بن تيمية لأنه كان يحبه كثيرا ولم يكن للشيخ محمد مرتب على الدولة ولا غيرهم ولا لزاويته مرتب ولا وقف وقد عرض عليه ذلك غير مرة فلم يقبل وكان يزار وكان لديه علم وفضائل جمة وكان فهمه صحيحا وكانت له معرفة تامة وكان حسن العقيدة وطويته صحيحة محبا للحديث وآثار السلف كثير التلاوة والجمعية على الله عز وجل وقد صنف جزءا فيه أخبار جيدة رحمه الله وبل ثراه بوابل الرحمة آمين
*3* الشيخ الصالح الاديب البارع الشاعر المجيد
@ تقي الدين أبو محمد عبد الله بن الشيخ أحمد بن تمام بن حسان البلى ثم الصالحي الحنبلي أخو الشيخ محمد بن تمام ولد سنة خمس وثلاثين وستمائة وسمع الحديث وصحب الفضلاء وكان حسن الشكل والخلق طيب النفس مليح المجاورة والمجالسة كثير المفاكهة أقام مدة بالحجاز واجتمع بابن سبعين وبالتقي الحوراني وأخذ النحو عن ابن مالك وابنه بدر الدين وصحبه مدة وقد صحبه الشهاب محمود مدة خمسين سنة وكان يثني عليه بالزهد والفراغ من الدنيا توفي ليلة السبت الثالث من ربيع الاخر ودفن بالسفح وقد أورد الشيخ علم الدين البرزالي في ترجمته قطعة من شعره فمن ذلك قوله
أسكان المعاهد من فؤادي * لكم في خافق منه سكون
أكرر فيكم أبدا حديثي * فيحلو والحديث له شجون
وأنظمه عقيقا من دموعي * فتنثره المحاجر والجفون
وأبتكر المعاني في هواكم * وفيكم كل قافية تهون
واسئل عنكم البكاء سرا * وسر هواكم سر مصون
وأغتبق النسيم لان فيه * شمائل من معاطفكم تبين
فكم لي في محبتكم غرام * وكم لي في الغرام بكم فنون
*3* قاضي القضاة زين الدين
@ علي بن مخلوف بن ناهض بن مسلم بن منعم بن خلف النويري المالكي الحاكم بالديار المصرية سنة أربع وثلاثين وستمائة وسمع الحديث واشتغل وحصل وولى الحكم بعد ابن شاش سنة خمس وثمانين وطالت ايامه إلى هذا العام وكان غزير المروءة والاحتمال والاحسان إلى الفقهاء والشهود ومن يقصده توفي ليلة الاربعاء حادي عشر جمادي الاخرة ودفن بسفح المقطم بمصر وتولى الحكم بعده بمصر تقي الدين الاخنائي المالكي
*3* الشيخ إبراهيم بن أبي العلاء
@ المقري الصيت المشهور المعروف بابن شعلان وكان رجلا جيدا في شهود المسمارية ويقصد للختمات لصيت صوته توفي يوم الجمعة وهو كهل ثالث عشر جمادي الاخرة ودفن بسفح قاسيون
*3* الشيخ الامام العالم الزاهد
@ ابو الوليد محمد بن أبي القاسم أحمد بن محمد بن عبد الله بن أبي جعفر أحمد بن خلف بن إبراهيم ابن أبي عيسى بن الحاج النجيبي القرطبي ثم الاشبيلي ولد باشبيلية سنة ثمان وثلاثين وستمائة وقد كان أهله بيت العلم والخطابة والقضاء بمدينة قرطبة فلما أخذها الفرنج انتقلوا إلى اشبيلية وتمحقت اموالهم وكتبهم وصادر ابن الاحمر جده القاضي بعشرين ألف دينار ومات أبوه وجده في سنة إحدى واربعين وسمتائة ونشأ يتيما ثم حج واقبل إلى الشام فاستقام بدمشق من سنة أربع وثمانين وسمع من ابن البخاري وغيره وكتب بيده نحوا من مائة مجلد إعانة لولديه ابي عمر وأبي عبد الله على الأشتغال ثم كانت وفاته بالمدرسة الصلاحية يوم الجمعة وقت الاذان ثامن عشر رجب وصلى عليه بعد العصر ودفن عند القندلاوي بباب الصغير بدمشق وحضر جنازته خلق كثير
*3* الشيخ كمال الدين ابن الشريشي
@ احمد ابن الامام العلامة جمال الدين بن أبي بكر بن محمد بن أحمد بن محمد بن سحمان البكري الوايلي الشريشي كان أبوه مالكيا كما تقدم واشتغل هو في مذهب الشافعي فبرع وحصل علوما كثيرة وكان خبيرا بالكتابة مع ذلك وسمع الحديث وكتب الطباق بنفسه وافتى ودرس وناظر وباشر بعدة مدارس ومناصب كبار أول ما باشر مشيخة دار الحديث بتربة أم الصالح بعد والده من سنة خمس وثمانين وستمائة إلى أن توفي وناب في الحكم عن ابن جماعة ثم ترك ذلك وولى وكالة بيت المال وقضاء العسكر ونظر الجامع مرات ودرس بالشامية البرانية ودرس بالناصرية عشرين سنة ثم انتزعها من يده ابن جماعة وزين الدين الفارقي فاستعادها منهما وباشر مشيخة الرباط الناصري بقاسيون مدة ومشيخة دار الحديث الأشرفية ثمان سنين وكان مشكور السيرة فيما يولي من الجهات كلها وقد عزم في هذه السنة على الحج فخرج بأهله فأدركته منيته بالحسا في سلخ شوال من هذه السنة ودفن هناك رحمه الله وتولى بعده الوكالة جمال الدين بن القلانسي ودرس بالناصرية كمال الدين بن الشيرازي وبدار الحديث الاشرفية الحافظ جمال الدين المزي وبأم الصالح الشيخ شمس الدين الذهبي وبالرباط النصاري ولده جمال الدين
*3* الشهاب المقري
@ احمد بن أبي بكر بن أحمد البغدادي نقيب الاشراف المتعممين كان عنده فضائل جمة نثرا ونظما مما يناسب الوقائع وما يحضر فيه من التهاني والتعازي ويعرف الموسيق والشعبذة وضرب الرمل ويحضر المجالس الشمتملة على اللهو والمسكر واللعب والبسط ثم انقطع عن ذلك كله لكبر سنه وهو مما يقال فيه وفي أمثاله
ذهبت عن توبته سائلا * وجدتها توبة إفلاس
وكان مولده بدمشق سنة ثلاث وثلاثين وستمائة وتوفي ليلة السبت خامس ذي القعدة ودفن بمقابر باب الصغير في قبر أعده لنفسه عن خمس وثمانين سنة سامحه الله
*3* قاضي القضاة فخر الدين
@ أبو العباس احمد بن تاج الدين ابي الخير سلامة بن زين الدين ابي العباس احمد بن سلام الاسكندري المالكي ولد سنة إحدى وسبعين وستمائة وبرع في علوم كثيرة وولى نيابة الحكم في الاسكندرية فحمدت سيرته وديانته وصرامته ثم قدم على قضاء الشام للمالكية في السنة الماضية فباشرها أحسن مباشرة سنة ونصفا إلى أن توفي بالصمصامية بكرة الاربعاء مستهل ذي الحجة ودفن إلى جانب القندلاوي بباب الصغير وحضر جنازته خلق كثير وشكره الناس وأثنوا عليه رحمه الله تعالى
*2* ثم دخلت سنة تسع عشرة وسبعمائة
@ استهلت والحكام هم المذكورون في التي قبلها وفي ليلة مستهل محرم هبت ريح شديدة بدمشق سقط بسببها شيء من الجدران واقتلعت أشجارا كثيرة وفي يوم الثلاثاء سادس عشرين المحرم خلع على جمال الدين بن القلانسي بوكالة بيت المال عوضا عن ابن الشريشي وفي يوم الاربعاء الخامس من صفر درس بالناصرية الجوانية ابن صصرى عوضا عن ابن الشريشي أيضا وحضر عنده الناس على العادة وفي عاشره باشر شد الدواوين جمال الدين أقوش الرحبي عوضا عن فخر الدين إياس وكان أقوش متولي دمشق من سنة سبع وسبعمائة وولى مكانه الامير علم الدين طرقش الساكن بالعقبية وفي هذا اليوم نودي بالبلد بصوم الناس لأجل الخروج إلى الاستسقاء وشرع في قراءة البخاري وتهيأ الناس ودعوا عقيب الصلوات وبعد الخطب وابتهلوا الى الله في الاستسقاء فلما كان يوم السبت منتصف صفر وكان سابع نيسان خرج اهل البلد برمتهم إلى عند مسجد القدم وخرج نائب السلطنة والامراء مشاة يبكون ويتضرعون واجتمع الناس هنالك وكان مشهدا عظيما وخطب بالناس القاضي صدر الدين سليمان الجعفري وأمن الناس على دعائه فلما أصبح الناس من اليوم الثاني جاءهم الغيث باذن الله ورحمته ورأفته لا بحولهم ولا بقوتهم ففرح الناس فرحا شديدا وعم البلاد كلها ولله الحمد والمنة وحده لا شريك له وفي أواخر الشهر شرعوا باصلاح رخام الجامع وترميمه وحلى أبوابه وتحسين ما فيه وفي رابع عشر ربيع الاخر درس بالناصرية
الجوانية ابن الشيرازي بتوقيع سلطاني وأخذها من ابن صصرى وباشرها إلى أن مات وفي يوم الخميس سادس عشر جمادي الاولى باشر ابن شيخ السلامية فخر الدين أخو ناظر الجيش الحسبة بدمشق عوضا عن ابن الحداد وباشر ابن الحداد نظر الجامع بدلا عن ابن شيخ السلامية وخلع على كل منهما
وفي بكرة الثلاثاء خامس جمادي الآخرة قدم من مصر إلى دمشق قاضي القضاة شرف الدين أبو عبد الله محمد بن قاضي القضاة معين الدين ابي بكر بن الشيخ زكي الدين ظاهر الهمداني المالكي على قضاء المالكية بالشام عوضا عن ابن سلامة توفي وكان بينهما ستة أشهر ولكن تقليد هذا مؤرخ بآخر ربيع الاول ولبس الخلعة وقرئ تقليده بالجامع وفي هذا الشهر درس بالخاتونية البرانية القاضي بدر الدين بن نويرة الحنفي وعمره خمس وعشرون سنة عوضا عن القاضي شمس الدين محمد قاضي ملطية توفي وفي يوم السبت خامس رمضان وصل إلى دمشق سيل عظيم أتلف شيئا كثيرا وارتفع حتى دخل من باب الفرج ووصل إلى العقبية وانزعج الناس له وانتقلوا من أماكنهم ولم تطل مدته لأن أصله كان مطرا وقع بأرض وابل السوق والحسينية وفي هذا اليوم باشر طرقشي شد الدواوين بعد موت جمال الدين الرحبي وباشر ولاية المدينة صارم الدين الجوكندار وخلع عليهما
ولما كان يوم الثلاثاء التاسع والعشرين من رمضان اجتمع القضاة وأعيان الفقهاء عند نائب السلطنة بدار السعادة وقرئ عليهم كتاب من السلطان يتضمن منع الشيخ تقي الدين بن تيمية من الفتيا بمسألة الطلاق وانفصل المجلس على تأكيد المنع من ذلك وفي يوم الجمعة تاسع شوال خطب القاضي صدر الدين الداراني عوضا عن بدر الدين ابن ناصر الدين بن عبدالسلام بجامع جراح وكان فيه خطيبا قبله فتولاه بدر الدين حسن العقرباني واستمر ولده في خطابة داريا التي كانت بيد أبيه من بعده وفي يوم السبت عشرة خرج الركب وأميرهم عز الدين أيبك المنصوري أمير علم وحج فيها صدر الدين قاضي القضاة الحنفي وبرهان الدين بن عبد الحق وشرف الدين بن تيمية ونجم الدين الدمشقي وهو قاضي الركب ورضى الدين المنطبقي وشمس الدين بن الزريز خطيب جامع القبيبات وعبد الله بن رشيق المالكي وغيرهم وفيها حج سلطان الاسلام الملك الناصر محمد بن قلاوون ومعه جمع كثير من الامراء ووكيله كريم الدين وفخر الدين كاتب المماليك وكاتب السر ابن الأثير وقاضي القضاة ابن جماعة وصاحب حماة الملك عماد الدين والصاحب شمس الدين غبريال في خدمة السلطان وكان في خدمته خلق كثير من الأعيان
وفيها كانت وقعة عظيمة بين التتار بسبب أن ملكهم أبا سعيد كان قد ضاق ذرعا بجوبان وعجز عن مسكه فانتدب له جماعة من الأمراء عن أمره منهم أبو يحيى خال أبيه ودقماق وقرشي وغيرهم من أكابر الدولة وأرادوا كبس جوبان فهرب وجاء إلى السلطان فانهى إليه ما كان منهم وفي صحبته الوزير على شاه ولم يزل بالسلطان حتى رضي عن جوبان وأمده بجيش كثيف وركب السلطان معه أيضا والتقوا مع أولئك فكسروهم وأسروهم وتحكم فيه جوبان فقتل منهم إلى آخر هذه السنة نحوا من أربعين أميرا وممن توفي فيها من الأعيان :
*3* الشيخ المقري شهاب الدين
@ أبو عبد الله الحسن بن سليمان بن خزارة بن بدر الكفري الحنفي ولد تقريبا في سنة سبع وثلاثين وستمائة وسمع الحديث وقرأ بنفسه كتاب الترمذي وقرأ القراءات وتفرد بها مدة يشتغل الناس عليه وجمع عليه السبع أكثر من عشرين طالبا وكان يعرف النحو والأدب وفنونا كثيرة وكانت مجالسته حسنة وله فوائد كثيرة درس بالطرخانية أكثر من أربعين سنة وناب في الحكم عن الأذرعي مدة ولايته وكان خيرا مباركا أضر في آخر عمره وانقطع في بيته مواظبا على التلاوة والذكر وأقراء القرأن إلى أن توفي ثالث عشر جمادي الاولى وصلى عليه بعد الظهر يومئذ بجامع دمشق ودفن بقاسيون رحمه الله وفي هذا الشهر جاء الخبر بموت
*3* الشيخ الامام تاج الدين
@ عبد الرحمن بن محمد بن أبي حامد التبريزي الشافعي المعروف بالأفضلي بعد رجوعه من الحج ببغداد في العشر الاول من صفر وكان صالحا فقيها مباركا وكان ينكر على رشيد الدولة ويحط عليه ولما قتل قال كان قتله أنفع من قتل مائة ألف نصراني وكان رشيد الدولة يريد أن يترضاه فلم يقبل وكان لا يقبل من أحد شيئا ولما توفي دفن بتربة الشونيزي وكان قد قارب الستين رحمه الله
*3* محيي الدين محمد بن مفضل بن فضل الله المصري
@ كاتب ملك الامراء ومستوفي الأوقاف كان مشكور السيرة محببا للعلماء والصلحاء فيه كرم وخدمة كثيرة للناس توفي في رابع عشرين من جمادي الاولى ودفن بتربة ابن هلال بسفح قاسيون وله ست وأربعون سنة وباشر بعده في وظيفته امين الدين بن النحاس
*3* الأمير الكبير غرلوبن عبد الله العادلي
@ كان من أكابر الدولة ومن الامراء المقدمين الالوف وقد ناب بدمشق عن أستاذه الملك العادل كتبغا نحوا من ثلاثة أشهر في سنة خمس وسبعين وستمائة وأول سنة ست وتسعين واستمر اميرا كبيرا إلى أن توفي في سابع جمادي الاولى يوم الخميس ودفن بتربته بشمالي جامع المظفري بقاسيون وكان شهما شجاعا ناصحا للاسلام وأهله مات في عشر الستين
*3* الامير جمال الدين أقوش
@ الرحبي المنصوري والى دمشق مدة طويلة كان أصله من قرى إربل وكان نصرانيا فسبى وبيع من ناب الرحبة ثم انتقل إلى الملك المنصور فأعتقه وأمره وتولى الولاية بدمشق نحوا من احدى عشرة سنة ثم انتقل إلى شد الدواوين مدة اربعة أشهر وكان محبوبا إلى العامة مدة ولايته
الخطيب صلاح الدين
يوسف بن محمد بن عبد اللطيف بن المعتزل الحموي له تصانيف وفوائد وكان خطيب جامع السوق الاسفل بحماة وسمع من ابن طبرزد توفي في جمادي الاخرة
*3* العلامة فخر الدين ابو عمرو
@ عثمان بن علي بن يحيى بن هبة الله بن إبراهيم بن المسلم بن علي الانصاري الشافعي المعروف بابن بنت أبي سعد المصري سمع الحديث وكان من بقايا العلماء وناب في الحكم بالقاهرة وولى مكانه في ميعاد جامع طولون الشيخ علاء الدين القونوي الشيوخ اشيوخ وفي ميعاد الجامع الازهر شمس الدين بن علان كانت وفاته ليلة الاحد الرابع والعشرين من جمادي الاخرة ودفن بمصر وله من العمر سبعون سنة
*3* الشيخ الصالح العابد
@ أبو الفتح نصر بن سليمان بن عمر الكبجي له زاوية بالحسينية يزار فيها ولا يخرج منها إلا إلى الجمعة سمع الحديث توفي يوم الثلاثاء بعد العصر السادس والعشرين من جمادي الاخرة ودفن من الغد بزاويته المذكورة رحمه الله
*3* الشيخ الصالح المعمر الرحلة
@ عيسى بن عبد الرحمن بن معالي بن أحمد بن إسماعيل بن عطاف بن مبارك بن علي بن أبي الجيش المقدسي الصالح المطعم راوي صحيح البخاري وغيره وقد سمع الكثير من مشايخ عدة وترجمه الشيخ علم الدين البرزالي في تاريخه توفي ليلة السبت رابع عشر ذي الحجة وصلى عليه بعد الظهر في اليوم المذكور بالجامع المظفري ودفن بالساحة بالقرب من تربة المولهين وله أربع وسبعون سنة رحمه الله تعالى
*2* ثم دخلت سنة عشرين وسبعمائة
@ استهلت وحكام البلادهم المذكورون في التي قبلها وكان السلطان في هذه السنة في الحج وعاد إلى القاهرة يوم السبت ثاني عشر المحرم ودقت البشائر ورجع الصاحب شمس الدين على طريق الشام وصحبته الامير ناصر الدين الخازندار وعاد صاحب حماة مع السلطان إلى القاهرة وأنعم عليه السلطان ولقب بالملك المؤيد ورسم أن يخطب له على منابرها وأعمالها وأن يخطب بالمقام العالي
المولوي السلطاني الملكي المؤيدي على ما كان عليه عمه المنصور وفيها عمر ابن المرجاني شهاب الدين مسجد الخيف وأنفق عليه نحوا من عشرين ألفا وفي المحرم استقال أمين الدين من نظر طرابلس وأقام بالقدس وفي آخر صفر باشر نيابة الحكم المالكي القضاي شمس الدين محمد بن أحمد القفصي وكان قد قدم مع قاضي القضاة شرف الدين من مصر وفي يوم الاثنين الخامس والعشرين من ربيع الاول ضربت عنق شخص يقال له عبد الله الرومي وكان غلاما لبعض التجار وكان قد لزم الجامع ثم ادعى النبوة واستتيب فلم يرجع فضربت عنقه وكان أشقر أزرق العينين جاهلا وكان قد خالطه شيطان حسن له ذلك واضطرب عقله في نفس الامر وهو في نفسه شيطان إنسي وفي يوم الاثنين ثاني ربيع الاخر عقد عقد السلطان على المرأة التي قدمت من بلاد القبجاق وهي من بنات الملوك وخلع على القاضي بدر الدين ابن جماعة وكاتب السروكريم الدين وجماعة الأمراء وصلت العساكر في هذا الشهر إلى بلاد سيس وغرق في بحر جاهان من عساكر طرابلس نحو من ألف فارس وجاءت مراسيم السلطان في هذا سقط لاسلطان عليهم لعدم قدوم والدهم مهنا على السلطان وفي يوم الاربعاء رابع عشرين جمادي الأولى درس بالركنية الشيخ محي الدين الاسمر الحنفي وأخذت منه الجوهرية لشمس الدين البرقي الاعرج وتدريس جامع القلعة لعماد الدين بن محيي الدين الطرسوسي الذي ولي قضاء الحنفية بعد هذا وأخذ من البرقي إمامة مسجد نور الدين له بحارة اليهود ولعماد الدين بن الكيال وامامة الربوة الشيخ محمد الصبيبي وفي جمادي الاخرة اجتمعت الجيوش الاسلامية بأرض حلب نحوا من عشرين الفا عليهم كلهم نائب حلب الطنبغا وفيهم نائب طرابلس شهاب الدين قرطبة فدخلوا بلاد الأرمن من اسكندرونة ففتحوا الثغرتم تل حمدان ثم خاضوا جاهان فغرق منهم جماعة ثم سلم الله من وصلوا إلى سيس فحاصروها وضيقوا على أهلها وأحرقوا دار الملك التي في البلد وقطعوا أشجار البساتين وساقوا الابقار والجواميس والاغنام وكذل فعلوا بطرسوس وخربوا الضياع والاماكن واحرقوا الزروع ثم رجعوا فخاضوا النهر المذكور فلم يغرق منهم أحد وأخرجوا بعد رجوعهم مهنا وأولاده من بلادهم وساقوا خلفه إلى غانة وحديثة ثم بلغ الجيوش موت صاحب سيس وقيام ولده من بعد فشنوا الغارات على بلاده وتابعوها وغنموا وأسروا إلا في المرة الرابعة فإنه قتل منهم جماعة
وفي هذه السنة كانت وقعة عظيمة ببلاد المغرب بين المسلمين والفرنج فنصر الله المسلمين على اعدائهم فقتلوا منهم خمسين ألفا وأسروا خمسة آلاف وكان في جملة القتلى خمسة وعشرين ملكا من ملوك الافرنج وغنموا شيئا كثيرا من الأموال يقال كان من جملة ما غنموا سبعون قنطارا من الذهب والفضة وإنما كان جيش الاسلام يومئذ ألفين وخمسمائة فارس غير الرماة ولم يقتل منهم سوى إحدى عشر قتيلا وهذا من غريب ما وقع وعجيب ما سمع وفي يوم الخميس ثاني عشرين رجب عقد مجلس بدار السعادة للشيخ تقي الدين بن تيمية بحضرة نائب السلطنة وحضر فيه القضاة والمفتيون من المذاهب وحضر الشيخ وعاتبوه على العود إلى الافتاء بمسألة الطلاق ثم حبس في القلعة فبقي فيها خمسة أشهر وثمانية عشر يوما ثم ورد مرسوم من السلطان باخراجه يوم الاثنين يوم عاشوراء من سنة إحدى وعشرين كما سيأتي إن شاء الله تعالى وبعد ذلك بأربعة أيام أضيف شد الأوقاف إلى الأمير علاء الدين بن معبد الى ما بيده من ولاية البر وعزل بدر الدين المنكورسي عن الشام
وفي آخر شعبان مسك الامير علاء الدين الجاولي نائب غزة وحمل الى الاسكندرية لأنه انهم انه يريد الدخول الى دار اليمن واحتيط على حواصله وأمواله وكان له بر وإحسان وأوقاف وقد بنى بغزة جامعا حسنا مليحا وفي هذا الشهر اراق ملك التتر ابو سعيد الخمور وابطل الحانات وأظهر العدل والاحسان إلى الرعايا وذلك انه أصابهم برد عظيم وجاءهم سيل هائل فلجؤا إلى الله عز وجل وابتهلوا إليه فسلموا فتابوا وأنابوا وعملوا الخير عقيب ذلك وفي العشر الأول من شوال جرى المال بالنهر الكريمي الذي اشتراه كريم الدين بخمسة وأربعين ألفا وأجراه في جدول إلى جامعه بالقبيبات فعاش به الناس وحصل به أنس إلى أهل تلك الناحية ونصبت عليه الاشجار البساتين وعمل حوض كبير تجاه الجامع من الغرب يشرب منه الناس والدواب وهو حوض كبير ومل مطهرة وحصل بذلك نفع كثير ورفق زائد أثابه الله وخرج الركب في حادي عشر شوال وأميره الملك صلاح الدين بن الاوحد وفيه زين الدين كتبغا الحاجب وكمال الدين الزملكاني والقاضي شمس الدين بن المعز وقاضي حماة شرف الدين البازري وقطب الدين ابن شيخ السلامية وبدر الدين بن العطار وعلاء الدين بن غانم ونور الدين السخاوي وهو قاضي الركب ومن المصريين قاضي الحنفية ابن الحريري وقاضي الحنابلة ومجد الدين حرمي والشرف عيسى المالكي وهو قاضي الركب وفيه كملت عمارة الحمام الذي عمره الجيبغا غربي دار الطعم ودخله الناس
وفي أواخر ذي الحجة وصل إلى دمشق من عند ملك التتر الخواجه مجد الدين إسماعيل بن محمد ابن ياقوت السلامي وفي صحبته هدايا وتحف لصاحب مصر من ملك التتر وأشهر أنه إنما جاء ليصلح بين المسلمين والتتر فتلقاه الجند والدولة ونزل بدار السعادة يوما واحدا ثم سار الى مصر وفيها وقف الناس بعرفات موقفا عظيما لم يعهد مثله أتوه من جميع أقطار الأرض وكان مع
العراقيين محامل كثيرة منها محمل قوم ما عليه من الذهب واللالئ بألف ألف دينار مصرية وهذا أمر عجيب وممن توفي فيها من الاعيان :
*3* الشيخ إبراهيم الدهستاني
@ وكان قد أسن وعمر وكان يذكر ان عمره حين أخذت التتر بغداد أربعين سنة وكان يحضر الجمعة هو واصحابه تحت قبة النسر إلى أن توفي ليلة الجمعة السابع والعشرين من ربيع الاخر بزاويته التي عند سوق الخيل بدمشق ودفن بها وله من العمر مائة وأربع سنين كما قال فالله أعلم
*3* الشيخ محمد بن محمود بن علي
@ الشحام المقرئ شيخ ميعاد ابن عامر كان شيخا حسنا بهيا مواظبا على تلاوة القرآن إلى أن توفي في ليلة توفي الدهستاني المذكور أو قبله بليلة رحمهما الله
*3* الشيخ شمس الدين ابن الصائغ اللغوي
@ هو ابو عبد الله محمد بن حسين بن سباع بن أبي بكر الجذامي المصري الاصل ثم انتقل إلى دمشق ولد تقريبا سنة خمس وأربعين وستمائة بمصر وسمع الحديث وكان اديبا فاضلا بارعا بالنظم والنثر وعلم العروض والبديع والنحو واللغة وقد اختصر صحاح الجوهري وشرح مقصورة ابن دريد وله قصيدة تائية تشتمل على ألفي بيت فأكثر ذكر فيها العلوم والصنائع وكان حسن الأخلاق لطيف المحاورة والمحضارة وكان يسكن بين درب الحبالين والفراش عند بستان القط توفي بداره يوم الاثنين ثالث شعبان ودفن بباب الصغير
*2* ثم دخلت سنة إحدى وعشرين وسبعمائة
@ استهلت وحكام البلاد هم المذ كورون في التي قبلها وفي أول يوم منها فتح حمام الزيت الذي في رأس درب الحجر جدد عمارته رجل ساوى بعد ما كان قد درس ودثر من زمان الخوارزمية من نحو ثمانين سنة وهو حمام جيد متسع وفي سادس المحرم وصلت هدية من ملك التتار أبي سعيد إلى السلطان صناديق وتحف ودقيق وفي يوم عاشوراء خرج الشيخ تقي الدين بن تيمية من القعلة بمرسوم السلطان وتوجه إلى داره وكانت مدة إقامته خمسة اشهر وثمانية عشر يوما رحمه الله وفي رابع ربيع الاخر وصل إلى دمشق القاضي كريم الدين وكيل السلطان فنزل بدار السعادة وقدم قاضي القضاة تقي الدين بن عوض الحاكم الحنبلي بمصر وهو ناظر الخزانة أيضا فنزل بالعالدية الكبيرة التي للشافعية فأقام بها أياما ثم توجه إلى مصر جاء في بعض أشغال السلطان وزار القدس
وفي هذا الشهر كان السلطان قد حفر بركة قريبا من الميدان وكان في جوارها كنيسة فأمر الوالي بهدمها فلما هدمت تسلط الحرافيش وغيرهم على الكنائس بمصر يهدمون ما قدروا عليه فانزعج السلطان لذلك وسأل القضاة ماذا يجب على من تعاطي ذلك منهم فقالوا يعزر فأخرج جماعة من السجون ممن وجب عليه قتل فقطع وصلب وحرم وحزن وعاقب موهما انه إنما عاقب من تعاطي تخريب ذلك فسكن الناس وأمنت النصارى وظهروا بعد ما كانوا قد اختفوا أياما وفيه ثارت الحرامية ببغداد ونهبوا سوق الثلاثاء وقت الظهر فثار الناس وراءهم وقتلوا منهم قريبا من مائة وأسروا آخرين
قال الشيخ علم الدين البرزالي ومن خطه نقلت وفي يوم الأربعاء السادس من جمادي الاولى خرج القضاة والاعيان والمفتيون الى القابون ووقفوا على قبلة الجامع الذي أمر ببنائه القاضي كريم الدين وكيل السلطان بالمكان المذكور وحرروا قبلته واتفقوا على أن تكون مثل قبلة جامع دمشق وفيه وقعت مراجعة من الامير جوبان أحد المقدمين الكبار بدمشق وبين نائب السلطنة تنكز فمسك جوبان ورفع إلى القلعة ليلتان ثم حول إلى القاهرة فعوتب في ذلك ثم اعطى خبزا يليق به وذكر علم الدين ان في هذا اليوم وقع حريق عظيم في القاهرة في الدور الحسنة والاماكن المليحة المرتفعة وبعض المساجد وحصل للناس مشقة عظيمة من ذلك وقنتوا في الصلوات ثم كشفوا عن القضية فإذا هو من قبل النصارى بسبب ما كان أحرق من كنائسهم وهدم فقتل السلطان بعضهم وألزم النصارى أن يلبسوا الزرقاء على رؤوسهم وثيابهم كلها وأن يحملوا الاجراس في الحمامات وان لا يستخدموا في شيء من الجهات فسكن الأمر وبطل الحريق
وفي جمادي الاخرة خرب ملك التتار أبو سعيد البازار وزوج الخواطيء وأراق الخمور وعاقب في ذلك أشد العقوبة وفرح المسلمون بذلك ودعوا له رحمه الله وسامحه وفي الثالث عشر من جمادي الاخرة أقيمت الجمعة بجامع القصب وخطب به الشيخ على المناخلي وفي يوم الخميس تاسع عشر جمادي الآخرة فتح الحمام الذي أنشأه تنكز تجاه جامعه وأكرى في كل يوم بأربعين درهما لحسنه وكثرة ضوئه ورخامه وفي يوم السبت تاسع عشر رجب خربت كنيسة القرائيين التي تجاه حارة اليهود بعد إثبات كونها محدثة وجاءت المراسيم السلطانية بذلك وفي أواخر رجب نفذت الهدايا من السلطان إلى أبي سعيد ملك التتار صحبة الخواجا مجد الدين السلامي وفيها خمسون جملا وخيول وحمار عتابي وفي منتصف رمضان أقيمت الجمعة بالجامع الكريمي بالفابون وشهدها يومئذ القضاة والصاحب وجماعة من الأعيان قال الشيخ علم الدين وقدم دمشق الشيخ قوام الدين أمير كاتب ابن الأمير العميد عمر الاكفاني القازاني مدرس مشهد الامام أبي حنيفة ببغداد في أول رمضان وقد حج في هذه السنة وتوجه إلى مصر وأقام بها أشهرا ثم مر بدمشق متوجها إلى بغداد فنزل بالخاتونية الحنفية وهو ذو فنون وبحث وأدب وفقه وخرج الركب الشامي يوم الاثنين عاشر شوال وأميره شمس الدين حمزة التركماني وقاضيه نجم الدين الدمشقي وفيها حج تنكز نائب الشام وفي صحبته جماعة من أهله وقدم من مصر الأمير ركن الدين بيبرس الحاجب لينوب عنه إلى أن يرجع فنزل بالنجيبية البرانية
وممن حج فيها الخطيب جلال الدين القزويني وعز الدين حمزة بن القلانسي وابن العز شمس الدين الحنفي وجلال الدين بن حسام الدين الحنفي وبهاء الدين بن علية وعلم الدين البرزالي ودرس ابن جماعة بزاوية الشافعي يوم الأربعاء ثامن عشر شوال عوضا عن شهاب الدين أحمد بن محمد الأنصاري لسوء تصرفه وخلع على ابن جماعة وحضر عنده من الاعيان والعامة ما نشأ به جمعية الجمعة واشعلت له شموع كثيرة وفرح الناس بزوال المعزول
قال البرزالي ومن خطه نقلت وفي يوم الاحد سادس عشر شوال ذكر الدرس الامام العلامة تقي الدين السبكي المحدث بالمدرسة الهكارية عوضا عن ابن الانصاري أيضا وحضر عنده جماعة منهم القونوي وورى في الدرس حديث المتبايعين بالخيار عن قاضي القضاة ابن جماعة وفي شوال عزل علاء الدين بن معبد عن ولاية البروشد الاوقاف وتولى ولاية الولاة بالبلاد القبلية بحوران عوضا عن بكتمر لسفره إلى الحجاز وباشر أخوه بدر الدين شد الاوقاف والامير علم الدين الطرقشي ولاية البر مع شد الدواوين وتوجه ابن الانصاري الى حلب متوليا وكالة بيت المال عوضا عن ناصر الدين اخى شرف الدين يعقوب ناظر حلب بحكم ولاية التاج المذكور نظر الكرك
وفي يوم عيد الفطر كرب الامير تمرتاش بن جوبان نائب ابي سعيد على بلاد الروم في قيسارية في جيش كثيف من التتار والتركمان والقرمان ودخل بلاد سيس فقتل وسبى وحرق وخرب وكان قد ارسل لنائب حلب الطنبغا ليجهز له جيوشا ليكونون عونا له على ذلك فلم يمكنه ذلك بغير مرسوم السلطان وممن توفي فيها من الاعيان :
*3* الشيخ الصالح المقري
@ بقية السلف عفيف الدين ابو محمد عبد الله بن عبدالحق بن عبد الله بن عبدالواحد بن علي القرشي المخزومي الدلاصي شيخ الحرم بمكة أقام فيه أزيد من ستين سنة يقرئ الناس القرآن احتسابا وكانت وفاته ليلة الجمعة الرابع عشر من محرم بمكة وله أزيد من تسعين سنة رحمه الله الشيخ الفاضل شمس الدين ابو عبد الله
محمد بن أبي بكر بن أبي القاسم الهمداني أبوه الصالحي المعروف بالسكاكيني ولد سنة خمس وثلاثين وستمائة بالصالحية وقرأ بالروايات واشتغل في مقدمة في النحو ونظم قويا وسمع الحديث وخرج له الفخر ابن البعلبكي جزءا عن شيوخه ثم دخل في التشيع فقرأ على ابي صالح الحلى شيخ الشيعة وصحب عدنان وقرأ عليه أولاده وطلبه أمير المدينة النبوية الامير منصور بن حماد فأقام عنده نحوا من سبع سنين ثم عاد الى دمشق وقد ضعف وثقل سمعه وله سؤال في الخبر أجابه به الشيخ تقي الدين ابن تيمية وكل فيه عنه غيره وظهر له بعد موته كتاب فيه انتصار لليهود وأهل الاديان الفاسدة فغسله تقي الدين السبكي لما قدم دمشق قاضيا وكان يخطه ولما مات لم يشهد جنازته القاضي شمس الدين ابن مسلم توفي يوم الجمعة سادس عشر صفر ودفن بسفح قاسيون وقتل ابنه قيماز على قذفه امهات المؤمنين عائشة وغيرها رضي الله عنهن وقبح قاذفهن
وفي يوم الجمعة مستهل رمضان صلى بدمشق على غائبين وهم الشيخ نجم الدين عبد الله بن محمد الاصبهاني توفي بمكة وعلى جماعة توفوا بالمدينة النبوية منهم عبد الله بن أبي القاسم بن فرحون مدرس المالكية بها والشيخ يحيى الكردي والشيخ حسن المغربي السقا
*3* الشيخ الامام العالم علاء الدين
@ علي بن سعيد بن سالم الانصاري إمام مشهد علي من جامع دمشق كان بشوش الوجه متواضعا حسن الصوت بالقراءة ملازما لافراء الكتاب العزيز بالجامع وكان يؤم نائب السلطنة ولده العلامة بهاء الدين محمد بن علي مدرس الامينية ومحتسب دمشق توفي ليلة الاثنين رابع رمضان ودفن بسفح قاسيون

*3* الامير حاجب الحجاب
@ زين الدين كتبغا المنصوري حاجب دمشق كان من خيار الامراء وأكثرهم برا للفقراء يحب الختم والمواعيد والمواليدوسماع الحديث ويلزم أهله ويحسن إليهم وكان ملازما لشيخنا أبي العباس ابن يتيمة كثيرا وكان يحج ويتصدق توفي يوم الجمعة آخر النهار ثامن عشر شوال ودفن من الغد بتربته قبلي القبيبات وشهده خلق كثير وأثنوا عليه رحمه الله
والشيخ بهاء الدين ابن المقدسي والشيخ سعد الدين أبي زكريا يحيى المقدسي والد الشيخ شمس الدين محمد بن سعد المحدث المشهور وسيف الدين الناسخ المنادي على الكتب والشيخ أحمد الحرام المقرئ على الجنائز وكان يكرر على التنبيه ويسأل عن أشياء منا ما هو حسن ومنها ما ليس بحسن
*2* ثم دخلت سنة ثنتين وعشرين وسبعمائة
@ استهلت وأرباب الولايات هم المذكورون في التي قبلها سوى والي البر بدمشق فإنه علم الدين طرقشي وقد صرف ابن معبد الى ولاية حوران لشهامته وصرامته وديانته وأمانته وفي المحرم حصلت زلزلة عظيمة بدمشق وقى الله شرها وقدم تنكز من الحجاز ليلة الثلاثاء حادي عشر المحرم وكانت مدة غيبته ثلاثة أشهر وقدم ليلا لئلا يتكلف أحد لقدومه وسافر نائب الغيبة عنه قبله بيومين
لئلا يكلفه بهدية ولا غيرها وقدم مغلطاي عبد الواحد الجحدار أحد الأمراء بمصر بخلعة سنية من السلطان لتنكز فلبسها وقبل العتبة على العادة وفي يوم الاربعاء سادس صفر درس الشيخ نجم الدين القفجازي بالظاهرية للحنيفة وهو خطيب جامع تنكز وحضر عنده القضاة والاعيان ودرس في قوله تعالى إن الله يامركم أن تؤدوا الامانات إلى اهلها وذلك بعد وفاة القاضي شمس الدين بن العز الحنفي توفي مرجعه من الحجاز وتولى بعده نيابة القضاء عماد الدين الطرسوسي وهو زوج ابنته وكان ينوب عنه في حال غيبته فاستمر بعده ثم ولى الحكم بعده مستنيبه فيها وفيه قدم الخوارزمي حاجبا عوضا عن كتبغا وفي ربيع الاول قدم الى دمشق الشيخ قوام الدين مسعود بن الشيخ برهان الدين محمد بن الشيخ شرف الدين محمد الكرماني الحنفي فنزل بالقصاعين وتردد اليه الطلبة ودخل الى نائب السلطنة واجتمع به وهو شاب مولده سنة إحدى وسبعين وقد اجتمعت به وكان عنده مشاركة في الفروع والاصول ودعواه اوسع من محصوله وكانت لابيه وجده مصنفات ثم صار بعد مدة الى مصر ومات بها كما سيأتي

وفي ربيع الاول تكامل فتح اياس ومعاملتها وانتزاعها من ايدي الارمن واخذ البرج الاطلس وبينه وبينها في البحر رمية ونصف فأخذه المسلمون باذن الله وخربوه وكانت أبوابه مطلية بالحديد والرصاص وعرض سوره ثلاثة عشر ذراعا بالنجار وغنم المسلمون غنائم كثيرة جدا وحاصروا كواره فقوى عليهم الحر والذباب فرسم السلطان بعودهم فحرقوا ما كان معهم من المجانيق وأخذوا حديدها واقبلوا سالمين غانمين وكان معهم خلق كثير من المتطوعين وفي يوم الخميس الثالث والعشرين من جمادي الاولى كمل بسط داخل الجامع فاتسع على الناس ولكن حصل حرج بحمل الامتعة على خلاف العادة فإن الناس كانوا يمرون وسط الرواق ويخرجون من باب البرادة ومن شاء استمر يمشي الى الباب الاخر بنعليه ولم يكن ممنوعا سوى المقصورة لا يمكن احد الدخول اليها بالمداسات بخلاف باقي الرواقات فأمر نائب السطنة بتكميل بسطه باشارة ناظره ابن مراحل وفي جمادي الاخرة رجعت العساكر من بلاد سيس ومقدمهم اقوش نائب الكرك وفي آخر رجب باشر القاضي محيي الدين بن اسماعيل بن جهبل نيابة الحكم عن ابن صصرى عوضا عن الداراني الجعفري واستغنى الداراني بخطبة جامع العقبية عنها وفي ثالث رجب ركب نائب السلطنة الى خدمة السلطان فأكرمه وخلع عليه وعاد في أول شعبان ففرح به الناس وفي رجب كملت عمارة الحمام الذي بناه الامير علاء الدين بن صبيح جوار داره شمالي الشامية البرانية وفي يوم الاثنين تاسع شعبان عقد الامير سيف الدين أبو بكر بن ارغون نائب السلطنة عقده على ابنة الناصر وختن في هذا اليوم جماعة من اولاد الأمراء بين يديه ومد سماطا عظيما ونثرت الفضة على رؤوس المطهرين وكان يوما مشهودا ورسم السلطان في هذا اليوم وضع المكس عن المأكولات بمكة وعوض صاحبها عن ذلك باقطاع في بلد الصعيد
وفي أواخر رمضان كملت عمارة الحمام الذي بناه بهاء الدين بن عليم بزقاق الماجية من قاسيون بالقرب من سكنه وانتفع به أهل تلك الناحية ومن جاورهم وخرج الركب الشامي يوم الخميس ثامن شوال وأميره سيف الدين بلبطي نائب الرحبة وكان سكنه داخل باب الجابية بدرب ابن صبرة وقاضيه شمس الدين بن النقيب قاضي حمص وممن توفي فيها من الاعيان :
*3* القاضي شمس الدين بن العز الحنفي
@ ابو عبد الله محمد بن الشيخ شرف الدين أبي البركات محمد بن الشيخ عز الدين أبي العز صالح بن أبي العز بن وهيب بن عطاء بن جبير بن كابن بن وهيب الاذرعي الحنفي أحد مشايخ الحنفية وأئمتهم وفضلائهم في فنون من العلوم متعددة حكم نيابة نحوا من عشرين سنة وكان سديد الاحكام محمود السيرة جيد الطريقة كريم الاخلاق كثير البر والصلة والاحسان الى أصحابه وغيرهم وخطب في جامع الافرم مدة وهو أول من خطب به ودرس بالمعظمية واليغمورية والقليجية والظاهرية وكان ناظر اوقافها وأذن للناس بالافتاء وكان كبيرا معظما مهيبا توفي بعدمرجعه من الحج بايام قلائل يوم الخميس سلخ المحرم وصلى عليه يومئذ بعد الظهر بجامع الأفرم ودفن عند المعظمية عند أقاربه وكانت جنازته حافلة وشهد له الناس بالخير وغبطوه لهذه الموتة رحمه الله ودرس بعده في الظاهرية نجم الدين الفقجازي وفي المعظمية والقليجية والخطابة الأفرم ابنه علاء الدين وباشر بعده نيابة الحكم القاضي عماد الدين الطرسوسي مدرس القلعة
*3* الشيخ الامام العالم أبو اسحاق
@ بقية السلف رضي الدين ابو إسحاق إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن أبي بكر بن محمد بن إبراهيم الطبري المكي الشافعي إمام المقام أكثر من خمسين سنة سمع الحديث من شيوخ بلده والواردين إليها ولم يكن له رحلة وكاني فتي الناس من مدة طويلة ويذكر انه اختصر شرح السنة للبغوي توفي يوم السبت بعد الظهر ثامن ربيع الاول بمكة ودفن من الغد وكان من أئمة المشايخ
*3* شيخنا العلامة الزاهد ركن الدين
@ بقية السلف ركن الدين أبو يحيى زكريا بن يوسف بن سليمان بن حماد البجلي الشافعي نائب الخطابة ومدرس الطيبية والأسدية وله حلقة للاشتغال بالجامع يحضر بها عنده الطلبة كان يشتغل في الفرائض وغيرها مواظبا على ذلك توفي يوم الخميس الثالث والعشرين من جمادي الاولى عن سبعين سنة ودفن قريبا من شيخه تاج الدين الفزاري رحمهما الله
*3* نصير الدين
@ ابو محمد عبد الله بن وجيه الدين أبي عبد الله على بن محمد بن علي بن أبي اطالب بن سويد بن معالي ابن محمد بن أبي بكر الربعي التغلبي التكريتي أحد صدور دمشق قدم أبوه قبله اليها وعظم في أيام الظاهر وقبله وكا مولده في حدود خمسين وستمائة ولهم الاموال الكثيرة والنعمة الباذخة توفي يوم الخميس عشرين رجب ودفن بتربتهم بسفح قاسيون رحمه الله وفي يوم الاحد حادي عشر شوال توفي
*3* شمس الدين محمد بن المغربي
@ التاجر السفار باني خان الصنمين الذي على جادة الطريق للسبيل رحمه الله وتقبل منه وهو في أحسن الاماكن وأنفعها


التوقيع :


اللهم صل على سيدنا محمد عبدك ونبيك ورسولك
النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم تسليما عدد مااحاط به علمك
وخط به قلمك واحصاه كتابك
وارض اللهم عن سادتنا ابي بكر وعمر وعثمان وعلي
وعن الصحابة أجمعين وعن التابعين وتابعيهم بإحسان الى يوم الدين





رد مع اقتباس
قديم 09-01-2006, 10:39 PM   رقم المشاركة : 9
الكاتب

أفاق : الاداره

مراقب

مراقب

أفاق : الاداره غير متواجد حالياً


الملف الشخصي









أفاق : الاداره غير متواجد حالياً


مشاركة: البداية والنهاية الجزء الرابع عشر

*3* الشيخ الجليل نجم الدين
@ نجم الدين أبو عبد الله الحسين بن محمد بن إسماعيل القرشي المعروف بابن عنقود المصري كانت له وجاهة وإقدام على الدولة توفي بكرة الجمعة ثالث عشرين شوال ودفن بزاويته وقام بعده فيها ابن أخيه
*3* شمس الدين محمد بن الحسن
@ ابن الشيخ الفقيه محيي الدين أبو الهدى أحمد بن الشيخ شهاب الدين أبي شامة ولد سنة ثلاث وخمسين وستمائة فأسمعه ابوه على المشايخ وقرا القرأن وشاتغل بالفقه وكان ينسخ ويكثر التلاوة ويحضر المدارس والسبع الكبير توفي في سابع عشرين شوال ودفن عند والده بمقابر باب الفراديس
*3* الشيخ العابد جلال الدين
@ جلال الدين ابو إسحاق إبراهيم بن زين الدين محمد بن أحمد بن محمود بن محمد العقيلي المعروف بابن القلانسي ولد سنة أربع وخمسين وستمائة وسمع على ابن عبد الدائم جزء ابن عرفة ورواه غير مرة وسمع على غيره أيضا واشتغل بصناعة الكتابة والانشاء ثم انقطع وترك ذلك كله واقبل على العبادة والزهادة وبنى له الامراء بمصر زواية وتردووا إليه وكان فيه بشاشة وفصاحة وكان ثقيل السمع ثم انتقل إلى القدس وقدم دمشق مرة فاجتمع به الناس وأكرموه وحدث بها ثم عاد الى القدس وتوفي بها ليلة الاحد ثالث ذي القعدة ودفن بمقابر ماملي رحمه الله وهو خال المحتسب عز الدين بن القلانسي وهذا خال الصاحب تقي الدين بن مراحل
*3* الشيخ الامام قطب الدين
@ محمد بن عبد الصمد بن عبد القادر السنباطي المصري اختصر الروضة وصنف كتاب التعجيز ودرس بالفاضلية وناب في الحكم بمصر وكان من أعيان الفقهاء توفي يوم الجمعة رابع عشر ذي الحجة عن سبعين سنة وحضر بعده تدريس الفاضلية ضياء الدين المنادي نائب الحكم بالقاهرة
وحضر عنده ابن جماعة والاعيان والله أعلم
*2* ثم دخلت سنة ثلاث وعشرين وسبعمائة
@ استهلت بيوم الاحد في كانون الاصم والحكام هم المذكورون في التي قبلها غير أن والي البر بدمشق هو الامير علاء الدين علي بن الحسن المرواني باشرها في صفر من السنة الماضية وفي صفر من هذه السنة باشر ولاية المدينة الامير شهاب الدين بن يرق عوضا عن صارم الدين الجوكنداري وفي صفر عوفي القاضي كريم الدين وكيل السلطان من مرض كان قد أصابه فزينت القاهرة وأشعلت الشموع وجمع الفقراء بالمارستان المنصوري ليأخذوا من صدقته فمات بعضهم من الزحام في سلخ ربيع الاول ودرس الامام العلامة المحدث تقي الدين السبكي الشافعي بالمنصورية بالقاهرة عوضا عن القاضي جمال الدين الزرعي بمقتضى انتقاله الى دمشق وحضر عنده علاء الدين شيخ الشيوخ القونوي الشافعي عوضا عن النجم ابن صصرى في يوم الجمعة رابع جمادي الاولى فنزل العادلية وقد قدم على القضاة ومشيخة الشيوخ وقضاء العساكر وتدريس العادلية والغزالية والانابكية وفي يوم الاحد مسك القاضي كريم الدين بن عبد الكريم بن هبة الله بن الشديد وكيل السلطان وكان قد بلغ من المنزلة والمكانة عند السلطان مالم يصل إليه غيره من الوزراء الكبار واحتيط على أمواله وحواصله ورسم عليه عند نائب السلطنة ثم رسم له أن يكون بتربته التي بالقرافة ثم نفى الى الشوبك وانعم عليه بشيء من المال ثم اذن له بالاقامة بالقدس الشريف برباطه ومسك ابن اخيه كريم الدين الصغير ناظر الدواوين وأخذت أمواله وحبس في البرج وفرح العامة بذلك ودعوا للسلطان سبب مسكهما ثم أخرج الى صفت وطلب من القدس امين الملك عبد الله فولى الوزارة بمصر وخلع عليه عودا على بدء وفرح العامة بذلك واشعلوا له الشموع وطلب الصاحب بدر الدين غبريال من دمشق فركب ومعه أموال كثيرة ثم خول أموال كريم الدين الكبير وعاد الى دمشق مكرما وقدم القاضي معين الدين بن الحشيشي على نظر الجيوش الشامية عوضا عن القطب بن شيخ السلامية عزل عنها ورسم عليه في العذراوية نحوا من عشرين يوما ثم اذن له في الانصراف الى منزله مصروفا عنها
وفي جمادي الاولى عزل طرقشي عن شد الدواوين وتولاها الامير بكتمر وفي ثاني جمادي الاخرة باشر ابن جهبل نيابة الحكم عن الزرعي وكان قد باشر قبلها بأيام نظر الايتام عوضا عن ابن هلال وفي شعبان اعيدا الطرقشي الى الشد وسافر بكتمر الى نيابة الاسكندرية وكان بها الى أن توفي وفي رمضان قدم جماعة من حجج الشرق وفيهم بنت الملك أبغابن هولاكو وأخت ارغون وعمة قازان وخربندا فأكرمت وأنزلت بالقصر الابلق وأجريت عليها الاقامات والنفقات
الى اوان الحج وخرج الركب يوم الاثنين ثامن شوال وأميره قطلجا الابوبكري الذي بالقصاعين وقاضي الركب شمس الدين قاضي القضاة ابن مسلم الحنبلي وحج معهم جمال الدين المزي وعماد الدين ابن الشيرجي وأمين الدين الوافي وفخر الدين البعلبكي وجماعة وفوض الكلام في ذلك إلى شرف الدين بن سعد الدين بن نجيح كذا أخبرني شهاب الدين الظاهري ومن المصريين قاضي القضاة بدر الدين بن جماعة وولده عز الدين وفخر الدين كاتب المماليك وشمس الدين الحارثي وشهاب الدين الاذرعي وعلاء الدين الفارسي وفي شوال باشر تقي الدين السبكي مشيخة دار الحديث الظاهرية بالقاهرة بعد زكي الدين المنادي ويقال له عبد العظيم بن الحافظ شرف الدين الدمياطي ثم انتزعت من السبكي لفتح الدين بن سيد الناس اليعمري باشرها في ذي القعدة وفي يوم الخميس مستهل ذي الحجة خلع على قطب الدين بن شيخ السلامية وأعيد الى نظر الجيش مصاحبا لمعين الدين بن الحشيشي ثم بعد مدة مديدة استقل قطب الدين بالنظر وحده وعزل ابن حشيش وممن توفي فيها من الاعيان :
*3* الامام المؤرخ كمال الدين الفوطي
@ أبو الفضل عبد الرزاق أحمد بن محمد بن أحمد بن الفوطي عمر بن أبي المعالي الشيباني البغدادي المعروف بابن الفوطي وهو جده لأمه ولد سنة اثنتين وأربعين وستمائة ببغداد واسر في واقعة التتار ثم تخلص من الاسر فكان مشارفا على الكتب بالمستنصرية وقد صنف تاريخا في خمس وخمسين مجلدا وآخر في نحو عشرين وله مصنفات كثيرة وشعر حسن وقد سمع الحسن من محيي الدين بن الجوزي توفي ثالث المحرم ودفن بالشونيزية
*3* قاضي القضاة نجم الدين بن صصري
@ ابو العباس أحمد بن العدل عماد الدين بن محمد بن العدل أمين الدين سالم بن الحافظ المحدث بهاء الدين أبي المواهب بن هبة الله بن محفوظ بن الحسن بن الحسن بن محمد بن الحسن بن أحمد بن محمد بن صصرى التغلبي الربعي الشافعي قاضي القضاة بالشام ولد في ذي القعدة سنة خمس وخمسين وستمائة وسمع الحديث واشتغل وحصل وكتب عن القاضي شمس الدين بن خلكان وفيات الاعيان وسمعها عليه وتفقه بالشيخ تاج الدين الفزاري وعلى أخيه شرف الدين في النحو وكان له يد في الانشاء وحسن العبارة ودرس بالعادلية الصغيرة سنة ثنتين وثمانين وبالأمينية سنة تسعين وبالغزالية سنة أربع وتسعين وتولى قضاء العساكر في دولة العادل كتبغا ثم تولى قضاء الشام سنة ثنتين وسبعمائة بعد ابن جماعة حين طلب لقضاء مصر بعد ابن دقيق العيد ثم أضيف اليه مشيخة الشيوخ مع تدريس العادلية والغزالية والاتابكية وكلها مناصب دنيوية انسلخ منها وانسلخت منه ومضى عنها وتركها لغيره وأكبر أمنيته بعد وفاته انه لم يكن تولاها وهي متاع قليل من حبيب مفارق وقد كان رئيسا محتشما وقورا كريما جميل الاخلاق معظما عند السلطان والدولة توفي فجأة ببستانه بالسهم ليلة الخميس سادس عشر ربيع الاول وصلى عليه بالجامع المظفري وحضر جنازته نائب السلطنة والقضاة والأمراء والاعيان وكانت جنازته حافلة ودفن بتربتهم عند الركتية
*3* علاء الدين علي بن محمد
@ ابن عثمان بن أحمد بن أبي المنى بن محمد بن نحلة الدمشقي الشافعي ولد سنة ثمان وخمسين وستمائة وقرأ المحرر ولازم الشيخ زين الدين الفارقي ودرس بالدولعية والركنية وناظر بيت المال وابتنى دارا حسنة إلى جانب الركنية ومات وتركها في ربيع الاول ودرس بعده بالدولعية القاضي جمال الدين ابن جملة وبالركنية القاضي ركن الدين الخراساني وفي ربيع الاول قتل

*3* الشيخ ضياء الدين
@ عبد الله الزربندي النحوي كان قد اضطرب عقله فسافر من دمشق الى القاهرة فأشار شيخ الشيوخ القونوي فأودع بالمارستان فلم يوافق ثم دخل الى القلعة وبيده سيف مسلول فقتل نصرانيا فحمل الى السلطان وظنوه جاسوسا فأمر بشنقه فشنق وكنت ممن اشتغل عليه في النحو
*3* الشيخ الصالح المقري الفاضل
@ شهاب الدين أحمد بن الطبيب ابن عبيد الله الحلى العزيزي الفوارسي المعروف بابن الحلبية سمع من خطيب مرداو ابن عبد الدائم واشتغل وحصل وأقرأ الناس وكانت وفاته في ربيع الاول عن ثمان وسبعين سنة ودفن بالسفح
*3* شهاب الدين أحمد بن محمد
@ ابن قطنية الذرعي التاجر المشهور بكثرة الاموال والبضائع والمتاجر قيل بلغت زكاة ماله في سنة قازان خمسة وعشرين ألف دينار وتوفي في ربيع الاخر من هذه السنة ودفن بتربته التي بباب بستانه المسمى بالمرفع عند ثورا في طريق القابون وهي تربة هائلة وكان له أملاك
*3* القاضي الامام جمال الدين
@ أبو بكر بن عباس بن عبد الله الخابوري قاضي بعلبك وأكبر أصحاب الشيخ تاج الدين الفزاري قدم من بعلبك ليلتقي بالقاضي الذرعي فمات بالمدرسة البادرانية ليلة السبت السابع جمادي الاولى ودفن بقاسيون وله من العمر سبعون سنة اضغاث حلم
*3* الشيخ المعمر المسن جمال الدين
@ عمر بن الياس بن الرشيد البعلبكي التاجر ولد سنة ثنتين وستمائة وتوفي في ثاني عشر جمادي الاولى عن مائة وعشرين سنة ودفن بمطحا رحمه الله
*3* الشيخ الامام المحدث صفي الدين
@ صفي الدين أبو الثناء محمود بن أبي بكر بن محمد الحسني بن يحيى بن الحسين الارموي الصوفي ولد سنة ست وأربعين وستمائة وسمع الكثير ورحل وطلب وكتب الكثير وذيل على النهاية لابن الاثير وكان قد قرأ التنبيه واشتغل في اللغة فحصل منها طرفا جيدا ثم اضطرب عقله في سنة سبع وسبعين وغلبت عليه السوداء وكان يفيق منها في بعض الاحيان فيذاكر صحيحا ثم يعترضه المرض المذكور ولم يزل كذلك حتى توفي في جمادي الاخرة من هذه السنة في المارستان النوري ودفن بباب الصغير
*3* الخاتون المصونة
@ خاتون بنت الملك الصالح إسماعيل ابن العادل بن أبي بكر بن أيوب بن شادي بدارها وتعرف بدار كافور وكانت رئيسة محترمة ولم تتزوج قط وليس في طبقتها من بني أيوب غيرها في هذا الحين توفيت يوم الخميس الحادي والعشرين من شعبان ودفنت بتربة ام الصالح رحمهما الله
*3* شيخنا الجليل المعمر الرحلة بهاء الدين
@ بهاء الدين أبو القاسم ابن الشيخ بدر الدين ابي غالب المظفر بن نجم الدين بن أبي الثناء محمود ابن الامام تاج الامناء ابي الفضل احمد بن محمد بن الحسن بن هبة الله بن عبد الله بن الحسين بن عساكر الدمشقي الطبيب المعمر ولد سنة تسع وعشرين وستمائة سمع حضورا وسماعا على الكثير من المشايخ وقد خرج له الحافظ علم الدين البرزالي مشيخة سمعناها عليه في سنة وفاته وكذلك خرج له الحافظ صلاح الدين العلائي عوالي من حديثه وكتب له المحدث المفيد ناصر الدين بن طغربك مشيخة في سبع مجلدات تشتمل على خمسمائة وسبعين شيخا سماعا وإجازة وقرئت عليه فسمعها الحافظ وغيرهم قال البرزالي وقد قرأت عليه ثلاثا وعشرين مجلدا بحذف المكررات ومن الاجزاء خمسمائة وخمسين جزء بالمكررات قال وكان قد اشتغل بالطب وكان يعالج الناس بغير أجرة وكان يحفظ كثيرا من الاحاديث والحكايات والاشعار وله نظم وخدم من عدة جهات الكتابة ثم ترك ذلك ولزم بيته وإسماع الحديث وتفرد في آخر عمره في اشياء كثيرة وكان سهلا في التسميع ووقف آخر عمره داره دار حديث وخص الحافظ البرزالي والمزي بشيء من بره وكانت وفاته يوم الاثنين وقت الظهر خامس وعشرين شعبان ودفن بقاسيون رحمه الله
*3* الوزير ثم الامير نجم الدين
@ حمد بن الشيخ فخر الدين عثمان بن أبي القاسم البصراوي الحنفي درس ببصرى بعد عمه القاضي صدر الدين الحنفي ثم ولى الحسبة بدمشق ونظر الخزانة ثم ولى الوزارة ثم سأل الاقالة منها فعوض بامرية عشرة عنها باقطاع هائل وعومل في ذلك معاملة الوزراء في حرمته ولبسته حتى كانت وفاته ببصرى يوم الخيمس ثامن عشرين شعبان ودفن هناك وكان كريما ممدحا وهابا تهابا كثيرا الصدقة والاحسان إلى الناس ترك أموالا وأولادا ثم تفانوا كلهم بعده وتفرقت أمواله ونكحت نساؤه وسكنت منازله
*3* الامير صارم الدين بن قراسنقر الجوكندار
@ مشد الخاص ثم ولى بدمشق ولاية ثم عزل عنها قبل موته بستة اشهر توفي تاسع رمضان ودفن بتربته المشرفة المبيضة شرقي مسجد التاريخ كان قد أعدها لنفسه
*3* الشيخ أحمد الاعقف الحريري
@ شهاب الدين أحمد بن حامد بن سعيد التنوخي الحريري ولد سنة أربع وأربعين وستمائة واشتغل في صباه على الشيخ تاج الدين الفزاري في التنبيه ثم صحب الحريرية وخدمهم ولزم مصاحبة الشيخ نجم الدين بن اسرائيل وسمع الحديث وحج غير مرة وكان مليح الشكل كثير التودد إلى الناس حسن الاخلاق توفي يوم الاحد ثالث عشرين رمضان بزاويته بالمزة ودفن بمقبرة المزة وكانت جنازته حافلة
وفي يوم الجمعة ثامن عشرين رمضان صلى بدمشق على غائب وهو الشيخ هارون المقدسي توفي ببعلبك في العشر الاخير من رمضان وكان صالحا مشهورا عند الفقراء وفي يوم الخميس ثالث ذي القعدة توفي
*3* الشيخ المقري أبو عبد الله
@ محمد بن إبراهيم بن يوسف بن عصر الانصاري القصري ثم السبتي بالقدس ودفن بما ملى وكانت له جنازة حافلة حضرها كريم الدين والناس مشاة ولد سنة ثلاث وخمسين وستمائة وكان شيخا مهيبا أحمر اللحية من الحناء اجتمعت به وبحثت معه في هذه السنة حين زرت القدس الشريف وهي أول زيارة زرته وكان مالكي المذهب قد قرا الموطأ في ثمانية أشهر وأخذ النحو عن أبي الربيع شارح المجمل للزجاجي من طريق شريح
*3* شيخنا الاصيل شمس الدين
@ شمس الدين ابو نصر بن محمد بن عماد الدين أبي الفضل محمد بن شمس الدين أبي نصر محمد بن هبة الله بن محمد بن يحيى بن بندار بن مميل الشيرازي مولده في شوال سنة تسع وعشرين وستمائة وسمع الكثير وأسمع وافاد في علية شيخنا المزي تغمده الله برحمته قرأ عليه عدة أجزاء بنفسه أثابه الله وكان شيخا حسنا خيرا مباركا متواضعا يذهب الربعات والمصاحف له في ذلك يد طولى ولم يتدنس بشيء من الولايات ولا تدنس بشيء من وظائف المدارس ولا الشهادات الى أن توفي
في يوم عرفة ببستانه من المزة وصلى عليه بجامعها وفدن بتربتها رحمه الله
*3* الشيخ العابد أبو بكر
@ ابو بكر بن ايوب بن سعد الذرعي الحنبلي قيم الجوزية كان رجلا صالحا متعبدا قليل التكلف وكان فاضلا وقد سمع شيئا من دلائل النبوة عن الرشيدي العامري توفي فجأة ليلة الاحد تاسع عشر ذي الحجة بالمدرسة الجوزية وصلى عليه بعدالظهر بالجامع ودفن بباب الصغير وكانت جنازته حافلة واثنى عليه الناس خيرا رحمه الله وهو والد العلامة شمس الدين محمد بن قيم الجوزية صاحب المصنفات الكثيرة النافعة النكافية
*3* الامير علاء الدين بن شرف الدين
@ محمود بن إسماعيل بن معبد البعلبكي احد أمراء الطبلخانات كان والده تاجرا ببعلبك فنشا ولده هذا واتصل بالدولة علت منزلته حتى أعطى طبلخانه وباشر ولاية البريد بدمشق مع شد الاوقاف ثم صرف إلى ولاية الولاة بحوران فاعترضه مرض وكان سبط البدن عبله فسأل أن يقال فأجيب فأقام ببستانه بالمزة إلى ان توفي في خامس عشرين ذي الحجة وصلى عليه هناك ودفن بمقبرة المزة كان من خيار الامراء وأحسنهم مع ديانة وخير سامحه الله وفي هذا اليوم توفي
*3* الفقيه الناسك شرف الدين الحراني
@ شرف الدين أبو عبد الله محمد بن محمد بن سعد الله بن عبد الاحد بن سعد الله بن عبد القاهر ابن عبد الواحد بن عمر الحراني المعروف بابن النجيح توفي في وادي بني سالم فحمل إلى المدينة فغسل وصلى عليه في الروضة ودفن بالبقيع شرقي قبر عقيل فغبطه الناس في هذه الموتة وهذا القبر رحمه الله وكان ممن غبطه الشيخ شمس الدين بن مسلم قاضي الحنابلة فمات بعده ودفن عنده وذلك بعده بثلاث سنين رحمهما الله وجاء يوم حضر جنازة الشيخ شرف الدين محمد المذكور شرف الدين بن أبي العز الحنفي قبل ذلك بجمعة مرجعه من الحج بعد انفصاله عن مكة بمرحلتين فغبط الميت المذكور بتلك الموتة فرزق مثلها بالمدينة وقد كان شرف الدين بن نجيح هذا قد صحب شيخنا العلام تقي الدين بن تيمية وكان معه في مواطن كبار صعبة لا يستطيع الاقدام عليها إلا الأبطال الخلص الخواص وسجن معه وكان من أكبر خدامه وخواص أصحابه ينال فيه الاذى وأوذى بسببه مرات وكلما له في إزدياد محبة فيه وصبرا على اذى أعدائه وقد كان هذا الرجل في نفسه وعند الناس جيدا مشكور السيرة جيد العقل والفهم عظيم الديانة والزهد ولهذا كانت عاقبته هذه الموتة عقيب الحج وصلى عليه بروضة مسجد رسول الله ص ودفن بالبقيع بقيع الفرقد بالمدينة النبوية فختم له بصالح عمله وقد كان كثير من السلف يتمنى ان يموت عقيب عمل صالح يعمله وكانت له جنازة حافلة رحمه الله تعالى والله سبحانه اعلم
*2* ثم دخلت سنة أربع وعشرين وسبعمائة
@ استهلت والحاكم هم المذكورون في التي قبلها الخليفة المستكفي بالله أبو الربيع سليمان بن الحاكم بأمر الله العباسي وسلطان البلاد الملك الناصر ونائبه بمصر سيف الدين أرغون ووزيره أمين الملك وقضاته بمصرهم المذكورون في التي قبلها ونائبه بالشام تنكز وقضاة الشام الشافعي جمال الدين الذرعي والحنفي الصدر على البصراوي والمالكي شرف الدين الهمداني والحنبلي شمس الدين بن مسلم وخطيب الجامع الاموي جلال الدين القزويني ووكيل بيت المال جمال الدين ابن القلانسي ومحتسب البلد فخر الدين بن شيخ السلامية وناظر الدواوين شمس الدين غبريال ومشد الدواوين علم الدين طرقشي وناظر الجيش قطب الدين بن شيخ السلامية ومعين الدين ابن الخشيش وكاتب السر شهاب الدين محمود ونقيب الاشراف شرف الدين بن عدنان وناظر الجامع بدر الدين بن الحداد وناظر الخزانة عز الدين بن القلانسي ووالي البر علاء الدين ابن المرواني ووالي دمشق شهاب الدين برق
وفي خامس عشر ربيع الاول باشر عز الدين بن القلانسي الحسبة عوضا عن ابن شيخ السلامية مع نظر الخزانة وفي هذا الشهر حمل كريم الدين وكيل السلطان من القدس الى الديار المصرية فاعتقل ثم اخذت منه أموال ودخائر كثيرة ثم نفى الى الصعيد وأجرى عليه نفقات سلطانية له ولمن معه من عياله وطلب كريم الدين الصغير وصودر بأموال جمة وفي يوم الجمعة الحادي عشر من ربيع الاخر قرئ كتاب السلطان بالمقصورة من الجامع الاموي بحضرة نائب السلطنة والقضاة يتضمن إطلاق مكس الغلة بالشام المحروس جميعه فكثرت الادعية للسلطان وقدم البريد الى نائب الشام يوم الجمعة خامس عشرين ربيع الاخر بعزل قاضي الشافعية الذرعي فبلغه ذلك فامتنع بنفسه من الحكم وأقام بالعادلية بعد العزل خمسة عشر يوما ثم انتقل منها إلى الاتابكية واستمرت بيده مشيخة الشيوخ وتدريس الاتابكية واستدعى نائب السلطان شيخنا الامام الزاهد برهان الدين الفزاري فعرض عليه القضاء فامتنع فألح عليه بكل ممكن فأبى وخرج من عنده فأرسل في اثره الاعيان إلى مدرسته فدخلوا عليه بكل حيلة فامتنع من قبول الولاية وصمم اشد التصميم جزاه الله خيرا عن مروءته فلما كان يوم الجمعة جاء البريد فأخبر بتوليته قضاء الشام وفي هذا اليوم خلع على تقي الدين سليمان بن مراجل بنظر الجامع عوضا عن بدر الدين ابن الحداد توفي وأخذ من ابن مراجل نظر المارستان الصغير لبدر الدين بن العطار وخسف القمر ليلة الخميس للنصف من جمادي الاخرة بعد العشاء فصلى الخطيب صلاة الكسوف بأربع سورة ق واقتربت والوقعة والقيامة ثم صلى العشاء ثم خطب بعدها ثم أصبح فصلى بالناس الصبح ثم ركب على البريد الى مصر فرزق من السلطان فتولاه وولاه بعد ايام القضاء ثم كر راجعا الى الشام فدخل دمشق في خامس رجب على القضاء مع الخطابة وتدريس العادلية والغزالية فباشر ذلك كله وأخذت منه الامينية فدرس فيها جمال الدين بن القلانسي مع وكالة بيت المال وأضيف اليه قضاء العساكر وخوطب بقاضي القضاة جلال الدين القزويني
وفيها قدم ملك التكرور الى القاهرة بسبب الحج في خامس عشرين رجب فنزل بالقرافة ومعه من المغاربة والخدم نحو من عشرين الفا ومعهم ذهب كثير بحيث إنه نزل سعر الذهب درهمين في كل مثقال ويقال له الملك الاشرف موسى بن أبي بكر وهو شاب جميل الصورة له مملكة متسعة مسيرة ثلاث سنين ويذكر أن تحت يده أربعة وعشرين ملكا كل ملك تحت يده خلق وعساكر ولما دخل قلعة الجبل ليسلم على السلطان أمر بتقبيل الارض فامتنع من ذلك فأكرمه السلطان ولم يمكن من الجلوس أيضا حتى خرج من بين يدي السلطان وأحضر له حصان أشهب بزناري أطلس أصفر وهيئت له هجن وآلات كثيرة تليق بمثله وارسل هو إلى السلطان أيضا بهدايا كثيرة من جملتها أربعون ألف دينار إلى النائب بنحو عشرة آلاف دينار وتحف كثيرة
وفي شعبان ورمضان زاد النيل بمصر زيادة عظيمة لم ير مثلها من نحو مائة سنة أو أزيد منها ومكث على الاراضي نحو ثلاثة أشهر ونصف وغرق أقصابا كثيرة ولكن كان نفعه أعظم من ضره وفي يوم الخميس ثامن عشر شعبان استناب القاضي جلال الدين القزويني نائبين في الحكم وهما يوسف بن إبراهيم بن جملة المحجي الصالحي وقد ولي القضاء فيما بعد ذلك كما سيأتي ومحمد بن علي بن إبراهيم المصري وحكما يومئذ ومن الغد جاء البريد ومعه تقليد قضاء حلب للشيخ كمال الدين بن الزملكاني فاستدعاه نائب السلطنة وفاوضه في ذلك فامتنع فراجعه النائب ثم راجع السلطان فجاء البريد في ثاني عشر رمضان بامضاء الولاية فشرع للتأهب لبلاد حلب وتمادى في ذلك حتى كان خروجه إليها في بكرة يوم الخميس رابع عشر شوال ودخل حلب يوم الثلاثاء سادس عشرين شوال فأكرم إكراما زائدا ودرس بها وألقى علوما أكبر من تلك البلاد وحصل لهم الشرف بفنونه وفوائده وحصل لأهل الشام الأسف على دروسه الانيقة الفائقة وما أحسن ما قال الشاعر وهو شمس الدين محمد الحناط في قصيدة له مطولة أولها قوله

أسفت لفقدك جلق الفيحاء * وتباشرت بقدومك الشهباء


التوقيع :


اللهم صل على سيدنا محمد عبدك ونبيك ورسولك
النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم تسليما عدد مااحاط به علمك
وخط به قلمك واحصاه كتابك
وارض اللهم عن سادتنا ابي بكر وعمر وعثمان وعلي
وعن الصحابة أجمعين وعن التابعين وتابعيهم بإحسان الى يوم الدين





رد مع اقتباس
قديم 09-01-2006, 10:46 PM   رقم المشاركة : 10
الكاتب

أفاق : الاداره

مراقب

مراقب

أفاق : الاداره غير متواجد حالياً


الملف الشخصي









أفاق : الاداره غير متواجد حالياً


مشاركة: البداية والنهاية الجزء الرابع عشر

وفي ثاني عشر رمضان عزل أمين الملك عن وزارة مصر واضيفت الوزارة إلى الامير علاء الدين مغلطاي الجمالي استاذ دار السلطان وفي أواخر رمضان طلب الصاحب شمس الدين غبريال إلى القاهرة فولى بها نظر الدواوين عوضا عن كريم الدين الصغير وقدم كريم الدين المذكور إلى دمشق في شوال فنزل بدار العدل من القصاعين وولى سيف الدين قد يدار ولاية مصر وهو شهم سفاك للدماء فأراق الخمور وأحرق الحشيشة وأمسك الشطار واستقامت به أحوال القاهرة ومصر وكان هذا الرجل ملازما لابن تيمية مدة مقامه بمصر
وفي رمضان قدم إلىمصر الشيخ نجم الدين عبد الرحيم بن الشحام الموصلي من بلاد السلطان ازبك وعنده فنون من علم الطب وغيره ومعه كتاب بالوصية به فأعطى تدريس الظاهرية البرانية نزل له عنها جمال الدين بن القلانسي فباشرها في مستهل ذي الحجة ثم درس بالجاروضية ثم خرج الركب في تاسع شوال واميره كوكنجبار المحمدي وقاضيه شهاب الدين الظاهري وممن خرج إلى الحج برهان الدين الفزاري وشهاب الدين قرطاي الناصري نائب طرابلس وصاروحا وشهري وغيرهم وفي نصف شوال زاد السلطان في عدة الفقهاء بمدرسته الناصرية كان فيها من كل مذهب ثلاثون ثلاثون فزادهم إلى أربعة وخمسين من كل مذهب وزادهم في الجوامك أيضا وفي الثالث والعشرين منه وجد كريم الدين الكبير وكيل السلطان قد شنق نفسه داخل خزانة له قد أغلقها عليه من داخل ربط حلقه في حبل كان تحت رجليه قفص فدفع القفص برجليه فمات في مدينة أسوان وستأتي ترجمته

وفي جمادي الاولى عزل طرقشي عن شد الدواوين وتولاها الامير بكتمر وفي ثاني جمادي الاخرة باشر ابن جهبل نيابة الحكم عن الزرعي وكان قد باشر قبلها بأيام نظر الايتام عوضا عن ابن هلال وفي شعبان اعيدا الطرقشي الى الشد وسافر بكتمر الى نيابة الاسكندرية وكان بها الى أن توفي وفي رمضان قدم جماعة من حجج الشرق وفيهم بنت الملك أبغابن هولاكو وأخت ارغون وعمة قازان وخربندا فأكرمت وأنزلت بالقصر الابلق وأجريت عليها الاقامات والنفقات
وفي جمادي الاولى عزل طرقشي عن شد الدواوين وتولاها الامير بكتمر وفي ثاني جمادي الاخرة باشر ابن جهبل نيابة الحكم عن الزرعي وكان قد باشر قبلها بأيام نظر الايتام عوضا عن ابن هلال وفي شعبان اعيدا الطرقشي الى الشد وسافر بكتمر الى نيابة الاسكندرية وكان بها الى أن توفي وفي رمضان قدم جماعة من حجج الشرق وفيهم بنت الملك أبغابن هولاكو وأخت ارغون وعمة قازان وخربندا فأكرمت وأنزلت بالقصر الابلق وأجريت عليها الاقامات والنفقات
وفي سابع عشر ذي القعدة زينت دمشق بسبب عافية السلطان من مرض كان قد اشفى منه على الموت وفي ذي القعدة درس جمال الدين بن القلانسي بالظاهرية الجوانية عوضا عن ابن الزملكاني سافر على قضاء حلب وحضر عنده القاضي القزويني وجاء كتاب صادق من بغداد إلى المولى شمس بن حسان يذكر فيه أن الامير جوبان أعطى الامير محمد حسيناه قدحا فيه خمر ليشربه فامتنع من ذلك اشد الامتناع فالح عليه واقسم فأبى أشد الاباء فقال له إن لم تشربها وإلا كلفتك ان تحمل ثلاثين تومانا فقال نعم احمل ولا أشربها فكتب عليه حجة بذلك وخرج من عنده إلى أمير آخر يقال له بكتى فاستقرض من ذلك المال ثلاثين تومانا فأبى أن يقرضه إلا بربح عشرة توامين فاتفقا على ذلك فبعث بكتى الى جوبان يقول له المال الذي طلبته من حسيناه عندي فإن رسمت حملته إلى الخزانة الشريفة وإن رسمت تفرقه على الجيش فأرسل جوبان إلى محمد حسيناه فأحضره عنده فقال له تزن أربعين تومانا ولا تشرب قدحا من خمر قال نعم فأعجبه ذلك منه ومزق الحجة المكتوبة عليه وحظى عنده وحكمه في أموره كلها وولاه ولايات كتابه وحصل لجوبان إقلاع ورجوع عن كثير مما كان يتعاطاه رحم الله حسيناه
وفي هذه السنة كانت فتنة بأصبهان قتل بسببها ألوف من أهلها واستمرت الحرب بينهم شهورا وفيها كان غلاء مفرط بدمشق بلغت الغرارة مائتين وعشرين وقلت الاقوات ولولا ان الله اقام للناس من يحمل لهم الغلة من مصر لاشتد الغلاء وزاد أضعاف ذلك فكان مات أكثر الناس واستمر ذلك مدة شهور من هذه السنة وإلى أثناء سنة خمس وعشرين حتى قدمت الغلات ورخصت الاسعار ولله الحمد والمنة وممن توفي فيها من الاعيان توفي في مستهل المحرم
*3* بدر الدين بن ممدوح بن أحمد الحنفي
@
قاضي قلعة الروم بالحجاز الشريف وقد كان عبدا صالحا حج مرات عديدة وربما أحرم من قلعة الروم أو حرم بيت المقدس وصلى عليه بدمشق صلاة الغائب وعلى شرف الدين بن العز وعلى شرف الدين بن نجيح توفوا في أقل من نصف شهر كلهم بطريق الحجاز بعد فراغهم من الحج وذلك أنهم غبطوا ابن نجيح صاحب الشيخ تقي الدين ابن تيمية بتلك الموتة كما تقدم فرزقوها فماتوا عقيب عملهم الصالح بعد الحج
*3* الحجة الكبيرة خوندا بنت مكية
@ زوجة الملك الناصر وقد كانت زوجة أخيه الملك الاشرف ثم هجرها الناصر وأخرجها من القلعة وكانت جنازتها حافلة ودفنت بتربتها التي أنشأتها
*3* الشيخ محمد بن جعفر بن فرعوش
@ ويقال له اللباد ويعرف بالمؤله كان يقرئ الناس بالجامع نحوا من اربعين سنة وقد قرأت عليه شيئا من القراءات وكان يعلم الصغار عقد الراء والحروف والمتفنة كالراء ونحوها وكان متقللا من الدنيا لا يقتني شيئا وليس له بيت ولا خزانة إما كان يأكل في السوق وينام في الجامع توفي في مستهل صفر وقد جاوز السبعين ودفن في باب الفراديس رحمه الله وفي هذا اليوم توفي بمصر
*3* الشيخ أيوب السعودي
@ وقد قارب المائة أدرك الشيخ أبا السعود وكانت جنازته مشهودة ودفن بتربة شيخه بالقرافة وكتب عنه قاضي القضاة تقي الدين السبكي في حياته وذكر الشيخ أبو بكر الرحبي انه لم ير مثل جنازته بالقاهرة منذ سكنها رحمه الله
*3* الشيخ الامام الزاهد نور الدين
@ ابو الحسن علي بن يعقوب بن جبريل البكري المصري الشافعي له تصانيف وقرأ مسند الشافعي علي وزيرة بنت المنجا ثم إنه أقام بمصر وقد كان في جملة من ينكر على شيخ الاسلام ابن تيمية أراد بعض الدولة قتله فهرب واختفى عنده كما تقدم لما كان ابن تيمية مقيما بمصر وما مثاله غلا مثال ساقية ضعيفة كدرة لاطمت بحرا عظيما صافيا او رملة ارادت زوال جبل وقد أضحك العقلاء عليه وقد أراد السلطان قتله فشفع فيه بعض الامراء ثم انكر مرة شيئا على الدولة فنفى من القاهرة إلى بلدة يقال لها ديروط فكان بها حتى توفي يوم الاثنين سابع ربيع الاخر ودفن بالقرافة وكانت جنازته مشهورة غير مشهودة وكان شيخه ينكر عليه إنكاره على ابن تيمية ويقول له أنت لا تحسن ان تتكلم
*3* الشيخ محمد الباجر بقي
@ الذي تنسب اليه الفرقة الضالة الباجر بقية والمشهور عنهم إنكار الصانع جل جلاله وتقدست اسماؤه وقد كان والده جمال الدين بن عبد الرحيم بن عمر الموصلي رجلا صالحا من علماء الشافعية ودرس في أماكن بدمشق ونشأ ولده هذا بين الفقهاء واشتغل بعض شيء ثم أقبل على السلوك ولازم جماعة يعتقدونه ويزورونه ويرزقونه ممن هو على طريقةوآخرون لا يفهمونه ثم حكم القاضي المالكي باراقة دمه فهرب إلى الشرق ثم إنه أثبت عداوة بينه وبين الشهود فحكم الحنبلي بحقن دمه فأقام بالقانون مدة سنين حتى كانت وفاته ليلة الاربعاء سادس عشر ربيع الآخر ودفن بالقرب من مغارة الدم بسفح قاسيون في قبة في أعلى ذيل الجبل تحت المغارة وله من العمر ستون سنة
*3* شيخنا القاضي أبو زكريا
@ محي الدين أبو زكريا يحيى بن الفاضل جمال الدين إسحاق بن خليل بن فارس الشيباني الشافعي اشتغل على النواوي ولازم ابن المقدسي وولى الحكم بزرع وغيرها ثم قام بدمشق يشتغل في الجامع ودرس في الصارمية وأعاد في مدارس عدة إلى أن توفي في سلخ ربيع الاخر ودفن بقاسيون وقد قارب الثمانين رحمه الله وسمع كثيرا وخرج له الذهبي شيئا وسمعنا عليه الدارقطني وغيره
*3*الفقيه الكبير الصدر الامام العالم الخطيب بالجامع
@ بدر الدين أبو عبد الله محمد بن عثمان بن يوسف بن محمد بن الحداد الامدي الحنبلي سمع الحديث واشتغل وحفظ المحرر في مذهب أحمد ويرع على ابن حمدان وشرحه عليه في مدة سنين وقد كان ابن حمدان يثنى عليه كثيرا وعلى ذهنه وذكائه ثم اشتغل بالكتابة ولزم خدمة الامير قراسنقر بحلب فولاه نظر الاوقاف وخطابة حلب بجامعها الاعظم ثم لما صار إلى دمشق ولاه خطابة الاموي فاستمر خطيبا فيها اثنين واربعين يوما ثم اعيد اليها جلال الدين القزويني ثم ولى نظر المارستان والحسبة ونظر الجامع الاموي وعين لقضاء الحنابلة في وقت ثم توفي ليلة الاربعاء سابع جمادي الآخرة ودفن بباب الصغير رحمه الله
*3* الكاتب المفيد قطب الدين
@ أحمد بن مفضل بن فضل الله المصري أخو محيي الدين كاتب تنكز والد الصاحب علم الدين كان خبيرا بالكتابة وقد ولى استيفاء الاوقاف بعد أخيه وكان اسن من أخيه وهو الذي علمه صناعة الكتابة وغيرها توفي ليلة الاثنين ثاني رجب وعمل عزاؤه بالشميساطية وكان مباشر أوقافها
*3* الأمير الكبير ملك العرب
@ محمد بن عيسى بن مهنا اخو مهنا توفي بسلمية يوم السبت سابع رجب وقد جاوز الستين كان مليح الشكل حسن السيرة عاملا عارفا رحمه اله وفي هذا الشهر وصل الخبر إلى دمشق يموت
*3* الوزير الكبير علي شاه بن أبي بكر التبريزي
@ وزير ابي سعيد بعد قتل سعد الدين الساوي وكان شيخا جليلا فيه دين وخير وحمل إلى تبريز فدفن بها في الشهر الماضي رحمه الله
*3* الأمير سيف الدين بكتمر
@ والي الولاة صاحب الأوقاف في بلدان شتى من ذلك مدرسة بالصلب وله درس بمدرسة أبي عمر وغير ذلك توفي بالاسكندرية وهو نائبها خامس رمضان رحمه الله
*3* شرف الدين أبو عبد الله
@ محمد ابن الشيخ الامام العلامة زين الدين بن المنجا بن عثمان بن أسعد بن المنجا التنوخي الحنبلي أخو قاضي القضاة علاء الدين سمع الحديث ودرس وأفتى وصحب الشيخ تقي الدين بن يتميه وكان فيه دين ومودة وكرم وقضاء حقوق كثيرة توفي ليلة الاثنين رابع شوال وكان مولده في سنة خمس وسبعين وستمائة ودفن بتربتهم بالصالحية
*3* الشيخ حسن الكردي الموله
@ كان يخالط النجاسات والقاذورات ويمشي حافيا وربما تكلم بشيء من الهذيانات التي تشبه علم المغيبات وللناس فيه اعتقاد كما هو المعروف من أهل العمى والضلالات مات في شوال
*3* كريم الدين الذي كان وكيل السلطان
@ عبد الكريم بن العلم هبة الله المسلماني حصل له من الأموال والتقدم والمكانة الخطيرة عند السلطان ما لم يحصل لغيره في دولة الأتراك وقد وقف الجامعين بدمشق أحدهما جامع القبيبات والحوض الكبير الذي تجاه باب الجامع واشترى له نهر ماء بخمسين ألفا فانتفع به الناس انتفاعا كثيرا ووجدوا رفقا والثاني الجامع الذي بالقابون وله صدقات كثيرة تقبل الله منه وعفا عنه وقد مسك في آخر عمره ثم صودر ونفى إلى الشوبك ثم إلى القدس ثم الصعيد فخنق نفسه كما قيل بعماته بمدينة أسوان وذلك في الثالث والعشرين من شوال وقد كان حسن الشكل تام القامة ووجد له بعد موته ذخائر كثيرة سامحه الله
*3* الشيخ الامام العالم علاء الدين
@ علي بن إبراهيم بن داود بن سليمان بن العطار شيخ دار الحديث النورية ومدرس الغوصية بالجامع ولد يوم عيد الفطر سنة أربع وخمسين وستمائة وسمع الحديث واشتغل على الشيخ محيي الدين النواوي ولازمه حتى كان يقال له مختصر النواوي وله مصنفات وفوائد ومجاميع وتخاريج وباشر مشيخة النورية من سنة أربع وتسعين إلى هذه السنة مدة ثلاثين سنة توفي يوم الاثنين منها مستهل ذي الحجة فولى بعده النورية علم الدين البرزالي وتولى الغوصية شهاب الدين بن حرز الله وصلى عليه بالجامع ودفن بقاسيون رحمه الله والله سبحانه أعلم
*2* ثم دخلت سنة خمس وعشرين وسبعمائة
@ استهلت وحكام البلاد هم المذكورون في التي قبلها وأولها يوم الأربعاء وفي خامس صفر منها قدم إلى دمشق الشيخ شمس الدين محمود الأصبهاني بعد مرجعه من الحج زيارة القدس الشريف وهو رجل فاضل له مصنفات منها شرح مختصر ابن الحاجب وشرح الجويد وغير ذلك ثم إنه شرح الحاجبية أيضا وجمع له تفسيرا بعد صيرورته إلى مصر ولما قدم إلى دمشق أكرم واشتغل عليه الطلبة وكان حظيا عند القاضي جلال الدين القزويني ثم إنه ترك الكل وصار يتردد إلى الشيخ تقي الدين بن تيمية وسمع عليه من مصنفاته ورده على أهل الكلام ولازمه مدة فلما مات الشيخ تقي الدين تحول إلى مصر وجمع التفسير
وفي ربيع الأول جرد السلطان تجريدة نحو خمسة آلاف إلى اليمن لخروج عمه عليه وصحبتهم خلق كثير من الحجاج منهم الشيخ فخر الدين النويري وفيها منع شهاب الدين بن مرى البعلبكي من الكلام على الناس بمصر على طريقة الشيخ تقي الدين بن تيمية وعزره القاضي المالكي بسبب الاستغاثة وحضر المذكور بين يدي السلطان وأثنى عليه جماعة من الأمراء ثم سفر إلى الشام بأهله فنزل ببلاد الخليل ثم انتزح إلى بلاد الشرق وأقام بسنجار وماردين ومعاملتهما يتكلم ويعظ الناس إلى أن مات رحمه الله كما سنذكره
وفي ربيع الأخر عاد نائب الشام من مصر وقد أكرمه السلطان والأمراء وفي جمادي الأولى وقع بمصر مطر لم يسمع بمثله بحيث زاد النيل بسببه أربع أصابع وتغير أياما وفيه زادت دجلة ببغداد حتى غرقت ما حول بغداد وانحصر الناس بها ستة أيام لم تفتح أبوابها وبقيت مثل السفينة في وسط البحر وغرق خلق كثير من الفلاحين وغيرهم وتلف للناس مالا يعمله إلا الله وودع أهل البلد بعضهم بعضا ولجأوا إلى الله تعالى وحملوا المصاحف على رؤسهم في شدة الشوق في أنفسهم
حتى القضاة والأعيان وكان وقتا عجيبا ثم لطف الله بهم فغيض الماء وتناقص وتراجع الناس إلى ما كانوا عليه من أمورهم الجائرة وغير الجائرة وذكر بعضهم انه غرق بالجانب الغربي نحو من ستة آلاف وستمائة بيت وإلي عشرة سنين لا يرجع ما غرق
وفي أوائل جمادي الأخرة فتح السلطان خانقاه سريافوس التي أنشأها وساق إليها خليجا وبنى عندها محلة وحضر السلطان بها ومعه القضاة والأعيان والأمراء وغيرهم ووليها مجد الدين الأقصرائي وعمل السلطان بها وليمة كبيرة وسمع على قاضي القضاة ابن جماعة عشرين حديثا بقراءة ولده عز الدين بحضرة الدولة منهم أرغون النائب وشيخ الشيوخ القونري وغيرهم وخلع على القارئ عز الدين واثنوا عليه ثناء زائدا وأجلس مكرما وخلع ايضا على والده ابن جماعة وعلى المالكي وشيخ الشيوخ وعلى مجد الدين الاقصرائي شيخ الخانقاه المذكورة وغيرهم وفي يوم الأربعاء رابع عشر رجب درس بقبة المنصورية في الحديث الشيخ زين الدين بن الكتاني الدمشقي بإشارة نائب الكرك وأرغون وحضر عنده الناس وكان فقيها جيدا وأما الحديث فليس من فنه ولا من شغله
وفي أواخر رجب قدم الشيخ زين الدين بن عبد الله بن المرحل من مصر على تدريس الشامية البرانية وكانت بيد ابن الزملكاني فانتقل إلى قضاء حلب فدرس بها في خامس شعبان وحضر القاضي الشافعي وجماعة وفي سلخ رجب قدم القاضي عز الدين بن بدر الدين بن جماعة من مصر ومعه ولده وفي صحبته الشيخ جمال الدين الدمياطي وجماعة من الطلبة بسبب سماع الحديث فقرأ بنفسه وقرأ الناس له واعتنوا بأمره وسمعنا معهم وبقراءته شيئا كثيرا نفعهم الله بما قرؤوا وبما سمعوا ونفع بهم وفي يوم الاربعاء ثاني عشر شوال درس الشيخ شمس الدين بن الأصبهاني بالرواحية بعد ذهاب ابن الزملكاني إلى حلب وحضر عنده القضاة والأعيان وكان فيهم شيخ الاسلام ابن تيمية وجرى يومئذ بحث في العام إذا خص وفي الاستثناء بعد النفي ووقع إنتشار وطال الكلام في ذلك المجلس وتكلم الشيخ تقي الدين كلاما أبهت الحاضرين وتأخر ثبوت عيد الفطر إلى قريب الظهر يوم العيد فلما ثبت دقت البشائر وصلى الخطيب العيد من الغد بالجامع ولم يخرج الناس إلى المصلي وتغضب الناس على المؤذنين وسجن بعضهم وخرج الركب في عاشره وأميره صلاح الدين ابن ايبك الطويل وفي الركب صلاح الدين بن أوحد والمنكورسي وقاضية شهاب الدين الظاهر وفي سابع عشره درس بالرباط الناصري بقاسيون حسام الدين القزويني الذي كان قاضي طرابلس قايضه بها جمال الدين بن الشريشني إلى تدريس المسرورية وكان قد جاء توقيعه بالعذراوية والظاهرية فوقف في طريقه قاضي القضاة جمال الدين ونائباه ابن جملة
والفخر المصري وعقد له ولكمال الدين ابن الشيرازي مجلسا ومعه توقيع بالشامية البرانية فعطل الامر عليهما لأنهما لم يظهرا استحقاهما في ذلك المجلس فصارت المدرستان العذراوية والشامية لابن المرحل كما ذكرنا وعظم القزوينى بالمسروية فقايض منها لابن الشريشنى إلى الرباط الناصري فدرس به في هذا اليوم وحضر عنده القاضي جلال الدين ودرس بعده ابن الشريشني بالمسرورية وحضر عنده الناس أيضا وفيه عادت التجريدة اليمنية وقد فقد منهم خلق كثير من الغلمان وغيرهم فحبس مقدمهم الكبير ركن الدين بيبرس لسو سرته فيهم ومم توفي فيها من الأعيان :
*3* الشيخ إبراهيم الصباح
@ وهو إبراهيم بن منير البعلبكي كان مشهروا بالصلاح مقيما بالمأذنة الشرقية توفي ليلة الأربعاء مستهل المحرم ودفن بالباب الصغير وكانت جنازته حافلة حمله الناس على رؤوس الاصابع وكان ملازما لمجلس الشيخ تقي الدين بن تيمية
*3* إبراهيم الموله
@ الذي يقال له القميني لاقامته بالقمامين خارج باب شرقي وربما كاشف بعض العوام ومع هذا لم يكن من أهل الصلاة وقد استتابه الشيخ تقي الدين بن تيمية وضربه على ترك الصلوات ومخالطة القاذورات وجمع النساء والرجال حوله في الأماكن النجسة توفي كهلا في هذا الشهر
*3* الشيخ عفيف الدين
@ محمد بن عمر بن عثمان بن عمر الصقلي ثم الدمشقي إمام مسجد الرأس آخر من حدث عن ابن الصلاح ببعض سنن البيهقي سمعنا عليه شيئا منها توفي في صفر
*3* الشيخ الصالح العابد الزاهد الناسك
@ عبد الله بن موسى بن أحمد الجزري الذي كان مقيما أبي بكر من جامع دمشق كان من الصالحين الكبار مباركا خيرا عليه سكينة ووقار وكانت له مطالعة كثيرة وله فهم جيد وعقل جيد وكان من الملازمين لمجالس الشيخ تقي الدين ابن تيمية وكان ينقل من كلامه أشياء كثيرة ويفهمها يعجز عنها كبار الفقهاء توفي يوم الاثنين سادس عشرين صفر وصلى عليه بالجامع ودفن بباب الصغير وكانت جنازته حافلة محمودة
*3* الشيخ الصالح الكبير المعمر
@ الرجل الصالح تقي الدين ابن الصائغ المقري المصري الشافعي آخر من بقي من مشايخ القراء وهو أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عبد الخالق بن علي بن سالم بن مكي توفي في صفر ودفن بالقرافة وكانت جنازته حافلة قارب التسعين ولم يبق له منها سوى سنة واحدة وقد قرأ عليه غير واحد وهو ممن طال عمره وحسن عمله
*3* الشيخ الامام صدر الدين
@ أبو زكريا يحيى بن علي بن تمام بن موسى الانصاري السبكي الشافعي سمع الحديث وبرع في الأصول والفقه ودرس بالسيفية وباشرها بعده ابن اخيه تقي الدين السبكي الذي تولى قضاء الشام فيما بعد
الشهاب محمود هو الصدر الكبير الشيخ الامام العالم العلامة شيخ صناعة الانشاء الذي لم يكن بعد القاضي الفاضل مثله في صنعة الانشاء وله خصائص ليست للفاضل من كثرة النظم والقصائد المطولة الحسنة البليغة فهو شهاب الدين أبو الثنا محمود بن سلمان بن فهد الحلبي ثم الدمشقى ولد سنة أربع واربعين وستمائه بحلب وسمع الحديث وعنى باللغة والأدب والشعر وكان كثير الفضائل بارعا في علم الانشاء نظما ونثرا وله في ذلك كتب ومصنفات حسنة فائقة وقد مكث في ديوان الانشاء نحوا من خمسين سنة ثم ولى كتابة السر بدمشق نحوا من ثمان سنين إلى أ نتوفي ليلة السبت ثاني عشرين شعبان في منزله قرب باب النطفانيين وهي دار القاضي الفاضل وصلى عليه بالجامع ودفن بتربة له أنشأها بالقرب من اليغمورية وقد جاوز الثمانين رحمه الله
*3* شيخنا عفيف الدين الأمدي
@ عفيف الدين إسحاق بن يحيى بن إسحاق بن إبراهيم بن إسماعيل الأمدي ثم الدمشقي الحنفي شيخ دار الحديث الظاهرية ولد في حدود الأربعين وستمائة وسمع الحديث على جماعة كثيرين منهم يوسف بن خليل ومجد الدين بن تيمية وكان شيخا حسنا بهى المنظر سهل الاسماع يحب الرواية ولديه فضيلة توفي ليلة الاثنين ثاني عشرين رمضان ودفن بقاسيون وهو والد فخر الدين ناظر الجيوش والجامع وقبله بيوم توفي الصدر معين الدين يوسف بن زغيب الرحبي أحد كبار التجار الامناء وفي رمضان توفي
*3* البدر العوام
@ وهو محمد بن علي البابا الحلبي وكان فردا في العوم وطيب الاخلاق انتفع به جماعة من التجار في بحر اليمن كان معهم فغرق بهم المركب فلجأوا إلى صخرة في البحر وكانوا ثلاثة عشر ثم إنه غطس فاستخرج لهم أموالا من قرار البحر بعد أن أفلسوا وكادوا ان يهلكوا وكان فيه ديانة وصيانة وقد قرأ القرآن وحج عشر مرات وعاش ثمانا وثمانين سنة رحمه الله وكان يسمع الشيخ تقي الدين بن تيمية كثيرا وفيه توفي
*3* الشهاب احمد بن عمثان الامشاطي
@ الأديب في الأزجال والموشحات والمواليا والدوبيت والبلاليق وكان استاذ أهل هذه الصناعة مات في عشر الستين
*3* القاضي الامام العالم الزاهد
@ صدر الدين سليمان بن هلال بن شبل بن فلاح بن خصيب الجعفري الشافعي المعروف بخطيب داريا ولد سنة ثنتين وأربعين وستمائة بقرية بسرا من عمل السواد وقدم مع والده فقرأ بالصالحية القرآن على الشيخ نصر بن عبيد وسمع الحديث وتفقه علي الشيخ محيي الدين النووي والشيخ تاج الدين الفزاري وتولى خطابة داريا وأعاد بالناصرية وتولى نيابة القضاء لابن صصرى مدة وكان متزهدا لا يتنعم بحمام ولا كتان ولا غيره ولم يغير ما اعتاده في البر وكان متواضعا وهو الذي استسقى بالناس في سنة تسع عشرة فسقوا كما ذكرنا وكان يذكر له نسبا إلى جعفر الطيار بينه وبينه عشرة آباء ثم ولى خطابة العقبية فترك نيابة الحكم وقال هذه تكتفي إلى أن توفي ليلة الخميس ثامن ذي القعدة ودفن بباب الصغير وكانت جنازته مشهورة رحمه الله وتولى بعده الخطابة ولده شهاب الدين
*3* أحمد بن صبيح المؤذن
@ الرئيس بالعروس بجامع دمشق مع البرهان بدر الدين أبو عبد الله محمد بن صبيح بن عبد الله التفليسي مولاهم المقري المؤذن كان مع أحسن الناس صوتا في زمانه وأطيبهم نغمة ولد سنة ثنتين وخمسين وستمائة تقريبا وسمع الحديث في سنة سبع وخمسين وممن سمع عليه ابن عبد الدائم وغيره من المشايخ وحدث وكان رجلا حسنا أبوه مولى لامرأة اسمها شامة بنت كامل الدين التفليسي امرأة فخر الدين الكرخي وباشر مشارفة الجامع وقراءة المصحف وأذن عند نائب السلطنة مدة وتوفي في ذي الحجة بالطواويس وصلى عليه بجامع العقبية ودفن بمقابر باب الفراديس
*3* خطاب باني خان خطاب
@ الذي بين الكسوة وغباغب الامير الكبير عز الدين خطاب بن محمود بن رتقش العراقي كان شيخا كبيرا له ثروة من المال كبيرة وأملاك وأموال وله حمام بحكر السماق وقد عمر الخان المشهور به بعد موته إلى ناحية الكتف المصري مما يلي غباغب وهو برج الصفر وقد حصل لكثير من المسافرين به رفق توفي ليلة سبع عشرة ربيع الاخر ودفن بتربته بسفح قاسيون رحمه الله تعالى وفي ذي القعدة منها توفي رجل آخر اسمه
*3* ركن الدين خطاب بن الصاحب كمال الدين
@ احمد ابن أخت ابن خطاب الرومي السيواسي له خانقاه ببلده بسيواس عليها أوقاف كثيرة وبر وصدقة توفي وهو ذاهب إلى الحجاز الشريف بالكرك ودفن بالقرب من جعفر وأصحابه بمؤتة رحمه الله وفي العشر الاخير من ذي القعدة توفي
*3* بدر الدين أبو عبد الله
@ محمد بن كمال الدين أحمد بن أبي الفتح بن أبي الوحش أسد بن سلامة بن سليمان بن فتيان الشيباني المعروف بابن العطار ولد سنة سبعين وستمائة وسمع الحديث الكثير وكتب الخط المنسوب واشتغل بالتنبيه ونظم الشعر وولى كتابه الدرج ثم نظر الجيش ونظر الاشراف وكانت له حظوة في أيام الافرم ثم حصل له خمول قليل وكان مترفا منعما له ثروة ورياسة وتواضع وحسن سيرة ودفن بسفح قاسيون بتربتهم رحمه الله
*3* القاضي محيي الدين
@ أبو محمد بن الحسن بن محمد بن عمار بن فتوح الحارثي قاضي الزبداني مدة طويلة ثم ولى قضاء الكرك وبها مات في العشرين من ذي الحجة وكان مولده سنة خمس وأربعين وستمائة وقد سمع الحديث واشتغل وكان حسن الاخلاق متواضعا وهو والد الشيخ جمال الدين بن قاضي الزبداني مدرس الظاهرية رحمه الله
*2* ثم دخلت سنة ست وعشرين وسبعمائة
@ استهلت والحكام هم المذكورون في التي قبلها سوى كاتب سر دمشق شهاب الدين محمود فإنه توفي وولى المنصب من بعده ولده الصدر شمس الدين وفيها تحول التجار في قماش النساء المخيط من الدهشة التي للجامع إلى دهشة سوق على وفي يوم الأربعاء ثمان المحرم باشر مشيخة الحديث الظاهرية الشيخ شهاب الدين بن جهبل بعد وفاة العفيف إسحاق وترك تدريس الصلاحية بالقدس الشريف واختار دمشق وحضر عنده القضاة والأعيان وفي أولها فتح الحمام الذي بناه الامير سيف الدين جوبان بجوار داره بالقرب من دار الجالق وله بابان أحدهما إلى جهة مسجد الوزير وحصل به نفع وفي يوم الاثنين ثاني صفر قدم الصاحب غبريال من مصر على البريد متوليا نظر الدواوين بدمشق على عادته وانفصل عنها الكريم الصغير وفرح الناس به وفي يوم الثلاثاء حادي عشرين ربيع الاول بكرة ضربت عنق ناصر بن الشرف ابي الفضل بن إسماعيل بن الهيئي بسوق الخيل على كفره واستهانته واستهتاره بآيات الله وصحبته الزنادقة كالنجم بن خلكان والشمس محمد الباجريقي وابن المعمار البغدادي وكل فيهم إنحلال وزندقة مشهور بها بين الناس قال الشيخ علم الدين الرزالي وربما زاد هذا المذكور المضروب العنق عليهم بالكفر والتلاعب بدين الاسلام والاستهانة بالنبوة والقرآن قال وحضر قتله العلماء والاكبار وأعيان الدولة قال وكان هذاالرجل في أول أمره قد حفظ التنبيه وكان يقرأ في الختم بصوت حسن وعنده نباهة وفهم وكان منزلا في المدارس والترب ثم إنه أنسلخ من ذلك جميعه وكان قتله عزا للاسلام وذلا للزنادقة وأهل البدع
قلت وقد شهدت قتله كان شيخنا أبو العباس أبن تيمية حاضرا يومئذ وقد أتاه وقرعة على ما كان يصدر منه قبل قتله ثم ضربت عنقه وأنا شاهد ذلك
وفي شهر ربيع الاول رسم في إخراج الكلاب من مدينة دمشق فجعلوا في الخندق من جهة باب الصغير من ناحية باب شرقي الذكور على حدة والاناث على حده وألزم أصحاب الدكاكين بذلك وشددوا في أمرهم أياما وفي ربيع الاول ولي الشيخ علاء الدين المقدسي معيد البادرانية مشيخة الصلاحية بالقدس الشريف وسافر اليها وفي جمادي الاخرة عزل قرطاي عن ولاية طرابلس ووليها طينال وأقر قرطاي على خبز الفرماني بدمشق بحكم سجن القرماني بقلعة دمشق قال البرزالي وفي يوم الاثنين عند العصر سادس عشر شعبان اعتقل الشيخ الامام العالم العلامة تقي الدين بن تيمية بقلعة دمشق حضر إليه من جهة نائب السلطنة تنكز مشدا الاوقاف وابن الخطيري أحد الحجاب بدمشق وأخبراه ان مرسوم السلطان ورد بذلك وأحضرا معهما مركوبا ليركبه وأظهر السرور والفرح بذلك وقال انا كنت منتظرا لذلك وهذا فيه خير كثير ومصلحة كبيرة وركبوا جميعا من داره إلى باب القلعة وأخليت له قاعة وأجرى إليها الماء ورسم له بالاقامة فيها وأقام معه أخوه زين الدين يخدمه باذن السلطان ورسم له ما يقوم بكفايته قال البرزالي وفي يوم الجمعة عاشر الشهر المذكور قرئ بجامع دمشق الكتاب السلطاني الوارد باعتقاله ومنعه من الفتيا وهذه الواقعة سببها فتيا وجدت بخطه في السفر وإعمال المطي إلى زيارة قبور الانبياء عليهم الصلاة والسلام وقبور الصالحين قال وفي يوم الاربعاء منتصف شعبان أمر قاضي القضاة الشافعي في حبس جماعة من أصحاب الشيخ تقي الدين في سجن الحكم وذلك بمرسوم نائب السلطنة وإذنه له فيه فيما تقتضيه الشريعة في أمرهم وعزر جماعة منهم على دواب ونودي عليهم ثم أطلقوا سوى شمس الدين محمد بن قيم الجوزية فإنه حبس بالقلعة وسكتت القضية قال وفي أول رمضان وصلت الاخبار إلى دمشق أنه أجريت عين ماء إلى مكة شرفها الله وانتفع الناس بها انتفاعا عظيما وهذه العين تعرف قديما بعين باذان أجرها جوبان من بلاد بعيدة حتى دخلت الى نفس مكة ووصلت إلى عند الصفا وباب ابراهيم واستقى الناس منها فقيرهم وغنيهم وضعيفهم وشريفهم كلهم فيها سواء وارتفق أهل مكة بذلك رفقا كثيرا ولله الحمد والمنة وكانوا قد شرعوا في حفرها وتجديدها في أوائل هذه السنة إلى العشر الاخر من جمادي الاولى واتفق ان في هذه السنة كانت الابار التي بمكة قد يبست وقل ماؤها وقل ماء زمزم أيضا فلولا ان الله تعالى طلف بالناس بإجراء هذه القناة لنزح عن مكة أهلها أو هلك كثير مما يقيم بها وأما الحجيج في أيام الموسم فحصل لهم بها رفق عظيم زائد عن الوصف كما شاهدنا ذلك في سنة إحدى وثلاثين عام حججنا وجاء كتاب السلطان إلى نائبه بمكة بإخراج الزيديين من المسجد الحرام وأن لا يكون لهم فيه إمام ولا يجتمع ففعل ذلك
وفي يوم الثلاثاء رابع شعبان درس بالشامية الجوانية شهاب الدين أحمد بن جهبل وحضر عنده القاضي القزويني الشافعي وجماعة عوضا عن الشيخ آمين الدين سالم بن أبي الدر إمام مسجد ابن هشام توفي ثم بعد أيام جاء توقيع بولاية القاضي الشافعي فباشرها في عشرين رمضان وفي عاشر شوال خرج الركب الشامي وأميره سيف الدين جوبان وحج عامئذ القاضي شمس الدين بن مسلم قاضي قضاة الحنابلة وبدر الدين ابن قاضي القضاة جلال الدين القزويني ومعه تحف وهدايا وأمور تتعلق بالأمير سيف الدين أرغون نائب مصر فإنه حج في هذه السنة ومعه اولاده وزوجته بنت السلطان وحج فخر الدين ابن شيخ السلامية وصدر الدين المالكي وفخر الدين البعلبكي وغيره
وفي يوم الاربعاء عاشر القعدة درس بالحنبلية برهان الدين أحمد بن هلال الزرعي الحنبلي بدلا عن شيخ الاسلام ابن تيمية وحضر عنده القاضي الشافعي وجماعة من الفقهاء وشق ذلك على كثير من أصحاب الشيخ تقي الدين وكان ابن الخطيري الحاجب قد دخل على الشيخ تقي الدين قبل هذا اليوم فاجتمع به وسأله عن اشياء بأمر نائب السلطنة ثم يوم الخميس دخل القاضي جمال الدين بن جملة وناصر الدين مشد الاوقاف وسألاه عن مضمون قوله في مسألة الزيارة فكتب ذلك في درج وكتب تحته قاضي الشافعية بدمشق قابلت الجواب عن هذا السؤال المكتوب على خط ابن تيمية إلى ان قال وإنما المحز جعله زيارة قبر النبي ص وقبور الانبياء صلوات الله وسلامه عليهم معصية بالاجماع مقطوعا بها فانظر الآن هذا التحريف على شيخ الاسلام فإن جوابه على هذه المسألة ليس فيه منع زيارة قبور الانبياء والصالحين وإنما فيه ذكر قولين في شد الرحل والسفر إلى مجرد زيارة القبور وزيارة القبور من غير شد رحل إليها مسألة وشد الرحل لمجرد الزيارة مسألة أخرى والشيخ لم يمنع الزيارة الخالية عن شد رحل بل يستحبها ويندب إليها وكتبه ومناسكه تشهد بذلك ولم يتعرض إلى هذه الزيارة في هذه الوجه في الفتيا ولا قال إنها معصية ولا حكى الاجماع على المنع منها ولا هو جاهل قول الرسول زوروا القبور فإنها تذكركم الاخرة والله سبحانه لا يخفى عليه شيء ولا يخفى عليه خافية وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون وفي يوم الاحد رابع القعدة فتحت المدرسة الحمصية تجاه الشامية الجوانية ودرس بها محيي الدين الطرابلسي قاضي هكار وتلقب بأبي رباح وحضر عنده القاضي الشافعي وفي ذي القعدة سافر القاضي جمال الدين الزرعي من الاتابكية إلى مصر ونزل عن تدريسها لمحيي الدين بن جهبل وفي ثاني عشر ذي الحجة درس بالنجيبية ابن قاضي الزبداني عوضا عن الدمشق نائب الحكم مات بالمدرسة المذكورة
وممن توفي فيها من الاعيان :
*3* ابن المطهر الشيعي جمال الدين
@ أبو منصور حسن بن يوسف بن مطهر الحلبي العراقي الشيعي شيخ الروافض بتلك النواحي وله التصانيف الكثيرة يقال تزيد على مائة وعشرين مجلدا وعدتها خمسة وخمسون مصنفا في الفقه والنحو والاصول والفلسفة والرفض وغير ذلك من كبار وصغار وأشهرها بين الطلبة شرح ابن الحاجب في أصول الفقه وليس بذاك الفائق ورأيت له مجلدين في أصول الفقه على طريقة المحصول والاحكام فلا بأس بها فإنها مشتملة على نقل كثير وتوجيه جيد وله كتاب منهاج الاستقامة في إثبات الامامة خبط فيه في المعقول والمنقول ولم يدر كيف يتوجه إذ خرج عن الاستقامة وقد انتدب في الرد عليه الشيخ الامام العلامة شيخ الاسلام تقي الدين أبو العباس ابن تيمية في مجلدات أتى فيها بما يبهر العقول من الأشياء المليحة الحسنة وهو كتاب حافل ولد ابن المطهر الذي لم تطهر خلائقه ولم يتطهر من دنس الرفض ليلة الجمعة سابع عشرين رمضان سنة ثمان واربعين وستمائة توفي ليلة الجمعة عشرين محرم من هذه السنة وكان اشتغاله ببغداد وغيرها من البلاد واشتغل على نصير الطوسي وعلى غيره ولما ترفض الملك خربندا حظى عنده ابن المطهر وساد جدا وأقطعه بلادا كثيرة
*3* الشمس الكاتب
@ محمد بن اسد الحراني المعروف بالنجار كان يجلس ليكتب الناس عليه بالمدرسة القليجية توفي في ربيع الآخر ودفن بباب الصغير
*3* العز حسن بن أحمد بن زفر
@ الاريلي ثم الدمشقي كان يعرف طرفا صالحا من النحو والحديث والتاريخ وكان مقيما بدويرة حمد صوفيا بها وكان حسن المجالسة أثنى عليه البرزالي في نقله وحسن معرفته مات بالمارستان الصغير في جمادي الاخرة ودفن بباب الصغير عن ثلاث وستين سنة
*3* الشيخ الامام امين الدين سالم بن أبي الدر
@ عبد الرحمن بن عبد الله الدمشقي الشافعي مدرس الشامية الجوانية أخذها من ابن الوكيل قهرا وهو إمام مسجد ابن هشام ومحدث الكرسي به كان مولده في سنة خمس واربعين وستمائة واشتغل وحصل وأثنى عليه النووي وغيره وأعاد وافتى ودرس وكان خبيرا بالمحاكمات وكان فيه مروءة وعصبية لمن يقصده توفي في شعبان ودفن بباب الصغير
*3* الشيخ حماد
@ وهو الشيخ الصالح العابد الزاهد حماد الحلبي القطان كان كثير التلاوة والصلوات مواظبا على الاقامة بجامع التوبة بالعقبية بالزاوية الغربية الشمالية يقرئ القرآن ويكثر الصيام ويتردد الناس إلى زيارته مات وقد جاوز السبعين سنة على هذا القدم توفي ليلة الاثنين عشرين شعبان ودفن بباب الصغير وكانت جنازته حافلة رحمه الله
*3* الشيخ قطب الدين اليونيني
@ وهو الشيخ الامام العالم بقية السلف قطب الدين أبو الفتح موسى ابن الشيخ الفقيه الحافظ الكبير شيخ الاسلام ابي عبد الله محمد بن أحمد بن عبد الله بن عيسى بن أحمد بن محمد البعلبكي اليونيني الحنبلي ولد سنة أربعين وستمائة بدار الفضل بدمشق وسمع الكثير وأحضره والده المشايخ واستجاز له وبحث واختصر مرآة الزمان للسبط وذيل عليها ذيلا حسنا مرتبا أفاد فيه وأجاد بعبارة حسنة سهلة بانصاف وستر وأتى فيه باشياء حسنة واشياء فائقة رائقة وكان كثير التلاوة حسن الهيئة متقللا في ملبسه ومأكله توفي ليلة الخميس ثالث عشر شوال ودفن بباب سطحا عند أخيه الشيخ شرف الدين رحمهما الله

*3* قاضي القضاة ابن مسلم
@ شمس الدين أبو عبد الله محمد بن مسلم بن مالك بن مزروع بن جعفر الصالحي الحنبلي ولد سنة ستين وستمائة ومات أبوه وكان من الصالحين سنة ثمان وستين فنشأ يتيما فقيرا لا مال له ثم اشتغل وحصل وسمع الكثير وانتصب للافادة والاشتغال فطار ذكره فلما مات التقى سليمان سنة خمس عشرة ولى قضاء الحنابلة فباشره أتم مباشرة وخرجت له تخاريج كثيرة فلما كانت هذه السنة خرج للحج فمرض في الطريق فورد المدينة النبوية على ساكنها رسول الله أفضل الصلاة والسلام يوم الاثنين الثالث والعشرين من ذي القعدة فزارقبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلى في مسجده وكان بالاشواق إلى ذلك وكان قد تمنى ذلك لما مات ابن نجيح فمات في عشية ذلك اليوم يوم الثلاثاء وصلى عليه في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالروضة ودفن بالبقيع إلى جانب قبر شرف الدين ابن نجيح الذي كان قد غبطه بموته هناك سنة حج هو وهو قبل هذه الحجة شرقي قبر عقيل رحمهم الله وولى بعده القضاء عز الدين بن التقى سليمان
*3* القاضي نجم الدين
@ احمد بن عبد المحسن بن حسن بن معالي الدمشقي الشافعي ولد سنة تسع واربعين واشتغل على تاج الدين الفزاري وحصل وبرع وولى الاعادة ثم الحكم بالقدس ثم عاد إلى دمشق فدرس بالنجيبية وناب في الحكم عن ابن صصرى مدة توفي بالنجبيبية المذكورة يوم الاحد ثامن عشرين ذي القعدة وصلى عليه العصر بالجامع ودفن بباب الصغير
*3* ابن قاضي شهبة
@ الشيخ الامام العالم شيخ الطلبة ومفيدهم كمال الدين أبو محمد عبد الوهاب بن ذؤيب الاسدي الشهبي الشافعي ولد بحوران في سنة ثلاث وخمسين وستمائة وقدم دمشق واشتغل على الشيخ تاج الدين الفزاري ولازمه وانتفع به وأعاد بحلقته وتخرج به وكذلك لازم أخاه الشيخ شرف الدين واخذ عنه النحو واللغة وكان بارعا في الفقه والنحو له حلقة يشتغل فيها تجاه محراب الحنابلة وكان يعتكف جميع شهر رمضان ولم يتزوج قط وكان حسن الهيئة والشيبة حسن العيش والملبس متقللا من الدنيا له معلوم يقوم بكفايته من إعادات وفقاهات وتصدير بالجامع ولم يدرس قط ولا أفتى مع أنه كان ممن يصلح أن ياذن في الافتاء ولكنه كان يتورع عن ذلك وقد سمع الكثير سمع المسند للإمام احمد وغير ذلك توفي بالمدرسة المجاهدية وبها كانت إقامته ليلة الثلاثاء حادي عشرين ذي الحجة وصلى عليه بعد صلاة الظهر ودفن بمقابر باب الصغير وفيها كانت وفاة
*3* الشرف يعقوب بن فارس الجعبري
@ التاجر بفرجة ابن عمود وكان يحفظ القرآن ويؤم بمسجد القصب ويصحب الشيخ تقي الدين ابن تيمية والقاضي نجم الدين الدمشقي وقد حصل أموالا وأملاكا وثروة وهو والد صاحبنا الشيخ الفقيه المفضل المحصل الزكي بدر الدين محمد خال الولد عمر إن شاء الله وفيها توفي
*3* الحاج أبو بكر بن تيمراز الصيرفي
@ كانت له أموال كثيرة ودائرة ومكارم وبر وصدقات ولكنه انكسر في آخر عمره وكاد ان ينكشف فجيره الله بالوفاة رحمه الله
*2* ثم دخلت سنة سبع وعشرين وسبعمائة
@
استهلت بيوم الجمعة والحكام الخليفة والسلطان والنواب والقضاة والمباشرون هم المذكورون في التي قبلها سوى الحنبلي كما تقدم وفي العشر من المحرم دخل مصر أرغون نائب مصر فمسك في حادي عشر وحبس ثم أطلق أياما وبعثه السلطان إلى نائب حلب فاجتاز بدمشق بكرة الجمعة ثاني عشرين المحرم فأنزله نائب السلطنة بداره المجاورة لجامعة فبات بها ثم سافر إلى حلب وقد كان قبله بيوم قد سافر من دمشق الجاي الدوادار إلى مصر وصحبته نائب حلب علاء الدين الطنبغا معزولا عنها إلى حجوبية الحجاب بمصر وفي يوم الجمعة التاسع عشر ربيع الاول قرئ تقليد قاضي الحنابلة عز الدين محمد بن التقي سليمان بن حمزة المقدسي عوضا عن ابن مسلم بمقصروة الخطابة بحضرة القضاة والاعيان وحكم وقرئ قبل ذلك بالصالحية وفي أواخر هذا الشهر وصل البريد بتولية ابن النقيب الحاكم بحمص قضاء القضاة بطرابلس ونقل الذي بها إلى حمص نائبا عن قاضي دمشق وهو ناصر بن محمود الزرعي
وفي سادس عشر ربيع الآخر عاد تنكز من مصر إلى الشام وقد حصل له تكريم من السلطان وفي ربيع الاول حصلت زلزلة بالشام وقى الله شرها وفي يوم الخميس مستهل جمادي الاولى باشر نيابة الحنبلي القاضي برهان الدين الزرعي وحضر عنده جماعة من القضاة وفي يوم الجمعة منتصف جمادي الاخرة جاء البريد بطلب القاضي القزويني الشافعي إلى مصر فدخلها في مستهل رجب فخلع عليه بقضاء قضاة مصر مع تدريس الناصرية والصالحية ودار الحديث الكاملية عوضا عن بدر الدين بن جماعة لأجل كبر سنة وضعف نفسه وضرر عينيه فجبروا خاطره فرتب له ألف درهم وعشرة ارادب قمح في الشهر مع تدريس زاوية الشافعي وأرسل ولده بدر الدين إلى دمشق خطيبا بالأموي وعلى تدريس الشامية البرانية على قاعدة والده جلال الدين القزويني في ذلك فخلع عليه في أواخر رجب ثامن عشرين وحضر عنده الأعيان
وفي رجب كان عرس الامير سيف الدين قوصون الساقي الناصري على بنت السلطان وكان وقتا مشهودا خلع على الأمراء والأكابر وفي صبيحة هذه الليلة عقد عقد الأمير شهاب الدين أحمد بن الامير بكتمر الساقي على بنت تنكز نائب الشام وكان السلطان وكيل أبيها تنكز والعقاد ابن الحريري وخلع عليه وأدخلت في ذي الحجة من هذه السنة في كلفة كثيرة
وفي رجب جرت فتنة كبيرة بالاسكندرية في سابع رجب وذلك أن رجلا من المسلمين قد تخاصم هو ورجل من الفرنج على باب البحر فضرب أحدهما الاخر بنعل فرفع الأمر إلى الوالي فأمر بغلق باب البلد بعدالعصر فقال له الناس إن لنا أموالا وعبيدا ظاهر البلد وقد أغلقت الباب قبل وقته ففتحه فخرج الناس في زحمة عظيمة فقتل منهم نحو عشرة ونهبت عمائم وثياب وغير ذلك وكان ذلك ليلة الجمعة فلما أصبح الناس ذهبوا إلى دار الوالي فأحرقوها وثلاث دور لبعض الظلمة وجرت أحوال صعبة ونهبت اموال وكسرت العامة باب سجن الوالي فخرج منه من فيه فبلغ نائب السلطنة فاعتقد النائب انه السجن الذي فيه الامراء فأمر بوضع السيف في البلد وتخريبه ثم إن الخبر بلغ السلطان فأرسل الوزير طيبغا الجمالي سريعا فضرب وصادر وضرب القاضي ونائبه وعزلهم وأهان خلقا من الاكابر وصادرهم بأموال كثيرة جدا وعزل المتولي ثم أعيد ثم تولي القضاء بهاء الدين علم الدين الاخنائي الشافعي الذي تولى دمشق فيما بعد وعزل قضاة الاسكندرية المالكي ونائباه ووضعت السلاسل في أعناقهم وأهينوا وضرب ابن السني غير مرة وفي يوم السبت عشرين شعبان وصل إلى دمشق قاضي قضاة حلب ابن الزملكاني على البريد فأقام بدمشق أربعة أيام ثم سار إلى مصر ليتولى قضاء قضاة الشام بحضرة السلطان فاتفق موته قبل وصوله إلى القاهرة وحيل بينهم وبين ما يشتهون كما فعل بأشياعهم من قبل إنهم كانوا في شك منه مريب وفي يوم الجمعة سادس عشرين شعبان باشر صدر الدين المالكي مشيخة الشيوخ مضافا إلى قضاء قضاة الماللكية وحضر الناس عنده وقرئ تقليده بذلك بعد انفصال الزرعي عنها إلى مصر وفي نصف رمضان وصل قاضي الحنفية بدمشق لقضاء القضاة عماد الدين أبي الحسن علي بن احمد بن عبد الواحدالطرسوسي الذي كان نائبا لقاضي القضاة صدر الدين علي البصروي فخلفه بعده بالمنصب وقرئ تقليده بالجامع وخلع عليه وباشر الحكم واستناب القضاي عماد الدين ابن العز ودرس بالنورية مع القضاء وشكرت سيرته
وفي رمضان قدم جماعة من الاسارى مع تجار الفرنج فأنزلوا بالمدرسة العادلية الكبيرة واستفكوا من ديوان الاسرى بنحو من ستين ألفا وكثرت الادعية لمن كان السبب في ذلك وفي ثامن شوال خرج الركب الشامي إلى الحجاز وأميره سيف الدين بالبان المحمدي وقاضيه بدر الدين محمد بن محمد قاضي حران وفي شوال وصل تقليد قضاء الشافعية بدمشق لبدر الدين ابن قاضي القضاة ابن عز الدين بن الصائغ والخلعة معه فامتنع من ذلك اشد الامتناع وصمم وألح عليه الدولة فلم يقبل وكثر بكاؤه وتغير مزاجه واغتاظ فلما أصر على ذلك راجع تنكز السلطان في ذلك فلما كان شهر ذي القعدة أشتهر تولية علاء الدين علي بن إسماعيل القونوي قضاء الشام فسار إليها من مصر وزار القدس ودخل دمشق يوم الاثنين سابع عشرين ذي القعدة فاجتمع بنائب السلطنة ولبس الخلعة وركب مع الحجاب والدولة إلى العادلية فقرئ تقليده بها وحكم بها على العادة وفرح الناس به وبحسن سمته وطيب لفظه وملاحة شمائله وتودده وولى بعده مشيخة الشيوخ بمصر مجد الدين الاقصرائي الصوفي شيخ سرياقوس
وفي يوم السبت ثالث عشرين ذي القعدة لبس القاضي محي الدين بن فضل الله الخلعة بكتابة السر عوضا عن ابن الشهاب محمود واستمر ولده شرف الدين في كتابة الدست وفي هذه السنة تولى قضاء حلب عوضا عن ابن الزملكاني القاضي فخر الدين البازري وفي العشر الاول من ذي الحجة كمل ترخيم الجامع الاموي اعني حائطه الشمالي وجاء تنكز حتى نظر إليه فأعجبه ذلك وشكر ناظره تقي الدين بن مراجل وفي يوم الاضحى جاء سيل عظيم إلى مدينة بلبيس فهرب أهلها منها وتعطلت الصلاة والاضاحي فيها ولم ير مثله من مدة سنين متطاولة وخرب شيئا كثيرا من حواضرها وبساتينها فإنا الله وإنا إليه راجعون وممن توفي فيها من الاعيان :
*3* الامير ابو يحيى
@ زكريا بن أحمد بن محمد بن عبدالواحد أبي حفص الهنتاني الجياني المغربي أمير بلاد المغرب
ولد بتونس قيل سنة خمسين وستمائة وقرأ الفقه والعربية وكان ملوك تونس تعظمه وتكرمه لأنه من بيت الملك والامرة والوزارة ثم بايعه أهل تونس على الملك في سنة إحدى عشرة وسبعمائه وكان شجاعا مقداما وهو أول من أبطل ذكر ابن التومرت من الخطبة مع ان جده ابا حفص الهنتاني كان من أخص أصحاب ابن التومرت توفي في المحرم من هذه السنة بمدينة الاسكندرية رحمه الله
*3* الشيخ الصالح ضياء الدين
@ ضياء الدين أبو الفدا إسماعيل بن رضي الدين أبي الفضل المسلم بن الحسن بن نصر الدمشقي المعروف بابن الحموي كان هو وابوه وجده من الكتاب المشهورين المشكورين وكان هو كثير التلاوة والصلاة والصيام والبر والصدقة والاحسان إلى الفقراء والاغنياء ولد سنة خمس وثلاثين وستمائة وسمع الحديث الكثير وخرج له البرزالي مشيخة سمعناها عليه وكان من صدور أهل دمشق توفي يوم الجمعة رابع عشر صفر وصلى عليه ضحوة يوم السبت ودفن بباب الصغير وحج وجاور وأقام بالقدس مدة مات وله ثنتان وسبعون سنة رحمه الله وقد ذكر والده أنه حين ولد له فتح المصحف يتفاءل فإذا قوله الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق فسماه إسماعيل ثم ولد له آخر فسماه إسحاق وهذا من الاتفاق الحسن رحمهم الله تعالى
*3* الشيخ علي المحارفي
@ علي بن أحمد بن هوس الهلالي أصل جده من قرية إيل البسوق وأقام والده بالقدس وحج هو مرة وجاور بمكة سنة ثم حج وكان رجلا صالحا مشهورا ويعرف بالمحارفي لأنه كان يحرف الازقة ويصلح الرصفان لله تعالى وكان يكثر التهليل والذكر جهرة وكان عليه هيبة ووقار ويتكلم كلاما فيه تخويف وتحذير من النار وعواقب الردى وكان ملازما لمجالس ابن تيمية وكانت وفاته يوم الثلاثاء ثالث عشرين ربيع الاول ودفن بتربة الشيخ موفق الدين بالسفح وكانت جنازته حافلة جدا رحمه الله
*3* الملك الكامل ناصر الدين
@ أبو المعالي محمد بن الملك السعيد فتح الدين عبدالملك بن السلطان الملك الصالح إسماعيل أبي الجيش ابن الملك العادل أبي بكر بن أيوب أحد أكابر الامرء وأبناء الملوك كان من محاسن البلد ذكاء وفطنة وحسن عشرة ولطافة كلام بحيث يسرد كثيرا من الكلام بمنزلة الامثال من قوة ذهنه وحذاقة فهمه وكان رئيسا من أجواد الناس توفي عشية الاربعاء عشرين جمادي الاولى وصلى عليه ظهر الخيمس بصحن الجامع تحت النسر ثم أرادوا دفنه عند جده لأمه الملك الكامل فلم يتيسر ذلك فدفن بتربة أم الصالح سامحه الله وكان له سماع كثير سمعنا عليه منه وكان يحفظ تاريخا جيدأن
وقام ولده الأمير صلاح الدين مكانه في إمرة الطبلخانة وجعل أخوه في عشرته ولبسا الخلع السلطانية بذلك
*3* الشيخ الامام نجم الدين
@ احمد بن محمد بن أبي الحزم القرشي المخزومي التمولي كان من أعيان الشافعية وشرح الوسيط وشرح الحاجبية في مجلدين ودرس وحكم بمصر وكان محتسبا بها أيضا وكان مشكور السيرة فيها وقد تولى بعده الحكم نجم الدين بن عقيل والحسبة ناصر الدين بن قار السبقوق توفي في رجب وقد جاوز الثمانين ودفن بالقرافة رحمه الله
*3* الشيخ الصالح أبو القاسم
@ عبد الرحمن بن موسى بن خلف الحزامي أحد مشاهير الصالحين بمصر توفي بالروضة وحمل إلى شاطيء النيل وصلى عليه وحمل على الرؤس والأصابع ودفن عند ابن أبي حمزة وقد قارب الثمانين وكان ممن يقصد إلى الزيارة رحمه الله
*3* القاضي عز الدين
@ عبد العزيز بن احمد بن عثمان بن عيسى بن عمر بن الخضر الهكاري الشافعي قاضي المحلة كان من خيار القضاة وله تصنيف على حديث المجامع في رمضان يقال إنه استنبط فيه ألف حكم توفي في رمضان وقد كان حصل كتبا جيدة منها التهذيب لشيخنا المزي
*3* الشيخ كمال الدين بن الزملكاني
@ شيخ الشافعية باشام وغيرها انتهت إليه رياسة المذهب تدريسا وإفتاء ومناظرة ويقال في نسبة السماكي نسبة إلى أبي دجانة سماك بن خرشة والله اعلم ولد ليلة الاثنين ثامن شوال سنة ست وستين وستمائة وسمع الكثير واشتغل على الشيخ تاج الدين الفزاري وفي الاصول على القاضي بهاء الدين بن الزكي وفي النحو على بدر الدين بن ملك وغيرهم وبرع وحصل وساد اقرانه من أهل مذهبه وحاز قصب السبق عليهم بذهنه الوقاد في تحصيل العلم الذي أسهره ومنعه الرقاد وعبارته التي هي أشهى من كل شيء معتاد وخطه الذي هو أنضر من أزاهير الوهاد وقد درس بعدة مدارس بدمشق وباشر عدة جهات كبار كنظر الخزانة ونظر المارستان النوري وديوان الملك السعيد ووكالة بيت المال وله تعاليق مفيدة واختيارات حميدة سديدة ومناظرات سعيدة ومما علقه قطعة كبيرة من شرح المنهاج للنووي ومجلد في الرد على الشيخ تقي الدين ابن تيمية في مسألة الطلاق وغير ذلك وأما دروسه في المحافل فلم أسمع أحدا من الناس درس أحسن منها ولا أحلى من عبارته وحسن تقريره وجودة احترازاته وصحة ذهنه وقوة قريحته وحسن نظمه وقد

درس بالشامية البرانية والعذراوية والظاهرية الجوانية والرواحية والمسرورية فكان يعطي كل واحدة منهن حقها بحيث كان يكاد ينسخ بكل واحد من تلك الدروس ما قبله من حسنه وفصاحته ولا يهيله تعداد الدروس وكثرة لفقهاء والفضلاء بل كلما كان الجمع أكثر والفضلاء أكبر كان الدرس أنضر وابهر وأحلى وأنصح وأفصح ثم لما انتقل إلى قضاء حلب وما معه من المدارس العديدة عامله معاملة مثلها وأوسع بالفضيلة جميع أهلها وسمعوا من العلوم ما لم يسمعوا هم ولا آباؤهم ثم طلب إلى الديار المصرية ليولي الشامية دار السنة النبوية فعاجلته المنية قبل وصوله إليها فمرض وهو سائر على البريد تسعة أيام ثم عقب المرض بحراق الحمام فقبضه هاذم اللذات وحال بينه وبين سائر الشهوات ولاارادات والاعمال بالنيات ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجا فهجرته إلى ما هاجر إليه وكان من نيته الخبيثة إذا رجع إلى الشام متوليا أن يؤذي شيخ الاسلام ابن تيمية فدعا عليه فلم يبلغ أمله ومراده فتوفي في سحر يوم الاربعاء سادس عشر شهر رمضان بمدينة بلبيس وحمل إلى القاهرة ودفن بالقرافة ليلة الخميس جوار قبة الشافعي تغمدهما الله برحمته
*3* الحاج علي المؤذن المشهور بالجامع الأموي
@ الحاج علي بن فرج بن أبي الفضل الكتاني كان أبوه من خيار المؤذنين فيه صلاح ودين وله قبول عند الناس وكان حسن الصوت جهوره وفيه تودد وخدم وكرم وحج غير مرة وسمع من أبي عمر وغيره توفي ليلة الاربعاء ثالث القعدة وصلى عليه غدوة ودفن بباب الصغيرة وفي ذي القعدة توفي
*3* الشيخ فضل ابن الشيخ الرجيحي التونسي
@ وأجلس أخوه يوسف مكانه بالزاوية
*2* ثم دخلت سنة ثمان وعشرين وسبعمائة
@
في ذي القعدة منها كانت وفاة شيخ الاسلام أبي العباس أحمد بن تيمية قدس الله روحه كما ستأتي ترجمة وفاته في الوفيات إن شاء الله تعالى
استهلت هذه السنة وحكام البلاد هم المذكورون في التي قبلها سوى نائب مصر وقاضي حلب وفي يوم الاربعاء ثاني المحرم درس بحلقه صاحب حمص الشيخ الحافظ صلاح الدين العلائي نزل له عنها شيخنا الحافظ المزي وحضر عنده الفقهاء والقضاة والاعيان وذكر درسا حسنا مفيدا وفي يوم الجمعة رابع المحرم حضر قاضي القضاة علاء الدين القونوي مشيخة الشيوخ بالسمساطية عوضا عن القاضي المالكي شرف الدين وحضر عنده الفقهاء والصوفية على العادة وفي يوم الاحد ثامن عشر صفر درس بالمسرورية تقي الدين عبد الرحمن بن الشيخ كمال الدين بن الزملكاني عوضا عن جمال الدين بن الشريشني بحكم انتقاله إلى قضاء حمص وحضر الناس عنده وترحموا على والده
وفي يوم الاحد خامس عشرين صفر وصل إلى دمشق الامير الكبير صاحب بلاد الروم تمرتاش ابن جوبان قاصدا إلى مصر فخرج نائب السلطنة والجيش إلى تلقيه وهو شاب حسن الصورة تام الشكل مليح الوجه ولما انتهى إلى السلطان بمصر أكرمه وأعطاه تقدمة ألف وفرق أصحابه على الامراء وأكرموا إكراما زائدا وكان سبب قدومه إلى مصر أن صاحب العراق الملك أبا سعيد كان قد قتل أخاه جواجا رمشتق في شوال من السنة الماضية فهم والده جوبان بمحاربة السلطان أبي سعيد فلم يتمكن من ذلك وكان جوبان إذ ذاك مدبر الممالك فخاف تمرتاش هذا عند ذلك من السلطان ففر هاربا بدمه إلى السلطان الناصر بمصر
وفي ربيع الاول توجه نائب الشام سيف الدين تنكز إلى الديار المصرية لزيارة السلطان فأكرمه واحترمه واشترى في هذه السفرة دار الفلوس التي بالقرب من البزوريين والجوزية وهي شرقيها وقد كان سوق البزورية اليوم يسمى سوق القمح فاشترى هذه الدار وعمرها دارا هائلة ليس بدمشق دار أحسن منها وسماها دار الذهب وهدم حمام سويد تلقاءها وجعله دار قرآن وحديث في غاية الحسن أيضا ووقف عليها أماكن ورتب فيه المشايخ والطلبة كما سيأتي تفصيلة في موضعه وأجتاز برجوعه من مصر بالقدس الشريف وزاره وأمر ببناء حمام به وبناء دار حديث أيضا به وخانقاه كما يأتي بيانه وفي آخر ربيع الاول وصلت القناة إلى القدس التي أمر بعمارتها وتجديدها سيف الدين تنكز قطلبك فقام بعمارتها مع ولاة تلك النواحي وفرح المسلمون بها ودخلت حتى إلى شط المسجد الاقصى وعمل به بركة هائلة وهي مرخمة ما بين الصخرة والاقصى وكان ابتداء عملها من شوال من السنة الماضية وفي هذه المدة عمر سقوف شرافات المسجد الحرام وإيوانه وعمرت بمكة طهارة ما يلي باب بني شيبة
قال البرزالي وفي هذا الشهر كملت عمارة الحمام الذي بسوق باب توما وله بابان وفي ربيع الاخر نقض الترخيم الذي يحائط جامع دمشق القبلي من جهة الغرب مما يلي باب الزيادة فوجدوا الحائط متجافيا فخيف من أمره وحضر تنكز بنفسه ومعه العصاة وأرباب الخبرة فاتفق رأيهم على نقضه وإصلاحه وذلك يوم الجمعة بعد الصلاة سابع عشرين ربيع الاخر وكتب نائب السلطنة إلى السلطان يعلمه بذلك ويستأذنه في عمارته فجاء المرسوم بالاذن بذلك فشرع في نقضه يوم الجمعة خامس عشرين جمادي الاولى وشرعوا في عمارته يوم الاحد تاسع جمادي الاخرة وعمل محراب فيما بين الزيادة ومقصورة الخطابة يضاهي محراب الصحابة ثم جدوا ولازموا في عمارته وتبرع كثير من الناس بالعمل فيه من سائر الناس فكان يعمل فيه كل يوم أزيد من مائة رجل حتى كملت عمارة الجدار واعيدت طاقاته وسقوفه في العشرين من رجب وذلك بهمة تقي الدين بن مراجل
وهذا من العجب فإنه نقض الجدار وما يسامته من السقف وأعيد في مدة لا يتخيل إلى أحد ان عمله يفرغ فيما يقارب هذه المدة جزما وساعدهم على سرعة الاعادة حجارة وجدوها في أساس الصومعة الغربية التي عند الغزالية وقد كان في كل زاوية من هذا المعبد صومعة كما في الغربية والشرقية القبلتين منه فابيدت الشماليتين قديما ولم يبق منهما من مدة ألوف من السنين سوى اس هذه المأذنة الغربية الشمالية فكانت من اكبر العون على إعادة هذا الجدار سريعا ومن العجب أن ناظر الجامع ابن مراجل لم ينقص أحدا من ارباب المرتبات على الجامع شيئا مع هذه العمارة
وفي ليلة السبت خامس جمادي الاولى وقع حريق عظيم بالقرايين واتصل بالرماحين واحترقت القيسارية والمسجد الذي هناك وهلك للناس شيء كثير من الفرا والجوخ والاقمشة فإنا لله وإنا إليه راجعون
وفي يوم الجمعة عاشره بعد الصلاة صلى على القاضي شمس الدين بن الحريري قاضي قضاة الحنفية بمصر وصلى عليه صلاة الغائب بدمشق وفي هذا اليوم قدم البريد بطلب برهان الدين بن عبد الحق الحنفي إلى مصر ليلى القضاء بها بعد ابن الحريري فخرج مسافرا إليها ودخل مصرفي خامس عشرين جمادي الاولى واجتمع بالسلطان فولاه القضاء وأكرمه وخلع عليه واعطاه بغلة يزناري وحكم بالمدرسة الصالحية بحضرة القضاة والحجاب ورسم له بجميع جهات ابن الحريري
وفي يوم الاثنين تاسع جمادي الاخرة اخرج ما كان عند الشيخ تقي الدين بن تيمية من الكتب والاوراق والدواة والقلم ومنع من الكتب والمطالعة وحملت كتبه في مستهل رجب إلى خزانة الكتب بالعادلية الكبيرة قال البرزالي وكانت نحو ستين مجلدا وأربع عشرة ربطة كراريس فنظر القضاة والفقهاء فيها وتفرقوها بينهم وكان سبب ذلك انه اجاب لما كان رد عليه التفي ابن الاخنائي المالكي في مسألة الزيارة فرد عليه الشيخ تقي الدين واستجلهه وأعلمه أنه قليل البضاعة في العلم فطلع الاخنائي إلى السلطان وشكاه فرسم السلطان عند ذلك باخراج ما عنده من ذلك وكان ما كان كما ذكرنا وفي أواخره رسم لعلاء الدين بن القلانسي في الدست مكان أخيه جمال الدين توقيرا لخاطره عن المباشرة وان يكون معلومة على قضاء العساكر والوكالة وخلع عليهما بذلك
وفي يوم الثلاثاء ثالث عشرين رجب رسم للأئمة الثلاثة الحنفي والمالكي والحنبلي بالصلاة في الحائط القبلي من الاموي فعين المحراب الجديد الذي بين الزيادة والمقصورة للامام الحنفي وعين محراب الصحابة للمالكي وعين محراب مقصورة الخضر الذي كان يصلي فيه المالكي للحنبلي وعوض إمام محراب الصحابة بالكلاسة وكان قبل ذلك في حال العمارة قد بلغ محراب الحنفية من المقصورة المعروفة بهم ومحراب الحنابلة من خلفهم في الرواق الثالث الغربي وكانا بين الاعمدة فنقلت تلك المحاريب وعوضوا بالمحاريب المستقرة بالحائط القبلي واستقر الامر كذلك وفي العشرين من شعبان مسك الامير تمرتاش بن جوبان الذي اتى هاربا إلى السلطان الناصر بمصر وجماعة من أصحابه وحبسوا بقلعة مصر فلما كان ثاني شوال أظهر موته يقال إنه قتله السلطان وأرسل رأسه إلى أبي سعيد صاحب العراق ابن خربندا ملك التتار
وفي يوم الاثنين ثاني شوال خرج الركب الشامي وأميره فخر الدين عثمان بن شمس الدين لؤلؤ الحلبي أحد أمراء دمشق وقاضيه قاضي قضاة الحنابلة عز الدين بن التقي سليمان وممن حج الأمير حسام الدين الشبمقدار والأمير قبجق والأمير حسام الدين بن النجيبي وتقي الدين بن السلعوس وبدر الدين بن الصائغ وابنا جهبل والفخر المصري والشيخ علم الدين البرزالي وشهاب الدين الطاهري وقبل ذلك بيوم حكم القضاي المنفلوطي الذي كان حاكما ببعلبك بدمشق نيابة عن شيخه قاضي القضاة علاء الدين القونوي وكان مشكور السيرة تألم أهل بعلبك لفقده فحكم بدمشق عوضا عن القونوي بسبب عزمه على الحج ثم لما رجع الفخر من الحج عاد إلى الحكم واستمر المنفلوطي يحكم ايضا فصاروا ثلاث نواب ابن جملة والفخر المصري والمنفلوطي وسافر ابن الحشيشي في ثاني عشرين شوال إلى القاهرة لينوب عن القاضي فخر الدين كاتب المماليك إلى حين رجوعه من الحجاز فلما وصل ولى حجابة ديوان الجيش واستمر هناك واستقل قطب الدين ابن شيخ السلامية بنظر الجيش بدمشق على عادته
وفي شوال خلع على أمين الملك بالديار المصرية وولى نظر الدواوين فباشره شهرا ويومين وعزل عنه
*3* وفاة شيخ الاسلام أبي العباس تقي الدين أحمد بن تيمية
@ قال الشيخ علم الدين البرزالي في تاريخ وفي ليلة الاثنين العشرين من ذي العقدة توفي الشيخ الامام العالم العلم العلامة الفقيه الحافظ الزاهد العابد المجاهد القدوة شيخ الاسلام تقي الدين أبو العباس أحمد بن شيخنا الامام العلامة المفتي شهاب الدين ابي المحاسن عبدالحليم ابن الشيخ الامام شيخ الاسلام ابي البركات عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم محمد بن الخضر بن محمد ابن الخضر بن علي بن عبد الله بن تيمية الحراني ثم الدمشقي بقلعة دمشق بالقاعة التي كان محبوسا بها وحضر جمع كثير إلى القلعة وأذن لهم في الدخول عليه وجلس جماعة عنده قبل الغسل وقرؤا القرآن وتبركوا برؤيته وتقبيله ثم انصرفوا ثم حضر جماعة من النساء ففعلن مثل ذلك ثم انصرفن واقتصروا على من يغسله فلما فرغ من غسله اخرج ثم اجتمع الخلق بالقلعة والطريق إلى الجامع وامتلأ الجامع أيضا ! وصحته والكلاسة وباب البريد وباب الساعات إلى باب اللبادين والغوارة وحضرت الجنازة في الساعة الرابعة من النهار أو نحو ذلك ووضعت في الجامع والجند قد احتاطوا بها يحفظونها من الناس من شدة الزحام وصلى عليه أولا بالقلعة تقدم في الصلاة عليه أولا الشيخ محمد بن تمام ثم صلى عليه بالجامع الاموي عقيب صلاة الظهر وقد تضاعف اجتماع الناس على ما تقدم ذكره ثم تزياد الجمع إلى أن ضاقت الرحاب والازقة والاسواق بأهلها ومن فيها ثم حمل بعد ان صلى عليه على الرؤس والاصابع وخرج النعش به من باب البريد واشتد الزحام وعلت الاصوات بالبكاء والنحيب والترحم عليه والثناء والدعاء له والقى الناس على نعشه مناديلهم وعمائهم وثايبهم وذهبت النعال من أرجل الناس وقباقيبهم ومناديل وعمائم لا يلتفتون إليها لشغلهم بالنظر إلى الجنازة وصار النعش على الرؤس تارة يتقدم وتارة يتأخر وتارة يقف حتى تمر الناس وخرج الناس من الجامع من أبوابه كلها وهي شديدة الزحام كل باب أشد زحمة من الاخر ثم خرج الناس من ابواب البلد جميعها من شدة الزحام فيها لكن كان معظم الزحام من الابواب الاربعة باب الفرج الذي أخرجت منه الجنازة وباب الفراديس وباب النصر وباب الجابية وعظم الأمر بسوق الخيل وتضاعف الخلق وكثر الناس ووضعت الجنازة هناك وتقدم للصلاة عليه هناك أخوه زين الدين عبد الرحمن فلما قضيت الصلاة حمل إلى مقبرة الصوفية فدفن إلى جانب أخيه شرف الدين عبد الله رحمهما الله وكان دفنه قبل العصر بيسير وذلك من كثرة من يأتي ويصلي عليه من أهل البساتين وأهل الغوطة وأهل القرى وغيرهم وأغلق الناس حوانيتهم ولم يتخلف عن الحضور إلا من هو عاجز عن الحضور مع الترحم والدعاء له وأنه لو قدر ما تخلف وحضر نساء كثيرات بحيث حزرن بخمسة عشر ألف امرأة غير اللاتي كن على الاسطحة وغيرهن الجميع يترحمن ويبكين عليه فيما قيل وأما الرجال فحزروا بستين ألفا إلى مائة ألف إلى أكثر من ذلك إلى مائتي ألف وشرب جماعة الماء الذي فضل من غسله واقتسم جماعة بقية السدر الذي غسل به ودفع في الخيط الذي كان فيه الزئبق الذي كان في عنقه بسبب القمل مائة وخمسون درهما وقيل إن الطاقية التي كانت على رأسه دفع فيها خمسمائة درهما وحصل في الجنازة ضجيج وبكاء كثير وتضرع وختمت له ختمات كثيرة بالصالحية وبالبلد وتردد الناس إلى قبره أياما كثيرة ليلا ونهارا يبيتون عنده ويصبحون ورؤيت له منامات صالحة كثيرة ورثاه جماعة بقصائد جمة
وكان مولده يوم الأثنين عاشر ربيع الاول بحران سنة إحدى وستين وستمائة وقدم مع والده واهله إلى دمشق وهو صغير فسمع الحديث من ابن عبدالدائم وابن ابي اليسر وابن عبدان والشيخ شمس بن الحنبلي والشيخ شمس الدين بن عطاء الحنفي والشيخ جمال الدين بن الصيرفي ومجد الدين ابن عساكر والشيخ جمال الدين البغدادي والنجيب بن المقداد وابن ابي الخير وابن علان وابن ابي بكر اليهودي والكمال عبدالرحيم والفخر علي وابن شيبان والشرف بن القواس وزينب بنت مكي وخلق كثير سمع منهم الحديث وقرأ بنفسه الكثير وطلب الحديث وكتب الطباق والاثبات ولازم السماع بنفسه مدة سنين وقل أن سمع شيئا إلا حفظه ثم اشتغل بالعلوم وكان ذكيا كثير المحفوظ فصار إماما في التفسير وما يتعلق به عارفا بالفقه فيقال إنه كان أعرف بفقه المذاهب من أهلها الذين كانوا في زمانه وغيره وكان عالما باختلاف العلماء عالما في الاصول والفروع والنحو واللغة وغير ذلك من العلوم النقلية والعقلية وما قطع في مجلس ولا تكلم معه فاضل في فن من الفنون إلا ظن أن ذلك الفن فنه ورآه عارفا به متقنا له وأما الحديث فكان جامل رايته حافظا له مميزا بين صحيحه وسقيه عارفا برجاله متضلعا من ذلك وله تصانيف كثيرة وتعاليق مفيدة في الاصول والفروع كمل منها جملة وبيضت وكتبت عنه وقرئت عليه أو بعضها وجملة كبيرة لم يكلمها وجملة كملها ولم تبيض إلى الان وأثنى عليه وعلى علومه وفضائله جماعة من علماء عصره مثل القاضي الخوبي وابن دقيق العيد وابن النحاس والقاضي الحنفي قاضي قضاة مصر ابن الحريري وابن الزملكاني وغيرهم ووجدت بخط ابن الزملكاني انه قال اجتمعت فيه شروط الاجتهاد على وجهها وان له اليد الطولي في حسن التصنيف وجودة العبارة والترتيب والتقسيم والتدين وكتب على تصنيف له هذه الابيات
ماذا يقول الواصفون له * وصفاته جلت عن الحصر
هو حجة لله قاهرة * هو بيننا أعجوبة الدهر
هو آية في الخلق ظاهرة * أنوارها اربت على الفجر


التوقيع :


اللهم صل على سيدنا محمد عبدك ونبيك ورسولك
النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم تسليما عدد مااحاط به علمك
وخط به قلمك واحصاه كتابك
وارض اللهم عن سادتنا ابي بكر وعمر وعثمان وعلي
وعن الصحابة أجمعين وعن التابعين وتابعيهم بإحسان الى يوم الدين





رد مع اقتباس
قديم 09-01-2006, 10:51 PM   رقم المشاركة : 11
الكاتب

أفاق : الاداره

مراقب

مراقب

أفاق : الاداره غير متواجد حالياً


الملف الشخصي









أفاق : الاداره غير متواجد حالياً


مشاركة: البداية والنهاية الجزء الرابع عشر

وفي ثاني عشر رمضان عزل أمين الملك عن وزارة مصر واضيفت الوزارة إلى الامير علاء الدين مغلطاي الجمالي استاذ دار السلطان وفي أواخر رمضان طلب الصاحب شمس الدين غبريال إلى القاهرة فولى بها نظر الدواوين عوضا عن كريم الدين الصغير وقدم كريم الدين المذكور إلى دمشق في شوال فنزل بدار العدل من القصاعين وولى سيف الدين قد يدار ولاية مصر وهو شهم سفاك للدماء فأراق الخمور وأحرق الحشيشة وأمسك الشطار واستقامت به أحوال القاهرة ومصر وكان هذا الرجل ملازما لابن تيمية مدة مقامه بمصر
وفي رمضان قدم إلىمصر الشيخ نجم الدين عبد الرحيم بن الشحام الموصلي من بلاد السلطان ازبك وعنده فنون من علم الطب وغيره ومعه كتاب بالوصية به فأعطى تدريس الظاهرية البرانية نزل له عنها جمال الدين بن القلانسي فباشرها في مستهل ذي الحجة ثم درس بالجاروضية ثم خرج الركب في تاسع شوال واميره كوكنجبار المحمدي وقاضيه شهاب الدين الظاهري وممن خرج إلى الحج برهان الدين الفزاري وشهاب الدين قرطاي الناصري نائب طرابلس وصاروحا وشهري وغيرهم وفي نصف شوال زاد السلطان في عدة الفقهاء بمدرسته الناصرية كان فيها من كل مذهب ثلاثون ثلاثون فزادهم إلى أربعة وخمسين من كل مذهب وزادهم في الجوامك أيضا وفي الثالث والعشرين منه وجد كريم الدين الكبير وكيل السلطان قد شنق نفسه داخل خزانة له قد أغلقها عليه من داخل ربط حلقه في حبل كان تحت رجليه قفص فدفع القفص برجليه فمات في مدينة أسوان وستأتي ترجمته

وفي جمادي الاولى عزل طرقشي عن شد الدواوين وتولاها الامير بكتمر وفي ثاني جمادي الاخرة باشر ابن جهبل نيابة الحكم عن الزرعي وكان قد باشر قبلها بأيام نظر الايتام عوضا عن ابن هلال وفي شعبان اعيدا الطرقشي الى الشد وسافر بكتمر الى نيابة الاسكندرية وكان بها الى أن توفي وفي رمضان قدم جماعة من حجج الشرق وفيهم بنت الملك أبغابن هولاكو وأخت ارغون وعمة قازان وخربندا فأكرمت وأنزلت بالقصر الابلق وأجريت عليها الاقامات والنفقات
وفي جمادي الاولى عزل طرقشي عن شد الدواوين وتولاها الامير بكتمر وفي ثاني جمادي الاخرة باشر ابن جهبل نيابة الحكم عن الزرعي وكان قد باشر قبلها بأيام نظر الايتام عوضا عن ابن هلال وفي شعبان اعيدا الطرقشي الى الشد وسافر بكتمر الى نيابة الاسكندرية وكان بها الى أن توفي وفي رمضان قدم جماعة من حجج الشرق وفيهم بنت الملك أبغابن هولاكو وأخت ارغون وعمة قازان وخربندا فأكرمت وأنزلت بالقصر الابلق وأجريت عليها الاقامات والنفقات
وفي سابع عشر ذي القعدة زينت دمشق بسبب عافية السلطان من مرض كان قد اشفى منه على الموت وفي ذي القعدة درس جمال الدين بن القلانسي بالظاهرية الجوانية عوضا عن ابن الزملكاني سافر على قضاء حلب وحضر عنده القاضي القزويني وجاء كتاب صادق من بغداد إلى المولى شمس بن حسان يذكر فيه أن الامير جوبان أعطى الامير محمد حسيناه قدحا فيه خمر ليشربه فامتنع من ذلك اشد الامتناع فالح عليه واقسم فأبى أشد الاباء فقال له إن لم تشربها وإلا كلفتك ان تحمل ثلاثين تومانا فقال نعم احمل ولا أشربها فكتب عليه حجة بذلك وخرج من عنده إلى أمير آخر يقال له بكتى فاستقرض من ذلك المال ثلاثين تومانا فأبى أن يقرضه إلا بربح عشرة توامين فاتفقا على ذلك فبعث بكتى الى جوبان يقول له المال الذي طلبته من حسيناه عندي فإن رسمت حملته إلى الخزانة الشريفة وإن رسمت تفرقه على الجيش فأرسل جوبان إلى محمد حسيناه فأحضره عنده فقال له تزن أربعين تومانا ولا تشرب قدحا من خمر قال نعم فأعجبه ذلك منه ومزق الحجة المكتوبة عليه وحظى عنده وحكمه في أموره كلها وولاه ولايات كتابه وحصل لجوبان إقلاع ورجوع عن كثير مما كان يتعاطاه رحم الله حسيناه
وفي هذه السنة كانت فتنة بأصبهان قتل بسببها ألوف من أهلها واستمرت الحرب بينهم شهورا وفيها كان غلاء مفرط بدمشق بلغت الغرارة مائتين وعشرين وقلت الاقوات ولولا ان الله اقام للناس من يحمل لهم الغلة من مصر لاشتد الغلاء وزاد أضعاف ذلك فكان مات أكثر الناس واستمر ذلك مدة شهور من هذه السنة وإلى أثناء سنة خمس وعشرين حتى قدمت الغلات ورخصت الاسعار ولله الحمد والمنة وممن توفي فيها من الاعيان توفي في مستهل المحرم
*3* بدر الدين بن ممدوح بن أحمد الحنفي
@
قاضي قلعة الروم بالحجاز الشريف وقد كان عبدا صالحا حج مرات عديدة وربما أحرم من قلعة الروم أو حرم بيت المقدس وصلى عليه بدمشق صلاة الغائب وعلى شرف الدين بن العز وعلى شرف الدين بن نجيح توفوا في أقل من نصف شهر كلهم بطريق الحجاز بعد فراغهم من الحج وذلك أنهم غبطوا ابن نجيح صاحب الشيخ تقي الدين ابن تيمية بتلك الموتة كما تقدم فرزقوها فماتوا عقيب عملهم الصالح بعد الحج
*3* الحجة الكبيرة خوندا بنت مكية
@ زوجة الملك الناصر وقد كانت زوجة أخيه الملك الاشرف ثم هجرها الناصر وأخرجها من القلعة وكانت جنازتها حافلة ودفنت بتربتها التي أنشأتها
*3* الشيخ محمد بن جعفر بن فرعوش
@ ويقال له اللباد ويعرف بالمؤله كان يقرئ الناس بالجامع نحوا من اربعين سنة وقد قرأت عليه شيئا من القراءات وكان يعلم الصغار عقد الراء والحروف والمتفنة كالراء ونحوها وكان متقللا من الدنيا لا يقتني شيئا وليس له بيت ولا خزانة إما كان يأكل في السوق وينام في الجامع توفي في مستهل صفر وقد جاوز السبعين ودفن في باب الفراديس رحمه الله وفي هذا اليوم توفي بمصر
*3* الشيخ أيوب السعودي
@ وقد قارب المائة أدرك الشيخ أبا السعود وكانت جنازته مشهودة ودفن بتربة شيخه بالقرافة وكتب عنه قاضي القضاة تقي الدين السبكي في حياته وذكر الشيخ أبو بكر الرحبي انه لم ير مثل جنازته بالقاهرة منذ سكنها رحمه الله
*3* الشيخ الامام الزاهد نور الدين
@ ابو الحسن علي بن يعقوب بن جبريل البكري المصري الشافعي له تصانيف وقرأ مسند الشافعي علي وزيرة بنت المنجا ثم إنه أقام بمصر وقد كان في جملة من ينكر على شيخ الاسلام ابن تيمية أراد بعض الدولة قتله فهرب واختفى عنده كما تقدم لما كان ابن تيمية مقيما بمصر وما مثاله غلا مثال ساقية ضعيفة كدرة لاطمت بحرا عظيما صافيا او رملة ارادت زوال جبل وقد أضحك العقلاء عليه وقد أراد السلطان قتله فشفع فيه بعض الامراء ثم انكر مرة شيئا على الدولة فنفى من القاهرة إلى بلدة يقال لها ديروط فكان بها حتى توفي يوم الاثنين سابع ربيع الاخر ودفن بالقرافة وكانت جنازته مشهورة غير مشهودة وكان شيخه ينكر عليه إنكاره على ابن تيمية ويقول له أنت لا تحسن ان تتكلم
*3* الشيخ محمد الباجر بقي
@ الذي تنسب اليه الفرقة الضالة الباجر بقية والمشهور عنهم إنكار الصانع جل جلاله وتقدست اسماؤه وقد كان والده جمال الدين بن عبد الرحيم بن عمر الموصلي رجلا صالحا من علماء الشافعية ودرس في أماكن بدمشق ونشأ ولده هذا بين الفقهاء واشتغل بعض شيء ثم أقبل على السلوك ولازم جماعة يعتقدونه ويزورونه ويرزقونه ممن هو على طريقةوآخرون لا يفهمونه ثم حكم القاضي المالكي باراقة دمه فهرب إلى الشرق ثم إنه أثبت عداوة بينه وبين الشهود فحكم الحنبلي بحقن دمه فأقام بالقانون مدة سنين حتى كانت وفاته ليلة الاربعاء سادس عشر ربيع الآخر ودفن بالقرب من مغارة الدم بسفح قاسيون في قبة في أعلى ذيل الجبل تحت المغارة وله من العمر ستون سنة
*3* شيخنا القاضي أبو زكريا
@ محي الدين أبو زكريا يحيى بن الفاضل جمال الدين إسحاق بن خليل بن فارس الشيباني الشافعي اشتغل على النواوي ولازم ابن المقدسي وولى الحكم بزرع وغيرها ثم قام بدمشق يشتغل في الجامع ودرس في الصارمية وأعاد في مدارس عدة إلى أن توفي في سلخ ربيع الاخر ودفن بقاسيون وقد قارب الثمانين رحمه الله وسمع كثيرا وخرج له الذهبي شيئا وسمعنا عليه الدارقطني وغيره
*3*الفقيه الكبير الصدر الامام العالم الخطيب بالجامع
@ بدر الدين أبو عبد الله محمد بن عثمان بن يوسف بن محمد بن الحداد الامدي الحنبلي سمع الحديث واشتغل وحفظ المحرر في مذهب أحمد ويرع على ابن حمدان وشرحه عليه في مدة سنين وقد كان ابن حمدان يثنى عليه كثيرا وعلى ذهنه وذكائه ثم اشتغل بالكتابة ولزم خدمة الامير قراسنقر بحلب فولاه نظر الاوقاف وخطابة حلب بجامعها الاعظم ثم لما صار إلى دمشق ولاه خطابة الاموي فاستمر خطيبا فيها اثنين واربعين يوما ثم اعيد اليها جلال الدين القزويني ثم ولى نظر المارستان والحسبة ونظر الجامع الاموي وعين لقضاء الحنابلة في وقت ثم توفي ليلة الاربعاء سابع جمادي الآخرة ودفن بباب الصغير رحمه الله
*3* الكاتب المفيد قطب الدين
@ أحمد بن مفضل بن فضل الله المصري أخو محيي الدين كاتب تنكز والد الصاحب علم الدين كان خبيرا بالكتابة وقد ولى استيفاء الاوقاف بعد أخيه وكان اسن من أخيه وهو الذي علمه صناعة الكتابة وغيرها توفي ليلة الاثنين ثاني رجب وعمل عزاؤه بالشميساطية وكان مباشر أوقافها
*3* الأمير الكبير ملك العرب
@ محمد بن عيسى بن مهنا اخو مهنا توفي بسلمية يوم السبت سابع رجب وقد جاوز الستين كان مليح الشكل حسن السيرة عاملا عارفا رحمه اله وفي هذا الشهر وصل الخبر إلى دمشق يموت
*3* الوزير الكبير علي شاه بن أبي بكر التبريزي
@ وزير ابي سعيد بعد قتل سعد الدين الساوي وكان شيخا جليلا فيه دين وخير وحمل إلى تبريز فدفن بها في الشهر الماضي رحمه الله
*3* الأمير سيف الدين بكتمر
@ والي الولاة صاحب الأوقاف في بلدان شتى من ذلك مدرسة بالصلب وله درس بمدرسة أبي عمر وغير ذلك توفي بالاسكندرية وهو نائبها خامس رمضان رحمه الله
*3* شرف الدين أبو عبد الله
@ محمد ابن الشيخ الامام العلامة زين الدين بن المنجا بن عثمان بن أسعد بن المنجا التنوخي الحنبلي أخو قاضي القضاة علاء الدين سمع الحديث ودرس وأفتى وصحب الشيخ تقي الدين بن يتميه وكان فيه دين ومودة وكرم وقضاء حقوق كثيرة توفي ليلة الاثنين رابع شوال وكان مولده في سنة خمس وسبعين وستمائة ودفن بتربتهم بالصالحية
*3* الشيخ حسن الكردي الموله
@ كان يخالط النجاسات والقاذورات ويمشي حافيا وربما تكلم بشيء من الهذيانات التي تشبه علم المغيبات وللناس فيه اعتقاد كما هو المعروف من أهل العمى والضلالات مات في شوال
*3* كريم الدين الذي كان وكيل السلطان
@ عبد الكريم بن العلم هبة الله المسلماني حصل له من الأموال والتقدم والمكانة الخطيرة عند السلطان ما لم يحصل لغيره في دولة الأتراك وقد وقف الجامعين بدمشق أحدهما جامع القبيبات والحوض الكبير الذي تجاه باب الجامع واشترى له نهر ماء بخمسين ألفا فانتفع به الناس انتفاعا كثيرا ووجدوا رفقا والثاني الجامع الذي بالقابون وله صدقات كثيرة تقبل الله منه وعفا عنه وقد مسك في آخر عمره ثم صودر ونفى إلى الشوبك ثم إلى القدس ثم الصعيد فخنق نفسه كما قيل بعماته بمدينة أسوان وذلك في الثالث والعشرين من شوال وقد كان حسن الشكل تام القامة ووجد له بعد موته ذخائر كثيرة سامحه الله
*3* الشيخ الامام العالم علاء الدين
@ علي بن إبراهيم بن داود بن سليمان بن العطار شيخ دار الحديث النورية ومدرس الغوصية بالجامع ولد يوم عيد الفطر سنة أربع وخمسين وستمائة وسمع الحديث واشتغل على الشيخ محيي الدين النواوي ولازمه حتى كان يقال له مختصر النواوي وله مصنفات وفوائد ومجاميع وتخاريج وباشر مشيخة النورية من سنة أربع وتسعين إلى هذه السنة مدة ثلاثين سنة توفي يوم الاثنين منها مستهل ذي الحجة فولى بعده النورية علم الدين البرزالي وتولى الغوصية شهاب الدين بن حرز الله وصلى عليه بالجامع ودفن بقاسيون رحمه الله والله سبحانه أعلم
*2* ثم دخلت سنة خمس وعشرين وسبعمائة
@ استهلت وحكام البلاد هم المذكورون في التي قبلها وأولها يوم الأربعاء وفي خامس صفر منها قدم إلى دمشق الشيخ شمس الدين محمود الأصبهاني بعد مرجعه من الحج زيارة القدس الشريف وهو رجل فاضل له مصنفات منها شرح مختصر ابن الحاجب وشرح الجويد وغير ذلك ثم إنه شرح الحاجبية أيضا وجمع له تفسيرا بعد صيرورته إلى مصر ولما قدم إلى دمشق أكرم واشتغل عليه الطلبة وكان حظيا عند القاضي جلال الدين القزويني ثم إنه ترك الكل وصار يتردد إلى الشيخ تقي الدين بن تيمية وسمع عليه من مصنفاته ورده على أهل الكلام ولازمه مدة فلما مات الشيخ تقي الدين تحول إلى مصر وجمع التفسير
وفي ربيع الأول جرد السلطان تجريدة نحو خمسة آلاف إلى اليمن لخروج عمه عليه وصحبتهم خلق كثير من الحجاج منهم الشيخ فخر الدين النويري وفيها منع شهاب الدين بن مرى البعلبكي من الكلام على الناس بمصر على طريقة الشيخ تقي الدين بن تيمية وعزره القاضي المالكي بسبب الاستغاثة وحضر المذكور بين يدي السلطان وأثنى عليه جماعة من الأمراء ثم سفر إلى الشام بأهله فنزل ببلاد الخليل ثم انتزح إلى بلاد الشرق وأقام بسنجار وماردين ومعاملتهما يتكلم ويعظ الناس إلى أن مات رحمه الله كما سنذكره
وفي ربيع الأخر عاد نائب الشام من مصر وقد أكرمه السلطان والأمراء وفي جمادي الأولى وقع بمصر مطر لم يسمع بمثله بحيث زاد النيل بسببه أربع أصابع وتغير أياما وفيه زادت دجلة ببغداد حتى غرقت ما حول بغداد وانحصر الناس بها ستة أيام لم تفتح أبوابها وبقيت مثل السفينة في وسط البحر وغرق خلق كثير من الفلاحين وغيرهم وتلف للناس مالا يعمله إلا الله وودع أهل البلد بعضهم بعضا ولجأوا إلى الله تعالى وحملوا المصاحف على رؤسهم في شدة الشوق في أنفسهم
حتى القضاة والأعيان وكان وقتا عجيبا ثم لطف الله بهم فغيض الماء وتناقص وتراجع الناس إلى ما كانوا عليه من أمورهم الجائرة وغير الجائرة وذكر بعضهم انه غرق بالجانب الغربي نحو من ستة آلاف وستمائة بيت وإلي عشرة سنين لا يرجع ما غرق
وفي أوائل جمادي الأخرة فتح السلطان خانقاه سريافوس التي أنشأها وساق إليها خليجا وبنى عندها محلة وحضر السلطان بها ومعه القضاة والأعيان والأمراء وغيرهم ووليها مجد الدين الأقصرائي وعمل السلطان بها وليمة كبيرة وسمع على قاضي القضاة ابن جماعة عشرين حديثا بقراءة ولده عز الدين بحضرة الدولة منهم أرغون النائب وشيخ الشيوخ القونري وغيرهم وخلع على القارئ عز الدين واثنوا عليه ثناء زائدا وأجلس مكرما وخلع ايضا على والده ابن جماعة وعلى المالكي وشيخ الشيوخ وعلى مجد الدين الاقصرائي شيخ الخانقاه المذكورة وغيرهم وفي يوم الأربعاء رابع عشر رجب درس بقبة المنصورية في الحديث الشيخ زين الدين بن الكتاني الدمشقي بإشارة نائب الكرك وأرغون وحضر عنده الناس وكان فقيها جيدا وأما الحديث فليس من فنه ولا من شغله
وفي أواخر رجب قدم الشيخ زين الدين بن عبد الله بن المرحل من مصر على تدريس الشامية البرانية وكانت بيد ابن الزملكاني فانتقل إلى قضاء حلب فدرس بها في خامس شعبان وحضر القاضي الشافعي وجماعة وفي سلخ رجب قدم القاضي عز الدين بن بدر الدين بن جماعة من مصر ومعه ولده وفي صحبته الشيخ جمال الدين الدمياطي وجماعة من الطلبة بسبب سماع الحديث فقرأ بنفسه وقرأ الناس له واعتنوا بأمره وسمعنا معهم وبقراءته شيئا كثيرا نفعهم الله بما قرؤوا وبما سمعوا ونفع بهم وفي يوم الاربعاء ثاني عشر شوال درس الشيخ شمس الدين بن الأصبهاني بالرواحية بعد ذهاب ابن الزملكاني إلى حلب وحضر عنده القضاة والأعيان وكان فيهم شيخ الاسلام ابن تيمية وجرى يومئذ بحث في العام إذا خص وفي الاستثناء بعد النفي ووقع إنتشار وطال الكلام في ذلك المجلس وتكلم الشيخ تقي الدين كلاما أبهت الحاضرين وتأخر ثبوت عيد الفطر إلى قريب الظهر يوم العيد فلما ثبت دقت البشائر وصلى الخطيب العيد من الغد بالجامع ولم يخرج الناس إلى المصلي وتغضب الناس على المؤذنين وسجن بعضهم وخرج الركب في عاشره وأميره صلاح الدين ابن ايبك الطويل وفي الركب صلاح الدين بن أوحد والمنكورسي وقاضية شهاب الدين الظاهر وفي سابع عشره درس بالرباط الناصري بقاسيون حسام الدين القزويني الذي كان قاضي طرابلس قايضه بها جمال الدين بن الشريشني إلى تدريس المسرورية وكان قد جاء توقيعه بالعذراوية والظاهرية فوقف في طريقه قاضي القضاة جمال الدين ونائباه ابن جملة
والفخر المصري وعقد له ولكمال الدين ابن الشيرازي مجلسا ومعه توقيع بالشامية البرانية فعطل الامر عليهما لأنهما لم يظهرا استحقاهما في ذلك المجلس فصارت المدرستان العذراوية والشامية لابن المرحل كما ذكرنا وعظم القزوينى بالمسروية فقايض منها لابن الشريشنى إلى الرباط الناصري فدرس به في هذا اليوم وحضر عنده القاضي جلال الدين ودرس بعده ابن الشريشني بالمسرورية وحضر عنده الناس أيضا وفيه عادت التجريدة اليمنية وقد فقد منهم خلق كثير من الغلمان وغيرهم فحبس مقدمهم الكبير ركن الدين بيبرس لسو سرته فيهم ومم توفي فيها من الأعيان :
*3* الشيخ إبراهيم الصباح
@ وهو إبراهيم بن منير البعلبكي كان مشهروا بالصلاح مقيما بالمأذنة الشرقية توفي ليلة الأربعاء مستهل المحرم ودفن بالباب الصغير وكانت جنازته حافلة حمله الناس على رؤوس الاصابع وكان ملازما لمجلس الشيخ تقي الدين بن تيمية
*3* إبراهيم الموله
@ الذي يقال له القميني لاقامته بالقمامين خارج باب شرقي وربما كاشف بعض العوام ومع هذا لم يكن من أهل الصلاة وقد استتابه الشيخ تقي الدين بن تيمية وضربه على ترك الصلوات ومخالطة القاذورات وجمع النساء والرجال حوله في الأماكن النجسة توفي كهلا في هذا الشهر
*3* الشيخ عفيف الدين
@ محمد بن عمر بن عثمان بن عمر الصقلي ثم الدمشقي إمام مسجد الرأس آخر من حدث عن ابن الصلاح ببعض سنن البيهقي سمعنا عليه شيئا منها توفي في صفر
*3* الشيخ الصالح العابد الزاهد الناسك
@ عبد الله بن موسى بن أحمد الجزري الذي كان مقيما أبي بكر من جامع دمشق كان من الصالحين الكبار مباركا خيرا عليه سكينة ووقار وكانت له مطالعة كثيرة وله فهم جيد وعقل جيد وكان من الملازمين لمجالس الشيخ تقي الدين ابن تيمية وكان ينقل من كلامه أشياء كثيرة ويفهمها يعجز عنها كبار الفقهاء توفي يوم الاثنين سادس عشرين صفر وصلى عليه بالجامع ودفن بباب الصغير وكانت جنازته حافلة محمودة
*3* الشيخ الصالح الكبير المعمر
@ الرجل الصالح تقي الدين ابن الصائغ المقري المصري الشافعي آخر من بقي من مشايخ القراء وهو أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عبد الخالق بن علي بن سالم بن مكي توفي في صفر ودفن بالقرافة وكانت جنازته حافلة قارب التسعين ولم يبق له منها سوى سنة واحدة وقد قرأ عليه غير واحد وهو ممن طال عمره وحسن عمله
*3* الشيخ الامام صدر الدين
@ أبو زكريا يحيى بن علي بن تمام بن موسى الانصاري السبكي الشافعي سمع الحديث وبرع في الأصول والفقه ودرس بالسيفية وباشرها بعده ابن اخيه تقي الدين السبكي الذي تولى قضاء الشام فيما بعد
الشهاب محمود هو الصدر الكبير الشيخ الامام العالم العلامة شيخ صناعة الانشاء الذي لم يكن بعد القاضي الفاضل مثله في صنعة الانشاء وله خصائص ليست للفاضل من كثرة النظم والقصائد المطولة الحسنة البليغة فهو شهاب الدين أبو الثنا محمود بن سلمان بن فهد الحلبي ثم الدمشقى ولد سنة أربع واربعين وستمائه بحلب وسمع الحديث وعنى باللغة والأدب والشعر وكان كثير الفضائل بارعا في علم الانشاء نظما ونثرا وله في ذلك كتب ومصنفات حسنة فائقة وقد مكث في ديوان الانشاء نحوا من خمسين سنة ثم ولى كتابة السر بدمشق نحوا من ثمان سنين إلى أ نتوفي ليلة السبت ثاني عشرين شعبان في منزله قرب باب النطفانيين وهي دار القاضي الفاضل وصلى عليه بالجامع ودفن بتربة له أنشأها بالقرب من اليغمورية وقد جاوز الثمانين رحمه الله
*3* شيخنا عفيف الدين الأمدي
@ عفيف الدين إسحاق بن يحيى بن إسحاق بن إبراهيم بن إسماعيل الأمدي ثم الدمشقي الحنفي شيخ دار الحديث الظاهرية ولد في حدود الأربعين وستمائة وسمع الحديث على جماعة كثيرين منهم يوسف بن خليل ومجد الدين بن تيمية وكان شيخا حسنا بهى المنظر سهل الاسماع يحب الرواية ولديه فضيلة توفي ليلة الاثنين ثاني عشرين رمضان ودفن بقاسيون وهو والد فخر الدين ناظر الجيوش والجامع وقبله بيوم توفي الصدر معين الدين يوسف بن زغيب الرحبي أحد كبار التجار الامناء وفي رمضان توفي
*3* البدر العوام
@ وهو محمد بن علي البابا الحلبي وكان فردا في العوم وطيب الاخلاق انتفع به جماعة من التجار في بحر اليمن كان معهم فغرق بهم المركب فلجأوا إلى صخرة في البحر وكانوا ثلاثة عشر ثم إنه غطس فاستخرج لهم أموالا من قرار البحر بعد أن أفلسوا وكادوا ان يهلكوا وكان فيه ديانة وصيانة وقد قرأ القرآن وحج عشر مرات وعاش ثمانا وثمانين سنة رحمه الله وكان يسمع الشيخ تقي الدين بن تيمية كثيرا وفيه توفي
*3* الشهاب احمد بن عمثان الامشاطي
@ الأديب في الأزجال والموشحات والمواليا والدوبيت والبلاليق وكان استاذ أهل هذه الصناعة مات في عشر الستين
*3* القاضي الامام العالم الزاهد
@ صدر الدين سليمان بن هلال بن شبل بن فلاح بن خصيب الجعفري الشافعي المعروف بخطيب داريا ولد سنة ثنتين وأربعين وستمائة بقرية بسرا من عمل السواد وقدم مع والده فقرأ بالصالحية القرآن على الشيخ نصر بن عبيد وسمع الحديث وتفقه علي الشيخ محيي الدين النووي والشيخ تاج الدين الفزاري وتولى خطابة داريا وأعاد بالناصرية وتولى نيابة القضاء لابن صصرى مدة وكان متزهدا لا يتنعم بحمام ولا كتان ولا غيره ولم يغير ما اعتاده في البر وكان متواضعا وهو الذي استسقى بالناس في سنة تسع عشرة فسقوا كما ذكرنا وكان يذكر له نسبا إلى جعفر الطيار بينه وبينه عشرة آباء ثم ولى خطابة العقبية فترك نيابة الحكم وقال هذه تكتفي إلى أن توفي ليلة الخميس ثامن ذي القعدة ودفن بباب الصغير وكانت جنازته مشهورة رحمه الله وتولى بعده الخطابة ولده شهاب الدين
*3* أحمد بن صبيح المؤذن
@ الرئيس بالعروس بجامع دمشق مع البرهان بدر الدين أبو عبد الله محمد بن صبيح بن عبد الله التفليسي مولاهم المقري المؤذن كان مع أحسن الناس صوتا في زمانه وأطيبهم نغمة ولد سنة ثنتين وخمسين وستمائة تقريبا وسمع الحديث في سنة سبع وخمسين وممن سمع عليه ابن عبد الدائم وغيره من المشايخ وحدث وكان رجلا حسنا أبوه مولى لامرأة اسمها شامة بنت كامل الدين التفليسي امرأة فخر الدين الكرخي وباشر مشارفة الجامع وقراءة المصحف وأذن عند نائب السلطنة مدة وتوفي في ذي الحجة بالطواويس وصلى عليه بجامع العقبية ودفن بمقابر باب الفراديس
*3* خطاب باني خان خطاب
@ الذي بين الكسوة وغباغب الامير الكبير عز الدين خطاب بن محمود بن رتقش العراقي كان شيخا كبيرا له ثروة من المال كبيرة وأملاك وأموال وله حمام بحكر السماق وقد عمر الخان المشهور به بعد موته إلى ناحية الكتف المصري مما يلي غباغب وهو برج الصفر وقد حصل لكثير من المسافرين به رفق توفي ليلة سبع عشرة ربيع الاخر ودفن بتربته بسفح قاسيون رحمه الله تعالى وفي ذي القعدة منها توفي رجل آخر اسمه
*3* ركن الدين خطاب بن الصاحب كمال الدين
@ احمد ابن أخت ابن خطاب الرومي السيواسي له خانقاه ببلده بسيواس عليها أوقاف كثيرة وبر وصدقة توفي وهو ذاهب إلى الحجاز الشريف بالكرك ودفن بالقرب من جعفر وأصحابه بمؤتة رحمه الله وفي العشر الاخير من ذي القعدة توفي
*3* بدر الدين أبو عبد الله
@ محمد بن كمال الدين أحمد بن أبي الفتح بن أبي الوحش أسد بن سلامة بن سليمان بن فتيان الشيباني المعروف بابن العطار ولد سنة سبعين وستمائة وسمع الحديث الكثير وكتب الخط المنسوب واشتغل بالتنبيه ونظم الشعر وولى كتابه الدرج ثم نظر الجيش ونظر الاشراف وكانت له حظوة في أيام الافرم ثم حصل له خمول قليل وكان مترفا منعما له ثروة ورياسة وتواضع وحسن سيرة ودفن بسفح قاسيون بتربتهم رحمه الله
*3* القاضي محيي الدين
@ أبو محمد بن الحسن بن محمد بن عمار بن فتوح الحارثي قاضي الزبداني مدة طويلة ثم ولى قضاء الكرك وبها مات في العشرين من ذي الحجة وكان مولده سنة خمس وأربعين وستمائة وقد سمع الحديث واشتغل وكان حسن الاخلاق متواضعا وهو والد الشيخ جمال الدين بن قاضي الزبداني مدرس الظاهرية رحمه الله
*2* ثم دخلت سنة ست وعشرين وسبعمائة
@ استهلت والحكام هم المذكورون في التي قبلها سوى كاتب سر دمشق شهاب الدين محمود فإنه توفي وولى المنصب من بعده ولده الصدر شمس الدين وفيها تحول التجار في قماش النساء المخيط من الدهشة التي للجامع إلى دهشة سوق على وفي يوم الأربعاء ثمان المحرم باشر مشيخة الحديث الظاهرية الشيخ شهاب الدين بن جهبل بعد وفاة العفيف إسحاق وترك تدريس الصلاحية بالقدس الشريف واختار دمشق وحضر عنده القضاة والأعيان وفي أولها فتح الحمام الذي بناه الامير سيف الدين جوبان بجوار داره بالقرب من دار الجالق وله بابان أحدهما إلى جهة مسجد الوزير وحصل به نفع وفي يوم الاثنين ثاني صفر قدم الصاحب غبريال من مصر على البريد متوليا نظر الدواوين بدمشق على عادته وانفصل عنها الكريم الصغير وفرح الناس به وفي يوم الثلاثاء حادي عشرين ربيع الاول بكرة ضربت عنق ناصر بن الشرف ابي الفضل بن إسماعيل بن الهيئي بسوق الخيل على كفره واستهانته واستهتاره بآيات الله وصحبته الزنادقة كالنجم بن خلكان والشمس محمد الباجريقي وابن المعمار البغدادي وكل فيهم إنحلال وزندقة مشهور بها بين الناس قال الشيخ علم الدين الرزالي وربما زاد هذا المذكور المضروب العنق عليهم بالكفر والتلاعب بدين الاسلام والاستهانة بالنبوة والقرآن قال وحضر قتله العلماء والاكبار وأعيان الدولة قال وكان هذاالرجل في أول أمره قد حفظ التنبيه وكان يقرأ في الختم بصوت حسن وعنده نباهة وفهم وكان منزلا في المدارس والترب ثم إنه أنسلخ من ذلك جميعه وكان قتله عزا للاسلام وذلا للزنادقة وأهل البدع
قلت وقد شهدت قتله كان شيخنا أبو العباس أبن تيمية حاضرا يومئذ وقد أتاه وقرعة على ما كان يصدر منه قبل قتله ثم ضربت عنقه وأنا شاهد ذلك
وفي شهر ربيع الاول رسم في إخراج الكلاب من مدينة دمشق فجعلوا في الخندق من جهة باب الصغير من ناحية باب شرقي الذكور على حدة والاناث على حده وألزم أصحاب الدكاكين بذلك وشددوا في أمرهم أياما وفي ربيع الاول ولي الشيخ علاء الدين المقدسي معيد البادرانية مشيخة الصلاحية بالقدس الشريف وسافر اليها وفي جمادي الاخرة عزل قرطاي عن ولاية طرابلس ووليها طينال وأقر قرطاي على خبز الفرماني بدمشق بحكم سجن القرماني بقلعة دمشق قال البرزالي وفي يوم الاثنين عند العصر سادس عشر شعبان اعتقل الشيخ الامام العالم العلامة تقي الدين بن تيمية بقلعة دمشق حضر إليه من جهة نائب السلطنة تنكز مشدا الاوقاف وابن الخطيري أحد الحجاب بدمشق وأخبراه ان مرسوم السلطان ورد بذلك وأحضرا معهما مركوبا ليركبه وأظهر السرور والفرح بذلك وقال انا كنت منتظرا لذلك وهذا فيه خير كثير ومصلحة كبيرة وركبوا جميعا من داره إلى باب القلعة وأخليت له قاعة وأجرى إليها الماء ورسم له بالاقامة فيها وأقام معه أخوه زين الدين يخدمه باذن السلطان ورسم له ما يقوم بكفايته قال البرزالي وفي يوم الجمعة عاشر الشهر المذكور قرئ بجامع دمشق الكتاب السلطاني الوارد باعتقاله ومنعه من الفتيا وهذه الواقعة سببها فتيا وجدت بخطه في السفر وإعمال المطي إلى زيارة قبور الانبياء عليهم الصلاة والسلام وقبور الصالحين قال وفي يوم الاربعاء منتصف شعبان أمر قاضي القضاة الشافعي في حبس جماعة من أصحاب الشيخ تقي الدين في سجن الحكم وذلك بمرسوم نائب السلطنة وإذنه له فيه فيما تقتضيه الشريعة في أمرهم وعزر جماعة منهم على دواب ونودي عليهم ثم أطلقوا سوى شمس الدين محمد بن قيم الجوزية فإنه حبس بالقلعة وسكتت القضية قال وفي أول رمضان وصلت الاخبار إلى دمشق أنه أجريت عين ماء إلى مكة شرفها الله وانتفع الناس بها انتفاعا عظيما وهذه العين تعرف قديما بعين باذان أجرها جوبان من بلاد بعيدة حتى دخلت الى نفس مكة ووصلت إلى عند الصفا وباب ابراهيم واستقى الناس منها فقيرهم وغنيهم وضعيفهم وشريفهم كلهم فيها سواء وارتفق أهل مكة بذلك رفقا كثيرا ولله الحمد والمنة وكانوا قد شرعوا في حفرها وتجديدها في أوائل هذه السنة إلى العشر الاخر من جمادي الاولى واتفق ان في هذه السنة كانت الابار التي بمكة قد يبست وقل ماؤها وقل ماء زمزم أيضا فلولا ان الله تعالى طلف بالناس بإجراء هذه القناة لنزح عن مكة أهلها أو هلك كثير مما يقيم بها وأما الحجيج في أيام الموسم فحصل لهم بها رفق عظيم زائد عن الوصف كما شاهدنا ذلك في سنة إحدى وثلاثين عام حججنا وجاء كتاب السلطان إلى نائبه بمكة بإخراج الزيديين من المسجد الحرام وأن لا يكون لهم فيه إمام ولا يجتمع ففعل ذلك
وفي يوم الثلاثاء رابع شعبان درس بالشامية الجوانية شهاب الدين أحمد بن جهبل وحضر عنده القاضي القزويني الشافعي وجماعة عوضا عن الشيخ آمين الدين سالم بن أبي الدر إمام مسجد ابن هشام توفي ثم بعد أيام جاء توقيع بولاية القاضي الشافعي فباشرها في عشرين رمضان وفي عاشر شوال خرج الركب الشامي وأميره سيف الدين جوبان وحج عامئذ القاضي شمس الدين بن مسلم قاضي قضاة الحنابلة وبدر الدين ابن قاضي القضاة جلال الدين القزويني ومعه تحف وهدايا وأمور تتعلق بالأمير سيف الدين أرغون نائب مصر فإنه حج في هذه السنة ومعه اولاده وزوجته بنت السلطان وحج فخر الدين ابن شيخ السلامية وصدر الدين المالكي وفخر الدين البعلبكي وغيره
وفي يوم الاربعاء عاشر القعدة درس بالحنبلية برهان الدين أحمد بن هلال الزرعي الحنبلي بدلا عن شيخ الاسلام ابن تيمية وحضر عنده القاضي الشافعي وجماعة من الفقهاء وشق ذلك على كثير من أصحاب الشيخ تقي الدين وكان ابن الخطيري الحاجب قد دخل على الشيخ تقي الدين قبل هذا اليوم فاجتمع به وسأله عن اشياء بأمر نائب السلطنة ثم يوم الخميس دخل القاضي جمال الدين بن جملة وناصر الدين مشد الاوقاف وسألاه عن مضمون قوله في مسألة الزيارة فكتب ذلك في درج وكتب تحته قاضي الشافعية بدمشق قابلت الجواب عن هذا السؤال المكتوب على خط ابن تيمية إلى ان قال وإنما المحز جعله زيارة قبر النبي ص وقبور الانبياء صلوات الله وسلامه عليهم معصية بالاجماع مقطوعا بها فانظر الآن هذا التحريف على شيخ الاسلام فإن جوابه على هذه المسألة ليس فيه منع زيارة قبور الانبياء والصالحين وإنما فيه ذكر قولين في شد الرحل والسفر إلى مجرد زيارة القبور وزيارة القبور من غير شد رحل إليها مسألة وشد الرحل لمجرد الزيارة مسألة أخرى والشيخ لم يمنع الزيارة الخالية عن شد رحل بل يستحبها ويندب إليها وكتبه ومناسكه تشهد بذلك ولم يتعرض إلى هذه الزيارة في هذه الوجه في الفتيا ولا قال إنها معصية ولا حكى الاجماع على المنع منها ولا هو جاهل قول الرسول زوروا القبور فإنها تذكركم الاخرة والله سبحانه لا يخفى عليه شيء ولا يخفى عليه خافية وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون وفي يوم الاحد رابع القعدة فتحت المدرسة الحمصية تجاه الشامية الجوانية ودرس بها محيي الدين الطرابلسي قاضي هكار وتلقب بأبي رباح وحضر عنده القاضي الشافعي وفي ذي القعدة سافر القاضي جمال الدين الزرعي من الاتابكية إلى مصر ونزل عن تدريسها لمحيي الدين بن جهبل وفي ثاني عشر ذي الحجة درس بالنجيبية ابن قاضي الزبداني عوضا عن الدمشق نائب الحكم مات بالمدرسة المذكورة
وممن توفي فيها من الاعيان :
*3* ابن المطهر الشيعي جمال الدين
@ أبو منصور حسن بن يوسف بن مطهر الحلبي العراقي الشيعي شيخ الروافض بتلك النواحي وله التصانيف الكثيرة يقال تزيد على مائة وعشرين مجلدا وعدتها خمسة وخمسون مصنفا في الفقه والنحو والاصول والفلسفة والرفض وغير ذلك من كبار وصغار وأشهرها بين الطلبة شرح ابن الحاجب في أصول الفقه وليس بذاك الفائق ورأيت له مجلدين في أصول الفقه على طريقة المحصول والاحكام فلا بأس بها فإنها مشتملة على نقل كثير وتوجيه جيد وله كتاب منهاج الاستقامة في إثبات الامامة خبط فيه في المعقول والمنقول ولم يدر كيف يتوجه إذ خرج عن الاستقامة وقد انتدب في الرد عليه الشيخ الامام العلامة شيخ الاسلام تقي الدين أبو العباس ابن تيمية في مجلدات أتى فيها بما يبهر العقول من الأشياء المليحة الحسنة وهو كتاب حافل ولد ابن المطهر الذي لم تطهر خلائقه ولم يتطهر من دنس الرفض ليلة الجمعة سابع عشرين رمضان سنة ثمان واربعين وستمائة توفي ليلة الجمعة عشرين محرم من هذه السنة وكان اشتغاله ببغداد وغيرها من البلاد واشتغل على نصير الطوسي وعلى غيره ولما ترفض الملك خربندا حظى عنده ابن المطهر وساد جدا وأقطعه بلادا كثيرة
*3* الشمس الكاتب
@ محمد بن اسد الحراني المعروف بالنجار كان يجلس ليكتب الناس عليه بالمدرسة القليجية توفي في ربيع الآخر ودفن بباب الصغير
*3* العز حسن بن أحمد بن زفر
@ الاريلي ثم الدمشقي كان يعرف طرفا صالحا من النحو والحديث والتاريخ وكان مقيما بدويرة حمد صوفيا بها وكان حسن المجالسة أثنى عليه البرزالي في نقله وحسن معرفته مات بالمارستان الصغير في جمادي الاخرة ودفن بباب الصغير عن ثلاث وستين سنة
*3* الشيخ الامام امين الدين سالم بن أبي الدر
@ عبد الرحمن بن عبد الله الدمشقي الشافعي مدرس الشامية الجوانية أخذها من ابن الوكيل قهرا وهو إمام مسجد ابن هشام ومحدث الكرسي به كان مولده في سنة خمس واربعين وستمائة واشتغل وحصل وأثنى عليه النووي وغيره وأعاد وافتى ودرس وكان خبيرا بالمحاكمات وكان فيه مروءة وعصبية لمن يقصده توفي في شعبان ودفن بباب الصغير
*3* الشيخ حماد
@ وهو الشيخ الصالح العابد الزاهد حماد الحلبي القطان كان كثير التلاوة والصلوات مواظبا على الاقامة بجامع التوبة بالعقبية بالزاوية الغربية الشمالية يقرئ القرآن ويكثر الصيام ويتردد الناس إلى زيارته مات وقد جاوز السبعين سنة على هذا القدم توفي ليلة الاثنين عشرين شعبان ودفن بباب الصغير وكانت جنازته حافلة رحمه الله
*3* الشيخ قطب الدين اليونيني
@ وهو الشيخ الامام العالم بقية السلف قطب الدين أبو الفتح موسى ابن الشيخ الفقيه الحافظ الكبير شيخ الاسلام ابي عبد الله محمد بن أحمد بن عبد الله بن عيسى بن أحمد بن محمد البعلبكي اليونيني الحنبلي ولد سنة أربعين وستمائة بدار الفضل بدمشق وسمع الكثير وأحضره والده المشايخ واستجاز له وبحث واختصر مرآة الزمان للسبط وذيل عليها ذيلا حسنا مرتبا أفاد فيه وأجاد بعبارة حسنة سهلة بانصاف وستر وأتى فيه باشياء حسنة واشياء فائقة رائقة وكان كثير التلاوة حسن الهيئة متقللا في ملبسه ومأكله توفي ليلة الخميس ثالث عشر شوال ودفن بباب سطحا عند أخيه الشيخ شرف الدين رحمهما الله
*3* قاضي القضاة ابن مسلم
@ شمس الدين أبو عبد الله محمد بن مسلم بن مالك بن مزروع بن جعفر الصالحي الحنبلي ولد سنة ستين وستمائة ومات أبوه وكان من الصالحين سنة ثمان وستين فنشأ يتيما فقيرا لا مال له ثم اشتغل وحصل وسمع الكثير وانتصب للافادة والاشتغال فطار ذكره فلما مات التقى سليمان سنة خمس عشرة ولى قضاء الحنابلة فباشره أتم مباشرة وخرجت له تخاريج كثيرة فلما كانت هذه السنة خرج للحج فمرض في الطريق فورد المدينة النبوية على ساكنها رسول الله أفضل الصلاة والسلام يوم الاثنين الثالث والعشرين من ذي القعدة فزارقبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلى في مسجده وكان بالاشواق إلى ذلك وكان قد تمنى ذلك لما مات ابن نجيح فمات في عشية ذلك اليوم يوم الثلاثاء وصلى عليه في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالروضة ودفن بالبقيع إلى جانب قبر شرف الدين ابن نجيح الذي كان قد غبطه بموته هناك سنة حج هو وهو قبل هذه الحجة شرقي قبر عقيل رحمهم الله وولى بعده القضاء عز الدين بن التقى سليمان
*3* القاضي نجم الدين
@ احمد بن عبد المحسن بن حسن بن معالي الدمشقي الشافعي ولد سنة تسع واربعين واشتغل على تاج الدين الفزاري وحصل وبرع وولى الاعادة ثم الحكم بالقدس ثم عاد إلى دمشق فدرس بالنجيبية وناب في الحكم عن ابن صصرى مدة توفي بالنجبيبية المذكورة يوم الاحد ثامن عشرين ذي القعدة وصلى عليه العصر بالجامع ودفن بباب الصغير
*3* ابن قاضي شهبة
@ الشيخ الامام العالم شيخ الطلبة ومفيدهم كمال الدين أبو محمد عبد الوهاب بن ذؤيب الاسدي الشهبي الشافعي ولد بحوران في سنة ثلاث وخمسين وستمائة وقدم دمشق واشتغل على الشيخ تاج الدين الفزاري ولازمه وانتفع به وأعاد بحلقته وتخرج به وكذلك لازم أخاه الشيخ شرف الدين واخذ عنه النحو واللغة وكان بارعا في الفقه والنحو له حلقة يشتغل فيها تجاه محراب الحنابلة وكان يعتكف جميع شهر رمضان ولم يتزوج قط وكان حسن الهيئة والشيبة حسن العيش والملبس متقللا من الدنيا له معلوم يقوم بكفايته من إعادات وفقاهات وتصدير بالجامع ولم يدرس قط ولا أفتى مع أنه كان ممن يصلح أن ياذن في الافتاء ولكنه كان يتورع عن ذلك وقد سمع الكثير سمع المسند للإمام احمد وغير ذلك توفي بالمدرسة المجاهدية وبها كانت إقامته ليلة الثلاثاء حادي عشرين ذي الحجة وصلى عليه بعد صلاة الظهر ودفن بمقابر باب الصغير وفيها كانت وفاة
*3* الشرف يعقوب بن فارس الجعبري
@ التاجر بفرجة ابن عمود وكان يحفظ القرآن ويؤم بمسجد القصب ويصحب الشيخ تقي الدين ابن تيمية والقاضي نجم الدين الدمشقي وقد حصل أموالا وأملاكا وثروة وهو والد صاحبنا الشيخ الفقيه المفضل المحصل الزكي بدر الدين محمد خال الولد عمر إن شاء الله وفيها توفي
*3* الحاج أبو بكر بن تيمراز الصيرفي
@ كانت له أموال كثيرة ودائرة ومكارم وبر وصدقات ولكنه انكسر في آخر عمره وكاد ان ينكشف فجيره الله بالوفاة رحمه الله
*2* ثم دخلت سنة سبع وعشرين وسبعمائة
@
استهلت بيوم الجمعة والحكام الخليفة والسلطان والنواب والقضاة والمباشرون هم المذكورون في التي قبلها سوى الحنبلي كما تقدم وفي العشر من المحرم دخل مصر أرغون نائب مصر فمسك في حادي عشر وحبس ثم أطلق أياما وبعثه السلطان إلى نائب حلب فاجتاز بدمشق بكرة الجمعة ثاني عشرين المحرم فأنزله نائب السلطنة بداره المجاورة لجامعة فبات بها ثم سافر إلى حلب وقد كان قبله بيوم قد سافر من دمشق الجاي الدوادار إلى مصر وصحبته نائب حلب علاء الدين الطنبغا معزولا عنها إلى حجوبية الحجاب بمصر وفي يوم الجمعة التاسع عشر ربيع الاول قرئ تقليد قاضي الحنابلة عز الدين محمد بن التقي سليمان بن حمزة المقدسي عوضا عن ابن مسلم بمقصروة الخطابة بحضرة القضاة والاعيان وحكم وقرئ قبل ذلك بالصالحية وفي أواخر هذا الشهر وصل البريد بتولية ابن النقيب الحاكم بحمص قضاء القضاة بطرابلس ونقل الذي بها إلى حمص نائبا عن قاضي دمشق وهو ناصر بن محمود الزرعي
وفي سادس عشر ربيع الآخر عاد تنكز من مصر إلى الشام وقد حصل له تكريم من السلطان وفي ربيع الاول حصلت زلزلة بالشام وقى الله شرها وفي يوم الخميس مستهل جمادي الاولى باشر نيابة الحنبلي القاضي برهان الدين الزرعي وحضر عنده جماعة من القضاة وفي يوم الجمعة منتصف جمادي الاخرة جاء البريد بطلب القاضي القزويني الشافعي إلى مصر فدخلها في مستهل رجب فخلع عليه بقضاء قضاة مصر مع تدريس الناصرية والصالحية ودار الحديث الكاملية عوضا عن بدر الدين بن جماعة لأجل كبر سنة وضعف نفسه وضرر عينيه فجبروا خاطره فرتب له ألف درهم وعشرة ارادب قمح في الشهر مع تدريس زاوية الشافعي وأرسل ولده بدر الدين إلى دمشق خطيبا بالأموي وعلى تدريس الشامية البرانية على قاعدة والده جلال الدين القزويني في ذلك فخلع عليه في أواخر رجب ثامن عشرين وحضر عنده الأعيان
وفي رجب كان عرس الامير سيف الدين قوصون الساقي الناصري على بنت السلطان وكان وقتا مشهودا خلع على الأمراء والأكابر وفي صبيحة هذه الليلة عقد عقد الأمير شهاب الدين أحمد بن الامير بكتمر الساقي على بنت تنكز نائب الشام وكان السلطان وكيل أبيها تنكز والعقاد ابن الحريري وخلع عليه وأدخلت في ذي الحجة من هذه السنة في كلفة كثيرة
وفي رجب جرت فتنة كبيرة بالاسكندرية في سابع رجب وذلك أن رجلا من المسلمين قد تخاصم هو ورجل من الفرنج على باب البحر فضرب أحدهما الاخر بنعل فرفع الأمر إلى الوالي فأمر بغلق باب البلد بعدالعصر فقال له الناس إن لنا أموالا وعبيدا ظاهر البلد وقد أغلقت الباب قبل وقته ففتحه فخرج الناس في زحمة عظيمة فقتل منهم نحو عشرة ونهبت عمائم وثياب وغير ذلك وكان ذلك ليلة الجمعة فلما أصبح الناس ذهبوا إلى دار الوالي فأحرقوها وثلاث دور لبعض الظلمة وجرت أحوال صعبة ونهبت اموال وكسرت العامة باب سجن الوالي فخرج منه من فيه فبلغ نائب السلطنة فاعتقد النائب انه السجن الذي فيه الامراء فأمر بوضع السيف في البلد وتخريبه ثم إن الخبر بلغ السلطان فأرسل الوزير طيبغا الجمالي سريعا فضرب وصادر وضرب القاضي ونائبه وعزلهم وأهان خلقا من الاكابر وصادرهم بأموال كثيرة جدا وعزل المتولي ثم أعيد ثم تولي القضاء بهاء الدين علم الدين الاخنائي الشافعي الذي تولى دمشق فيما بعد وعزل قضاة الاسكندرية المالكي ونائباه ووضعت السلاسل في أعناقهم وأهينوا وضرب ابن السني غير مرة وفي يوم السبت عشرين شعبان وصل إلى دمشق قاضي قضاة حلب ابن الزملكاني على البريد فأقام بدمشق أربعة أيام ثم سار إلى مصر ليتولى قضاء قضاة الشام بحضرة السلطان فاتفق موته قبل وصوله إلى القاهرة وحيل بينهم وبين ما يشتهون كما فعل بأشياعهم من قبل إنهم كانوا في شك منه مريب وفي يوم الجمعة سادس عشرين شعبان باشر صدر الدين المالكي مشيخة الشيوخ مضافا إلى قضاء قضاة الماللكية وحضر الناس عنده وقرئ تقليده بذلك بعد انفصال الزرعي عنها إلى مصر وفي نصف رمضان وصل قاضي الحنفية بدمشق لقضاء القضاة عماد الدين أبي الحسن علي بن احمد بن عبد الواحدالطرسوسي الذي كان نائبا لقاضي القضاة صدر الدين علي البصروي فخلفه بعده بالمنصب وقرئ تقليده بالجامع وخلع عليه وباشر الحكم واستناب القضاي عماد الدين ابن العز ودرس بالنورية مع القضاء وشكرت سيرته
وفي رمضان قدم جماعة من الاسارى مع تجار الفرنج فأنزلوا بالمدرسة العادلية الكبيرة واستفكوا من ديوان الاسرى بنحو من ستين ألفا وكثرت الادعية لمن كان السبب في ذلك وفي ثامن شوال خرج الركب الشامي إلى الحجاز وأميره سيف الدين بالبان المحمدي وقاضيه بدر الدين محمد بن محمد قاضي حران وفي شوال وصل تقليد قضاء الشافعية بدمشق لبدر الدين ابن قاضي القضاة ابن عز الدين بن الصائغ والخلعة معه فامتنع من ذلك اشد الامتناع وصمم وألح عليه الدولة فلم يقبل وكثر بكاؤه وتغير مزاجه واغتاظ فلما أصر على ذلك راجع تنكز السلطان في ذلك فلما كان شهر ذي القعدة أشتهر تولية علاء الدين علي بن إسماعيل القونوي قضاء الشام فسار إليها من مصر وزار القدس ودخل دمشق يوم الاثنين سابع عشرين ذي القعدة فاجتمع بنائب السلطنة ولبس الخلعة وركب مع الحجاب والدولة إلى العادلية فقرئ تقليده بها وحكم بها على العادة وفرح الناس به وبحسن سمته وطيب لفظه وملاحة شمائله وتودده وولى بعده مشيخة الشيوخ بمصر مجد الدين الاقصرائي الصوفي شيخ سرياقوس
وفي يوم السبت ثالث عشرين ذي القعدة لبس القاضي محي الدين بن فضل الله الخلعة بكتابة السر عوضا عن ابن الشهاب محمود واستمر ولده شرف الدين في كتابة الدست وفي هذه السنة تولى قضاء حلب عوضا عن ابن الزملكاني القاضي فخر الدين البازري وفي العشر الاول من ذي الحجة كمل ترخيم الجامع الاموي اعني حائطه الشمالي وجاء تنكز حتى نظر إليه فأعجبه ذلك وشكر ناظره تقي الدين بن مراجل وفي يوم الاضحى جاء سيل عظيم إلى مدينة بلبيس فهرب أهلها منها وتعطلت الصلاة والاضاحي فيها ولم ير مثله من مدة سنين متطاولة وخرب شيئا كثيرا من حواضرها وبساتينها فإنا الله وإنا إليه راجعون وممن توفي فيها من الاعيان :
*3* الامير ابو يحيى
@ زكريا بن أحمد بن محمد بن عبدالواحد أبي حفص الهنتاني الجياني المغربي أمير بلاد المغرب
ولد بتونس قيل سنة خمسين وستمائة وقرأ الفقه والعربية وكان ملوك تونس تعظمه وتكرمه لأنه من بيت الملك والامرة والوزارة ثم بايعه أهل تونس على الملك في سنة إحدى عشرة وسبعمائه وكان شجاعا مقداما وهو أول من أبطل ذكر ابن التومرت من الخطبة مع ان جده ابا حفص الهنتاني كان من أخص أصحاب ابن التومرت توفي في المحرم من هذه السنة بمدينة الاسكندرية رحمه الله
*3* الشيخ الصالح ضياء الدين
@ ضياء الدين أبو الفدا إسماعيل بن رضي الدين أبي الفضل المسلم بن الحسن بن نصر الدمشقي المعروف بابن الحموي كان هو وابوه وجده من الكتاب المشهورين المشكورين وكان هو كثير التلاوة والصلاة والصيام والبر والصدقة والاحسان إلى الفقراء والاغنياء ولد سنة خمس وثلاثين وستمائة وسمع الحديث الكثير وخرج له البرزالي مشيخة سمعناها عليه وكان من صدور أهل دمشق توفي يوم الجمعة رابع عشر صفر وصلى عليه ضحوة يوم السبت ودفن بباب الصغير وحج وجاور وأقام بالقدس مدة مات وله ثنتان وسبعون سنة رحمه الله وقد ذكر والده أنه حين ولد له فتح المصحف يتفاءل فإذا قوله الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق فسماه إسماعيل ثم ولد له آخر فسماه إسحاق وهذا من الاتفاق الحسن رحمهم الله تعالى

*3* الشيخ علي المحارفي
@ علي بن أحمد بن هوس الهلالي أصل جده من قرية إيل البسوق وأقام والده بالقدس وحج هو مرة وجاور بمكة سنة ثم حج وكان رجلا صالحا مشهورا ويعرف بالمحارفي لأنه كان يحرف الازقة ويصلح الرصفان لله تعالى وكان يكثر التهليل والذكر جهرة وكان عليه هيبة ووقار ويتكلم كلاما فيه تخويف وتحذير من النار وعواقب الردى وكان ملازما لمجالس ابن تيمية وكانت وفاته يوم الثلاثاء ثالث عشرين ربيع الاول ودفن بتربة الشيخ موفق الدين بالسفح وكانت جنازته حافلة جدا رحمه الله
*3* الملك الكامل ناصر الدين
@ أبو المعالي محمد بن الملك السعيد فتح الدين عبدالملك بن السلطان الملك الصالح إسماعيل أبي الجيش ابن الملك العادل أبي بكر بن أيوب أحد أكابر الامرء وأبناء الملوك كان من محاسن البلد ذكاء وفطنة وحسن عشرة ولطافة كلام بحيث يسرد كثيرا من الكلام بمنزلة الامثال من قوة ذهنه وحذاقة فهمه وكان رئيسا من أجواد الناس توفي عشية الاربعاء عشرين جمادي الاولى وصلى عليه ظهر الخيمس بصحن الجامع تحت النسر ثم أرادوا دفنه عند جده لأمه الملك الكامل فلم يتيسر ذلك فدفن بتربة أم الصالح سامحه الله وكان له سماع كثير سمعنا عليه منه وكان يحفظ تاريخا جيدأن
وقام ولده الأمير صلاح الدين مكانه في إمرة الطبلخانة وجعل أخوه في عشرته ولبسا الخلع السلطانية بذلك
*3* الشيخ الامام نجم الدين
@ احمد بن محمد بن أبي الحزم القرشي المخزومي التمولي كان من أعيان الشافعية وشرح الوسيط وشرح الحاجبية في مجلدين ودرس وحكم بمصر وكان محتسبا بها أيضا وكان مشكور السيرة فيها وقد تولى بعده الحكم نجم الدين بن عقيل والحسبة ناصر الدين بن قار السبقوق توفي في رجب وقد جاوز الثمانين ودفن بالقرافة رحمه الله
*3* الشيخ الصالح أبو القاسم
@ عبد الرحمن بن موسى بن خلف الحزامي أحد مشاهير الصالحين بمصر توفي بالروضة وحمل إلى شاطيء النيل وصلى عليه وحمل على الرؤس والأصابع ودفن عند ابن أبي حمزة وقد قارب الثمانين وكان ممن يقصد إلى الزيارة رحمه الله
*3* القاضي عز الدين
@ عبد العزيز بن احمد بن عثمان بن عيسى بن عمر بن الخضر الهكاري الشافعي قاضي المحلة كان من خيار القضاة وله تصنيف على حديث المجامع في رمضان يقال إنه استنبط فيه ألف حكم توفي في رمضان وقد كان حصل كتبا جيدة منها التهذيب لشيخنا المزي
*3* الشيخ كمال الدين بن الزملكاني
@ شيخ الشافعية باشام وغيرها انتهت إليه رياسة المذهب تدريسا وإفتاء ومناظرة ويقال في نسبة السماكي نسبة إلى أبي دجانة سماك بن خرشة والله اعلم ولد ليلة الاثنين ثامن شوال سنة ست وستين وستمائة وسمع الكثير واشتغل على الشيخ تاج الدين الفزاري وفي الاصول على القاضي بهاء الدين بن الزكي وفي النحو على بدر الدين بن ملك وغيرهم وبرع وحصل وساد اقرانه من أهل مذهبه وحاز قصب السبق عليهم بذهنه الوقاد في تحصيل العلم الذي أسهره ومنعه الرقاد وعبارته التي هي أشهى من كل شيء معتاد وخطه الذي هو أنضر من أزاهير الوهاد وقد درس بعدة مدارس بدمشق وباشر عدة جهات كبار كنظر الخزانة ونظر المارستان النوري وديوان الملك السعيد ووكالة بيت المال وله تعاليق مفيدة واختيارات حميدة سديدة ومناظرات سعيدة ومما علقه قطعة كبيرة من شرح المنهاج للنووي ومجلد في الرد على الشيخ تقي الدين ابن تيمية في مسألة الطلاق وغير ذلك وأما دروسه في المحافل فلم أسمع أحدا من الناس درس أحسن منها ولا أحلى من عبارته وحسن تقريره وجودة احترازاته وصحة ذهنه وقوة قريحته وحسن نظمه وقد
درس بالشامية البرانية والعذراوية والظاهرية الجوانية والرواحية والمسرورية فكان يعطي كل واحدة منهن حقها بحيث كان يكاد ينسخ بكل واحد من تلك الدروس ما قبله من حسنه وفصاحته ولا يهيله تعداد الدروس وكثرة لفقهاء والفضلاء بل كلما كان الجمع أكثر والفضلاء أكبر كان الدرس أنضر وابهر وأحلى وأنصح وأفصح ثم لما انتقل إلى قضاء حلب وما معه من المدارس العديدة عامله معاملة مثلها وأوسع بالفضيلة جميع أهلها وسمعوا من العلوم ما لم يسمعوا هم ولا آباؤهم ثم طلب إلى الديار المصرية ليولي الشامية دار السنة النبوية فعاجلته المنية قبل وصوله إليها فمرض وهو سائر على البريد تسعة أيام ثم عقب المرض بحراق الحمام فقبضه هاذم اللذات وحال بينه وبين سائر الشهوات ولاارادات والاعمال بالنيات ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجا فهجرته إلى ما هاجر إليه وكان من نيته الخبيثة إذا رجع إلى الشام متوليا أن يؤذي شيخ الاسلام ابن تيمية فدعا عليه فلم يبلغ أمله ومراده فتوفي في سحر يوم الاربعاء سادس عشر شهر رمضان بمدينة بلبيس وحمل إلى القاهرة ودفن بالقرافة ليلة الخميس جوار قبة الشافعي تغمدهما الله برحمته
*3* الحاج علي المؤذن المشهور بالجامع الأموي
@ الحاج علي بن فرج بن أبي الفضل الكتاني كان أبوه من خيار المؤذنين فيه صلاح ودين وله قبول عند الناس وكان حسن الصوت جهوره وفيه تودد وخدم وكرم وحج غير مرة وسمع من أبي عمر وغيره توفي ليلة الاربعاء ثالث القعدة وصلى عليه غدوة ودفن بباب الصغيرة وفي ذي القعدة توفي
*3* الشيخ فضل ابن الشيخ الرجيحي التونسي
@ وأجلس أخوه يوسف مكانه بالزاوية
*2* ثم دخلت سنة ثمان وعشرين وسبعمائة
@
في ذي القعدة منها كانت وفاة شيخ الاسلام أبي العباس أحمد بن تيمية قدس الله روحه كما ستأتي ترجمة وفاته في الوفيات إن شاء الله تعالى
استهلت هذه السنة وحكام البلاد هم المذكورون في التي قبلها سوى نائب مصر وقاضي حلب وفي يوم الاربعاء ثاني المحرم درس بحلقه صاحب حمص الشيخ الحافظ صلاح الدين العلائي نزل له عنها شيخنا الحافظ المزي وحضر عنده الفقهاء والقضاة والاعيان وذكر درسا حسنا مفيدا وفي يوم الجمعة رابع المحرم حضر قاضي القضاة علاء الدين القونوي مشيخة الشيوخ بالسمساطية عوضا عن القاضي المالكي شرف الدين وحضر عنده الفقهاء والصوفية على العادة وفي يوم الاحد ثامن عشر صفر درس بالمسرورية تقي الدين عبد الرحمن بن الشيخ كمال الدين بن الزملكاني عوضا عن جمال الدين بن الشريشني بحكم انتقاله إلى قضاء حمص وحضر الناس عنده وترحموا على والده
وفي يوم الاحد خامس عشرين صفر وصل إلى دمشق الامير الكبير صاحب بلاد الروم تمرتاش ابن جوبان قاصدا إلى مصر فخرج نائب السلطنة والجيش إلى تلقيه وهو شاب حسن الصورة تام الشكل مليح الوجه ولما انتهى إلى السلطان بمصر أكرمه وأعطاه تقدمة ألف وفرق أصحابه على الامراء وأكرموا إكراما زائدا وكان سبب قدومه إلى مصر أن صاحب العراق الملك أبا سعيد كان قد قتل أخاه جواجا رمشتق في شوال من السنة الماضية فهم والده جوبان بمحاربة السلطان أبي سعيد فلم يتمكن من ذلك وكان جوبان إذ ذاك مدبر الممالك فخاف تمرتاش هذا عند ذلك من السلطان ففر هاربا بدمه إلى السلطان الناصر بمصر
وفي ربيع الاول توجه نائب الشام سيف الدين تنكز إلى الديار المصرية لزيارة السلطان فأكرمه واحترمه واشترى في هذه السفرة دار الفلوس التي بالقرب من البزوريين والجوزية وهي شرقيها وقد كان سوق البزورية اليوم يسمى سوق القمح فاشترى هذه الدار وعمرها دارا هائلة ليس بدمشق دار أحسن منها وسماها دار الذهب وهدم حمام سويد تلقاءها وجعله دار قرآن وحديث في غاية الحسن أيضا ووقف عليها أماكن ورتب فيه المشايخ والطلبة كما سيأتي تفصيلة في موضعه وأجتاز برجوعه من مصر بالقدس الشريف وزاره وأمر ببناء حمام به وبناء دار حديث أيضا به وخانقاه كما يأتي بيانه وفي آخر ربيع الاول وصلت القناة إلى القدس التي أمر بعمارتها وتجديدها سيف الدين تنكز قطلبك فقام بعمارتها مع ولاة تلك النواحي وفرح المسلمون بها ودخلت حتى إلى شط المسجد الاقصى وعمل به بركة هائلة وهي مرخمة ما بين الصخرة والاقصى وكان ابتداء عملها من شوال من السنة الماضية وفي هذه المدة عمر سقوف شرافات المسجد الحرام وإيوانه وعمرت بمكة طهارة ما يلي باب بني شيبة
قال البرزالي وفي هذا الشهر كملت عمارة الحمام الذي بسوق باب توما وله بابان وفي ربيع الاخر نقض الترخيم الذي يحائط جامع دمشق القبلي من جهة الغرب مما يلي باب الزيادة فوجدوا الحائط متجافيا فخيف من أمره وحضر تنكز بنفسه ومعه العصاة وأرباب الخبرة فاتفق رأيهم على نقضه وإصلاحه وذلك يوم الجمعة بعد الصلاة سابع عشرين ربيع الاخر وكتب نائب السلطنة إلى السلطان يعلمه بذلك ويستأذنه في عمارته فجاء المرسوم بالاذن بذلك فشرع في نقضه يوم الجمعة خامس عشرين جمادي الاولى وشرعوا في عمارته يوم الاحد تاسع جمادي الاخرة وعمل محراب فيما بين الزيادة ومقصورة الخطابة يضاهي محراب الصحابة ثم جدوا ولازموا في عمارته وتبرع كثير من الناس بالعمل فيه من سائر الناس فكان يعمل فيه كل يوم أزيد من مائة رجل حتى كملت عمارة الجدار واعيدت طاقاته وسقوفه في العشرين من رجب وذلك بهمة تقي الدين بن مراجل
وهذا من العجب فإنه نقض الجدار وما يسامته من السقف وأعيد في مدة لا يتخيل إلى أحد ان عمله يفرغ فيما يقارب هذه المدة جزما وساعدهم على سرعة الاعادة حجارة وجدوها في أساس الصومعة الغربية التي عند الغزالية وقد كان في كل زاوية من هذا المعبد صومعة كما في الغربية والشرقية القبلتين منه فابيدت الشماليتين قديما ولم يبق منهما من مدة ألوف من السنين سوى اس هذه المأذنة الغربية الشمالية فكانت من اكبر العون على إعادة هذا الجدار سريعا ومن العجب أن ناظر الجامع ابن مراجل لم ينقص أحدا من ارباب المرتبات على الجامع شيئا مع هذه العمارة

وفي ليلة السبت خامس جمادي الاولى وقع حريق عظيم بالقرايين واتصل بالرماحين واحترقت القيسارية والمسجد الذي هناك وهلك للناس شيء كثير من الفرا والجوخ والاقمشة فإنا لله وإنا إليه راجعون
وفي يوم الجمعة عاشره بعد الصلاة صلى على القاضي شمس الدين بن الحريري قاضي قضاة الحنفية بمصر وصلى عليه صلاة الغائب بدمشق وفي هذا اليوم قدم البريد بطلب برهان الدين بن عبد الحق الحنفي إلى مصر ليلى القضاء بها بعد ابن الحريري فخرج مسافرا إليها ودخل مصرفي خامس عشرين جمادي الاولى واجتمع بالسلطان فولاه القضاء وأكرمه وخلع عليه واعطاه بغلة يزناري وحكم بالمدرسة الصالحية بحضرة القضاة والحجاب ورسم له بجميع جهات ابن الحريري
وفي يوم الاثنين تاسع جمادي الاخرة اخرج ما كان عند الشيخ تقي الدين بن تيمية من الكتب والاوراق والدواة والقلم ومنع من الكتب والمطالعة وحملت كتبه في مستهل رجب إلى خزانة الكتب بالعادلية الكبيرة قال البرزالي وكانت نحو ستين مجلدا وأربع عشرة ربطة كراريس فنظر القضاة والفقهاء فيها وتفرقوها بينهم وكان سبب ذلك انه اجاب لما كان رد عليه التفي ابن الاخنائي المالكي في مسألة الزيارة فرد عليه الشيخ تقي الدين واستجلهه وأعلمه أنه قليل البضاعة في العلم فطلع الاخنائي إلى السلطان وشكاه فرسم السلطان عند ذلك باخراج ما عنده من ذلك وكان ما كان كما ذكرنا وفي أواخره رسم لعلاء الدين بن القلانسي في الدست مكان أخيه جمال الدين توقيرا لخاطره عن المباشرة وان يكون معلومة على قضاء العساكر والوكالة وخلع عليهما بذلك
وفي يوم الثلاثاء ثالث عشرين رجب رسم للأئمة الثلاثة الحنفي والمالكي والحنبلي بالصلاة في الحائط القبلي من الاموي فعين المحراب الجديد الذي بين الزيادة والمقصورة للامام الحنفي وعين محراب الصحابة للمالكي وعين محراب مقصورة الخضر الذي كان يصلي فيه المالكي للحنبلي وعوض إمام محراب الصحابة بالكلاسة وكان قبل ذلك في حال العمارة قد بلغ محراب الحنفية من المقصورة المعروفة بهم ومحراب الحنابلة من خلفهم في الرواق الثالث الغربي وكانا بين الاعمدة فنقلت تلك المحاريب وعوضوا بالمحاريب المستقرة بالحائط القبلي واستقر الامر كذلك وفي العشرين من شعبان مسك الامير تمرتاش بن جوبان الذي اتى هاربا إلى السلطان الناصر بمصر وجماعة من أصحابه وحبسوا بقلعة مصر فلما كان ثاني شوال أظهر موته يقال إنه قتله السلطان وأرسل رأسه إلى أبي سعيد صاحب العراق ابن خربندا ملك التتار
وفي يوم الاثنين ثاني شوال خرج الركب الشامي وأميره فخر الدين عثمان بن شمس الدين لؤلؤ الحلبي أحد أمراء دمشق وقاضيه قاضي قضاة الحنابلة عز الدين بن التقي سليمان وممن حج الأمير حسام الدين الشبمقدار والأمير قبجق والأمير حسام الدين بن النجيبي وتقي الدين بن السلعوس وبدر الدين بن الصائغ وابنا جهبل والفخر المصري والشيخ علم الدين البرزالي وشهاب الدين الطاهري وقبل ذلك بيوم حكم القضاي المنفلوطي الذي كان حاكما ببعلبك بدمشق نيابة عن شيخه قاضي القضاة علاء الدين القونوي وكان مشكور السيرة تألم أهل بعلبك لفقده فحكم بدمشق عوضا عن القونوي بسبب عزمه على الحج ثم لما رجع الفخر من الحج عاد إلى الحكم واستمر المنفلوطي يحكم ايضا فصاروا ثلاث نواب ابن جملة والفخر المصري والمنفلوطي وسافر ابن الحشيشي في ثاني عشرين شوال إلى القاهرة لينوب عن القاضي فخر الدين كاتب المماليك إلى حين رجوعه من الحجاز فلما وصل ولى حجابة ديوان الجيش واستمر هناك واستقل قطب الدين ابن شيخ السلامية بنظر الجيش بدمشق على عادته
وفي شوال خلع على أمين الملك بالديار المصرية وولى نظر الدواوين فباشره شهرا ويومين وعزل عنه
*3* وفاة شيخ الاسلام أبي العباس تقي الدين أحمد بن تيمية
@ قال الشيخ علم الدين البرزالي في تاريخ وفي ليلة الاثنين العشرين من ذي العقدة توفي الشيخ الامام العالم العلم العلامة الفقيه الحافظ الزاهد العابد المجاهد القدوة شيخ الاسلام تقي الدين أبو العباس أحمد بن شيخنا الامام العلامة المفتي شهاب الدين ابي المحاسن عبدالحليم ابن الشيخ الامام شيخ الاسلام ابي البركات عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم محمد بن الخضر بن محمد ابن الخضر بن علي بن عبد الله بن تيمية الحراني ثم الدمشقي بقلعة دمشق بالقاعة التي كان محبوسا بها وحضر جمع كثير إلى القلعة وأذن لهم في الدخول عليه وجلس جماعة عنده قبل الغسل وقرؤا القرآن وتبركوا برؤيته وتقبيله ثم انصرفوا ثم حضر جماعة من النساء ففعلن مثل ذلك ثم انصرفن واقتصروا على من يغسله فلما فرغ من غسله اخرج ثم اجتمع الخلق بالقلعة والطريق إلى الجامع وامتلأ الجامع أيضا ! وصحته والكلاسة وباب البريد وباب الساعات إلى باب اللبادين والغوارة وحضرت الجنازة في الساعة الرابعة من النهار أو نحو ذلك ووضعت في الجامع والجند قد احتاطوا بها يحفظونها من الناس من شدة الزحام وصلى عليه أولا بالقلعة تقدم في الصلاة عليه أولا الشيخ محمد بن تمام ثم صلى عليه بالجامع الاموي عقيب صلاة الظهر وقد تضاعف اجتماع الناس على ما تقدم ذكره ثم تزياد الجمع إلى أن ضاقت الرحاب والازقة والاسواق بأهلها ومن فيها ثم حمل بعد ان صلى عليه على الرؤس والاصابع وخرج النعش به من باب البريد واشتد الزحام وعلت الاصوات بالبكاء والنحيب والترحم عليه والثناء والدعاء له والقى الناس على نعشه مناديلهم وعمائهم وثايبهم وذهبت النعال من أرجل الناس وقباقيبهم ومناديل وعمائم لا يلتفتون إليها لشغلهم بالنظر إلى الجنازة وصار النعش على الرؤس تارة يتقدم وتارة يتأخر وتارة يقف حتى تمر الناس وخرج الناس من الجامع من أبوابه كلها وهي شديدة الزحام كل باب أشد زحمة من الاخر ثم خرج الناس من ابواب البلد جميعها من شدة الزحام فيها لكن كان معظم الزحام من الابواب الاربعة باب الفرج الذي أخرجت منه الجنازة وباب الفراديس وباب النصر وباب الجابية وعظم الأمر بسوق الخيل وتضاعف الخلق وكثر الناس ووضعت الجنازة هناك وتقدم للصلاة عليه هناك أخوه زين الدين عبد الرحمن فلما قضيت الصلاة حمل إلى مقبرة الصوفية فدفن إلى جانب أخيه شرف الدين عبد الله رحمهما الله وكان دفنه قبل العصر بيسير وذلك من كثرة من يأتي ويصلي عليه من أهل البساتين وأهل الغوطة وأهل القرى وغيرهم وأغلق الناس حوانيتهم ولم يتخلف عن الحضور إلا من هو عاجز عن الحضور مع الترحم والدعاء له وأنه لو قدر ما تخلف وحضر نساء كثيرات بحيث حزرن بخمسة عشر ألف امرأة غير اللاتي كن على الاسطحة وغيرهن الجميع يترحمن ويبكين عليه فيما قيل وأما الرجال فحزروا بستين ألفا إلى مائة ألف إلى أكثر من ذلك إلى مائتي ألف وشرب جماعة الماء الذي فضل من غسله واقتسم جماعة بقية السدر الذي غسل به ودفع في الخيط الذي كان فيه الزئبق الذي كان في عنقه بسبب القمل مائة وخمسون درهما وقيل إن الطاقية التي كانت على رأسه دفع فيها خمسمائة درهما وحصل في الجنازة ضجيج وبكاء كثير وتضرع وختمت له ختمات كثيرة بالصالحية وبالبلد وتردد الناس إلى قبره أياما كثيرة ليلا ونهارا يبيتون عنده ويصبحون ورؤيت له منامات صالحة كثيرة ورثاه جماعة بقصائد جمة
وكان مولده يوم الأثنين عاشر ربيع الاول بحران سنة إحدى وستين وستمائة وقدم مع والده واهله إلى دمشق وهو صغير فسمع الحديث من ابن عبدالدائم وابن ابي اليسر وابن عبدان والشيخ شمس بن الحنبلي والشيخ شمس الدين بن عطاء الحنفي والشيخ جمال الدين بن الصيرفي ومجد الدين ابن عساكر والشيخ جمال الدين البغدادي والنجيب بن المقداد وابن ابي الخير وابن علان وابن ابي بكر اليهودي والكمال عبدالرحيم والفخر علي وابن شيبان والشرف بن القواس وزينب بنت مكي وخلق كثير سمع منهم الحديث وقرأ بنفسه الكثير وطلب الحديث وكتب الطباق والاثبات ولازم السماع بنفسه مدة سنين وقل أن سمع شيئا إلا حفظه ثم اشتغل بالعلوم وكان ذكيا كثير المحفوظ فصار إماما في التفسير وما يتعلق به عارفا بالفقه فيقال إنه كان أعرف بفقه المذاهب من أهلها الذين كانوا في زمانه وغيره وكان عالما باختلاف العلماء عالما في الاصول والفروع والنحو واللغة وغير ذلك من العلوم النقلية والعقلية وما قطع في مجلس ولا تكلم معه فاضل في فن من الفنون إلا ظن أن ذلك الفن فنه ورآه عارفا به متقنا له وأما الحديث فكان جامل رايته حافظا له مميزا بين صحيحه وسقيه عارفا برجاله متضلعا من ذلك وله تصانيف كثيرة وتعاليق مفيدة في الاصول والفروع كمل منها جملة وبيضت وكتبت عنه وقرئت عليه أو بعضها وجملة كبيرة لم يكلمها وجملة كملها ولم تبيض إلى الان وأثنى عليه وعلى علومه وفضائله جماعة من علماء عصره مثل القاضي الخوبي وابن دقيق العيد وابن النحاس والقاضي الحنفي قاضي قضاة مصر ابن الحريري وابن الزملكاني وغيرهم ووجدت بخط ابن الزملكاني انه قال اجتمعت فيه شروط الاجتهاد على وجهها وان له اليد الطولي في حسن التصنيف وجودة العبارة والترتيب والتقسيم والتدين وكتب على تصنيف له هذه الابيات
ماذا يقول الواصفون له * وصفاته جلت عن الحصر
هو حجة لله قاهرة * هو بيننا أعجوبة الدهر
هو آية في الخلق ظاهرة * أنوارها اربت على الفجر


التوقيع :


اللهم صل على سيدنا محمد عبدك ونبيك ورسولك
النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم تسليما عدد مااحاط به علمك
وخط به قلمك واحصاه كتابك
وارض اللهم عن سادتنا ابي بكر وعمر وعثمان وعلي
وعن الصحابة أجمعين وعن التابعين وتابعيهم بإحسان الى يوم الدين





رد مع اقتباس
قديم 09-01-2006, 11:04 PM   رقم المشاركة : 12
الكاتب

أفاق : الاداره

مراقب

مراقب

أفاق : الاداره غير متواجد حالياً


الملف الشخصي









أفاق : الاداره غير متواجد حالياً


مشاركة: البداية والنهاية الجزء الرابع عشر

وهذا الثناء عليه وكان عمره يومئذ نحو الثلاثين سنة وكان بيني وبينه مودة وصحبة من الصغر وسماع الحديث والطلب من نحو سنة وله فضائل كثيرة وأسماء مصنفاته وسيرته وما جرى بينه وبين الفقهاء والدولة وحبسه مرات وأحواله لا يحتمل ذكر جميعها هذا الموضع وهذا الكتاب
ولما مات كنت غائبا عن دمشق بطريق الحجاز ثم بلغنا خبر موته بعد وفاته بأكثر من خمسين يوما لما وصلنا إلى تبوك وحصل التأسف لفقده رحمه الله تعالى هذا لفظه في هذا الموضع من تاريخه
ثم ذكر الشيخ علم الدين بعد إيراد هذه الترجمة جنازة ابي بكر بن أبي داود وعظمها وجنازة الامام احمد ببغداد وشهرتها وقال الامام ابو عثمان الصابوني سمعت ابا عبدالرحمن السيوفي يقول حضرت جنازة أبي الفتح القواس الزاهد مع الشيخ ابي الحسن الدارقطني فلما بلغ إلى ذلك الجمع العظيم أقبل علينا وقال سمعت أبا سهل بن زياد القطان يقول سمعت عبد الله بن أحمد بن حنبل يقول سمعت ابي يقولي قولوا لأهل البدع بيننا وبينكم الجنائز قال ولا شك ان جنازة احمد بن
حنبل كانت هائلة عظيمة بسبب كثرة أهل بلده واجتماعهم لذلك وتعظيمهم له وأن الدولة كانت تحبه والشيخ تقي الدين ابن تيمية رحمه الله توفي ببلدة دمشق وأهلها لا يعشرون أهل بغداد حينئذ كثرة ولكنهم اجتمعوا لجنازته اجتماعا لو جمعهم سلطان قاهر وديوان حاصر لما بلغوا هذه الكثرة التي اجتمعوها في جنازته وانتهوا إليها هذا مع ان الرجل مات بالقلعة محبوسا من جهة السلطان وكثير من الفقهاء والفقراء يذكرون عنه للناس أشياء كثيرة مما ينفر منها طباع اهل الاديان فضلا عن اهل الاسلام وهذه كانت جنازته
قال وقد اتفق موته في سحر ليلة الاثنين المذكور فذكر ذلك مؤذن القلعة على المنارة بها وتكلم به الحراس على الابرجة فما أصبح الناس إلا وقد تسامعوا بهذا الخطب العظيم والامر الجسيم فبادر الناس على الفور إلى الاجتماع حول القلعة من كل مكان أمكنهم المجيء منه حتى من الغوطة والمرج ولم يطبخ أهل الاسواق شيئا ولا فتحوا كثيرا من الدكاكين التي من شأنها أن تفتح اوائل النهار على العادة وكان نائب السلطنة تنكز قد ذهب يتصيد في بعض الامكنة فحارت الدولة ماذا يصنعون وجاء الصاحب شمس الدين غبريال نائب القلعة فعزاه فيه وجلس عنده وفتح باب القلعة لمن يدخل من الخواص والاصحاب والاحباب فاجتمع عند الشيخ في قاعته خلق من أخصاء أصحابه من الدولة وغيرهم من أهل البلد والصالحية فجلسوا عنده يبكون ويثنون على مثل ليلى يقتل المرء نفسه وكنت فيمن حضر هناك مع شيخنا الحافظ ابي الحجاج المزي رحمه الله وكشفت عن وجه الشيخ ونظرت إليه وقبلته وعلى رأسه عمامه بعذب مغروزة وقد علاه الشيب أكثر مما فارقناه وأخبر الحاضرين أخوه زين الدين عبد الرحمن أنه قرأ هو والشيخ منذ دخل القلعة ثمانين ختمة وشرعا في الحادية والثمانين فانتهينا فيها إلى آخر اقتربت الساعة إنالمتقين في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر فشرع عند ذلك الشيخان الصالحان الخيران عبد الله بن المحب وعبد الله الزرعي الضرير وكان الشيخ رحمه الله يحب قراءتهما فابتدآ من أول سورة الرحمن حتى ختموا القرآن وأنا حاضر أسمع وأرى
ثم شرعوا في غسل الشيخ وخرجت إلى مسجد هناك ولم يدعوا عنده إلا من ساعد في غسله منهم شخينا الحافظ المزي وجماعة من كبار الصالحين الاخيار أهل العلم والإيمان فما فرغ منه حتى امتلأت القلعة وضج الناس بالبكاء والثناء والدعاء والترحم ثم ساروا به إلى الجامع فسلكوا طريق العمادية على العادلية الكبيرة ثم عطفوا على ثلث الناطفانيين وذلك أن سويقة باب البريد كانت قد هدمت لتصلح ودخلوا بالجنازة إلى الجامع الأموي والخلائق فيه بين يدي الجنازة وخلفها وعن يمينها وشمالها مالا يحصى عدتهم إلا الله تعالى فصرخ صارخ وصاح صائح هكذا
تكون جنائز أئمة السنة فتباكى الناس وضجوا عند سماع هذا الصارخ ووضع الشيخ في موضع الجنائز مما يلي المقصورة وجلس الناس من كثرتهم وزحمتهم على غير صفوف بل مرصوصين رصا لا يتمكن أحد من السجود إلا بكلفة جو الجامع ويرى الأزقة والاسواق وذلك قبل اذان الظهر بقليل وجاء الناس من كل مكان وقوى خلق الصيام لأنهم لا يتفرغون في هذا اليوم لمأكل ولا لشرب وكثر الناس كثرة لا تحد ولا توصف فلما فرغ من اذان الظهر أقيمت الصلاة عقبه على السدة خلاف العادة فلما فرغوا من الصلاة خرج نائب الخطيب لغيبة الخطيب بمصر فصلى عليه إماما وهو الشيخ علاء الدين الخراط ثم خرج الناس من كل مكان من أبواب الجامع والبلد كما ذكرنا واجتمعوا بسوق الخيل ومن الناس من تعجل بعد ان صلى في الجامع إلى مقابر الصوفية والناس في بكاء وتهليل في مخافته كل واحد بنفسه وفي ثناء وتأسف والنساء فوق الاسطحة من هناك إلى المقبرة يبكين ويدعين ويقلن هذا العالم
وبالجملة كان يوما مشهودا لم يعهد مثله بدمشق إلا أن يكون في زمن بني أمية حي كان الناس كثيرين وكانت دار الخلافة ثم دفن عند أخيه قريبا من أذان العصر على التحديد ولا يمكن أحد حصر من حضر الجنازة وتقريب ذلك أنه عبارة عمن امكنه الحضور من أهل البلد وحواضره ولم يتخلف من الناس إلا القليل من الصغار والمخدرات وما علمت احدا من أهل العلم إلا النفر اليسير تخلف عن الحضور في جنازته وهم ثلاثة أنفس وهم ابن جملة والصدر والقفجاري وهؤلاء كانوا قد اشتهروا بمعاداته فاختفوا من الناس خوفا على أنفسهم بحيث إنهم علموا متى خرجوا قتلوا واهلكهم الناس وتردد شيخنا الامام العلامة برهان الدين الفزاري إلى قبره في الايام الثلاثة وكذلك جماعة من علماء الشافعية وكان برهان الدين الفزاري يأتي راكبا على حماره وعليه الجلالة والوقار حمه الله
وعملت له ختمات كثيرة ورؤيت له منامات صالحة عجيبة ورثى بأشعار كثيرة وقصائد مطولة جدا وقد أفردت له تراجم كثيرة وصنف في ذلك جماعة من الفضلاء وغيرهم وسألخص من مجموع ذلك ترجمة وجيزة في ذكر مناقبه وفضائله وشجاعته وكرمه ونصحه وزهادته وعبادته وعلومه المتنوعة الكثيرة المجودة وصفاته الكبار والصغار التي احتوت على غالب العلوم ومفرداته في الاختيارات التي نصرها بالكتاب والسنة وأفتى بها وبالجملة كان رحمه الله من كبار العلماء وممن يخطيء ويصيب ولكن خطؤه بالنسبة إلى صوابه كنقطة في بحر لجي وخطؤه أيضا مغفور له كما في صحيح البخاري إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله
أجرا وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر فهو مأجور وقال الامام مالك بن أنس كل احد يؤخذ من قوله ويترك إلا صاحب هذا القبر وفي سادس عشرين ذي القعدة نقل تنكز حواصله وأمواله من دار الذهب داخل باب الفراديس إلى الدار التي أنشأها وتعرف بدار فلوس فسميت دار الذهب وعزل خزنداره ناصر الدين محمد ابن عيسى وولى مكانه مملوكه أباجي وفي ثاني عشرين القعدة جاء إلى مدينة عجلون سيل عظيم من أول النهار إلى وقت العصر فهدم من جامعها وأسواقها ورباعها ودورها شيئا كثيرا وغرق سبعة نفر وهلك للناس شيء كثير من الاموال والغلات والامتعة والمواشي ما يقارب قيمته ألف ألف درهم والله أعلم وإنا لله وإنا إليه راجعون
وفي يوم الاحد ثامن عشر ذي الحجة ألزم القاضي الشافعي الشيخ علاء الدين القونوي جماعة الشهود بسائر المراكز أن يرسلوا في عمائهم العذبات ليتميزوا بذلك عن عوام الناس ففعلوا ذلك أياما ثم تضرروا من ذلك فأرخص لهم في تركها ومنهم من استمر بها وفي يوم الثلاثاء عشرين ذي الحجة أفرج عن الشيخ الامام العالم العلامة أبي عبد الله شمس الدين ابن قيم الجوزية وكان معتقلا بالقلعة أيضا من بعد اعتقال الشيخ تقي الدين بأيام من شعبان سنة ست وعشرين إلى هذا الحين وجاء الخبر بأن السلطان أفرج عن الجاولي والامير فرج بن قراسنقر ولاجين المنصوري وأحضروا بعد العيد بين يديه وخلع عليهم وفيه وصل الخبر بموت الامير الكبير جوبان نائب السلطان ابي سعيد على تلك البلاد ووفاة قراسنقر المنصوري أيضا كلاهما في ذي القعدة من هذه السنة وجوبان هذا هو الذي ساق القناة الواصلة إلى المسجد الحرام وقد غرم عليها أموالا جزيلة كثيرة وله تربة بالمدينة النبوية ومدرسة مشهورة وله آثار حسنة وكان جيد الاسلام له همة عالية وقد دبر الممالك في أيام أبي سعيد مدة طويلة على السداد ثم أراد أبو سعيد مسكة فتخلص من ذلك كما ذكرنا ثم إن أبا سعيد قتل ابنه خواجا دمشق في السنة الماضية ففر ابنه الآخر تمرتاش هاربا إلى سلطان مصر فآواه شهرا ثم ترددت الرسل بين الملكين في قتله فقتله صاحب مصر فيما قيل وأرسل برأسه إليه ثم توفي أبوه بعده بقليل والله أعلم بالسرائر
وأما قراسنقر المنصوري فهو من جملة كبار أمرءا مصر والشام وكان من جملة من قتل الاشرف خليل بن المنصور كما تقدم ثم ولى نيابة مصر مدة ثم صار إلى نيابة دمشق ثم إلى نيابة حلب ثم فر إلى التتر هو والافرم والزركاشي فآواهم ملك التتار خربندا وأكرمهم وأقطعهم بلادا كثيرة وتزوج قراسنقر بنت هولاكو ثم كانت وفاته بمراغة بلده التي كان حاكما بها في هذه السنة
وله نحو تسعين سنة والله أعلم.
وممن توفي فيها من الاعيان شيخ الاسلام العلامة تقي الدين ابن تيمية كما تقدم ذكر ذلك في الحوادث وسنفرد له ترجمة على حدة إن شاء الله تعالى
*3* الشريف العالم عز الدين
@ عز الدين أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد بن عبد المحسن العلوي الحسيني العراقي الاسكندري الشافعي سمع الكثير وحفظ الوجيز في الفقه والايضاح في النحو وكان زاهدا متقللا من الدنيا وبلغ تسعين سنة وعقله وعلمه وذهنه ثابت متيقظ ولد سنة ثمان وثلاثين وستمائة وتوفي يوم الجمعة خامس المحرم ودفن بالاسكندرية بين المادين رحمه الله
*3* الشمس محمد بن عيسى التكريدي
@ كانت فيه شهامة وحزامة وكان يكون بين يدي الشيخ تقي الدين بن تيمية كالمنفذ لما يأمر به وينهى عنه ويرسله الامراء وغيرهم في الامور المهمة وله معرفة وفهم بتبليغ رسالته على أتم الوجوه توفي في الخامس من صفر بالقبيبات ودفن عندالجامع الكريمي رحمه الله تعالى

@ احمد بن محمد بن أبي الحزم القرشي المخزومي التمولي كان من أعيان الشافعية وشرح الوسيط وشرح الحاجبية في مجلدين ودرس وحكم بمصر وكان محتسبا بها أيضا وكان مشكور السيرة فيها وقد تولى بعده الحكم نجم الدين بن عقيل والحسبة ناصر الدين بن قار السبقوق توفي في رجب وقد جاوز الثمانين ودفن بالقرافة رحمه الله
*3* الشيخ أبو بكر الصالحالي
@ أبو بكر بن شرف بن محسن بن معن بن عمان الصالحي ولد سنة ثلاث وخمسين وستمائة وسمع الكثير صحبة الشيخ تقي الدين بن تيمية والمزي وكان ممن يحب الشيخ تقي الدين وكان معهما كالخادم لهما وكان فقيرا ذا عيال يتناول من الزكاة والصدقات ما يقوم بأوده واقام في آخر عمره بحمص وكان فصيحا مفوها له تعاليق وتصانيف في الاصول وغيرها وكان له عبادة وفيه خير وصلاح وكان يتكلم على الناس بعد صلاة الجمعة إلى العصر من حفظه وقد اجتمعت بامره صحبة شيخنا المزي حين قدم من حمص فكان قوى العبارة فصيحها متوسطا بالعلم له ميل إلى التصوف والكلام في الاحوال والاعمال والقلوب وغير ذلك وكان يكثر ذكر الشيخ تقي الدين بن تيمية توفي بحمص في الثاني والعشرين من صفر من هذه السنة وقد كان الشيخ يحض الناس على الاحسان إليه وكان يعطيه ويرفده
*3* ابن الدواليبي البغدادي
@ الشيخ الصالح العالم العابد الرحلة المسند المعمر عفيف الدين أبو عبد الله محمد بن عبد المحسن ابن أبي الحسين بن عبدالغفار البغدادي الأرجي الحنبلي المعروف بابن الدواليبي شيخ دار الحديث المستنصرية ولد في ربيع الاول سنة ثمان وثلاثين وستمائة وسمع الكثير وله إجازات عالية واشتغل بحفظ الخرقي وكان فاضلا في النحو وغيره وله شعر حسن وكان رجلا صالحا جاوز التسعين وصار رحلة العراق وتوفي يوم الخميس رابع جمادي الاولى ودفن بمقبرة الامام أحمد مقابر الشهداء
رحمه الله وقد أجازني فيمن أجاز من مشايخ بغداد ولله الحمد
*3* قاضي القضاة شمس الدين ابن الحريري
@ أبو عبد الله محمد بن صفي الدين أبي عمر وعثمان بن أبي الحسن عبدالوهاب الانصاري الحنفي ولد سنة ثلاث وخسمين وسمع الحديث واشتغل وقرأ الهداية وكان فقيها جيدا ودرس بأماكن كثيرة بدمشق ثم ولى القضاء بها ثم خطب إلى قضاء الديار المصرية فاستمر بها مدة طويلة محفوظ العرض لا يقبل من أحد هدية ولا تأخذه في الحكم لومة لائم وكان يقول إن لم يكن ابن تيمية شيخ الاسلام فمن وقال لبعض أصحابه أتحب الشيخ تقي الدين قال نعم قال والله لقد احببت شيئا مليحا توفي رحمه الله يوم السبت رابع جمادي الاخرة ودفن بالقرافة وكان قد عين لمنصبه القاضي برهان الدين بن عبدا لحق فنفذت وصيته بذلك وارسل إليه إلى دمشق فأحضر فباشر الحكم بعده وجميع جهاته
*3* الشيخ الامام العالم المقري
@ شهاب الدين أبو العباس أحمد بن الشيخ الامام تقي الدين محمد بن جبارة بن عبد الولي بن جبارة المقدسي المرداوي الحنبلي شارح الشاطبية ولد سنة تسع واربعين وستمائة وسمع الكثير وعنى بفن القراءات فبرز فيه وانتفع الناس به وقد أقام بمصر مدة واشتغل بها على الفزاري في أصول الفقه وتوفي بالقدس رابع رجب رحمه الله كان يعد من الصلحاء الأخبار سمع عن خطيب مردا وغيره
*3* ابن العاقولي البغدادي
@ الشيخ الامام العلامة جمال الدين أبو محمد عبد الله بن محمد بن علي بن حماد بن نائب السواطي العاقولي ثم البغدادي الشافعي مدرس المستنصرية مدة طويلة نحوا من أربعين سنة وباشر نظر الاوقاف وعين لقضاء القضاة في وقت ولد ليلة الاحد عاشر رجب سنة ثمان وثلاثين وستمائة وسمع الحديث وبرع واشتغل وأفتى من سنة سبع وخمسين إلى أن مات وذلك مدة إحدة وسبعين سنة وهذا شيء غريب جدا وكان قوى النفس له وجاهة في الدولة فكم كشف كربة عن الناس بسعيه وقصده توفي ليلة الاربعاء رابع عشرين شوال وقد جاوز التسعين سنة ودفن بداره وكان قد وقفها على شيخ وعشرة صبيان يسمعون القرآن ويحفظونه ووقف عليها أملاكه كلها تقبل الله منه ورحمه ودرس بعده بالمستنصرية قاضي القضاة قطب الدين
*3* الشيخ الصالح شمس الدين السلامي
@ شمس الدين محمد بن داود بن محمد بن ساب السلامي البغدادي أحد ذوي اليسار وله بر تام بأهل العلم ولا سيما أصحاب الشيخ تقي الدين وقد وقف كتبا كثيرة وحج مرات وتوفي ليلة الاحد رابع عشرين ذي القعدة بعد وفاة الشيخ تقي الدين بأربعة أيام وصلى عليه بعد صلاة الجمعة ودفن
بباب الصغير رحمه الله واكرم مثواه وفي هذه الليلة توفيت الوالدة مريم بنت فرج بن علي من قرية كان الوالد خطيبها وهي مجيدل القرية سنة ثلاث وسبعين وستمائة وصلى عليها بعدالجمعة ودفنت بالصوفية شرقي قبر الشيخ تقي الدين بن تيمية رحمها الله تعالى
*2* ثم دخلت سنة تسع وعشرين وسبعمائة
@ استهلت والخليفة والحاكم هم المباشرون في التي قبلها غير أن قطب الدين ابن شيخ السلامية اشتغل بنظر الجيش وفي المحرم طلب القاضي محيي الدين بن فضل الله كاتب سر دمشق وولده شهاب الدين وشرف الدين بن شمس الدين بن الشهاب محمود إلى مصر على البريد فباشر القاضي الصدر الكبير محيي الدين المذكور كتابة السر بها عوضا عن علاء الدين بن الاثير لمرض اعتراه وأقام عنده ولده شهاب الدين واقبل شرف الدين الشهاب محمود إلى دمشق على كتابة السر عوضا عن ابن فضل الله وفيه ذهب ناصر الدين مشد الاوقاف ناظرا على القدس والخليل فعمر هنالك عمارات كثيرة لملك الامراء تنكز وفتح في الاقصى شباكين عن يمين المحراب وشماله وجاء الأمير نجم الدين داود بن محمد بن أبي بكر بن محمد بن يوسف بن الزيبق من شد الدواوين بحمص إلى شدها بدمشق وفي الحادي والعشرين من صفر كمل ترخيم الحائط القبلي من جامع دمشق وبسط الجامع جميعه وصلى الناس الجمعة به من الغد وفتح باب الزيادة وكان له أياما وذلك في مباشرة تقي الدين بن مراجل
وفي ربيع الاخر قدم من مصر أولاد الامير شمس الدين قراسنقر إلى دمشق فسكنوا في دار أبيهم داخل باب الفرايدس في دهليز المقدمية وأعيدت عليهم أملاكهم المخلفة عن أبيهم وكانت تحت الحوطة فلما مات في تلك البلاد افرج عنها أو أكثرها وفي يوم الجمعة آخر شهر ربيع الآخر أنزل الأمير جوبان وولده من قلعة المدينة النبوية وهما ميتان مصبران في توابيتهما فصلى عليهما بالمسجد النبوي ثم دفنا بالبقيع عن مرسوم السلطان وكان مراد جوبان أن يدفن في مدرسته فلم يمكن من ذلك
وفي هذا اليوم صلى بالمدينة النبوية على الشيخ تقي الدين بن تيمية رحمه الله وعلى القاضي نجم الدين البالسي المصري صلاة الغائب وفي يوم الاثنين منتصف جمادي الاخرة درس القاضي شهاب الدين أحمد بن جهبل بالمدرسة البادرانية عوضا عن شيخنا برهان الدين الفزاري توفي إلى رحمة الله تعالى وأخذ مشيخة دار الحديث منه الحافظ شمس الدين الذهبي وحضرها في يوم الاربعاء سابع عشرة ونزل عن خطابة بطنا للشيخ جمال الدين المسلاتي المالكي فخطب بها يوم الجمعة تاسع عشرة وفي أواخر هذا الشهر قدم نائب حلب الامير سيف الدين أرغون إلى دمشق قاصدا باب السلطان فتلقاه نائب دمشق وأنزله بداره التي عند جامعه ثم سار نحو مصر فغاب نحوا من أربعين يوما ثم عاد راجعا إلى نيابة حلب وفي عاشر رجب طلب الصاحب تقي الدين ابن عمر بن الوزير شمس الدين بن السلعوس إلى مصر فولى نظر الدواوين بها حتى مات عن قريب وخرج الركب يوم السبت تاسع شوال وأميره سيف الدين بلطي وقاضيه شهاب الدين القيمري وفي الحجاج زوجة ملك الأمراء تنكز وفي خدمتها الطواشي شبل الدولة وصدر الدين المالكي وصلاح الدين ابن أخي الصاحب تقي الدين توبة وأخوه شرف الدين والشيخ علي المغربي والشيخ عبد الله الضرير وجماعة
وفي بكرة الاربعاء ثالث شوال جلس القاضي ضياء الدين علي بن سليم بن ربيعة للحكم بالعادلية الكبيرة نيابة عن قاضي القضاة القونوي وعوضا عن الفخر المصري بحكم نزوله عن ذلك وإعراضه عنه تاسع عشر رمضان من هذه السنة وفي يوم الجمعة سادس ذي القعدة بعد أذان الجمعة صعد إلى منبر جامع الحاكم بمصر شخص من مماليك الجاولي يقال له أوصى فادعى أنه المهدي وسجع سجعات يسيرة على رأي الكهان فأنزل في شرخيبة وذلك قبل حضور الخطيب بالجامع المذكور وفي ذي القعدة وما قبله وما بعده من أواخر هذه السنة وأوائل الاخرى وسعت الطرقات والأسواق داخل دمشق وخارجها مثل سوق السلاح والرصيف والسوق الكبير وباب البريد ومسجد القصب إلى الزنجبيلية وخارج باب الجباية إلى مسجد الدبان وغير ذلك من الاماكن التي كانت تضيق عن سلوك الناس وذلك بامر تنكز وأمر باصلاح القنوات واستراح الناس من ترتيش الماء عليهم بالنجاسات ثم في العشر الاخير من ذي الحجة رسم بقتل الكلاب فقتل منهم شيء كثير جدا ثم جمعوا خارج باب الصغير مما يلي باب كيسان في الخندق وفرق بين الذكور منهم والاناث ليموتوا سريعا ولا يتوالدوا وكانت الجيف والميتات تنقل إليهم فاستراح الناس من النجاسة من الماء والكلاب وتوسعت لهم الطرقات
وفي يوم الجمعة ثاني عشر ذي الحجة حضر مشيخة الشيوخ بالسمساطية قاضي القضاة شرف الدين المالكي بعد وفاة قاضي القضاة القونوي الشافعي وقرئ تقليده بالسبحة بها وحضره الأعيان وأعيد إلى ما كان عليه وممن توفي فيها من الأعيان :
*3* الامام العالم نجم الدين
@ نجم الدين أبو عبد الله محمد بن عقيل بن أبي الحسن بن عقيل البالسي الشافعي شارح التنبيه ولد سنة ستين وستمائة وسمع الحديث واشتغل بالفقه وغيره من فنون العلم فبرع فيها ولازم ابن دقيق العيد وناب عنه في الحكم ودرس بالمغربية والطيبرسية وجامع مصر وكان مشهورا بالفضيلة والديانة وملازمة الاشتغال توفي ليلة الخميس رابع عشر المحرم ودفن بالقرافة وكانت جنازته حافلة رحمه الله
*3* الأمير سيف الدين قطلوبك التشنكير الرومي
@ كان من أكابر الامراء وولى الحجوبية في وقت وهو الذي عمر القناة بالقدس توفي يوم الاثنين سابع ربيع الاول ودفن بتربته شمال باب الفراديس وهي مشهورة حسنة وحضر جنازته بسوق الخيل النائب والأمراء
*3* محدث اليمن
@ شرف الدين أحمد بن فقيه زبيد ابي الحسين بن منصور الشماخي المذحجي روى عن المكيين وغيرهم وبلغت شيوخه خمسمائة أو أزيد وكان رحلة تلك البلاد ومفيدها الخير وكان فاضلا في صناعة الحديث والفقه وغير ذلك توفي في ربيع الاول من هذه السنة
*3* نجم الدين أبو الحسن
@ على بن محمد بن عمر بن عبدالرحمن بن عبدالواحد أبو محمد بن المسلم أحد رؤساء دمشق المشهورين له بيت كبير ونسب عريق ورياسة باذخة وكرم زائد باشر نظر الايتام مدة وسمع الكثير وحدث وكانت لديه فضائل وفوائد وله الثروة الكثيرة ولد سنة تسع وأربعين وستمائة ومات يوم الاثنين ضحوة خامس ربيع الاخر وصلى عليه بعد الظهر بالاموي ودفن بسفح قاسيون بتربة أعدها لنفسه وقبران عنده وكتب على قبره قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا الاية وسمعنا عليه الموطأ وغيره
*3* الامير بكتمر الحاجب
@ صاحب الحمام المشهور خارج باب النصر في طريق مقابر الصوفية نم ناحية الميدان كانت وفاته بالقاهرة في عشرين ربيع الاخر ودفن بمدرسته التي انشاها إلى جانب داره هناك
*3* الشيخ شرف الدين عيسى بن محمد ابن قراجا بن سليمان
@ السهروردي الصوفي الواعظ له شعر ومعرفة بالالحان والأنغام ومن شعره قوله
بشراك يا سعد هذا الحي قد بانا * فحلها سيبطل الابل والبانا
منازل ما وردنا طيب منزلها * حتى شربنا كؤس الموت أحيانا
متناغراما وشوقا في المسير لها * فمنذوا في نسيم القرب أحيانا
توفي في ربيع الآخر
*3* شيخنا العلامة برهان الدين الفزاري
@ هو الشيخ الامام العالم العلامة شيخ المذهب وعلمه ومفيد أهله شيخ الاسلام مفتي الفرق بقية السلف برهان الدين أبو إسحاق إبراهيم ابن الشيخ العلامة تاج الدين أبي محمد عبدالرحمن ابن الشيخ الامام المقري المفتي برهان الدين أبي إسحاق إبراهيم بن سباع بن ضياء الفزاري المصري الشافعي ولد في ربيع الاول سنة ستين وستمائة وسمع الحديث واشتغل على أبيه وأعاد في حلقته وبرع وساد أقرانه وسائر أهل زمانه من أهل مذهبه في دراية المذهب ونقله وتحريره ثم كان في منصب ابيه في التدريس بالبادرائية واشغل الطلبة بالجامع الأموي فانتفع به المسلمون وقد عرضت عليه المناصب الكبار فاباها فمن ذلك أنه باشر الخطابة بعد عمه العلامة شرف الدين مدة ثم تركها وعاد إلى البادرائية وعرض عليه قضاء قضاة الشام بعد ابن صصرى وألح نائب الشام عليه بنفسه وأعوانه من الدولة فلم يقبل وصمم وامتنع أشد الامتناع وكان مقبلا على شأنه عارفا بزمانه مستغرقا أوقاته في الاشتغال والعبادة ليلا ونهارا كثير المطالعة وإسماع الحديث وقد سمعنا عليه صحيح مسلم وغيره وكان يدرس بالمدرسة المذكورة وله تعليق كثير على التنبيه فيه من الفوائد ما ليس يوجد في غيره وله تعليق على مختصر ابن الحاجب في أصول الفقه وله مصنفات في غير ذلك كبار وبالجملة فلم ار شافعيا من مشايخنا مثله كان حسن الشكل عليه البهاء والجلالة والوقار حسن الاخلاق فيه حدث ثم يعود قريبا وكرمه زائد وإحسانه إلى الطلبة كثير وكان لايقتنى شيئا ويصرف مرتبه وجامكية مدرسته في مصالحه وقد درس بالبادرائية من سنة سبعين وستمائة إلى عامة هذا توفي بكرة يوم الجمعة سابع جمادي الاولى بالمدرسة المذكورة وصلى عليه عقب الجمعة بالجامع وحملت جنازته على الرؤس وأطراف الانامل وكانت حافلة ودفن عند أبيه وعمه وذويه بباب الصغير رحمه الله تعالى
*3* الشيخ الامام العالم الزاهد الورع
@ مجد الدين إسماعيل الحراني الحنبلي ولد سنة ثمان وأربعين وستمائة وقرأ القراءات وسمع الحديث في دمشق حين انتقل مع أهله اليها سنة إحدى وسبعين واشتغل على الشيخ شمس الدين بن أبي عمر ولازمه وانتفع به وبرع في الفقه وصحة النقل وكثرة الصمت عما لا يعنيه ولم يزل مواظبا على جهاته ووظائفه لا ينقطع عنها إلا من عذر شرعي إلى أن توفي ليلة الاحد تاسع جمادي الاولى ودفن بباب الصغير رحمه الله تعالى وفي هذا الحين توفي
*3* الصاحب شرف الدين يعقوب بن عبد الله
@ الذي كان ناظر الدواوين بحلب ثم انتقل إلى نظرها بطرابلس توفي بحماة وكان محبا للعلماء وأهل الخير وفيه كرم وإحسان وهو والد القاضي ناصر الدين كاتب السر بدمشق وقاضي العساكر الحلبية ومشيخة الشيوخ بالسمساطية ومدرس الاسدية بحلب والناصرية والشامية الجوانية بدمشق
*3* القاضي معين الدين
@ هبة الله بن علم الدين مسعود بن أبي المعالي عبد الله بن أبي الفضل ابن الخشيشي الكاتب وناظر الجيش بمصر في بعض الأحيان ثم بدمشق مدة طويلة مستقلا ومشاركا لقطب الدين ابن شيخ السلامية وكان خبيرا بذلك يحفظه على ذهنه وكانت له يد جيدة في العربية والأدب والحساب وله نظم جيد وفيه تودد وتواضع توفي بمصر في نصف جمادي الاخرة ودفن بتربة الفخر كاتب المماليك
*3* قاضي القضاة علاء الدين القونوي
@
علاء الدين القونوي أبو الحسن علي بن إسماعيل بن يوسف القونوى التبريزي الشافعي ولد بمدينة قونية في سنة ثمان وستين وستمائة تقريبا واشتغل هناك وقد دمشق سنة ثلاث وتسعين وهو معدود من الفضلاء فازداد بها اشتغالا وسمع الحديث وتصدر للاشتغال بجامها ودرس بالاقبالية ثم سافر إلى مصر فدرس بها في عدة مدارس كبار وولى مشيخة الشيوخ بها وبدمشق ولم يزل يشتغل بها وينفع الطلبة إلى أن قدم دمشق قاضيا عليها في سنة سبع وعشرين وله تصانيف في الفقه وغيره وكان يحرز علوما كثيرة منها النحو والتصريف والاصلان والفقه وله معرفة جيدة بكشاف الزمخشري وفهم الحديث وفيه إنصاف كثير وأوصاف حسنة وتعظيم لأهل العلم وخرجت له مشيخة سمعناها عليه وكان يتواضع لشيخنا المزي كثيرا توفي ببستانه بالسهم يوم سبت بعد العصر رابع عشر ذي القعدة وصلى عليه من الغد ودفن بسفح قاسيون سامحه الله
*3* الأمير حسام الدين لاجين المنصور الحسامي
@
ويعرف بلاجين الصغير ولى البر بدمشق مدة ثم نيابة غزة ثم نيابة البيرة وبها مات في ذي القعدة ودفن هناك وكان ابتني تربة لزوجته ظاهر باب شرقي فلم يتفق دفنه بها وما تدري نفس بأي أرض تموت
*3* الصاحب عز الدين أبو يعلي
@ حمزة بن مؤيد الدين أبي المعالي أسعد بن عز الدين ابي غالب المظفر ابن الوزير مؤيد الدين أبي المعالي بن أسعد بن العميد أبي يعلى بن حمزة بن أسد بن علي بن محمد التميمي الدمشقي ابن القلانسي أحد رؤساء دمشق الكبار ولد سنة تسع وأربعين وستمائة وسمع الحديث من جماعة ورواه وسمعنا عليه وله رياسة باذخة وأصالة كثيرة وأملاك هائلة كافية لما يحتاج إليه من أمور الدنيا ولم يزل معه صناعة للوظائف إلى أن ألزم بوكالة بيت السلطان ثم بالوزارة في سنة عشرة كما تقدم ثم عزل وقد صودر في بعض الأحيان وكانت له مكارم على الخواص والكبار وله إحسان إلى الفقراء والمحتاجين ولم يزل معظما وجها عند الدولة من النواب والملوك والامراء وغيرهم إلى ان توفي ببستانه ليلة السبت سادس الحجة وصلى عليه من الغد ودفن بتربته بسفح قاسيون وله في الصالحية رباط حسن بمأذنة وفيه دار حديث وبر وصدقة رحمه الله
*2* ثم دخلت سنة ثلاثون وسبعمائة
@ استهلت بالأربعاء والحكام بالبلاد هم المذكورون بالتي قبلها سوى الشافعي فإنه توفي وولى مكانه في رابع المحرم منها علم الدين محمد بن أبي بكر بن عيسى بن بدران السبكي الاخنائي الشافعي وقدم دمشق في الرابع والعشرين منه صحبة نائب السلطنة تنكز وقد زار القدس وحضر معه تدريس التنكزية التي أنشأها بها ولما قدم دمشق نزل بالعادلية الكبيرة على العادة ودرس بها وبالغزالية وساتمر بنيابة المنلفوطي ثم استناب زين الدين بن المرحل وفي صفر باشر شرف الدين محمود بن الخطيري شد الاوقاف وانفصل عنها نجم الدين بن الزيبق إلى ولاية نابلس وفي ربيع الاخر شرع بترخيم الجانب الشرقي من الاموي نسبة الجانب الغربي وشاور ابن مراجل النائب والقاضي على جمع الفصوص من سائر الجامع في الحائط القبلي فرسما له بذلك وفي يوم الجمعة أقيمت الجمعة في إيوان الشافعية بالمدرسة الصالحية بمصر وكان الذي أنشا ذلك الامير جمال الدين نائب الكرك بعد أن استفتى العلماء في ذلك وفي ربيع الاخر تولى القضاء بحلب شمس الدين بن النقيب عوضا عن فخر الدين بن البازري توفي وولى شمس الدين بن مجد البعلبكي قضاء طرابلس عوضا عن ابن النقيب وفي آخر جمادي الاولى باشر نيابة الحكم عن الاخنائي محيي الدين بن جميل عوضا عن المنفولطي توفي
وفي هذا الشهر وقف الأمير الوزير علاء الدين مغلطاي الناصري مدرسة على الحنفية وفيها صوفية أيضا ودرس بها القاضي علاء الدين بن التركماني وسكنها الفقهاء وفي جمادي الآخرة زينت البلاد المصرية والشامية ودقت البشائر بسبب عافية السلطان من وقعة انصدعت منها يده وخلع على الامراء والاطباء بمصر وأطلقت الحبوس وفي جمادي الاخرة قدم على السلطان رسل من الفرنج يطلبون منه بعض البلاد الساحلية فقال لهم لولا أن الرسل لا تقتل لقتلتكم ثم سيرهم إلى بلادهم خاسئين
وفي يوم الأحد سادس رجب حضر الدرس الذي أنشأه القاضي فخر الدين كاتب المماليك على الحنفية بمحرابهم بجامع دمشق ودرس به الشيخ شهاب الدين ابن قاضي الحصين أخو قاضي القضاة برهان الدين بن عبد الحق بالديار المصرية وحضر عنده القضاة والاعيان وانصرفوا من عنده إلى عند ابن أخيه صلاح الدين بالجوهرية درس بها عوضا عن حموه شمس الدين ابن الزكي نزل له عنها وفي آخر رجب خطب بالجامع الذي أنشأه الأمير سيف الدين الماشي الحاجب ظاهر القاهرة بالشارع وخطب بالجامع الذي أنشأه قوصون بين جامع طولون والصالحية يوم الجمعة حادي عشر رمضان وحضر السلطان واعيان الأمراء الخطبة خطب به يومئذ قاضي القضاة جلال الدين القزويني الشافعي وخلع عليه خلعة سنية واستقل في خطابته بدر الدين بن شكري
وخرج الركب الشامي يوم السبت حادي عشر شوال وأميره سيف الدين المرساوي صهر بلبان البيري وقاضيه شهاب الدين ابن المجد عبد الله مدرس الاقبالية ثم تولى قضاء القضاة كما سيأتي وممن حج في هذه السنة رضي الدين بن المنطيقي والشمس الاردبيلي شيخ الجاروضية وصفي الدين ابن الحريري وشمس الدين ابن خطيب بيروذ والشيخ محمد النيرباني وغيرهم فلما قضوا مناسكهم رجعوا إلى مكة لطواف الوداع فبينما هم في سماع الخطبة إذ سمعوا جلبة الخيل من بني حسن وعبيدهم قد حطموا على الناس في المسجد الحرام فثار إلى قتالهم الأتراك فاقتتلوا فقتل أمير من الطبلخانات بمصر يقال له سيف الدين جخدار وابنه خليل ومملوك له وأمير عشيرة يقال له الباجي وجماعة من الرجال والنساء ونهبت أموال كثيرة ووقعت خبطة عظيمة في المسجد وتهارب الناس إلى منازلهم بأبيار الزار وما كادوا يصلون إليها وما أكملت الجمعة إلا بعد جهد فإنا لله وإنا إليه راجعون واجتمعت الامراء كلهم على الرجعة إلى مكة للأخذ بالثأر منهم ثم كروا راجعين وتبعهم العبيد حتى وصلوا إلى مخيم الحجيج وكادوا ينهبون الناس عامة جهرة وصار أهل البيت في آخر الزمان يصدون الناس عن المسجد الحرام وبنو الاتراك هم الذين ينصرون الاسلام وأهله ويكفون الأذية عنهم بأنفسهم وأموالهم كما قال تعالى إن اولياؤه إلا المتقون وممن توفي فيها من الاعيان :

*3* علاء الدين ابن الاثير
@ كاتب السر بمصر علي بن أحمد بن سعيد بن محمد بن الاثير الحلبي الاصل ثم المصري كانت له حرمة ووجاهة وأموال وثروة ومكانة عند السلطان حتى ضربه الفالج في آخر عمره فانعزل عن الوظيفة وباشرها ابن فضل الله في حياته
*3* الوزير العالم ابو القاسم
@ محمد بن محمد بن سهل بن محمد بن سهل الازدي الغرناطي الاندلسي من بيت الرياسة والحشمة ببلاد المغرب قدم علينا إلى دمشق في جمادي الاولى سنة أربع وعشرين وهو بعزم الحج سمعت بقراءته صحيح مسلم في تسعة مجالس على الشيخ نجم الدين بن العسقلاني قراءة صحيحة ثم كانت وفاته في القاهرة في ثاني عشرين المحرم وكانت له فضائل كثيرة في الفقه والنحو والتاريخ والاصول وكان عالي الهمة شريف النفس محترما ببلاده جدا بحيث إنه يولي الملوك ويعزلهم ولم يل هو مباشرة شيء ولا أهل بيته وإنما كان يلقب بالوزير مجازا
*3* شيخنا الصالح العابد الناسك الخاشع
@ شمس الدين أبو عبد الله محمد بن الشيخ الصالح العابد شرف الدين أبي الحسن بن حسين بن غيلان البعلبكي الحنبلي إمام مسجد السلالين بدار البطيخ العتيقة سمع الحديث واسمعه وكان يقرئ القرآن طرفي النهار وعليه ختمت القرآن في سنة أحد عشر وسبعمائة وكان من الصالحين الكبار والعباد الاخيار توفي يوم السبت سادس صفر وصلى عليه بالجامع ودفن بباب الصغير وكانت جنازته حافلة
وفي هذا الشهر أعني صفر كانت وفاة والي القاهرة القديدار وله آثار غريبة ومشهورة
*3* بها درآص الامير الكبير
@ رأس ميمنة الشام سيف الدين بها درآص المنصوري أكبر أمراء دمشق وممن طال عمره في الحشمة والثورة وهو ممن اجتمعت فيه الاية الكريمة زين للناس حب الشهوات من النساء الاية وقد كان محببا إلى العامة وله بر وصدقة وإحسان توفي ليلة الثلاثاء ودفن بتربته خارج باب الجابية وهي مشهورة ايضا
*3* الحجار ابن الشحنة
@ الشيخ الكبير المسند المعمر الرحلة شهاب الدين أبو العباس أحمد بن أبي طالب بن نعمة بن حسن ابن علي بن بيان الديرمقرني ثم الصالحي الحجار المعروف بابن الشحنة سمع البخاري علي الزبيدي سنة ثلاثين وستمائة بقاسيون وإنما ظهر سماعه سنة ست وسبعمائه ففرح بذلك المحدثون وأكثروا السماع عليه فقرئ البخاري عليه نحوا من ستين مرة وغيره وسمعنا عليه بدار الحديث الاشرفية في أيام الشتويات نحوا من خمسمائة جزء بالاجازات والسماع وسماعه من الزبيدي وابن اللني وله اجازة من بغداد فيها مائة وثمانية وثلاثون شيخا من العوالي المسندين وقد مكث مدة مقدم الحجازين نحوا من خمس وعشرين سنة ثم كان يخيط في آخر عمره وساتقرت عليه جامكينة لما اشتغل باسماع الحديث وقد سمع عليه السلطان الملك الناصر وخلع عليه وألبسه الخلعة بيده وسمع عليه من أهل الديار المصرية والشامية أمم لا يحصون كثرة وانتفع الناس بذلك وكان شيخا حسنا بهى المنظر سليم الصدر ممتعا بحواسه وقواه فإنه عاش مائة سنة محققا وزاد عليها لأنه سمع البخاري من الزبيدي في سنة ثلاثين وستمائة وأسمعه هو في سنة ثلاثين وسبعمائة في تاسع صفر بجامع دمشق وسمعنا عليه يومئذ ولله الحمد ويقال إنه أدرك موت المعظم عيسى بن العادل لما توفي والناس يسمعهم يقولون مات المعظم وقد كانت وفاة المعظم في سنة أربع وعشرين وستمائة وتوفي الحجار يوم الاثنين خامس عشرين صفر من هذه السنة وصلى عليه بالمظفري يوم الثلاثاء ودفن بتربة له عند زاوية الدومي بجوار جامع الافرم وكانت جنازته حافلة رحمه الله
*3* الشيخ نجم الدين بن عبد الرحيم بن عبد الرحمن
@ أبي نصر المحصل المعروف بابن الشحام اشتغل ببلده ثم سافر واقام بمدينة سراي من مملكة إربل ثم قدم دمشق في سنة اربع وعشرين فدرس بالظاهرية البرانية ثم بالجاروضية وأضيف إليه مشيخة رباط القصر ثم نزل عن ذلك لزوج ابنته ثور الدين الاردبيلي توفي في ربيع الأول وكان يعرف طرفا من الفقه والطب
*3* الشيخ إبراهيم الهدمة
@ أصله كردي من بلاد المشرق فقدم الشام وأقام بين القدس والخليل في أرض كانت مواتا فأحياها وغرسها وزرع فيها أنواعا وكان يقصد للزيارة ويحكى الناس عنه كرامات صالحة وقد بلغ مائة سنة وتزوج في آخر عمره ورزق اولادا صالحين توفي في جمادي الاخرة رحمه الله الست صاحبة التربة بباب الخواصين الخوندة المعظمة المحجبة المحترمة
*3* ستيته بنت الامير سيف الدين
@ كركاي المنصوري زوجة نائب الشام تنكز توفيت بدار الذهب وصلى عليها بالجامع ثالث رجب ودفنت بالتربة التي أمرت بانشائها بباب الخواصين وفيها مسجد وإلى جانبها رباط للنساء ومكتب للايتام وفيها صدقات وبر وصلات وقراء عليها كل ذلك أمرت به وكانت قد حجت في العام الماضي رحمها الله
*3* قاضي قضاة طرابلس
@ شمس الدين محمد بن عيسى بن محمود البعلبكي المعروف بابن المجد الشافعي اشتغل ببلده وبرع في فنون كثيرة وأقام بدمشق مدة يدرس بالقوصية وبالجامع ويؤم بمدرسة أم الصالح ثم انتقل إلى قضاء طرابلس فأقام بها أربعة أشهر ثم توفي في سادس رمضان وتولاها بعده ولده تقي الدين وهو أحد الفضلاء المشهورين ولم تطل مدته حتى عزل عنها وأخرج منها
*3* الشيخ الصالح
@ عبد الله بن أبي القاسم بن يوسف بن أبي القاسم الحوراني شيخ طائفتهم وإليه مرجع زاويتهم بحوران كان عنده تفقه بعض شيء وزهادة ويزار وله أصحاب يخدمونه وبلغ السبعين سنة وخرج لتوديع بعض أهله إلىناحية الكرك من ناحية الحجاز فأدركه الموت هناك فمات في أول ذي القعدة
*3* الشيخ حسن بن علي
@ ابن أحمد الانصاري الضرير كان بفرد عين أولا ثم عمى جملة وكان يقرأ القرآن ويكثر التلاوة ثم انقطع إلى المنارة الشرقية وكان يحضر السماعات ويستمع ويتواجد ولكثير من الناس فيه اعتقاد على ذلك ولمجاورته في الجامع وكثرة تلاوته وصلاته والله يسامحه توفي يوم السبت في العشر الاول من ذي الحجة بالمأذنة الشرقية وصلى عليه بالجامع ودفن بباب الصغير
*3* محيي الدين أبو الثناء محمود
@ ابن الصدر شرف الدين القلانسي توفي في ذي الحجة ببستانه ودفن بتربتهم بسفح قاسيون وهو جد الصدر جلال الدين بن القلانسي وأخيه علاء وهم ثلاثتهم رؤساء
*3* الشاب الرئيس
@ صلاح الدين يوسف بن القاضي قطب الدين موسى ابن شيخ السلامية ناظر الجيش أبوه نشأ هذا الشاب في نعمة وحشمة وترفه وعشرة واجتماع بالأصحاب توفي يوم السبت تاسع عشرين ذي الحجة فاستراح من حشمته وعشرته إن لم تكن وبالا عليه وفدن بتربتهم تجاه الناصرية بالسفح وتأسف عليه أبواه ومعارفه واصحابه سامحه الله
*2* ثم دخلت سنة إحدى وثلاثين وسبعمائة
@ استهلت والحكام هم المذكورون في التي قبلها وقد ذكرنا ما كان من عبيد مكة إلى الحجاج وأنه قتل من المصريين أميران فلما بلغ الخبر السلطان عظم عليه ذلك وامتنع من الاكل على السماط فيما يقال أياما ثم جرد ستمائة فارس وقيل ألفا والاول أصح وارسل إلى الشام أن يجرد مقدما آخر فجرد الامير سيف الدين الجي بغا العادلي وخرج من دمشق يوم دخلها الركب في سادس عشرين المحرم وأمر أن يسير الى إلية ليجتمع مع المصريين وأن يسيروا جميعا إلى الحجاز وفي يوم الاربعاء تاسع صفر وصل نهر الساجور إلى مدينة حلب وخرج نائب حلب ارغون ومعه الأمراء مشاة اليه في تهليل وتكبير وتحميد يتلقون هذا النهر ولم يكن احد من المعالي ولا غيرهم أن يتكلم بغير ذكر الله تعالى وفرح الناس بوصوله إليهم فرحا شديدا وكانوا قد وسعوا في تحصيله من أماكن بعيدة احتاجوا فيها إلى نقب الجبال وفيها صخور ضخام وعقدوا له قناطر على الأودية وما وصل إلا بعد جهد جهيد وأمر شديد فلله الحمد وحده لا شريك له وحين رجع نائب حلب ارغون مرض مرضا شديدا ومات رحمه الله
وفي سابع صفر وسع تنكز الطرقات بالشام ظاهر باب الجابية وخرب كل ما يضيق الطرقات وفي ثاني ربيع الاول لبس علاء الدين القلانسي خلعة سنية لمباشرة نظر الدواوين ديوان ملك الأمراء وديوان نظر المارستان عوضا عن ابن العادل ورجع ابن العادل إلى حجابة الديوان الكبير وفي يوم ثاني ربيع الاول لبس عماد الدين ابن الشيرازي خلعة نظر الاموي عوضا عن ابن مراجل عزل عنه لا الى بدل عنه وباشر جمال الدين بن القويرة نظر الاسرى بدلا عن ابن الشيرازي وفي يوم الخميس آخر ربيع الاول لبس القاضي شرف الدين بن عبد الله بن شرف الدين
حسن ابن الحافظ ابي موسى عبد الله ابن الحافظ عبدا لغني المقدسي خلعة قضاء الحنابلة عوضا عن عز الدين بن التقي سليمان توفي رحمه الله وركب من دار السعادة إلى الجامع فقرئ تقليده تحت النسر بحضرة القضاة والاعيان ثم ذهب إلى الجوزية فحكم بها ثم إلى الصالحية وهو لابس الخلعة واستناب يومئذ ابن أخيه النقي عبد الله بن شهاب الدين أحمد وفي سلخ ربيع الاخر اجتاز الامير علاء الدين الطنبغا بدمشق وهو ذاهب إلى بلاد حلب نائبا عليها عوضا عن ارغون توفي إلى رحمة الله وقد تلقاه النائب والجيش وفي مستهل جمادي الاولى حضر الامير الشريف رميثة بن أبي نمي إلى مكة فقرئ تقليده بامرة مكة من جهة السلطان صحبة التجريدة وخلع عليه وبايعه الأمراء المجردون من مصر والشام داخل الكعبة وقد كان وصول التجاريد إلى مكة في سابع ربيع الاول فأقاموا بباب المعلى وحصل لهم خير كثير من الصلاة والطواف وكانت الاسعار رخيصة معهم
وفي يوم السبت سابع ربيع الاخر خلع على القاضي عز الدين بن بدر الدين بن جماعة بوكلة السلطان ونظر جامع طولون ونظر الناصرية وهنأه الناس عوضا عن التاج ابن إسحاق عبد الوهاب توفي ودفن بالقرافة وفي هذا الشهر تولى عماد الدين ابن قاضي القضاة الاخنائي تدريس الصارمية وهو صغير بعد وفاة النجم هاشم بن عبد الله البعلبكي الشافعي وحضرها في رجب وحضر عنده الناس خدمة لأبيه وفي حادى عشرين جمادى الآخرة رجعتالتجريدة من الحجاز صحبة الامير سيف الدين الحي بغا وكانت غيبتهم خمسة أشهر وأياما وأقاموا بمكة شهرا واحدا ويوما واحدا وحصل للعرب منهم رعب شديد وخوف أكيد وعزلوا عن مكة عطية وولوا أخاه رميثة وصلوا وطافوا واعتمروا ومنهم من أقام هناك ليحج وفي ثاني رجب خلع على ابن ابي الطيب بنظر ديوان بيت المال عوضا عن ابن الصاين توفي

وفي أوائل شعبان حصل بدمشق هواء شديد مزعج كسر كثيرا من الاشجار والاغصان وألقى بعض الحيطان والجدران وسكن بعد ساعة باذن الله فلما كان يوم تاسعه سقط برد كبار مقدار بيض الحمام وكسر بعض جامات الحمام وفي شهر شعبان هذا خطب بالمدرسة المعزية على شاطيء النيل أنشأها الأمير سيف الدين طغز دمر أمير مجلس الناصري وكان الخطيب عز الدين عبد الرحيم بن الفرات الحنفي وفي نصف رمضان قدم الشيخ تاج الدين عمر بن علي بن سالم الملحي ابن الفاكهاني المالكي نزل عند القاضي الشافعي وسمع عليه شيئا من مصنفاته وخرج إلى الحج عامئذ مع الشاميين وزار القدس قبل وصوله إلى دمشق وفي هذا الشهر وطيء سوق الخيل وركبت في حصبات كثيرة وعمل فيه نحو من اربعمائة نفس في أربعة أيام حتى ساووه وأصلحوه وقد كان
قبل ذلك يكون فيه مياه كثيرة وملقات وفيه أصلح سوق الدقيق داخل باب الجابية إلى الثابتية وسقف عليه السقوف
وخرج الركب الشامي يوم الاثنين ثامن شوال وأميره عز الدين ايبك امير علم وقاضيه شهاب الدين الظاهري وممن حج فيه شهاب الدين بن جهبل وابو النسر وابن جملة والفخر المصري والصدر المالكي وشرف الدين الكفوي الحنفي والبهاء ابن إمام المشهد وجلال الدين الأعيالي ناظر الأيتام وشمس الدين الكردي وفخر الدين البعلبكي ومجد الدين ابن أبي المجد وشمس الدين ابن قيم الجوزية وشمس الدين ابن خطيب بيرة وشرف الدين قاسم العلجوني وتاج الدين ابن الفاكهاني والشيخ عمر السلاوي وكاتبه إسماعيل ابن كثير وآخرون من سائر المذاهب حتى كان الشيخ بدر الدين يقول اجتمع في ركبنا هذا أربعمائة فقيه وأربع مدارس وخانقاه ودار حديث وقد كان معنا من المتفتيين ثلاثة عشر نفسا وكان في المصريين جماعة من الفقهاء منهم قاضي المالكية تقي الدين الاخنائي وفخر الدين النويري وشمس الدين ابن الحارثي ومجد الدين الاقصرائي وشيخ الشيوخ الشيخ محمد المرشدي وفي ركب العراق الشيخ أحمد السروجي أشد وكان من المشاهير وفي الشاميين الشيخ علي الواسطي صحبة ابن المرجاني وأمير المصريين مغلطاي الجمالي الذي كان وزيرا في وقت وكان إذ ذاك مريضا ومررنا بعين تبوك وقد أصلحت في هذه السنة وصينت من دوس الجمال والجمالين وصار ماؤها في غاية الحسن والصفاء والطيب وكانت وقفة الجمعة ومطرنا بالطواف وكانت سنة مرخصة آمنة
وفي نصف ذي الحجة رجع تنكز من ناحية قلعة جعبر وكان في خدمته أكثر الجيش الشامي وأظهر أبهة عظيمة في تلك النواحي وفي سادس عشر ذي الحجة وصل توقيع القاضي علاء الدين بن القلانسي بجميع جهات اخيه جمال الدين بحكم وفاته مضافا إلى جهاته فاجتمع له من المناصب الكبار ما لم يجتمع لغيره من الرؤساء في هذه الأعصار فمن ذلك وكالة بيت المال وقضاء العسكر وكتابة الدست ووكالة ملك الأمراء ونظر البيمارستان ونظر الحرمين ونظر ديوان السعيد وتدريس الأمينية والظاهرية والعصرونية وغير ذلك انتهى وممن توفي فيها من الأعيان :
*3* قاضي القضاة عز الدين المقدسي
@ عز الدين أبو عبد الله بن محمد بن قاضي القضاة تقي الدين سليمان بن حمزة بن أحمد بن عمر بن الشيخ ابي عمر المقدسي الحنبلي ولد سنة خمس وستين وستمائة وسمع الحديث واشتغل على والده واستنابه في أيام ولايته فلما ولي ابن مسلم لزم بيته يحضر درس الجوزية ودار الحديث الاشرفية بالجبل ويأوى إلى بيته فلما توفي ابن مسلم ولى قضاء الحنابلة بعده نحوا من أربع سنين وكان فيه تواضع وتودد وقضاء لحوائج الناس وكانت وفاته يوم الاربعاء تاسع صفر وكان يوما مطيرا ومع هذا شهد الناس جنازته ودفن بتربتهم رحمهم الله وولى بعده نائبه شرف الدين ابن الحافظ وقد قارب الثمانين وفي نصف صفر توفي
*3* الامير سيف الدين قجليس
@ سيف النعمة وقد كان سمع علي الحجار ووزيره بالقدس الشريف وفي منتصف صفر توفي الامير الكبير سيف الدين أرغون بن عبد الله الدويدار الناصري وقد عمل على نيابة مصر مدة طويلة ثم غضب عليه السلطان فأرسله إلى نيابة حلب فمكث بها مدة ثم توفي بها في سابع عشر ربيع الاول ودفن بتربة اشتراها بحلب وقد كان عنده فهم وفقه وفيه ديانة واتباع للشريعة وقد سمع البخاري على الحجاز وكتبه جميعه بخطه وأذن له بعض العلماء في الافتاء وكان يميل إلى الشيخ تقي الدين ابن تيمية وهو بمصر توفي ولم يكمل الخمسين سنة وكان يكره اللهو رحمه الله ولما خرج يلتقي نهر الساجور خرج في ذلك ومسكنة وخرج معه الأمراء كذلك مشاة في تكبير وتهليل وتحميد ومنع المغاني ومن اللهو واللعب في ذلك رحمه الله
*3* القاضي ضياء الدين
@ ابو الحسن علي بن سليم بن ربيع بن سليمان الازرعي الشافعي تنقل في ولاية الأقضية بمدارس كثيرة مدة ستين سنة وحكم بطرابلس وعجلون وزرع وغيرها وحكم بدمشق نيابة عن القونوي نحوا من شهر وكان عنده فضيلة وله نظر كثير نظم التنبيه في نحو ست عشرة ألف بيت وتصحيحها في ألف وثلثمائة بيت وله مدائح ومواليا وأزجال وغير ذلك ثم كانت وفاته بالرملة يوم الجمعة ثالث عشرين ربيع الاول عن خمس وثمانين سنة رحمه الله وله عدة أولاد منهم عبد الرزاق أحد الفضلاء وهو ممن جمع بين علمي الشريعة والطبيعة
*3* أبو دبوس عثمان بن سعيد المغربي
@ تملك في وقت بلاد قابس ثم تغلب عليه جماعة فانتزعوها منه فقصد مصر فأقام بها واقطع اقطاعا وكان يركب مع الجند في زي المغاربة متقلدا سيفا وكان حسن الهيئة يواظب على الخدمة إلى أن توفي في جمادي الأولى
*3* الامام العلامة ضيا الدين أبو العباس
@ احمد بن قطب الدين محمد بن عبد الصمد بن عبد القادر السنباطي الشافعي مدرس الحسامية ونائب الحكم بمصر وأعاد في أماكن كثيرة وتفقه على والده توفي في جمادي الاخرة وتولى الحسامية بعده ناصر الدين التبريزي
*3* الصدر الكبير تاج الدين الكارمي
@ المعروف بابن الرهايلي كان أكبر تجار دمشق الكارمية وبمصر توفي في جمادي الاخرة يقال إنه خلف مائة ألف دينار غير البضائع والاثاث والاملاك
*3* الامام العلامة فخر الدين
@ عثمان بن إبراهيم بن مصطفى بن سليمان بن المارداني التركماني الحنفي شرح فخر الدين هذا الجامع وألقاه دروسا في مائة كراس توفي في رجب وله إحدى وسبعون سنة كان شجاعا عالما فاضلا وقورا فصيحا حسن المفاكهة وله نظم حسن وولى بعده المنصورية ولده تاج الدين
*3* تقي الدين عمر ابن الوزير شمس الدين
@ محمد بن عثمان بن السلعوس كان صغيرا لما مات أبوه تحت العقوبة ثم نشأ في الخدم ثم طلبه السلطان في آخر وقت فولاه نظر الدواوين بمصر فباشره يوما واحدا وحضر بين يدي السلطان يوم الخميس ثم خرج من عنده وقد اضطرب حاله فما وصل إلى منزله إلا في محفة ومات بكرة يوم السبت سادس عشرين ذي القعدة وصلى عليه بجامع عمرو بن العاص ودفن عند والده بالقرافة وكانت جنازته حافلة
*3* جمال الدين أبو العباس
@ أحمد بن شرف الدين بن جمال الدين محمد بن أبي الفتح نصر الله بن أسد بن حمزة بن أسد بن علي بن محمد التميمي الدمشقي ابن القلانسي قاضي العساكر ووكيل بيت المال ومدرس الامينية وغيرها حفظ التنبيه ثم المحرر للرافعي وكان يستحضره واشتغل على الشيخ تاج الدين الفزاري وتقدم لطلب العلم والرئاسة وباشر جهات كبارا ودرس بأماكن وتفرد في وقته بالرياسة والبيت والمناصب الدينية والدنيوية وكان فيه تواضع وحسن سمت وتودد وإحسان وبر بأهل العلم والفقراء والصالحين وهو ممن أذن له في الافتاء وكتب إنشاء ذلك وأنا حاضر على البديهة فأفاد وأجاد وأحسن التعبير وعظم في عيني توفي يوم الاثنين ثامن عشرين ذي القعدة ودفن بتربتهم بالسفح وقد سمع الحديث على جماعة من المشايخ وخرج له فخر الدين البعلبكي مشخية سمعناها عليه رحمه الله
*2* ثم دخلت سنة اثنتي وثلاثين وسبعمائة
@ استهلت وحكام البلاد هم هم وفي أولها فتحت القيسارية التي كانت مسبك الفولاذ جواباب الصغير حولها ننكز قيسارية ببركة وفي يوم الاربعاء ذكر الدرس بالأمينية والظاهرية علاء الدين بن القلانسي عوضا عن أخيه جمال الدين وذكر ابن أخيه أمين الدين محمد بن جمال الدين الدرس في العصرونية تركها له عمه وحضر عندهما جماعة من الاعيان وفي تاسع المحرم جاء إلى حمص سيل عظيم غرق بسببه خلق كثير وجم غفير وهلك للناس أشياء كثيرة وممن مات فيه نحو مائتي امرأة بحمام النائب كن مجتمعات على عروس أو عروسين فهلكن جميعا
وفي صفر أمر تنكز ببياض الجدران المقابلة لسوق الخيل إلى باب الفراديس وأمر يتجديد خان الظاهر فغرم عليه نحوا من سبعين ألفا وفي هذا الشهر وصل تابوت لاجين الصغير من البيرة فدفن بتربته خارج باب شرقي وفي تاسع ربيع الآخر حضر الدرس بالقيمازية عماد الدين الطرسوسي الحنفي عوضا عن الشيخ رضي الدين المنطبقي توفي وحضر عنده القضاة والاعيان وفي أول ربيع الاخر خلع على الملك الافضل علي بن الملك المؤيد صاحب حماة وولاه السلطان الملك الناصر مكان أبيه بحكم وفاته وركب بمصر بالعصائب والسبابة والفاشية أمامه وفي نصف هذا الشهر سافر الشيخ شمس الدين الاصفهاني شارح المختصر ومدرس الرواحية إلى الديار المصرية على خيل البريد وفارق دمشق واهلها واستوطن القاهرة
وفي يوم الجمعة تاسع جمادي الاخرة خطب بالجامع الذي أنشأه الامير سيف الدين آل ملك واستقر فيه خطيبا نور الدين علي بن شبيب الحنبلي وفيه أرسل السلطان جماعة من الأمراء إلى الصعيد فأحاطوا على ستمائة رجل ممن كان يقطع الطريق فأتلف بعضهم وفي جمادي الآخرة تولى شد الدواوين بدمشق نور الدين ابن الخشاب عوضا عن الطرقشي وفي يوم الاربعاء حادي عشر رجب خلع على قاضي القضاة علاء الدين بن الشيخ زين الدين بن المنجا بقضاء الحنابلة عوضا عن شرف الدين بن الحافظ وقرئ تقليده بالجامع وحضر القضاة والأعيان وفي اليوم الثاني استناب برهان الدين الزرعي وفي رجب باشر شمس الدين موسى بن التاج إسحاق نظر الجيوش بمصر عوضا عن فخر الدين كاتب المماليك توفي وباشر النشو مكانه في نظر الخاص وخلع عليه بطرحة فلما كان في شعبان عزل هو وأخوه العلم ناظر الدواوين وصودروا وضربوا ضربا عظيما وتولى نظر الجيش المكين بن قروينة ونظر الدواوين أخوه شمس الدين بن قرونية
وفي شعبان كان عرس أنوك ويقال كان اسمه محمد بن السلطان الملك الناصر على بنت الامير سيف الدين بكتمر الساقي وكان جهازها بألف ألف دينار وذبح في هذا العرس من الاغنام والدجاج والاوز والخيل والبقر نحو من عشرين ألفا وحملت حولى بنحو ثمانية عشر ألف قنطار وحمل له من الشمع ثلاثة آلاف قنطار قاله الشيخ أبو بكر وكان هذا العرس ليلة الجمعة حادي عشر شعبان وفي شعبان هذا حول القاضي محي الدين بن فضل الله من كتابة السر بمصر إلى كتابة السر بالشام ونقل شرف بن شمس الدين بن الشهاب محمود إلى كتابة السر بمصر واقيمت الجمعة بالشامية البرانية في خامس عشر شعبان وحضرها القضاة والأمراء وخطب بها الشيخ زين الدين عبد النور المغربي وذلك باشارة الامير حسام الدين اليشمقدار الحاجب بالشام ثم خطب عنه كمال الدين بن الزكي وفيه
أمر نائب السلطنة بتبييض البيوت من سوق الخيل إلى ميدان الحصا ففعل ذلك وفيه زادت الفرات زيادة عظيمة لم يسمع بمثلها واستمرت نحوا من اثني عشر يوما فأتلفت بالرحبة أموالا كثيرة وكسرت الجسر الذي عند دير بسر وغلت الاسعار هناك فشرعوا في إصلاح الجسر ثم انكسر مرة ثانية
وفي يوم السبت تاسع شوال خرج الركب الشامي وأميره سيف الدين أوزان وقاضيه جمال الدين ابن الشريشي وهو قاضي حمص الان وحج السلطان في هذه السنة وصحبته قاضي القضاة القزويني وعز الدين بن جماعة وموفق الدين الحنبلي وسبعون أميرا وفي ليلة الخميس حادي عشرين شوال رسم على الصاحب عز الدين غبريال بالمدرسة النجيبية الجوانية وصودر وأخذت منه أموال كثيرة وأفرج عنه في المحرم من السنة الآتية وممن توفي فيها من الاعيان :
*3* الشيخ عبدالرحمن بن أبي محمد بن محمد
@ ابن سلطان القرامذي أحد المشاهير بالعبادة والزهادة وملازمة الجامع الاموي وكثرة التلاوة والذكر وله أصحاب يجلسون اليه وله مع هذا ثروة وأملاك توفي في مستهل المحرم عن خمس اوست وثمانين سنة ودفن بباب الصغير وكان قد سمع الحديث واشتغل بالعلم ثم ترك ذلك واشتغل بالعبادة إلى أن مات
*3* الملك المؤيد صاحب حماة
@ عماد الدين إسماعيل بن الملك الافضل نور الدين علي بن الملك المظفر تقي الدين محمود بن الملك المنصور ناصر الدين محمد بن الملك المظفر تقي الدين عمر بن شاهنشاه بن أيوب كانت له فضائل كثيرة في علوم متعددة من الفقه والهيئة والطب وغير ذلك وله مصنفات عديدة منها تاريخ حافل في مجلدين كبيرين وله نظم الحاوي وغير ذلك وكان يجب العلماء ويشاركهم في فنون كثيرة وكان من فضلاء بني أيوب ولي ملك حماة من سنة إحدى وعشرين إلى هذا الحين وكان الملك الناصر يكرمه ويعظمه وولي بعده ولده الافضل على توفي في سحر يوم الخميس ثامن عشرين المحرم ودفن ضحوة عند والديه بظاهر حماة
*3* القاضي الامام تاج الدين السعدي
@ تاج الدين أبو القاسم عبد الغفار بن محمد بن عبد الكافي بن عوض بن سنان بن عبد الله السعدي الفقيه الشافعي سمع الكثير وخرج لنفسه معجما في ثلاث مجلدات وقرأ بنفسه الكثير وكتب الخط الجيد وكان متقنا عارفا بهذا الفن يقال إنه كتب بخطه نحوا من خمسمائة مجلدا وقد كان شافعيا مفتيا ومع هذا ناب في وقت عن القاضي الحنبلي وولى مشيخة الحديث بالمدرسة الصاحبية وتوفي
بمصر في مستهل ربيع الاول عن ثنتين وثمانين سنة رحمه الله
*3* الشيخ رضي الدين بن سليمان
@ المنطقي الحنفي أصله من اب كرم من بلاد قونية واقام بحماة ثم بدمشق ودرس بالقيمازية وكان فاضلا في المنطق والجدل واشتغل عليه جماعة في ذلك وبلغ من العمر ستا وثمانين سنة وحج سبع مرات توفي ليلة الجمعة سادس عشرين ربيع الاول وصلى عليه بعد الصلاة ودفن بالصوفية وفي ربيع الاول توفي
*3* الامام علاء الدين طيبغا
@ ودفن بتربته بالصالحية وكذلك الامير سيف الدين زولاق ودفن بتربته أيضا
*3* قاضي القضاة شرف الدين أبو محمد
@ عبد الله بن الحسن بن عبد الله بن الحافظ عبدالغني المقدسي الحنبلي ولد سنة ست وأربعين وستمائة وباشر نيابة ابن مسلم مدة ثم ولي القضاء في السنة الماضية ثم كانت وفاته فجأة في مستهل جمادي الاولى ليلة الخميس ودفن من الغد بتربة الشيخ أبي عمر
*3* الشيخ ياقوت الحبشي
@ الشاذلي الاسكندراني بلغ الثمانين وكان له اتباع وأصحاب منهم شمس الدين ابن اللبان الفقيه الشافعي وكان يعظمه ويطريه وينسب اليه مبالغات الله اعلم بصحتها وكذبها توفي في جماد وكانت جنازته حافلة جدا
*3* النقيب ناصح الدين
@ محمد بن عبد الرحيم بن قاسم بن إسماعيل الدمشقي نقيب المتعممين تتلمذ اولا للشهاب المقري ثم كان بعده في المحافل العزاء والهناء وكان يعرف هذا الفن جيدا وكان كثير الطلب من الناس ويطلبه الناس لذلك ومع هذامات وعليه ديون كثيرة توفي أواخر رجب
*3* القاضي فخر الدين كاتب المماليك
@ وهو محمد بن فضل الله ناظر الجيوش بمصر أصله قبطي فأسلم وحسن إسلامه وكانت له أوقاف كثيرة وبر وإحسان إلى أهل العلم وكان صدرا معظما حصل له من السلطان حظ وافر وقد جاوز السبعين وإليه تنسب الفخرية بالقدس الشريف توفي في نصف رجب واحتيط على أمواله وأملاكه بعد وفاته رحمه الله
*3* الامير سيف الدين الجاي الدويدآر الملكي الناصري
@ كان فقيها حنفيا فاضلا كتب بخطه ربعة وحصل كتبا كثيرة معتبرة وكان كثير الاحسان إلى أهل العلم توفي سلخ رجب رحمه الله
*3* الطبيب الماهر الحاذق الفاضل
@ امين الدين سليمان بن داود بن سليمان كان رئيس الاطباء بدمشق ومدرسهم مدة ثم عزل بجمال الدين بن الشهاب الكحال مدة قبل موته لأمر تعصب عليه فيه نائب السلطنة توفي يوم السبت سادس عشرين شوال ودفن بالقبيبات
*3* الشيخ الامام العالم المقري شيخ القراء
@ برهان الدين ابو إسحاق إبراهيم بن عمر بن إبراهيم بن خليل الجعبري ثم الخليلي الشافعي صاحب المصنفات الكثيرة في القراءات وغيرها ولد سنة أربعين وستمائة بقلعة جعبر واشتغل ببغداد ثم قدم دمشق واقام ببلد الخليل نحو اربعين سنة يقرئ الناس وشرح الشاطبية وسمع الحديث وكانت له إجازة من يوسف بن خليل الحافظ وصنف بالعربية والعروض والقراءات نظما ونثرا وكان من المشايخ المهشورين بالفضائل والرياسة والخير والديانة والعفة والصيانة توفي يوم الاحد خامس شهر رمضان ودفن ببلد الخليل تحت الزيتونة ولد ثنتان وتسعون سنة رحمه الله
*3* قاضي القضاة علم الدين
@ ابو عبد الله محمد بن القاضي شمس الدين ابي بكر بن عيسى بن بدران بن رحمه الاخنابي السعدي المصري الشافعي الحاكم بدمشق وأعمالها كان عفيفا نزها ذكيا سار العبارة محبا للفضائل معظما لأهلها كثيرا الاسماع الحديث في العادلية الكبيرة توفي يوم الجمعة ثالث عشر ذي القعدة ودفن بسفح قاسيون عند زوجته تجاه تربة العادل كتبغا من ناحية الجبل
*3* قطب الدين موسى
@ ابن أحمد بن الحسين بن شيخ السلامية ناظر الجيوش الشامية كانت له ثروة وأموال كثيرة وله فضائل وإفضال وكرم وإحسان إلى أهل الخير وكان مقصدا في المهمات توفي يوم الثلاثاء ثاني الحجة وقد جاوز السبعين ودفن بتربته تجاه الناصرية بقاسيون وهو والد الشيخ الامام العلامة عز الدين حمزة مدرس الحنبلية
*2* ثم دخلت سنة ثلاث وثلاثين وسبعمائة
@ استهلت يوم الاربعاء والحاكم هم المذكورون في التي قبلها وليس للشافعي قاض وقاضي الحنفية عماد الدين الطرسوسي وقاضي المالكية شرف الدين الهمداني وقاضي الحنابلة علاء الدين ابن المنجا وكانب السر محيي الدين بن فضل الله وناظر الجامع عماد الدين بن الشيرازي
وفي ثاني المحرم قدم البشير بسلامة السلطان من الحجاز وباقتراب وصوله إلى البلاد فدقت البشائر وزينت البلد وأخبر البشير بوفاة الامير سيف الدين بكتمر الساقي وولده شهاب الدين احمد وهما راجعان في الطريق بعد أن حجا قريبا من مصر الوالد أولا ثم من بعده ابوه بثلاثة أيام بعيون القصب ثم نقلا إلى تربتهما بالقرافة ووجد لبكتمر من الاموال والجواهر واللالى والقماش والأمتعة والحواصل شيء كثير لا يكاد ينحصر ولا ينضبط وأفرج عن الصاحب شمس الدين غبريال في المحرم وطلب في صفر إلى مصر فتوجه على خيل البريد واحتيط على أهله بعد مسيره وأخذت منهم أموال كثيرة لبيت المال
وفي أواخر صفر قدم الصاحب امين الملك على نظر الدواوين بدمشق عوضا عن غبريال وبعده بأربعة أيام قدم القاضي فخر الدين بن الحلي على نظر الجيش بعد وفاة قطب الدين ابن شيخ السلامية وفي نصف ربيع الاول لبس ابن جملة خلعة القضاء للشافعية بدمشق بدار السعادة ثم جاء إلى الجامع وهي عليه وذهب إلى العادلية وقرىء تقليده بها بحضرة الأعيان ودرس بالعادلية والغزالية يوم الاربعاء ثاني عشر الشهر المذكور وفي يوم الاثنين رابع عشرينه حضر ابن أخيه جمال الدين محمود إعادة القيمرية نزل له عنها ثم استنابه بعد ذلك في المجلس وخرج إلى العادلية فحكم بها ثم لم يستمر بعد ذلك عزل عن النيابة بيومه واستناب بعده جمال الدين إبراهيم بن شمس الدين محمد بن يوسف الحسباني وله همة وعنده نزاهة وخبرة بالأحكام
وفي ربيع الاول ولى شهاب قرطاي نيابة طرابلس وعزل عنها طبلان إلى نيابة غزة وتولى نائب غزة حمص وحصل للذي جاء بتقاليدهم مائة ألف درهم منهم وفي ربيع الأخر أعيد القاضي محيي الدين بن فضل الله وولده الى كتابة سر مصر ورجع شرف الدين ابن الشهاب محمود الى كتابة سر الشام كما كان وفي منتصف هذا الشهر ولي نقابة الاشراف عماد الدين موسى الحسيني عوضا عن أخيه شرف الدين عدنان توفي في الشهر الماضي ودفن بتربتهم عند مسجد الدبان وفيه درس الفخر المصري بالدولعية عوضا عن ابن جملة بحكم ولايته القضاء وفي خامس عشرين رجب درس بالبادرائية القاضي علاء الدين علي بن شريف ويعرف بابن الوحيد عوضا عن ابن جهبل توفي في الشهر الماضي وحضر عنده القضاة والاعيان وكنت إذ ذاك بالقدس أنا والشيخ شمس الدين ابن عبد الهادي وآخرون وفيه رسم السلطان الملك الناصر بالمنع من رمى البندق وان لا تباع قسيها ولا تعمل وذلك لافساد رماة البندق أولاد الناس وأن الغالب على من تعاناه اللواط والفسق وقلة الدين ونودي بذلك في البلاد المصرية والشامية
قال البرزالي وفي نصف شعبان أمر السلطان بتسليم المنحمين إلى والي القاهرة فضربوا وحبسوا لافسادهم حال النساء فمات منهم أربعة تحت العقوبة ثلاثة من المسلمين ونصراني وكتب إلى بذلك الشيخ أبو بكر الرحبي وفي أول رمضان وصل البريد بتولية الامير فخر الدين ابن الشمس لؤلؤ ولاية البر بدمشق بعد وفاة شهاب الدين بن المرواني ووصل كتاب من مكة إلى دمشق في رمضان يذكر فيه أنها وقعت صواعق ببلاد الحجاز فقتلت جماعة متفرقين في أماكن شتى وأمطار كثيرة جدا وجاء البريد في رابع رمضان بتولية القاضي محيي الدين بن جميل قضاء طرابلس فذهب اليها ودرس ابن المجد عبد الله بالرواحية عوضا عن الاصبهاني بحكم إقامته بمصر وفي آخر رمضان أفرج عن الصاحب علاء الدين وأخيه شمس الدين موسى بن التاج إسحاق بعد سجنهما سنة ونصفا
وخرج الركب الشامي يوم الخميس عاشر شوال وأميره بدر الدين بن معبد وقاضيه علاء الدين ابن منصور مدرس الحنفية بالقدس بمدرسة تنكز وفي الحجاج صدر الدين المالكي وشهاب الدين الظهيري ومحيي الدين ابن الاعقف وآخرون وفي يوم الاحد ثالث عشرة درس بالاتابكية ابن جملة عوضا عن ابن جميل تولى قضاء طرابلس وفي يوم الاحد عشرينه حكم القاضي شمس الدين محمد بن كامل التدرمي الذي كان في خطابه الخليل بدمشق نيابة عن ابن جملة وفرح الناس بدينه وفضيلته
وفي ذي القعدة مسك تنكز دواداره ناصر الدين محمد وكان عنده بمكانة عظيمة جدأن وضربه بين يديه ضربا مبرحا واستخلص منه أموالا كثيرة ثم حبسه بالقلعة ثم نفاه إلى القدس وضرب جماعة من أصحابه منهم علاء الدين بن مقلد حاجب العرب وقطع لسانه مرتين ومات وتغيرت الدولة وجاءت دولة أخر مقدمها عنده حمزة الذي كان سميره وعشيره في هذه المدة الأخيرة وانزاحت النعمة عن الدوادار ناصر الدين وذويه ومن يليه وفي يوم الثلاثاء ثامن عشرين ذي القعدة ركب على الكعبة باب حديد أرسله السلطان مرصعا من السبط الاحمر كأنه آبنوس مركب عليه صفائح من فضة زنتها خمسة وثلاثون ألفا وثلثمائة وكسر وقلع الباب العتيق وهو من خشب الساج وعليه صفائح تسلمها بنو شيبة وكان زنتها ستين رطلا فباعوها كل درهم بدرهمين لأجل التبرك وهذا خطأ وهو ربا وكان ينبغي ان يبعوها بالذهب لئلا يحصل ربا بذلك وترك خشب الباب العتيق داخل الكعبة وعليه اسم صاحب اليمن في الفردتين واحدة عليها الله يا ولي يا علي اغفر ليوسف بن عمر بن علي وممن توفي فيها من الاعيان :
*3* الشيخ العالم تقي الدين محمود علي
@ ابن محمود بن مقبل الدقوقي أبو الثناء البغدادي محدث بغداد منذ خمسين سنة يقرأ لهم الحديث وقد ولى مشيخة الحديث بالمستنصرية وكان ضابطا محصلا بارعا وكان يعظ ويتكلم في الأعزية والأهنية وكان فردا في زمانه وبلاده رحمه الله توفي في المحرم وله قريب السبعين سنة وشهد جنازته خلق كثير ودفن بتربة الامام أحمد ولم يخلف درهما واحدا وله قصيدتان رثا بهما الشيخ تقي الدين ابن تيمية كتب بهما إلى الشيخ الحافظ البرزالي رحمه الله تعالى
*3* الشيخ الامام العالم عز القضاة
@ فخر الدين أبو محمد عبد الواحد بن منصور بن محمد بن المنير المالكي الاسكندري أحد الفضلاء المشهورين له تفسير في ست مجلدات وقصائد في رسول الله صلى الله عليه وسلم حسنة وله في كان وكان وقد سمع الكثير وروى توفي في جماد الاولى عن ثنتين وثمانين سنة ودفن بالاسكندرية رحمه الله
*3* ابن جماعة قاضي القضاة
@ العالم شيخ الاسلام بدر الدين أبو عبد الله محمد بن الشيخ الامام الزاهد أبي إسحاق إبراهيم ابن سعد الله ابن جماعة بن حازم بن صخر الكناني الحموي الاصل ولد ليلة السبت رابع ربيع الاخر سنة تسع وثلاثين وستمائة بحماة وسمع الحديث واشتغل بالعلم وحصل علوما متعددة وتقدم وساد أقرانه وباشر تدريس القيمرية ثم ولى الحكم والخطابة بالقدس الشريف ثم نقل منه إلى قضاء مصر في الأيام الاشرفية ثم باشر تداريس كباربها في ذلك الوقت ثم ولى قضاء الشام وجمع له معه الخطابة مشيخة الشيوخ وتدريس العادلية وغيرها مدة طويلة كل هذا مع الرياسة والديانة والصيانة والورع وكف الاذى وله التصانيف الفائقة النافعة وجمع له خطب كان يخطب بها في طيب صوت فيها وفي قراءته في المحراب وغيره ثم نقل إلى قضاء الديار المصرية بعد وفاة الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد فلم يزل حاكما بها إلى أن أضر وكبر وضعفت أحواله فاستقال فأقيل وتولي مكانه القزويني وبقيت معه بعض الجهات ورتبت له الرواتب الكثيرة الدارة إلى أن توفي ليلة الاثنين بعد عشاء الآخرة حادي عشرين جمادي الاولى وقد اكمل أربعا وتسعين سنة وشهرا واياما وصلى عليه من الغد قبل الظهر بالجامع الناصري بمصر ودفن بالقرافة وكانت جنازته حافلة هائلة رحمه الله
*3* الشيخ الامام الفاضل مفتي المسلمين
@ شهاب الدين أبو العباس أحمد بن محيي الدين يحيى بن تاج الدين بن إسماعيل بن طاهر بن نصر الله بن جهبل الحلبي الأصل ثم الدمشقي الشافعي كان من أعيان الفقهاء ولد سنة سبعين وستمائة واشتغل بالعلم ولزم المشايخ ولازم الشيخ الصدر بن الوكيل ودرس بالصلاحية بالقدس ثم تركها وتحول إلى دمشق فباشر مشيخة دار الحديث الظاهرية مدة ثم ولى مشيخة البادرائية فترك الظاهرية وأقام بتدريس البادرائية إلى أن مات ولم يأخذ معلوما من واحدة منهما توفي يوم الخميس بعدا لعصر تاسع جمادي الآخرة وصلى عليه بعدالصلاة ودفن بالصوفية وكانت جنازته حافلة
*3* تاج الدين عبد الرحمن بن أيوب
@ مغسل الموتى في سنة ستين وستمائة يقال إنه غسل ستين ألف ميت وتوفي في رجب وقد جاوز الثمانين
*3* الشيخ فخر الدين أبو محمد
@ عبد الله بن محمد بن عبدالعظيم ابن السقطي الشافعي كان مباشرا شهادة الخزانة وناب في الحكم عند باب النصر ودفن بالقرافة
*3* الامام الفاضل مجموع الفضائل
@ شهاب الدين ابو العباس أحمد بن عبدالوهاب البكري نسبة إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه كان لطيف المعاني ناسخا مطيقا يكتب في اليوم ثلاث كراريس وكتب البخاري ثماني مرات ويقابله ويجلده ويبيع النسخة من ذلك بألف ونحوه وقد جمع تاريخا في ثلاثين مجلدا وكان ينسخه ويبيعه أيضا بأزيد من الف وذكر أن له كتابا سماه منتهى الأرب في علم الادب في ثلاثين مجلدا أيضا وبالجملة كان نادرا في وقته توفي يوم الجمعة عشرين رمضان رحمه الله
*3* الشيخ الصالح الزاهد الناسك
@ الكثير الحج علي بن الحسن بن أحمد الواسطي المشهور بالخير والصلاح وكثرة العبادة والتلاوة والحج يقال إنه حج أزيد من أربعين حجة وكانت عليه مهابة ولديه فضيلة توفي وهو محرم يوم الثلاثاء ثامن عشرين ذي القعدة وقد قارب الثمانين رحمه الله
*3* الامير عز الدين إبراهيم بن عبد الرحمن
@ ابن أحمد بن القواس كان مباشرا الشد في بعض الجهات السلطانية وله دار حسنة بالعقبية الصغيرة فلما جاءت الوفاة أوصى ان تجعل مدرسة ووقف عليها أوقافا وجعل تدريسها للشيخ عماد الدين الكردي الشافعي توفي يوم الاربعاء عشرين الحجة
*2* ثم دخلت سنة اربع وثلاثين وسبعمائة
@ استهلت بيوم الاحد وحكام البلاد هم المذكورون في التي قبلها وفي يوم الجمعة ثاني ربيع الاول أقيمت الجمعة بالخاتونية البرانية وخطب بها شمس الدين النجار المؤذن المؤقت بالاموي وترك خطابة جامع القابون وفي مستهل هذا الشهر سافر الامير شمس الدين محمد التدمري إلى القدس حاكما به وعزل عن نايبة الحكم بدمشق وفي ثالثه قدم من مصر زين الدين عبد الرحيم ابن قاضي القضاة بدر الدين ابن جماعة بخطابة القدس فخلع عليه من دمشق ثم سافر إليها وفي آخر ربيع الاول باشر الامير ناصر الدين بن بكتاش الحسامي شد الاوقاف عوضا عن شرف الدين محمود بن الخطيري سافر بأهله إلى مصر أميرا نيابة بها عن أخيه بدر الدين مسعود وعزل القاضي علاء الدين ابن القلانسي وسائر الدواوين والمباشرين الذين في باب ملك الامراء تنكز وصودروا بمائتي ألف درهم واستدعى من غزة ناظرها جمال الدين يوسف صهر السني المستوفي فباشر نظر ديوان النائب ونظر المارستان النوري ايضا على العادة
وفي شهر ربيع الاول أمر تنكز باصلاح باب توما فشرع فيه فرفع بابه عشرة أذرع وجددت حجارته وحديده في أسرع وقت وفي هذا القوت حصل بدمشق سيل خرب بعض الجدران ثم تناقص وفي أوائل ربيع الاخر قدم من مصر جمال الدين آقوش نائب الكرك مجتازا إلى طرابلس نائبها عوضا عن قرطا توفي وفي جمادي الأولى طلب القاضي شهاب الدين ابن المجد عبد الله إلى دار السعادة فولى وكلة بيت المال عوضا عن ابن القلانسي ووصل تقليده من مصر بذلك وهنأه الناس وفيه طلب الامير نجم الدين ابن الزيبق من ولاية نابلس فولى شد الدواوين بدمشق وقد شغر منصبه شهورا بعد ابن الخشاب وفي رمضان خطب الشيخ بدر الدين أبو اليسر ابن الصائغ بالقدس عوضا عن زين الدين ابن جماعة لاعراضه عنها واختياره العود إلى بلده
*3* قضية القاضي ابن جملة
@ لما كان في العشر الاخير من رمضان وقع بين القاضي ابن جملة وبين الشيخ الظهير شيخ ملك الامراء وكان هو السفير في تولية ابن جملة القضاء فوقع بينهما منافسة ومحاققة في أمور كانت بينه وبين الدوادار المتقدم ذكره ناصر الدين فحلف كل واحد منهما على خلاف ما حلف به الاخر عليه وتفاصلا من دار السعادة في المسجد فلما رجع القاضي إلى منزله بالعادلية أرسل إليه الشيخ الظهير ليحكم فيه بما فيه المصلحة وذلك عن مرسوم النائب وكأنه كان خديعة في الباطن وإظهارا لنصرة القاضي عليه في الظاهر فبدر به القاضي بادي الرأي فعزره بين يديه ثم خرج من عنده فتسلمه أعوان ابن جملة فطافوا به البلد على حمار يوم الاربعاء سابع عشرين رمضان وضربوه ضربا عنيفا ونادوا عليه هذا جزاء من يكذب ويفتات على الشرع فتألم الناس له لكونه في الصيام وفي العشر الاخير من رمضان ويوم سبع وعشرين وهو شيخ كبير صائم فيقال إنه ضرب يومئذ ألفين ومائة وإحدى وسبعين درة والله اعلم فما أمسى حتى استفتى على القاضي المذكور وداروا على المشايخ بسبب ذلك عن مرسوم النائب فلم كان يوم تاسع عشرين رمضان عقد نائب السلطنة بين يديه بدار السعادة مجلسا حافلا بالقضاة وأعيان المفتيين من سائر المذاهب وأحضر ابن جملة قاضي الشافعية والمجلس قد احتف بأهله ولم يأذنوا لابن جملة في الجلوس بل قام قائما ثم أجلس بعد ساعة جيدة في طرف الحلقة إلى جانب المحفة التي فيها الشيخ الظهير وادعى عليه عند بقية القضاة أنه حكم فيه لنفسه واعتدى عليه في القعوبة وأفاض الحاضرون في ذلك وانتشر الكلام وفهموا من نفس النائب الحط على ابن جملة والميل عنه بعد أن كان اليه فما انفصل المجلس حتى حكم القاضي شرف الدين المالكي بفسقه وعزله وسجنه فانفض المجلس على ذلك ورسم على ابن جملة بالعذراوية ثم نقل إلى القلعة جزاء وفاقا والحمد له وحده وكان له في القضاء سنة ونصف إلا أياما وكان يباشر الاحكام جيدا وكذا الاوقاف المتعلقة به وفيه نزاهة وتمييز الاوقاف بين الفقهاء والفقراء وفيه صرامة وشهامة وإقدام لكنه اخطأ في هذه الواقعة وتعدى فيها فآل امره إلى هذا
وخرج الركب يوم الاثنين عاشر شوال وأميره الجي بغا وقاضيه مجد الدين ابن حيان المصري
وفي يوم الاثنين رابع عشرينه درس بالاقبالية الحنفية نجم الدين ابن قاضي القضاة عماد الدين الطرسوسي الحنفي عوضا عن شمس الدين محمد بن عثمان بن محمد الأصبهاني ابن العجمي الحبطي ويعرف بابن الحنبلي وكان فاضلا دينا متقشفا كثير الوسوسة في الماء جدا وأما المدرس مكانه وهو نجم الدين بن الحنفي فإنه ابن خمس عشرة سنة وهو في النباهة والفهم وحسن الاشتغال والشكل والوقار بحيث غبط الحاضرون كلهم أباه على ذلك ولهذا آل أمره أن تولى قضاء القضاة في حاية ابيه نزل له عنه وحمدت سيرته وأحكامه
وفي هذا الشهر أثبت محضر في حق الصاحب شمس الدين غبريال المتوفي هذه السنة أنه كان يشتري أملاكا من بيت المال ويوقفها ويتصرف فيها تصرف الملاك لنفسه وشهد بذلك كمال الدين الشيرازي وابن أخيه عماد الدين وعلاء الدين القلانسي وابن خاله عماد الدين القلانسي وعز الدين ابن المنجا وتقي الدين ابن مراجل وكمال الدين بن الغويرة وأثبت على القاضي برهان الدين الزرعي الحنبلي ونفذه بقية القضاة وامتنع المحتسب عز الدين ابن القلانسي من الشهادة فرسم عليه بالعذراوية قريبا من شهر ثم أفرج عنه وعزل عن الحسبة واستمر على نظر الخزانة
وفي يوم الاحد ثامن عشرين ذي القعدة حملت خلعة القضاء إلى الشيخ شهاب الدين ابن المجد وكيل بيت المال يومئذ فلبسها وركب إلى دار السعادة وقرئ تقليده بحضرة نائب السلطنة والقضاة ثم رجع إلى مدرسته الاقبالية فقرئ بها أيضا وحكم بين خصمين وكتب على أوراق السائلين ودرس بالعادلية والغزالية والاتابكيتين مع تدريس الاقبالية عوضا عن ابن جملة وفي يوم الجمعة حضر الامير حسام الدين مهنا بن عيسى وفي صحبته صاحب حماة الافضل فتلقاهما تنكز وأكرمهما وصليا الجمعة عند النائب ثم توجها إلى مصر فتلقاهما أعيان الأمراء وأكرم السلطان مهنا بن عسى وأطلق له أموالا جزيلة كثيرة من الذهب والفضة والقماش واقطعه عدى قرى ورسم له بالعود إلى أهله ففرح الناس بذلك قالوا وكان جميع ما أنعم به عليه السلطان قيمة مائة ألف دينار وخلع عليه وعلى أصحابه مائة وسبعين خلعة
وفي يوم الاحد سادس الحجة حضر درس الرواحية الفخر المصري عوضا عن قاضي القضاة
ابن المجد وحضر عنده القضاة الاربعة وأعيان الفضلاء وفي يوم عرفة خلع على نجم الدين بن أبي الطيب بوكالة بيت المال عوضا عن ابن المجد وعلى عماد الدين ابن الشيرازي بالحسبة عوضا عن عز الدين ابن القلانسي وخرج الثلاثة من دار السعادة بالطرحات وممن توفي فيها من الأعيان :
*3* الشيخ الاجل التاجر بدر الدين
@ بدر الدين لؤلؤ بن عبد الله عتيق النقيب شجاع الدين إدريس وكان رجلا حسنا ينجر ! في الجوخ مات فجأة عصر يوم الخميس خامس محرم وخلف أولادا وثروة ودفن بباب الصغير وله بر وصدقة ومعروف وسبع بمسجد ابن هشام
*3* الصدر أمين الدين
@ محمد بن فخر الدين أحمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن محمد بن يوسف
ابن أبي العيش الانصاري الدمشقي باني المسجد المشهور بالزبوة على حافة بردى والطهارة والحجارة إلى جانبه والسوق الذي هناك وله بجامع النيرب ميعاد ولد سنة ثمان وخسمين وستمائة وسمع البخاري وحدث به وكان من أكابر التجار ذوي اليسار توفي بكرة الجمعة سادس المحرم ودفن بتربته بقاسيون رحمه الله
*3* الخطيب الامام العالم
@ عماد الدين أبو حفص عمر الخطيب ظهير الدين عبدالرحيم بن يحيى بن إبراهيم بن علي بن جعفر ابن عبد الله بن الحسن القرشي الزهري النابلسي خطيب القدس وقاضي نابلس مدة طويلة ثم جمع له بين خطابة القدس وقضائها وله اشتغال وفي فضيلة وشرح صحيح مسلم في مجلدات وكان سريع الحفظ سريع الكتابة توفي ليلة الثلاثاء عاشر المحرم ودفن بماملا رحمه الله
*3* الصدر شمس الدين
@ محمد بن إسماعيل بن حماد التاجر بقيسارية الشرب كتب المنسوب وانتفع به الناس وولى التجار لأمانته وديانته وكانت له معرفة ومطالعة في الكتب توفي تاسع صفر عن نحو ستين سنة ودفن بقاسيون رحمه الله
*3* جمال الدين قاضي القضاة الزرعي
@ هو ابو الربيع سليمان ابن الخطيب مجد الدين عمر بن سالم بن عمر بن عثمان الأذرعي الشافعي ولد سنة خمس وأربعين وستمائة بأذرعات وشاتغل بدمشق فحصل وناب في الحكم بزرع مدة فعرف بالزرعي لذلك وإنما هو من أذرعات واصله من بلاد المغرب ثم ناب بدمشق ثم انتقل إلى مصر فناب في الحكم بها ثم استقل بولاية القضاء بها نحوا من سنة ولي قضاء الشام مدة مع مشيخة الشيوخ نحوا من سنة ثم عزل وبقي على مشيخة الشيوخ نحوا من سنة مع تدريس الاتابكية ثم تحول إلى مصر فولى بها التدريس وقضاء العسكر ثم توفي بها يوم الاحد سادس صفر وقد قارب السبعين رحمه الله وقد خرج له البرزالي مشيخة سمعناها عليه وهو بدمشق عن اثنين وعشرين شيخا
*3* الشيخ الامام العالم الزاهد
@ زين الدين أبو محمد عبد الرحمن بن محمود بن عبيدان البعلبكي الحنبلي أحد فضلاء الحنابلة ومن صنف في الحديث والفقه والتصوف وأعمال القلوب وغير ذلك كان فاضلا له أعمال كثيرة وقد وقعت له كائنة في أيام الظاهر أنه أصيب في عقله أو زوال فكره أو قد عمل على الرياضة فاحترق باطنه من الجوع فرأى خيالات لا حقيقة لها فاعتقد أنها أمر خارجي وإنما هو خيال فكري فاسد وكانت وفاته في نصف صفر ببعلبك ودفن بباب سطحا ولم يكمل الستين وصلى عليه بدمشق صلاة الغائب وعلى القاضي الزرعي معا
*3* الأمير شهاب الدين
@ نائب طرابلس له أوقاف وصدقات وبر وصلات توفي بطرابلس يوم الجمعة ثامن عشر صفر ودفن هناك رحمه الله
*3* الشيخ عبد الله بن يوسف بن أبي بكر الاسعردي الموقت
@ كان فاضلا في صناعة الميقات وعلم الاصطرلاب وما جرى مجراه بارعا في ذلك غير أنه لا ينفع به لسوء أخلاقه وشراستها ثم إنه ضعف بصره فسقط من قيسارية بحسى عشية السبت عاشر ربيع الاول ودفن بباب الصغير
*3* الامير سيف الدين بلبان
@ طرفا بن عبد الله الناصري كان من المقدمين بدمشق وجرت له فصلو يطول ذكرها ثم توفي بداره عند مأذنة فيروز ليلة الاربعاء حادي عشرين ربيع الاول ودفن بتربة اتخذها إلى جانب داره ووقف عليها مقرئين وبنى عندها مسجدا بأمام ومؤذن
*3* شمس الدين محمد بن محمد بن قاضي حران
@ ناظر الاوقاف بدمشق مات الليلة التي مات فيها الذي قبله ودفن بقاسيون وتولى مكانه عماد الدين الشيرازي
*3* الشيخ الامام ذو الفنون
@ تاج الدين ابو حفص عمر بن علي بن سالم بن عبد الله اللخمي الاسكندراني المعروف بابن الفاكهاني ولد سنة أربع وخسمين وستمائة وسمع الحديث واشتغل بالفقه على مذهب مالك وبرع وتقدم بمعرفة النحو وغيره وله مصنفات في أشياء متفرقة قدم دمشق في سنة إحدى وثلاثين وسبعمائة في أيام الاخنائي فأنزله في دار السعادة وسمعنا عليه ومعه وحج من دمشق عامئذ وسمع عليه في الطريق ورجع إلى بلاده توفي ليلة الجمعة سابع جمادي الاولى وصلى عليه بدمشق حين بلغهم خبر موته
*3* الشيخ الصالح العابد الناسك ايمن
@ امين الدين ايمن بن محمد وكان يذكر أن اسمه محمد بن محمد إلى سبع عشر نفسا كلهم اسمه محمد وقد جاور بالمدينة مدة سنين إلى أن توفي ليلة الخميس ثامن ربيع الاول ودفن بالبقيع وصلى عليها بدمشق صلاة الغائب


التوقيع :


اللهم صل على سيدنا محمد عبدك ونبيك ورسولك
النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم تسليما عدد مااحاط به علمك
وخط به قلمك واحصاه كتابك
وارض اللهم عن سادتنا ابي بكر وعمر وعثمان وعلي
وعن الصحابة أجمعين وعن التابعين وتابعيهم بإحسان الى يوم الدين





رد مع اقتباس
قديم 09-01-2006, 11:10 PM   رقم المشاركة : 13
الكاتب

أفاق : الاداره

مراقب

مراقب

أفاق : الاداره غير متواجد حالياً


الملف الشخصي









أفاق : الاداره غير متواجد حالياً


مشاركة: البداية والنهاية الجزء الرابع عشر

وهذا الثناء عليه وكان عمره يومئذ نحو الثلاثين سنة وكان بيني وبينه مودة وصحبة من الصغر وسماع الحديث والطلب من نحو سنة وله فضائل كثيرة وأسماء مصنفاته وسيرته وما جرى بينه وبين الفقهاء والدولة وحبسه مرات وأحواله لا يحتمل ذكر جميعها هذا الموضع وهذا الكتاب
ولما مات كنت غائبا عن دمشق بطريق الحجاز ثم بلغنا خبر موته بعد وفاته بأكثر من خمسين يوما لما وصلنا إلى تبوك وحصل التأسف لفقده رحمه الله تعالى هذا لفظه في هذا الموضع من تاريخه
ثم ذكر الشيخ علم الدين بعد إيراد هذه الترجمة جنازة ابي بكر بن أبي داود وعظمها وجنازة الامام احمد ببغداد وشهرتها وقال الامام ابو عثمان الصابوني سمعت ابا عبدالرحمن السيوفي يقول حضرت جنازة أبي الفتح القواس الزاهد مع الشيخ ابي الحسن الدارقطني فلما بلغ إلى ذلك الجمع العظيم أقبل علينا وقال سمعت أبا سهل بن زياد القطان يقول سمعت عبد الله بن أحمد بن حنبل يقول سمعت ابي يقولي قولوا لأهل البدع بيننا وبينكم الجنائز قال ولا شك ان جنازة احمد بن
حنبل كانت هائلة عظيمة بسبب كثرة أهل بلده واجتماعهم لذلك وتعظيمهم له وأن الدولة كانت تحبه والشيخ تقي الدين ابن تيمية رحمه الله توفي ببلدة دمشق وأهلها لا يعشرون أهل بغداد حينئذ كثرة ولكنهم اجتمعوا لجنازته اجتماعا لو جمعهم سلطان قاهر وديوان حاصر لما بلغوا هذه الكثرة التي اجتمعوها في جنازته وانتهوا إليها هذا مع ان الرجل مات بالقلعة محبوسا من جهة السلطان وكثير من الفقهاء والفقراء يذكرون عنه للناس أشياء كثيرة مما ينفر منها طباع اهل الاديان فضلا عن اهل الاسلام وهذه كانت جنازته
قال وقد اتفق موته في سحر ليلة الاثنين المذكور فذكر ذلك مؤذن القلعة على المنارة بها وتكلم به الحراس على الابرجة فما أصبح الناس إلا وقد تسامعوا بهذا الخطب العظيم والامر الجسيم فبادر الناس على الفور إلى الاجتماع حول القلعة من كل مكان أمكنهم المجيء منه حتى من الغوطة والمرج ولم يطبخ أهل الاسواق شيئا ولا فتحوا كثيرا من الدكاكين التي من شأنها أن تفتح اوائل النهار على العادة وكان نائب السلطنة تنكز قد ذهب يتصيد في بعض الامكنة فحارت الدولة ماذا يصنعون وجاء الصاحب شمس الدين غبريال نائب القلعة فعزاه فيه وجلس عنده وفتح باب القلعة لمن يدخل من الخواص والاصحاب والاحباب فاجتمع عند الشيخ في قاعته خلق من أخصاء أصحابه من الدولة وغيرهم من أهل البلد والصالحية فجلسوا عنده يبكون ويثنون على مثل ليلى يقتل المرء نفسه وكنت فيمن حضر هناك مع شيخنا الحافظ ابي الحجاج المزي رحمه الله وكشفت عن وجه الشيخ ونظرت إليه وقبلته وعلى رأسه عمامه بعذب مغروزة وقد علاه الشيب أكثر مما فارقناه وأخبر الحاضرين أخوه زين الدين عبد الرحمن أنه قرأ هو والشيخ منذ دخل القلعة ثمانين ختمة وشرعا في الحادية والثمانين فانتهينا فيها إلى آخر اقتربت الساعة إنالمتقين في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر فشرع عند ذلك الشيخان الصالحان الخيران عبد الله بن المحب وعبد الله الزرعي الضرير وكان الشيخ رحمه الله يحب قراءتهما فابتدآ من أول سورة الرحمن حتى ختموا القرآن وأنا حاضر أسمع وأرى
ثم شرعوا في غسل الشيخ وخرجت إلى مسجد هناك ولم يدعوا عنده إلا من ساعد في غسله منهم شخينا الحافظ المزي وجماعة من كبار الصالحين الاخيار أهل العلم والإيمان فما فرغ منه حتى امتلأت القلعة وضج الناس بالبكاء والثناء والدعاء والترحم ثم ساروا به إلى الجامع فسلكوا طريق العمادية على العادلية الكبيرة ثم عطفوا على ثلث الناطفانيين وذلك أن سويقة باب البريد كانت قد هدمت لتصلح ودخلوا بالجنازة إلى الجامع الأموي والخلائق فيه بين يدي الجنازة وخلفها وعن يمينها وشمالها مالا يحصى عدتهم إلا الله تعالى فصرخ صارخ وصاح صائح هكذا
تكون جنائز أئمة السنة فتباكى الناس وضجوا عند سماع هذا الصارخ ووضع الشيخ في موضع الجنائز مما يلي المقصورة وجلس الناس من كثرتهم وزحمتهم على غير صفوف بل مرصوصين رصا لا يتمكن أحد من السجود إلا بكلفة جو الجامع ويرى الأزقة والاسواق وذلك قبل اذان الظهر بقليل وجاء الناس من كل مكان وقوى خلق الصيام لأنهم لا يتفرغون في هذا اليوم لمأكل ولا لشرب وكثر الناس كثرة لا تحد ولا توصف فلما فرغ من اذان الظهر أقيمت الصلاة عقبه على السدة خلاف العادة فلما فرغوا من الصلاة خرج نائب الخطيب لغيبة الخطيب بمصر فصلى عليه إماما وهو الشيخ علاء الدين الخراط ثم خرج الناس من كل مكان من أبواب الجامع والبلد كما ذكرنا واجتمعوا بسوق الخيل ومن الناس من تعجل بعد ان صلى في الجامع إلى مقابر الصوفية والناس في بكاء وتهليل في مخافته كل واحد بنفسه وفي ثناء وتأسف والنساء فوق الاسطحة من هناك إلى المقبرة يبكين ويدعين ويقلن هذا العالم
وبالجملة كان يوما مشهودا لم يعهد مثله بدمشق إلا أن يكون في زمن بني أمية حي كان الناس كثيرين وكانت دار الخلافة ثم دفن عند أخيه قريبا من أذان العصر على التحديد ولا يمكن أحد حصر من حضر الجنازة وتقريب ذلك أنه عبارة عمن امكنه الحضور من أهل البلد وحواضره ولم يتخلف من الناس إلا القليل من الصغار والمخدرات وما علمت احدا من أهل العلم إلا النفر اليسير تخلف عن الحضور في جنازته وهم ثلاثة أنفس وهم ابن جملة والصدر والقفجاري وهؤلاء كانوا قد اشتهروا بمعاداته فاختفوا من الناس خوفا على أنفسهم بحيث إنهم علموا متى خرجوا قتلوا واهلكهم الناس وتردد شيخنا الامام العلامة برهان الدين الفزاري إلى قبره في الايام الثلاثة وكذلك جماعة من علماء الشافعية وكان برهان الدين الفزاري يأتي راكبا على حماره وعليه الجلالة والوقار حمه الله
وعملت له ختمات كثيرة ورؤيت له منامات صالحة عجيبة ورثى بأشعار كثيرة وقصائد مطولة جدا وقد أفردت له تراجم كثيرة وصنف في ذلك جماعة من الفضلاء وغيرهم وسألخص من مجموع ذلك ترجمة وجيزة في ذكر مناقبه وفضائله وشجاعته وكرمه ونصحه وزهادته وعبادته وعلومه المتنوعة الكثيرة المجودة وصفاته الكبار والصغار التي احتوت على غالب العلوم ومفرداته في الاختيارات التي نصرها بالكتاب والسنة وأفتى بها وبالجملة كان رحمه الله من كبار العلماء وممن يخطيء ويصيب ولكن خطؤه بالنسبة إلى صوابه كنقطة في بحر لجي وخطؤه أيضا مغفور له كما في صحيح البخاري إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله
أجرا وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر فهو مأجور وقال الامام مالك بن أنس كل احد يؤخذ من قوله ويترك إلا صاحب هذا القبر وفي سادس عشرين ذي القعدة نقل تنكز حواصله وأمواله من دار الذهب داخل باب الفراديس إلى الدار التي أنشأها وتعرف بدار فلوس فسميت دار الذهب وعزل خزنداره ناصر الدين محمد ابن عيسى وولى مكانه مملوكه أباجي وفي ثاني عشرين القعدة جاء إلى مدينة عجلون سيل عظيم من أول النهار إلى وقت العصر فهدم من جامعها وأسواقها ورباعها ودورها شيئا كثيرا وغرق سبعة نفر وهلك للناس شيء كثير من الاموال والغلات والامتعة والمواشي ما يقارب قيمته ألف ألف درهم والله أعلم وإنا لله وإنا إليه راجعون
وفي يوم الاحد ثامن عشر ذي الحجة ألزم القاضي الشافعي الشيخ علاء الدين القونوي جماعة الشهود بسائر المراكز أن يرسلوا في عمائهم العذبات ليتميزوا بذلك عن عوام الناس ففعلوا ذلك أياما ثم تضرروا من ذلك فأرخص لهم في تركها ومنهم من استمر بها وفي يوم الثلاثاء عشرين ذي الحجة أفرج عن الشيخ الامام العالم العلامة أبي عبد الله شمس الدين ابن قيم الجوزية وكان معتقلا بالقلعة أيضا من بعد اعتقال الشيخ تقي الدين بأيام من شعبان سنة ست وعشرين إلى هذا الحين وجاء الخبر بأن السلطان أفرج عن الجاولي والامير فرج بن قراسنقر ولاجين المنصوري وأحضروا بعد العيد بين يديه وخلع عليهم وفيه وصل الخبر بموت الامير الكبير جوبان نائب السلطان ابي سعيد على تلك البلاد ووفاة قراسنقر المنصوري أيضا كلاهما في ذي القعدة من هذه السنة وجوبان هذا هو الذي ساق القناة الواصلة إلى المسجد الحرام وقد غرم عليها أموالا جزيلة كثيرة وله تربة بالمدينة النبوية ومدرسة مشهورة وله آثار حسنة وكان جيد الاسلام له همة عالية وقد دبر الممالك في أيام أبي سعيد مدة طويلة على السداد ثم أراد أبو سعيد مسكة فتخلص من ذلك كما ذكرنا ثم إن أبا سعيد قتل ابنه خواجا دمشق في السنة الماضية ففر ابنه الآخر تمرتاش هاربا إلى سلطان مصر فآواه شهرا ثم ترددت الرسل بين الملكين في قتله فقتله صاحب مصر فيما قيل وأرسل برأسه إليه ثم توفي أبوه بعده بقليل والله أعلم بالسرائر
وأما قراسنقر المنصوري فهو من جملة كبار أمرءا مصر والشام وكان من جملة من قتل الاشرف خليل بن المنصور كما تقدم ثم ولى نيابة مصر مدة ثم صار إلى نيابة دمشق ثم إلى نيابة حلب ثم فر إلى التتر هو والافرم والزركاشي فآواهم ملك التتار خربندا وأكرمهم وأقطعهم بلادا كثيرة وتزوج قراسنقر بنت هولاكو ثم كانت وفاته بمراغة بلده التي كان حاكما بها في هذه السنة
وله نحو تسعين سنة والله أعلم.
وممن توفي فيها من الاعيان شيخ الاسلام العلامة تقي الدين ابن تيمية كما تقدم ذكر ذلك في الحوادث وسنفرد له ترجمة على حدة إن شاء الله تعالى
*3* الشريف العالم عز الدين
@ عز الدين أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد بن عبد المحسن العلوي الحسيني العراقي الاسكندري الشافعي سمع الكثير وحفظ الوجيز في الفقه والايضاح في النحو وكان زاهدا متقللا من الدنيا وبلغ تسعين سنة وعقله وعلمه وذهنه ثابت متيقظ ولد سنة ثمان وثلاثين وستمائة وتوفي يوم الجمعة خامس المحرم ودفن بالاسكندرية بين المادين رحمه الله
*3* الشمس محمد بن عيسى التكريدي
@ كانت فيه شهامة وحزامة وكان يكون بين يدي الشيخ تقي الدين بن تيمية كالمنفذ لما يأمر به وينهى عنه ويرسله الامراء وغيرهم في الامور المهمة وله معرفة وفهم بتبليغ رسالته على أتم الوجوه توفي في الخامس من صفر بالقبيبات ودفن عندالجامع الكريمي رحمه الله تعالى

@ احمد بن محمد بن أبي الحزم القرشي المخزومي التمولي كان من أعيان الشافعية وشرح الوسيط وشرح الحاجبية في مجلدين ودرس وحكم بمصر وكان محتسبا بها أيضا وكان مشكور السيرة فيها وقد تولى بعده الحكم نجم الدين بن عقيل والحسبة ناصر الدين بن قار السبقوق توفي في رجب وقد جاوز الثمانين ودفن بالقرافة رحمه الله
*3* الشيخ أبو بكر الصالحالي
@ أبو بكر بن شرف بن محسن بن معن بن عمان الصالحي ولد سنة ثلاث وخمسين وستمائة وسمع الكثير صحبة الشيخ تقي الدين بن تيمية والمزي وكان ممن يحب الشيخ تقي الدين وكان معهما كالخادم لهما وكان فقيرا ذا عيال يتناول من الزكاة والصدقات ما يقوم بأوده واقام في آخر عمره بحمص وكان فصيحا مفوها له تعاليق وتصانيف في الاصول وغيرها وكان له عبادة وفيه خير وصلاح وكان يتكلم على الناس بعد صلاة الجمعة إلى العصر من حفظه وقد اجتمعت بامره صحبة شيخنا المزي حين قدم من حمص فكان قوى العبارة فصيحها متوسطا بالعلم له ميل إلى التصوف والكلام في الاحوال والاعمال والقلوب وغير ذلك وكان يكثر ذكر الشيخ تقي الدين بن تيمية توفي بحمص في الثاني والعشرين من صفر من هذه السنة وقد كان الشيخ يحض الناس على الاحسان إليه وكان يعطيه ويرفده
*3* ابن الدواليبي البغدادي
@ الشيخ الصالح العالم العابد الرحلة المسند المعمر عفيف الدين أبو عبد الله محمد بن عبد المحسن ابن أبي الحسين بن عبدالغفار البغدادي الأرجي الحنبلي المعروف بابن الدواليبي شيخ دار الحديث المستنصرية ولد في ربيع الاول سنة ثمان وثلاثين وستمائة وسمع الكثير وله إجازات عالية واشتغل بحفظ الخرقي وكان فاضلا في النحو وغيره وله شعر حسن وكان رجلا صالحا جاوز التسعين وصار رحلة العراق وتوفي يوم الخميس رابع جمادي الاولى ودفن بمقبرة الامام أحمد مقابر الشهداء
رحمه الله وقد أجازني فيمن أجاز من مشايخ بغداد ولله الحمد
*3* قاضي القضاة شمس الدين ابن الحريري
@ أبو عبد الله محمد بن صفي الدين أبي عمر وعثمان بن أبي الحسن عبدالوهاب الانصاري الحنفي ولد سنة ثلاث وخسمين وسمع الحديث واشتغل وقرأ الهداية وكان فقيها جيدا ودرس بأماكن كثيرة بدمشق ثم ولى القضاء بها ثم خطب إلى قضاء الديار المصرية فاستمر بها مدة طويلة محفوظ العرض لا يقبل من أحد هدية ولا تأخذه في الحكم لومة لائم وكان يقول إن لم يكن ابن تيمية شيخ الاسلام فمن وقال لبعض أصحابه أتحب الشيخ تقي الدين قال نعم قال والله لقد احببت شيئا مليحا توفي رحمه الله يوم السبت رابع جمادي الاخرة ودفن بالقرافة وكان قد عين لمنصبه القاضي برهان الدين بن عبدا لحق فنفذت وصيته بذلك وارسل إليه إلى دمشق فأحضر فباشر الحكم بعده وجميع جهاته
*3* الشيخ الامام العالم المقري
@ شهاب الدين أبو العباس أحمد بن الشيخ الامام تقي الدين محمد بن جبارة بن عبد الولي بن جبارة المقدسي المرداوي الحنبلي شارح الشاطبية ولد سنة تسع واربعين وستمائة وسمع الكثير وعنى بفن القراءات فبرز فيه وانتفع الناس به وقد أقام بمصر مدة واشتغل بها على الفزاري في أصول الفقه وتوفي بالقدس رابع رجب رحمه الله كان يعد من الصلحاء الأخبار سمع عن خطيب مردا وغيره
*3* ابن العاقولي البغدادي
@ الشيخ الامام العلامة جمال الدين أبو محمد عبد الله بن محمد بن علي بن حماد بن نائب السواطي العاقولي ثم البغدادي الشافعي مدرس المستنصرية مدة طويلة نحوا من أربعين سنة وباشر نظر الاوقاف وعين لقضاء القضاة في وقت ولد ليلة الاحد عاشر رجب سنة ثمان وثلاثين وستمائة وسمع الحديث وبرع واشتغل وأفتى من سنة سبع وخمسين إلى أن مات وذلك مدة إحدة وسبعين سنة وهذا شيء غريب جدا وكان قوى النفس له وجاهة في الدولة فكم كشف كربة عن الناس بسعيه وقصده توفي ليلة الاربعاء رابع عشرين شوال وقد جاوز التسعين سنة ودفن بداره وكان قد وقفها على شيخ وعشرة صبيان يسمعون القرآن ويحفظونه ووقف عليها أملاكه كلها تقبل الله منه ورحمه ودرس بعده بالمستنصرية قاضي القضاة قطب الدين
*3* الشيخ الصالح شمس الدين السلامي
@ شمس الدين محمد بن داود بن محمد بن ساب السلامي البغدادي أحد ذوي اليسار وله بر تام بأهل العلم ولا سيما أصحاب الشيخ تقي الدين وقد وقف كتبا كثيرة وحج مرات وتوفي ليلة الاحد رابع عشرين ذي القعدة بعد وفاة الشيخ تقي الدين بأربعة أيام وصلى عليه بعد صلاة الجمعة ودفن
بباب الصغير رحمه الله واكرم مثواه وفي هذه الليلة توفيت الوالدة مريم بنت فرج بن علي من قرية كان الوالد خطيبها وهي مجيدل القرية سنة ثلاث وسبعين وستمائة وصلى عليها بعدالجمعة ودفنت بالصوفية شرقي قبر الشيخ تقي الدين بن تيمية رحمها الله تعالى
*2* ثم دخلت سنة تسع وعشرين وسبعمائة
@ استهلت والخليفة والحاكم هم المباشرون في التي قبلها غير أن قطب الدين ابن شيخ السلامية اشتغل بنظر الجيش وفي المحرم طلب القاضي محيي الدين بن فضل الله كاتب سر دمشق وولده شهاب الدين وشرف الدين بن شمس الدين بن الشهاب محمود إلى مصر على البريد فباشر القاضي الصدر الكبير محيي الدين المذكور كتابة السر بها عوضا عن علاء الدين بن الاثير لمرض اعتراه وأقام عنده ولده شهاب الدين واقبل شرف الدين الشهاب محمود إلى دمشق على كتابة السر عوضا عن ابن فضل الله وفيه ذهب ناصر الدين مشد الاوقاف ناظرا على القدس والخليل فعمر هنالك عمارات كثيرة لملك الامراء تنكز وفتح في الاقصى شباكين عن يمين المحراب وشماله وجاء الأمير نجم الدين داود بن محمد بن أبي بكر بن محمد بن يوسف بن الزيبق من شد الدواوين بحمص إلى شدها بدمشق وفي الحادي والعشرين من صفر كمل ترخيم الحائط القبلي من جامع دمشق وبسط الجامع جميعه وصلى الناس الجمعة به من الغد وفتح باب الزيادة وكان له أياما وذلك في مباشرة تقي الدين بن مراجل
وفي ربيع الاخر قدم من مصر أولاد الامير شمس الدين قراسنقر إلى دمشق فسكنوا في دار أبيهم داخل باب الفرايدس في دهليز المقدمية وأعيدت عليهم أملاكهم المخلفة عن أبيهم وكانت تحت الحوطة فلما مات في تلك البلاد افرج عنها أو أكثرها وفي يوم الجمعة آخر شهر ربيع الآخر أنزل الأمير جوبان وولده من قلعة المدينة النبوية وهما ميتان مصبران في توابيتهما فصلى عليهما بالمسجد النبوي ثم دفنا بالبقيع عن مرسوم السلطان وكان مراد جوبان أن يدفن في مدرسته فلم يمكن من ذلك

وفي هذا اليوم صلى بالمدينة النبوية على الشيخ تقي الدين بن تيمية رحمه الله وعلى القاضي نجم الدين البالسي المصري صلاة الغائب وفي يوم الاثنين منتصف جمادي الاخرة درس القاضي شهاب الدين أحمد بن جهبل بالمدرسة البادرانية عوضا عن شيخنا برهان الدين الفزاري توفي إلى رحمة الله تعالى وأخذ مشيخة دار الحديث منه الحافظ شمس الدين الذهبي وحضرها في يوم الاربعاء سابع عشرة ونزل عن خطابة بطنا للشيخ جمال الدين المسلاتي المالكي فخطب بها يوم الجمعة تاسع عشرة وفي أواخر هذا الشهر قدم نائب حلب الامير سيف الدين أرغون إلى دمشق قاصدا باب السلطان فتلقاه نائب دمشق وأنزله بداره التي عند جامعه ثم سار نحو مصر فغاب نحوا من أربعين يوما ثم عاد راجعا إلى نيابة حلب وفي عاشر رجب طلب الصاحب تقي الدين ابن عمر بن الوزير شمس الدين بن السلعوس إلى مصر فولى نظر الدواوين بها حتى مات عن قريب وخرج الركب يوم السبت تاسع شوال وأميره سيف الدين بلطي وقاضيه شهاب الدين القيمري وفي الحجاج زوجة ملك الأمراء تنكز وفي خدمتها الطواشي شبل الدولة وصدر الدين المالكي وصلاح الدين ابن أخي الصاحب تقي الدين توبة وأخوه شرف الدين والشيخ علي المغربي والشيخ عبد الله الضرير وجماعة
وفي بكرة الاربعاء ثالث شوال جلس القاضي ضياء الدين علي بن سليم بن ربيعة للحكم بالعادلية الكبيرة نيابة عن قاضي القضاة القونوي وعوضا عن الفخر المصري بحكم نزوله عن ذلك وإعراضه عنه تاسع عشر رمضان من هذه السنة وفي يوم الجمعة سادس ذي القعدة بعد أذان الجمعة صعد إلى منبر جامع الحاكم بمصر شخص من مماليك الجاولي يقال له أوصى فادعى أنه المهدي وسجع سجعات يسيرة على رأي الكهان فأنزل في شرخيبة وذلك قبل حضور الخطيب بالجامع المذكور وفي ذي القعدة وما قبله وما بعده من أواخر هذه السنة وأوائل الاخرى وسعت الطرقات والأسواق داخل دمشق وخارجها مثل سوق السلاح والرصيف والسوق الكبير وباب البريد ومسجد القصب إلى الزنجبيلية وخارج باب الجباية إلى مسجد الدبان وغير ذلك من الاماكن التي كانت تضيق عن سلوك الناس وذلك بامر تنكز وأمر باصلاح القنوات واستراح الناس من ترتيش الماء عليهم بالنجاسات ثم في العشر الاخير من ذي الحجة رسم بقتل الكلاب فقتل منهم شيء كثير جدا ثم جمعوا خارج باب الصغير مما يلي باب كيسان في الخندق وفرق بين الذكور منهم والاناث ليموتوا سريعا ولا يتوالدوا وكانت الجيف والميتات تنقل إليهم فاستراح الناس من النجاسة من الماء والكلاب وتوسعت لهم الطرقات
وفي يوم الجمعة ثاني عشر ذي الحجة حضر مشيخة الشيوخ بالسمساطية قاضي القضاة شرف الدين المالكي بعد وفاة قاضي القضاة القونوي الشافعي وقرئ تقليده بالسبحة بها وحضره الأعيان وأعيد إلى ما كان عليه وممن توفي فيها من الأعيان :
*3* الامام العالم نجم الدين
@ نجم الدين أبو عبد الله محمد بن عقيل بن أبي الحسن بن عقيل البالسي الشافعي شارح التنبيه ولد سنة ستين وستمائة وسمع الحديث واشتغل بالفقه وغيره من فنون العلم فبرع فيها ولازم ابن دقيق العيد وناب عنه في الحكم ودرس بالمغربية والطيبرسية وجامع مصر وكان مشهورا بالفضيلة والديانة وملازمة الاشتغال توفي ليلة الخميس رابع عشر المحرم ودفن بالقرافة وكانت جنازته حافلة رحمه الله
*3* الأمير سيف الدين قطلوبك التشنكير الرومي
@ كان من أكابر الامراء وولى الحجوبية في وقت وهو الذي عمر القناة بالقدس توفي يوم الاثنين سابع ربيع الاول ودفن بتربته شمال باب الفراديس وهي مشهورة حسنة وحضر جنازته بسوق الخيل النائب والأمراء
*3* محدث اليمن
@ شرف الدين أحمد بن فقيه زبيد ابي الحسين بن منصور الشماخي المذحجي روى عن المكيين وغيرهم وبلغت شيوخه خمسمائة أو أزيد وكان رحلة تلك البلاد ومفيدها الخير وكان فاضلا في صناعة الحديث والفقه وغير ذلك توفي في ربيع الاول من هذه السنة
*3* نجم الدين أبو الحسن
@ على بن محمد بن عمر بن عبدالرحمن بن عبدالواحد أبو محمد بن المسلم أحد رؤساء دمشق المشهورين له بيت كبير ونسب عريق ورياسة باذخة وكرم زائد باشر نظر الايتام مدة وسمع الكثير وحدث وكانت لديه فضائل وفوائد وله الثروة الكثيرة ولد سنة تسع وأربعين وستمائة ومات يوم الاثنين ضحوة خامس ربيع الاخر وصلى عليه بعد الظهر بالاموي ودفن بسفح قاسيون بتربة أعدها لنفسه وقبران عنده وكتب على قبره قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا الاية وسمعنا عليه الموطأ وغيره
*3* الامير بكتمر الحاجب
@ صاحب الحمام المشهور خارج باب النصر في طريق مقابر الصوفية نم ناحية الميدان كانت وفاته بالقاهرة في عشرين ربيع الاخر ودفن بمدرسته التي انشاها إلى جانب داره هناك
*3* الشيخ شرف الدين عيسى بن محمد ابن قراجا بن سليمان
@ السهروردي الصوفي الواعظ له شعر ومعرفة بالالحان والأنغام ومن شعره قوله
بشراك يا سعد هذا الحي قد بانا * فحلها سيبطل الابل والبانا
منازل ما وردنا طيب منزلها * حتى شربنا كؤس الموت أحيانا
متناغراما وشوقا في المسير لها * فمنذوا في نسيم القرب أحيانا
توفي في ربيع الآخر
*3* شيخنا العلامة برهان الدين الفزاري
@ هو الشيخ الامام العالم العلامة شيخ المذهب وعلمه ومفيد أهله شيخ الاسلام مفتي الفرق بقية السلف برهان الدين أبو إسحاق إبراهيم ابن الشيخ العلامة تاج الدين أبي محمد عبدالرحمن ابن الشيخ الامام المقري المفتي برهان الدين أبي إسحاق إبراهيم بن سباع بن ضياء الفزاري المصري الشافعي ولد في ربيع الاول سنة ستين وستمائة وسمع الحديث واشتغل على أبيه وأعاد في حلقته وبرع وساد أقرانه وسائر أهل زمانه من أهل مذهبه في دراية المذهب ونقله وتحريره ثم كان في منصب ابيه في التدريس بالبادرائية واشغل الطلبة بالجامع الأموي فانتفع به المسلمون وقد عرضت عليه المناصب الكبار فاباها فمن ذلك أنه باشر الخطابة بعد عمه العلامة شرف الدين مدة ثم تركها وعاد إلى البادرائية وعرض عليه قضاء قضاة الشام بعد ابن صصرى وألح نائب الشام عليه بنفسه وأعوانه من الدولة فلم يقبل وصمم وامتنع أشد الامتناع وكان مقبلا على شأنه عارفا بزمانه مستغرقا أوقاته في الاشتغال والعبادة ليلا ونهارا كثير المطالعة وإسماع الحديث وقد سمعنا عليه صحيح مسلم وغيره وكان يدرس بالمدرسة المذكورة وله تعليق كثير على التنبيه فيه من الفوائد ما ليس يوجد في غيره وله تعليق على مختصر ابن الحاجب في أصول الفقه وله مصنفات في غير ذلك كبار وبالجملة فلم ار شافعيا من مشايخنا مثله كان حسن الشكل عليه البهاء والجلالة والوقار حسن الاخلاق فيه حدث ثم يعود قريبا وكرمه زائد وإحسانه إلى الطلبة كثير وكان لايقتنى شيئا ويصرف مرتبه وجامكية مدرسته في مصالحه وقد درس بالبادرائية من سنة سبعين وستمائة إلى عامة هذا توفي بكرة يوم الجمعة سابع جمادي الاولى بالمدرسة المذكورة وصلى عليه عقب الجمعة بالجامع وحملت جنازته على الرؤس وأطراف الانامل وكانت حافلة ودفن عند أبيه وعمه وذويه بباب الصغير رحمه الله تعالى
*3* الشيخ الامام العالم الزاهد الورع
@ مجد الدين إسماعيل الحراني الحنبلي ولد سنة ثمان وأربعين وستمائة وقرأ القراءات وسمع الحديث في دمشق حين انتقل مع أهله اليها سنة إحدى وسبعين واشتغل على الشيخ شمس الدين بن أبي عمر ولازمه وانتفع به وبرع في الفقه وصحة النقل وكثرة الصمت عما لا يعنيه ولم يزل مواظبا على جهاته ووظائفه لا ينقطع عنها إلا من عذر شرعي إلى أن توفي ليلة الاحد تاسع جمادي الاولى ودفن بباب الصغير رحمه الله تعالى وفي هذا الحين توفي
*3* الصاحب شرف الدين يعقوب بن عبد الله
@ الذي كان ناظر الدواوين بحلب ثم انتقل إلى نظرها بطرابلس توفي بحماة وكان محبا للعلماء وأهل الخير وفيه كرم وإحسان وهو والد القاضي ناصر الدين كاتب السر بدمشق وقاضي العساكر الحلبية ومشيخة الشيوخ بالسمساطية ومدرس الاسدية بحلب والناصرية والشامية الجوانية بدمشق
*3* القاضي معين الدين
@ هبة الله بن علم الدين مسعود بن أبي المعالي عبد الله بن أبي الفضل ابن الخشيشي الكاتب وناظر الجيش بمصر في بعض الأحيان ثم بدمشق مدة طويلة مستقلا ومشاركا لقطب الدين ابن شيخ السلامية وكان خبيرا بذلك يحفظه على ذهنه وكانت له يد جيدة في العربية والأدب والحساب وله نظم جيد وفيه تودد وتواضع توفي بمصر في نصف جمادي الاخرة ودفن بتربة الفخر كاتب المماليك
*3* قاضي القضاة علاء الدين القونوي
@
علاء الدين القونوي أبو الحسن علي بن إسماعيل بن يوسف القونوى التبريزي الشافعي ولد بمدينة قونية في سنة ثمان وستين وستمائة تقريبا واشتغل هناك وقد دمشق سنة ثلاث وتسعين وهو معدود من الفضلاء فازداد بها اشتغالا وسمع الحديث وتصدر للاشتغال بجامها ودرس بالاقبالية ثم سافر إلى مصر فدرس بها في عدة مدارس كبار وولى مشيخة الشيوخ بها وبدمشق ولم يزل يشتغل بها وينفع الطلبة إلى أن قدم دمشق قاضيا عليها في سنة سبع وعشرين وله تصانيف في الفقه وغيره وكان يحرز علوما كثيرة منها النحو والتصريف والاصلان والفقه وله معرفة جيدة بكشاف الزمخشري وفهم الحديث وفيه إنصاف كثير وأوصاف حسنة وتعظيم لأهل العلم وخرجت له مشيخة سمعناها عليه وكان يتواضع لشيخنا المزي كثيرا توفي ببستانه بالسهم يوم سبت بعد العصر رابع عشر ذي القعدة وصلى عليه من الغد ودفن بسفح قاسيون سامحه الله
*3* الأمير حسام الدين لاجين المنصور الحسامي
@
ويعرف بلاجين الصغير ولى البر بدمشق مدة ثم نيابة غزة ثم نيابة البيرة وبها مات في ذي القعدة ودفن هناك وكان ابتني تربة لزوجته ظاهر باب شرقي فلم يتفق دفنه بها وما تدري نفس بأي أرض تموت
*3* الصاحب عز الدين أبو يعلي
@ حمزة بن مؤيد الدين أبي المعالي أسعد بن عز الدين ابي غالب المظفر ابن الوزير مؤيد الدين أبي المعالي بن أسعد بن العميد أبي يعلى بن حمزة بن أسد بن علي بن محمد التميمي الدمشقي ابن القلانسي أحد رؤساء دمشق الكبار ولد سنة تسع وأربعين وستمائة وسمع الحديث من جماعة ورواه وسمعنا عليه وله رياسة باذخة وأصالة كثيرة وأملاك هائلة كافية لما يحتاج إليه من أمور الدنيا ولم يزل معه صناعة للوظائف إلى أن ألزم بوكالة بيت السلطان ثم بالوزارة في سنة عشرة كما تقدم ثم عزل وقد صودر في بعض الأحيان وكانت له مكارم على الخواص والكبار وله إحسان إلى الفقراء والمحتاجين ولم يزل معظما وجها عند الدولة من النواب والملوك والامراء وغيرهم إلى ان توفي ببستانه ليلة السبت سادس الحجة وصلى عليه من الغد ودفن بتربته بسفح قاسيون وله في الصالحية رباط حسن بمأذنة وفيه دار حديث وبر وصدقة رحمه الله
*2* ثم دخلت سنة ثلاثون وسبعمائة
@ استهلت بالأربعاء والحكام بالبلاد هم المذكورون بالتي قبلها سوى الشافعي فإنه توفي وولى مكانه في رابع المحرم منها علم الدين محمد بن أبي بكر بن عيسى بن بدران السبكي الاخنائي الشافعي وقدم دمشق في الرابع والعشرين منه صحبة نائب السلطنة تنكز وقد زار القدس وحضر معه تدريس التنكزية التي أنشأها بها ولما قدم دمشق نزل بالعادلية الكبيرة على العادة ودرس بها وبالغزالية وساتمر بنيابة المنلفوطي ثم استناب زين الدين بن المرحل وفي صفر باشر شرف الدين محمود بن الخطيري شد الاوقاف وانفصل عنها نجم الدين بن الزيبق إلى ولاية نابلس وفي ربيع الاخر شرع بترخيم الجانب الشرقي من الاموي نسبة الجانب الغربي وشاور ابن مراجل النائب والقاضي على جمع الفصوص من سائر الجامع في الحائط القبلي فرسما له بذلك وفي يوم الجمعة أقيمت الجمعة في إيوان الشافعية بالمدرسة الصالحية بمصر وكان الذي أنشا ذلك الامير جمال الدين نائب الكرك بعد أن استفتى العلماء في ذلك وفي ربيع الاخر تولى القضاء بحلب شمس الدين بن النقيب عوضا عن فخر الدين بن البازري توفي وولى شمس الدين بن مجد البعلبكي قضاء طرابلس عوضا عن ابن النقيب وفي آخر جمادي الاولى باشر نيابة الحكم عن الاخنائي محيي الدين بن جميل عوضا عن المنفولطي توفي
وفي هذا الشهر وقف الأمير الوزير علاء الدين مغلطاي الناصري مدرسة على الحنفية وفيها صوفية أيضا ودرس بها القاضي علاء الدين بن التركماني وسكنها الفقهاء وفي جمادي الآخرة زينت البلاد المصرية والشامية ودقت البشائر بسبب عافية السلطان من وقعة انصدعت منها يده وخلع على الامراء والاطباء بمصر وأطلقت الحبوس وفي جمادي الاخرة قدم على السلطان رسل من الفرنج يطلبون منه بعض البلاد الساحلية فقال لهم لولا أن الرسل لا تقتل لقتلتكم ثم سيرهم إلى بلادهم خاسئين
وفي يوم الأحد سادس رجب حضر الدرس الذي أنشأه القاضي فخر الدين كاتب المماليك على الحنفية بمحرابهم بجامع دمشق ودرس به الشيخ شهاب الدين ابن قاضي الحصين أخو قاضي القضاة برهان الدين بن عبد الحق بالديار المصرية وحضر عنده القضاة والاعيان وانصرفوا من عنده إلى عند ابن أخيه صلاح الدين بالجوهرية درس بها عوضا عن حموه شمس الدين ابن الزكي نزل له عنها وفي آخر رجب خطب بالجامع الذي أنشأه الأمير سيف الدين الماشي الحاجب ظاهر القاهرة بالشارع وخطب بالجامع الذي أنشأه قوصون بين جامع طولون والصالحية يوم الجمعة حادي عشر رمضان وحضر السلطان واعيان الأمراء الخطبة خطب به يومئذ قاضي القضاة جلال الدين القزويني الشافعي وخلع عليه خلعة سنية واستقل في خطابته بدر الدين بن شكري
وخرج الركب الشامي يوم السبت حادي عشر شوال وأميره سيف الدين المرساوي صهر بلبان البيري وقاضيه شهاب الدين ابن المجد عبد الله مدرس الاقبالية ثم تولى قضاء القضاة كما سيأتي وممن حج في هذه السنة رضي الدين بن المنطيقي والشمس الاردبيلي شيخ الجاروضية وصفي الدين ابن الحريري وشمس الدين ابن خطيب بيروذ والشيخ محمد النيرباني وغيرهم فلما قضوا مناسكهم رجعوا إلى مكة لطواف الوداع فبينما هم في سماع الخطبة إذ سمعوا جلبة الخيل من بني حسن وعبيدهم قد حطموا على الناس في المسجد الحرام فثار إلى قتالهم الأتراك فاقتتلوا فقتل أمير من الطبلخانات بمصر يقال له سيف الدين جخدار وابنه خليل ومملوك له وأمير عشيرة يقال له الباجي وجماعة من الرجال والنساء ونهبت أموال كثيرة ووقعت خبطة عظيمة في المسجد وتهارب الناس إلى منازلهم بأبيار الزار وما كادوا يصلون إليها وما أكملت الجمعة إلا بعد جهد فإنا لله وإنا إليه راجعون واجتمعت الامراء كلهم على الرجعة إلى مكة للأخذ بالثأر منهم ثم كروا راجعين وتبعهم العبيد حتى وصلوا إلى مخيم الحجيج وكادوا ينهبون الناس عامة جهرة وصار أهل البيت في آخر الزمان يصدون الناس عن المسجد الحرام وبنو الاتراك هم الذين ينصرون الاسلام وأهله ويكفون الأذية عنهم بأنفسهم وأموالهم كما قال تعالى إن اولياؤه إلا المتقون وممن توفي فيها من الاعيان :
*3* علاء الدين ابن الاثير
@ كاتب السر بمصر علي بن أحمد بن سعيد بن محمد بن الاثير الحلبي الاصل ثم المصري كانت له حرمة ووجاهة وأموال وثروة ومكانة عند السلطان حتى ضربه الفالج في آخر عمره فانعزل عن الوظيفة وباشرها ابن فضل الله في حياته
*3* الوزير العالم ابو القاسم
@ محمد بن محمد بن سهل بن محمد بن سهل الازدي الغرناطي الاندلسي من بيت الرياسة والحشمة ببلاد المغرب قدم علينا إلى دمشق في جمادي الاولى سنة أربع وعشرين وهو بعزم الحج سمعت بقراءته صحيح مسلم في تسعة مجالس على الشيخ نجم الدين بن العسقلاني قراءة صحيحة ثم كانت وفاته في القاهرة في ثاني عشرين المحرم وكانت له فضائل كثيرة في الفقه والنحو والتاريخ والاصول وكان عالي الهمة شريف النفس محترما ببلاده جدا بحيث إنه يولي الملوك ويعزلهم ولم يل هو مباشرة شيء ولا أهل بيته وإنما كان يلقب بالوزير مجازا
*3* شيخنا الصالح العابد الناسك الخاشع
@ شمس الدين أبو عبد الله محمد بن الشيخ الصالح العابد شرف الدين أبي الحسن بن حسين بن غيلان البعلبكي الحنبلي إمام مسجد السلالين بدار البطيخ العتيقة سمع الحديث واسمعه وكان يقرئ القرآن طرفي النهار وعليه ختمت القرآن في سنة أحد عشر وسبعمائة وكان من الصالحين الكبار والعباد الاخيار توفي يوم السبت سادس صفر وصلى عليه بالجامع ودفن بباب الصغير وكانت جنازته حافلة
وفي هذا الشهر أعني صفر كانت وفاة والي القاهرة القديدار وله آثار غريبة ومشهورة
*3* بها درآص الامير الكبير
@ رأس ميمنة الشام سيف الدين بها درآص المنصوري أكبر أمراء دمشق وممن طال عمره في الحشمة والثورة وهو ممن اجتمعت فيه الاية الكريمة زين للناس حب الشهوات من النساء الاية وقد كان محببا إلى العامة وله بر وصدقة وإحسان توفي ليلة الثلاثاء ودفن بتربته خارج باب الجابية وهي مشهورة ايضا
*3* الحجار ابن الشحنة
@ الشيخ الكبير المسند المعمر الرحلة شهاب الدين أبو العباس أحمد بن أبي طالب بن نعمة بن حسن ابن علي بن بيان الديرمقرني ثم الصالحي الحجار المعروف بابن الشحنة سمع البخاري علي الزبيدي سنة ثلاثين وستمائة بقاسيون وإنما ظهر سماعه سنة ست وسبعمائه ففرح بذلك المحدثون وأكثروا السماع عليه فقرئ البخاري عليه نحوا من ستين مرة وغيره وسمعنا عليه بدار الحديث الاشرفية في أيام الشتويات نحوا من خمسمائة جزء بالاجازات والسماع وسماعه من الزبيدي وابن اللني وله اجازة من بغداد فيها مائة وثمانية وثلاثون شيخا من العوالي المسندين وقد مكث مدة مقدم الحجازين نحوا من خمس وعشرين سنة ثم كان يخيط في آخر عمره وساتقرت عليه جامكينة لما اشتغل باسماع الحديث وقد سمع عليه السلطان الملك الناصر وخلع عليه وألبسه الخلعة بيده وسمع عليه من أهل الديار المصرية والشامية أمم لا يحصون كثرة وانتفع الناس بذلك وكان شيخا حسنا بهى المنظر سليم الصدر ممتعا بحواسه وقواه فإنه عاش مائة سنة محققا وزاد عليها لأنه سمع البخاري من الزبيدي في سنة ثلاثين وستمائة وأسمعه هو في سنة ثلاثين وسبعمائة في تاسع صفر بجامع دمشق وسمعنا عليه يومئذ ولله الحمد ويقال إنه أدرك موت المعظم عيسى بن العادل لما توفي والناس يسمعهم يقولون مات المعظم وقد كانت وفاة المعظم في سنة أربع وعشرين وستمائة وتوفي الحجار يوم الاثنين خامس عشرين صفر من هذه السنة وصلى عليه بالمظفري يوم الثلاثاء ودفن بتربة له عند زاوية الدومي بجوار جامع الافرم وكانت جنازته حافلة رحمه الله
*3* الشيخ نجم الدين بن عبد الرحيم بن عبد الرحمن
@ أبي نصر المحصل المعروف بابن الشحام اشتغل ببلده ثم سافر واقام بمدينة سراي من مملكة إربل ثم قدم دمشق في سنة اربع وعشرين فدرس بالظاهرية البرانية ثم بالجاروضية وأضيف إليه مشيخة رباط القصر ثم نزل عن ذلك لزوج ابنته ثور الدين الاردبيلي توفي في ربيع الأول وكان يعرف طرفا من الفقه والطب
*3* الشيخ إبراهيم الهدمة
@ أصله كردي من بلاد المشرق فقدم الشام وأقام بين القدس والخليل في أرض كانت مواتا فأحياها وغرسها وزرع فيها أنواعا وكان يقصد للزيارة ويحكى الناس عنه كرامات صالحة وقد بلغ مائة سنة وتزوج في آخر عمره ورزق اولادا صالحين توفي في جمادي الاخرة رحمه الله الست صاحبة التربة بباب الخواصين الخوندة المعظمة المحجبة المحترمة
*3* ستيته بنت الامير سيف الدين
@ كركاي المنصوري زوجة نائب الشام تنكز توفيت بدار الذهب وصلى عليها بالجامع ثالث رجب ودفنت بالتربة التي أمرت بانشائها بباب الخواصين وفيها مسجد وإلى جانبها رباط للنساء ومكتب للايتام وفيها صدقات وبر وصلات وقراء عليها كل ذلك أمرت به وكانت قد حجت في العام الماضي رحمها الله
*3* قاضي قضاة طرابلس
@ شمس الدين محمد بن عيسى بن محمود البعلبكي المعروف بابن المجد الشافعي اشتغل ببلده وبرع في فنون كثيرة وأقام بدمشق مدة يدرس بالقوصية وبالجامع ويؤم بمدرسة أم الصالح ثم انتقل إلى قضاء طرابلس فأقام بها أربعة أشهر ثم توفي في سادس رمضان وتولاها بعده ولده تقي الدين وهو أحد الفضلاء المشهورين ولم تطل مدته حتى عزل عنها وأخرج منها
*3* الشيخ الصالح
@ عبد الله بن أبي القاسم بن يوسف بن أبي القاسم الحوراني شيخ طائفتهم وإليه مرجع زاويتهم بحوران كان عنده تفقه بعض شيء وزهادة ويزار وله أصحاب يخدمونه وبلغ السبعين سنة وخرج لتوديع بعض أهله إلىناحية الكرك من ناحية الحجاز فأدركه الموت هناك فمات في أول ذي القعدة
*3* الشيخ حسن بن علي
@ ابن أحمد الانصاري الضرير كان بفرد عين أولا ثم عمى جملة وكان يقرأ القرآن ويكثر التلاوة ثم انقطع إلى المنارة الشرقية وكان يحضر السماعات ويستمع ويتواجد ولكثير من الناس فيه اعتقاد على ذلك ولمجاورته في الجامع وكثرة تلاوته وصلاته والله يسامحه توفي يوم السبت في العشر الاول من ذي الحجة بالمأذنة الشرقية وصلى عليه بالجامع ودفن بباب الصغير
*3* محيي الدين أبو الثناء محمود
@ ابن الصدر شرف الدين القلانسي توفي في ذي الحجة ببستانه ودفن بتربتهم بسفح قاسيون وهو جد الصدر جلال الدين بن القلانسي وأخيه علاء وهم ثلاثتهم رؤساء
*3* الشاب الرئيس
@ صلاح الدين يوسف بن القاضي قطب الدين موسى ابن شيخ السلامية ناظر الجيش أبوه نشأ هذا الشاب في نعمة وحشمة وترفه وعشرة واجتماع بالأصحاب توفي يوم السبت تاسع عشرين ذي الحجة فاستراح من حشمته وعشرته إن لم تكن وبالا عليه وفدن بتربتهم تجاه الناصرية بالسفح وتأسف عليه أبواه ومعارفه واصحابه سامحه الله
*2* ثم دخلت سنة إحدى وثلاثين وسبعمائة
@ استهلت والحكام هم المذكورون في التي قبلها وقد ذكرنا ما كان من عبيد مكة إلى الحجاج وأنه قتل من المصريين أميران فلما بلغ الخبر السلطان عظم عليه ذلك وامتنع من الاكل على السماط فيما يقال أياما ثم جرد ستمائة فارس وقيل ألفا والاول أصح وارسل إلى الشام أن يجرد مقدما آخر فجرد الامير سيف الدين الجي بغا العادلي وخرج من دمشق يوم دخلها الركب في سادس عشرين المحرم وأمر أن يسير الى إلية ليجتمع مع المصريين وأن يسيروا جميعا إلى الحجاز وفي يوم الاربعاء تاسع صفر وصل نهر الساجور إلى مدينة حلب وخرج نائب حلب ارغون ومعه الأمراء مشاة اليه في تهليل وتكبير وتحميد يتلقون هذا النهر ولم يكن احد من المعالي ولا غيرهم أن يتكلم بغير ذكر الله تعالى وفرح الناس بوصوله إليهم فرحا شديدا وكانوا قد وسعوا في تحصيله من أماكن بعيدة احتاجوا فيها إلى نقب الجبال وفيها صخور ضخام وعقدوا له قناطر على الأودية وما وصل إلا بعد جهد جهيد وأمر شديد فلله الحمد وحده لا شريك له وحين رجع نائب حلب ارغون مرض مرضا شديدا ومات رحمه الله
وفي سابع صفر وسع تنكز الطرقات بالشام ظاهر باب الجابية وخرب كل ما يضيق الطرقات وفي ثاني ربيع الاول لبس علاء الدين القلانسي خلعة سنية لمباشرة نظر الدواوين ديوان ملك الأمراء وديوان نظر المارستان عوضا عن ابن العادل ورجع ابن العادل إلى حجابة الديوان الكبير وفي يوم ثاني ربيع الاول لبس عماد الدين ابن الشيرازي خلعة نظر الاموي عوضا عن ابن مراجل عزل عنه لا الى بدل عنه وباشر جمال الدين بن القويرة نظر الاسرى بدلا عن ابن الشيرازي وفي يوم الخميس آخر ربيع الاول لبس القاضي شرف الدين بن عبد الله بن شرف الدين
حسن ابن الحافظ ابي موسى عبد الله ابن الحافظ عبدا لغني المقدسي خلعة قضاء الحنابلة عوضا عن عز الدين بن التقي سليمان توفي رحمه الله وركب من دار السعادة إلى الجامع فقرئ تقليده تحت النسر بحضرة القضاة والاعيان ثم ذهب إلى الجوزية فحكم بها ثم إلى الصالحية وهو لابس الخلعة واستناب يومئذ ابن أخيه النقي عبد الله بن شهاب الدين أحمد وفي سلخ ربيع الاخر اجتاز الامير علاء الدين الطنبغا بدمشق وهو ذاهب إلى بلاد حلب نائبا عليها عوضا عن ارغون توفي إلى رحمة الله وقد تلقاه النائب والجيش وفي مستهل جمادي الاولى حضر الامير الشريف رميثة بن أبي نمي إلى مكة فقرئ تقليده بامرة مكة من جهة السلطان صحبة التجريدة وخلع عليه وبايعه الأمراء المجردون من مصر والشام داخل الكعبة وقد كان وصول التجاريد إلى مكة في سابع ربيع الاول فأقاموا بباب المعلى وحصل لهم خير كثير من الصلاة والطواف وكانت الاسعار رخيصة معهم
وفي يوم السبت سابع ربيع الاخر خلع على القاضي عز الدين بن بدر الدين بن جماعة بوكلة السلطان ونظر جامع طولون ونظر الناصرية وهنأه الناس عوضا عن التاج ابن إسحاق عبد الوهاب توفي ودفن بالقرافة وفي هذا الشهر تولى عماد الدين ابن قاضي القضاة الاخنائي تدريس الصارمية وهو صغير بعد وفاة النجم هاشم بن عبد الله البعلبكي الشافعي وحضرها في رجب وحضر عنده الناس خدمة لأبيه وفي حادى عشرين جمادى الآخرة رجعتالتجريدة من الحجاز صحبة الامير سيف الدين الحي بغا وكانت غيبتهم خمسة أشهر وأياما وأقاموا بمكة شهرا واحدا ويوما واحدا وحصل للعرب منهم رعب شديد وخوف أكيد وعزلوا عن مكة عطية وولوا أخاه رميثة وصلوا وطافوا واعتمروا ومنهم من أقام هناك ليحج وفي ثاني رجب خلع على ابن ابي الطيب بنظر ديوان بيت المال عوضا عن ابن الصاين توفي
وفي أوائل شعبان حصل بدمشق هواء شديد مزعج كسر كثيرا من الاشجار والاغصان وألقى بعض الحيطان والجدران وسكن بعد ساعة باذن الله فلما كان يوم تاسعه سقط برد كبار مقدار بيض الحمام وكسر بعض جامات الحمام وفي شهر شعبان هذا خطب بالمدرسة المعزية على شاطيء النيل أنشأها الأمير سيف الدين طغز دمر أمير مجلس الناصري وكان الخطيب عز الدين عبد الرحيم بن الفرات الحنفي وفي نصف رمضان قدم الشيخ تاج الدين عمر بن علي بن سالم الملحي ابن الفاكهاني المالكي نزل عند القاضي الشافعي وسمع عليه شيئا من مصنفاته وخرج إلى الحج عامئذ مع الشاميين وزار القدس قبل وصوله إلى دمشق وفي هذا الشهر وطيء سوق الخيل وركبت في حصبات كثيرة وعمل فيه نحو من اربعمائة نفس في أربعة أيام حتى ساووه وأصلحوه وقد كان
قبل ذلك يكون فيه مياه كثيرة وملقات وفيه أصلح سوق الدقيق داخل باب الجابية إلى الثابتية وسقف عليه السقوف
وخرج الركب الشامي يوم الاثنين ثامن شوال وأميره عز الدين ايبك امير علم وقاضيه شهاب الدين الظاهري وممن حج فيه شهاب الدين بن جهبل وابو النسر وابن جملة والفخر المصري والصدر المالكي وشرف الدين الكفوي الحنفي والبهاء ابن إمام المشهد وجلال الدين الأعيالي ناظر الأيتام وشمس الدين الكردي وفخر الدين البعلبكي ومجد الدين ابن أبي المجد وشمس الدين ابن قيم الجوزية وشمس الدين ابن خطيب بيرة وشرف الدين قاسم العلجوني وتاج الدين ابن الفاكهاني والشيخ عمر السلاوي وكاتبه إسماعيل ابن كثير وآخرون من سائر المذاهب حتى كان الشيخ بدر الدين يقول اجتمع في ركبنا هذا أربعمائة فقيه وأربع مدارس وخانقاه ودار حديث وقد كان معنا من المتفتيين ثلاثة عشر نفسا وكان في المصريين جماعة من الفقهاء منهم قاضي المالكية تقي الدين الاخنائي وفخر الدين النويري وشمس الدين ابن الحارثي ومجد الدين الاقصرائي وشيخ الشيوخ الشيخ محمد المرشدي وفي ركب العراق الشيخ أحمد السروجي أشد وكان من المشاهير وفي الشاميين الشيخ علي الواسطي صحبة ابن المرجاني وأمير المصريين مغلطاي الجمالي الذي كان وزيرا في وقت وكان إذ ذاك مريضا ومررنا بعين تبوك وقد أصلحت في هذه السنة وصينت من دوس الجمال والجمالين وصار ماؤها في غاية الحسن والصفاء والطيب وكانت وقفة الجمعة ومطرنا بالطواف وكانت سنة مرخصة آمنة
وفي نصف ذي الحجة رجع تنكز من ناحية قلعة جعبر وكان في خدمته أكثر الجيش الشامي وأظهر أبهة عظيمة في تلك النواحي وفي سادس عشر ذي الحجة وصل توقيع القاضي علاء الدين بن القلانسي بجميع جهات اخيه جمال الدين بحكم وفاته مضافا إلى جهاته فاجتمع له من المناصب الكبار ما لم يجتمع لغيره من الرؤساء في هذه الأعصار فمن ذلك وكالة بيت المال وقضاء العسكر وكتابة الدست ووكالة ملك الأمراء ونظر البيمارستان ونظر الحرمين ونظر ديوان السعيد وتدريس الأمينية والظاهرية والعصرونية وغير ذلك انتهى وممن توفي فيها من الأعيان :

*3* قاضي القضاة عز الدين المقدسي
@ عز الدين أبو عبد الله بن محمد بن قاضي القضاة تقي الدين سليمان بن حمزة بن أحمد بن عمر بن الشيخ ابي عمر المقدسي الحنبلي ولد سنة خمس وستين وستمائة وسمع الحديث واشتغل على والده واستنابه في أيام ولايته فلما ولي ابن مسلم لزم بيته يحضر درس الجوزية ودار الحديث الاشرفية بالجبل ويأوى إلى بيته فلما توفي ابن مسلم ولى قضاء الحنابلة بعده نحوا من أربع سنين وكان فيه تواضع وتودد وقضاء لحوائج الناس وكانت وفاته يوم الاربعاء تاسع صفر وكان يوما مطيرا ومع هذا شهد الناس جنازته ودفن بتربتهم رحمهم الله وولى بعده نائبه شرف الدين ابن الحافظ وقد قارب الثمانين وفي نصف صفر توفي
*3* الامير سيف الدين قجليس
@ سيف النعمة وقد كان سمع علي الحجار ووزيره بالقدس الشريف وفي منتصف صفر توفي الامير الكبير سيف الدين أرغون بن عبد الله الدويدار الناصري وقد عمل على نيابة مصر مدة طويلة ثم غضب عليه السلطان فأرسله إلى نيابة حلب فمكث بها مدة ثم توفي بها في سابع عشر ربيع الاول ودفن بتربة اشتراها بحلب وقد كان عنده فهم وفقه وفيه ديانة واتباع للشريعة وقد سمع البخاري على الحجاز وكتبه جميعه بخطه وأذن له بعض العلماء في الافتاء وكان يميل إلى الشيخ تقي الدين ابن تيمية وهو بمصر توفي ولم يكمل الخمسين سنة وكان يكره اللهو رحمه الله ولما خرج يلتقي نهر الساجور خرج في ذلك ومسكنة وخرج معه الأمراء كذلك مشاة في تكبير وتهليل وتحميد ومنع المغاني ومن اللهو واللعب في ذلك رحمه الله
*3* القاضي ضياء الدين
@ ابو الحسن علي بن سليم بن ربيع بن سليمان الازرعي الشافعي تنقل في ولاية الأقضية بمدارس كثيرة مدة ستين سنة وحكم بطرابلس وعجلون وزرع وغيرها وحكم بدمشق نيابة عن القونوي نحوا من شهر وكان عنده فضيلة وله نظر كثير نظم التنبيه في نحو ست عشرة ألف بيت وتصحيحها في ألف وثلثمائة بيت وله مدائح ومواليا وأزجال وغير ذلك ثم كانت وفاته بالرملة يوم الجمعة ثالث عشرين ربيع الاول عن خمس وثمانين سنة رحمه الله وله عدة أولاد منهم عبد الرزاق أحد الفضلاء وهو ممن جمع بين علمي الشريعة والطبيعة
*3* أبو دبوس عثمان بن سعيد المغربي
@ تملك في وقت بلاد قابس ثم تغلب عليه جماعة فانتزعوها منه فقصد مصر فأقام بها واقطع اقطاعا وكان يركب مع الجند في زي المغاربة متقلدا سيفا وكان حسن الهيئة يواظب على الخدمة إلى أن توفي في جمادي الأولى
*3* الامام العلامة ضيا الدين أبو العباس
@ احمد بن قطب الدين محمد بن عبد الصمد بن عبد القادر السنباطي الشافعي مدرس الحسامية ونائب الحكم بمصر وأعاد في أماكن كثيرة وتفقه على والده توفي في جمادي الاخرة وتولى الحسامية بعده ناصر الدين التبريزي
*3* الصدر الكبير تاج الدين الكارمي
@ المعروف بابن الرهايلي كان أكبر تجار دمشق الكارمية وبمصر توفي في جمادي الاخرة يقال إنه خلف مائة ألف دينار غير البضائع والاثاث والاملاك
*3* الامام العلامة فخر الدين
@ عثمان بن إبراهيم بن مصطفى بن سليمان بن المارداني التركماني الحنفي شرح فخر الدين هذا الجامع وألقاه دروسا في مائة كراس توفي في رجب وله إحدى وسبعون سنة كان شجاعا عالما فاضلا وقورا فصيحا حسن المفاكهة وله نظم حسن وولى بعده المنصورية ولده تاج الدين
*3* تقي الدين عمر ابن الوزير شمس الدين
@ محمد بن عثمان بن السلعوس كان صغيرا لما مات أبوه تحت العقوبة ثم نشأ في الخدم ثم طلبه السلطان في آخر وقت فولاه نظر الدواوين بمصر فباشره يوما واحدا وحضر بين يدي السلطان يوم الخميس ثم خرج من عنده وقد اضطرب حاله فما وصل إلى منزله إلا في محفة ومات بكرة يوم السبت سادس عشرين ذي القعدة وصلى عليه بجامع عمرو بن العاص ودفن عند والده بالقرافة وكانت جنازته حافلة
*3* جمال الدين أبو العباس
@ أحمد بن شرف الدين بن جمال الدين محمد بن أبي الفتح نصر الله بن أسد بن حمزة بن أسد بن علي بن محمد التميمي الدمشقي ابن القلانسي قاضي العساكر ووكيل بيت المال ومدرس الامينية وغيرها حفظ التنبيه ثم المحرر للرافعي وكان يستحضره واشتغل على الشيخ تاج الدين الفزاري وتقدم لطلب العلم والرئاسة وباشر جهات كبارا ودرس بأماكن وتفرد في وقته بالرياسة والبيت والمناصب الدينية والدنيوية وكان فيه تواضع وحسن سمت وتودد وإحسان وبر بأهل العلم والفقراء والصالحين وهو ممن أذن له في الافتاء وكتب إنشاء ذلك وأنا حاضر على البديهة فأفاد وأجاد وأحسن التعبير وعظم في عيني توفي يوم الاثنين ثامن عشرين ذي القعدة ودفن بتربتهم بالسفح وقد سمع الحديث على جماعة من المشايخ وخرج له فخر الدين البعلبكي مشخية سمعناها عليه رحمه الله
*2* ثم دخلت سنة اثنتي وثلاثين وسبعمائة
@ استهلت وحكام البلاد هم هم وفي أولها فتحت القيسارية التي كانت مسبك الفولاذ جواباب الصغير حولها ننكز قيسارية ببركة وفي يوم الاربعاء ذكر الدرس بالأمينية والظاهرية علاء الدين بن القلانسي عوضا عن أخيه جمال الدين وذكر ابن أخيه أمين الدين محمد بن جمال الدين الدرس في العصرونية تركها له عمه وحضر عندهما جماعة من الاعيان وفي تاسع المحرم جاء إلى حمص سيل عظيم غرق بسببه خلق كثير وجم غفير وهلك للناس أشياء كثيرة وممن مات فيه نحو مائتي امرأة بحمام النائب كن مجتمعات على عروس أو عروسين فهلكن جميعا
وفي صفر أمر تنكز ببياض الجدران المقابلة لسوق الخيل إلى باب الفراديس وأمر يتجديد خان الظاهر فغرم عليه نحوا من سبعين ألفا وفي هذا الشهر وصل تابوت لاجين الصغير من البيرة فدفن بتربته خارج باب شرقي وفي تاسع ربيع الآخر حضر الدرس بالقيمازية عماد الدين الطرسوسي الحنفي عوضا عن الشيخ رضي الدين المنطبقي توفي وحضر عنده القضاة والاعيان وفي أول ربيع الاخر خلع على الملك الافضل علي بن الملك المؤيد صاحب حماة وولاه السلطان الملك الناصر مكان أبيه بحكم وفاته وركب بمصر بالعصائب والسبابة والفاشية أمامه وفي نصف هذا الشهر سافر الشيخ شمس الدين الاصفهاني شارح المختصر ومدرس الرواحية إلى الديار المصرية على خيل البريد وفارق دمشق واهلها واستوطن القاهرة
وفي يوم الجمعة تاسع جمادي الاخرة خطب بالجامع الذي أنشأه الامير سيف الدين آل ملك واستقر فيه خطيبا نور الدين علي بن شبيب الحنبلي وفيه أرسل السلطان جماعة من الأمراء إلى الصعيد فأحاطوا على ستمائة رجل ممن كان يقطع الطريق فأتلف بعضهم وفي جمادي الآخرة تولى شد الدواوين بدمشق نور الدين ابن الخشاب عوضا عن الطرقشي وفي يوم الاربعاء حادي عشر رجب خلع على قاضي القضاة علاء الدين بن الشيخ زين الدين بن المنجا بقضاء الحنابلة عوضا عن شرف الدين بن الحافظ وقرئ تقليده بالجامع وحضر القضاة والأعيان وفي اليوم الثاني استناب برهان الدين الزرعي وفي رجب باشر شمس الدين موسى بن التاج إسحاق نظر الجيوش بمصر عوضا عن فخر الدين كاتب المماليك توفي وباشر النشو مكانه في نظر الخاص وخلع عليه بطرحة فلما كان في شعبان عزل هو وأخوه العلم ناظر الدواوين وصودروا وضربوا ضربا عظيما وتولى نظر الجيش المكين بن قروينة ونظر الدواوين أخوه شمس الدين بن قرونية
وفي شعبان كان عرس أنوك ويقال كان اسمه محمد بن السلطان الملك الناصر على بنت الامير سيف الدين بكتمر الساقي وكان جهازها بألف ألف دينار وذبح في هذا العرس من الاغنام والدجاج والاوز والخيل والبقر نحو من عشرين ألفا وحملت حولى بنحو ثمانية عشر ألف قنطار وحمل له من الشمع ثلاثة آلاف قنطار قاله الشيخ أبو بكر وكان هذا العرس ليلة الجمعة حادي عشر شعبان وفي شعبان هذا حول القاضي محي الدين بن فضل الله من كتابة السر بمصر إلى كتابة السر بالشام ونقل شرف بن شمس الدين بن الشهاب محمود إلى كتابة السر بمصر واقيمت الجمعة بالشامية البرانية في خامس عشر شعبان وحضرها القضاة والأمراء وخطب بها الشيخ زين الدين عبد النور المغربي وذلك باشارة الامير حسام الدين اليشمقدار الحاجب بالشام ثم خطب عنه كمال الدين بن الزكي وفيه
أمر نائب السلطنة بتبييض البيوت من سوق الخيل إلى ميدان الحصا ففعل ذلك وفيه زادت الفرات زيادة عظيمة لم يسمع بمثلها واستمرت نحوا من اثني عشر يوما فأتلفت بالرحبة أموالا كثيرة وكسرت الجسر الذي عند دير بسر وغلت الاسعار هناك فشرعوا في إصلاح الجسر ثم انكسر مرة ثانية
وفي يوم السبت تاسع شوال خرج الركب الشامي وأميره سيف الدين أوزان وقاضيه جمال الدين ابن الشريشي وهو قاضي حمص الان وحج السلطان في هذه السنة وصحبته قاضي القضاة القزويني وعز الدين بن جماعة وموفق الدين الحنبلي وسبعون أميرا وفي ليلة الخميس حادي عشرين شوال رسم على الصاحب عز الدين غبريال بالمدرسة النجيبية الجوانية وصودر وأخذت منه أموال كثيرة وأفرج عنه في المحرم من السنة الآتية وممن توفي فيها من الاعيان :
*3* الشيخ عبدالرحمن بن أبي محمد بن محمد
@ ابن سلطان القرامذي أحد المشاهير بالعبادة والزهادة وملازمة الجامع الاموي وكثرة التلاوة والذكر وله أصحاب يجلسون اليه وله مع هذا ثروة وأملاك توفي في مستهل المحرم عن خمس اوست وثمانين سنة ودفن بباب الصغير وكان قد سمع الحديث واشتغل بالعلم ثم ترك ذلك واشتغل بالعبادة إلى أن مات
*3* الملك المؤيد صاحب حماة
@ عماد الدين إسماعيل بن الملك الافضل نور الدين علي بن الملك المظفر تقي الدين محمود بن الملك المنصور ناصر الدين محمد بن الملك المظفر تقي الدين عمر بن شاهنشاه بن أيوب كانت له فضائل كثيرة في علوم متعددة من الفقه والهيئة والطب وغير ذلك وله مصنفات عديدة منها تاريخ حافل في مجلدين كبيرين وله نظم الحاوي وغير ذلك وكان يجب العلماء ويشاركهم في فنون كثيرة وكان من فضلاء بني أيوب ولي ملك حماة من سنة إحدى وعشرين إلى هذا الحين وكان الملك الناصر يكرمه ويعظمه وولي بعده ولده الافضل على توفي في سحر يوم الخميس ثامن عشرين المحرم ودفن ضحوة عند والديه بظاهر حماة
*3* القاضي الامام تاج الدين السعدي
@ تاج الدين أبو القاسم عبد الغفار بن محمد بن عبد الكافي بن عوض بن سنان بن عبد الله السعدي الفقيه الشافعي سمع الكثير وخرج لنفسه معجما في ثلاث مجلدات وقرأ بنفسه الكثير وكتب الخط الجيد وكان متقنا عارفا بهذا الفن يقال إنه كتب بخطه نحوا من خمسمائة مجلدا وقد كان شافعيا مفتيا ومع هذا ناب في وقت عن القاضي الحنبلي وولى مشيخة الحديث بالمدرسة الصاحبية وتوفي
بمصر في مستهل ربيع الاول عن ثنتين وثمانين سنة رحمه الله
*3* الشيخ رضي الدين بن سليمان
@ المنطقي الحنفي أصله من اب كرم من بلاد قونية واقام بحماة ثم بدمشق ودرس بالقيمازية وكان فاضلا في المنطق والجدل واشتغل عليه جماعة في ذلك وبلغ من العمر ستا وثمانين سنة وحج سبع مرات توفي ليلة الجمعة سادس عشرين ربيع الاول وصلى عليه بعد الصلاة ودفن بالصوفية وفي ربيع الاول توفي
*3* الامام علاء الدين طيبغا
@ ودفن بتربته بالصالحية وكذلك الامير سيف الدين زولاق ودفن بتربته أيضا
*3* قاضي القضاة شرف الدين أبو محمد
@ عبد الله بن الحسن بن عبد الله بن الحافظ عبدالغني المقدسي الحنبلي ولد سنة ست وأربعين وستمائة وباشر نيابة ابن مسلم مدة ثم ولي القضاء في السنة الماضية ثم كانت وفاته فجأة في مستهل جمادي الاولى ليلة الخميس ودفن من الغد بتربة الشيخ أبي عمر
*3* الشيخ ياقوت الحبشي
@ الشاذلي الاسكندراني بلغ الثمانين وكان له اتباع وأصحاب منهم شمس الدين ابن اللبان الفقيه الشافعي وكان يعظمه ويطريه وينسب اليه مبالغات الله اعلم بصحتها وكذبها توفي في جماد وكانت جنازته حافلة جدا
*3* النقيب ناصح الدين
@ محمد بن عبد الرحيم بن قاسم بن إسماعيل الدمشقي نقيب المتعممين تتلمذ اولا للشهاب المقري ثم كان بعده في المحافل العزاء والهناء وكان يعرف هذا الفن جيدا وكان كثير الطلب من الناس ويطلبه الناس لذلك ومع هذامات وعليه ديون كثيرة توفي أواخر رجب
*3* القاضي فخر الدين كاتب المماليك
@ وهو محمد بن فضل الله ناظر الجيوش بمصر أصله قبطي فأسلم وحسن إسلامه وكانت له أوقاف كثيرة وبر وإحسان إلى أهل العلم وكان صدرا معظما حصل له من السلطان حظ وافر وقد جاوز السبعين وإليه تنسب الفخرية بالقدس الشريف توفي في نصف رجب واحتيط على أمواله وأملاكه بعد وفاته رحمه الله
*3* الامير سيف الدين الجاي الدويدآر الملكي الناصري
@ كان فقيها حنفيا فاضلا كتب بخطه ربعة وحصل كتبا كثيرة معتبرة وكان كثير الاحسان إلى أهل العلم توفي سلخ رجب رحمه الله
*3* الطبيب الماهر الحاذق الفاضل
@ امين الدين سليمان بن داود بن سليمان كان رئيس الاطباء بدمشق ومدرسهم مدة ثم عزل بجمال الدين بن الشهاب الكحال مدة قبل موته لأمر تعصب عليه فيه نائب السلطنة توفي يوم السبت سادس عشرين شوال ودفن بالقبيبات
*3* الشيخ الامام العالم المقري شيخ القراء
@ برهان الدين ابو إسحاق إبراهيم بن عمر بن إبراهيم بن خليل الجعبري ثم الخليلي الشافعي صاحب المصنفات الكثيرة في القراءات وغيرها ولد سنة أربعين وستمائة بقلعة جعبر واشتغل ببغداد ثم قدم دمشق واقام ببلد الخليل نحو اربعين سنة يقرئ الناس وشرح الشاطبية وسمع الحديث وكانت له إجازة من يوسف بن خليل الحافظ وصنف بالعربية والعروض والقراءات نظما ونثرا وكان من المشايخ المهشورين بالفضائل والرياسة والخير والديانة والعفة والصيانة توفي يوم الاحد خامس شهر رمضان ودفن ببلد الخليل تحت الزيتونة ولد ثنتان وتسعون سنة رحمه الله
*3* قاضي القضاة علم الدين
@ ابو عبد الله محمد بن القاضي شمس الدين ابي بكر بن عيسى بن بدران بن رحمه الاخنابي السعدي المصري الشافعي الحاكم بدمشق وأعمالها كان عفيفا نزها ذكيا سار العبارة محبا للفضائل معظما لأهلها كثيرا الاسماع الحديث في العادلية الكبيرة توفي يوم الجمعة ثالث عشر ذي القعدة ودفن بسفح قاسيون عند زوجته تجاه تربة العادل كتبغا من ناحية الجبل
*3* قطب الدين موسى
@ ابن أحمد بن الحسين بن شيخ السلامية ناظر الجيوش الشامية كانت له ثروة وأموال كثيرة وله فضائل وإفضال وكرم وإحسان إلى أهل الخير وكان مقصدا في المهمات توفي يوم الثلاثاء ثاني الحجة وقد جاوز السبعين ودفن بتربته تجاه الناصرية بقاسيون وهو والد الشيخ الامام العلامة عز الدين حمزة مدرس الحنبلية
*2* ثم دخلت سنة ثلاث وثلاثين وسبعمائة
@ استهلت يوم الاربعاء والحاكم هم المذكورون في التي قبلها وليس للشافعي قاض وقاضي الحنفية عماد الدين الطرسوسي وقاضي المالكية شرف الدين الهمداني وقاضي الحنابلة علاء الدين ابن المنجا وكانب السر محيي الدين بن فضل الله وناظر الجامع عماد الدين بن الشيرازي
وفي ثاني المحرم قدم البشير بسلامة السلطان من الحجاز وباقتراب وصوله إلى البلاد فدقت البشائر وزينت البلد وأخبر البشير بوفاة الامير سيف الدين بكتمر الساقي وولده شهاب الدين احمد وهما راجعان في الطريق بعد أن حجا قريبا من مصر الوالد أولا ثم من بعده ابوه بثلاثة أيام بعيون القصب ثم نقلا إلى تربتهما بالقرافة ووجد لبكتمر من الاموال والجواهر واللالى والقماش والأمتعة والحواصل شيء كثير لا يكاد ينحصر ولا ينضبط وأفرج عن الصاحب شمس الدين غبريال في المحرم وطلب في صفر إلى مصر فتوجه على خيل البريد واحتيط على أهله بعد مسيره وأخذت منهم أموال كثيرة لبيت المال
وفي أواخر صفر قدم الصاحب امين الملك على نظر الدواوين بدمشق عوضا عن غبريال وبعده بأربعة أيام قدم القاضي فخر الدين بن الحلي على نظر الجيش بعد وفاة قطب الدين ابن شيخ السلامية وفي نصف ربيع الاول لبس ابن جملة خلعة القضاء للشافعية بدمشق بدار السعادة ثم جاء إلى الجامع وهي عليه وذهب إلى العادلية وقرىء تقليده بها بحضرة الأعيان ودرس بالعادلية والغزالية يوم الاربعاء ثاني عشر الشهر المذكور وفي يوم الاثنين رابع عشرينه حضر ابن أخيه جمال الدين محمود إعادة القيمرية نزل له عنها ثم استنابه بعد ذلك في المجلس وخرج إلى العادلية فحكم بها ثم لم يستمر بعد ذلك عزل عن النيابة بيومه واستناب بعده جمال الدين إبراهيم بن شمس الدين محمد بن يوسف الحسباني وله همة وعنده نزاهة وخبرة بالأحكام
وفي ربيع الاول ولى شهاب قرطاي نيابة طرابلس وعزل عنها طبلان إلى نيابة غزة وتولى نائب غزة حمص وحصل للذي جاء بتقاليدهم مائة ألف درهم منهم وفي ربيع الأخر أعيد القاضي محيي الدين بن فضل الله وولده الى كتابة سر مصر ورجع شرف الدين ابن الشهاب محمود الى كتابة سر الشام كما كان وفي منتصف هذا الشهر ولي نقابة الاشراف عماد الدين موسى الحسيني عوضا عن أخيه شرف الدين عدنان توفي في الشهر الماضي ودفن بتربتهم عند مسجد الدبان وفيه درس الفخر المصري بالدولعية عوضا عن ابن جملة بحكم ولايته القضاء وفي خامس عشرين رجب درس بالبادرائية القاضي علاء الدين علي بن شريف ويعرف بابن الوحيد عوضا عن ابن جهبل توفي في الشهر الماضي وحضر عنده القضاة والاعيان وكنت إذ ذاك بالقدس أنا والشيخ شمس الدين ابن عبد الهادي وآخرون وفيه رسم السلطان الملك الناصر بالمنع من رمى البندق وان لا تباع قسيها ولا تعمل وذلك لافساد رماة البندق أولاد الناس وأن الغالب على من تعاناه اللواط والفسق وقلة الدين ونودي بذلك في البلاد المصرية والشامية
قال البرزالي وفي نصف شعبان أمر السلطان بتسليم المنحمين إلى والي القاهرة فضربوا وحبسوا لافسادهم حال النساء فمات منهم أربعة تحت العقوبة ثلاثة من المسلمين ونصراني وكتب إلى بذلك الشيخ أبو بكر الرحبي وفي أول رمضان وصل البريد بتولية الامير فخر الدين ابن الشمس لؤلؤ ولاية البر بدمشق بعد وفاة شهاب الدين بن المرواني ووصل كتاب من مكة إلى دمشق في رمضان يذكر فيه أنها وقعت صواعق ببلاد الحجاز فقتلت جماعة متفرقين في أماكن شتى وأمطار كثيرة جدا وجاء البريد في رابع رمضان بتولية القاضي محيي الدين بن جميل قضاء طرابلس فذهب اليها ودرس ابن المجد عبد الله بالرواحية عوضا عن الاصبهاني بحكم إقامته بمصر وفي آخر رمضان أفرج عن الصاحب علاء الدين وأخيه شمس الدين موسى بن التاج إسحاق بعد سجنهما سنة ونصفا
وخرج الركب الشامي يوم الخميس عاشر شوال وأميره بدر الدين بن معبد وقاضيه علاء الدين ابن منصور مدرس الحنفية بالقدس بمدرسة تنكز وفي الحجاج صدر الدين المالكي وشهاب الدين الظهيري ومحيي الدين ابن الاعقف وآخرون وفي يوم الاحد ثالث عشرة درس بالاتابكية ابن جملة عوضا عن ابن جميل تولى قضاء طرابلس وفي يوم الاحد عشرينه حكم القاضي شمس الدين محمد بن كامل التدرمي الذي كان في خطابه الخليل بدمشق نيابة عن ابن جملة وفرح الناس بدينه وفضيلته
وفي ذي القعدة مسك تنكز دواداره ناصر الدين محمد وكان عنده بمكانة عظيمة جدأن وضربه بين يديه ضربا مبرحا واستخلص منه أموالا كثيرة ثم حبسه بالقلعة ثم نفاه إلى القدس وضرب جماعة من أصحابه منهم علاء الدين بن مقلد حاجب العرب وقطع لسانه مرتين ومات وتغيرت الدولة وجاءت دولة أخر مقدمها عنده حمزة الذي كان سميره وعشيره في هذه المدة الأخيرة وانزاحت النعمة عن الدوادار ناصر الدين وذويه ومن يليه وفي يوم الثلاثاء ثامن عشرين ذي القعدة ركب على الكعبة باب حديد أرسله السلطان مرصعا من السبط الاحمر كأنه آبنوس مركب عليه صفائح من فضة زنتها خمسة وثلاثون ألفا وثلثمائة وكسر وقلع الباب العتيق وهو من خشب الساج وعليه صفائح تسلمها بنو شيبة وكان زنتها ستين رطلا فباعوها كل درهم بدرهمين لأجل التبرك وهذا خطأ وهو ربا وكان ينبغي ان يبعوها بالذهب لئلا يحصل ربا بذلك وترك خشب الباب العتيق داخل الكعبة وعليه اسم صاحب اليمن في الفردتين واحدة عليها الله يا ولي يا علي اغفر ليوسف بن عمر بن علي وممن توفي فيها من الاعيان :
*3* الشيخ العالم تقي الدين محمود علي
@ ابن محمود بن مقبل الدقوقي أبو الثناء البغدادي محدث بغداد منذ خمسين سنة يقرأ لهم الحديث وقد ولى مشيخة الحديث بالمستنصرية وكان ضابطا محصلا بارعا وكان يعظ ويتكلم في الأعزية والأهنية وكان فردا في زمانه وبلاده رحمه الله توفي في المحرم وله قريب السبعين سنة وشهد جنازته خلق كثير ودفن بتربة الامام أحمد ولم يخلف درهما واحدا وله قصيدتان رثا بهما الشيخ تقي الدين ابن تيمية كتب بهما إلى الشيخ الحافظ البرزالي رحمه الله تعالى
*3* الشيخ الامام العالم عز القضاة
@ فخر الدين أبو محمد عبد الواحد بن منصور بن محمد بن المنير المالكي الاسكندري أحد الفضلاء المشهورين له تفسير في ست مجلدات وقصائد في رسول الله صلى الله عليه وسلم حسنة وله في كان وكان وقد سمع الكثير وروى توفي في جماد الاولى عن ثنتين وثمانين سنة ودفن بالاسكندرية رحمه الله
*3* ابن جماعة قاضي القضاة
@ العالم شيخ الاسلام بدر الدين أبو عبد الله محمد بن الشيخ الامام الزاهد أبي إسحاق إبراهيم ابن سعد الله ابن جماعة بن حازم بن صخر الكناني الحموي الاصل ولد ليلة السبت رابع ربيع الاخر سنة تسع وثلاثين وستمائة بحماة وسمع الحديث واشتغل بالعلم وحصل علوما متعددة وتقدم وساد أقرانه وباشر تدريس القيمرية ثم ولى الحكم والخطابة بالقدس الشريف ثم نقل منه إلى قضاء مصر في الأيام الاشرفية ثم باشر تداريس كباربها في ذلك الوقت ثم ولى قضاء الشام وجمع له معه الخطابة مشيخة الشيوخ وتدريس العادلية وغيرها مدة طويلة كل هذا مع الرياسة والديانة والصيانة والورع وكف الاذى وله التصانيف الفائقة النافعة وجمع له خطب كان يخطب بها في طيب صوت فيها وفي قراءته في المحراب وغيره ثم نقل إلى قضاء الديار المصرية بعد وفاة الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد فلم يزل حاكما بها إلى أن أضر وكبر وضعفت أحواله فاستقال فأقيل وتولي مكانه القزويني وبقيت معه بعض الجهات ورتبت له الرواتب الكثيرة الدارة إلى أن توفي ليلة الاثنين بعد عشاء الآخرة حادي عشرين جمادي الاولى وقد اكمل أربعا وتسعين سنة وشهرا واياما وصلى عليه من الغد قبل الظهر بالجامع الناصري بمصر ودفن بالقرافة وكانت جنازته حافلة هائلة رحمه الله
*3* الشيخ الامام الفاضل مفتي المسلمين
@ شهاب الدين أبو العباس أحمد بن محيي الدين يحيى بن تاج الدين بن إسماعيل بن طاهر بن نصر الله بن جهبل الحلبي الأصل ثم الدمشقي الشافعي كان من أعيان الفقهاء ولد سنة سبعين وستمائة واشتغل بالعلم ولزم المشايخ ولازم الشيخ الصدر بن الوكيل ودرس بالصلاحية بالقدس ثم تركها وتحول إلى دمشق فباشر مشيخة دار الحديث الظاهرية مدة ثم ولى مشيخة البادرائية فترك الظاهرية وأقام بتدريس البادرائية إلى أن مات ولم يأخذ معلوما من واحدة منهما توفي يوم الخميس بعدا لعصر تاسع جمادي الآخرة وصلى عليه بعدالصلاة ودفن بالصوفية وكانت جنازته حافلة
*3* تاج الدين عبد الرحمن بن أيوب
@ مغسل الموتى في سنة ستين وستمائة يقال إنه غسل ستين ألف ميت وتوفي في رجب وقد جاوز الثمانين
*3* الشيخ فخر الدين أبو محمد
@ عبد الله بن محمد بن عبدالعظيم ابن السقطي الشافعي كان مباشرا شهادة الخزانة وناب في الحكم عند باب النصر ودفن بالقرافة
*3* الامام الفاضل مجموع الفضائل
@ شهاب الدين ابو العباس أحمد بن عبدالوهاب البكري نسبة إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه كان لطيف المعاني ناسخا مطيقا يكتب في اليوم ثلاث كراريس وكتب البخاري ثماني مرات ويقابله ويجلده ويبيع النسخة من ذلك بألف ونحوه وقد جمع تاريخا في ثلاثين مجلدا وكان ينسخه ويبيعه أيضا بأزيد من الف وذكر أن له كتابا سماه منتهى الأرب في علم الادب في ثلاثين مجلدا أيضا وبالجملة كان نادرا في وقته توفي يوم الجمعة عشرين رمضان رحمه الله
*3* الشيخ الصالح الزاهد الناسك
@ الكثير الحج علي بن الحسن بن أحمد الواسطي المشهور بالخير والصلاح وكثرة العبادة والتلاوة والحج يقال إنه حج أزيد من أربعين حجة وكانت عليه مهابة ولديه فضيلة توفي وهو محرم يوم الثلاثاء ثامن عشرين ذي القعدة وقد قارب الثمانين رحمه الله
*3* الامير عز الدين إبراهيم بن عبد الرحمن
@ ابن أحمد بن القواس كان مباشرا الشد في بعض الجهات السلطانية وله دار حسنة بالعقبية الصغيرة فلما جاءت الوفاة أوصى ان تجعل مدرسة ووقف عليها أوقافا وجعل تدريسها للشيخ عماد الدين الكردي الشافعي توفي يوم الاربعاء عشرين الحجة
*2* ثم دخلت سنة اربع وثلاثين وسبعمائة
@ استهلت بيوم الاحد وحكام البلاد هم المذكورون في التي قبلها وفي يوم الجمعة ثاني ربيع الاول أقيمت الجمعة بالخاتونية البرانية وخطب بها شمس الدين النجار المؤذن المؤقت بالاموي وترك خطابة جامع القابون وفي مستهل هذا الشهر سافر الامير شمس الدين محمد التدمري إلى القدس حاكما به وعزل عن نايبة الحكم بدمشق وفي ثالثه قدم من مصر زين الدين عبد الرحيم ابن قاضي القضاة بدر الدين ابن جماعة بخطابة القدس فخلع عليه من دمشق ثم سافر إليها وفي آخر ربيع الاول باشر الامير ناصر الدين بن بكتاش الحسامي شد الاوقاف عوضا عن شرف الدين محمود بن الخطيري سافر بأهله إلى مصر أميرا نيابة بها عن أخيه بدر الدين مسعود وعزل القاضي علاء الدين ابن القلانسي وسائر الدواوين والمباشرين الذين في باب ملك الامراء تنكز وصودروا بمائتي ألف درهم واستدعى من غزة ناظرها جمال الدين يوسف صهر السني المستوفي فباشر نظر ديوان النائب ونظر المارستان النوري ايضا على العادة
وفي شهر ربيع الاول أمر تنكز باصلاح باب توما فشرع فيه فرفع بابه عشرة أذرع وجددت حجارته وحديده في أسرع وقت وفي هذا القوت حصل بدمشق سيل خرب بعض الجدران ثم تناقص وفي أوائل ربيع الاخر قدم من مصر جمال الدين آقوش نائب الكرك مجتازا إلى طرابلس نائبها عوضا عن قرطا توفي وفي جمادي الأولى طلب القاضي شهاب الدين ابن المجد عبد الله إلى دار السعادة فولى وكلة بيت المال عوضا عن ابن القلانسي ووصل تقليده من مصر بذلك وهنأه الناس وفيه طلب الامير نجم الدين ابن الزيبق من ولاية نابلس فولى شد الدواوين بدمشق وقد شغر منصبه شهورا بعد ابن الخشاب وفي رمضان خطب الشيخ بدر الدين أبو اليسر ابن الصائغ بالقدس عوضا عن زين الدين ابن جماعة لاعراضه عنها واختياره العود إلى بلده
*3* قضية القاضي ابن جملة
@ لما كان في العشر الاخير من رمضان وقع بين القاضي ابن جملة وبين الشيخ الظهير شيخ ملك الامراء وكان هو السفير في تولية ابن جملة القضاء فوقع بينهما منافسة ومحاققة في أمور كانت بينه وبين الدوادار المتقدم ذكره ناصر الدين فحلف كل واحد منهما على خلاف ما حلف به الاخر عليه وتفاصلا من دار السعادة في المسجد فلما رجع القاضي إلى منزله بالعادلية أرسل إليه الشيخ الظهير ليحكم فيه بما فيه المصلحة وذلك عن مرسوم النائب وكأنه كان خديعة في الباطن وإظهارا لنصرة القاضي عليه في الظاهر فبدر به القاضي بادي الرأي فعزره بين يديه ثم خرج من عنده فتسلمه أعوان ابن جملة فطافوا به البلد على حمار يوم الاربعاء سابع عشرين رمضان وضربوه ضربا عنيفا ونادوا عليه هذا جزاء من يكذب ويفتات على الشرع فتألم الناس له لكونه في الصيام وفي العشر الاخير من رمضان ويوم سبع وعشرين وهو شيخ كبير صائم فيقال إنه ضرب يومئذ ألفين ومائة وإحدى وسبعين درة والله اعلم فما أمسى حتى استفتى على القاضي المذكور وداروا على المشايخ بسبب ذلك عن مرسوم النائب فلم كان يوم تاسع عشرين رمضان عقد نائب السلطنة بين يديه بدار السعادة مجلسا حافلا بالقضاة وأعيان المفتيين من سائر المذاهب وأحضر ابن جملة قاضي الشافعية والمجلس قد احتف بأهله ولم يأذنوا لابن جملة في الجلوس بل قام قائما ثم أجلس بعد ساعة جيدة في طرف الحلقة إلى جانب المحفة التي فيها الشيخ الظهير وادعى عليه عند بقية القضاة أنه حكم فيه لنفسه واعتدى عليه في القعوبة وأفاض الحاضرون في ذلك وانتشر الكلام وفهموا من نفس النائب الحط على ابن جملة والميل عنه بعد أن كان اليه فما انفصل المجلس حتى حكم القاضي شرف الدين المالكي بفسقه وعزله وسجنه فانفض المجلس على ذلك ورسم على ابن جملة بالعذراوية ثم نقل إلى القلعة جزاء وفاقا والحمد له وحده وكان له في القضاء سنة ونصف إلا أياما وكان يباشر الاحكام جيدا وكذا الاوقاف المتعلقة به وفيه نزاهة وتمييز الاوقاف بين الفقهاء والفقراء وفيه صرامة وشهامة وإقدام لكنه اخطأ في هذه الواقعة وتعدى فيها فآل امره إلى هذا
وخرج الركب يوم الاثنين عاشر شوال وأميره الجي بغا وقاضيه مجد الدين ابن حيان المصري
وفي يوم الاثنين رابع عشرينه درس بالاقبالية الحنفية نجم الدين ابن قاضي القضاة عماد الدين الطرسوسي الحنفي عوضا عن شمس الدين محمد بن عثمان بن محمد الأصبهاني ابن العجمي الحبطي ويعرف بابن الحنبلي وكان فاضلا دينا متقشفا كثير الوسوسة في الماء جدا وأما المدرس مكانه وهو نجم الدين بن الحنفي فإنه ابن خمس عشرة سنة وهو في النباهة والفهم وحسن الاشتغال والشكل والوقار بحيث غبط الحاضرون كلهم أباه على ذلك ولهذا آل أمره أن تولى قضاء القضاة في حاية ابيه نزل له عنه وحمدت سيرته وأحكامه
وفي هذا الشهر أثبت محضر في حق الصاحب شمس الدين غبريال المتوفي هذه السنة أنه كان يشتري أملاكا من بيت المال ويوقفها ويتصرف فيها تصرف الملاك لنفسه وشهد بذلك كمال الدين الشيرازي وابن أخيه عماد الدين وعلاء الدين القلانسي وابن خاله عماد الدين القلانسي وعز الدين ابن المنجا وتقي الدين ابن مراجل وكمال الدين بن الغويرة وأثبت على القاضي برهان الدين الزرعي الحنبلي ونفذه بقية القضاة وامتنع المحتسب عز الدين ابن القلانسي من الشهادة فرسم عليه بالعذراوية قريبا من شهر ثم أفرج عنه وعزل عن الحسبة واستمر على نظر الخزانة
وفي يوم الاحد ثامن عشرين ذي القعدة حملت خلعة القضاء إلى الشيخ شهاب الدين ابن المجد وكيل بيت المال يومئذ فلبسها وركب إلى دار السعادة وقرئ تقليده بحضرة نائب السلطنة والقضاة ثم رجع إلى مدرسته الاقبالية فقرئ بها أيضا وحكم بين خصمين وكتب على أوراق السائلين ودرس بالعادلية والغزالية والاتابكيتين مع تدريس الاقبالية عوضا عن ابن جملة وفي يوم الجمعة حضر الامير حسام الدين مهنا بن عيسى وفي صحبته صاحب حماة الافضل فتلقاهما تنكز وأكرمهما وصليا الجمعة عند النائب ثم توجها إلى مصر فتلقاهما أعيان الأمراء وأكرم السلطان مهنا بن عسى وأطلق له أموالا جزيلة كثيرة من الذهب والفضة والقماش واقطعه عدى قرى ورسم له بالعود إلى أهله ففرح الناس بذلك قالوا وكان جميع ما أنعم به عليه السلطان قيمة مائة ألف دينار وخلع عليه وعلى أصحابه مائة وسبعين خلعة
وفي يوم الاحد سادس الحجة حضر درس الرواحية الفخر المصري عوضا عن قاضي القضاة
ابن المجد وحضر عنده القضاة الاربعة وأعيان الفضلاء وفي يوم عرفة خلع على نجم الدين بن أبي الطيب بوكالة بيت المال عوضا عن ابن المجد وعلى عماد الدين ابن الشيرازي بالحسبة عوضا عن عز الدين ابن القلانسي وخرج الثلاثة من دار السعادة بالطرحات وممن توفي فيها من الأعيان :
*3* الشيخ الاجل التاجر بدر الدين
@ بدر الدين لؤلؤ بن عبد الله عتيق النقيب شجاع الدين إدريس وكان رجلا حسنا ينجر ! في الجوخ مات فجأة عصر يوم الخميس خامس محرم وخلف أولادا وثروة ودفن بباب الصغير وله بر وصدقة ومعروف وسبع بمسجد ابن هشام
*3* الصدر أمين الدين
@ محمد بن فخر الدين أحمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن محمد بن يوسف
ابن أبي العيش الانصاري الدمشقي باني المسجد المشهور بالزبوة على حافة بردى والطهارة والحجارة إلى جانبه والسوق الذي هناك وله بجامع النيرب ميعاد ولد سنة ثمان وخسمين وستمائة وسمع البخاري وحدث به وكان من أكابر التجار ذوي اليسار توفي بكرة الجمعة سادس المحرم ودفن بتربته بقاسيون رحمه الله
*3* الخطيب الامام العالم
@ عماد الدين أبو حفص عمر الخطيب ظهير الدين عبدالرحيم بن يحيى بن إبراهيم بن علي بن جعفر ابن عبد الله بن الحسن القرشي الزهري النابلسي خطيب القدس وقاضي نابلس مدة طويلة ثم جمع له بين خطابة القدس وقضائها وله اشتغال وفي فضيلة وشرح صحيح مسلم في مجلدات وكان سريع الحفظ سريع الكتابة توفي ليلة الثلاثاء عاشر المحرم ودفن بماملا رحمه الله
*3* الصدر شمس الدين
@ محمد بن إسماعيل بن حماد التاجر بقيسارية الشرب كتب المنسوب وانتفع به الناس وولى التجار لأمانته وديانته وكانت له معرفة ومطالعة في الكتب توفي تاسع صفر عن نحو ستين سنة ودفن بقاسيون رحمه الله
*3* جمال الدين قاضي القضاة الزرعي
@ هو ابو الربيع سليمان ابن الخطيب مجد الدين عمر بن سالم بن عمر بن عثمان الأذرعي الشافعي ولد سنة خمس وأربعين وستمائة بأذرعات وشاتغل بدمشق فحصل وناب في الحكم بزرع مدة فعرف بالزرعي لذلك وإنما هو من أذرعات واصله من بلاد المغرب ثم ناب بدمشق ثم انتقل إلى مصر فناب في الحكم بها ثم استقل بولاية القضاء بها نحوا من سنة ولي قضاء الشام مدة مع مشيخة الشيوخ نحوا من سنة ثم عزل وبقي على مشيخة الشيوخ نحوا من سنة مع تدريس الاتابكية ثم تحول إلى مصر فولى بها التدريس وقضاء العسكر ثم توفي بها يوم الاحد سادس صفر وقد قارب السبعين رحمه الله وقد خرج له البرزالي مشيخة سمعناها عليه وهو بدمشق عن اثنين وعشرين شيخا
*3* الشيخ الامام العالم الزاهد
@ زين الدين أبو محمد عبد الرحمن بن محمود بن عبيدان البعلبكي الحنبلي أحد فضلاء الحنابلة ومن صنف في الحديث والفقه والتصوف وأعمال القلوب وغير ذلك كان فاضلا له أعمال كثيرة وقد وقعت له كائنة في أيام الظاهر أنه أصيب في عقله أو زوال فكره أو قد عمل على الرياضة فاحترق باطنه من الجوع فرأى خيالات لا حقيقة لها فاعتقد أنها أمر خارجي وإنما هو خيال فكري فاسد وكانت وفاته في نصف صفر ببعلبك ودفن بباب سطحا ولم يكمل الستين وصلى عليه بدمشق صلاة الغائب وعلى القاضي الزرعي معا
*3* الأمير شهاب الدين
@ نائب طرابلس له أوقاف وصدقات وبر وصلات توفي بطرابلس يوم الجمعة ثامن عشر صفر ودفن هناك رحمه الله
*3* الشيخ عبد الله بن يوسف بن أبي بكر الاسعردي الموقت
@ كان فاضلا في صناعة الميقات وعلم الاصطرلاب وما جرى مجراه بارعا في ذلك غير أنه لا ينفع به لسوء أخلاقه وشراستها ثم إنه ضعف بصره فسقط من قيسارية بحسى عشية السبت عاشر ربيع الاول ودفن بباب الصغير
*3* الامير سيف الدين بلبان
@ طرفا بن عبد الله الناصري كان من المقدمين بدمشق وجرت له فصلو يطول ذكرها ثم توفي بداره عند مأذنة فيروز ليلة الاربعاء حادي عشرين ربيع الاول ودفن بتربة اتخذها إلى جانب داره ووقف عليها مقرئين وبنى عندها مسجدا بأمام ومؤذن
*3* شمس الدين محمد بن محمد بن قاضي حران
@ ناظر الاوقاف بدمشق مات الليلة التي مات فيها الذي قبله ودفن بقاسيون وتولى مكانه عماد الدين الشيرازي
*3* الشيخ الامام ذو الفنون
@ تاج الدين ابو حفص عمر بن علي بن سالم بن عبد الله اللخمي الاسكندراني المعروف بابن الفاكهاني ولد سنة أربع وخسمين وستمائة وسمع الحديث واشتغل بالفقه على مذهب مالك وبرع وتقدم بمعرفة النحو وغيره وله مصنفات في أشياء متفرقة قدم دمشق في سنة إحدى وثلاثين وسبعمائة في أيام الاخنائي فأنزله في دار السعادة وسمعنا عليه ومعه وحج من دمشق عامئذ وسمع عليه في الطريق ورجع إلى بلاده توفي ليلة الجمعة سابع جمادي الاولى وصلى عليه بدمشق حين بلغهم خبر موته
*3* الشيخ الصالح العابد الناسك ايمن
@ امين الدين ايمن بن محمد وكان يذكر أن اسمه محمد بن محمد إلى سبع عشر نفسا كلهم اسمه محمد وقد جاور بالمدينة مدة سنين إلى أن توفي ليلة الخميس ثامن ربيع الاول ودفن بالبقيع وصلى عليها بدمشق صلاة الغائب


التوقيع :


اللهم صل على سيدنا محمد عبدك ونبيك ورسولك
النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم تسليما عدد مااحاط به علمك
وخط به قلمك واحصاه كتابك
وارض اللهم عن سادتنا ابي بكر وعمر وعثمان وعلي
وعن الصحابة أجمعين وعن التابعين وتابعيهم بإحسان الى يوم الدين





رد مع اقتباس
قديم 09-01-2006, 11:24 PM   رقم المشاركة : 14
الكاتب

أفاق : الاداره

مراقب

مراقب

أفاق : الاداره غير متواجد حالياً


الملف الشخصي









أفاق : الاداره غير متواجد حالياً


مشاركة: البداية والنهاية الجزء الرابع عشر


*3* الشيخ نجم الدين القباني الحموي
@ عبد الرحمن بن الحسن بن يحيى اللخمي القباني قرية من قرى اشمون الرمان أقام بحماة في زاوية بزار ويلتمس دعاؤه كان عابدا ورعا زاهدا آمرا بالمعروف وناهيا عن المنكر حسن الطريقة إلى أن توفي بها آخر نهار الاثنين رابع عشر رجب عن ست وستين سنة وكانت جنازته حافلة هائلة جدا ودفن شمالي حماة كان عنده فضيلة واشتغل على مذهب الامام احمد بن حنبل وله كلام حسن يؤثر عنه رحمه الله
*3* الشيخ فتح الدين بن سيد الناس
@ الحافظ العلامة البارع فتح الدين بن أبي الفتح محمد بن الامام ابي عمرو محمد بن الامام الحافظ الخطيب ابي بكر محمد بن أحمد بن عبد الله بن محمد بن يحيى بن سيد الناس الربعي اليعمري الاندلسي الاشبيلي ثم المصري ولد في العشر الاول من ذي الحجة سنة إحدى وسبعين وستمائة وسمع الكثير وأجاز له الرواية عنهم جماعات من المشايخ ودخل دمشق سنة تسعين فسمع من الكندي وغيره واشتغل بالعلم فبرع وساد أقرانه في علوم شتى من الحديث والفقه والنحو من العربية وعلم السير والتواريخ وغير ذلك من الفنون وقد جمع سيرة حسنة في مجلدين وشرح قطعة حسنة من أول جامع الترمذي رأيت منها مجلدا بخطه الحسن وقد حرر وحبر وافاد وأجاد ولم يسلم من بعض الانتقاد وله الشعر الرائق الفائق والنثر الموافق والبلاغة التامة وحسن الترصيف والتصنيف وجودة البديهة وحسن الطوية وله العقيدة السلفية الموضوعة على الاي والاخبار ولااثار والاقتفاء بالاثار النبوية ويذكر عنه سوء أدب في أشياء أخر سامحه الله فيها وله مدائح في رسو الله صلى الله عليه وسلم حسان وكان شيخ الحديث بالظاهرية بمصر وخطب بجامع الخندق ولم يكن في مصر في مجموعة مثله في حفظ الاسانيد والمتون والعلل والفقه والملح والاشعار والحكايات توفي فجأة يوم السبت حادي عشر شعبان وصلى عليه من الغد وكانت جنازته حافلة ودفن عند ابن أبي جمرة رحمه الله
*3* القاضي مجد الدين بن حرمي
@ ابن قاسم بن يوسف العامري الفاقوسي الشافعي وكيل بيت المال ومدرس الشافعي وغيره كانت له همة ونهضة وعلت سنه وهو مع ذلك يحفظ ويشغل ويشتغل ويلقي الدروس من حفظه إلى ان توفي ثاني ذي الحجة وولى تدريس الشافعي بعده شمس الدين ابن القماح والقطبية بهاء الدين ابن عقيل والوكلة نجم الدين الاسعردي المحتسب
وهو كان وكيل بيت الظاهر
*2* ثم دخلت سنة خمس وثلاثين وسبعمائة
@ استهلت وحكام البلاد هم المذكورون في التي قبلها وناظر الجامع عز الدين ابن المنجا والمحتسب عماد الدين الشيرازي وغيرهم وفي مستهل المحرم يوم الخميس درس بأم الصالح الشيخ خطيب تبرور عوضا عن قاضي القضاة شهاب الدين ابن المجد وحضر عنده القضاة والاعيان وفي سادس المحرم رجع مهنا بن عيسى من عند السلطان فتلقاه النائب والجيش وعاد إلى أهله في عز وعافية وفيه أمر السلطان بعمارة جامع القلعة وتوسيعه وعمارة جامع مصر العتيق وقدم إلى دمشق القاضي جمال الدين محمد بن عماد الدين ابن الاثير كاتب سربها عوضا عن ابن الشهاب محمود ووقع في هذا الشهر والذي بعده موت كثير في الناس بالخانوق
وفي ربيع الاول مسك الامير نجم الدين بن الزيبق مشد الدواوين وصودر وبيعت خيوله وحوصاله وتولاه بعده سيف الدين ثمر مملوك بكتمر الحاجب وهو مشد الزكاة وفيه كملت عمارة حمام الامير شمس الدين حمزه الذي تمكن عند تنكز بعد ناصر الدين الدوادار ثم وقعت الشناعة عليه بسبب ظلمه في عمارة هذا الحمام فقابله النائب على ذلك وانتصف للناس منه وضربه بين يديه وضربه بالبندق بيده في وجهه وسائر جسده ثم أودعه القلعة ثم نقله إلى بحيرة طبرية فغرقه فيها وعزل الامير جمال الدين نائب الكرك عن نيابة طرابلس حسب سؤاله في ذلك وراح إليها طيغال وقد نائب الكرك إلى دمشق وقد رسم له بالاقامة في سلخد فلما تلقاه نائب السلطنة والجيش نزل في دار السعادة واخذ سيفه بها ونقل إلى القلعة ثم نقل إلى صفت ثم إلى الاسكندرية ثم كان آخر العهد به وفي جمادي الاولى احتيط على دار الامير بكتمر الحاجب الحسامي بالقاهرة ونبشت وأخذ منها شيء كثير جدا وكان جد أولاده نائب الكرك المذكور وفي يوم السبت تاسع جمادي الاخرة باشر حسام الدين أبو بكر ابن الأمير عز الدين أيبك التجيبي شد الاوقاف عوضا عن ابن بكتاش اعتقل وخلع على المتولي وهنأه الناس وفي منتصف هذا الشهر علق الستر الجديد على خزانة المصحف العثماني وهو من خز طوله ثمانية أذرع وعرضه أربعة أذرع ونصف غرم عليه أربعة آلاف وخمسمائة وعمل في مدة سنة ونصف
وخرج الركب الشامي يوم الخميس تاسع شوال وأميره علاء الدين المرسي وقاضيه شهاب الدين الظاهري وفيه رجع جيش حلب إليها وكانوا عشرة آلاف سوى من تبعهم من التركمان وكانوا في بلاد أذنة وطرسوس وإياس وقد خربوا وقتلوا خلقا كثيرا ولم يعدم منهم سوى رجل واحد غرق بنهر جاهان ولكن كان قتل الكفار من كان عندهم من المسلمين نحوا من ألف رجل يوم عيد الفطر فانا لله وإنا إليه راجعون
وفيه وقع حريق عظيم بحماة فاحترق منه أسواق كثيرة وأملاك وأوقاف وهلكت أموال لاتحصر وكذلك احترق أكثر مدينة أنطاكية فتألم المسلمون لذلك وفي ذي الحجة خرب المسجد الذي كان في الطريق بين باب النصر وبين باب الجابية عن حكم القضاة بأمر نائب السلطنة وبني غريبة مسجد حسن أحسن وأنفع من الاول وتوفي فيها من الاعيان :
*3* الشيخ الصالح المعمر رئيس المؤذنين بجامع دمشق
@ برهان الدين إبراهيم بن محمد بن أحمد بن محمد الواني ولد سنة ثلاث وأربعين وستمائة وسمع الحديث وروى وكان حسن الصوت والشكل محببا إلى العوام توفي يوم الخميس سادس صفر ودفن بباب الصغير وقام من بعده في الرياسة ولده أمين الدين محمد الواني المحدث المفيد وتوفي بعده ببضع وأربعين يوما رحمهما الله
*3* الكاتب المطبق المجود المحرر
@ بهاء الدين محمود ابن خطيب بعلبك محيي الدين محمد بن عبد الرحيم بن عبد الوهاب السلمي ولد سنة ثمان وثمانين وستمائة واعتني بهذه الصناعة فبرع فيها وتقدم على أهل زمانه قاطبة في النسخ وبقية الأقلام وكان سحن الشكل طيب الاخلاق طيب الصوت حسن التودد توفي في سلخ ربيع الاول ودفن بتربة الشيخ ابي عمر رحمه الله
*3* علاء الدين السنجاري
@ واقف دار القرآن عند باب الناطفانيين شمالي الاموي بدمشق علي بن إسماعيل بن محمود كان احد التجار الصدق الاخيار ذوي اليسار المسارعين إلى الخيرات توفي بالقاهرة ليلة الخميس ثالث عشر جمادي الاخرة ودفن عند قبر القاضي شمس الدين بن الحريري
*3* العدل نجم الدين التاجر
@ عبد الرحيم بن أبي القاسم عبد الرحمن الرحبي باني التربة المشهورة بالمزة وقد جعل لها مسجدا ووقف عليها أوقافا دارة وصدقات هناك وكان من أخيار أبناء جنسه عدل مرضى عند جميع الحكام وترك اولادا وأموالا جمة ودارا هائلة وبساتين بالمزة وكان وفاته يوم الاربعاء سابع عشرين جمادي الاخرة ودفن بتربته المذكورة بالمزة رحمه الله
*3* الشيخ الامام الحافظ قطب الدين
@ ابو محمد عبدالكريم بن عبدالنور بن منير بن عبدالكريم بن علي بن عبدالحق بن عبدالصمد بن عبدالنور الحلبي الاصل ثم المصري أحد مشاهير المحدثين بها والقائمين بحفظ الحديث وروايته وتدوينه وشرحه والكلام عليه ولد سنة اربع وستين وستمائة بحلب وقرأ القرآن بالروايات وسمع الحديث وقرأ الشاطبية والألفية وبرع في فن الحديث وكان حنفي المذهب وكتب كثيرا وصنف شرحا لأكثر البخاري وجمع تاريخا لمصر ولم يكملهما وتكلم على السيرة التي جمعها الحافظ عبد الغني وخرج لنفسه أربعين حديثا متبانة الاسناد وكان حسن الاخلاق مطرحا للكلفة طاهر اللسان كثير المطالعة والاشتغال إلى أن توفي يوم الأحد سلخ رجب ودفن من الغد مستهل شعبان عند خاله نصر المنبجي وخلف تسعة أولاد رحمه الله
*3* القاضي الامام زين الدين أبو محمد
@ عبد الكافي بن علي بن تمام بن يوسف السبكي قاضي المحلة ووالده العلامة قاضي القضاة تقي الدين السبكي الشافعي سمع من ابن الانماطي وابن خطيب المزة وحدث وتوفي تاسع شعبان وتبعته زوجته ناصرية بنت القاضي جمال الدين إبراهيم بن الحسين السبكي ودفنت بالقرافة وقد سمعت من ابن الصابوني شيئا من سنن النسائي وكذلك ابنتها محمدية وقد توفيت قبلها
*3* تاج الدين علي بن إبراهيم
@ ابن عبد الكريم المصري ويعرف بكاتب قطلبك وهو والد العلامة فخر الدين شيخ الشافعية ومدرسهم في عدة مدارس ووالده هذا لم يزل في الخدمة والكتابة إلى أن توفي عنده بالعادلية الصغيرة ليلة الثلاثاء ثالث عشر شعبان وصلى عليه من الغد بالجامع ودفن بباب الصغير
*3* الشيخ الصالح عبد الكافي
@ ويعرف بعبيد ابن أبي الرجال بن حسين بن سلطان بن خليفة المنيني ويعرف بابن أبي الازرق مولده في سنة أربع وأربعين وستمائة بقريته من بلاد بعلبك ثم أقام بقرية منين وكان مشهورا بالصلاح وقرئ عليه شيء من الحديث وجاوز التسعين
*3* الشيخ محمد بن عبدالحق
@ ابن شعبان بن علي الأنصاري المعروف بالسياح له زاوية بسفح قاسيون بالوادي الشمالي مشهورة به كان قد بلغ التسعين وسمع الحديث وأسمعه كانت له معرفة بالامور وعنده بعض مكاشفة وهو رجل حسن توفي أواخر شوال من هذه السنة
*3* الامير سلطان العرب
@ حسام الدين مهنا بن عيسى بن مهنا أمير العرب بالشام وهم يزعمون أنهم من سلالة جعفر بن يحيى بن خالد البرمكي من ذرية الولد الذي جاء من العباسة اخت الرشيد فالله أعلم
وقد كان كبير القدر محترما عند الملوك كلهم بالشام ومصر والعراق وكان دينا خيرا متحيزا للحق وخلف أولادا وورثة وأموالا كثيرة وقد بلغ سنا عالية وكان يحب الشيخ تقي الدين بن تيمية حبا زائدا هو وذريته وعربه وله عندهم منزلة وحرمة وإكرام يسمعون قوله ويمتثلونه وهو الذي نهاهم أن يغير بعضهم على بعض وعرفهم أن ذلك حرام وله في ذلك مصنف جليل
وكان وفاة مهنا هذا ببلاد سلمية في ثامن عشر ذي القعدة ودفن هناك رحمه الله
*3* الشيخ الزاهد فضل العلجوني
@ فضل بن عيسى بن قنديل العجلوني الحبنلي المقيم بالمسمارية أصله من بلاد حبراحي كان متقللا من الدنيا يلبس ثيابا طوالا وعمامة هائلة وهي بأرخص الاثمان وكان يعرف تعبير الرؤيا ويقصد لذلك وكان لا يقبل من أحد شيئا وقد عرضت عليه وظائف بجوامك كثيرة فلم يقبلها بل رضي بالرغيد الهني من العيش الخشن إلى ان توفي في ذي الحجة وله تحو تسعين سنة ودفن بالقرب من قبر الشيخ تقي الدين بن تيمية رحمهما الله وكانت جنازته حافلة جدا
*2* ثم دخلت سنة ست وثلاثين وسبعمائة
@ استهلت بيوم الجمعة والحكام هم المذكورون في التي قبلها وفي أول يوم منها ركب تنكز إلى قلعة جعبر ومعه الجيش والمناجنيق فغابوا شهرا وخمسة ايام وعادوا سالمين وفي ثامن صفر فتحت الخانقاه التي أنشأها سيف الدين قوصون الناصري خارج باب القرافة وتولى مشيختها الشيخ شمس الدين الأصبهاني المتكلم وفي عاشر صفر خرج ابن جملة من السجن بالقلعة وجاءت الاخبار بموت ملك التتار أبي سعيد بن خربندا بن أرغون بن أبغا بن هولاكوبن تولى بن جنكزخان في يوم الخميس ثاني عشر ربيع الاخر بدار السلطنة بقراباغ وهي منزلهم في الشتاء ثم نقل إلى تربته بمدينته التي أنشاها قريبا من السلطانية مدينة أبيه وقد كان من خيار ملوك التتار واحسنهم طريقة واثبتهم على السنة واقومهم بها وقد عز اهل السنة بزمانه وذلت الرافضة بخلاف دولة أبيه ثم من بعده لم يقم للتتار قائمة بل اختلفوا فتفرقوا شذر مذر إلى زماننا هذا وكان القائم من بعده بالأمر ارتكاوون من ذرية أبغا ولم يستمر له الأمر إلا قليلا
وفي يوم الاربعاء عاشر جمادي الأولى درس بالناصرية الجوانية بدر الدين الأردبيلي عوضا عن كمال الدين ابن الشيرازي توفي وحضر عنده القضاة وفيه درس بالظاهرية البرانية الشيخ الامام المقري سيف الدين أبو بكر الحريري عوضا عن بدر الدين الأردبيلي تركها لما حصلت له الناصرية الجوانية وبعده بيوم درس بالنجيبية كاتبه إسماعيل ابن كثير عوضا عن الشيخ جمال الدين ابن قاضي الزبداني تركها حين تعين له تدريس الظاهرية الجوانية وحضر عنده القضاة والاعيان كان درسا حافلا أثنى عليه الحاضرون وتعجبوا من جمعه وترتيبه وكان ذلك في تفسير قوله تعالى إنما يخشى الله من عباده العلماء وإنساق الكلام إلى مسألة ربا الفضل وفي يوم الاحد رابع عشرة ذكر الدرس بالظاهرية المذكورة ابن قاضي الزبداني عوضا عن علاء الدين ابن القلانسي توفي وحضر عنده القضاة والأعيان وكان يوما مطيرا
وفي أول جمادي الاخرة وقع غلاء شديد بديار مصر واشتد ذلك إلى شهر رمضان وتوجه خلق كثير في رجب إلى مكة نحوا من ألفين وخمسمائة منهم عز الدين ابن جماعة وفخر الدين النويري وحسن السلامي وأبو الفتح السلامي وخلق وفي رجب كملت عمارة جسر باب الفرج وعمل عليه باسورة ورسم باستمرار فتحه إلى بعد العشاء الآخرة كبقية سائر الأبواب وكان قبل ذلك يغلق من المغرب وفي سلخ رجب أقيمت الجمعة بالجامع الذي أنشاه نجم الدين ابن خيلخان تجاه باب كيسان من القبلة وخطب فيه الشيخ الامام العلامة شمس الدين ابن قيم الجوزية وفي ثاني شعبان باشر كتابة السر بدمشق القاضي علم الدين محمد بن قطب الدين أحمد بن مفضل عوضا عن كمال الدين ابن الأثير عزل وراح إلى مصر وفي يوم الأربعاء رابع رمضان ذكر الدرس بالأمينية الشيخ بهاء الدين ابن إمام المشهد عوضا عن علاء الدين بن القلانسي وفي العشرين منه خلع على الصدر نجم الدين بن أبي الطيب بنظر الخزانة مضافا إلىما بيده من وكالة بيت المال بعد وفاة ابن القلانسي بشهور وخرج الركب الشامي يوم الاثنين ثامن شوال واميره قطلودمر الخليلي وممن حج فيه قاضي طرابلس محيي الدين بن جهبل والفخر المصري وأبن قاضي الزبداني وابن العز الحنفي وابن غانم والسخاوي وابن قيم الجوزية وناصر الدين بن البربوه الحنفي وجاءت الأخبار بوقعة جرت بين التتار قتل فيها خلق كثير منهم وانتصر على باشا وسلطانه الذي كان قد أقامه وهو موسى كاوون على اربا كاوون وأصحابه فقتل هو ووزيره ابن رشيد الدولة وجرت خطوب كثيرة طويلة وضربت البشائر بدمشق
وفي ذي القعدة خلع على ناظر الجامع الشيخ عز الدين بن المنجا بسب إكماله البطائن في الرواق الشمالي والغربي والشرقي ولم يكن قبل ذلك له بطائن وفي يوم الاربعاء سابع الحجة ذكر الدرس بالشبلية القاضي نجم الدين ابن قاضي القضاة عماد الدين الطرسوسي الحنفي وهو ابن سبع عشرة سنة وحضر عنده القضاة والأعيان وشكروا من فضله ونباهته وفرحوا لأبيه فيه وفيها عزل ابن النقيب عن قضاء حلب ووليها ابن خطيب جسرين وولى الحسبة بالقاهرة ضياء الدين يوسف بن أبي بكر بن محمد خطيب بيت الأبار خلع عليه السطان وفي ذي القعدة رسم السلطان باعتقال الخليفة المستكفي وأهله وأن يمنعوا من الاجتماع فآل أمرهم كما كان أيام الظاهر والمنصور وممن توفي فيها من الاعيان :
*3* السلطان أبو سعيد ابن خربندا
@ وكان اخر من اجتمع شمل التتار عليه ثم تفرقوا من بعده
*3* الشيخ البندنيجي
@ شمس الدين علي بن محمد بن ممدود بن عيسى البندنيجي الصوفي قدم علينا من بغداد شيخنا كبيرا راويا لأشياء كثيرة فيها صحيح مسلم والترمذي وغير ذلك وعنده فوائد ولد سنة اربع وأربعين وستمائة وكان والده محدثا فأسمعه أشياء كثيرة على مشايخ عدة وكان موته بدمشق رابع المحرم
*3* قاضي قضاة بغداد
@ قطب الدين أبو الفضائل محمد بن عمر بن الفضل التبريزي الشافعي المعروف بالأحوس سمع شيئا من الحديث واشتغل بالفقه والأصول والمنطق والعربية والمعاني والبيان كان بارعا في فنون كثيرة ودرس بالمستنصرية بعد العاقولي وفي مدارس كبار وكان حسن الخلق كثير الخير على الفقراء والضعفاء متواضعا يكتب حسنا أيضا توفي في آخر المحرم ودفن بتربة له عند داره ببغداد رحمه الله
*3* الامير صارم الدين
@ ابراهيم بن محمد بن أبي القاسم بن أبي الزهر المعروف بالمغزال كانت له مطالعة وعنده شيء من التاريخ ويحاضر جيدا ولما توفي يوم الجمعة وقت الصلاة السادس والعشرين من المحرم دفن بتربة له عند حمام العديم
*3* الامير علاء الدين مغلطاي الخازن
@ نائب القلعة وصاحب التربة تجاه الجامع المظفري من الغرب كان رجلا جيدا له أوقاف وبر وصدقات توفي يوم الجمعة بكرة عاشر صفر ودفن بتربته المذكورة
*3* القاضي كمال الدين
@ أحمد بن محمد بن محمد بن عبد الله بن هبة الله بن الشيرازي الدمشقي ولد سنة سبعين وسمع الحديث وتفقه على الشيخ تاج الدين الفزاري الشيخ زين الدين الفارقي وحفظ مختصر المزني ودرس في وقت بالبادرائية وفي وقت بالشامية البرانية ثم ولي تدريس الناصرية الجوانية مدة سنين إلى حين وفاته وكان صدرا كبيرا ذكر لقضاء قضاة دمشق غير مرة وكان حسن المباشرة والشكل توفي في ثالث صفر ودفن بتربتهم بسفح قاسيون رحمه الله
*3* الامير ناصر الدين
@ محمد بن الملك المسعود جلال الدين عبد الله بن الملك الصالح إسماعيل بن العادل كان شيخا مسنا قد اعتنى بصحيح البخاري يختصره وله فهم جيد ولديه فضيلة وكان يسكن المزة وبها توفي ليلة السبت خامس عشرين صفر وله أربع وسبعون سنة ودفن بتربتهم بالمزة رحمه الله
*3* علاء الدين
@ علي بن شرف الدين محمد بن القلانسي قاضي العسكر ووكيل بيت المال وموقع الدست ومدرس الامينية والظاهرية وغير ذلك من المناصب ثم سلبها كلها سوى التدريسين وبقي معزولا إلى حين أن توفي بكرة السبت خامس وعشرين صفر ودفن بتربتهم
*3* عز الدين أحمد بن الشيخ زين الدين
@ محمد بن أحمد بن محمود العقيلي ويعرف بابن القلانسي محتسب دمشق وناظر الخزانة كان محمود المباشرة ثم عزل الحسبة واستمر بالخزانة إلى أن توفي يوم الاثنين تاسع عشر جمادي الاولى ودفن بقاسيون
*3* الشيخ علي بن أبي المجد بن شرف بن أحمد الحمصي
@ ثم الدمشقي مؤذن البربوة خمسا وأربعين سنة وله ديوان شعروتعاليق وأشياء كثيرة مما ينكر أمرها وكان محلولا في دينه توفي جمادي الاولى أيضا
*3* الامير شهاب الدين بن برق
@ متولي دمشق شهد جنازته خلق كثير توفي ثاني شعبان ودفن بالصالحية واثنى عليه الناس
*3* الأمير فخر الدين ابن الشمس لؤلؤ
@ متولى البر كان مشكورا أيضا توفي رابع شعبان وكان شيخا كبيرا توفي ببستانه ببيت لهيا ودفن بتربته هناك وترك ذرية كثيرة رحمه الله
*3* عماد الدين إسماعيل
@ ابن شرف الدين محمد بن الوزير فتح الدين عبد الله بن محمد بن أحمد بن خالد بن صغير بن القيسراني أحد كتاب الدست وكان من خيار الناس محببا إلى الفقراء والصالحين وفيه مروءة كثيرة وكتب بمصر ثم صار إلى حلب كاتب سرها ثم انتقل إلى دمشق فأقام بها إلى أن مات ليلة الاحد ثالث عشر القعدة وصلى عليه من الغد بجامع دمشق ودفن بالصوفية عن خمس وستين سنة وقد سمع شيئا من الحديث على الابرقوهي وغيره
وفي ذي القعدة توفي شهاب الدين ابن القديسة المحدث بطريق الحجاز الشريف وفي ذي الحجة توفي الشمس محمد المؤذن المعروف بالنجار ويعرف بالبتي وكان يتكلم ونشد في المحافل والله سبحانه أعلم
*2* ثم دخلت سنة سبع وثلاثين وسبعمائة
@ استهلت بيوم الجمعة والخليفة المستكفي بالله قد اعتقله السلطان الملك الناصر ومنعه من الاجتماع بالناس ونائب الشام تنكز بن عبد الله الناصري والقضاة والمباشرون هم المذكورون في التي قبلها سوى كاتب السر فإنه علم الدين بن القطب ووالي البر الأمير بدر الدين بن قطلوبك ابن شنشنكير ووالي المدينة حسام الدين طرقطاي الجوكنداري
وفي أول يوم منها يوم الجمعة وصلت الاخبار بأن على باشا كسر جيشه وقيل إنه قتل ووصلت كتب الحجاج في الثاني والعشرين من المحرم تصف مشقة كثيرة حصلت للحجاج من موت الجمال وإلقاء الأحمال ومشى كثير من النساء والرجال فإنا لله وإنا إليه راجعون والحمد لله على كل حال
وفي آخر المحرم قدم إلى دمشق القاضي حسام الدين حسن بن محمد الغوري قاضي بغداد وكان والوزير نجم الدين محمود بن علي بن شروان الكردي وشرف الدين عثمان بن حسن البلدي فأقاموا ثلاثة أيام ثم توجهوا إلى مصر فحصل لهم قبول تام من السلطان فاستقضى الاول على الحنفية كما سيأتي واستوزر الثاني وأمر الثالث وفي يوم عاشوراء احضر شمس الدين محمد بن الشيخ شهاب الدين بن اللبان الفقيه الشافعي إلى مجلس الحكم الجلالي وحضر معه شهاب الدين بن فضل الله مجد الدين الاقصرائي شيخ الشيوخ وشهاب الدين الأصبهاني فادعى عليه بأشياء منكرة من الحلول والاتحاد والغلو في القرمطة وغير ذلك فأقر ببعضها فحكم عليه بحقن دمه ثم توسط في أمره وأبقيت عليه جهاته ومنع من الكلام على الناس وقام في صفه جماعة من الأمراء والأعيان وفي صفر احترق بقصر حجاج حريق عظيم أتلف دورا ودكاكين عديدة وفي ربيع الاول ولد للسلطان ولد فدقت البشائر وزينت البلد أياما وفي منتصف ربيع الاخر أمر الامير صارم الدين إبراهيم الحاجب الساكن تجاه جامع كريم الدين طبلخاناه وهو من كبار أصحاب الشيخ تقي الدين رحمه الله وله مقاصد حسنة صالحة وهو في نفسه رجل جيد وفيه أفرج عن الخليفة المستكفي وأطلق من البرج في حادي عشرين ربيع الاخر ولزم بيته وفي يوم الجمعة عشرين جمادي الاخرة اقيمت الجمعة في جامعين بمصر أحدهما أنشاه الأمير عز الدين أيدمر بن عبد الله الخطيري مات بعد ذلك باثني عشر يوما رحمه الله والثاني أنشأته امرأة يقال لها الست حدق دادة السلطان الناصر عند قنطرة السباع وفي شعبان سافر القاضي شهاب الدين أحمد بن شرف بن منصور النائب في الحكم بدمشق إلى قضاء طرابلس وناب بعده الشيخ شهاب الدين أحمد بن النقيب البعلبكي وفيه خلع على عز الدين بن جماعة بوكالة بيت المال بمصر وعلى ضياء الدين ابن خطيب بيت الابار بالحسبة بالقاهرة مع ما بيده من نظر الاوقاف وغيره وفيه أمر الأمير ناظر القدس بطبلخاناه ثم عاد إلى القدس

وفي عاشر رمضان قدمت من مصر مقدمتان ألفان إلى دمشق سائرة إلى بلاد سيس وفيهم علاء الدين فاجتمع به أهل العلم وهو من افاضل الحنفية وله مصنفات في الحديث وغيره
وخرج الركب الشامي يوم الاثنين عاشر شوال وأميره بهادر قبجق وقاضية محيي الدين الطرابلسي مدرس الحمصية وفي الركب تقي الدين شيخ الشيوخ وعماد الدين ابن الشيرازي ونجم الدين الطرسوسي وجمال الدين المرداوي وصاحبه شمس الدين ابن مفلح والصدر المالكي والشرف ابن القيسراني والشيخ خالد المقيم عند دار الطعم وجمال الدين بن الشهاب محمود
وفي ذي القعدة وصلت الاخبار بان الجيش تسلموا من بلاد سيس سبع قلاع وحصل لهم خير كثير ولله الحمد وفرح المسلمون بذلك وفيه كانت وقعة هائلة بين التتار انتصر فيها الشيخ وذووه وفيها نفي السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون الخليفة وأهله وذويه وكانوا قريبا من مائة نفس إلى بلاد قوص ورتب لهم هناك ما يقوم بمصالحهم فإنا لله وإنا إليه راجعون وممن توفي فيها من الاعيان :
*3* الشيخ علاء الدين بن غانم
@ أبو الحسن علي بن محمد بن سليمان بن حمائل بن علي المقدسي أحد الكبار المشهورين بالفضائل وحسن الترسل وكثرة الادب والاشعار والمروءة التامة مولده سنة إحدى وخمسين وستمائة وسمع الحديث الكثير وحفظ القرآن والتنبيه وباشر الجهات وقصده الناس في الامور المهات وكان كثير الاحسان إلى الخاص والعام توفي مرجعه في الحج في منزلة تبوك يوم الخميس ثالث عشر المحرم ودفن هناك رحمه الله ثم تبعه أخوه شهاب الدين أحمد في شهر رمضان وكان اصغر منه سنا بسنة وكان فاضلا أيضا بارعا كثير الدعابة
*3* الشرف محمود الحريري
@ المؤذن بالجامع الموي بنى حماما بالنيرب ومات في آخر المحرم
*3* الشيخ الصالح العابد
@ ناصر الدين بن الشيخ إبراهيم بن معضاد بن شداد بن ماجد بن مالك الجعبري ثم المصري ولد سنة خمسين وستمائة بقلعة جعبر وسمع صحيح مسلم وغيره وكان يتكلم على الناس ويعظهم ويستحضر أشياء كثيرة من التفسير وغيره كان فيه صلاح وعبادة توفي في الرابع والعشرين من المحرم ودفن بزاويتهم عند والده خارج باب النصر
*3* الشيخ شهاب الدين عبدا لحق الحنفي
@ أحمد بن علي بن أحمد بن علي بن يوسف بن قاضي ! الحنفيين ويعرف بابن عبدالحق الحنفي شيخ المذهب ومدرس الحنفية وغيرها وكان بارعا فاضلا دينا توفي في ربيع الاول
*3* الشيخ عماد الدين
@ إبراهيم بن علي بن عبدالرحمن بن عبدالمنعم بن نعمة المقدسي النابلسي الحنبلي الامام العالم العابد شيخ الحنابلة بها وفقيههم من مدة طويلة توفي في ربيع الاول
*3* الشيخ الامام العابد الناسك
@ محب الدين عبد الله بن احمد بن المحب عبد الله بن أحمد بن أبي بكر محمد بن إبراهيم بن أحمد بن عبدالرحمن بن إسماعيل بن منصور المقدسي الحنبلي سمع الكثير وقرأ بنفسه وكتب الطباق وانتفع الناس به وكانت له مجالس وعظ من الكتاب والسنة في الجامع الاموي وغيره وله صوت طيب بالقراءة جدا وعليه روح وسكينة ووقار وكانت مواعيده مفيدة ينتفع بها الناس وكان شيخ الاسلام تقي الدين ابن تيمية يحبه ويحب قراءته توفي يوم الاثنين سابع ربيع الاول وكانت جنازته حافلة ودفن بقاسيون وشهد الناس له بخير رحمه الله تعالى وبلغ خمسا وخسمين سنة
*3* المحدث البارع المحصل المفيد المخرج المجيد
@ ناصر الدين محمد بن طغربل بن عبد الله الصيرفي أبوه الخوارزمي الاصل سمع الكثير وقرأ بنفسه وكان سريع القراءة وقرأ الكتب الكبار والصغار وجمع وخرج شيئا كثيرا وكان بارعا في هذا الشأن رحل فأدركته منيته بحماة يوم السبت ثاني ربيع الاول ودفن من الغد بمقابر طيبة رحمه الله
*3* شيخنا الامام العالم العابد
@ شمس الدين أبو محمد عبد الله بن العفيف محمد بن الشيخ تقي الدين يوسف بن عبد المنعم بن نعمة المقدسي النابلسي الحنبلي إمام مسجد الحنابلة بها ولد سنة سبع واربعين وستمائة وسمع الكثير وكان كثير العبادة حسن الصوت عليه البهاء والوقار وسحن الشكل والسمت قرأت عليه عام ثلاث وثلاثين وسبعمائة مرجعنا من القدس كثيرا من الأجزاء والفوائد وهو والد صاحبنا الشيخ جمال الدين يوسف أحد مفتية الحنابلة وغيرهم والمشهورين بالخير والصلاح توفي يوم الخميس ثاني عشرين ربيع الاخر ودفن هناك رحمه الله
*3* الشيخ محمد بن عبد الله بن المجد
@ إبراهيم المرشدي المقيم بمنية مرشد يقصده الناس للزيارة ويضيف الناس على حسب مراتبهم وينفق نفقات كثيرة جدا ولم يكن يأخذ من أحد شيئا فيما يبدو للناس والله أعلم بحاله وأصله من قرية دهروط وأقام بالقاهرة مدة واشتغل بها ويقال إنه قرأ التنبيه في الفقه ثم انقطع بمنية مرشد واشتهر أمره في الناس وحج مرات وكان إذا دخل القاهرة يزدحم عليه الناس ثم كانت وفاته يوم الخميس ثامن رمضان ودفن بزاويته وصلى عليه بالقاهرة ودمشق وغيرها
*3* الامير أسد الدين
@ عبد القادر بن المغيث عبدالعزيز بن الملك المعظم عيسى بن العادل ولد سنة ثنتين وأربعين وستمائة وسمع الكثير وأسمع وكان يأتي كل سنة من مصر إلى دمشق ويكرم أهل الحديث ولم يبق من بعده من بني أيوب أعلا سنا منه توفي بالرملة في سلخ رمضان رحمه الله
*3* الشيخ الصالح الفاضل
@ حسن بن إبراهيم بن حسن الحاكي الحكري إمام مسجده هناك ومذكر الناس في كل جمعة ولديه فضائل وفي كلامه نفع كثير إلى أن توفي في العشرين من شوال ولم ير الناس مثل جنازته بديار مصر رحمه الله تعالى
*2* ثم دخلت سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة
@ استهلت بيوم الاربعاء والخليفة المستكفي منفي ببلاد قوص ومعه أهله وذووه ومن يلوذ به وسلطان البلاد الملك الناصر محمد بن الملك المنصور ولا نائب بديار مصر ولا وزير ونائبه بدمشق تنكز وقضاة البلاد ونوابها ومباشروها هم المذكورون في التي قبلها وفي ثالث ربيع الاول رسم السلطان بتسفير علي ومحمد ابني داود بن سليمان بن داود بن العاضد آخر خلفاء الفاطميين إلى الفيوم يقيمون به وفي يوم الجمعة ثاني عشر ربيع الآخر عزل القاضي علم الدين بن القطب عن كتابة السر وضرب وصودر ونكب بسببه القاضي فخر الدين المصري وعزل عن مدرسته الدولعية وأخذها ابن جملة والعادلية الصغيرة باشرها ابن النقيب ورسم عليه بالعذراوية مائة يوم وأخذ شيء من ماله
وفي ليلة الاحد ثالث عشرين ربيع الاول بعدالمغرب هبت ريح شديدة بمصر وأعقبها رعد وبرق وبرد بقدر الجوز وهذا شيء لم يشاهدوا مثله من أعصار متطاولة بتلك البلاد وفي عاشر جمادي الاولى استهل الغيث بمكة من أول الليل فلما انتصف الليل جاء سيل عظيم هائل لم ير مثله من دهر طويل فخرب دورا كثيرة نحوا من ثلاثين أو أكثر وغرق جماعة وكسر أبواب المسجد ودخل الكعبة وارتفع فيها نحوا من ذراع أو أكثر وجرى أمر عظيم حكاه الشيخ عفيف الدين الطبري وفي سابع عشرين من جمادي الاولى عزل القاضي جلال الدين عن قضاء مصر واتفق وصلو خبر موت قاضي الشام ابن المجد بعد أن عزل بيسير فولاه السلطان قضاء الشام فسار إليها راجعا عودا على بدء ثم عزل السلطان برهان الدين بن عبدالحق قاضي الحنفية وعزل قاضي الحنابلة تقي الدين ورسم على ولده صدر الدين بأداء ديون الناس إليهم وكانت قريبا من ثلاثمائة ألف فلما كان يوم الاثنين تاسع عشر جمادي الاخرة بعد سفر جلال الدين بخمسة أيام طلب السلطان أعيان الفقهاء إلى بين يديه فسألهم عن من يصلح للقضاء بمصر فوقع الاختيار على القاضي عز الدين ابن جماعة فولاه في الساعة الراهنة وولى قضاء الحنفية لحسام الدين حسن بن محمد الغوري قاضي بغداد وخرجا من بين يديه إلى المدرسة الصالحية وعليهما الخلع ونزل عز الدين بن جماعة من دار الحديث الكاملية لصاحبه الشيخ عماد الدين الدمياطي فدرس فيها واورد حديث إنما الاعمال النيات بسنده وتكلم عليه وعزل أكثر نواب الحكم واستمر بعضهم واستمر بالمنادي الذي أشار بتوليته ولما كان يوم خامس عشرين منه ولى قضاء الحنابلة الامام العالم موفق الدين ابو محمد عبدالله بن محمد بن عبد الملك المقدسي عوضا عن المعزول ولم يبق من القضاة سوى الاخنائي المالكي
وفي رمضان فتحت الصبابية التي أنشأها شمس الدين بن تقي الدين بان الصباب التاجر دار قرآن ودار حديث وقد كانت خربة شنيعة قبل ذلك وفي رمضان باشر علاء الدين علي ابن القاضي محيي الدين بن فضل الله كتابة السر بمصر بعد وفاة أبيه كما سيأتي ترجمته وخلع عليه وعلى أخيه بدر الدين ورسم لهما أن يحضرا مجلس السلطان وذهب أخوه شهاب الدين إلى الحج
وفي هذا الشهر سقط بالجانب الغربي من مصر بردكا لبيض وكالرمان فأتلف شيئا كثيرا ذكر ذلك البرزالي ونقله من كتاب الشهاب الدمياطي وفي ثالث عشرين رمضان درس بالقبة المنصورية بمشيخة الحديث شهاب الدين العسجدي عوضا عن زين الدين الكنائي توفي فأرود حديثا من مسند الشافعي بروايته عن الجاولي بسنده ثم صرف عنها بالحجة بالشيخ اثير الدين أبي حيان فساق حديثا عن شخيه ابن الزبير ودعا للسلطان وحضر عنده القضاة والاعيان وكان مجلسا حافلا وفي ذي القعدة حضر تدريس الشامية البرانية قاضي القضاة شمس الدين ابن النقيب عوضا عن القاضي جمال الدين ابن جملة توفي وحضر خلق كثير من الفقهاء والاعيان وكان مجلسا حافلا وفي ثاني ذي الحجة درس بالعادلية الصغيرة تاج الدين عبد الرحيم ابن قاضي القضاة جلال الدين القزويني عوضا عن الشيخ شمس الدين بن النقيب بحكم ولايته الشامية البرانية وحضر عنده القضاة والاعيان وفي هذا الشهر درس القاضي صدر الدين بن القاضي جلال الدين بالاتابكية وأخوه الخطيب بدر الدين بالغزالية والعادلية نيابة عن أبيه انتهى والله اعلم وممن توفي فيها من الاعيان :
*3* الامير الكبير بدر الدين محمد بن فخر الدين عيسى بن التركماني
@ باني جامع المقياس بديار مصر في ايام وزارته بها ثم عزل أميرا إلى الشام ثم رجع إلى مصر إلى أن توفي بها في خامس ربيع الاخر وتوفي بالحسينية وكان مشكورا رحمه الله انتهى
*3* قاضي القضاة شهاب الدين
@ محمد بن المجد بن عبد الله بن الحسين بن علي الرازي الاربلي الاصل ثم الدمشقي الشافعي قاضي الشفاعية بدمشق ولد سنة ثنتين وستين وستمائة واشتغل وبرع وحصل وأفتى سنة ثلاث وتسعين ودرس بالاقبالية ثم الرواحية وتربة أم الصالح وولى وكلة بيت المال ثم صار قاضي قضاة الشام إلى أن توفي بمستهل جمادي الاولى بالمدرسة العادلية ودفن بمقابر باب الصغير رحمه الله
*3* الشيخ الامام العالم بن المرحل
@ زين الدين محمد بن عبد الله ابن الشيخ زين الدين عمر بن مكي بن عبدالصمد بن المرسل مدرس الشامية البرانية والعذراوية بدمشق وكان قبل ذلك بمشهد الحسين وكان فاضلا بارعا فقيها أصوليا مناظرا حسن الشكل طيب الاخلاق دينا صينا وناب في وقت بدمشق عن علم الدين الاخنائي فحمدت سيرته كانت وفاته ليلة الاربعاء تاسع عشر رجب ودفن من الغد عند مسجد الديان في تربة لهم هناك وحضر جنازته القاضي جلال الدين وكان قد قدم من الديار المصرية له يومان فقط وقدم بعده القاضي برهان الدين عبدالحق بخمسة أيام هو وأهله وأولاده أيضا وباشر بعده تدريس الشامية البرانية قاضي القضاة جمال الدين ابن جملة ثم كانت وفاته بعده بشهور وذلك يوم الخميس رابع عشر ذي القعدة وهذه ترجمته في تاريخ الشيخ علم الدين البرزالي
*3* قاضي القضاة جمال الدين الصالحي
@ جمال الدين أبو المحاسن يوسف بن إبراهيم بن جملة بن مسلم بن همام بن حسين بن يوسف الصالحي الشافعي المحجي ! والده بالمدرسة السرورية وصلى عليه عقيب الظهر يوم الخميس رابع عشر ذي الحجة ودفن بسفح قاسيون ومولده في أوائل سنة ثنتين وثمانين وستمائة وسمع من ابن البخاري وغيره وحدث وكان رجلا فاضلا في فنون اشتغل وحصل وأفتى وأعاد ودرس وله فضائل جمة ومباحث وفوائد وهمة عالية وحرمة وافرة وفيه تودد وإحسان وقضاء للحقوق وولى القضاء بدمشق نيابة واستقلالا ودرس بمدارس كبار ومات هو مدرس الشامية البرانية وحضر جنازته خلق كثير من الاعيان رحمه الله
*3* شيخ الاسلام قاضي القضاة ابن البارري
@ شرف الدين أبو القاسم هبة الله ابن قاضي القضاة نجم الدين عبد الرحيم بن القاضي شمس الدين ابي الطاهر إبراهيم بن هبة الله بن مسلم بن هبة الله الجهيني الحموي المعرو بابن البارزي قاضي القضاة بحماة صاحب التصانيف الكثيرة المفيدة في الفنون العديدة ولد في خامس رمضان سنة خمس وأربعين وستمائة وسمع الكثير وحصل فنونا كثيرة وصنف كتبا جما كثيرة وكان حسن الأخلاق كثير المحاضرة حسن الاعتقاد في الصالحين وكان معظما عند الناس وأذن لجماعة من البلد في الافتاء وعمى في آخر عمره وهو يحكم مع ذلك مدة ثم نزل عن المنصب لحفيده نجم الدين عبدالرحيم بن إبراهيم وهو في ذلك لا يقطع نظره عن المنصب وكانت وفاته ليلة الاربعاء العشرين من ذي القعدة بعد أن صلى العشاء والوتر فلم تفته فريضة ولا نافلة وصلى عليه من الغد ودفن بعقبة نقيرين وله من العمر ثلاث وتسعون سنة
*3* الشيخ الامام العالم
@ شهاب الدين أحمد بن البرهان شيخ الحنفية بحلب شارح الجامع الكبير وكان رجلا صالحا منقطعا عن الناس وانتفع الناس به وكانت وفاته ليلة الجمعة الثامن والعشرين من رجب وكانت له معرفة بالعربية والقراءات ومشاركات في علوم أخر رحمه الله والله اعلم
*3* القاضي محيي الدين بن فضل الله كاتب السر
@ هو ابو المعالي يحيى بن فضل الله بن المحلي بن دعجان بن خلف العدوى العمري ولد في حادي عشر شوال سنة خمس وأربعين وستمائة بالكرك وسمع الحديث وأسمعه وكان صدرا كبيرا معظما في الدولة في حياة أخيه شرف الدين وبعده وكتب السر بالشام وبالديار المصرية وكانت وفاته ليلة الاربعاء تاسع رمضان بديار مصر ودفن من الغد بالقرافة وتولى المنصب بعده ولده علاء الدين وهو أصغر أولاده الثلاثة المعينين لهذا المنصب
*3* الشيخ الأمام العلامة ابن الكتاني
@ زين الدين ابن الكتاني شيخ الشافعية بديار مصر وهو أبو حفص عمر بن أبي الحزم بن عبدالرحمن بن يونس الدمشقي الأصل ولد بالقاهرة في حدود سنة ثلاث خمسين وستمائة واشتغل بدمشق ثم رحل إلى مصر واستوطنها وتولى بها بعض الأقضية بالحكر ثم ناب عن الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد فحمدت سيرته ودرس بمدارس كبار ولى ميشخة دار الحديث بالقبة المنصورية وكان بارعا فاضلا عنده فوائد كثيرة جدا غير أنه كان سيء الأخلاق منقبضا عن الناس لم يتزوج قط وكان حسن الشكل بهي المنظر ياكل الطيبات ويلبس اللين من الثياب وله فوائد وفوائد وزوائد على الروضة وغيرها وكان فيه استهتار لبعض العلماء فالله يسامحه وكانت وفاته يوم الثلاثاء المنتصف من رمضان ودفن بالقرافة رحمه الله انتهى
*3* الشيخ الامام العلامة ابن القويع
@ ركن الدين بن القريع أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن بن يوسف بن عبدالرحمن بن عبد الجليل الوسي الهاشمي الجعفري التونسي المالكي المعروف بابن القويع كان من اعيان الفضلاء وسادة الاذكياء ممن جمع الفنون الكثيرة والعلوم الاخروية الدينية الشرعية الطيبة وكان مدرسا بالمنكود مرية وله وظيفة في المارستان المنصوري وبها توفي في بكرة السابع عشر من ذي الحجة وترك مالا وأثاثا ورثه بيت المال
وهذا آخر ما أرخه شيخنا الحافظ علم الدين البرزالي في كتابه الذي ذيل به على تاريخ الشيخ شهاب الدين ابي شامة المقدسي وقد ذيلت على تاريخه إلى زماننا هذا وكان فراغي من الانتقاء من تاريخه في يوم الاربعاء العشرين من جمادي الاخرة من سنة إحدى وخمسين وسبعمائة احسن الله خاتمتها آمين وإلى هنا انتهى ما كتبته من لدن خلق آدم إلى زماننا هذا ولله الحمد والمنة وما أحسن ما قال الحريري
وإن تجد عيبا فسد الخللا * فجل من لا عيب فيه وعلا
كتبه إسماعيل بن كثير بن صنو القرشي الشافعي عفا الله تعالى عنه آمين
*2* ثم دخلت سنة تسع وثلاثين وسبعمائة
@ استهلت وسلطان الاسلام والمسلمين بالديار المصرية وما والاها والديار الشامية وما والاها والحرمين الشريفين الملك الناصر محمد بن الملك المنصور قلاوون ولا نائب له ولا وزير أيضا بمصر وقاضة مصر أما الشافعي فقاضي القضاة عز الدين ابن قاضي القشاة صدر الدين محمد بن إبراهيم بن جماعة وأما الحنفي فقاضي القضاة حسام الدين الغوري حسن بن محمد وأما المالكي فتقي الدين الاخنائي وأما الحنبلي فموفق الدين بن نجا المقدسي ونائب الشام الامير سيف الدين تنكز وقضاته جلال الدين القزويني الشافعي المعزول عن الديار المصرية والحنفي عماد الدين الطرسوسي والمالكي شرف الدين الهمداني والحنبلي علاء الدين بن المنجا التنوخي
ومما حدث في هذه السنة إكمال دار الحديث السكرية وباشر مشيخة الحديث بها الشيخ الامام الحافظ مؤرخ الاسلام محمد بن شمس الدين محمد بن أحمد الذهبي وقرر فيها ثلاثون محدثا لكل منهم جراية وجامكية كل شهر سبعة دراهم ونصف رطل خبز وقرر للشيخ ثلاثون رطل خبز وقرر فيها ثلاثون نفرا يقرؤون القرآن لكل عشرة شيخ ولكل واحد من القراء نظير ما للمحدثين ورتب لها إمام وقارئ حديث ونواب ولقارئ الحديث عشرون درهما وثمان أواق خبز وجاءت في غاية الحسن في شكالاتها وبنائها وهي نجاه دار الذهب التي أنشأها الواقف الأمير تنكز ووقف عليها عدة أماكن منها سوق القشاشيين بباب الفرج طوله عشرون ذراعا شرقا وغربا سماه في كتاب الوقف وبندر زيدين وحمام بحمص وهو الحمام القديم ووقف عليها حصصا في قرايا أخر ولكنه تغلب على ما عدا القشاشيين وبندر زيدين وحمام حمص
وفيها قدم القاضي تقي الدين علي بن عبد الكافي السبكي الشافعي من الديار المصرية حاكما على دمشق وأعمالها وفرح الناس به ودخل الناس يسلمون عليه لعلمه وديانته وأمانته ونزل بالعادلية الكبيرة على عادة من تقدمه ودرس بالغزالية والاتابكية واستناب ابن عمه القاضي بهاء الدين أبو البقاء ثم استناب ابن عمه أبا الفتح وكانت ولايته الشام بعد وفاة قاضي القضاة جلال الدين محمد بن عبد الرحيم القزويني الشافعي على ما سيأتي بيانه في الوفيات من هذه السنة
وممن توفي فيها من الاعيان في المحرم سنة تسع وثلاثين وسبعمائة
*3* العلامة قاضي القضاة فخر الدين
@ عثمان بن الزين علي بن عثمان الحلبي ابن خطيب جسرين الشافعي ولي قضاء حلب وكان إماما صنف شرح مختصر ابن الحاجب في الفقه وشرح البديع لابن الساعاتي وله فوائد غزيرة ومصنفات جليلة تولى حلب بعد عزل الشيخ ابن النقيب ثم طلبه السلطان فمات هو وولده الكمال وله بضع وسبعون سنة وممن توفي فيها
*3* قاضي القضاة جلال الدين محمد بن عبد الرحمن
@ القزويني الشافعي قدم هو وأخوه أيام التتر من بلادهم إلى دمشق وهما فاضلان بعدالتسعين وستمائة فدرس إمام الدين في تربة أم الصالح وأعاد جلال الدين بالبادرائية عند الشيخ برهان الدين ابن الشيخ تاج الدين شيخ الشافعية ثم تقلبت بهم الاحوال إلى أن ولي إمام الدين قضاء الشفاعية بدمشق انتزع له من يد القاضي بدر الدين ابن جماعة ثم هرب سنة قازان إلى الديار المصرية مع الناس فمات هنالك وأعيد ابن جماعة إلى القضاء وخلت خطابة البلد سنة ثلاث وسبعمائة فوليها جلال الدين المذكور ثم ولي القضاء بدمشق سنة خمس وعشرين مع الخطابة ثم انتقل إلى الديار المصرية سنة سبع وعشرين بعد أن عجز قاضي القضاة بدر الدين بن جماعة بسبب الضرر في عينيه فلما كان في سنة ثمان وثلاثين تعصب عليه السلطان اللمك الناصر بسبب أمور يطول شرحها ونفاه إلى الشام واتفق موت قاضي القضاة شهاب الدين بن المجد عبد الله كما تقدم فولاه السلطان قضاء الشام عودا على بدء فاستناب ولده بدر الدين على نيابة القضاء الذي هو خطيب دمشق كانت وفاته في أواخر هذه السنة ودفن بالصوفية وكانت له يد طولى في المعاني والبيان ويفتى كثيرا وله مصنفات في المعاني مصنف مشهور اسمه للتخليص اختصر فيه المفتاح للسكاكي وكان مجموع الفضائل مات وكان عمره قريبا من السبعين أو جاوزها وممن توفي فيها رابع الحجة يوم الاحد
*3* الشيخ الأمام الحافظ ابن البرزالي
@ علم الدين أبو محمد القاسم بن محمد بن البرزالي مؤرخ الشام الشافعي ولد سنة وفاة الشيخ ابن أبي شامة سنة خمس وستين وستمائة وقد كتب تاريخا ذيل به على الشيخ شهاب الدين من حين وفاته ومولد البرزالي إلى أن توفي في هذه السنة وهو محرم فغسل وكفن ولم يستر رأسه وحمله الناس على نعشه وهم يبكون حوله وكان يوما مشهودا وسمع الكثير أزيد من ألف شيخ وخرج له المحدث شمس الدين ابن سعد مشيخة لم يكملها وقرأ شيئا كثيرا وأسمع شيئا كثيرا وكان له خط حسن وخلق حسن وهو مشكور عند القضاة ومشايخه أهل العلم سمعت العلامة ابن تيمية يقول نقل البرزالي نقر في حجر وكان أصحابه من كل الطوائف يحبونه ويكرمونه وكان له أولاد ماتوا قبله وكتبت ابنته فاطمة البخاري في ثلاثة عشر مجلدا فقابله لها كان يقرأ فيه على الحافظ المزي تحت القبة حتى صارت نسختها أصلا معتمدا يكتب منها الناس وكان شيخ حديث بالنورية
وفيها وقف كتبه بدار الحديث السنية وبدار الحديث القوصية وفي الجامع وغيره وعلى كراسي الحديث وكان متواضعا محببا إلى الناس متوددا إليهم توفي عن اربع وسبعين سنة رحمه الله
*3* المؤرخ شمس الدين
@ محمد بن إبراهيم الجوزي جمع تاريخا حافلا كتب فيه أشياء يستفيد منها الحافظ كالمزي والذهبي والبرزالي يكتبون عنه ويعتمدون على نقله وكان شيخا قد جاوز الثمانين وثقل سمعه وضعف خطه وهو والد الشيخ ناصر الدين محمد واخوه مجد الدين
*2* ثم دخلت سنة أربعين وسبعمائة
@ استهلت هذه السنة وسلطان المسلمين الملك الناصر وولاته وقضاته المذكورون في التي قبلها إلا الشافعي بالشام فتوفي القزويني وتولى العلامة السبكي ومما وقع الحوادث العظيمة الهائلة أن جماعة من رؤس النصارى اجتمعوا في كنيستهم وجمعوا من بيتهم مالا جزيلا فدفعوه إلى راهبين قدما عليها من بلاد الروم يحسنان صنعة النفط اسم أحدهما ملاني والاخر عازر فعملا كحطا من نفط وتلطفا حتى عملاه لا يظهر تأثيره لا بعد أربع ساعات وأكثر من ذلك فوضعا في شقوق دكاكين التجار في سوق الرجال عند الدهشة في عدة دكاكين من آخر النهار بحيث لا يشعر أحد بهما وهما في زي المسلمين فلما كان في أثناء الليل لم يشعر الناس إلا والنار قد عملت في تلك الدكاكين حتى تعلقت في دباربزينات المأذنة الشرقية المتجهة للسوق المذكور وأحرقت درابزينات وجاء نائب السلطنة تنكز والأمراء أمراء الألوف وصعدوا المنارة وهي تشعل نارا واحترسوا عن الجامع فلم ينله شيء من الحريق ولله الحمد والمنة وأما المأذنة فإنها تفجرت احجارها واحترقت السقالات التي تدل السلالم فهدمت وأعيد بناؤها بحجارة جدد وهي المنارة الشرقية التي جاء في الحديث أنه ينزل عليها عيسى ابن مريم كما سيأتي الكلام عليه في نزول عيسى عليه السلام والبلد محاصر بالدجال
والمقصود أن النصارى بعد ليال عمدوا إلىناحية الجامع من المغرب إلى القيسارية بكمالها وبما فيها من الأقواس والعدد فإنا لله وإنا إليه راجعون وتطاير شرر النار إلى ما حول القيسارية من الدور والمساكن والمدارس واحترق جانب من المدرسة الأمينية إلى جانب المدرسة المذكور وما كان مقصودهم الا وصول النار إلى معبد المسلمين فحال الله بينهم وبين ما يرومون وجاء نائب السلطنة والأمراء وحالوا بين الحريق والمسجد جزاهم الله خيرا ولما تحقق نائب السلطنة أن هذا من فعلهم أمر بمسك رؤس النصارى فأمسك منهم نحوا من ستين رجلا فأخذوا بالمصادرات والضرب والعقوبات وأنواع المثلات ثم بعد ذلك صلب منهم أزيد من عشرة على الجمال وطاف بهم في أرجاء البلاد وجعلوا يتماوتون واحدا بعد واحد ثم أحرقوا بالنار حتى صاروا رمادا لعنهم الله انتهى والله أعلم
*3* سبب مسك تنكز
@ لما كان يوم الثلاثاء الرابع والعشرين من ذي الحجة جاء الامير طشتمر من صغد مسرعا وركب جيش دمشق ملبسا ودخل نائب السلطنة من قصره مسرعا إلى دار السعادة وجاء الجيش فوقفوا على باب النصر وكان أراد أن يلبس ويقابل فعذلوه في ذلك وقالوا المصلحة الخروج إلى السلطان سامعا مطيعا فخرج بلا سلاح فلما برز إلى ظاهر البلد التف عليه الفخري وغيره وأخذوه وذهبوا به إلى ناحية الكسوة فلما كان عند قبة يلبغا نزلوا وقيدوه وخصاياه من قصره ثم ركب البريد وهو مقيد وساروا به إلى السلطان فلما وصل أمر بمسيره إلى الاسكندرية وسألوا عن ودائعه فأقر ببعض ثم عوقب حتى أقر بالباقي ثم قتلوه ودفنوه بالاسكندرية ثم نقلوه إلى تربته بدمشق رحمه الله وقد جاوز الستين وكان عادلا مهيبا عفيف الفرج واليد والناس في أيامه في غاية الرخص والأمن والصيانة فرحمه الله وبل بالرحمة ثراه
وله أوقاف كثيرة من ذلك مرستان بصغد وجامع بنابلس وعجلون وجامع بدمشق ودار حديث بالقدس ودمشق ومدرسة وخانقاه بالقدس ورباط وسوق موقوف على المسجد الاقصى وفتح شباكا في المسجد انتهى والله تعالى أعلم وممن توفي فيها من الاعيان:
*3* أمير المؤمنين المستكفي بالله
@ أبو الربيع سليمان بن الحاكم بأمر الله بن العباس أحمد بن أبي علي الحسن بن أبي بكر بن علي ابن أمير المؤمنين المسترشد بالله الهاشمي العباسي البغدادي الأصل والمولد مولده سنة ثلاث وثمانين وستمائة أو في التي قبلها وقرأ واشتغل قليلا وعهد إليه أبوه بالأمر وخطب له عند وفاة والده سنة إحدى وسبعمائة وفوض جميع ما يتعلق به من الحل والعقد إلى السلطان الملك الناصر وسار إلى غزو التتر فشهد مصاف شقحب ودخل دمشق في شعبان سنة اثنتين وسبعمائة وهو راكب مع السلطان وجميع كبراء الجيش مشاة ولما أعرض السلطان عن الامر وانعزل بالكرك النمس الأمراء من المستكفي أن يسلطن من ينهض بالملك فقلد الملك المظفر ركن الدين بيبرس الجاشنكير وعقد له اللواء وألبسه خلعة السلطنة ثم عاد الناصر إلى مصر وعذر الخليفة في فعله ثم غضب عليه وسيره إلى قوص فتوفى في هذه السنة في قوص في مستهل شعبان
*2* ثم دخلت سنة إحدى واربعين وسبعمائة
@ استهلت يوم الاربعاء وسلطان المسلمين الملك الناصر محمد بن الملك المنصور قلاوون وقضاته بمصر هم المذكورون في التي قبلها وليس في دمشق نائب سلطنة وإنما الذي يسد الامور الامير سيف الدين طشتمر الملقب بالحمص الأخضر الذي جاء بالقبض على الأمير سيف الدين تنكز ثم جاء المرسوم بالرجوع إلى صغد فركب من آخر النهار وتوجه إلى بلده وحواصل الأمير تنكز تحت الحوطة كما هي
وفي صبيحة يوم السبت رابع المحرم من السنة المذكورة قدم من الديار المصرية خمسة امراء الامير سيف الدين بشتك الناصري ومعه برصبغا الحاجب وطاشار الدويدار وبنعراوبطا فنزل بشتاك بالقصر الابلق والميادين وليس معه من مماليكه إلا القليل وإنما جاء لتجديد البيعة إلى السلطان لما توهموا من ممالأة بعض الأمراء لنائب الشام المنفصل وللحوطة على حواصل الأمير سيف الدين تنكز المنفصل عن نيابة الشام وتجهيزها للديار المصرية وفي صبيحة يوم الاثنين سادسه دخل الامير علاء الدين الطنبغا إلى دمشق نائبا وتلقاه الناس وبشتك والأمراء المصريون ونزلوا إلى عتبته فقبلوا العتبة الشريفة ورجعوا معه إلى دار السعادة وقرئ تقليده وفي يوم الاثنين ثالث عشرة مسك من الأمراء المقدمين أميران كبيران الجي بغا العادلي وطنبغا الحجي ورفعا إلى القعلة المنصورة واحتيط على حواصلهما وفي يوم الثلاثاء تحملوا بيت ملك الأمراء سيف الدين تنكز وأهله وأولاده إلى الديار المصرية وفي يوم الأربعاء خامس عشرة ركب نائب السلطنة الامير علاء الدين طنبغا ومعه الأمير سيف الدين بشتك الناصري والحاجة رقطية وسيف الدين قطلوبغا الفخري
وجماعة من الأمراء المقدمين واجتمعوا بسوق الخيل واستدعوا بمملوكي الأمير سيف الدين تنكز وهما جغاي وطغاي فأمر بتوسيطهما فوسطا وعلقا على الخشب ونودي عليهما هذا جزاء من تجاسر على السلطان الناصر
وفي يوم الثلاثاء الحادي والعشرين من هذا الشهر كانت وفاة الامير سيف الدين تنكز نائب الشام بقلعة اسكندرية قيل مخنوقا وقيل مسموما وهو الأصح وقيل غير ذلك وتأسف الناس عليه كثيرا وطال حزنهم عليه وفي كل وقت يتذكرون ما كان منه من الهيبة والصيانة والغيرة على حريم المسلمين ومحارم الاسلام ومن إقامته على ذوي الحاجات وغيرهم ويشتد تأسفهم عليه رحمه الله وقد أخبر القاضي أمين الدين ابن القلانسي رحمه الله شيخنا الحافظ العلامة عماد الدين ابن كثير رحمه الله أن الامير سيف الدين تنكز مسك يوم الثلاثاء ودخل مصر يوم الثلاثاء ودخل الاسكندرية يوم الثلاثاء وتوفي يوم الثلاثاء وصلى عبيه بالاسكندرية ودفن بمقبرتها في الثالث والعشرين من المحرم بالقرب من قبر القباري وكانت له جنازة جيدة
وفي يوم الخميس سابع شهر صفر قدم الامير سيف الدين طشتمر الذي مسك تنكز إلى دمشق فنزل بوطأة برزة بجيشه ومن معه ثم توجه إلى حلب المحروسة نائبا بها عوضا عن الطنبغا المنفصل عنها وفي صبيحة يوم الخميس ثالث عشر ربيع الاول نودي في البلد بجنازة الشيخ الصالح العابد الناسك القدوة الشيخ محمد بن تمام توفي بالصالحية فذهب الناس إلى جنازته إلى الجامع المظفري واجتمع الناس على صلاة الظهر فضاق الجامع المذكور عن أن يسعهم وصلى الناس في الطرقات وأرجاء الصالحية وكان الجمع كثيرا جدا لم يشهد الناس جنازة بعد جنازة الشيخ تقي الدين بن تيمية مثلها لكثرة من حضرها من الناس رجالا ونساء وفيهم القضاة والاعيان والأمراء وجمهور الناس يقاربون عشرين ألفا وانتظر الناس نائب السلطنة فاشتغل بكتاب ورد عليه من الديار المصرية فصلى عليه الشيخ بعد صلاة الظهر بالجامع المظفري ودفن عند اخيه
في تربة بين تربة الموفق وبين تربة الشيخ ابي عمر رحمهم الله وإيانا وفي أول شهر جمادي الاولى توفيت الشيخة العابدة الصالحة العالمة قارئة القرآن أم فاطمة عائشة بنت إبراهيم بن صديق زوجة شيخنا الحافظ جمال الدين المزي عشية يوم الثلاثاء مستهل هذا الشهر وصلى عليها بالجامع صبيحة يوم الاربعاء ودفنت بمقابر الصوفية غربي قبر الشيخ تقي الدين بن تيمية رحمهم الله كانت عديمة النظير في نساء زمانها لكثرة عبادتها وتلاوتها وإقرائها القرآن العظيم بفصاحة وبلاغة وأداء صحيح يعجز كثير من الرجال عن تجويده وختمت نساء كثيرا وقرأ عليها من النساء خلق وانتفعن بها وبصلاحها ودينها وزهدها في الدنيا وتقللها منها مع طول العمر بلغت ثمانين سنة أنفقتها في طاعة الله صلاة وتلاوة وكان الشيخ محسنا إليها مطيعا لا يكاد يخالفها لحبه لها طبعا وشرعا فرحمها الله وقدس روحها ونور مضجها بالرحمة آمين
وفي يوم الاربعاء الحادي والعشرين منه درس بمدرسة الشيخ أبي عمر بسفح قاسيون الشيخ الامام شمس الدين محمد بن أحمد بن عبدالهادي المقدسي الحنبلي في التدريس البكتمري عوضا عن القاضي برهان الدين الزرعي وحضر عنده المقادسة وكبار الحنابلة ولم يتمكن أهل المدينة من الحضور لكثرة المطر والوحل يومئذ وتكامل عمارة المنارة الشرقية في الجامع الأموي في العشر الاخير من رمضان واستحسن الناس بناءها وإتقانها وذكر بعضهم أنه لم يبن في الاسلام منارة مثلها ولله الحمد ووقع لكثير من الناس في غالب ظنونهم أنها المنارة البيضاء الشرقية التي ذكرت في حديث النواس بن سمعان في نزول عيسى ابن مريم على المنارة البيضاء في شرقي دمشق فلعل لفظ الحديث انقلب على بعض الرواة وإنما كان على المنارة الشرقية بدمشق وهذه المنارة مشهورة بالشرقية بمقابلتها أختها الغربية والله سبحانه وتعالى أعلم
وفي يوم الثلاثاء سلخ شهر شوال عقد مجلس في دار العدل بدار السعادة وحضرته يومئذ واجتمع القضاة والاعيان على العادة وأحضر يومئذ عثمان الدكاكي قبحه الله تعالى وادعى عليه بعظائم من القول لم يؤثر مثلها عن الحلاج ولا عن ابن أبي الغدافر السلقماني وقامت عليه البينة بدعوى الآلهية
لعنه الله وأشياء أخر من التنقيص بالانبياء ومخالطته أرباب الريب نم الباجريقية وغيرهم من الاتحادية عليهم لعائن الله ووقع منه في المجلس من إساءة الأدب على القاضي الحنبلي وتضمن ذلك تكفيره من المالكية أيضا فادعى أن له دوافع وقوادح في بعض الشهود فرد إلى السجن مقيدا مغلولا مقبوحا أمكن الله منه بقوته وتأييده ثم لما كان يوم الثلاثاء الحادي والعشرين من ذي القعدة أحضر عثمان الدكاكي المذكور إلى دار السعادة واقيم إلى بين يدي الامراء والقضاة وسئل عن القوادح في الشهود فعجز فلم يقدر وعجز عن ذلك فتوجه عليه الحكم فسئل القاضي المالكي الحكم عليه فحمد الله وأثنى عليه وصلى على رسوله ثم حكم باراقة دمه وإن تاب فأخذ المذكور فضربت رقبته بدمشق بسوق الخيل ونودي عليه هذا جزءا من يكون على مذهب الاتحادية وكان يوما مشهودا بدار السعادة حضر خلق من الاعيان والمشايخ وحضر شيخنا جمال الدين المزي الحافظ وشيخنا الحافظ شمس الدين الذهبي وتكلما وحرضا في القضية جدا وشهدا بزندقة المذكور بالاستفاضة وكذا الشيخ زين الدين أخو الشيخ تقي الدين بن تيمية وخرجا القضاة الثلاثة المالكي والحنفي والحنبلي وهم نفذوا حكمه في المجلس فحضورا قتل المذكور وكنت مباشرا لجميع ذلك من أوله إلى آخره
وفي يوم الجمعة الثامن والعشرين من ذي القعدة أفرج عن الاميرين العقيلين بالقلعة وهما طنبغا حجا والجي بغا وكذلك افرج عن خزاندارية تنكز الذين تأخروا بالقلعة وفرح الناس بذلك
*3* ذكر وفاة الملك الناصر محمد بن قلاوون
@ في صبيحة يوم الاربعاء السابع والعشرين من ذي الحجة قدم إلى دمشق الامير سيف الدين قطلوبغا الفخري فخرج نائب السلطنة وعامة الأمراء لتلقيه وكان قدومه على خيل البريد فأخبر بوفاة السلطان الملك الناصر كانت وفاته يوم الاربعاء آخره وأنه صلى عليه ليلة الجمعة بعد العشاء ودفن مع ابيه الملك المنصور على ولده ! اتوك وكان قبل موته أخذ العهد لابنه سيف الدين ابي بكر ولقبه بالملك المنصور فلما دفن السلطان يلية الجمعة حضره من الأمراء قليل وكان قد ولى عليه الأمير علم الدين الجاولي ورجل آخر منسوب إلى الصلاح يقال له الشيخ عمر بن محمد بن إبراهيم الجعبري وشخص آخر من الجبارية ودفن كما ذكرنا ولم يحضر ولده ولي عهده دفنه ولم يخرج من القلعة ليلتئذ عن مشورة الأمراء لئلا يتخبط الناس وصلى عليه القاضي عز الدين بن جماعة إماما والجاولي وايدغمش وأمير آخر والقاضي بهاء الدين بن حامد بن قاضي دمشق السبكي وجلس الملك المنصور سيف الدنيا والدين ابو المعالي أبو بكر على سرير المملكة وفي صبيحة يوم الخميس الحادي والعشرين من ذي الحجة سنة إحدى وأربعين وسبعمائة بايعه
الجيش المصري وقدم الفخري لأخذ البيعة من الشاميين ونزل بالقصر الابلق وبايع الناس للملك المنصور بن الناصر بن المنصور ودقت البشائر بالقلعة المنصورة بدمشق صبيحة يوم الخميس الثامن والعشرين منه وفرح الناس بالملك الجديد وترحموا على الملك ودعوا له وتاسفوا عليه رحمه الله
*2* ثم دخلت سنة إثنتين وأربعين وسبعمائة
@ استهلت بيوم الاحد وسلطان الاسلام بالديار المصرية والبلاد الشامية وما والاها الملك المنصور سيف الدين أبو بكر بن الملك السلطان الناصر ناصر الدين محمد بن السلطان الملك المنصور سيف الدين قلاوون الصالحي ونائب الشام الامير علاء الدين طنبغا وقضاة الشام ومصرهم المذكورون في التي قبلها وكذا المباشرون سوى الولاة شهر الله المحرم
*3* ولاية الخليفة الحاكم بأمر الله
@ وفي هذا اليوم بويع بالخلافة أمير المؤمنين أبو القاسم أحمد بن المستكفي بالله أبي الربيع سليمان العباسي ولبس السواد وجلس مع الملك المنصور على سرير المملكة وألبسه خلعة سوداء أيضا فجلسا وعليهما السواد وخطب الخليفة يومئذ خطبة بليغة فصيحة مشتملة على أشياء من المواعظ والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وخلع يومئذ على جماعة من الأمراء والاعيان وكان يوما مشهودا وكان أبو القاسم هذا قد عهد إليه أبوه بالخلافة ولكن لم يمكنه الناصر من ذلك وولى أبا إسحاق إبراهيم ابن أخي أبي الربيع ولقبه الواثق بالله وخطب له بالقاهرة جمعة واحدة فعزله المنصور وقرر أبا القاسم هذا وأمضى العهد ولقبه المستنصر بالله كما ذكرنا
وفي يوم الاحد ثامن المحرم مسك الامير سيف الدين بشتك الناصري آخر النهار وكان قد كتب تقليده بنيابة الشام وخلع عليه بذلك وبرز ثقله ثم دخل على الملك المنصور ليودعه فرحب به واجلسه واحضر طعاما وأكلا ونأسف الملك على فراقه وقال تذهب وتتركني وحدي ثم قام لتوديعه وذهب بشتك من بين يديه ثماني خطوات أو نحوها ثم تقدم إليه ثلاثة نفر فقطع أحدهم سيفه من سوطه بسكين ووضع الاخر يده على فمه وكتفه الاخر وقيدوه وذلك كله بحضرة السلطان ثم غيب ولم يدر أحد إلى أين صار ثم قالوا لمماليكه اذهبوا انتتم فائتوا بمركوب الامير غدا فهو بائت عند السلطان وأصبح السلطان وجلس على سرير المملكة وأمر بمسك جماعة من الأمراء وتسعة من الكبار واحتاطوا على حواصله وأمواله وأملاكه فيقال إنه وجد عنده من الذهب ألف ألف دينار وسبعمائة الف دينار
*3* وفاة شيخنا الحافظ أبي الحجاج المزي
@ تمرض أياما يسيرة مرضا لا يشغله عن شهود الجماعة وحضور الدروس وإسماع الحديث فلما كان يوم الجمعة حادي عشر صفر أسمع الحديث إلى قريب وقت الصلاة ثم دخل منزله ليتوضأ ويذهب للصلاة فاعترضه في باطنه مغص عظيم ظن أنه قولنج وما كان إلا طاعون فلم يقدر على حضور الصلاة فلما فرغنا من الصلاة أخبرت بانه منقطع فذهبت إليه فدخلت عليه فإذا هويرتعد رعدة شديدة من قوة الالم الذي هو فيه فسألته عن حاله فجعل يكرر الحمد الله ثم أخبرني بما حصل له من المرض الشديد وصلى الظهر بنفسه ودخل إلى الطهارة وتوضأ على البركة وهو في قوة الوجع ثم اتصل به هذا الحال إلى الغد من يوم السبت فلما كان وقت الظهر لم أكن حاضره إذ ذاك لكن أخبرتنا بنته زينب زوجتي أنه لما أذن الظهر تغير ذهنه قليلا فقالت يا أبة أذن الظهر فذكر الله وقال اريد أن اصلي فتيمم وصلى ثم اضطجع فجعل يقرأ آية الكرسي حتى جعل لا يفيض بها لسانه ثم قبضت روحه بين الصلاتين رحمه الله يوم السبت ثاني عشر صفر فلم يمكن تجهيزه تلك الليلة فلما كان من الغد يوم الاحد ثالث عشر صفر صبيحة ذلك اليوم غسل وكفن وصلى عليه بالجامع الاموي وحضر القضاة والاعيان وخلائق لا يحصون كثرة وخرج بجنازته من باب النصر وخرج نائب السلطنة الامير علاء الدين طنبغا ومعه ديوان السلطان والصاحب وكاتب السر وغيرهم من الامراء فصلوا علي خارج باب النصر أمهم عليه القاضي تقي الدين السبكي الشافعي وهو الذي صلى عليه بالجامع الاموي ثم ذهب به إلى مقابر الصوفية فدفن هناك إلى جانب زوجته المرأة الصالحة الحافظة لكتاب الله عائشة بن إبراهيم بن صديق غربي قبر الشيخ تقي الدين بن تيمية رحمهم الله أجمعين
*3* كائنة غريبة جدا
@ قدم يوم الاربعاء الثلاثين من صفر أمير من الديار المصرية ومعه البيعة للملك الاشرف علاء الدين كحك بن الملك الناصر وذلك بعد عزل أخيه المنصور لما صدر عنه من الافعال التي ذكر أنه تعاطاها من شرب المسكر وغشيان المنكرات وتعاطى ما لا يليق به ومعاشرة الخاصكية من المردان وغيرهم فتمالأ على خلعه كبار الأمراء لما رأوا الأمر تفاقم إلى الفساد العريض فأحضروا الخليفة الحاكم بأمر الله أبي الربيع سليمان فأثبت بين يديه ما نسب إلى الملك المنصور المذكور من الامور فحينئذ خلعه وخلعه الأمراء الكبار وغيرهم واستبدلوا مكانه اخاه هذا المذكور وسيروه إذ ذاك إلى قوص مضيقا عليه ومع إخوة له ثلاثة وقيل أكثر وأجلسوا الملك الأشرف هذا على السرير وناب له الأمير سيف الدين قوصون الناصري واستمرت الامور على السداد وجاءت إلى الشام فبايعه الأمراء يوم الأربعاء المذكور وضربت البشائر عشية الخميس مستهل ربيع الاو وخطب له بدمشق يوم الجمعة بحضرة نائب السلطنة والقضاة والامراء
وفي يوم الاربعاء سابع عشر ربيع الاول حضر بدار الحديث الاشرفية قاضي القضاة تقي الدين السبكي عوضا عن شيخنا الحافظ جمال الدين المزي ومشيخة دار الحديث النورية عوضا عن ابنه رحمه الله وفي شهر جمادي الاولى اشتهر أن نائب حلب الأمير سيف الدين طشتمر الملقب بالحمص الأخضر قائم في نصرة ابن السلطان الامير أحمد الذي بالكرك وأنه يستخدم لذلك ويجمع الجموع فالله أعلم وفي العشر الثاني منه وصلت الجيوش صحبة الامير سيف الدين قطلوبغا الفخري إلى الكرك في طلب ابن السلطان الامير أحمد وفي هذا الشهر كثر الكلام في امر الأمير أحمد بن الناصر الذي بالكرك بسبب محاصرة الجيش الذي صحبة الفخري له واشتهر أن نائب حلب الأمير سيف الدين طشتمر الملقب بالحمص الأخضر قائم بجنب اولاد السلطان الذين أخرجوا من الديار المصرية إلى الصعيد وفي القيام بالمدافعة عن الأمير أحمد ليصرف عنه الجيش وترك حصاره وعزم بالذهاب إلى الكرك لنصرة أحمد ابن استاذه وتهيأ له نائب الشام بدمشق ونادى في الجيش لملتقاه ومدافعته عما يريد من إقامة الفتنة وشق العصا واهتم الجند لذلك وتأهبوا واستعدوا ولحقهم في ذلك كلفة كثيرة وانزعج الناس بسبب ذلك وتخوفوا ان تكون فتنة وحسبوا إن وقع قتال بينهم أن تقوم العشيرات في الجبال وحوران وتتعطل مصالح الزراعات وغير ذلك ثم قدم من حلب صاحب السلطان في الرسلية إلى نائب دمشق الامير علاء الدين الطنبغا ومع مشافهة فاستمع لها فبعث معه صاحب الميسرة أمان الساقي فذهبا إلى حلب ثم رجعا في أواخر جمادي الآخرة وتوجها إلى الديار المصرية واشتهر أن الأمر على ما هو عليه حتى توافق على ما ذكر من رجوع أولاد الملك الناصر إلى مصر ما عدا المنصور وأن يخلى عن محاصرة الكرك
وفي العشر الأخير من جمادي الاولى توفي مظفر الدين موسى بن مهنا ملك العرب ودف بتدمر وفي صبيحة يوم الثلاثاء ثاني جمادي الاخرة عند طلوع الشمس توفي الخطيب بدر الدين محمد بن القاضي جلال الدين القزويني بدار الخطابة بعد رجوعه من الديار المصرية كما قدمنا فخطب جمعة واحدة وصلى بالناس إلى ليلة الجمعة الأخرى ثم مرض فخطب عنه أخوه تاج الدين عبدالرحيم على العادة ثلاثة جمع وهو مريض إلى أن توفي يومئذ وتأسف الناس عليه لحسن شكله وصباحة وجهه وحسن ملتقاه وتواضعه واجتمع الناس للصلاة عليه للظهر فتأخر تجهيزه إلى العصر فصلى عليه بالجامع قاضي القضاة تقي الدين السبكي وخرج به الناس إلى الصوفية وكانت جنازته حافلة جدا فدفن عند أبيه بالتربة التي أنشأها الخطيب بدر الدين هناك رحمه الله
وفي يوم الجمعة خامس الشهر بعد الصلاة خرج نائب السلطنة الأمير علاء الدين الطنبغا وجميع الجيش قاصدين للبلاد الحلبية للقبض على نائب حلب الأمير سيف الدين طشتمر لأجل ما أظهر من القيام مع ابن السلطان الأمير أحمد الذي في الكرك وخرج الناس في يوم شديد المطر كثير الوحل وكان يوما مشهدا عصيبا أحسن الله العقابة وأمر القاضي تقي الدين السبكي الخطيب المؤذنين بزيادة أذكار على الذي كان سنه فيهم الخطيب بدر الدين من التسبيح والتحميد والتهليل الكثير ثلاثا وثلاثين فزادهم السبكي قبل ذلك استغفر الله العظيم ثلاثا اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت ياذا الجلال والاكرام ثم أثبت ما في صحيح مسلم بعد صلاتي الصبح والمغرب اللهم اجرنا من النار سبعا اعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق ثلاثا وكانوا قبل تلك السنوات قد زادوا بعد التأذين الآية ليلة الجمعة والتسليم على رسول الله صلى الله عليه وسلم يبتدئ الرئيس منفردا ثم يعيد عليه الجماعة بطريقة حسنة وصار ذلك سببا لاجتماع الناس في صحن الجامع لاستماع ذلك وكلما كان المتبدىء حسن الصوت كانت الجماعة أكثر اجتماعا ولكن طال بسبب ذلك الفصل وتأخرت الصلاة عن أول وقتها انتهى
*3* كائنة غريبة جدا
@ وفي ليلة الاحد عشية السبت نزل الامير سيف الدين قطلوبغا الفخري بظاهر دمشق بين الجسورة وميدان الحصى بالاطلاب الذين جاءوا معه من البلاد المصرية لمحاصرة الكرك للقبض على ابن السلطان الأمير احمد بن الناصر فمكثوا على الثنية محاصرين مضيقين عليه إلى ان توجه نائب الشام إلى حلب ومضت هذه الأيام المذكورة فما درى الناس إلا وقد جاء الفخري وجموعه وقد بايعوا الأمير أحمد وسموه الناصر بن النصار وخلعوا بيعة أخيه الملك الأشرف علاء الدين كجك واعتلوا بصغره وذكروا إن أتابكة الامير سيف الدين قوصون الناصري قد عدى على ابني السلطان فقتلهما خنقا ببلاد الصعيد جهز اليهما من تولى ذلك وهما الملك المنصور أبو بكر ورمضان فتنكر الامير بسبب ذلك قالوا هذا يريد ان يجتاح هذا البيت ليتمكن هو من أخذ المملكة فحموا لذلك وبايعوا ابن استاذهم وجاءوا في الذهاب خلف الجيش ليكونوا عونا للأمير سيف الدين طشتمر نائب حلب ومن معه وقد كتبوا إلى الامراء يستميلونهم إلى هذا ولما نزلوا بظاهر دمشق خرج إليهم من بدمشق من الاكابر والقضاة والمباشرين مثل والي البر ووالي المدينة وابن سمندار وغيرهم فلما كان الصباح خرج أهالي دمشق عن بكرة ابيهم على عادتهم في قدوم السلاطين ودخلو الحجاج بل أكثر من ذلك من بعض الوجوه وخرج القضاة والصاحب والاعيان والولاة وغيرهم ودخل الامير سيف الدين قطلوبغا في دست نيابة السلطنة التي فوضها إليه الملك الناصر الجديد وعن يمينه الشافعي وعن شماله الحنفي على العادة والجيش كله محدق به في الحديد والعقارات والبوقات والنشابة السلطانية والسناجق الخليفية والسلطانية تخفق والناس في الدعاء والثناء للفخري وهم في غاية الاستبشار والفرح وربما نال بعض جهلة الناس من النائب الآخر الذي ذهب إلى حلب ودخلت الأطلاب بعده على ترتيبهم وكان يوما مشهودا فنزل شرقي دمشق قريبا من خان لاجين وبعث في هذا اليوم فرسم على القضاة والصاحب وأخذ من أموال الايتام وغيرها خمسمائة ألف وعوضهم عن ذلك بقرية من بيت المال وكتب بذلك سجلات واستخدم جيدا وانضاف إليه من الأمراء الذين كانوا قد تخلفوا بدمشق جماعة منهم تمر الساقي مقدم وابن قراسنقر وابن الكامل وابن المعظم وابن البلدي وغيرهم وبايع هؤلاء كلهم مع مباشري دمشق للملك الناصر بن الناصر وأقام الفخري على خان لاجين وخرج المتعيشون بالصنائع إلى عندهم وضربت البشائر بالقلعة صبيحة يوم الثلاثاء سادس عشر الشهر ونودي بالبلد إن سلطانكم الملك الناصر احمد بن الناصر محمد بن قلاوون ونائبكم سيف الدين قطلوبغا الفخري وفرح كثير من الناس بذلك وانضاف اليه نائب صغد وبايعه نائب بعلبك واستخدموا له رجالا وجندا ورجع إليه الأمير سيف الدين سنجر الجمقدار رأس الميمنة بدمشق وكان قد تأخر في السفر عن تائب دمشق علاء الدين الطنبغا بسبب مرض عرض له فلما قدم الفخري رجع اليه وبايع الناصر ابن الناصر ثم كاتب نائب حماة تغردمر الذي ناب بمصر للملك المنصور فأجابه إلى ذلك وقدم على العسكر يوم السبت السابع والعشرين من الشهر المذكور في تجمل عظيم وخزائن كثيرة وثقل هائل
وفي صبحية يوم الاحد الثامن والعشرين من الشهر المذكور كسفت الشمس قبل الظهر وفي صبيحة يوم الاثنين التاسع والعشرين من جمادي الآخرة قدم نائب غزة الأمير آق سنقر في جيش غزة وهو قريب من ألفين فدخلوا دمشق وقت الفجر وغدوا إلى معسكر الفخري فانضافوا إليهم ففرحوا بهم كثيرا وصار في قريب من خمسة آلاف مقاتل أو يزيدون
استهل شهر رجب الفرد والجماعة من أكابر التجار مطلوبون بسبب أموال طلبها منهم الفخري يقوى بها جيشه الذي معه ومبلغ ذلك الذي أراده منهم ألف ألف درهم ومعه مرسوم الناصر بن الناصر ببيع املاك الامير سيف الدين قوصون إتابك الملك الاشرف علاء الدين كجك ابن الناصر التي بالشام بسبب إبائه عن مبايعة أحمد بن الناصر فأشار على الفخري من أشار بأن يباع للتجار من أملاك الخاص ويجعل مال قوصون من الخاص فرسم بذلك وأن يباع للتجار قرية دوية قومت بألف ألف وخمسمائة ألف ثم لطف الله وأفرج عنهم بعد ليلتين او ثلاث وتعوضوا عن ذلك بحواصل قوصون واستمر الفخري بمن معه ومن اضيف إليه من الأمراء والاجناد مقيمين بثنية العقاب واستخدم من رجال البقاع جماعة كثيرة أكثر من ألف رام واميرهم يحفظ افواه الطرق وأزف قدوم الامير علاء الدين طنبغا بمن معه من عساكر دمشق وجمهور الحلبيين وطائفة الطرابلسيين وتأهب هؤلاء لهم فلما كان الحادي من الشهر اشتهر ان الطتبغا وصل إلى القسطل وبعث طلائعه فالتقت بطلائع الفخري ولم يكن بينهم قتال ولله الحمد والمنة وأرسل الفخري إلى
القضاة ونوابهم وجماعة من الفقهاء فخرجوا ورجع الشافعي من اثناء الطريق فلما وصلوا أمرهم بالسعي بينه وبين الطنبغا في الصلح وأن يوافق الفخري في أمره وأن يبايع الناصر بن الناصر فأبى فردهم إليه غير مرة وكل ذلك يمتنع عليهم فلما كان يوم الاثنين رابع عشرة عند العصر جاء يريد إلى متولي البلد عند العصر من جهة الفخري يأمره بغلق أبواب البلد فغلقت الأبواب وذلك لان العساكر توجهوا وتواقفوا للقتال فإنا لله وإنا أليه راجعون
وذلك أن الطنبغا لما علم أن جماعة قطلوبغا على ثنية العقاب دار الذروة من ناحية المعيصرة وجاء بالجيوش من هناك فاستدار له الامير سيف الدين قطلوبغا الفخري بجماعته إلى ناحيته ووقف له في طريقه وحال بينه وبين الوصول إلى البلد وانزعج الناس انزعاجا عظيما وغلقت القياسر والاسواق وخاف الناس بعضهم من بعض أن يكون نهب فركب متوولي البلد الامير ناصر الدين بن بكباشي ومعه أولاده ونوابه والرجالة فسار في البلد وسكن الناس ودعوا له فلما كان قريب المغرب فتح لهم باب الجابية ليدخل من هو من أهل البلد فجرت في الباب على ما قيل زحمة عظيمة وتسخط الجند على الناس في هذه الليلة واتفق انها ليلة الميلاد وبات المسلمون مهمومون بسبب العسكر واختلافهم فأصبحت أبواب البلد مغلقة في يوم الثلاثاء سوى باب الجابية والأمر على ما هو عليه فلما كان عشية هذا اليوم تقارب الجيشان واجتمع الطنبغا وأمراؤه واتفق أمراء دمشق وجمهورهم الذين هم معه على أن لا يقاتلو مسلما ولا يسلوا في وجه الفخري وأصحابه سيفا وكان قضاة الشام قد ذهبوا اليه مرارا للصلح فيأبي عليهم إلا الاستمرار على ما هو عليه وقويت نفسه عليه انتهى والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب
*3* عجيبة من عجائب الدهر
@ فبات الناس متقابلين في هذه الليلة وليس بين الجيشين إلا مقدار ميلين او ثلاثة وكانت ليلة مطيرة فما أصبح الصبح إلا وقد ذهب من جماعة الطنبغا إلى الفخري خلق كثير من أجناد الحلفاء ومن الأمراء والاعيان وطلعت الشمس وارتفعت قليلا فنفذ الطنبغا القضاة وبعض الأمراء إلى الفخري يتهدده ويتوعده ويقوى نفسه عليه فما ساروا عنه قليلا إلا ساقت العساكر من الميمنة والميسرة ومن القلب ومن كل جانب مقفرين إلى الفخري وذلك لما هم فيه من ضيق العيش وقلة ما بأيديهم من الاطعمة وعلف الدواب وكثرة ما معهم من الكلف فرأوا أن هذا حال يطول عليهم ومقتوا أمرهم غاية المقت وتطايبت قلوبهم وقلوب اولئك مع أهل البلد على كراهته لقوة نفسه فيما لا يجدي عليه ولا عليهم شيئا فبايعوا على المخامرة عليه فلم يبق معه سوى حاشيته في أقل من ساعة واحدة فلما رأى الحال على هذه الصفة كر راجعا هاربا من حيث جاء وصحبته الأمير سيف الدين رقطبة نائب طرابلس وأميران آخران والتقت العساكر والأمراء وجاءت البشارة إلى دمشق قبل الظهر ففرح الناس فرحا شديدا جدا الرجال والنساء والولدان حتى من لا نوبة له ودقت البشائر بالقلعة المنصورة فأرسلوا في طلب من هرب وجلس الفخري هنالك بقية اليوم يحلف الأمراء على أمره الذي جاء له فحلفوا له ودخل دمشق عشية يوم الخميس في أبهة عظيمة وحرمة وافرة فنزل القصر الأبلق ونزل الامير تغردمر بالميدان الكبير ونزل عماري بدار السعادة وأخرجوا الموساوي الذي كان معتقلا بالقلعة وجعلوه مشدا على حوطات حواصل الطنبغا وكان قد تغضب الفخري على جماعةمن الامراء منهم الامير حسام الدين السمقدار أمير حاجب بسبب أنه صاحب لعلاء الدين الطنبغا فلما وقع ما وقع هرب فيمن هرب ولكن لم يأت الفخري بل دخل البلد فتوسط في الامر لم يذهب مع ذاك ولا جاء مع هذا ثم إنه استدرك ما فاته فرجع من البار إلى الفخري وقيل بل رسم عليه حين جاء وهو مهموم جدا ثم إنه اعطى منديل الامان وكان معهم كاتب السر القاضي شهاب الدين بن فضل الله ثم أفرج عنهم ومنهم الامير سيف الدين حفطية كان شديد الحنق عليه فأطلقه من يومه وأعاده إلى الحجوبية وأظهر مكارم أخلاق عظيمة ورياسة كبيرة وكان للقاضي علاء الدين بن المنجا قاضي قضاة الحنابلة في هذه الكائنة سعى مشكور ومراجعة كبيرة للأمير علاء الدين الطنبغا حتى خيف عليه منه وخاطر بنفسه معه فأنجح الله مقصده وسلمه منه وكبت عدوه ولله الحمد والمنة
وفي يوم السبت السادس والعشرين منه قلد قضاء العساكر المنصورة الشيخ فخر الدين بن الصائغ عوضا عن القاضي الحنفي الذي كان مع النائب المنفصل وذلك أنهم نقموا عليه إفتاءه الطنبغا بقتال الفخري وفرح بولايته أصحاب الشيخ تقي الدين بن تيمية رحمه الله وذلك لأنه من أخص من صحبه قديما وأخذ عنه فوائد كثيرة وعلوما
وفي يوم الأربعاء سلخ رجب آخر النهار قدم الامير قماري من عند الملك الناصر بن الناصر من الكرك وأخبره بما جرى من أمرهم وأمر الطنبغا ففرح بذلك واخبر قماري بقدوم السلطان ففرح الناس بذلك واستعدوا له بآلات المملكة وكثرت مطالبته أرباب الاموال والذمة بالجزية وفي مستهل رجب من هذه السنة ركب الفخري في دست النيابة بالموكب المنصور وهو أول ركوبه فيه وإلى جانبه قماري وعلى قماري خلعة هائلة وكثر دعاء الناس للفخري يومئذ وكان يوما مشهودا وفي هذا اليوم خرج جماعة من المقدمين الالوف إلى الكرك بأخبار ابن السلطان بما جرى منهم تغردمر وإقبغا عبدا لواحد وهو الساقي وميكلي بغا وغيرهم وفي يوم السبت ثالثة ستدعى الفخري القاضي الشافعي وألح عليه في أحضار الكتب في سلة الحكم التي كانت أخذت من عند الشيخ تقي الدين ابن تيمية رحمه الله من القلعة المنصورة في أيام جلال الدين القزويني فأحضرها القاضي بعد جهد ومدافعة وخاف على نفسه منه فقبضها منه الفخري بالقصر وأذن له في الانصراف من عنده وهو متغضب عليه وربما هم بعزله لممانعته إياها وربما قال قائل هذه فيها كلام يتعلق بمسألة الزيارة فقال الفخري كان الشيخ أعلم بالله وبرسوله منكم واستبشر الفخري باحضارها إليه واستدعى بأخي الشيخ زين الدين عبد الرحمن وبالشيخ شمس الدين عبدالرحمن بن قيم الجوزية وكان له سعي مشكور فيها فهنأهما باحضاره الكتب وبيت الكتب تلك الليلة في خزانته للتبرك وصلى به الشيخ زين الدين اخو الشيخ صلاة المغرب بالقصر وأكرمه الفخري إكراما زائدا لمحبته الشيخ رحمه الله
وفي يوم الاحد رابعة دقت البشائر بالقلعة وفي باب الميدان لقدوم بشير بالقبض على قوصون بالديار المصرية واجتمع الناس لذلك واستبشر كثير منهم بذلك وأقبل جماعة من الامراء إلى الكرك لطاعة الناصر بن الناصر واجتمعوا مع الامراء الشاميين عند الكرك وطلبوا منه أن ينزل إليهم فابى وتوهم أن هذه الامور كلها مكيدة ليقبضوه ويسلموه إلى قوصون وطلب منهم أن ينظر في أمره وردهم إلى دمشق وفي هذه الايام وما قبلها وما بعدها أخذ الفخري من جماعة التجار بالاسواق وغيرها زكاة أموالهم سنة فتحصل من ذلك زيادة على مائة ألف وسبعة آلاف وصودر أهل الذمة بقريب من ذلك زيادة على الجزية التي اخذت منهم عن ثلاث سنين سلفا وتعجيلا ثم نودي في البلد يوم الاثنين الحادي والعشرين من الشهر مناداة صادرة من الفخري برفع الظلامات والطلبات واسقاط ما تبقى من الزكاة والمصادرة غير انهم احتاطوا على جماعة من المشاة المكثرين ليشتروا منهم بعض أملاك الخاص والبرهان بن بشارة الحنفي تحت المصادرة والعقوبة على طلب المال الذي وجده في طميرة وجدها فيما ذكر عنه والله أعلم
وفي يوم الجمعة الرابع والعشرين منه بعد الصلاة دخل الامراء الستة الذين توجهوا نحو الكرك لطلب السلطان أن يقدم إلى دمشق فأبى عليهم في هذا الشهر ووعدهم وقتا آخر فرجعوا وخرج الفخري لتلقيهم فاجتمعوا قبلي جامع القبيبات الكريمي ودخلوا كلهم إلى دمشق في جمع كثير من الاتراك الامراء والجند وعليهم خمدة لعدم قدوم السلطان أيده الله وفي يوم الاحد قدم البريد خلف قماري وغيره من الامراء يطلبهم إلى الكرك واشتهر أن السلطان رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام وهو يأمره بالنزول من الكرك وقبول المملكة فانشرح الناس لذلك
وتوفي الشيخ عمر بن أبي بكر بن اليثمي البسطي يوم الاربعاء التاسع والعشرين كان رجلا صالحا كثير التلاوة والصلاة والصدقة وحضور مجالس الذكر والحديث له همة وصولة على الفقراء المتشبهين بالصالحين وليسوا منهم سمع الحديث من الشيخ فخر الدين بن البخاري وغيره وقرأت عليه عن ابن البخاري مختصر المشيخة ولازم مجالس الشيخ تقي الدين بن تيمية رحمه الله وانتفع به ودفن بمقابر باب الصغير
وفي شهر رمضان المعظم أوله يوم الجمعة كان قد نودي في الجيش آن الرحيل لملتقى السلطان في سابع الشهر ثم تأخر ذلك إلى بعد العشر ثم جاء كتاب من السلطان بتأخر ذلك إلى بعد العيد وقدم في عاشر الشهر علاء الدين بن تقي الدين الحنفي ومع ولاية من السلطان الناصر بنظر البيمارستان النوري ومشيخة الربوة ومرتب على الجهات السلطانية وكان قد قدم قبله القاضي شهاب الدين بن البارزي بقضاء حمص من السلطان أيده الله تعالى ففرح الناس بذلك حيث تكلم السلطان في المملكة وباشر وأمر وولي ووقع ولله الحمد وفي يوم الاربعاء ثالث عشره دخل الامير سيف الدين طشتمر الملقب بالحمص الاخضر من البلاد الحلبية إلى دمشق المحروسة وتلقاه الفخري والأمراء والجيش بكماله ودخل في أبهة حسنة ودعا له الناس وفرحوا بقدومه بعد شتاته في البلاد وهربه من بين يدي الطنبغا حين قصده إلى حلب كما تقدم ذكره
وفي يوم الخميس رابع عشرة خرجت الجيوش من دمشق قاصدين إلى غزة لنظرة السلطان حين يخرج من الكرك السعيد فخرج يومئذ مقدمان تغردمر واقبغا عبد الواحد فبرزا إلى الكسوة فلما كان يوم السبت خرج الفخري ومعه طشتمر وجمهور الامراء ولم يقم بعده بدمشق إلا من احتيج لمقامهم لمهمات المملكة وخرج مع القضاة الاربعة وقاضي العساكر والموقعين والمصاحب وكاتب الجيش وخلق كثير
وتوفي الشيخ الصالح العابد الناسك احمد بن الملقب بالقصيدة ليلة الاحد الرابع والعشرين من رمضان وصلى عليه بجامع شكر ودفن بالصوفية قريبا من قبر الشيخ جمال الدين المزي تغمدهما الله برحمته وكان فيه صلاح كثير ومواظبة على الصلاة في جماعة وأمر بمعروف ونهى عن منكر مشكورا عند الناس بالخير وكان يكثر من خدمة المرضى بالمارستان وغيره وفيه إيثار وقناعة وتزهد كثير وله أحوال مشهورة رحمه الله وإيانا
واشتهر في أواخر الشهر المذكور أن السلطان الملك الناصر شهاب الدين أحمد خرج من الكرك المحروس صحبة جماعة من العرب والاتراك قاصدا إلى الديار المصرية ثم تحرر خروجه منها في يوم الاثنين ثامن عشر الشهر المذكور فدخل الديار المصرية بعد ايام هذا والجيش صامدون اليه فلما تحقق دخوله مصر حثوا في السير إلى الديار المصرية وبعث يستحثهم أيضا واشتهر أنه لم يجلس على سرير الملك حتى يقدم الامراء الشاميون صحبة نائبه الامير سيف الدين قطلوبغا الفخري ولهذا لم تدق البشائر بالقلاع الشامية ولا غيرها فيما بلغنا وجاءت الكتب والاخبار من الديار المصرية بان يوم الاثنين عاشر شوال كان إجلاس السلطان الملك الناصر شهاب الدين أحمد على سرير المملكة صعد هو والخليفة الحاكم بأمر الله أبو العباس أحمد بن المستكفي فوق المنبر وهما لابسان السواد والقضاة تحتهما على درج المنبر بحسب منازلهم فخطب الخليفة وخلع الاشرف كجك وولى هذا الناصر وكان يوما مشهودا وأظهر ولايته لطشتمر نيابة مصر والفخري دمشق وأيد غمش حلب فالله أعلم ودقت البشائر بدمشق ليلة الجمعة الحادي والعشرين من الشهر المذكور واستمرت إلى يوم الاثنين مستهل ذي القعدة وزينت البلد يوم الاحد ثالث عشرين منه واحتفل الناس بالزينة
وفي يوم الخميس المذكور دخل الامير سيف الدين الملك أحد الرؤس المشهورة بمصر إلى دمشق في طلب نيابة حماة حرسها الله تعالى فلما كان يوم الجمعة بعد الصلاة ورد البريد من الديار المصرية فأخبر أن طشتمر الحمص الاخضر مسك فتعجب الناس من هذه الكائنة كثيرا فخرج من بدمشق من أعيان الامراء أمير الحج وغيره وخيم بوطأة برزة وخرج إلى الحج امير فأخبره بذلك وامروه عن مرسوم السلطان أن ينوب بدمشق حتى يأتي المرسوم بما يعتمد أمير الحج فأجاب إلى ذلك وركب في الموكب يوم السبت السادس منه وأما الفخري فإنه لما تنسم هذا الخبر وتحققه وهو بالزعقة فرفى طائفة من مماليكه قريب من ستين أو أكثر فاحترق وساق سوقا حثيثا وجاءه الطلب من روائه من الديار المصرية في نحو من ألف فارس صحبة الاميرين الطنبغا المارداني ويبلغا التحتاوي ! ففاتهما وسبق واعترض له نائب غزة في جنده فلم يقدر عليه فسلطوا عليه العشيرات ينهبوه فلم يقدروا عليه إلا في شيء يسير وقتل منهم خلقا وقصد نحو صاحبه فيما يزعم الامير سيف الدين ايدغمش نائب حلب راجيا منه أن ينصره وأن يوافقه على ما قام بنفسه فلما وصل أكرمه وانزله وبات عنده فلما أصبح قبض عليه وقيده ورده على البريد إلى الديار المصرية ومعه التراسيم من الأمراء وغيرهم
ولما كان يوم الاثنين سلخ ذي القعدة خرج السلطان الملك الناصر شهاب الدين أحمد بن الناصر محمد بن المنصور من الديار المصرية في طائفة من الجيش قاصدا إلى الكرك المحروس ومعه أموال جزيلة وحواصل واشياء كثيرة فدخلها يوم الثلاثاء من ذي الحجة وصحبته طشتمر في محفة ممرضا والفخري مقيدا فاعتقلا بالكرك المحروس وطلب السلطان آلات من أخشاب ونحوها وحدادين وصناع ونحوها لاصلاح مهمات بالكرك وطلب أشياء كثيرة من دمشق فحملت اليه ولما كان يوم الاحد السابع والعشرين من ذي الحجة ورد الخبر بأن الامير ركن الدين بيبرس الاحمدي النائب بصغد ركب في مماليكه وخدمه ومن أطاعه وخرج منها فارا بنفسه من القبض عليه وذكر ان نائب غزة قصده ليقبض عليه بمرسوم السلطان ورد عليه من الكرك فهرب الاحمدي بسبب ذلك ولما وصل الخبر الى دمشق وليس بها نائب انزعج الامراء لذلك واجمتعوا بدار السعادة وضربوا في ذلك مشورة ثم جردوا إلى ناحية بعلبك اميرا ليصدوه عن الذهاب إلى البرية فلما أصبح الصباح من يوم الاثنين جاء الخبر بأنه في نواحي الكسوة ولامانع من خلاصة فركبوا كلهم ونادى المنادي من تأخر من الجند عن هذا النفير ! شنق واستوثقوا في الخروج وقصدوا ناحية الكسوة وبعثوا الرسل اليه فذكر اعتذارا في خروجه وتخلص منهم وذهب يوم ذلك ورجعوا وقد كانوا ملبسين في يم حار وليس معهم من الازواد مايكفيهم سوى يومهم ذلك فلما كانت ليلة الثلاثاء ركب الامراء في طلبه من ناحية ثنية العقاب فرجعوا في اليوم الثاني وهو في صحبتهم ونزل في القصور التي بناها تنكز رحمه الله في طريق داريا فأقام بها واجروا عليه مرتبا كاملا من الشعير والغنم وما يحتاج إليه مثله ومعه مماليكه وخدمه فلما كان يوم الثلاثاء سادس المحرم ورد كتاب من جهة السلطان فقرئ على الأمراء بدار السعادة يتضمن إكرامه واحترامه والصفح عنه لتقدم خدمة على السلطان الملك الناصر وابنه الملك المنصور ولما كان يوم الأربعاء سابع المحرم جاء كتاب إلى الأمير ركن الدين بيبرس نائب الغيبة ابن الحاجب المش بالقبض على الاحمدي فركب الجيش ملبسين يوم الخميس وأوكبوا بسوق الخيل وراسلوه وقد ركب في مماليكه بالعدد وأظهر الامتناع فكان جوابه أن لا أسمع ولا أطيع إلا لمن هو ملك الديار المصرية فاما من هو مقيم بالكرك ويصدر عنه ما يقال عنه من الافاعيل التي قد سارت بها الركبان فلا فلما بلغ الامراء هذا توقفوا في أمره وسكنوا ورجعوا إلى منازلهم ورجع هو إلى قصره
*2* ثم دخلت سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة
@ استهلت هذه السنة المباركة وسلطان المسلمين الملك الناصر ناصر الدين محمد بن الملك المنصور قلاوون وهو مقيم بالكرك قد حاز الحوصال السلطانية من قلعة الجبل إلى قلعة الكرك ونائبه الديار المصرية الامير سيف الدين آقسنقر السلارى الذي كان نائبا بغزة وقضاة الديار المصرية هم المذكورون في السنة الماضية سوى القاضي الحنفي وأما دمشق فليس لها نائب إلى حنيئذ غير ان الامير ركن الدين بيبرس الحاجب كان استنابه الفخري بدمشق نائب غيبته فهو الذي يسد الامور مع الحاجب ألمش وتمر المهمندار والامير سيف الدين الملقب بحلاوة والي البر والامير ناصر الدين ابن ركباس متولي البلد هؤلاء الذين يسدون الأشغال والامور السلطانية والقضاة هم الذين ذكرناها في السنة الخالية وخطيب البلد تاج الدين عبدالرحيم بن القاضي جلال الدين القزويني وكاتب السر القاضي شهاب الدين بن فضل الله واستهلت هذه السنة والأمير ركن الدين بيبرس الاحمدي نازل بقصر تنكز بطريق داريا وكتب السلطان واردة في كل وقت بالاحتياط عليه والقبض وأن يمسك ويرسل إلى الكرك هذا والأمراء يتوانون في أمره ويسوفون المراسيم وقتا بعد وقت وحينا بعد حين ويحملهم على ذلك أن الاحمدي لا ذنب له ومتى مسكه تطرف إلى غيره مع أن السلطان يبلغهم عنه احوال لا ترضيهم من اللعب والاجتماع مع الاراذل والاطراف ببلد الكرك مع قتله الفخري وطشتمر قتلا فظيعا وسلبه أهلهما وسلبه لما على الحريم من الثياب والحلى وإخراجهم في أسوإ حال من الكرك وتقريبه النصارى وحضورهم عنده فحمل الامراء هذه الصفات على أن بعثوا احدهم يكشف أمره فلم يصل اليه ورجع هاربا خائفا فلما رجع وأخبر الأمراء انزعجوا وتشوشوا كثيرا واجتمعوا بسوق الخيل مرارا وضربوا مشورة بينهم فاتفقوا على أن يخلعوه فكتبوا إلى المصريين بذلك واعلموا نائب حلب ايدغمش ونواب البلاد وبقوا متوهمين من هذا الحال كثيرا ومترددين ومنهم من يصانع في الظاهر وليس معهم في الباطن وقالوا لا سمع له ولا طاعة حتى يرجع إلى الديار المصرية ويجلس على سرير المملكة وجاء كتابه اليهم يعيبهم ويعنقهم في ذلك فلم يفد وركب الاحمدي في الموكب وركبوا عن يمينه وشماله وراحوا اليه إلى القصر فسلموا عليه وخدموه وتفاقم الامر وعظم الخطب وحملوا هموما عظيمة خوفا من أن يذهب الى الديار المصرية فيلف عليه المصريون فيتلف الشاميين فحمل الناس همهم فالله هو المسئول أن يحسن العاقبة فلما كان يوم الاحد السادس والعشرين من المحرم ورد مقدم البريدية ومعه كتب المصريين بأنه لم بلغهم خبر الشاميين كان عندهم من أمر السلطان اضعاف ما حصل عند الشاميين فبادروا إلى ما كانوا عزموا عليه ولكن ترددوا خوفا من الشاميين أن يخالفوهم فيه ويتقدموا في صحبة السلطان لقتالهم فلما أطمأنوا من جهة الشاميين صمموا على عزمهم فخلعوا الناصر أحمد وملكوا عليهم أخاه الملك الصالح إسماعيل ابن الناصر محمد بن المنصور جعله الله مباركا على المسلمين وأجلسوه على السرير يوم الثلاثاء العشرين من المحرم المذكور وجاء كتابه مسلما على أمراء الشام ومقدميه وجاءت كتب الامراء على الامراء بالسلام والاخبار بذلك ففرح المسلمون وأمراء الشام والخاصة والعامة بذلك فرحا شديدا ودقت البشائر بالقلعة المنصورة يومئذ ورسم بتزيين البلد فزين الناس صبيحة الثلاثاء السابع والعشرين منه ولما كان يوم الجمعة سلخ المحرم خطب بدمشق للملك الصالح عماد الدنيا والدين إسماعيل بن الناصر بن المنصور
وفي يوم الخميس سادس صفر درس بالصدرية صاحبنا الامام العلامة شمس الدين محمد بن أبي بكر بن أيوب الذرعي إمام الجوزية وحضر عنده الشيخ عز الدين بن المنجا الذي نزل له عنها وجماعة من الفضلاء وفي يوم الاثنين سادس عشر صفر دخل الامير سيف الدين تغردمر من الديار المصرية إلى دمشق ذاهبا إلى نيابة حلب المحروسة فنزل بالقابون
وفي يوم الثلاثاء ثامن عشر صفر توفي الشيخ الامام العالم العامل الزاهد عبد الله بن أبي الوليد المقري المالكي إمام المالكية هو وأخوه أبو عمرو بالجامع الاموي بمحراب الصحابة توفي ببستان بقية السحف وصلى عليه بالمصلى ودفن عند ابيه رحمهما الله بمقابر باب الصغير وحضر جنازته الأعيان والفقهاء والقضاة وكان رجلا صالحا مجمعا على ديانته وجلالته رحمه الله
وفي يوم الخميس العشرين من صفر دخل الامير ايدغمش نائب السلطنة بدمشق ودخل اليها من ناحية القابون قادما من حلب وتلقاه الجيش بكماله وعليه خلعة النيابة واحتفل الناس له وأشعلوا الشموع وخرج أهل الذمة من اليهود والنصارى يدعون له ومعهم الشموع وكان يوما مشهودا وصلى يوم الجمعة بالمقصورة من الجامع الأموي ومعه الأمراء والقضاة وقرئ تقليده هناك على السدة وعليه خلعته ومعه الأمير سيف الدين ملكتم الرحولي وعليه خلعة ايضا
وفي يوم الثلاثاء الخامس والعشرين من صفر دخل الامير علم الدين الجاولي دمشق المحروسة ذاهبا الى نيابة حماة المحروسة وتلقاه نائب السلطنة والأمراء إلى مسجد القدم وراح فنزل بالقابون وخرج القضاة والأعيان إليه وسمع عليه من مسند الشافعي فإنه يرويه وله فيه عمل ورتبه ترتيبا حسنا ورأيته وشرحه أيضا وله أوقاف عل الشافعية وغيرهم
وفي يوم الجمعة الثامن والعشرين منه عقد مجلس بعد الصلاة بالشباك الكمالي من مشهد عثمان بسبب القاضي فخر الدين المصري وصدر الدين عبدالكريم ابن القاضي جلال الدين القزويني بسبب العادلية الصغيرة فاتفق الحال على أن نزل صدر الدين عن تدريسها ونزل فخر الدين عن مائة وخمسين على الجامع وفي يوم الاحد سلخ الشهر المذكور حضر القاضي فخر الدين المصري ودرس بالعادلية الصغيرة وحضر الناس عنده على العادة وأخذ في قوله تعالى هذه بضاعتنا ردت الينا وفي آخر شهر ربيع الاول جاء المرسوم من الديار المصرية بأن يخرج تجريدة من دمشق بصحبة الامير حسام الدين السمقدار لحصار الكرك الذي تحصن فيه ابن السلطان احمد واستحوذ على ما عنده من الاموال التي أخذها من الخزائن من ديار مصر وبرز المنجنيق من القلعة إلى قبل جامع القبيبات فنصب هناك وخرج الناس للتفرج عليه ورمى به ومن نيتهم أن يستصحبوه معهم للحصار
وفي يوم الاربعاء ثاني ربيع الآخر قدم الامير علاء الدين الطنبغا المارداني من الديار المصرية على قاعدته وعادته وفي يوم االخميس عاشره دخل إلى دمشق الاميران الكبيران ركن الدين بيبرس الاحمدي من طرابلس وعلم الدين الجاولي من حماة سحرا وحضرا الموكب ووقفا مكتفين لنائب السلطنة الاحمدي عن يمينه والجاولي عن يساره ونزلا ظاهر البلد ثم بعد ايام يسيرة توجه
الاحمدي إلى الديار المصرية على عادته وقاعدته رأس مشورة وتوجه الجاولي إلى غزة المحروسة نائبا عليها وكان الامير بدر الدين مسعود بن الخطير على إمرة الطبلخانات بدمشق وفي يوم الخميس رابع عشرة خرجت التجريدة من دمشق سحرا إلى مدينة الكرك والامير شهاب الدين بن صبح والي الولاة بحوران مشد المجانيق وخرج الامير سيف الدين بهادر الشمس الملقب بحلاوة والي البر بدمشق الى ولاية الولاة بحوران وفي يوم الجمعة ثامن عشرة وقع بين النائب والقاضي الشافعي بسبب كتاب ورد من الديار المصرية فيه الوصاة بالقاضي السبكي المذكور ومعه التوقيع بالخطابة له مضافا إلى القضاء وخلعة من الديار المصرية فتغيظ عليه النائب لأجل اولاد الجلال لأنهم عندهم عائلة كثيرة وهم فقراء وقد نهاه عن السعي في ذلك فتقدم إليه يومئذ أن لا يصلي عنده في الشباك الكمالي فنهض من هناك وصلى في الغزالية وفي يوم الاحد العشرين منه دخل دمشق الامير سيف الدين اريغا زوج ابنة السلطان الملك الناصر مجتازا ذاهبا إلى طرابلس نائبا بها في تجمل وأبهة ونجائب وجنائب وعدة وسرك كامل وفي يوم الخميس الرابع والعشرين منه دخل الامير بدر الدين ابن الخطيري معزولا عن نيابة غزة المحروسة فأصبح يوم الخيمس فركب في الموكب وسير مع نائب السلطنة ونزل في داره وراح الناس للسلام عليه وفي يوم الثلاثاء ثالث عشر صفر زينت البلد لعافية السلطان الملك الصالح لمرض أصابه ثم شفى منه وفي يوم الجمعة السادس عشرينه قبل العصر ورد البريد من الديار المصرية بطلب قاضي القضاة تقي الدين السبكي اليها حاكمها بها فذهب الناس للسلام عليه ولتوديعه وذلك بعد ما أرجف الناس به كثيرا واشتهر انه سينعقد له مجلس للدعوى عليه بما دفعه من مال الايتام إلى الطنبغا وإلي الفخري وكتبت فتوى عليه بذلك في تغريمه وداروا بها على المفتيين فلم يكتب لهم احد فيها غير القاضي جلال الدين بن حسام الدين الحنفي رأيت خطه عليها وحده بعدالصلاة وسئلت في الافتاء عليها فامتنعت لما فيها من التشويش على الحاكم وفي أول مرسوم نائب السلطان أن يتأمل المفتون هذا السؤال ويفتوا بما يقتضيه حكم الشرع الشريف وكانوا له في نية عجيبة ففرج الله عنه بطلبه إلى الديار المصرية فسار إليها صحبة البريد ليلة الأحد وخرج الكبراء والاعيان لتوديعه وفي خدمته استهل جمادي الاخرة والتجريدة عمالة الى الكرك والجيش المجردون من الحلقة قريب من ألف ويزيدون ولما كان يوم الثلاثاء رابعه بعد الظهر مات الأمير علاء الدين ايدغمش نائب السلطنة بالشام المحروس في دار وحده في دار السعادة فدخلوا عليه وكشفوا أمره وأحصروا وخشوا أن يكون اعتراه سكتة ويقال إنه شفى فالله أعلم فانتظروا به إلى الغد احتياطا فلما أصبح الناس اجتمعوا للصلاة عليه فصلى عليه خارج باب النصر حيث يصلى على الجنائر وذهبوا به إلى نحو القبلة ورام بعض اهله أن يدفن في تربة غبريال إلى جانب جامع القبيبات فلم يمكن ذلك فدفن قبلي الجامع على حافة الطريق ولم يتهيأ دفنه إلا إلى بعدالظهر من يومئذ وعملوا عنده ختمة ليلة الجمعة رحمه الله وسامحه
واشتهر في اوائل هذا الشهر أن الحصار عمال على الكرك وأن أهل الكرك خرجت طائفة منهم فقتل منهم خلق كثير وقتل من الجيش واحد في ! الصار فنزل القاضي وجماعة ومعهم شيء من الجوهر وتراضوا على أن يسلموا البلد فلما أصبح أهل الحصن تحصنوا ونصبوا المجانيق واستعدوا فلما كان بعد أيام رموا منجنيق الجيش فكسروا السهم الذي له وعجزوا عن نقله فحرقوه برأي أمراء المقدمين وجرت امور فظيعة فالله يحسن العاقبة
ثم وقعت في أواخر هذا الشهر بين الجيش وأهل الكرك وقعة أخرى وذلك أن جماعة من رجال الكرك خرجوا إلى الجيش ورموهم بالنشاب فخرج الجيش لهم من الخيام ورجعوا مشاة ملبسين بالسلاح فقتلوا من أهل الكرك جماعة من النصارى وغيرهم وجرح من العسكر خلق وقتل واحد أو اثنان وأسر الأمير سيف الدين أبو بكر بن بهادر آص وقتل امير العرب وأسر آخرون فاعتقلوا بالكرك وجرت أمور منكرة ثم بعدها تعرض العسكر راجعين إلى بلادهم لم ينالوا مرادهم منها وذلك انهم رقهم البرد الشديد وقلة الزاد وحاصروا أولئك شديدا بلا فائدة فإن البلد بريد متطاولة ومجانيق ويشق على الجيش الاقامة هناك في كوانين والمنجنيق الذي حملوه معهم كسر فرجعوا ليتأهبوا لذلك
ولما كان في يوم الأربعاء الخامس والعشرين منه قدم من الديار المصرية على البريد القاضي بدر الدين بن فضل الله كاتبا على السر عوضا عن أخيه القاضي شهاب الدين ومعه كتب بالاحتياط على حواصل أخيه شهاب الدين وعلى حواصل القاضي عماد الدين ابن الشيرازي المحتسب فاحتيط على أموالهما وأخرج من في ديارهما من الحرم وضربت الأخشاب على الابواب ورسم على المحتسب بالعذراوية فسأل أن يحول إلى دار الحديث الاشرفية فحلو إليها وأما القاضي شهاب الدين فكان قد خرج ليلتقي الامير سيف الدين تغردمر الحموي الذي جاء تقليده بنيابة الشام بدمشق وكان بحلب وجاء هذا الامر وهو في أثناء الطريق فرسم برجعته ليصادر هو والمحتسب ولم يدر الناس ما ذنبهما
وفي يوم الاحد ثامن شهر رجب آخر النهار رجع قاضي القضاء تقي الدين السبكي إلى دمشق على القضاء ومعه تقليد بالخطابة أيضا وذهب الناس اليه للسلام عليه ودخل نائب السلطنة الأمير سيف الدين تغردمر الحموي بعد العصر الخامس عشرينه من حلب فتلقاه الأمراء إلى طريق القابون ودعا له الناس دعاء كثيرا وأحبوه لبغضهم النائب الذي كان قبله وهو علاء الدين ايدغمش سامحه الله تعالى فنزل بدار السعادة وحضر الموكب صبيحة يوم الاثنين واجتمع طائفة من العامة وسألوه أن لا يغير عليهم خطيبهم تاج الدين عبد الرحيم ابن جلال الدين فلم يلتفت إليهم بل عمل على تقليد القاضي تقي الدين السبكي الخطابة لبس الخلعة واكثر العوام لما سمعوا بذلك الغوغاء وصاروا يجتمعون حلقا حلقا بعدالصلوات ويكثرون الفرحة في ذلك لما منع ابن الجلال ولكن بقي هذا لم يباشر السبكي في المحراب واشتهر عن العوام كلام كثير وتوعدوا السبكي بالسفاهة عليه إن خطب وضاق بذلك ذرعا ونهوا عن ذلك فلم ينتهوا وقيل لهم ولكثير منهم الواجب عليكم السمع والطاعة لأولي الامر ولو أمر عليكم عبد حبشي فلم يرعووا فلما كان يوم الجمعة العشرين منه اشتهر بين العامة بأن القاضي نزل عن الخطابة لابن الجلال ففرح العوام بذلك وحشدوا في الجامع وجاء نائب السلطنة إلى المقوصرة والأمراء معه وخطب ابن الجلال على العادة وفرح الناس بذلك وأكثروا من الكلام ووالهرج ولما سلم عليهم الخطيب حين صعد ردوا عليه ردا بليغا وتكلفوا في ذلك وأظهرا بغضة القاضي السبكي وتجاهروا بذلك وأسمعوه كلاما كثيرا ولما قضيت الصلاة قرئ تقليد النيابة على السدة وخرج الناس فرحى يخطيبهم لكونه استمر عليهم واجتمعوا عليه يسلمون ويدعون له
وفي يوم الاربعاء ثالث شعبان درس القاضي برهان الدين بن عبدالحق بالمدرسة العذراوية بمرسوم سلطاني بتوليته وعزل القفجاري وعقد لهما مجلس يوم الثلاثاء بدار العدل فرجح جانب القاضي برهان الدين لحاجته وكونه لا وظيفة له
وفي يوم الجمعة توفي الشيخ شهاب الدين احمد ابن الجزري احد المسندين المكثرين الصالحين مات عن خمس وتسعين سنة رحمه الله وصلى عليه يوم الجمعة بالجامع المظفري ودفن بالرواحية وفي يوم الاربعاء السابع عشر منه توفي الشيخ الامام العالم العابد الناسك الصالح الشيخ شمس الدين محمد بن الزرير خطيب الجامع الكريمي بالقبيبات وصلى عليه بعد الظهر يومئذ بالجامع المذكور ودفن قبلي الجامع المذكور إلى جانب الطريق من الشرق رحمه الله
واشتهر في أوائل رمضان ان مولودا ولد له رأسان وأربع أيد وأحضر إلى بين يدي نائب السلطنة وذهب الناس للنظر إليه في محلة ظاهر باب الفراديس يقال لها حكى الوزير وكنت فيمن ذهب إليه في جماعة من الفقهاء يوم الخميس ثالث الشهر المذكور بعد العصر فأحضره أبوه وأسم ابيه سعادة وهو رجل من أهل الجبل فنظرت إليه فإذا هما ولدان مستقلان فكل قد اشتبكت
افخاذهما بعضهما ببعض وركب كل واحد منهما ودخل في الآخر والتحمت فصارت جثة واحدة وهماميتان فقالوا احدهما ذكر الآخر أنثى وهما ميتان حال رؤيتي إليهما وقالوا إنه تأخر موت أحدهما عن الآخر بيومين او نحوهما وكتب بذلك محضر جماعة من الشهود
وفي هذا اليوم احتيط على اربعة من الامراء وهم ابناء الكامل صلاح الدين محمد امير طبلخانات وغياث الدين محمد امير عشرة وعلاء الدين علي وابن ايبك الطويل طبلخانات أيضا وصلاح الدين خليل بن بلبان طرنا طبلخانات أيضا وذلك بسبب أنهم اتهموا على ممالأة الملك احمد بن الناصر الذي في الكرك ومكاتبته والله أعلم بحالهم فقيدوا وحملوا إلى القلعة المنصورة من باب اليسر مقابل باب دار السعادة الثلاث الطبلخانات والغياث من بابها الكبير وفرق بينهم في الاماكن وخرج المحمل يوم الخميس خمس عشرة ولبس الخطيب ابن الجلال خلعة استقرار الخطابة في هذا اليوم وركب بها مع القضاة على عادة الخطباء
وفي هذا الشهر نصب المنجنيق الكبير على باب الميدان الاخضر وطول اكتافه ثمانية عشر ذراعا وطول سهمه سبعة وعشرون ذراعا وخرج الناس للفرجة عليه ورمى به في يوم السبت حجرا زنته ستين رطلا فبلغ إلى مقابلة القصر من الميدان الكبير وذكر معلم المجانيق أنه ليس في حصون الاسلام مثله وأنه عمله الحاج محمد الصالحي ليكون بالكرك فقدر الله انه خرج ليحاصر به الكرك فالله يحسن العاقبة وفي أواخره أيضا مسك أربعة أمراء وهم أقبغا عبد الواحد الذي كان مباشرا الاستدارية للملك الناصر الكبير فصودر في أيام ابنه المنصور وأخرج إلى الشام فناب بحمص فسار سيرة غير مرضية وذمه الناس وعزل عنها وأعطى تقدمة ألف بدمشق وجعل رأس الميمنة فلما كان في هذه الأيام اتهم بممالأة السلطان أحمد بن الناصر الذي بالكرك فمسك وحمل إلى القلعة ومعه الأمير سيف الدين بلو والأمير سيف الدين سلامش وكلهم بطبلخانات فرفعوا إلى القعلة المنصورة فالله يحسن العاقبة
وفي هذا الشهر خرج قضاء حمص عن نيابة دمشق بمرسوم سلطاني مجدد للقاضي شهاب الدين البارزي وذلك بعد مناقشة كثيرة وقعت بينه وبين قاضي القضاة تقي الدين السبكي وانتصر له بعض الدولة واستخرج له المرسوم المذكور وفيه أيضا افرد قضاء القدس الشريف أيضا باسم القاضي شمس الدين بن سالم الذي كان مباشرها مدة طويلة قبل ذلك نيابة ثم عزل عنها وبقي مقيما ببلده غزة ثم أعيد اليها مستقلا بها في هذا الوقت وفي هذا الشهر رجع القاضي شهاب الدين ابن فضل الله من الديار المصرية ومعه تقويع بالمرتب الذي كان له اولا كل شهر ألف درهم وأقام بعمارته التي أنشأها بسفح قاسيون شرقي الصالحية بقرب حمام النحاس
وفي صبيحة مستهل ذي القعدة خرج المنجنيق قاصدا إلى الكرك على الجمال والعجل وصحبته الامير صارم الدين إبراهيم المسبقي أمير حاجب كان في الدولة السكرية هو المقدم عليه يحوطه ويحفظه ويتولى تسييره بطلبه وأصحابه وتجهز الجيش للذهاب إلى الكرك وتأهبوا أتم الجهاز وبرزت أثقالهم إلى ظاهر البلد وضربت الخيام فالله يحسن العاقبة
وفي يوم الاثنين رابعه توفي الطوشي سبل الدولة كافور السكري ودفن صبيحة يوم الثلاثاء خامسة في تربته التي أنشاها قديما ظاهر باب الجابية تجاه تربة الطواشي ظهير الدين الخازن بالقلعة كان قبيل مسجد الدبان رحمه الله وكان قديما للصاحب تقي الدين توبة التكريتي ثم اشتراه تنكز بعد مدة طويلة من ابني أخيه صلاح الدين وشرف الدين بمبلغ جيد وعوضهما إقطاعا بزيادة على ما كان بأيديهما وذلك رغبة في أمواله التي حصلها من ابواب السلطنة وقد تعصب عليه استاذه تنكز رحمه الله في وقت وصودر وجرت عليه فصول ثم سلم بعد ذلك ولما مات ترك اموالا جزيلة وأوقافا رحمه الله وخرجت التجريدة يوم الاربعاء سادسة والمقدم عليها الامير بدر الدين بن الخطير ومعه مقدم آخر وهو الامير علاء الدين بن قراسنقر وفي يوم السبت سلخ هذا الشهر توفي الشاب الحسن شهاب الدين أحمد بن فرج المؤذن بمأذنة العروس وكان شهيرا بحسن الصوت ذا حظوة عظيمة عند اهل البلد وكان رحمه الله كما في النفس وزيادة في حسن الصوت الرخيم المطرب وليس في القراء ولا في المؤذنين قريب منه ولا من يدانيه في وقته وكان في آخر وقته على طريقة حسنة وعمل صالح وانقطاع عن الناس وإقبال على شأن نفسه فرحمه الله وأكرم مثواه وصلى عليه بعد الظهر يومئذ ودفن عند اخيه بمقبرة الصوفية
وفي يوم الخميس خامس ذي الحجة توفي الشيخ بدر الدين بن نصحان شيخ القراء السبع في البلد الشهير بذلك وصلى عليه بالجامع بعدالظهر يومئذ ودفن بباب الفراديس رحمه الله
وفي يوم الأحد تاسعة وهو يوم عرفة حضر الاقراء بتربة أم الصالح عوضا عن الشيخ بدر الدين ابن نصحان القاضي شهاب الدين أحمد بن النقيب البعلبكي وحضر عنده جماعة من الفضلاء وبعض القضاة وكان حضوره بغتة وكان متمرضا فألقى شيئا من القراءات والاعراب عند قوله تعالى ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خيرا لأنفسهم وفي أواخر هذا الشهر غلا السعر جدا وقل الخبز وازدحم الناس على الافران زحمة عظيمة وبيع خبز الشعير المخلوط بالزيوان والنقارة وبلغت الغرارة بمائة وستة وثمانين درهما وتقلص السعر جدا حتى بيع الخبز كل رطل بدرهم وفوق ذلك بيسير ودونه بحسب طيبه ورداءته فانا لله وإنا إليه راجعون وكثر السؤال وجاع العيال وضعف كثير من الأسباب والاحوال ولكن لطف الله عظيم فإن الناس مترقبون مغلا
هائلا لم يسمع بمثله من مدة سنين عديدة وقد اقترب أوانه وشرع كثير من البلاد في حصاد الشعير وبعض القمح مع كثرة الفول وبوادر التوت فلولا ذلك لكان غير ذلك ولكن لطف الله بعباده وهو الحاكم المتصرف الفعال لما يريد لا إله إلا هو
*2* ثم دخلت سنة أربع وأربعين وسبعمائة
@ استهلت هذه السنة وسلطان المسلمين الملك الناصر عماد الدنيا والدين إسماعيل ابن الملك الناصر ناصر الدين محمد بن الملك المنصور سيف الدين قلاوون الصالحي ونائبه بالديار المصرية الامير سيف الدين آقسنقر السلاري وقضاته هم هم المتقدم ذكرهم في العام الماضي ونائبه بدمشق الامير سيف الدين تغردمر الحموي وقضاته هم المتقدم ذكرهم وكذلك الصاحب والخطيب وناظر الجامع ولخزانة ومشد الاوقاف وولاية المدينة
استهلت والجيوش المصرية والشامية محيطة بحصن الكرك محاصرون ويبالغون في امره والمنجنيق منصوب وأنواع آلات الحصار كثيرة وقد رسم بتجريدة من مصر والشام أيضا تخرج إليها وفي يوم الخميس عاشر صفر دخلت التجريدة من الكرك إلى دمشق واستمرت التجريدة الجديدة على الكرك ألفان من مصر وألفان من الشام والمنجنيق منقوض موضوع عند الجيش خارج الكرك والأمور متوقفة على وبرد الحصار بعد رجوع الأحمدي إلى مصر
وفي يوم السبت ثاني ربيع الاول توفي السيد الشريف عماد الدين الخشاب بالكوشك في درب السيرجي جوار المدرسة العزية وصلى عليه ضحى بالجامع الأموي ودفن بمقابر باب الصغير وكان رجلا شهما كثير العبادة والمحبة للسنة وأهلها ممن واظب الشيخ تقي الدين بن تيمية رحمه الله وانتفع به وكان من جملة أنصاره واعوانه على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو الذي بعثه إلى صيدنا يامع بعض القسيسين فلوث يده بالعذرة وضرب اللحمة التي يعظمونها هنالك واهانها غاية الاهانة لقوة إيمانه وشجاعته رحمه الله وإيانا
وفي يوم الخميس سابعه اجتمع الصاحب ومشد الدواوين ووكيل بيت المال ومشد الاوقاف ومباشر والجامع ومعهم العمالين بالقول والمعاول يحفرون إلى جانب السارية عند باب مشهد على تحت تلك الصخرة التي كانت هناك وذلك عن قول رجل جاهل زعم أن هناك مالا مدفونا فشاوروا نائب السلطنة فامرهم بالحفر واجتمع الناس والعامة فأمرهم فأخرجوا وأغلقت أبواب الجامع كلها ليتمكنوا من الحفر ثم حفروا ثانيا وثالثا فلم يجدوا شيئا إلا التراب المحض واشتهر هذا الحفير في البلد وقصده الناس للنظر إليه والتعجب من أمره وانفصل الحال على أن حبس هذا الزاعم لهذا المحال وطم الحفير كما كان
وفي يوم الاثنين ثامن عشر ربيع الأول قدم قاضي حلب ناصر الدين بن الخشاب على البريد مجتازا إلى دمشق فنزل بالعادلية الكبيرة وأخبر أنه صلى على المحدث البارع الفاضل الحافظ شمس الدين محمد بن علي بن أيبك السروجي المصري يوم الجمعة ثامن هذا الشهر بحلب رحمه الله ومولده سنة خمس عشرة وسبعمائة وكان قد أتقن طرفا جيدا في علم الحديث وحفظ أسماء الرجال وجمع وخرج
وفي مستهل ربيع الآخر وقع حريق عظيم بسفح قاسيون احترق به سوق الصالحية الذي بالقرب من جامع المظفري وكانت جملة الدكاكين التي احترقت قريبا من مائة وعشرين دكانا ولم ير حريق من زمان أكبر منه ولا أعظم فانا لله وإنا إليه راجعون وفي يوم الجمعة سادسة رسم بأن يذكر بالصلاة يوم الجمعة في سائر مواذن البلد كما يذكر في مواذن الجامع ففعل ذلك وفي يوم الثلاثاء عاشره طلب من القاضي تقي الدين السبكي قاضي قضاة الشافعية أن يقرض ديوان السلطان شيئا من أموال الغياب التي تحت يده فامتنع من ذلك امتناعا كثيرا فجاء شاد الدواوين وبعض حاشية نائب السلطنة ففتحوا مخزن الأيتام وأخذوا منه خمسين ألف درهم قهرا ودفعوها إلى بعض العرب عما كان تأخر له في الديوان السلطان ووقع أمر كثير لم يعهد مثله
وفي يوم الأربعاء عاشر جمادي الأولى توفي صاحبنا الشيخ الامام العالم العلامة الناقد البارع في فنون العلوم شمس الدين محمد بن الشيخ عماد الدين أحمد بن عبدالهادي المقدسي الحنبلي تغمده الله برحمته وأسكنه بحبوحة جنته مرض قريبا من ثلاثة أشهر بقرحة وحمى سل ثم تفاقم أمره وأفرط به إسهال وتزايد ضعفه إلى أن توفي يومئذ قبل أذان العصر فأخبرني والده أن آخر كلامه أن قال أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين فصلى عليه يوم الخميس بالجامع المظفري وحضر جنازته قضاة البلد وأعيان الناس من العلماء والأمراء والتجار والعامة وكانت جنازته حافلة مليحة عليها ضوء ونور ودفن بالروضة إلى جانب قبر السيف ابن المجد رحمهما الله تعالى وكان مولده في رجب سنة خمس وسبعمائة فلم يبلغ الأربعين وحصل من العلوم مالا يبلغه الشيوخ الكبار وتفنن في الحديث والنحو والتصريف والفقه والتفسير والاصلين والتاريخ والقراءات وله مجاميع وتعاليق مفيدة كثيرة وكان حافظا جيدا لأسماء الرجال وطرق الحديث عارفا بالجرح والتعديل بصيرا بعلل الحديث حسن الفهم له جيد المذاكرة صحيح الذهن مستقيما على طريقة السلف واتباع الكتاب والسنة مثابرا على فعل الخيرات
وفي يوم الثلاثاء سلخه درس بمحراب الحنابلة صاحبنا الشيخ الامام العلامة شرف الدين بن القاضي شرف الدين الحنبلي في حلقة الثلثاء عوضا عن القاضي تقي الدين بن الحافظ رحمه الله وحضر عنده القضاء والفضلاء وكان درسا حسنا أخذ في قوله تعالى إن الله يأمر بالعدل والاحسان وخرج إلى مسألة تفضيل بعض الأولاد وفي يوم الخميس ثاني شهر جمادي الأولى خرجت التجريدة إلى الكرك مقدمان من الامراء وهما الامير شهاب الدين بن صبح والامير سيف الدين قلاوون في أبهة عظيمة وتجمل وجيوش وبقارات وإزعاج كثيرة
وفي صبيحة يوم الأثنين الحادي والعشرين منه قتل بسوق الخيل حسن بن الشيخ السكاكيني على ما ظهر منه من الرفض الدال على الكفر المحض شهد عليه عند القاضي شرف الدين المالكي بشهادات كثيرة تدل على كفره وأنه رافضي جلد فمن ذلك تكفير الشيخين رضي الله عنهما وقذفه أمي المؤمنين عائشة وحفصة رضي الله عنهما وزعم أن جبريل غلط فأوحى إلى محمد وإنما كان مرسلا إلى على وغير ذلك من الأقوال البالطة القبيحة قبحه الله وقد فعل وكان والده الشيخ محمد السكاكيني يعرف مذهب الرافضة والشيعة جيدا وكانت له اسئلة على مذهب اهل الخير ونظم في ذلك قصيدة أجابه فيها شيخنا الامام العلامة شيخ الاسلام بن يتيمة رحمه الله وذكر غير واحد من أصحاب الشيخ أن السكاكيني مامات حتى رجع عن مذهبه وصار إلى قول أهل السنة فالله أعلم وأخبرت أن ولده حسنا هذا القبيح كان قد اراد قتل أبيه لما أظهر السنة
وفي ليلة الاثنين خامس شهر رجب وصل بدن الأمير سيف الدين تنكز نائب الشام كان إلى تربته التي الى جانب جامعة الذي أنشأه ظاهر باب النصر بدمشق نقل من الاسكندرية بعد ثلاث سنين ونصف أو أكثر بشافعة ابنته زوجة الناصر عند ولده السلطان الملك الصالح فأذن في ذلك وأرادوا أن يدفن بمدرسته بالقدس الشريف فلم يمكن فجيء به إلى تربته بدمشق وعملت له الختم وحضر القضاة والأعيان رحمه الله

وفي يوم الثلاثاء حادي عشر شعبان المبارك توفي صاحبنا الامير صلاح الدين يوسف التكريتي ابن اخي الصاحب تقي الدين بن توبة الوزير بمنزلة بالقصاعين كان شابا من أبناء الأربعين ذا ذكاء وفطنة وكلام وبصيرة جيدة وكان كثير المحبة إلى الشيخ تقي الدين بن تيمية رحمه الله ولأصحابه خصوصا ولكل من يراه من أهل العلم عموما وكان فيه إيثار وإحسان ومحبة الفقراء والصالحين ودفن بتربتهم بسفح قاسيون رحمه الله وفي يوم السبت الخامس عشر منه جاءت زلزلة بدمشق لم يشعر بها كثير من الناس لخفتها ولله الحمد والمنة ثم تواترت الاخبار بأنها شعثت في بلاد حلب شيئا كثيرا من العمران حتى سقط بعض الابراج بقلعة حلب وكثير من دورها ومساجدها ومشاهدها وجدرانها وأما في القلاع حولها فكثير جدا وذكروا ان مدينة منبج لم يبق منها إلا القليل وأن عامة السكانين بها هلكوا تحت الردم رحمهم الله
وفي اواخر شهر شوال خرجت التجاريد إلى الكرك وهما أميران مقدمان الأمير علاء الدين فراسنقر والأمير الحاج بيد مر واشتهر في هذه الأيام أن أمر الكرك قد ضعف وتفاقم عليهم الأمر وضاقت الارزاق عندهم جدا ونزل منها جماعات من رؤسائها وخاصكية الأمير أحمد بن الناصر مخامرين عليه فسيروا من الصبح الى قلاوون وصحبتهم مقدمون من الحلقة إلى الديار المصرية واخبروا أن الحواصل عند أحمد قد قلت جدا فالله المسئول أن يحسن العاقبة
وفي ليلة الأربعاء الثامن والعشرين من شهر ذي الحجة توفي القاضي الامام العلامة برهان الدين ابن عبدالحق شيخ الحنفية وقاضي القضاة بالديار المصرية مدة طويلة بعد ابن الحريري ثم عزل وأقام بدمشق ودرس في أيام تغردمر بالعذراوية لولده القاضي امين الدين فذكر بها الدرس يوم الاحد قبل وفاة والده بثلاثة أيام وكان موت برهان الدين رحمه الله ببستانه من أراضي الارزة بطريق الصالحية ودفن من الغد بسفح قاسيون بمقبرة الشيخ ابي عمر رحمه الله وصلى عليه بالجامع المظفري وحضر جنازته القضاة والاعيان والأكبار رحمه الله
*2* ثم دخلت سنة خمس وأربعين وسبعمائة
@ استهلت هذه السنة وسلطان الديار المصرية والديار الشامية وما يتعلق بذلك الملك الصالح بن إسماعيل بن السلطان الملك الناصر محمد بن الملك المنصور قلاوون وقضاته بالديار المصرية والشامية هم المذكورون في السنة المتقدمة ونائبه بمصر الحاج سيف الدين ووزيره المتقدم ذكره وناظر الخاص القاضي مكين الدين وناظر الجيوش القاضي علم الدين ابن القطب والمحتسب المتقدم وشاد الدواوين علم الدين الناصري وشاد الأوقاف الأمير حسام الدين النجيبي ووكيل بيت المال القاضي علاء الدين شرنوخ وناظر الخزانة القاضي تقي الدين بن أبي الطيب وبقية المباشرين والنظارهم المتقدم ذكرهم وكاتب السر القاضي بدر الدين بن فضل الله كاتب السر والقاضي أمين الدين ابن القلانسي والقاضي شهاب الدين بن القيسراني والقاضي شرف الدين بن شمس الدين بن الشهاب محمود والقاضي علاء الدين شرنوخ
شهر المحرم أول السبت استهل والحصار واقع بقلعة الكرك وأما البلد فأخذو استنيب فيه الأمير سيف الدين قبليه قدم اليها من الديار المصرية والتجاريد من الديار المصرية ومن دمشق محيطون بالقلعة والناصر احمد بن الناصر ممتنع من التسليم ومن الاجابة إلى الانابة ومن الدخول في طاعة أخيه وقد تفاقمت الامور وطالت الحروب وقتل خلق كثير بسبب ذلك من الجيوش ومن أهل الكرك وقد توجهت القضية إلى خير إن شاء الله وقبل ذلك بأيام يسيرة هرب من قلعة
الكرك الامير سيف الدين أبو بكر بن بهادرآص الذي كان أسر في أوائل حصار الكرك وجماعة من مماليك الناصر احمد كان اتهمهم بقتل الشهيب احمد الذي كان يعتنى به ويحبه واستبشر الجيوش بنزول أبي بكر من عنده وسلامته من يده وجهز إلى الديار المصرية معظما وهذا والمجانيق الثلاثة سلطة على القلعة من البلد تضرب عليها ليلا ونهارا وتدمر في بنائها من داخل فإن سورها لا يؤثر فيه شيء بالكلية ثم ذكر ان الحصار فتر ولكن مع الاحتياط على أن لا يدخل إلى القلعة ميرة ولا شيء مما يتسعينون به على المقام فيها فالله المسؤول أن يحسن العقابة وفي يوم الاربعاء الخامس والعشرين من صفر قدم البريد مسرعا من الكرك فأخبر بفتح القلعة وان بابها احرق وأن جماعة الأمير أحمد بن الناصر استغاثوا بالأمان وخرج أحمد مقيدا وسير على البريد إلى الديار المصرية وذلك يوم الاثنين بعدا لظهر الثالث والعشرين من هذا الشهر ولله عاقبة الأمور وفي صبيحة يوم الجمعة رابع ربيع الاول دقت البشائر بالقلعة وزينت البلد عن مرسوم السلطان الملك الصالح سرورا بفتح البلد واجتماع الكلمة عليه واستمرت الزينة إلى يوم الاثنين سابعه فرسم برفعها بعد الظهر فتشوش كثير من العوام وأرجف بعض الناس بأن أحمد قد ظهر أمره وبايعه الأمراء الذين هم عنده وليس لذلك حقيقة ودخلت الأطلاب من الكرك صبيحة يوم الأحد ثالث عشر ربيع الاول بالطبلخانات والجيوش واشتهر إعدام احمد بن الناصر
وفي يوم الجمعة حادي عشر ربيع الأول صلى بالجامع الأموي على الشيخ أمين الدين أبي حيان النحوي شيخ البلاد المصرية من مدة طويلة وكانت وفاته بمصر عن تسعين سنة وخمسة أشهر ثم اشتهر في ربيع الآخر قتل السلطان أحمد وحز رأسه وقطع يديه ودفن جثته بالكرك وحمل رأسه إلى أخيه الملك الصالح إسماعيل وحضر بين يديه في الرابع والعشرين من هذا الشهر ففرح الناس بذلك ودخل الشيخ أحمد الزرعي على السلطان الملك الصالح فطلب منه أشياء كثيرة من تبطيل المظالم ومكوسات وإطلاق طبلخانات للأمير ناصر الدين بن بكناش وإطلاق أمراء محبوسين بقلعة دمشق وغير ذلك فأجابه إلى جميع ذلك وكان جملة المراسيم التي أجيب فيها بضع وثلاثين مرسوما فلما كان آخر شهر ربيع الآخر قدمت المراسيم التي سألها الشيخ أحمد من الملك الصالح فأمضيت كلها أو كثير منها وافرج عن صلاح الدين بن الملك الكامل والامير سيف الدين بلو في يوم الخميس سلخ هذا الشهر ثم روجع في كثير منها وتوقف حالها
وفي هذا الشهر عملت منارة خارج باب الفرج وفتحت مدرسة كانت دارا قديمة فجعلت مدرسة للحنفية ومسجدا وعملت طهارة عامة ومصلى للناس وكل ذلك منسوب إلى الامير سيف الدين تقطم الخليلي أمير حاجب كان وهو الذي جدد الدار المعروفة به اليوم بالقصاعين
وفي ليلة الاثنين عاشر جمادي الآخرة ترفى صاحبنا المحدث تقي الدين محمد بن صدر الدين سليمان الجعبري زوج بنت الشيخ جمال الدين المزي والد شرف الدين عبد الله وجمال الدين إبراهيم وغيرهم وكان فقيها بالمدارس وشاهدا تحت الساعات وغيرها وعنده فضيلة جيدة في قراءة الحديث وشيء من العربية وله نظم مستحسن انقطع يومين وبعض الثالث وتوفي في الليلة المذكورة في وسط الليل وكنت عنده وقت العشاء الآخرة ليلتئذ وحدثني وضاحكني وكان خفيف الروح رحمه الله ثم توفي في بقية ليلته رحمه الله وكان أشهدني عليه بالتوبة من جميع ما يسخط الله عز وجل وأنه عازم على ترك الشهود أيضا رحمه الله صلى عليه ظهر يوم الاثنين ودفن بمقابر باب الصغير عند أبويه رحمهم الله
وفي يوم الجمعة ثاني عشرين شهر رجب خطب القاضي عماد الدين بن العز الحنفي بجامع تنكز خارج باب النصر عن نزول الشيخ نجم الدين علي بن داود القفجاري له عن ذلك وايضا نائب السلطنة الامير سيف الدين تغردمر وحضوره عنده في الجامع المذكور يومئذ
وفي يوم الجمعة تاسع عشرين رجب توفي القاضي الامام العالم جلال الدين أبو العباس أحمد ابن قاضي القضاة حسام الدين الرومي الحنفي وصلى عليه بعد صلاة الجمعة بمسجد دمشق وحضره القضاة والأعيان ودفن بالمدرسة التي أنشأها إلى جانب الزردكاش قريبا في الخاتونية الجوانية وكان قد ولى قضاء قضاة الحنفية في أيام ولاية أبيه الديار المصرية وكان مولده سنة أحدى وخمسين وستمائة وقدم الشام مع ابيه فأقاموا بها ثم لما ولى الملك المنصور لاجين ولى أباه قضاء الديار المصرية وولده هذا قضاء الشام ثم إنه عزل بعد ذلك واستمر على ثلاث مدراس من خيار مدارس الحنفية ثم حصل له صمم في آخر عمره وكان ممتعا بحواسه سواه وقواه وكان يذاكر في العلم وغير ذلك
وفي يوم الأربعاء الرابع والعشرين من شعبان توفي الشيخ نجم الدين علي بن داود القفجاري خطيب جامع تنكز ومدرس الظاهرية وقد نزل عنها قبل وفاته بقليل للقاضي عماد الدين بن العز الحنفي وصلى عليه بالجامع المذكور بعد صلاة الظهر يومئذ وعند باب النصر وعند جامع جراح ودفن بمقبرة ابن الشيرجي عند والده وحضره القضاة والاعيان وكان استاذا في النحو وله علوم أخر لكن كان نهاية في النحو والتصريف
وفي هذا اليوم توفي الشيخ الصالح العابد الناسك الشيخ عبد الله الضرير الزرعي وصلى عليه بعد الظهر بالجامع الأموي وبباب النصر وعند مقابر الصوفية ودفن بها قريبا من الشيخ تقي الدين ابن تيمية رحمه الله وكان كثير التلاوة حسنها وصحيحها كثير العبادة يقرئ الناس من دهر طويل ويقوم بهم العشر الأخير من رمضان في محراب الحنابلة بالجامع الأموي رحمه الله
وفي يوم الجمعة ثاني شهر رمضان المعظم توفي الشيخ الامام العالم العامل العابد الزاهد الورع أبو عمر بن أبي الوليد المالكي إمام محراب الصحابة الذي للمالكية وصلى عليه بعد الصلاة وحضر جنازته خلق كثير وجم غفير وتأسف الناس عليه وعلى صلاحه وفتاويه النافعة الكثيرة ودفن إلى جانب قبر أبيه واخيه إلى جانب قبر أبي الغندلاوي المالكي قريبا من مسجد التاريخ رحمه الله وولى مكانه في المحراب ولده وهو طفل صغير فاستنيب له إلى حين صلاحيته جبره ورحم اباه
وفي صبيحة ليلة الثلاثاء سادس رمضان وقع ثلج عظيم لم ير مثله بدمشق من مدة طويلة وكان الناس محتاجين إلى مطر فلله الحمد والمنة وتكاثف الثلج على الأسطحة وتراكم حتى أعيي الناس أمره ونقلوه عن الاسطحة إلى الأزقة يحمل ثم نودي بالأمر بازالته من الطرقات فإنه سدها وتعطلت معايش كثير من الناس فعوض الله الضعفاء بعملهم في الثلج ولحق الناس كلفة كبيرة وغرماة كثيرة فإنا لله وإنا اليه راجعون
وفي يوم الجمعة الثالث والعشرين من رمضان صلى بالجامع الأموي على نائب وهو الأمير علاء الدين الجاولي وقد تقدم شيء من ترجمته رحمه الله
وفي أول شوال يوم عيد الفطر وقع فيه ثلج عظيم بحيث لم يمكن الخطيب من الوصول إلى المصلى ولا خرج نائب السلطنة بل اجتمع الأمراء والقضاة بدار السعادة وحضر الخطيب فصل بهم العيد بها وكثير من الناس صلوا العيد في البيوت
وفي يوم الأحد الحادي والعشرين من ذي الحجة درس قاضي القضاة تقي الدين السبكي الشافعي بالشامية البرانية عن الشيخ شمس الدين ابن النقيب رحمه الله وحضر عنده القضاة والاعيان والأمراء وخلق من الفضلاء وأخذ في قوله تعالى قال رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب وما بعدها وفي ذي الحجة استفتى في قتل كلاب البلد فكتب جماعةمن أهل البلد في ذلك فرسم باخراجهم يوم الجمعة من البلد الخامس والعشرين منه لكن إلى الخندق ظاهر باب الصغير وكان الاولى قتلهم بالكلية وإحراقهم لئلا تنتن الناس بريحهم على ما أفتى به الامام مالك بن أنس من جواز قتل الكلاب ببلدة معينة للمصلحة إذا رأى الامام ذلك ولا يعارض ذلك النهي عن قتل الكلاب ولهذا كان عثمان بن عفان يأمر في خطبته بقتل الكلاب وذبح الحمام
*2* ثم دخلت س
*3* الشيخ نجم الدين القباني الحموي
@ عبد الرحمن بن الحسن بن يحيى اللخمي القباني قرية من قرى اشمون الرمان أقام بحماة في زاوية بزار ويلتمس دعاؤه كان عابدا ورعا زاهدا آمرا بالمعروف وناهيا عن المنكر حسن الطريقة إلى أن توفي بها آخر نهار الاثنين رابع عشر رجب عن ست وستين سنة وكانت جنازته حافلة هائلة جدا ودفن شمالي حماة كان عنده فضيلة واشتغل على مذهب الامام احمد بن حنبل وله كلام حسن يؤثر عنه رحمه الله
*3* الشيخ فتح الدين بن سيد الناس
@ الحافظ العلامة البارع فتح الدين بن أبي الفتح محمد بن الامام ابي عمرو محمد بن الامام الحافظ الخطيب ابي بكر محمد بن أحمد بن عبد الله بن محمد بن يحيى بن سيد الناس الربعي اليعمري الاندلسي الاشبيلي ثم المصري ولد في العشر الاول من ذي الحجة سنة إحدى وسبعين وستمائة وسمع الكثير وأجاز له الرواية عنهم جماعات من المشايخ ودخل دمشق سنة تسعين فسمع من الكندي وغيره واشتغل بالعلم فبرع وساد أقرانه في علوم شتى من الحديث والفقه والنحو من العربية وعلم السير والتواريخ وغير ذلك من الفنون وقد جمع سيرة حسنة في مجلدين وشرح قطعة حسنة من أول جامع الترمذي رأيت منها مجلدا بخطه الحسن وقد حرر وحبر وافاد وأجاد ولم يسلم من بعض الانتقاد وله الشعر الرائق الفائق والنثر الموافق والبلاغة التامة وحسن الترصيف والتصنيف وجودة البديهة وحسن الطوية وله العقيدة السلفية الموضوعة على الاي والاخبار ولااثار والاقتفاء بالاثار النبوية ويذكر عنه سوء أدب في أشياء أخر سامحه الله فيها وله مدائح في رسو الله صلى الله عليه وسلم حسان وكان شيخ الحديث بالظاهرية بمصر وخطب بجامع الخندق ولم يكن في مصر في مجموعة مثله في حفظ الاسانيد والمتون والعلل والفقه والملح والاشعار والحكايات توفي فجأة يوم السبت حادي عشر شعبان وصلى عليه من الغد وكانت جنازته حافلة ودفن عند ابن أبي جمرة رحمه الله
*3* القاضي مجد الدين بن حرمي
@ ابن قاسم بن يوسف العامري الفاقوسي الشافعي وكيل بيت المال ومدرس الشافعي وغيره كانت له همة ونهضة وعلت سنه وهو مع ذلك يحفظ ويشغل ويشتغل ويلقي الدروس من حفظه إلى ان توفي ثاني ذي الحجة وولى تدريس الشافعي بعده شمس الدين ابن القماح والقطبية بهاء الدين ابن عقيل والوكلة نجم الدين الاسعردي المحتسب
وهو كان وكيل بيت الظاهر
*2* ثم دخلت سنة خمس وثلاثين وسبعمائة
@ استهلت وحكام البلاد هم المذكورون في التي قبلها وناظر الجامع عز الدين ابن المنجا والمحتسب عماد الدين الشيرازي وغيرهم وفي مستهل المحرم يوم الخميس درس بأم الصالح الشيخ خطيب تبرور عوضا عن قاضي القضاة شهاب الدين ابن المجد وحضر عنده القضاة والاعيان وفي سادس المحرم رجع مهنا بن عيسى من عند السلطان فتلقاه النائب والجيش وعاد إلى أهله في عز وعافية وفيه أمر السلطان بعمارة جامع القلعة وتوسيعه وعمارة جامع مصر العتيق وقدم إلى دمشق القاضي جمال الدين محمد بن عماد الدين ابن الاثير كاتب سربها عوضا عن ابن الشهاب محمود ووقع في هذا الشهر والذي بعده موت كثير في الناس بالخانوق
وفي ربيع الاول مسك الامير نجم الدين بن الزيبق مشد الدواوين وصودر وبيعت خيوله وحوصاله وتولاه بعده سيف الدين ثمر مملوك بكتمر الحاجب وهو مشد الزكاة وفيه كملت عمارة حمام الامير شمس الدين حمزه الذي تمكن عند تنكز بعد ناصر الدين الدوادار ثم وقعت الشناعة عليه بسبب ظلمه في عمارة هذا الحمام فقابله النائب على ذلك وانتصف للناس منه وضربه بين يديه وضربه بالبندق بيده في وجهه وسائر جسده ثم أودعه القلعة ثم نقله إلى بحيرة طبرية فغرقه فيها وعزل الامير جمال الدين نائب الكرك عن نيابة طرابلس حسب سؤاله في ذلك وراح إليها طيغال وقد نائب الكرك إلى دمشق وقد رسم له بالاقامة في سلخد فلما تلقاه نائب السلطنة والجيش نزل في دار السعادة واخذ سيفه بها ونقل إلى القلعة ثم نقل إلى صفت ثم إلى الاسكندرية ثم كان آخر العهد به وفي جمادي الاولى احتيط على دار الامير بكتمر الحاجب الحسامي بالقاهرة ونبشت وأخذ منها شيء كثير جدا وكان جد أولاده نائب الكرك المذكور وفي يوم السبت تاسع جمادي الاخرة باشر حسام الدين أبو بكر ابن الأمير عز الدين أيبك التجيبي شد الاوقاف عوضا عن ابن بكتاش اعتقل وخلع على المتولي وهنأه الناس وفي منتصف هذا الشهر علق الستر الجديد على خزانة المصحف العثماني وهو من خز طوله ثمانية أذرع وعرضه أربعة أذرع ونصف غرم عليه أربعة آلاف وخمسمائة وعمل في مدة سنة ونصف
وخرج الركب الشامي يوم الخميس تاسع شوال وأميره علاء الدين المرسي وقاضيه شهاب الدين الظاهري وفيه رجع جيش حلب إليها وكانوا عشرة آلاف سوى من تبعهم من التركمان وكانوا في بلاد أذنة وطرسوس وإياس وقد خربوا وقتلوا خلقا كثيرا ولم يعدم منهم سوى رجل واحد غرق بنهر جاهان ولكن كان قتل الكفار من كان عندهم من المسلمين نحوا من ألف رجل يوم عيد الفطر فانا لله وإنا إليه راجعون
وفيه وقع حريق عظيم بحماة فاحترق منه أسواق كثيرة وأملاك وأوقاف وهلكت أموال لاتحصر وكذلك احترق أكثر مدينة أنطاكية فتألم المسلمون لذلك وفي ذي الحجة خرب المسجد الذي كان في الطريق بين باب النصر وبين باب الجابية عن حكم القضاة بأمر نائب السلطنة وبني غريبة مسجد حسن أحسن وأنفع من الاول وتوفي فيها من الاعيان :
*3* الشيخ الصالح المعمر رئيس المؤذنين بجامع دمشق
@ برهان الدين إبراهيم بن محمد بن أحمد بن محمد الواني ولد سنة ثلاث وأربعين وستمائة وسمع الحديث وروى وكان حسن الصوت والشكل محببا إلى العوام توفي يوم الخميس سادس صفر ودفن بباب الصغير وقام من بعده في الرياسة ولده أمين الدين محمد الواني المحدث المفيد وتوفي بعده ببضع وأربعين يوما رحمهما الله
*3* الكاتب المطبق المجود المحرر
@ بهاء الدين محمود ابن خطيب بعلبك محيي الدين محمد بن عبد الرحيم بن عبد الوهاب السلمي ولد سنة ثمان وثمانين وستمائة واعتني بهذه الصناعة فبرع فيها وتقدم على أهل زمانه قاطبة في النسخ وبقية الأقلام وكان سحن الشكل طيب الاخلاق طيب الصوت حسن التودد توفي في سلخ ربيع الاول ودفن بتربة الشيخ ابي عمر رحمه الله
*3* علاء الدين السنجاري
@ واقف دار القرآن عند باب الناطفانيين شمالي الاموي بدمشق علي بن إسماعيل بن محمود كان احد التجار الصدق الاخيار ذوي اليسار المسارعين إلى الخيرات توفي بالقاهرة ليلة الخميس ثالث عشر جمادي الاخرة ودفن عند قبر القاضي شمس الدين بن الحريري
*3* العدل نجم الدين التاجر
@ عبد الرحيم بن أبي القاسم عبد الرحمن الرحبي باني التربة المشهورة بالمزة وقد جعل لها مسجدا ووقف عليها أوقافا دارة وصدقات هناك وكان من أخيار أبناء جنسه عدل مرضى عند جميع الحكام وترك اولادا وأموالا جمة ودارا هائلة وبساتين بالمزة وكان وفاته يوم الاربعاء سابع عشرين جمادي الاخرة ودفن بتربته المذكورة بالمزة رحمه الله
*3* الشيخ الامام الحافظ قطب الدين
@ ابو محمد عبدالكريم بن عبدالنور بن منير بن عبدالكريم بن علي بن عبدالحق بن عبدالصمد بن عبدالنور الحلبي الاصل ثم المصري أحد مشاهير المحدثين بها والقائمين بحفظ الحديث وروايته وتدوينه وشرحه والكلام عليه ولد سنة اربع وستين وستمائة بحلب وقرأ القرآن بالروايات وسمع الحديث وقرأ الشاطبية والألفية وبرع في فن الحديث وكان حنفي المذهب وكتب كثيرا وصنف شرحا لأكثر البخاري وجمع تاريخا لمصر ولم يكملهما وتكلم على السيرة التي جمعها الحافظ عبد الغني وخرج لنفسه أربعين حديثا متبانة الاسناد وكان حسن الاخلاق مطرحا للكلفة طاهر اللسان كثير المطالعة والاشتغال إلى أن توفي يوم الأحد سلخ رجب ودفن من الغد مستهل شعبان عند خاله نصر المنبجي وخلف تسعة أولاد رحمه الله
*3* القاضي الامام زين الدين أبو محمد
@ عبد الكافي بن علي بن تمام بن يوسف السبكي قاضي المحلة ووالده العلامة قاضي القضاة تقي الدين السبكي الشافعي سمع من ابن الانماطي وابن خطيب المزة وحدث وتوفي تاسع شعبان وتبعته زوجته ناصرية بنت القاضي جمال الدين إبراهيم بن الحسين السبكي ودفنت بالقرافة وقد سمعت من ابن الصابوني شيئا من سنن النسائي وكذلك ابنتها محمدية وقد توفيت قبلها
*3* تاج الدين علي بن إبراهيم
@ ابن عبد الكريم المصري ويعرف بكاتب قطلبك وهو والد العلامة فخر الدين شيخ الشافعية ومدرسهم في عدة مدارس ووالده هذا لم يزل في الخدمة والكتابة إلى أن توفي عنده بالعادلية الصغيرة ليلة الثلاثاء ثالث عشر شعبان وصلى عليه من الغد بالجامع ودفن بباب الصغير
*3* الشيخ الصالح عبد الكافي
@ ويعرف بعبيد ابن أبي الرجال بن حسين بن سلطان بن خليفة المنيني ويعرف بابن أبي الازرق مولده في سنة أربع وأربعين وستمائة بقريته من بلاد بعلبك ثم أقام بقرية منين وكان مشهورا بالصلاح وقرئ عليه شيء من الحديث وجاوز التسعين
*3* الشيخ محمد بن عبدالحق
@ ابن شعبان بن علي الأنصاري المعروف بالسياح له زاوية بسفح قاسيون بالوادي الشمالي مشهورة به كان قد بلغ التسعين وسمع الحديث وأسمعه كانت له معرفة بالامور وعنده بعض مكاشفة وهو رجل حسن توفي أواخر شوال من هذه السنة
*3* الامير سلطان العرب
@ حسام الدين مهنا بن عيسى بن مهنا أمير العرب بالشام وهم يزعمون أنهم من سلالة جعفر بن يحيى بن خالد البرمكي من ذرية الولد الذي جاء من العباسة اخت الرشيد فالله أعلم
وقد كان كبير القدر محترما عند الملوك كلهم بالشام ومصر والعراق وكان دينا خيرا متحيزا للحق وخلف أولادا وورثة وأموالا كثيرة وقد بلغ سنا عالية وكان يحب الشيخ تقي الدين بن تيمية حبا زائدا هو وذريته وعربه وله عندهم منزلة وحرمة وإكرام يسمعون قوله ويمتثلونه وهو الذي نهاهم أن يغير بعضهم على بعض وعرفهم أن ذلك حرام وله في ذلك مصنف جليل
وكان وفاة مهنا هذا ببلاد سلمية في ثامن عشر ذي القعدة ودفن هناك رحمه الله
*3* الشيخ الزاهد فضل العلجوني
@ فضل بن عيسى بن قنديل العجلوني الحبنلي المقيم بالمسمارية أصله من بلاد حبراحي كان متقللا من الدنيا يلبس ثيابا طوالا وعمامة هائلة وهي بأرخص الاثمان وكان يعرف تعبير الرؤيا ويقصد لذلك وكان لا يقبل من أحد شيئا وقد عرضت عليه وظائف بجوامك كثيرة فلم يقبلها بل رضي بالرغيد الهني من العيش الخشن إلى ان توفي في ذي الحجة وله تحو تسعين سنة ودفن بالقرب من قبر الشيخ تقي الدين بن تيمية رحمهما الله وكانت جنازته حافلة جدا
*2* ثم دخلت سنة ست وثلاثين وسبعمائة
@ استهلت بيوم الجمعة والحكام هم المذكورون في التي قبلها وفي أول يوم منها ركب تنكز إلى قلعة جعبر ومعه الجيش والمناجنيق فغابوا شهرا وخمسة ايام وعادوا سالمين وفي ثامن صفر فتحت الخانقاه التي أنشأها سيف الدين قوصون الناصري خارج باب القرافة وتولى مشيختها الشيخ شمس الدين الأصبهاني المتكلم وفي عاشر صفر خرج ابن جملة من السجن بالقلعة وجاءت الاخبار بموت ملك التتار أبي سعيد بن خربندا بن أرغون بن أبغا بن هولاكوبن تولى بن جنكزخان في يوم الخميس ثاني عشر ربيع الاخر بدار السلطنة بقراباغ وهي منزلهم في الشتاء ثم نقل إلى تربته بمدينته التي أنشاها قريبا من السلطانية مدينة أبيه وقد كان من خيار ملوك التتار واحسنهم طريقة واثبتهم على السنة واقومهم بها وقد عز اهل السنة بزمانه وذلت الرافضة بخلاف دولة أبيه ثم من بعده لم يقم للتتار قائمة بل اختلفوا فتفرقوا شذر مذر إلى زماننا هذا وكان القائم من بعده بالأمر ارتكاوون من ذرية أبغا ولم يستمر له الأمر إلا قليلا
وفي يوم الاربعاء عاشر جمادي الأولى درس بالناصرية الجوانية بدر الدين الأردبيلي عوضا عن كمال الدين ابن الشيرازي توفي وحضر عنده القضاة وفيه درس بالظاهرية البرانية الشيخ الامام المقري سيف الدين أبو بكر الحريري عوضا عن بدر الدين الأردبيلي تركها لما حصلت له الناصرية الجوانية وبعده بيوم درس بالنجيبية كاتبه إسماعيل ابن كثير عوضا عن الشيخ جمال الدين ابن قاضي الزبداني تركها حين تعين له تدريس الظاهرية الجوانية وحضر عنده القضاة والاعيان كان درسا حافلا أثنى عليه الحاضرون وتعجبوا من جمعه وترتيبه وكان ذلك في تفسير قوله تعالى إنما يخشى الله من عباده العلماء وإنساق الكلام إلى مسألة ربا الفضل وفي يوم الاحد رابع عشرة ذكر الدرس بالظاهرية المذكورة ابن قاضي الزبداني عوضا عن علاء الدين ابن القلانسي توفي وحضر عنده القضاة والأعيان وكان يوما مطيرا
وفي أول جمادي الاخرة وقع غلاء شديد بديار مصر واشتد ذلك إلى شهر رمضان وتوجه خلق كثير في رجب إلى مكة نحوا من ألفين وخمسمائة منهم عز الدين ابن جماعة وفخر الدين النويري وحسن السلامي وأبو الفتح السلامي وخلق وفي رجب كملت عمارة جسر باب الفرج وعمل عليه باسورة ورسم باستمرار فتحه إلى بعد العشاء الآخرة كبقية سائر الأبواب وكان قبل ذلك يغلق من المغرب وفي سلخ رجب أقيمت الجمعة بالجامع الذي أنشاه نجم الدين ابن خيلخان تجاه باب كيسان من القبلة وخطب فيه الشيخ الامام العلامة شمس الدين ابن قيم الجوزية وفي ثاني شعبان باشر كتابة السر بدمشق القاضي علم الدين محمد بن قطب الدين أحمد بن مفضل عوضا عن كمال الدين ابن الأثير عزل وراح إلى مصر وفي يوم الأربعاء رابع رمضان ذكر الدرس بالأمينية الشيخ بهاء الدين ابن إمام المشهد عوضا عن علاء الدين بن القلانسي وفي العشرين منه خلع على الصدر نجم الدين بن أبي الطيب بنظر الخزانة مضافا إلىما بيده من وكالة بيت المال بعد وفاة ابن القلانسي بشهور وخرج الركب الشامي يوم الاثنين ثامن شوال واميره قطلودمر الخليلي وممن حج فيه قاضي طرابلس محيي الدين بن جهبل والفخر المصري وأبن قاضي الزبداني وابن العز الحنفي وابن غانم والسخاوي وابن قيم الجوزية وناصر الدين بن البربوه الحنفي وجاءت الأخبار بوقعة جرت بين التتار قتل فيها خلق كثير منهم وانتصر على باشا وسلطانه الذي كان قد أقامه وهو موسى كاوون على اربا كاوون وأصحابه فقتل هو ووزيره ابن رشيد الدولة وجرت خطوب كثيرة طويلة وضربت البشائر بدمشق
وفي ذي القعدة خلع على ناظر الجامع الشيخ عز الدين بن المنجا بسب إكماله البطائن في الرواق الشمالي والغربي والشرقي ولم يكن قبل ذلك له بطائن وفي يوم الاربعاء سابع الحجة ذكر الدرس بالشبلية القاضي نجم الدين ابن قاضي القضاة عماد الدين الطرسوسي الحنفي وهو ابن سبع عشرة سنة وحضر عنده القضاة والأعيان وشكروا من فضله ونباهته وفرحوا لأبيه فيه وفيها عزل ابن النقيب عن قضاء حلب ووليها ابن خطيب جسرين وولى الحسبة بالقاهرة ضياء الدين يوسف بن أبي بكر بن محمد خطيب بيت الأبار خلع عليه السطان وفي ذي القعدة رسم السلطان باعتقال الخليفة المستكفي وأهله وأن يمنعوا من الاجتماع فآل أمرهم كما كان أيام الظاهر والمنصور وممن توفي فيها من الاعيان :
*3* السلطان أبو سعيد ابن خربندا
@ وكان اخر من اجتمع شمل التتار عليه ثم تفرقوا من بعده
*3* الشيخ البندنيجي
@ شمس الدين علي بن محمد بن ممدود بن عيسى البندنيجي الصوفي قدم علينا من بغداد شيخنا كبيرا راويا لأشياء كثيرة فيها صحيح مسلم والترمذي وغير ذلك وعنده فوائد ولد سنة اربع وأربعين وستمائة وكان والده محدثا فأسمعه أشياء كثيرة على مشايخ عدة وكان موته بدمشق رابع المحرم
*3* قاضي قضاة بغداد
@ قطب الدين أبو الفضائل محمد بن عمر بن الفضل التبريزي الشافعي المعروف بالأحوس سمع شيئا من الحديث واشتغل بالفقه والأصول والمنطق والعربية والمعاني والبيان كان بارعا في فنون كثيرة ودرس بالمستنصرية بعد العاقولي وفي مدارس كبار وكان حسن الخلق كثير الخير على الفقراء والضعفاء متواضعا يكتب حسنا أيضا توفي في آخر المحرم ودفن بتربة له عند داره ببغداد رحمه الله
*3* الامير صارم الدين
@ ابراهيم بن محمد بن أبي القاسم بن أبي الزهر المعروف بالمغزال كانت له مطالعة وعنده شيء من التاريخ ويحاضر جيدا ولما توفي يوم الجمعة وقت الصلاة السادس والعشرين من المحرم دفن بتربة له عند حمام العديم
*3* الامير علاء الدين مغلطاي الخازن
@ نائب القلعة وصاحب التربة تجاه الجامع المظفري من الغرب كان رجلا جيدا له أوقاف وبر وصدقات توفي يوم الجمعة بكرة عاشر صفر ودفن بتربته المذكورة
*3* القاضي كمال الدين
@ أحمد بن محمد بن محمد بن عبد الله بن هبة الله بن الشيرازي الدمشقي ولد سنة سبعين وسمع الحديث وتفقه على الشيخ تاج الدين الفزاري الشيخ زين الدين الفارقي وحفظ مختصر المزني ودرس في وقت بالبادرائية وفي وقت بالشامية البرانية ثم ولي تدريس الناصرية الجوانية مدة سنين إلى حين وفاته وكان صدرا كبيرا ذكر لقضاء قضاة دمشق غير مرة وكان حسن المباشرة والشكل توفي في ثالث صفر ودفن بتربتهم بسفح قاسيون رحمه الله
*3* الامير ناصر الدين
@ محمد بن الملك المسعود جلال الدين عبد الله بن الملك الصالح إسماعيل بن العادل كان شيخا مسنا قد اعتنى بصحيح البخاري يختصره وله فهم جيد ولديه فضيلة وكان يسكن المزة وبها توفي ليلة السبت خامس عشرين صفر وله أربع وسبعون سنة ودفن بتربتهم بالمزة رحمه الله
*3* علاء الدين
@ علي بن شرف الدين محمد بن القلانسي قاضي العسكر ووكيل بيت المال وموقع الدست ومدرس الامينية والظاهرية وغير ذلك من المناصب ثم سلبها كلها سوى التدريسين وبقي معزولا إلى حين أن توفي بكرة السبت خامس وعشرين صفر ودفن بتربتهم
*3* عز الدين أحمد بن الشيخ زين الدين
@ محمد بن أحمد بن محمود العقيلي ويعرف بابن القلانسي محتسب دمشق وناظر الخزانة كان محمود المباشرة ثم عزل الحسبة واستمر بالخزانة إلى أن توفي يوم الاثنين تاسع عشر جمادي الاولى ودفن بقاسيون
*3* الشيخ علي بن أبي المجد بن شرف بن أحمد الحمصي
@ ثم الدمشقي مؤذن البربوة خمسا وأربعين سنة وله ديوان شعروتعاليق وأشياء كثيرة مما ينكر أمرها وكان محلولا في دينه توفي جمادي الاولى أيضا
*3* الامير شهاب الدين بن برق
@ متولي دمشق شهد جنازته خلق كثير توفي ثاني شعبان ودفن بالصالحية واثنى عليه الناس
*3* الأمير فخر الدين ابن الشمس لؤلؤ
@ متولى البر كان مشكورا أيضا توفي رابع شعبان وكان شيخا كبيرا توفي ببستانه ببيت لهيا ودفن بتربته هناك وترك ذرية كثيرة رحمه الله
*3* عماد الدين إسماعيل
@ ابن شرف الدين محمد بن الوزير فتح الدين عبد الله بن محمد بن أحمد بن خالد بن صغير بن القيسراني أحد كتاب الدست وكان من خيار الناس محببا إلى الفقراء والصالحين وفيه مروءة كثيرة وكتب بمصر ثم صار إلى حلب كاتب سرها ثم انتقل إلى دمشق فأقام بها إلى أن مات ليلة الاحد ثالث عشر القعدة وصلى عليه من الغد بجامع دمشق ودفن بالصوفية عن خمس وستين سنة وقد سمع شيئا من الحديث على الابرقوهي وغيره
وفي ذي القعدة توفي شهاب الدين ابن القديسة المحدث بطريق الحجاز الشريف وفي ذي الحجة توفي الشمس محمد المؤذن المعروف بالنجار ويعرف بالبتي وكان يتكلم ونشد في المحافل والله سبحانه أعلم
*2* ثم دخلت سنة سبع وثلاثين وسبعمائة
@ استهلت بيوم الجمعة والخليفة المستكفي بالله قد اعتقله السلطان الملك الناصر ومنعه من الاجتماع بالناس ونائب الشام تنكز بن عبد الله الناصري والقضاة والمباشرون هم المذكورون في التي قبلها سوى كاتب السر فإنه علم الدين بن القطب ووالي البر الأمير بدر الدين بن قطلوبك ابن شنشنكير ووالي المدينة حسام الدين طرقطاي الجوكنداري
وفي أول يوم منها يوم الجمعة وصلت الاخبار بأن على باشا كسر جيشه وقيل إنه قتل ووصلت كتب الحجاج في الثاني والعشرين من المحرم تصف مشقة كثيرة حصلت للحجاج من موت الجمال وإلقاء الأحمال ومشى كثير من النساء والرجال فإنا لله وإنا إليه راجعون والحمد لله على كل حال
وفي آخر المحرم قدم إلى دمشق القاضي حسام الدين حسن بن محمد الغوري قاضي بغداد وكان والوزير نجم الدين محمود بن علي بن شروان الكردي وشرف الدين عثمان بن حسن البلدي فأقاموا ثلاثة أيام ثم توجهوا إلى مصر فحصل لهم قبول تام من السلطان فاستقضى الاول على الحنفية كما سيأتي واستوزر الثاني وأمر الثالث وفي يوم عاشوراء احضر شمس الدين محمد بن الشيخ شهاب الدين بن اللبان الفقيه الشافعي إلى مجلس الحكم الجلالي وحضر معه شهاب الدين بن فضل الله مجد الدين الاقصرائي شيخ الشيوخ وشهاب الدين الأصبهاني فادعى عليه بأشياء منكرة من الحلول والاتحاد والغلو في القرمطة وغير ذلك فأقر ببعضها فحكم عليه بحقن دمه ثم توسط في أمره وأبقيت عليه جهاته ومنع من الكلام على الناس وقام في صفه جماعة من الأمراء والأعيان وفي صفر احترق بقصر حجاج حريق عظيم أتلف دورا ودكاكين عديدة وفي ربيع الاول ولد للسلطان ولد فدقت البشائر وزينت البلد أياما وفي منتصف ربيع الاخر أمر الامير صارم الدين إبراهيم الحاجب الساكن تجاه جامع كريم الدين طبلخاناه وهو من كبار أصحاب الشيخ تقي الدين رحمه الله وله مقاصد حسنة صالحة وهو في نفسه رجل جيد وفيه أفرج عن الخليفة المستكفي وأطلق من البرج في حادي عشرين ربيع الاخر ولزم بيته وفي يوم الجمعة عشرين جمادي الاخرة اقيمت الجمعة في جامعين بمصر أحدهما أنشاه الأمير عز الدين أيدمر بن عبد الله الخطيري مات بعد ذلك باثني عشر يوما رحمه الله والثاني أنشأته امرأة يقال لها الست حدق دادة السلطان الناصر عند قنطرة السباع وفي شعبان سافر القاضي شهاب الدين أحمد بن شرف بن منصور النائب في الحكم بدمشق إلى قضاء طرابلس وناب بعده الشيخ شهاب الدين أحمد بن النقيب البعلبكي وفيه خلع على عز الدين بن جماعة بوكالة بيت المال بمصر وعلى ضياء الدين ابن خطيب بيت الابار بالحسبة بالقاهرة مع ما بيده من نظر الاوقاف وغيره وفيه أمر الأمير ناظر القدس بطبلخاناه ثم عاد إلى القدس
وفي عاشر رمضان قدمت من مصر مقدمتان ألفان إلى دمشق سائرة إلى بلاد سيس وفيهم علاء الدين فاجتمع به أهل العلم وهو من افاضل الحنفية وله مصنفات في الحديث وغيره
وخرج الركب الشامي يوم الاثنين عاشر شوال وأميره بهادر قبجق وقاضية محيي الدين الطرابلسي مدرس الحمصية وفي الركب تقي الدين شيخ الشيوخ وعماد الدين ابن الشيرازي ونجم الدين الطرسوسي وجمال الدين المرداوي وصاحبه شمس الدين ابن مفلح والصدر المالكي والشرف ابن القيسراني والشيخ خالد المقيم عند دار الطعم وجمال الدين بن الشهاب محمود
وفي ذي القعدة وصلت الاخبار بان الجيش تسلموا من بلاد سيس سبع قلاع وحصل لهم خير كثير ولله الحمد وفرح المسلمون بذلك وفيه كانت وقعة هائلة بين التتار انتصر فيها الشيخ وذووه وفيها نفي السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون الخليفة وأهله وذويه وكانوا قريبا من مائة نفس إلى بلاد قوص ورتب لهم هناك ما يقوم بمصالحهم فإنا لله وإنا إليه راجعون وممن توفي فيها من الاعيان :
*3* الشيخ علاء الدين بن غانم
@ أبو الحسن علي بن محمد بن سليمان بن حمائل بن علي المقدسي أحد الكبار المشهورين بالفضائل وحسن الترسل وكثرة الادب والاشعار والمروءة التامة مولده سنة إحدى وخمسين وستمائة وسمع الحديث الكثير وحفظ القرآن والتنبيه وباشر الجهات وقصده الناس في الامور المهات وكان كثير الاحسان إلى الخاص والعام توفي مرجعه في الحج في منزلة تبوك يوم الخميس ثالث عشر المحرم ودفن هناك رحمه الله ثم تبعه أخوه شهاب الدين أحمد في شهر رمضان وكان اصغر منه سنا بسنة وكان فاضلا أيضا بارعا كثير الدعابة
*3* الشرف محمود الحريري
@ المؤذن بالجامع الموي بنى حماما بالنيرب ومات في آخر المحرم
*3* الشيخ الصالح العابد
@ ناصر الدين بن الشيخ إبراهيم بن معضاد بن شداد بن ماجد بن مالك الجعبري ثم المصري ولد سنة خمسين وستمائة بقلعة جعبر وسمع صحيح مسلم وغيره وكان يتكلم على الناس ويعظهم ويستحضر أشياء كثيرة من التفسير وغيره كان فيه صلاح وعبادة توفي في الرابع والعشرين من المحرم ودفن بزاويتهم عند والده خارج باب النصر
*3* الشيخ شهاب الدين عبدا لحق الحنفي
@ أحمد بن علي بن أحمد بن علي بن يوسف بن قاضي ! الحنفيين ويعرف بابن عبدالحق الحنفي شيخ المذهب ومدرس الحنفية وغيرها وكان بارعا فاضلا دينا توفي في ربيع الاول
*3* الشيخ عماد الدين
@ إبراهيم بن علي بن عبدالرحمن بن عبدالمنعم بن نعمة المقدسي النابلسي الحنبلي الامام العالم العابد شيخ الحنابلة بها وفقيههم من مدة طويلة توفي في ربيع الاول
*3* الشيخ الامام العابد الناسك
@ محب الدين عبد الله بن احمد بن المحب عبد الله بن أحمد بن أبي بكر محمد بن إبراهيم بن أحمد بن عبدالرحمن بن إسماعيل بن منصور المقدسي الحنبلي سمع الكثير وقرأ بنفسه وكتب الطباق وانتفع الناس به وكانت له مجالس وعظ من الكتاب والسنة في الجامع الاموي وغيره وله صوت طيب بالقراءة جدا وعليه روح وسكينة ووقار وكانت مواعيده مفيدة ينتفع بها الناس وكان شيخ الاسلام تقي الدين ابن تيمية يحبه ويحب قراءته توفي يوم الاثنين سابع ربيع الاول وكانت جنازته حافلة ودفن بقاسيون وشهد الناس له بخير رحمه الله تعالى وبلغ خمسا وخسمين سنة
*3* المحدث البارع المحصل المفيد المخرج المجيد
@ ناصر الدين محمد بن طغربل بن عبد الله الصيرفي أبوه الخوارزمي الاصل سمع الكثير وقرأ بنفسه وكان سريع القراءة وقرأ الكتب الكبار والصغار وجمع وخرج شيئا كثيرا وكان بارعا في هذا الشأن رحل فأدركته منيته بحماة يوم السبت ثاني ربيع الاول ودفن من الغد بمقابر طيبة رحمه الله
*3* شيخنا الامام العالم العابد
@ شمس الدين أبو محمد عبد الله بن العفيف محمد بن الشيخ تقي الدين يوسف بن عبد المنعم بن نعمة المقدسي النابلسي الحنبلي إمام مسجد الحنابلة بها ولد سنة سبع واربعين وستمائة وسمع الكثير وكان كثير العبادة حسن الصوت عليه البهاء والوقار وسحن الشكل والسمت قرأت عليه عام ثلاث وثلاثين وسبعمائة مرجعنا من القدس كثيرا من الأجزاء والفوائد وهو والد صاحبنا الشيخ جمال الدين يوسف أحد مفتية الحنابلة وغيرهم والمشهورين بالخير والصلاح توفي يوم الخميس ثاني عشرين ربيع الاخر ودفن هناك رحمه الله
*3* الشيخ محمد بن عبد الله بن المجد
@ إبراهيم المرشدي المقيم بمنية مرشد يقصده الناس للزيارة ويضيف الناس على حسب مراتبهم وينفق نفقات كثيرة جدا ولم يكن يأخذ من أحد شيئا فيما يبدو للناس والله أعلم بحاله وأصله من قرية دهروط وأقام بالقاهرة مدة واشتغل بها ويقال إنه قرأ التنبيه في الفقه ثم انقطع بمنية مرشد واشتهر أمره في الناس وحج مرات وكان إذا دخل القاهرة يزدحم عليه الناس ثم كانت وفاته يوم الخميس ثامن رمضان ودفن بزاويته وصلى عليه بالقاهرة ودمشق وغيرها
*3* الامير أسد الدين
@ عبد القادر بن المغيث عبدالعزيز بن الملك المعظم عيسى بن العادل ولد سنة ثنتين وأربعين وستمائة وسمع الكثير وأسمع وكان يأتي كل سنة من مصر إلى دمشق ويكرم أهل الحديث ولم يبق من بعده من بني أيوب أعلا سنا منه توفي بالرملة في سلخ رمضان رحمه الله
*3* الشيخ الصالح الفاضل
@ حسن بن إبراهيم بن حسن الحاكي الحكري إمام مسجده هناك ومذكر الناس في كل جمعة ولديه فضائل وفي كلامه نفع كثير إلى أن توفي في العشرين من شوال ولم ير الناس مثل جنازته بديار مصر رحمه الله تعالى
*2* ثم دخلت سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة
@ استهلت بيوم الاربعاء والخليفة المستكفي منفي ببلاد قوص ومعه أهله وذووه ومن يلوذ به وسلطان البلاد الملك الناصر محمد بن الملك المنصور ولا نائب بديار مصر ولا وزير ونائبه بدمشق تنكز وقضاة البلاد ونوابها ومباشروها هم المذكورون في التي قبلها وفي ثالث ربيع الاول رسم السلطان بتسفير علي ومحمد ابني داود بن سليمان بن داود بن العاضد آخر خلفاء الفاطميين إلى الفيوم يقيمون به وفي يوم الجمعة ثاني عشر ربيع الآخر عزل القاضي علم الدين بن القطب عن كتابة السر وضرب وصودر ونكب بسببه القاضي فخر الدين المصري وعزل عن مدرسته الدولعية وأخذها ابن جملة والعادلية الصغيرة باشرها ابن النقيب ورسم عليه بالعذراوية مائة يوم وأخذ شيء من ماله
وفي ليلة الاحد ثالث عشرين ربيع الاول بعدالمغرب هبت ريح شديدة بمصر وأعقبها رعد وبرق وبرد بقدر الجوز وهذا شيء لم يشاهدوا مثله من أعصار متطاولة بتلك البلاد وفي عاشر جمادي الاولى استهل الغيث بمكة من أول الليل فلما انتصف الليل جاء سيل عظيم هائل لم ير مثله من دهر طويل فخرب دورا كثيرة نحوا من ثلاثين أو أكثر وغرق جماعة وكسر أبواب المسجد ودخل الكعبة وارتفع فيها نحوا من ذراع أو أكثر وجرى أمر عظيم حكاه الشيخ عفيف الدين الطبري وفي سابع عشرين من جمادي الاولى عزل القاضي جلال الدين عن قضاء مصر واتفق وصلو خبر موت قاضي الشام ابن المجد بعد أن عزل بيسير فولاه السلطان قضاء الشام فسار إليها راجعا عودا على بدء ثم عزل السلطان برهان الدين بن عبدالحق قاضي الحنفية وعزل قاضي الحنابلة تقي الدين ورسم على ولده صدر الدين بأداء ديون الناس إليهم وكانت قريبا من ثلاثمائة ألف فلما كان يوم الاثنين تاسع عشر جمادي الاخرة بعد سفر جلال الدين بخمسة أيام طلب السلطان أعيان الفقهاء إلى بين يديه فسألهم عن من يصلح للقضاء بمصر فوقع الاختيار على القاضي عز الدين ابن جماعة فولاه في الساعة الراهنة وولى قضاء الحنفية لحسام الدين حسن بن محمد الغوري قاضي بغداد وخرجا من بين يديه إلى المدرسة الصالحية وعليهما الخلع ونزل عز الدين بن جماعة من دار الحديث الكاملية لصاحبه الشيخ عماد الدين الدمياطي فدرس فيها واورد حديث إنما الاعمال النيات بسنده وتكلم عليه وعزل أكثر نواب الحكم واستمر بعضهم واستمر بالمنادي الذي أشار بتوليته ولما كان يوم خامس عشرين منه ولى قضاء الحنابلة الامام العالم موفق الدين ابو محمد عبدالله بن محمد بن عبد الملك المقدسي عوضا عن المعزول ولم يبق من القضاة سوى الاخنائي المالكي
وفي رمضان فتحت الصبابية التي أنشأها شمس الدين بن تقي الدين بان الصباب التاجر دار قرآن ودار حديث وقد كانت خربة شنيعة قبل ذلك وفي رمضان باشر علاء الدين علي ابن القاضي محيي الدين بن فضل الله كتابة السر بمصر بعد وفاة أبيه كما سيأتي ترجمته وخلع عليه وعلى أخيه بدر الدين ورسم لهما أن يحضرا مجلس السلطان وذهب أخوه شهاب الدين إلى الحج
وفي هذا الشهر سقط بالجانب الغربي من مصر بردكا لبيض وكالرمان فأتلف شيئا كثيرا ذكر ذلك البرزالي ونقله من كتاب الشهاب الدمياطي وفي ثالث عشرين رمضان درس بالقبة المنصورية بمشيخة الحديث شهاب الدين العسجدي عوضا عن زين الدين الكنائي توفي فأرود حديثا من مسند الشافعي بروايته عن الجاولي بسنده ثم صرف عنها بالحجة بالشيخ اثير الدين أبي حيان فساق حديثا عن شخيه ابن الزبير ودعا للسلطان وحضر عنده القضاة والاعيان وكان مجلسا حافلا وفي ذي القعدة حضر تدريس الشامية البرانية قاضي القضاة شمس الدين ابن النقيب عوضا عن القاضي جمال الدين ابن جملة توفي وحضر خلق كثير من الفقهاء والاعيان وكان مجلسا حافلا وفي ثاني ذي الحجة درس بالعادلية الصغيرة تاج الدين عبد الرحيم ابن قاضي القضاة جلال الدين القزويني عوضا عن الشيخ شمس الدين بن النقيب بحكم ولايته الشامية البرانية وحضر عنده القضاة والاعيان وفي هذا الشهر درس القاضي صدر الدين بن القاضي جلال الدين بالاتابكية وأخوه الخطيب بدر الدين بالغزالية والعادلية نيابة عن أبيه انتهى والله اعلم وممن توفي فيها من الاعيان :
*3* الامير الكبير بدر الدين محمد بن فخر الدين عيسى بن التركماني
@ باني جامع المقياس بديار مصر في ايام وزارته بها ثم عزل أميرا إلى الشام ثم رجع إلى مصر إلى أن توفي بها في خامس ربيع الاخر وتوفي بالحسينية وكان مشكورا رحمه الله انتهى
*3* قاضي القضاة شهاب الدين
@ محمد بن المجد بن عبد الله بن الحسين بن علي الرازي الاربلي الاصل ثم الدمشقي الشافعي قاضي الشفاعية بدمشق ولد سنة ثنتين وستين وستمائة واشتغل وبرع وحصل وأفتى سنة ثلاث وتسعين ودرس بالاقبالية ثم الرواحية وتربة أم الصالح وولى وكلة بيت المال ثم صار قاضي قضاة الشام إلى أن توفي بمستهل جمادي الاولى بالمدرسة العادلية ودفن بمقابر باب الصغير رحمه الله
*3* الشيخ الامام العالم بن المرحل
@ زين الدين محمد بن عبد الله ابن الشيخ زين الدين عمر بن مكي بن عبدالصمد بن المرسل مدرس الشامية البرانية والعذراوية بدمشق وكان قبل ذلك بمشهد الحسين وكان فاضلا بارعا فقيها أصوليا مناظرا حسن الشكل طيب الاخلاق دينا صينا وناب في وقت بدمشق عن علم الدين الاخنائي فحمدت سيرته كانت وفاته ليلة الاربعاء تاسع عشر رجب ودفن من الغد عند مسجد الديان في تربة لهم هناك وحضر جنازته القاضي جلال الدين وكان قد قدم من الديار المصرية له يومان فقط وقدم بعده القاضي برهان الدين عبدالحق بخمسة أيام هو وأهله وأولاده أيضا وباشر بعده تدريس الشامية البرانية قاضي القضاة جمال الدين ابن جملة ثم كانت وفاته بعده بشهور وذلك يوم الخميس رابع عشر ذي القعدة وهذه ترجمته في تاريخ الشيخ علم الدين البرزالي
*3* قاضي القضاة جمال الدين الصالحي
@ جمال الدين أبو المحاسن يوسف بن إبراهيم بن جملة بن مسلم بن همام بن حسين بن يوسف الصالحي الشافعي المحجي ! والده بالمدرسة السرورية وصلى عليه عقيب الظهر يوم الخميس رابع عشر ذي الحجة ودفن بسفح قاسيون ومولده في أوائل سنة ثنتين وثمانين وستمائة وسمع من ابن البخاري وغيره وحدث وكان رجلا فاضلا في فنون اشتغل وحصل وأفتى وأعاد ودرس وله فضائل جمة ومباحث وفوائد وهمة عالية وحرمة وافرة وفيه تودد وإحسان وقضاء للحقوق وولى القضاء بدمشق نيابة واستقلالا ودرس بمدارس كبار ومات هو مدرس الشامية البرانية وحضر جنازته خلق كثير من الاعيان رحمه الله
*3* شيخ الاسلام قاضي القضاة ابن البارري
@ شرف الدين أبو القاسم هبة الله ابن قاضي القضاة نجم الدين عبد الرحيم بن القاضي شمس الدين ابي الطاهر إبراهيم بن هبة الله بن مسلم بن هبة الله الجهيني الحموي المعرو بابن البارزي قاضي القضاة بحماة صاحب التصانيف الكثيرة المفيدة في الفنون العديدة ولد في خامس رمضان سنة خمس وأربعين وستمائة وسمع الكثير وحصل فنونا كثيرة وصنف كتبا جما كثيرة وكان حسن الأخلاق كثير المحاضرة حسن الاعتقاد في الصالحين وكان معظما عند الناس وأذن لجماعة من البلد في الافتاء وعمى في آخر عمره وهو يحكم مع ذلك مدة ثم نزل عن المنصب لحفيده نجم الدين عبدالرحيم بن إبراهيم وهو في ذلك لا يقطع نظره عن المنصب وكانت وفاته ليلة الاربعاء العشرين من ذي القعدة بعد أن صلى العشاء والوتر فلم تفته فريضة ولا نافلة وصلى عليه من الغد ودفن بعقبة نقيرين وله من العمر ثلاث وتسعون سنة
*3* الشيخ الامام العالم
@ شهاب الدين أحمد بن البرهان شيخ الحنفية بحلب شارح الجامع الكبير وكان رجلا صالحا منقطعا عن الناس وانتفع الناس به وكانت وفاته ليلة الجمعة الثامن والعشرين من رجب وكانت له معرفة بالعربية والقراءات ومشاركات في علوم أخر رحمه الله والله اعلم
*3* القاضي محيي الدين بن فضل الله كاتب السر
@ هو ابو المعالي يحيى بن فضل الله بن المحلي بن دعجان بن خلف العدوى العمري ولد في حادي عشر شوال سنة خمس وأربعين وستمائة بالكرك وسمع الحديث وأسمعه وكان صدرا كبيرا معظما في الدولة في حياة أخيه شرف الدين وبعده وكتب السر بالشام وبالديار المصرية وكانت وفاته ليلة الاربعاء تاسع رمضان بديار مصر ودفن من الغد بالقرافة وتولى المنصب بعده ولده علاء الدين وهو أصغر أولاده الثلاثة المعينين لهذا المنصب
*3* الشيخ الأمام العلامة ابن الكتاني
@ زين الدين ابن الكتاني شيخ الشافعية بديار مصر وهو أبو حفص عمر بن أبي الحزم بن عبدالرحمن بن يونس الدمشقي الأصل ولد بالقاهرة في حدود سنة ثلاث خمسين وستمائة واشتغل بدمشق ثم رحل إلى مصر واستوطنها وتولى بها بعض الأقضية بالحكر ثم ناب عن الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد فحمدت سيرته ودرس بمدارس كبار ولى ميشخة دار الحديث بالقبة المنصورية وكان بارعا فاضلا عنده فوائد كثيرة جدا غير أنه كان سيء الأخلاق منقبضا عن الناس لم يتزوج قط وكان حسن الشكل بهي المنظر ياكل الطيبات ويلبس اللين من الثياب وله فوائد وفوائد وزوائد على الروضة وغيرها وكان فيه استهتار لبعض العلماء فالله يسامحه وكانت وفاته يوم الثلاثاء المنتصف من رمضان ودفن بالقرافة رحمه الله انتهى
*3* الشيخ الامام العلامة ابن القويع
@ ركن الدين بن القريع أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن بن يوسف بن عبدالرحمن بن عبد الجليل الوسي الهاشمي الجعفري التونسي المالكي المعروف بابن القويع كان من اعيان الفضلاء وسادة الاذكياء ممن جمع الفنون الكثيرة والعلوم الاخروية الدينية الشرعية الطيبة وكان مدرسا بالمنكود مرية وله وظيفة في المارستان المنصوري وبها توفي في بكرة السابع عشر من ذي الحجة وترك مالا وأثاثا ورثه بيت المال
وهذا آخر ما أرخه شيخنا الحافظ علم الدين البرزالي في كتابه الذي ذيل به على تاريخ الشيخ شهاب الدين ابي شامة المقدسي وقد ذيلت على تاريخه إلى زماننا هذا وكان فراغي من الانتقاء من تاريخه في يوم الاربعاء العشرين من جمادي الاخرة من سنة إحدى وخمسين وسبعمائة احسن الله خاتمتها آمين وإلى هنا انتهى ما كتبته من لدن خلق آدم إلى زماننا هذا ولله الحمد والمنة وما أحسن ما قال الحريري
وإن تجد عيبا فسد الخللا * فجل من لا عيب فيه وعلا
كتبه إسماعيل بن كثير بن صنو القرشي الشافعي عفا الله تعالى عنه آمين
*2* ثم دخلت سنة تسع وثلاثين وسبعمائة
@ استهلت وسلطان الاسلام والمسلمين بالديار المصرية وما والاها والديار الشامية وما والاها والحرمين الشريفين الملك الناصر محمد بن الملك المنصور قلاوون ولا نائب له ولا وزير أيضا بمصر وقاضة مصر أما الشافعي فقاضي القضاة عز الدين ابن قاضي القشاة صدر الدين محمد بن إبراهيم بن جماعة وأما الحنفي فقاضي القضاة حسام الدين الغوري حسن بن محمد وأما المالكي فتقي الدين الاخنائي وأما الحنبلي فموفق الدين بن نجا المقدسي ونائب الشام الامير سيف الدين تنكز وقضاته جلال الدين القزويني الشافعي المعزول عن الديار المصرية والحنفي عماد الدين الطرسوسي والمالكي شرف الدين الهمداني والحنبلي علاء الدين بن المنجا التنوخي
ومما حدث في هذه السنة إكمال دار الحديث السكرية وباشر مشيخة الحديث بها الشيخ الامام الحافظ مؤرخ الاسلام محمد بن شمس الدين محمد بن أحمد الذهبي وقرر فيها ثلاثون محدثا لكل منهم جراية وجامكية كل شهر سبعة دراهم ونصف رطل خبز وقرر للشيخ ثلاثون رطل خبز وقرر فيها ثلاثون نفرا يقرؤون القرآن لكل عشرة شيخ ولكل واحد من القراء نظير ما للمحدثين ورتب لها إمام وقارئ حديث ونواب ولقارئ الحديث عشرون درهما وثمان أواق خبز وجاءت في غاية الحسن في شكالاتها وبنائها وهي نجاه دار الذهب التي أنشأها الواقف الأمير تنكز ووقف عليها عدة أماكن منها سوق القشاشيين بباب الفرج طوله عشرون ذراعا شرقا وغربا سماه في كتاب الوقف وبندر زيدين وحمام بحمص وهو الحمام القديم ووقف عليها حصصا في قرايا أخر ولكنه تغلب على ما عدا القشاشيين وبندر زيدين وحمام حمص
وفيها قدم القاضي تقي الدين علي بن عبد الكافي السبكي الشافعي من الديار المصرية حاكما على دمشق وأعمالها وفرح الناس به ودخل الناس يسلمون عليه لعلمه وديانته وأمانته ونزل بالعادلية الكبيرة على عادة من تقدمه ودرس بالغزالية والاتابكية واستناب ابن عمه القاضي بهاء الدين أبو البقاء ثم استناب ابن عمه أبا الفتح وكانت ولايته الشام بعد وفاة قاضي القضاة جلال الدين محمد بن عبد الرحيم القزويني الشافعي على ما سيأتي بيانه في الوفيات من هذه السنة
وممن توفي فيها من الاعيان في المحرم سنة تسع وثلاثين وسبعمائة
*3* العلامة قاضي القضاة فخر الدين
@ عثمان بن الزين علي بن عثمان الحلبي ابن خطيب جسرين الشافعي ولي قضاء حلب وكان إماما صنف شرح مختصر ابن الحاجب في الفقه وشرح البديع لابن الساعاتي وله فوائد غزيرة ومصنفات جليلة تولى حلب بعد عزل الشيخ ابن النقيب ثم طلبه السلطان فمات هو وولده الكمال وله بضع وسبعون سنة وممن توفي فيها
*3* قاضي القضاة جلال الدين محمد بن عبد الرحمن
@ القزويني الشافعي قدم هو وأخوه أيام التتر من بلادهم إلى دمشق وهما فاضلان بعدالتسعين وستمائة فدرس إمام الدين في تربة أم الصالح وأعاد جلال الدين بالبادرائية عند الشيخ برهان الدين ابن الشيخ تاج الدين شيخ الشافعية ثم تقلبت بهم الاحوال إلى أن ولي إمام الدين قضاء الشفاعية بدمشق انتزع له من يد القاضي بدر الدين ابن جماعة ثم هرب سنة قازان إلى الديار المصرية مع الناس فمات هنالك وأعيد ابن جماعة إلى القضاء وخلت خطابة البلد سنة ثلاث وسبعمائة فوليها جلال الدين المذكور ثم ولي القضاء بدمشق سنة خمس وعشرين مع الخطابة ثم انتقل إلى الديار المصرية سنة سبع وعشرين بعد أن عجز قاضي القضاة بدر الدين بن جماعة بسبب الضرر في عينيه فلما كان في سنة ثمان وثلاثين تعصب عليه السلطان اللمك الناصر بسبب أمور يطول شرحها ونفاه إلى الشام واتفق موت قاضي القضاة شهاب الدين بن المجد عبد الله كما تقدم فولاه السلطان قضاء الشام عودا على بدء فاستناب ولده بدر الدين على نيابة القضاء الذي هو خطيب دمشق كانت وفاته في أواخر هذه السنة ودفن بالصوفية وكانت له يد طولى في المعاني والبيان ويفتى كثيرا وله مصنفات في المعاني مصنف مشهور اسمه للتخليص اختصر فيه المفتاح للسكاكي وكان مجموع الفضائل مات وكان عمره قريبا من السبعين أو جاوزها وممن توفي فيها رابع الحجة يوم الاحد
*3* الشيخ الأمام الحافظ ابن البرزالي
@ علم الدين أبو محمد القاسم بن محمد بن البرزالي مؤرخ الشام الشافعي ولد سنة وفاة الشيخ ابن أبي شامة سنة خمس وستين وستمائة وقد كتب تاريخا ذيل به على الشيخ شهاب الدين من حين وفاته ومولد البرزالي إلى أن توفي في هذه السنة وهو محرم فغسل وكفن ولم يستر رأسه وحمله الناس على نعشه وهم يبكون حوله وكان يوما مشهودا وسمع الكثير أزيد من ألف شيخ وخرج له المحدث شمس الدين ابن سعد مشيخة لم يكملها وقرأ شيئا كثيرا وأسمع شيئا كثيرا وكان له خط حسن وخلق حسن وهو مشكور عند القضاة ومشايخه أهل العلم سمعت العلامة ابن تيمية يقول نقل البرزالي نقر في حجر وكان أصحابه من كل الطوائف يحبونه ويكرمونه وكان له أولاد ماتوا قبله وكتبت ابنته فاطمة البخاري في ثلاثة عشر مجلدا فقابله لها كان يقرأ فيه على الحافظ المزي تحت القبة حتى صارت نسختها أصلا معتمدا يكتب منها الناس وكان شيخ حديث بالنورية
وفيها وقف كتبه بدار الحديث السنية وبدار الحديث القوصية وفي الجامع وغيره وعلى كراسي الحديث وكان متواضعا محببا إلى الناس متوددا إليهم توفي عن اربع وسبعين سنة رحمه الله
*3* المؤرخ شمس الدين
@ محمد بن إبراهيم الجوزي جمع تاريخا حافلا كتب فيه أشياء يستفيد منها الحافظ كالمزي والذهبي والبرزالي يكتبون عنه ويعتمدون على نقله وكان شيخا قد جاوز الثمانين وثقل سمعه وضعف خطه وهو والد الشيخ ناصر الدين محمد واخوه مجد الدين
*2* ثم دخلت سنة أربعين وسبعمائة
@ استهلت هذه السنة وسلطان المسلمين الملك الناصر وولاته وقضاته المذكورون في التي قبلها إلا الشافعي بالشام فتوفي القزويني وتولى العلامة السبكي ومما وقع الحوادث العظيمة الهائلة أن جماعة من رؤس النصارى اجتمعوا في كنيستهم وجمعوا من بيتهم مالا جزيلا فدفعوه إلى راهبين قدما عليها من بلاد الروم يحسنان صنعة النفط اسم أحدهما ملاني والاخر عازر فعملا كحطا من نفط وتلطفا حتى عملاه لا يظهر تأثيره لا بعد أربع ساعات وأكثر من ذلك فوضعا في شقوق دكاكين التجار في سوق الرجال عند الدهشة في عدة دكاكين من آخر النهار بحيث لا يشعر أحد بهما وهما في زي المسلمين فلما كان في أثناء الليل لم يشعر الناس إلا والنار قد عملت في تلك الدكاكين حتى تعلقت في دباربزينات المأذنة الشرقية المتجهة للسوق المذكور وأحرقت درابزينات وجاء نائب السلطنة تنكز والأمراء أمراء الألوف وصعدوا المنارة وهي تشعل نارا واحترسوا عن الجامع فلم ينله شيء من الحريق ولله الحمد والمنة وأما المأذنة فإنها تفجرت احجارها واحترقت السقالات التي تدل السلالم فهدمت وأعيد بناؤها بحجارة جدد وهي المنارة الشرقية التي جاء في الحديث أنه ينزل عليها عيسى ابن مريم كما سيأتي الكلام عليه في نزول عيسى عليه السلام والبلد محاصر بالدجال
والمقصود أن النصارى بعد ليال عمدوا إلىناحية الجامع من المغرب إلى القيسارية بكمالها وبما فيها من الأقواس والعدد فإنا لله وإنا إليه راجعون وتطاير شرر النار إلى ما حول القيسارية من الدور والمساكن والمدارس واحترق جانب من المدرسة الأمينية إلى جانب المدرسة المذكور وما كان مقصودهم الا وصول النار إلى معبد المسلمين فحال الله بينهم وبين ما يرومون وجاء نائب السلطنة والأمراء وحالوا بين الحريق والمسجد جزاهم الله خيرا ولما تحقق نائب السلطنة أن هذا من فعلهم أمر بمسك رؤس النصارى فأمسك منهم نحوا من ستين رجلا فأخذوا بالمصادرات والضرب والعقوبات وأنواع المثلات ثم بعد ذلك صلب منهم أزيد من عشرة على الجمال وطاف بهم في أرجاء البلاد وجعلوا يتماوتون واحدا بعد واحد ثم أحرقوا بالنار حتى صاروا رمادا لعنهم الله انتهى والله أعلم
*3* سبب مسك تنكز
@ لما كان يوم الثلاثاء الرابع والعشرين من ذي الحجة جاء الامير طشتمر من صغد مسرعا وركب جيش دمشق ملبسا ودخل نائب السلطنة من قصره مسرعا إلى دار السعادة وجاء الجيش فوقفوا على باب النصر وكان أراد أن يلبس ويقابل فعذلوه في ذلك وقالوا المصلحة الخروج إلى السلطان سامعا مطيعا فخرج بلا سلاح فلما برز إلى ظاهر البلد التف عليه الفخري وغيره وأخذوه وذهبوا به إلى ناحية الكسوة فلما كان عند قبة يلبغا نزلوا وقيدوه وخصاياه من قصره ثم ركب البريد وهو مقيد وساروا به إلى السلطان فلما وصل أمر بمسيره إلى الاسكندرية وسألوا عن ودائعه فأقر ببعض ثم عوقب حتى أقر بالباقي ثم قتلوه ودفنوه بالاسكندرية ثم نقلوه إلى تربته بدمشق رحمه الله وقد جاوز الستين وكان عادلا مهيبا عفيف الفرج واليد والناس في أيامه في غاية الرخص والأمن والصيانة فرحمه الله وبل بالرحمة ثراه
وله أوقاف كثيرة من ذلك مرستان بصغد وجامع بنابلس وعجلون وجامع بدمشق ودار حديث بالقدس ودمشق ومدرسة وخانقاه بالقدس ورباط وسوق موقوف على المسجد الاقصى وفتح شباكا في المسجد انتهى والله تعالى أعلم وممن توفي فيها من الاعيان:
*3* أمير المؤمنين المستكفي بالله
@ أبو الربيع سليمان بن الحاكم بأمر الله بن العباس أحمد بن أبي علي الحسن بن أبي بكر بن علي ابن أمير المؤمنين المسترشد بالله الهاشمي العباسي البغدادي الأصل والمولد مولده سنة ثلاث وثمانين وستمائة أو في التي قبلها وقرأ واشتغل قليلا وعهد إليه أبوه بالأمر وخطب له عند وفاة والده سنة إحدى وسبعمائة وفوض جميع ما يتعلق به من الحل والعقد إلى السلطان الملك الناصر وسار إلى غزو التتر فشهد مصاف شقحب ودخل دمشق في شعبان سنة اثنتين وسبعمائة وهو راكب مع السلطان وجميع كبراء الجيش مشاة ولما أعرض السلطان عن الامر وانعزل بالكرك النمس الأمراء من المستكفي أن يسلطن من ينهض بالملك فقلد الملك المظفر ركن الدين بيبرس الجاشنكير وعقد له اللواء وألبسه خلعة السلطنة ثم عاد الناصر إلى مصر وعذر الخليفة في فعله ثم غضب عليه وسيره إلى قوص فتوفى في هذه السنة في قوص في مستهل شعبان
*2* ثم دخلت سنة إحدى واربعين وسبعمائة
@ استهلت يوم الاربعاء وسلطان المسلمين الملك الناصر محمد بن الملك المنصور قلاوون وقضاته بمصر هم المذكورون في التي قبلها وليس في دمشق نائب سلطنة وإنما الذي يسد الامور الامير سيف الدين طشتمر الملقب بالحمص الأخضر الذي جاء بالقبض على الأمير سيف الدين تنكز ثم جاء المرسوم بالرجوع إلى صغد فركب من آخر النهار وتوجه إلى بلده وحواصل الأمير تنكز تحت الحوطة كما هي
وفي صبيحة يوم السبت رابع المحرم من السنة المذكورة قدم من الديار المصرية خمسة امراء الامير سيف الدين بشتك الناصري ومعه برصبغا الحاجب وطاشار الدويدار وبنعراوبطا فنزل بشتاك بالقصر الابلق والميادين وليس معه من مماليكه إلا القليل وإنما جاء لتجديد البيعة إلى السلطان لما توهموا من ممالأة بعض الأمراء لنائب الشام المنفصل وللحوطة على حواصل الأمير سيف الدين تنكز المنفصل عن نيابة الشام وتجهيزها للديار المصرية وفي صبيحة يوم الاثنين سادسه دخل الامير علاء الدين الطنبغا إلى دمشق نائبا وتلقاه الناس وبشتك والأمراء المصريون ونزلوا إلى عتبته فقبلوا العتبة الشريفة ورجعوا معه إلى دار السعادة وقرئ تقليده وفي يوم الاثنين ثالث عشرة مسك من الأمراء المقدمين أميران كبيران الجي بغا العادلي وطنبغا الحجي ورفعا إلى القعلة المنصورة واحتيط على حواصلهما وفي يوم الثلاثاء تحملوا بيت ملك الأمراء سيف الدين تنكز وأهله وأولاده إلى الديار المصرية وفي يوم الأربعاء خامس عشرة ركب نائب السلطنة الامير علاء الدين طنبغا ومعه الأمير سيف الدين بشتك الناصري والحاجة رقطية وسيف الدين قطلوبغا الفخري
وجماعة من الأمراء المقدمين واجتمعوا بسوق الخيل واستدعوا بمملوكي الأمير سيف الدين تنكز وهما جغاي وطغاي فأمر بتوسيطهما فوسطا وعلقا على الخشب ونودي عليهما هذا جزاء من تجاسر على السلطان الناصر
وفي يوم الثلاثاء الحادي والعشرين من هذا الشهر كانت وفاة الامير سيف الدين تنكز نائب الشام بقلعة اسكندرية قيل مخنوقا وقيل مسموما وهو الأصح وقيل غير ذلك وتأسف الناس عليه كثيرا وطال حزنهم عليه وفي كل وقت يتذكرون ما كان منه من الهيبة والصيانة والغيرة على حريم المسلمين ومحارم الاسلام ومن إقامته على ذوي الحاجات وغيرهم ويشتد تأسفهم عليه رحمه الله وقد أخبر القاضي أمين الدين ابن القلانسي رحمه الله شيخنا الحافظ العلامة عماد الدين ابن كثير رحمه الله أن الامير سيف الدين تنكز مسك يوم الثلاثاء ودخل مصر يوم الثلاثاء ودخل الاسكندرية يوم الثلاثاء وتوفي يوم الثلاثاء وصلى عبيه بالاسكندرية ودفن بمقبرتها في الثالث والعشرين من المحرم بالقرب من قبر القباري وكانت له جنازة جيدة
وفي يوم الخميس سابع شهر صفر قدم الامير سيف الدين طشتمر الذي مسك تنكز إلى دمشق فنزل بوطأة برزة بجيشه ومن معه ثم توجه إلى حلب المحروسة نائبا بها عوضا عن الطنبغا المنفصل عنها وفي صبيحة يوم الخميس ثالث عشر ربيع الاول نودي في البلد بجنازة الشيخ الصالح العابد الناسك القدوة الشيخ محمد بن تمام توفي بالصالحية فذهب الناس إلى جنازته إلى الجامع المظفري واجتمع الناس على صلاة الظهر فضاق الجامع المذكور عن أن يسعهم وصلى الناس في الطرقات وأرجاء الصالحية وكان الجمع كثيرا جدا لم يشهد الناس جنازة بعد جنازة الشيخ تقي الدين بن تيمية مثلها لكثرة من حضرها من الناس رجالا ونساء وفيهم القضاة والاعيان والأمراء وجمهور الناس يقاربون عشرين ألفا وانتظر الناس نائب السلطنة فاشتغل بكتاب ورد عليه من الديار المصرية فصلى عليه الشيخ بعد صلاة الظهر بالجامع المظفري ودفن عند اخيه
في تربة بين تربة الموفق وبين تربة الشيخ ابي عمر رحمهم الله وإيانا وفي أول شهر جمادي الاولى توفيت الشيخة العابدة الصالحة العالمة قارئة القرآن أم فاطمة عائشة بنت إبراهيم بن صديق زوجة شيخنا الحافظ جمال الدين المزي عشية يوم الثلاثاء مستهل هذا الشهر وصلى عليها بالجامع صبيحة يوم الاربعاء ودفنت بمقابر الصوفية غربي قبر الشيخ تقي الدين بن تيمية رحمهم الله كانت عديمة النظير في نساء زمانها لكثرة عبادتها وتلاوتها وإقرائها القرآن العظيم بفصاحة وبلاغة وأداء صحيح يعجز كثير من الرجال عن تجويده وختمت نساء كثيرا وقرأ عليها من النساء خلق وانتفعن بها وبصلاحها ودينها وزهدها في الدنيا وتقللها منها مع طول العمر بلغت ثمانين سنة أنفقتها في طاعة الله صلاة وتلاوة وكان الشيخ محسنا إليها مطيعا لا يكاد يخالفها لحبه لها طبعا وشرعا فرحمها الله وقدس روحها ونور مضجها بالرحمة آمين
وفي يوم الاربعاء الحادي والعشرين منه درس بمدرسة الشيخ أبي عمر بسفح قاسيون الشيخ الامام شمس الدين محمد بن أحمد بن عبدالهادي المقدسي الحنبلي في التدريس البكتمري عوضا عن القاضي برهان الدين الزرعي وحضر عنده المقادسة وكبار الحنابلة ولم يتمكن أهل المدينة من الحضور لكثرة المطر والوحل يومئذ وتكامل عمارة المنارة الشرقية في الجامع الأموي في العشر الاخير من رمضان واستحسن الناس بناءها وإتقانها وذكر بعضهم أنه لم يبن في الاسلام منارة مثلها ولله الحمد ووقع لكثير من الناس في غالب ظنونهم أنها المنارة البيضاء الشرقية التي ذكرت في حديث النواس بن سمعان في نزول عيسى ابن مريم على المنارة البيضاء في شرقي دمشق فلعل لفظ الحديث انقلب على بعض الرواة وإنما كان على المنارة الشرقية بدمشق وهذه المنارة مشهورة بالشرقية بمقابلتها أختها الغربية والله سبحانه وتعالى أعلم
وفي يوم الثلاثاء سلخ شهر شوال عقد مجلس في دار العدل بدار السعادة وحضرته يومئذ واجتمع القضاة والاعيان على العادة وأحضر يومئذ عثمان الدكاكي قبحه الله تعالى وادعى عليه بعظائم من القول لم يؤثر مثلها عن الحلاج ولا عن ابن أبي الغدافر السلقماني وقامت عليه البينة بدعوى الآلهية
لعنه الله وأشياء أخر من التنقيص بالانبياء ومخالطته أرباب الريب نم الباجريقية وغيرهم من الاتحادية عليهم لعائن الله ووقع منه في المجلس من إساءة الأدب على القاضي الحنبلي وتضمن ذلك تكفيره من المالكية أيضا فادعى أن له دوافع وقوادح في بعض الشهود فرد إلى السجن مقيدا مغلولا مقبوحا أمكن الله منه بقوته وتأييده ثم لما كان يوم الثلاثاء الحادي والعشرين من ذي القعدة أحضر عثمان الدكاكي المذكور إلى دار السعادة واقيم إلى بين يدي الامراء والقضاة وسئل عن القوادح في الشهود فعجز فلم يقدر وعجز عن ذلك فتوجه عليه الحكم فسئل القاضي المالكي الحكم عليه فحمد الله وأثنى عليه وصلى على رسوله ثم حكم باراقة دمه وإن تاب فأخذ المذكور فضربت رقبته بدمشق بسوق الخيل ونودي عليه هذا جزءا من يكون على مذهب الاتحادية وكان يوما مشهودا بدار السعادة حضر خلق من الاعيان والمشايخ وحضر شيخنا جمال الدين المزي الحافظ وشيخنا الحافظ شمس الدين الذهبي وتكلما وحرضا في القضية جدا وشهدا بزندقة المذكور بالاستفاضة وكذا الشيخ زين الدين أخو الشيخ تقي الدين بن تيمية وخرجا القضاة الثلاثة المالكي والحنفي والحنبلي وهم نفذوا حكمه في المجلس فحضورا قتل المذكور وكنت مباشرا لجميع ذلك من أوله إلى آخره
وفي يوم الجمعة الثامن والعشرين من ذي القعدة أفرج عن الاميرين العقيلين بالقلعة وهما طنبغا حجا والجي بغا وكذلك افرج عن خزاندارية تنكز الذين تأخروا بالقلعة وفرح الناس بذلك
*3* ذكر وفاة الملك الناصر محمد بن قلاوون
@ في صبيحة يوم الاربعاء السابع والعشرين من ذي الحجة قدم إلى دمشق الامير سيف الدين قطلوبغا الفخري فخرج نائب السلطنة وعامة الأمراء لتلقيه وكان قدومه على خيل البريد فأخبر بوفاة السلطان الملك الناصر كانت وفاته يوم الاربعاء آخره وأنه صلى عليه ليلة الجمعة بعد العشاء ودفن مع ابيه الملك المنصور على ولده ! اتوك وكان قبل موته أخذ العهد لابنه سيف الدين ابي بكر ولقبه بالملك المنصور فلما دفن السلطان يلية الجمعة حضره من الأمراء قليل وكان قد ولى عليه الأمير علم الدين الجاولي ورجل آخر منسوب إلى الصلاح يقال له الشيخ عمر بن محمد بن إبراهيم الجعبري وشخص آخر من الجبارية ودفن كما ذكرنا ولم يحضر ولده ولي عهده دفنه ولم يخرج من القلعة ليلتئذ عن مشورة الأمراء لئلا يتخبط الناس وصلى عليه القاضي عز الدين بن جماعة إماما والجاولي وايدغمش وأمير آخر والقاضي بهاء الدين بن حامد بن قاضي دمشق السبكي وجلس الملك المنصور سيف الدنيا والدين ابو المعالي أبو بكر على سرير المملكة وفي صبيحة يوم الخميس الحادي والعشرين من ذي الحجة سنة إحدى وأربعين وسبعمائة بايعه
الجيش المصري وقدم الفخري لأخذ البيعة من الشاميين ونزل بالقصر الابلق وبايع الناس للملك المنصور بن الناصر بن المنصور ودقت البشائر بالقلعة المنصورة بدمشق صبيحة يوم الخميس الثامن والعشرين منه وفرح الناس بالملك الجديد وترحموا على الملك ودعوا له وتاسفوا عليه رحمه الله
*2* ثم دخلت سنة إثنتين وأربعين وسبعمائة
@ استهلت بيوم الاحد وسلطان الاسلام بالديار المصرية والبلاد الشامية وما والاها الملك المنصور سيف الدين أبو بكر بن الملك السلطان الناصر ناصر الدين محمد بن السلطان الملك المنصور سيف الدين قلاوون الصالحي ونائب الشام الامير علاء الدين طنبغا وقضاة الشام ومصرهم المذكورون في التي قبلها وكذا المباشرون سوى الولاة شهر الله المحرم
*3* ولاية الخليفة الحاكم بأمر الله
@ وفي هذا اليوم بويع بالخلافة أمير المؤمنين أبو القاسم أحمد بن المستكفي بالله أبي الربيع سليمان العباسي ولبس السواد وجلس مع الملك المنصور على سرير المملكة وألبسه خلعة سوداء أيضا فجلسا وعليهما السواد وخطب الخليفة يومئذ خطبة بليغة فصيحة مشتملة على أشياء من المواعظ والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وخلع يومئذ على جماعة من الأمراء والاعيان وكان يوما مشهودا وكان أبو القاسم هذا قد عهد إليه أبوه بالخلافة ولكن لم يمكنه الناصر من ذلك وولى أبا إسحاق إبراهيم ابن أخي أبي الربيع ولقبه الواثق بالله وخطب له بالقاهرة جمعة واحدة فعزله المنصور وقرر أبا القاسم هذا وأمضى العهد ولقبه المستنصر بالله كما ذكرنا
وفي يوم الاحد ثامن المحرم مسك الامير سيف الدين بشتك الناصري آخر النهار وكان قد كتب تقليده بنيابة الشام وخلع عليه بذلك وبرز ثقله ثم دخل على الملك المنصور ليودعه فرحب به واجلسه واحضر طعاما وأكلا ونأسف الملك على فراقه وقال تذهب وتتركني وحدي ثم قام لتوديعه وذهب بشتك من بين يديه ثماني خطوات أو نحوها ثم تقدم إليه ثلاثة نفر فقطع أحدهم سيفه من سوطه بسكين ووضع الاخر يده على فمه وكتفه الاخر وقيدوه وذلك كله بحضرة السلطان ثم غيب ولم يدر أحد إلى أين صار ثم قالوا لمماليكه اذهبوا انتتم فائتوا بمركوب الامير غدا فهو بائت عند السلطان وأصبح السلطان وجلس على سرير المملكة وأمر بمسك جماعة من الأمراء وتسعة من الكبار واحتاطوا على حواصله وأمواله وأملاكه فيقال إنه وجد عنده من الذهب ألف ألف دينار وسبعمائة الف دينار
*3* وفاة شيخنا الحافظ أبي الحجاج المزي
@ تمرض أياما يسيرة مرضا لا يشغله عن شهود الجماعة وحضور الدروس وإسماع الحديث فلما كان يوم الجمعة حادي عشر صفر أسمع الحديث إلى قريب وقت الصلاة ثم دخل منزله ليتوضأ ويذهب للصلاة فاعترضه في باطنه مغص عظيم ظن أنه قولنج وما كان إلا طاعون فلم يقدر على حضور الصلاة فلما فرغنا من الصلاة أخبرت بانه منقطع فذهبت إليه فدخلت عليه فإذا هويرتعد رعدة شديدة من قوة الالم الذي هو فيه فسألته عن حاله فجعل يكرر الحمد الله ثم أخبرني بما حصل له من المرض الشديد وصلى الظهر بنفسه ودخل إلى الطهارة وتوضأ على البركة وهو في قوة الوجع ثم اتصل به هذا الحال إلى الغد من يوم السبت فلما كان وقت الظهر لم أكن حاضره إذ ذاك لكن أخبرتنا بنته زينب زوجتي أنه لما أذن الظهر تغير ذهنه قليلا فقالت يا أبة أذن الظهر فذكر الله وقال اريد أن اصلي فتيمم وصلى ثم اضطجع فجعل يقرأ آية الكرسي حتى جعل لا يفيض بها لسانه ثم قبضت روحه بين الصلاتين رحمه الله يوم السبت ثاني عشر صفر فلم يمكن تجهيزه تلك الليلة فلما كان من الغد يوم الاحد ثالث عشر صفر صبيحة ذلك اليوم غسل وكفن وصلى عليه بالجامع الاموي وحضر القضاة والاعيان وخلائق لا يحصون كثرة وخرج بجنازته من باب النصر وخرج نائب السلطنة الامير علاء الدين طنبغا ومعه ديوان السلطان والصاحب وكاتب السر وغيرهم من الامراء فصلوا علي خارج باب النصر أمهم عليه القاضي تقي الدين السبكي الشافعي وهو الذي صلى عليه بالجامع الاموي ثم ذهب به إلى مقابر الصوفية فدفن هناك إلى جانب زوجته المرأة الصالحة الحافظة لكتاب الله عائشة بن إبراهيم بن صديق غربي قبر الشيخ تقي الدين بن تيمية رحمهم الله أجمعين
*3* كائنة غريبة جدا
@ قدم يوم الاربعاء الثلاثين من صفر أمير من الديار المصرية ومعه البيعة للملك الاشرف علاء الدين كحك بن الملك الناصر وذلك بعد عزل أخيه المنصور لما صدر عنه من الافعال التي ذكر أنه تعاطاها من شرب المسكر وغشيان المنكرات وتعاطى ما لا يليق به ومعاشرة الخاصكية من المردان وغيرهم فتمالأ على خلعه كبار الأمراء لما رأوا الأمر تفاقم إلى الفساد العريض فأحضروا الخليفة الحاكم بأمر الله أبي الربيع سليمان فأثبت بين يديه ما نسب إلى الملك المنصور المذكور من الامور فحينئذ خلعه وخلعه الأمراء الكبار وغيرهم واستبدلوا مكانه اخاه هذا المذكور وسيروه إذ ذاك إلى قوص مضيقا عليه ومع إخوة له ثلاثة وقيل أكثر وأجلسوا الملك الأشرف هذا على السرير وناب له الأمير سيف الدين قوصون الناصري واستمرت الامور على السداد وجاءت إلى الشام فبايعه الأمراء يوم الأربعاء المذكور وضربت البشائر عشية الخميس مستهل ربيع الاو وخطب له بدمشق يوم الجمعة بحضرة نائب السلطنة والقضاة والامراء
وفي يوم الاربعاء سابع عشر ربيع الاول حضر بدار الحديث الاشرفية قاضي القضاة تقي الدين السبكي عوضا عن شيخنا الحافظ جمال الدين المزي ومشيخة دار الحديث النورية عوضا عن ابنه رحمه الله وفي شهر جمادي الاولى اشتهر أن نائب حلب الأمير سيف الدين طشتمر الملقب بالحمص الأخضر قائم في نصرة ابن السلطان الامير أحمد الذي بالكرك وأنه يستخدم لذلك ويجمع الجموع فالله أعلم وفي العشر الثاني منه وصلت الجيوش صحبة الامير سيف الدين قطلوبغا الفخري إلى الكرك في طلب ابن السلطان الامير أحمد وفي هذا الشهر كثر الكلام في امر الأمير أحمد بن الناصر الذي بالكرك بسبب محاصرة الجيش الذي صحبة الفخري له واشتهر أن نائب حلب الأمير سيف الدين طشتمر الملقب بالحمص الأخضر قائم بجنب اولاد السلطان الذين أخرجوا من الديار المصرية إلى الصعيد وفي القيام بالمدافعة عن الأمير أحمد ليصرف عنه الجيش وترك حصاره وعزم بالذهاب إلى الكرك لنصرة أحمد ابن استاذه وتهيأ له نائب الشام بدمشق ونادى في الجيش لملتقاه ومدافعته عما يريد من إقامة الفتنة وشق العصا واهتم الجند لذلك وتأهبوا واستعدوا ولحقهم في ذلك كلفة كثيرة وانزعج الناس بسبب ذلك وتخوفوا ان تكون فتنة وحسبوا إن وقع قتال بينهم أن تقوم العشيرات في الجبال وحوران وتتعطل مصالح الزراعات وغير ذلك ثم قدم من حلب صاحب السلطان في الرسلية إلى نائب دمشق الامير علاء الدين الطنبغا ومع مشافهة فاستمع لها فبعث معه صاحب الميسرة أمان الساقي فذهبا إلى حلب ثم رجعا في أواخر جمادي الآخرة وتوجها إلى الديار المصرية واشتهر أن الأمر على ما هو عليه حتى توافق على ما ذكر من رجوع أولاد الملك الناصر إلى مصر ما عدا المنصور وأن يخلى عن محاصرة الكرك
وفي العشر الأخير من جمادي الاولى توفي مظفر الدين موسى بن مهنا ملك العرب ودف بتدمر وفي صبيحة يوم الثلاثاء ثاني جمادي الاخرة عند طلوع الشمس توفي الخطيب بدر الدين محمد بن القاضي جلال الدين القزويني بدار الخطابة بعد رجوعه من الديار المصرية كما قدمنا فخطب جمعة واحدة وصلى بالناس إلى ليلة الجمعة الأخرى ثم مرض فخطب عنه أخوه تاج الدين عبدالرحيم على العادة ثلاثة جمع وهو مريض إلى أن توفي يومئذ وتأسف الناس عليه لحسن شكله وصباحة وجهه وحسن ملتقاه وتواضعه واجتمع الناس للصلاة عليه للظهر فتأخر تجهيزه إلى العصر فصلى عليه بالجامع قاضي القضاة تقي الدين السبكي وخرج به الناس إلى الصوفية وكانت جنازته حافلة جدا فدفن عند أبيه بالتربة التي أنشأها الخطيب بدر الدين هناك رحمه الله
وفي يوم الجمعة خامس الشهر بعد الصلاة خرج نائب السلطنة الأمير علاء الدين الطنبغا وجميع الجيش قاصدين للبلاد الحلبية للقبض على نائب حلب الأمير سيف الدين طشتمر لأجل ما أظهر من القيام مع ابن السلطان الأمير أحمد الذي في الكرك وخرج الناس في يوم شديد المطر كثير الوحل وكان يوما مشهدا عصيبا أحسن الله العقابة وأمر القاضي تقي الدين السبكي الخطيب المؤذنين بزيادة أذكار على الذي كان سنه فيهم الخطيب بدر الدين من التسبيح والتحميد والتهليل الكثير ثلاثا وثلاثين فزادهم السبكي قبل ذلك استغفر الله العظيم ثلاثا اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت ياذا الجلال والاكرام ثم أثبت ما في صحيح مسلم بعد صلاتي الصبح والمغرب اللهم اجرنا من النار سبعا اعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق ثلاثا وكانوا قبل تلك السنوات قد زادوا بعد التأذين الآية ليلة الجمعة والتسليم على رسول الله صلى الله عليه وسلم يبتدئ الرئيس منفردا ثم يعيد عليه الجماعة بطريقة حسنة وصار ذلك سببا لاجتماع الناس في صحن الجامع لاستماع ذلك وكلما كان المتبدىء حسن الصوت كانت الجماعة أكثر اجتماعا ولكن طال بسبب ذلك الفصل وتأخرت الصلاة عن أول وقتها انتهى
*3* كائنة غريبة جدا
@ وفي ليلة الاحد عشية السبت نزل الامير سيف الدين قطلوبغا الفخري بظاهر دمشق بين الجسورة وميدان الحصى بالاطلاب الذين جاءوا معه من البلاد المصرية لمحاصرة الكرك للقبض على ابن السلطان الأمير احمد بن الناصر فمكثوا على الثنية محاصرين مضيقين عليه إلى ان توجه نائب الشام إلى حلب ومضت هذه الأيام المذكورة فما درى الناس إلا وقد جاء الفخري وجموعه وقد بايعوا الأمير أحمد وسموه الناصر بن النصار وخلعوا بيعة أخيه الملك الأشرف علاء الدين كجك واعتلوا بصغره وذكروا إن أتابكة الامير سيف الدين قوصون الناصري قد عدى على ابني السلطان فقتلهما خنقا ببلاد الصعيد جهز اليهما من تولى ذلك وهما الملك المنصور أبو بكر ورمضان فتنكر الامير بسبب ذلك قالوا هذا يريد ان يجتاح هذا البيت ليتمكن هو من أخذ المملكة فحموا لذلك وبايعوا ابن استاذهم وجاءوا في الذهاب خلف الجيش ليكونوا عونا للأمير سيف الدين طشتمر نائب حلب ومن معه وقد كتبوا إلى الامراء يستميلونهم إلى هذا ولما نزلوا بظاهر دمشق خرج إليهم من بدمشق من الاكابر والقضاة والمباشرين مثل والي البر ووالي المدينة وابن سمندار وغيرهم فلما كان الصباح خرج أهالي دمشق عن بكرة ابيهم على عادتهم في قدوم السلاطين ودخلو الحجاج بل أكثر من ذلك من بعض الوجوه وخرج القضاة والصاحب والاعيان والولاة وغيرهم ودخل الامير سيف الدين قطلوبغا في دست نيابة السلطنة التي فوضها إليه الملك الناصر الجديد وعن يمينه الشافعي وعن شماله الحنفي على العادة والجيش كله محدق به في الحديد والعقارات والبوقات والنشابة السلطانية والسناجق الخليفية والسلطانية تخفق والناس في الدعاء والثناء للفخري وهم في غاية الاستبشار والفرح وربما نال بعض جهلة الناس من النائب الآخر الذي ذهب إلى حلب ودخلت الأطلاب بعده على ترتيبهم وكان يوما مشهودا فنزل شرقي دمشق قريبا من خان لاجين وبعث في هذا اليوم فرسم على القضاة والصاحب وأخذ من أموال الايتام وغيرها خمسمائة ألف وعوضهم عن ذلك بقرية من بيت المال وكتب بذلك سجلات واستخدم جيدا وانضاف إليه من الأمراء الذين كانوا قد تخلفوا بدمشق جماعة منهم تمر الساقي مقدم وابن قراسنقر وابن الكامل وابن المعظم وابن البلدي وغيرهم وبايع هؤلاء كلهم مع مباشري دمشق للملك الناصر بن الناصر وأقام الفخري على خان لاجين وخرج المتعيشون بالصنائع إلى عندهم وضربت البشائر بالقلعة صبيحة يوم الثلاثاء سادس عشر الشهر ونودي بالبلد إن سلطانكم الملك الناصر احمد بن الناصر محمد بن قلاوون ونائبكم سيف الدين قطلوبغا الفخري وفرح كثير من الناس بذلك وانضاف اليه نائب صغد وبايعه نائب بعلبك واستخدموا له رجالا وجندا ورجع إليه الأمير سيف الدين سنجر الجمقدار رأس الميمنة بدمشق وكان قد تأخر في السفر عن تائب دمشق علاء الدين الطنبغا بسبب مرض عرض له فلما قدم الفخري رجع اليه وبايع الناصر ابن الناصر ثم كاتب نائب حماة تغردمر الذي ناب بمصر للملك المنصور فأجابه إلى ذلك وقدم على العسكر يوم السبت السابع والعشرين من الشهر المذكور في تجمل عظيم وخزائن كثيرة وثقل هائل
وفي صبحية يوم الاحد الثامن والعشرين من الشهر المذكور كسفت الشمس قبل الظهر وفي صبيحة يوم الاثنين التاسع والعشرين من جمادي الآخرة قدم نائب غزة الأمير آق سنقر في جيش غزة وهو قريب من ألفين فدخلوا دمشق وقت الفجر وغدوا إلى معسكر الفخري فانضافوا إليهم ففرحوا بهم كثيرا وصار في قريب من خمسة آلاف مقاتل أو يزيدون
استهل شهر رجب الفرد والجماعة من أكابر التجار مطلوبون بسبب أموال طلبها منهم الفخري يقوى بها جيشه الذي معه ومبلغ ذلك الذي أراده منهم ألف ألف درهم ومعه مرسوم الناصر بن الناصر ببيع املاك الامير سيف الدين قوصون إتابك الملك الاشرف علاء الدين كجك ابن الناصر التي بالشام بسبب إبائه عن مبايعة أحمد بن الناصر فأشار على الفخري من أشار بأن يباع للتجار من أملاك الخاص ويجعل مال قوصون من الخاص فرسم بذلك وأن يباع للتجار قرية دوية قومت بألف ألف وخمسمائة ألف ثم لطف الله وأفرج عنهم بعد ليلتين او ثلاث وتعوضوا عن ذلك بحواصل قوصون واستمر الفخري بمن معه ومن اضيف إليه من الأمراء والاجناد مقيمين بثنية العقاب واستخدم من رجال البقاع جماعة كثيرة أكثر من ألف رام واميرهم يحفظ افواه الطرق وأزف قدوم الامير علاء الدين طنبغا بمن معه من عساكر دمشق وجمهور الحلبيين وطائفة الطرابلسيين وتأهب هؤلاء لهم فلما كان الحادي من الشهر اشتهر ان الطتبغا وصل إلى القسطل وبعث طلائعه فالتقت بطلائع الفخري ولم يكن بينهم قتال ولله الحمد والمنة وأرسل الفخري إلى
القضاة ونوابهم وجماعة من الفقهاء فخرجوا ورجع الشافعي من اثناء الطريق فلما وصلوا أمرهم بالسعي بينه وبين الطنبغا في الصلح وأن يوافق الفخري في أمره وأن يبايع الناصر بن الناصر فأبى فردهم إليه غير مرة وكل ذلك يمتنع عليهم فلما كان يوم الاثنين رابع عشرة عند العصر جاء يريد إلى متولي البلد عند العصر من جهة الفخري يأمره بغلق أبواب البلد فغلقت الأبواب وذلك لان العساكر توجهوا وتواقفوا للقتال فإنا لله وإنا أليه راجعون
وذلك أن الطنبغا لما علم أن جماعة قطلوبغا على ثنية العقاب دار الذروة من ناحية المعيصرة وجاء بالجيوش من هناك فاستدار له الامير سيف الدين قطلوبغا الفخري بجماعته إلى ناحيته ووقف له في طريقه وحال بينه وبين الوصول إلى البلد وانزعج الناس انزعاجا عظيما وغلقت القياسر والاسواق وخاف الناس بعضهم من بعض أن يكون نهب فركب متوولي البلد الامير ناصر الدين بن بكباشي ومعه أولاده ونوابه والرجالة فسار في البلد وسكن الناس ودعوا له فلما كان قريب المغرب فتح لهم باب الجابية ليدخل من هو من أهل البلد فجرت في الباب على ما قيل زحمة عظيمة وتسخط الجند على الناس في هذه الليلة واتفق انها ليلة الميلاد وبات المسلمون مهمومون بسبب العسكر واختلافهم فأصبحت أبواب البلد مغلقة في يوم الثلاثاء سوى باب الجابية والأمر على ما هو عليه فلما كان عشية هذا اليوم تقارب الجيشان واجتمع الطنبغا وأمراؤه واتفق أمراء دمشق وجمهورهم الذين هم معه على أن لا يقاتلو مسلما ولا يسلوا في وجه الفخري وأصحابه سيفا وكان قضاة الشام قد ذهبوا اليه مرارا للصلح فيأبي عليهم إلا الاستمرار على ما هو عليه وقويت نفسه عليه انتهى والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب
*3* عجيبة من عجائب الدهر
@ فبات الناس متقابلين في هذه الليلة وليس بين الجيشين إلا مقدار ميلين او ثلاثة وكانت ليلة مطيرة فما أصبح الصبح إلا وقد ذهب من جماعة الطنبغا إلى الفخري خلق كثير من أجناد الحلفاء ومن الأمراء والاعيان وطلعت الشمس وارتفعت قليلا فنفذ الطنبغا القضاة وبعض الأمراء إلى الفخري يتهدده ويتوعده ويقوى نفسه عليه فما ساروا عنه قليلا إلا ساقت العساكر من الميمنة والميسرة ومن القلب ومن كل جانب مقفرين إلى الفخري وذلك لما هم فيه من ضيق العيش وقلة ما بأيديهم من الاطعمة وعلف الدواب وكثرة ما معهم من الكلف فرأوا أن هذا حال يطول عليهم ومقتوا أمرهم غاية المقت وتطايبت قلوبهم وقلوب اولئك مع أهل البلد على كراهته لقوة نفسه فيما لا يجدي عليه ولا عليهم شيئا فبايعوا على المخامرة عليه فلم يبق معه سوى حاشيته في أقل من ساعة واحدة فلما رأى الحال على هذه الصفة كر راجعا هاربا من حيث جاء وصحبته الأمير سيف الدين رقطبة نائب طرابلس وأميران آخران والتقت العساكر والأمراء وجاءت البشارة إلى دمشق قبل الظهر ففرح الناس فرحا شديدا جدا الرجال والنساء والولدان حتى من لا نوبة له ودقت البشائر بالقلعة المنصورة فأرسلوا في طلب من هرب وجلس الفخري هنالك بقية اليوم يحلف الأمراء على أمره الذي جاء له فحلفوا له ودخل دمشق عشية يوم الخميس في أبهة عظيمة وحرمة وافرة فنزل القصر الأبلق ونزل الامير تغردمر بالميدان الكبير ونزل عماري بدار السعادة وأخرجوا الموساوي الذي كان معتقلا بالقلعة وجعلوه مشدا على حوطات حواصل الطنبغا وكان قد تغضب الفخري على جماعةمن الامراء منهم الامير حسام الدين السمقدار أمير حاجب بسبب أنه صاحب لعلاء الدين الطنبغا فلما وقع ما وقع هرب فيمن هرب ولكن لم يأت الفخري بل دخل البلد فتوسط في الامر لم يذهب مع ذاك ولا جاء مع هذا ثم إنه استدرك ما فاته فرجع من البار إلى الفخري وقيل بل رسم عليه حين جاء وهو مهموم جدا ثم إنه اعطى منديل الامان وكان معهم كاتب السر القاضي شهاب الدين بن فضل الله ثم أفرج عنهم ومنهم الامير سيف الدين حفطية كان شديد الحنق عليه فأطلقه من يومه وأعاده إلى الحجوبية وأظهر مكارم أخلاق عظيمة ورياسة كبيرة وكان للقاضي علاء الدين بن المنجا قاضي قضاة الحنابلة في هذه الكائنة سعى مشكور ومراجعة كبيرة للأمير علاء الدين الطنبغا حتى خيف عليه منه وخاطر بنفسه معه فأنجح الله مقصده وسلمه منه وكبت عدوه ولله الحمد والمنة
وفي يوم السبت السادس والعشرين منه قلد قضاء العساكر المنصورة الشيخ فخر الدين بن الصائغ عوضا عن القاضي الحنفي الذي كان مع النائب المنفصل وذلك أنهم نقموا عليه إفتاءه الطنبغا بقتال الفخري وفرح بولايته أصحاب الشيخ تقي الدين بن تيمية رحمه الله وذلك لأنه من أخص من صحبه قديما وأخذ عنه فوائد كثيرة وعلوما
وفي يوم الأربعاء سلخ رجب آخر النهار قدم الامير قماري من عند الملك الناصر بن الناصر من الكرك وأخبره بما جرى من أمرهم وأمر الطنبغا ففرح بذلك واخبر قماري بقدوم السلطان ففرح الناس بذلك واستعدوا له بآلات المملكة وكثرت مطالبته أرباب الاموال والذمة بالجزية وفي مستهل رجب من هذه السنة ركب الفخري في دست النيابة بالموكب المنصور وهو أول ركوبه فيه وإلى جانبه قماري وعلى قماري خلعة هائلة وكثر دعاء الناس للفخري يومئذ وكان يوما مشهودا وفي هذا اليوم خرج جماعة من المقدمين الالوف إلى الكرك بأخبار ابن السلطان بما جرى منهم تغردمر وإقبغا عبدا لواحد وهو الساقي وميكلي بغا وغيرهم وفي يوم السبت ثالثة ستدعى الفخري القاضي الشافعي وألح عليه في أحضار الكتب في سلة الحكم التي كانت أخذت من عند الشيخ تقي الدين ابن تيمية رحمه الله من القلعة المنصورة في أيام جلال الدين القزويني فأحضرها القاضي بعد جهد ومدافعة وخاف على نفسه منه فقبضها منه الفخري بالقصر وأذن له في الانصراف من عنده وهو متغضب عليه وربما هم بعزله لممانعته إياها وربما قال قائل هذه فيها كلام يتعلق بمسألة الزيارة فقال الفخري كان الشيخ أعلم بالله وبرسوله منكم واستبشر الفخري باحضارها إليه واستدعى بأخي الشيخ زين الدين عبد الرحمن وبالشيخ شمس الدين عبدالرحمن بن قيم الجوزية وكان له سعي مشكور فيها فهنأهما باحضاره الكتب وبيت الكتب تلك الليلة في خزانته للتبرك وصلى به الشيخ زين الدين اخو الشيخ صلاة المغرب بالقصر وأكرمه الفخري إكراما زائدا لمحبته الشيخ رحمه الله
وفي يوم الاحد رابعة دقت البشائر بالقلعة وفي باب الميدان لقدوم بشير بالقبض على قوصون بالديار المصرية واجتمع الناس لذلك واستبشر كثير منهم بذلك وأقبل جماعة من الامراء إلى الكرك لطاعة الناصر بن الناصر واجتمعوا مع الامراء الشاميين عند الكرك وطلبوا منه أن ينزل إليهم فابى وتوهم أن هذه الامور كلها مكيدة ليقبضوه ويسلموه إلى قوصون وطلب منهم أن ينظر في أمره وردهم إلى دمشق وفي هذه الايام وما قبلها وما بعدها أخذ الفخري من جماعة التجار بالاسواق وغيرها زكاة أموالهم سنة فتحصل من ذلك زيادة على مائة ألف وسبعة آلاف وصودر أهل الذمة بقريب من ذلك زيادة على الجزية التي اخذت منهم عن ثلاث سنين سلفا وتعجيلا ثم نودي في البلد يوم الاثنين الحادي والعشرين من الشهر مناداة صادرة من الفخري برفع الظلامات والطلبات واسقاط ما تبقى من الزكاة والمصادرة غير انهم احتاطوا على جماعة من المشاة المكثرين ليشتروا منهم بعض أملاك الخاص والبرهان بن بشارة الحنفي تحت المصادرة والعقوبة على طلب المال الذي وجده في طميرة وجدها فيما ذكر عنه والله أعلم
وفي يوم الجمعة الرابع والعشرين منه بعد الصلاة دخل الامراء الستة الذين توجهوا نحو الكرك لطلب السلطان أن يقدم إلى دمشق فأبى عليهم في هذا الشهر ووعدهم وقتا آخر فرجعوا وخرج الفخري لتلقيهم فاجتمعوا قبلي جامع القبيبات الكريمي ودخلوا كلهم إلى دمشق في جمع كثير من الاتراك الامراء والجند وعليهم خمدة لعدم قدوم السلطان أيده الله وفي يوم الاحد قدم البريد خلف قماري وغيره من الامراء يطلبهم إلى الكرك واشتهر أن السلطان رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام وهو يأمره بالنزول من الكرك وقبول المملكة فانشرح الناس لذلك
وتوفي الشيخ عمر بن أبي بكر بن اليثمي البسطي يوم الاربعاء التاسع والعشرين كان رجلا صالحا كثير التلاوة والصلاة والصدقة وحضور مجالس الذكر والحديث له همة وصولة على الفقراء المتشبهين بالصالحين وليسوا منهم سمع الحديث من الشيخ فخر الدين بن البخاري وغيره وقرأت عليه عن ابن البخاري مختصر المشيخة ولازم مجالس الشيخ تقي الدين بن تيمية رحمه الله وانتفع به ودفن بمقابر باب الصغير
وفي شهر رمضان المعظم أوله يوم الجمعة كان قد نودي في الجيش آن الرحيل لملتقى السلطان في سابع الشهر ثم تأخر ذلك إلى بعد العشر ثم جاء كتاب من السلطان بتأخر ذلك إلى بعد العيد وقدم في عاشر الشهر علاء الدين بن تقي الدين الحنفي ومع ولاية من السلطان الناصر بنظر البيمارستان النوري ومشيخة الربوة ومرتب على الجهات السلطانية وكان قد قدم قبله القاضي شهاب الدين بن البارزي بقضاء حمص من السلطان أيده الله تعالى ففرح الناس بذلك حيث تكلم السلطان في المملكة وباشر وأمر وولي ووقع ولله الحمد وفي يوم الاربعاء ثالث عشره دخل الامير سيف الدين طشتمر الملقب بالحمص الاخضر من البلاد الحلبية إلى دمشق المحروسة وتلقاه الفخري والأمراء والجيش بكماله ودخل في أبهة حسنة ودعا له الناس وفرحوا بقدومه بعد شتاته في البلاد وهربه من بين يدي الطنبغا حين قصده إلى حلب كما تقدم ذكره
وفي يوم الخميس رابع عشرة خرجت الجيوش من دمشق قاصدين إلى غزة لنظرة السلطان حين يخرج من الكرك السعيد فخرج يومئذ مقدمان تغردمر واقبغا عبد الواحد فبرزا إلى الكسوة فلما كان يوم السبت خرج الفخري ومعه طشتمر وجمهور الامراء ولم يقم بعده بدمشق إلا من احتيج لمقامهم لمهمات المملكة وخرج مع القضاة الاربعة وقاضي العساكر والموقعين والمصاحب وكاتب الجيش وخلق كثير
وتوفي الشيخ الصالح العابد الناسك احمد بن الملقب بالقصيدة ليلة الاحد الرابع والعشرين من رمضان وصلى عليه بجامع شكر ودفن بالصوفية قريبا من قبر الشيخ جمال الدين المزي تغمدهما الله برحمته وكان فيه صلاح كثير ومواظبة على الصلاة في جماعة وأمر بمعروف ونهى عن منكر مشكورا عند الناس بالخير وكان يكثر من خدمة المرضى بالمارستان وغيره وفيه إيثار وقناعة وتزهد كثير وله أحوال مشهورة رحمه الله وإيانا
واشتهر في أواخر الشهر المذكور أن السلطان الملك الناصر شهاب الدين أحمد خرج من الكرك المحروس صحبة جماعة من العرب والاتراك قاصدا إلى الديار المصرية ثم تحرر خروجه منها في يوم الاثنين ثامن عشر الشهر المذكور فدخل الديار المصرية بعد ايام هذا والجيش صامدون اليه فلما تحقق دخوله مصر حثوا في السير إلى الديار المصرية وبعث يستحثهم أيضا واشتهر أنه لم يجلس على سرير الملك حتى يقدم الامراء الشاميون صحبة نائبه الامير سيف الدين قطلوبغا الفخري ولهذا لم تدق البشائر بالقلاع الشامية ولا غيرها فيما بلغنا وجاءت الكتب والاخبار من الديار المصرية بان يوم الاثنين عاشر شوال كان إجلاس السلطان الملك الناصر شهاب الدين أحمد على سرير المملكة صعد هو والخليفة الحاكم بأمر الله أبو العباس أحمد بن المستكفي فوق المنبر وهما لابسان السواد والقضاة تحتهما على درج المنبر بحسب منازلهم فخطب الخليفة وخلع الاشرف كجك وولى هذا الناصر وكان يوما مشهودا وأظهر ولايته لطشتمر نيابة مصر والفخري دمشق وأيد غمش حلب فالله أعلم ودقت البشائر بدمشق ليلة الجمعة الحادي والعشرين من الشهر المذكور واستمرت إلى يوم الاثنين مستهل ذي القعدة وزينت البلد يوم الاحد ثالث عشرين منه واحتفل الناس بالزينة
وفي يوم الخميس المذكور دخل الامير سيف الدين الملك أحد الرؤس المشهورة بمصر إلى دمشق في طلب نيابة حماة حرسها الله تعالى فلما كان يوم الجمعة بعد الصلاة ورد البريد من الديار المصرية فأخبر أن طشتمر الحمص الاخضر مسك فتعجب الناس من هذه الكائنة كثيرا فخرج من بدمشق من أعيان الامراء أمير الحج وغيره وخيم بوطأة برزة وخرج إلى الحج امير فأخبره بذلك وامروه عن مرسوم السلطان أن ينوب بدمشق حتى يأتي المرسوم بما يعتمد أمير الحج فأجاب إلى ذلك وركب في الموكب يوم السبت السادس منه وأما الفخري فإنه لما تنسم هذا الخبر وتحققه وهو بالزعقة فرفى طائفة من مماليكه قريب من ستين أو أكثر فاحترق وساق سوقا حثيثا وجاءه الطلب من روائه من الديار المصرية في نحو من ألف فارس صحبة الاميرين الطنبغا المارداني ويبلغا التحتاوي ! ففاتهما وسبق واعترض له نائب غزة في جنده فلم يقدر عليه فسلطوا عليه العشيرات ينهبوه فلم يقدروا عليه إلا في شيء يسير وقتل منهم خلقا وقصد نحو صاحبه فيما يزعم الامير سيف الدين ايدغمش نائب حلب راجيا منه أن ينصره وأن يوافقه على ما قام بنفسه فلما وصل أكرمه وانزله وبات عنده فلما أصبح قبض عليه وقيده ورده على البريد إلى الديار المصرية ومعه التراسيم من الأمراء وغيرهم
ولما كان يوم الاثنين سلخ ذي القعدة خرج السلطان الملك الناصر شهاب الدين أحمد بن الناصر محمد بن المنصور من الديار المصرية في طائفة من الجيش قاصدا إلى الكرك المحروس ومعه أموال جزيلة وحواصل واشياء كثيرة فدخلها يوم الثلاثاء من ذي الحجة وصحبته طشتمر في محفة ممرضا والفخري مقيدا فاعتقلا بالكرك المحروس وطلب السلطان آلات من أخشاب ونحوها وحدادين وصناع ونحوها لاصلاح مهمات بالكرك وطلب أشياء كثيرة من دمشق فحملت اليه ولما كان يوم الاحد السابع والعشرين من ذي الحجة ورد الخبر بأن الامير ركن الدين بيبرس الاحمدي النائب بصغد ركب في مماليكه وخدمه ومن أطاعه وخرج منها فارا بنفسه من القبض عليه وذكر ان نائب غزة قصده ليقبض عليه بمرسوم السلطان ورد عليه من الكرك فهرب الاحمدي بسبب ذلك ولما وصل الخبر الى دمشق وليس بها نائب انزعج الامراء لذلك واجمتعوا بدار السعادة وضربوا في ذلك مشورة ثم جردوا إلى ناحية بعلبك اميرا ليصدوه عن الذهاب إلى البرية فلما أصبح الصباح من يوم الاثنين جاء الخبر بأنه في نواحي الكسوة ولامانع من خلاصة فركبوا كلهم ونادى المنادي من تأخر من الجند عن هذا النفير ! شنق واستوثقوا في الخروج وقصدوا ناحية الكسوة وبعثوا الرسل اليه فذكر اعتذارا في خروجه وتخلص منهم وذهب يوم ذلك ورجعوا وقد كانوا ملبسين في يم حار وليس معهم من الازواد مايكفيهم سوى يومهم ذلك فلما كانت ليلة الثلاثاء ركب الامراء في طلبه من ناحية ثنية العقاب فرجعوا في اليوم الثاني وهو في صحبتهم ونزل في القصور التي بناها تنكز رحمه الله في طريق داريا فأقام بها واجروا عليه مرتبا كاملا من الشعير والغنم وما يحتاج إليه مثله ومعه مماليكه وخدمه فلما كان يوم الثلاثاء سادس المحرم ورد كتاب من جهة السلطان فقرئ على الأمراء بدار السعادة يتضمن إكرامه واحترامه والصفح عنه لتقدم خدمة على السلطان الملك الناصر وابنه الملك المنصور ولما كان يوم الأربعاء سابع المحرم جاء كتاب إلى الأمير ركن الدين بيبرس نائب الغيبة ابن الحاجب المش بالقبض على الاحمدي فركب الجيش ملبسين يوم الخميس وأوكبوا بسوق الخيل وراسلوه وقد ركب في مماليكه بالعدد وأظهر الامتناع فكان جوابه أن لا أسمع ولا أطيع إلا لمن هو ملك الديار المصرية فاما من هو مقيم بالكرك ويصدر عنه ما يقال عنه من الافاعيل التي قد سارت بها الركبان فلا فلما بلغ الامراء هذا توقفوا في أمره وسكنوا ورجعوا إلى منازلهم ورجع هو إلى قصره
*2* ثم دخلت سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة
@ استهلت هذه السنة المباركة وسلطان المسلمين الملك الناصر ناصر الدين محمد بن الملك المنصور قلاوون وهو مقيم بالكرك قد حاز الحوصال السلطانية من قلعة الجبل إلى قلعة الكرك ونائبه الديار المصرية الامير سيف الدين آقسنقر السلارى الذي كان نائبا بغزة وقضاة الديار المصرية هم المذكورون في السنة الماضية سوى القاضي الحنفي وأما دمشق فليس لها نائب إلى حنيئذ غير ان الامير ركن الدين بيبرس الحاجب كان استنابه الفخري بدمشق نائب غيبته فهو الذي يسد الامور مع الحاجب ألمش وتمر المهمندار والامير سيف الدين الملقب بحلاوة والي البر والامير ناصر الدين ابن ركباس متولي البلد هؤلاء الذين يسدون الأشغال والامور السلطانية والقضاة هم الذين ذكرناها في السنة الخالية وخطيب البلد تاج الدين عبدالرحيم بن القاضي جلال الدين القزويني وكاتب السر القاضي شهاب الدين بن فضل الله واستهلت هذه السنة والأمير ركن الدين بيبرس الاحمدي نازل بقصر تنكز بطريق داريا وكتب السلطان واردة في كل وقت بالاحتياط عليه والقبض وأن يمسك ويرسل إلى الكرك هذا والأمراء يتوانون في أمره ويسوفون المراسيم وقتا بعد وقت وحينا بعد حين ويحملهم على ذلك أن الاحمدي لا ذنب له ومتى مسكه تطرف إلى غيره مع أن السلطان يبلغهم عنه احوال لا ترضيهم من اللعب والاجتماع مع الاراذل والاطراف ببلد الكرك مع قتله الفخري وطشتمر قتلا فظيعا وسلبه أهلهما وسلبه لما على الحريم من الثياب والحلى وإخراجهم في أسوإ حال من الكرك وتقريبه النصارى وحضورهم عنده فحمل الامراء هذه الصفات على أن بعثوا احدهم يكشف أمره فلم يصل اليه ورجع هاربا خائفا فلما رجع وأخبر الأمراء انزعجوا وتشوشوا كثيرا واجتمعوا بسوق الخيل مرارا وضربوا مشورة بينهم فاتفقوا على أن يخلعوه فكتبوا إلى المصريين بذلك واعلموا نائب حلب ايدغمش ونواب البلاد وبقوا متوهمين من هذا الحال كثيرا ومترددين ومنهم من يصانع في الظاهر وليس معهم في الباطن وقالوا لا سمع له ولا طاعة حتى يرجع إلى الديار المصرية ويجلس على سرير المملكة وجاء كتابه اليهم يعيبهم ويعنقهم في ذلك فلم يفد وركب الاحمدي في الموكب وركبوا عن يمينه وشماله وراحوا اليه إلى القصر فسلموا عليه وخدموه وتفاقم الامر وعظم الخطب وحملوا هموما عظيمة خوفا من أن يذهب الى الديار المصرية فيلف عليه المصريون فيتلف الشاميين فحمل الناس همهم فالله هو المسئول أن يحسن العاقبة فلما كان يوم الاحد السادس والعشرين من المحرم ورد مقدم البريدية ومعه كتب المصريين بأنه لم بلغهم خبر الشاميين كان عندهم من أمر السلطان اضعاف ما حصل عند الشاميين فبادروا إلى ما كانوا عزموا عليه ولكن ترددوا خوفا من الشاميين أن يخالفوهم فيه ويتقدموا في صحبة السلطان لقتالهم فلما أطمأنوا من جهة الشاميين صمموا على عزمهم فخلعوا الناصر أحمد وملكوا عليهم أخاه الملك الصالح إسماعيل ابن الناصر محمد بن المنصور جعله الله مباركا على المسلمين وأجلسوه على السرير يوم الثلاثاء العشرين من المحرم المذكور وجاء كتابه مسلما على أمراء الشام ومقدميه وجاءت كتب الامراء على الامراء بالسلام والاخبار بذلك ففرح المسلمون وأمراء الشام والخاصة والعامة بذلك فرحا شديدا ودقت البشائر بالقلعة المنصورة يومئذ ورسم بتزيين البلد فزين الناس صبيحة الثلاثاء السابع والعشرين منه ولما كان يوم الجمعة سلخ المحرم خطب بدمشق للملك الصالح عماد الدنيا والدين إسماعيل بن الناصر بن المنصور
وفي يوم الخميس سادس صفر درس بالصدرية صاحبنا الامام العلامة شمس الدين محمد بن أبي بكر بن أيوب الذرعي إمام الجوزية وحضر عنده الشيخ عز الدين بن المنجا الذي نزل له عنها وجماعة من الفضلاء وفي يوم الاثنين سادس عشر صفر دخل الامير سيف الدين تغردمر من الديار المصرية إلى دمشق ذاهبا إلى نيابة حلب المحروسة فنزل بالقابون
وفي يوم الثلاثاء ثامن عشر صفر توفي الشيخ الامام العالم العامل الزاهد عبد الله بن أبي الوليد المقري المالكي إمام المالكية هو وأخوه أبو عمرو بالجامع الاموي بمحراب الصحابة توفي ببستان بقية السحف وصلى عليه بالمصلى ودفن عند ابيه رحمهما الله بمقابر باب الصغير وحضر جنازته الأعيان والفقهاء والقضاة وكان رجلا صالحا مجمعا على ديانته وجلالته رحمه الله
وفي يوم الخميس العشرين من صفر دخل الامير ايدغمش نائب السلطنة بدمشق ودخل اليها من ناحية القابون قادما من حلب وتلقاه الجيش بكماله وعليه خلعة النيابة واحتفل الناس له وأشعلوا الشموع وخرج أهل الذمة من اليهود والنصارى يدعون له ومعهم الشموع وكان يوما مشهودا وصلى يوم الجمعة بالمقصورة من الجامع الأموي ومعه الأمراء والقضاة وقرئ تقليده هناك على السدة وعليه خلعته ومعه الأمير سيف الدين ملكتم الرحولي وعليه خلعة ايضا
وفي يوم الثلاثاء الخامس والعشرين من صفر دخل الامير علم الدين الجاولي دمشق المحروسة ذاهبا الى نيابة حماة المحروسة وتلقاه نائب السلطنة والأمراء إلى مسجد القدم وراح فنزل بالقابون وخرج القضاة والأعيان إليه وسمع عليه من مسند الشافعي فإنه يرويه وله فيه عمل ورتبه ترتيبا حسنا ورأيته وشرحه أيضا وله أوقاف عل الشافعية وغيرهم
وفي يوم الجمعة الثامن والعشرين منه عقد مجلس بعد الصلاة بالشباك الكمالي من مشهد عثمان بسبب القاضي فخر الدين المصري وصدر الدين عبدالكريم ابن القاضي جلال الدين القزويني بسبب العادلية الصغيرة فاتفق الحال على أن نزل صدر الدين عن تدريسها ونزل فخر الدين عن مائة وخمسين على الجامع وفي يوم الاحد سلخ الشهر المذكور حضر القاضي فخر الدين المصري ودرس بالعادلية الصغيرة وحضر الناس عنده على العادة وأخذ في قوله تعالى هذه بضاعتنا ردت الينا وفي آخر شهر ربيع الاول جاء المرسوم من الديار المصرية بأن يخرج تجريدة من دمشق بصحبة الامير حسام الدين السمقدار لحصار الكرك الذي تحصن فيه ابن السلطان احمد واستحوذ على ما عنده من الاموال التي أخذها من الخزائن من ديار مصر وبرز المنجنيق من القلعة إلى قبل جامع القبيبات فنصب هناك وخرج الناس للتفرج عليه ورمى به ومن نيتهم أن يستصحبوه معهم للحصار
وفي يوم الاربعاء ثاني ربيع الآخر قدم الامير علاء الدين الطنبغا المارداني من الديار المصرية على قاعدته وعادته وفي يوم االخميس عاشره دخل إلى دمشق الاميران الكبيران ركن الدين بيبرس الاحمدي من طرابلس وعلم الدين الجاولي من حماة سحرا وحضرا الموكب ووقفا مكتفين لنائب السلطنة الاحمدي عن يمينه والجاولي عن يساره ونزلا ظاهر البلد ثم بعد ايام يسيرة توجه
الاحمدي إلى الديار المصرية على عادته وقاعدته رأس مشورة وتوجه الجاولي إلى غزة المحروسة نائبا عليها وكان الامير بدر الدين مسعود بن الخطير على إمرة الطبلخانات بدمشق وفي يوم الخميس رابع عشرة خرجت التجريدة من دمشق سحرا إلى مدينة الكرك والامير شهاب الدين بن صبح والي الولاة بحوران مشد المجانيق وخرج الامير سيف الدين بهادر الشمس الملقب بحلاوة والي البر بدمشق الى ولاية الولاة بحوران وفي يوم الجمعة ثامن عشرة وقع بين النائب والقاضي الشافعي بسبب كتاب ورد من الديار المصرية فيه الوصاة بالقاضي السبكي المذكور ومعه التوقيع بالخطابة له مضافا إلى القضاء وخلعة من الديار المصرية فتغيظ عليه النائب لأجل اولاد الجلال لأنهم عندهم عائلة كثيرة وهم فقراء وقد نهاه عن السعي في ذلك فتقدم إليه يومئذ أن لا يصلي عنده في الشباك الكمالي فنهض من هناك وصلى في الغزالية وفي يوم الاحد العشرين منه دخل دمشق الامير سيف الدين اريغا زوج ابنة السلطان الملك الناصر مجتازا ذاهبا إلى طرابلس نائبا بها في تجمل وأبهة ونجائب وجنائب وعدة وسرك كامل وفي يوم الخميس الرابع والعشرين منه دخل الامير بدر الدين ابن الخطيري معزولا عن نيابة غزة المحروسة فأصبح يوم الخيمس فركب في الموكب وسير مع نائب السلطنة ونزل في داره وراح الناس للسلام عليه وفي يوم الثلاثاء ثالث عشر صفر زينت البلد لعافية السلطان الملك الصالح لمرض أصابه ثم شفى منه وفي يوم الجمعة السادس عشرينه قبل العصر ورد البريد من الديار المصرية بطلب قاضي القضاة تقي الدين السبكي اليها حاكمها بها فذهب الناس للسلام عليه ولتوديعه وذلك بعد ما أرجف الناس به كثيرا واشتهر انه سينعقد له مجلس للدعوى عليه بما دفعه من مال الايتام إلى الطنبغا وإلي الفخري وكتبت فتوى عليه بذلك في تغريمه وداروا بها على المفتيين فلم يكتب لهم احد فيها غير القاضي جلال الدين بن حسام الدين الحنفي رأيت خطه عليها وحده بعدالصلاة وسئلت في الافتاء عليها فامتنعت لما فيها من التشويش على الحاكم وفي أول مرسوم نائب السلطان أن يتأمل المفتون هذا السؤال ويفتوا بما يقتضيه حكم الشرع الشريف وكانوا له في نية عجيبة ففرج الله عنه بطلبه إلى الديار المصرية فسار إليها صحبة البريد ليلة الأحد وخرج الكبراء والاعيان لتوديعه وفي خدمته استهل جمادي الاخرة والتجريدة عمالة الى الكرك والجيش المجردون من الحلقة قريب من ألف ويزيدون ولما كان يوم الثلاثاء رابعه بعد الظهر مات الأمير علاء الدين ايدغمش نائب السلطنة بالشام المحروس في دار وحده في دار السعادة فدخلوا عليه وكشفوا أمره وأحصروا وخشوا أن يكون اعتراه سكتة ويقال إنه شفى فالله أعلم فانتظروا به إلى الغد احتياطا فلما أصبح الناس اجتمعوا للصلاة عليه فصلى عليه خارج باب النصر حيث يصلى على الجنائر وذهبوا به إلى نحو القبلة ورام بعض اهله أن يدفن في تربة غبريال إلى جانب جامع القبيبات فلم يمكن ذلك فدفن قبلي الجامع على حافة الطريق ولم يتهيأ دفنه إلا إلى بعدالظهر من يومئذ وعملوا عنده ختمة ليلة الجمعة رحمه الله وسامحه
واشتهر في اوائل هذا الشهر أن الحصار عمال على الكرك وأن أهل الكرك خرجت طائفة منهم فقتل منهم خلق كثير وقتل من الجيش واحد في ! الصار فنزل القاضي وجماعة ومعهم شيء من الجوهر وتراضوا على أن يسلموا البلد فلما أصبح أهل الحصن تحصنوا ونصبوا المجانيق واستعدوا فلما كان بعد أيام رموا منجنيق الجيش فكسروا السهم الذي له وعجزوا عن نقله فحرقوه برأي أمراء المقدمين وجرت امور فظيعة فالله يحسن العاقبة
ثم وقعت في أواخر هذا الشهر بين الجيش وأهل الكرك وقعة أخرى وذلك أن جماعة من رجال الكرك خرجوا إلى الجيش ورموهم بالنشاب فخرج الجيش لهم من الخيام ورجعوا مشاة ملبسين بالسلاح فقتلوا من أهل الكرك جماعة من النصارى وغيرهم وجرح من العسكر خلق وقتل واحد أو اثنان وأسر الأمير سيف الدين أبو بكر بن بهادر آص وقتل امير العرب وأسر آخرون فاعتقلوا بالكرك وجرت أمور منكرة ثم بعدها تعرض العسكر راجعين إلى بلادهم لم ينالوا مرادهم منها وذلك انهم رقهم البرد الشديد وقلة الزاد وحاصروا أولئك شديدا بلا فائدة فإن البلد بريد متطاولة ومجانيق ويشق على الجيش الاقامة هناك في كوانين والمنجنيق الذي حملوه معهم كسر فرجعوا ليتأهبوا لذلك
ولما كان في يوم الأربعاء الخامس والعشرين منه قدم من الديار المصرية على البريد القاضي بدر الدين بن فضل الله كاتبا على السر عوضا عن أخيه القاضي شهاب الدين ومعه كتب بالاحتياط على حواصل أخيه شهاب الدين وعلى حواصل القاضي عماد الدين ابن الشيرازي المحتسب فاحتيط على أموالهما وأخرج من في ديارهما من الحرم وضربت الأخشاب على الابواب ورسم على المحتسب بالعذراوية فسأل أن يحول إلى دار الحديث الاشرفية فحلو إليها وأما القاضي شهاب الدين فكان قد خرج ليلتقي الامير سيف الدين تغردمر الحموي الذي جاء تقليده بنيابة الشام بدمشق وكان بحلب وجاء هذا الامر وهو في أثناء الطريق فرسم برجعته ليصادر هو والمحتسب ولم يدر الناس ما ذنبهما
وفي يوم الاحد ثامن شهر رجب آخر النهار رجع قاضي القضاء تقي الدين السبكي إلى دمشق على القضاء ومعه تقليد بالخطابة أيضا وذهب الناس اليه للسلام عليه ودخل نائب السلطنة الأمير سيف الدين تغردمر الحموي بعد العصر الخامس عشرينه من حلب فتلقاه الأمراء إلى طريق القابون ودعا له الناس دعاء كثيرا وأحبوه لبغضهم النائب الذي كان قبله وهو علاء الدين ايدغمش سامحه الله تعالى فنزل بدار السعادة وحضر الموكب صبيحة يوم الاثنين واجتمع طائفة من العامة وسألوه أن لا يغير عليهم خطيبهم تاج الدين عبد الرحيم ابن جلال الدين فلم يلتفت إليهم بل عمل على تقليد القاضي تقي الدين السبكي الخطابة لبس الخلعة واكثر العوام لما سمعوا بذلك الغوغاء وصاروا يجتمعون حلقا حلقا بعدالصلوات ويكثرون الفرحة في ذلك لما منع ابن الجلال ولكن بقي هذا لم يباشر السبكي في المحراب واشتهر عن العوام كلام كثير وتوعدوا السبكي بالسفاهة عليه إن خطب وضاق بذلك ذرعا ونهوا عن ذلك فلم ينتهوا وقيل لهم ولكثير منهم الواجب عليكم السمع والطاعة لأولي الامر ولو أمر عليكم عبد حبشي فلم يرعووا فلما كان يوم الجمعة العشرين منه اشتهر بين العامة بأن القاضي نزل عن الخطابة لابن الجلال ففرح العوام بذلك وحشدوا في الجامع وجاء نائب السلطنة إلى المقوصرة والأمراء معه وخطب ابن الجلال على العادة وفرح الناس بذلك وأكثروا من الكلام ووالهرج ولما سلم عليهم الخطيب حين صعد ردوا عليه ردا بليغا وتكلفوا في ذلك وأظهرا بغضة القاضي السبكي وتجاهروا بذلك وأسمعوه كلاما كثيرا ولما قضيت الصلاة قرئ تقليد النيابة على السدة وخرج الناس فرحى يخطيبهم لكونه استمر عليهم واجتمعوا عليه يسلمون ويدعون له
وفي يوم الاربعاء ثالث شعبان درس القاضي برهان الدين بن عبدالحق بالمدرسة العذراوية بمرسوم سلطاني بتوليته وعزل القفجاري وعقد لهما مجلس يوم الثلاثاء بدار العدل فرجح جانب القاضي برهان الدين لحاجته وكونه لا وظيفة له
وفي يوم الجمعة توفي الشيخ شهاب الدين احمد ابن الجزري احد المسندين المكثرين الصالحين مات عن خمس وتسعين سنة رحمه الله وصلى عليه يوم الجمعة بالجامع المظفري ودفن بالرواحية وفي يوم الاربعاء السابع عشر منه توفي الشيخ الامام العالم العابد الناسك الصالح الشيخ شمس الدين محمد بن الزرير خطيب الجامع الكريمي بالقبيبات وصلى عليه بعد الظهر يومئذ بالجامع المذكور ودفن قبلي الجامع المذكور إلى جانب الطريق من الشرق رحمه الله
واشتهر في أوائل رمضان ان مولودا ولد له رأسان وأربع أيد وأحضر إلى بين يدي نائب السلطنة وذهب الناس للنظر إليه في محلة ظاهر باب الفراديس يقال لها حكى الوزير وكنت فيمن ذهب إليه في جماعة من الفقهاء يوم الخميس ثالث الشهر المذكور بعد العصر فأحضره أبوه وأسم ابيه سعادة وهو رجل من أهل الجبل فنظرت إليه فإذا هما ولدان مستقلان فكل قد اشتبكت
افخاذهما بعضهما ببعض وركب كل واحد منهما ودخل في الآخر والتحمت فصارت جثة واحدة وهماميتان فقالوا احدهما ذكر الآخر أنثى وهما ميتان حال رؤيتي إليهما وقالوا إنه تأخر موت أحدهما عن الآخر بيومين او نحوهما وكتب بذلك محضر جماعة من الشهود
وفي هذا اليوم احتيط على اربعة من الامراء وهم ابناء الكامل صلاح الدين محمد امير طبلخانات وغياث الدين محمد امير عشرة وعلاء الدين علي وابن ايبك الطويل طبلخانات أيضا وصلاح الدين خليل بن بلبان طرنا طبلخانات أيضا وذلك بسبب أنهم اتهموا على ممالأة الملك احمد بن الناصر الذي في الكرك ومكاتبته والله أعلم بحالهم فقيدوا وحملوا إلى القلعة المنصورة من باب اليسر مقابل باب دار السعادة الثلاث الطبلخانات والغياث من بابها الكبير وفرق بينهم في الاماكن وخرج المحمل يوم الخميس خمس عشرة ولبس الخطيب ابن الجلال خلعة استقرار الخطابة في هذا اليوم وركب بها مع القضاة على عادة الخطباء
وفي هذا الشهر نصب المنجنيق الكبير على باب الميدان الاخضر وطول اكتافه ثمانية عشر ذراعا وطول سهمه سبعة وعشرون ذراعا وخرج الناس للفرجة عليه ورمى به في يوم السبت حجرا زنته ستين رطلا فبلغ إلى مقابلة القصر من الميدان الكبير وذكر معلم المجانيق أنه ليس في حصون الاسلام مثله وأنه عمله الحاج محمد الصالحي ليكون بالكرك فقدر الله انه خرج ليحاصر به الكرك فالله يحسن العاقبة وفي أواخره أيضا مسك أربعة أمراء وهم أقبغا عبد الواحد الذي كان مباشرا الاستدارية للملك الناصر الكبير فصودر في أيام ابنه المنصور وأخرج إلى الشام فناب بحمص فسار سيرة غير مرضية وذمه الناس وعزل عنها وأعطى تقدمة ألف بدمشق وجعل رأس الميمنة فلما كان في هذه الأيام اتهم بممالأة السلطان أحمد بن الناصر الذي بالكرك فمسك وحمل إلى القلعة ومعه الأمير سيف الدين بلو والأمير سيف الدين سلامش وكلهم بطبلخانات فرفعوا إلى القعلة المنصورة فالله يحسن العاقبة
وفي هذا الشهر خرج قضاء حمص عن نيابة دمشق بمرسوم سلطاني مجدد للقاضي شهاب الدين البارزي وذلك بعد مناقشة كثيرة وقعت بينه وبين قاضي القضاة تقي الدين السبكي وانتصر له بعض الدولة واستخرج له المرسوم المذكور وفيه أيضا افرد قضاء القدس الشريف أيضا باسم القاضي شمس الدين بن سالم الذي كان مباشرها مدة طويلة قبل ذلك نيابة ثم عزل عنها وبقي مقيما ببلده غزة ثم أعيد اليها مستقلا بها في هذا الوقت وفي هذا الشهر رجع القاضي شهاب الدين ابن فضل الله من الديار المصرية ومعه تقويع بالمرتب الذي كان له اولا كل شهر ألف درهم وأقام بعمارته التي أنشأها بسفح قاسيون شرقي الصالحية بقرب حمام النحاس
وفي صبيحة مستهل ذي القعدة خرج المنجنيق قاصدا إلى الكرك على الجمال والعجل وصحبته الامير صارم الدين إبراهيم المسبقي أمير حاجب كان في الدولة السكرية هو المقدم عليه يحوطه ويحفظه ويتولى تسييره بطلبه وأصحابه وتجهز الجيش للذهاب إلى الكرك وتأهبوا أتم الجهاز وبرزت أثقالهم إلى ظاهر البلد وضربت الخيام فالله يحسن العاقبة
وفي يوم الاثنين رابعه توفي الطوشي سبل الدولة كافور السكري ودفن صبيحة يوم الثلاثاء خامسة في تربته التي أنشاها قديما ظاهر باب الجابية تجاه تربة الطواشي ظهير الدين الخازن بالقلعة كان قبيل مسجد الدبان رحمه الله وكان قديما للصاحب تقي الدين توبة التكريتي ثم اشتراه تنكز بعد مدة طويلة من ابني أخيه صلاح الدين وشرف الدين بمبلغ جيد وعوضهما إقطاعا بزيادة على ما كان بأيديهما وذلك رغبة في أمواله التي حصلها من ابواب السلطنة وقد تعصب عليه استاذه تنكز رحمه الله في وقت وصودر وجرت عليه فصول ثم سلم بعد ذلك ولما مات ترك اموالا جزيلة وأوقافا رحمه الله وخرجت التجريدة يوم الاربعاء سادسة والمقدم عليها الامير بدر الدين بن الخطير ومعه مقدم آخر وهو الامير علاء الدين بن قراسنقر وفي يوم السبت سلخ هذا الشهر توفي الشاب الحسن شهاب الدين أحمد بن فرج المؤذن بمأذنة العروس وكان شهيرا بحسن الصوت ذا حظوة عظيمة عند اهل البلد وكان رحمه الله كما في النفس وزيادة في حسن الصوت الرخيم المطرب وليس في القراء ولا في المؤذنين قريب منه ولا من يدانيه في وقته وكان في آخر وقته على طريقة حسنة وعمل صالح وانقطاع عن الناس وإقبال على شأن نفسه فرحمه الله وأكرم مثواه وصلى عليه بعد الظهر يومئذ ودفن عند اخيه بمقبرة الصوفية
وفي يوم الخميس خامس ذي الحجة توفي الشيخ بدر الدين بن نصحان شيخ القراء السبع في البلد الشهير بذلك وصلى عليه بالجامع بعدالظهر يومئذ ودفن بباب الفراديس رحمه الله
وفي يوم الأحد تاسعة وهو يوم عرفة حضر الاقراء بتربة أم الصالح عوضا عن الشيخ بدر الدين ابن نصحان القاضي شهاب الدين أحمد بن النقيب البعلبكي وحضر عنده جماعة من الفضلاء وبعض القضاة وكان حضوره بغتة وكان متمرضا فألقى شيئا من القراءات والاعراب عند قوله تعالى ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خيرا لأنفسهم وفي أواخر هذا الشهر غلا السعر جدا وقل الخبز وازدحم الناس على الافران زحمة عظيمة وبيع خبز الشعير المخلوط بالزيوان والنقارة وبلغت الغرارة بمائة وستة وثمانين درهما وتقلص السعر جدا حتى بيع الخبز كل رطل بدرهم وفوق ذلك بيسير ودونه بحسب طيبه ورداءته فانا لله وإنا إليه راجعون وكثر السؤال وجاع العيال وضعف كثير من الأسباب والاحوال ولكن لطف الله عظيم فإن الناس مترقبون مغلا
هائلا لم يسمع بمثله من مدة سنين عديدة وقد اقترب أوانه وشرع كثير من البلاد في حصاد الشعير وبعض القمح مع كثرة الفول وبوادر التوت فلولا ذلك لكان غير ذلك ولكن لطف الله بعباده وهو الحاكم المتصرف الفعال لما يريد لا إله إلا هو
*2* ثم دخلت سنة أربع وأربعين وسبعمائة
@ استهلت هذه السنة وسلطان المسلمين الملك الناصر عماد الدنيا والدين إسماعيل ابن الملك الناصر ناصر الدين محمد بن الملك المنصور سيف الدين قلاوون الصالحي ونائبه بالديار المصرية الامير سيف الدين آقسنقر السلاري وقضاته هم هم المتقدم ذكرهم في العام الماضي ونائبه بدمشق الامير سيف الدين تغردمر الحموي وقضاته هم المتقدم ذكرهم وكذلك الصاحب والخطيب وناظر الجامع ولخزانة ومشد الاوقاف وولاية المدينة
استهلت والجيوش المصرية والشامية محيطة بحصن الكرك محاصرون ويبالغون في امره والمنجنيق منصوب وأنواع آلات الحصار كثيرة وقد رسم بتجريدة من مصر والشام أيضا تخرج إليها وفي يوم الخميس عاشر صفر دخلت التجريدة من الكرك إلى دمشق واستمرت التجريدة الجديدة على الكرك ألفان من مصر وألفان من الشام والمنجنيق منقوض موضوع عند الجيش خارج الكرك والأمور متوقفة على وبرد الحصار بعد رجوع الأحمدي إلى مصر
وفي يوم السبت ثاني ربيع الاول توفي السيد الشريف عماد الدين الخشاب بالكوشك في درب السيرجي جوار المدرسة العزية وصلى عليه ضحى بالجامع الأموي ودفن بمقابر باب الصغير وكان رجلا شهما كثير العبادة والمحبة للسنة وأهلها ممن واظب الشيخ تقي الدين بن تيمية رحمه الله وانتفع به وكان من جملة أنصاره واعوانه على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو الذي بعثه إلى صيدنا يامع بعض القسيسين فلوث يده بالعذرة وضرب اللحمة التي يعظمونها هنالك واهانها غاية الاهانة لقوة إيمانه وشجاعته رحمه الله وإيانا
وفي يوم الخميس سابعه اجتمع الصاحب ومشد الدواوين ووكيل بيت المال ومشد الاوقاف ومباشر والجامع ومعهم العمالين بالقول والمعاول يحفرون إلى جانب السارية عند باب مشهد على تحت تلك الصخرة التي كانت هناك وذلك عن قول رجل جاهل زعم أن هناك مالا مدفونا فشاوروا نائب السلطنة فامرهم بالحفر واجتمع الناس والعامة فأمرهم فأخرجوا وأغلقت أبواب الجامع كلها ليتمكنوا من الحفر ثم حفروا ثانيا وثالثا فلم يجدوا شيئا إلا التراب المحض واشتهر هذا الحفير في البلد وقصده الناس للنظر إليه والتعجب من أمره وانفصل الحال على أن حبس هذا الزاعم لهذا المحال وطم الحفير كما كان
وفي يوم الاثنين ثامن عشر ربيع الأول قدم قاضي حلب ناصر الدين بن الخشاب على البريد مجتازا إلى دمشق فنزل بالعادلية الكبيرة وأخبر أنه صلى على المحدث البارع الفاضل الحافظ شمس الدين محمد بن علي بن أيبك السروجي المصري يوم الجمعة ثامن هذا الشهر بحلب رحمه الله ومولده سنة خمس عشرة وسبعمائة وكان قد أتقن طرفا جيدا في علم الحديث وحفظ أسماء الرجال وجمع وخرج
وفي مستهل ربيع الآخر وقع حريق عظيم بسفح قاسيون احترق به سوق الصالحية الذي بالقرب من جامع المظفري وكانت جملة الدكاكين التي احترقت قريبا من مائة وعشرين دكانا ولم ير حريق من زمان أكبر منه ولا أعظم فانا لله وإنا إليه راجعون وفي يوم الجمعة سادسة رسم بأن يذكر بالصلاة يوم الجمعة في سائر مواذن البلد كما يذكر في مواذن الجامع ففعل ذلك وفي يوم الثلاثاء عاشره طلب من القاضي تقي الدين السبكي قاضي قضاة الشافعية أن يقرض ديوان السلطان شيئا من أموال الغياب التي تحت يده فامتنع من ذلك امتناعا كثيرا فجاء شاد الدواوين وبعض حاشية نائب السلطنة ففتحوا مخزن الأيتام وأخذوا منه خمسين ألف درهم قهرا ودفعوها إلى بعض العرب عما كان تأخر له في الديوان السلطان ووقع أمر كثير لم يعهد مثله
وفي يوم الأربعاء عاشر جمادي الأولى توفي صاحبنا الشيخ الامام العالم العلامة الناقد البارع في فنون العلوم شمس الدين محمد بن الشيخ عماد الدين أحمد بن عبدالهادي المقدسي الحنبلي تغمده الله برحمته وأسكنه بحبوحة جنته مرض قريبا من ثلاثة أشهر بقرحة وحمى سل ثم تفاقم أمره وأفرط به إسهال وتزايد ضعفه إلى أن توفي يومئذ قبل أذان العصر فأخبرني والده أن آخر كلامه أن قال أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين فصلى عليه يوم الخميس بالجامع المظفري وحضر جنازته قضاة البلد وأعيان الناس من العلماء والأمراء والتجار والعامة وكانت جنازته حافلة مليحة عليها ضوء ونور ودفن بالروضة إلى جانب قبر السيف ابن المجد رحمهما الله تعالى وكان مولده في رجب سنة خمس وسبعمائة فلم يبلغ الأربعين وحصل من العلوم مالا يبلغه الشيوخ الكبار وتفنن في الحديث والنحو والتصريف والفقه والتفسير والاصلين والتاريخ والقراءات وله مجاميع وتعاليق مفيدة كثيرة وكان حافظا جيدا لأسماء الرجال وطرق الحديث عارفا بالجرح والتعديل بصيرا بعلل الحديث حسن الفهم له جيد المذاكرة صحيح الذهن مستقيما على طريقة السلف واتباع الكتاب والسنة مثابرا على فعل الخيرات
وفي يوم الثلاثاء سلخه درس بمحراب الحنابلة صاحبنا الشيخ الامام العلامة شرف الدين بن القاضي شرف الدين الحنبلي في حلقة الثلثاء عوضا عن القاضي تقي الدين بن الحافظ رحمه الله وحضر عنده القضاء والفضلاء وكان درسا حسنا أخذ في قوله تعالى إن الله يأمر بالعدل والاحسان وخرج إلى مسألة تفضيل بعض الأولاد وفي يوم الخميس ثاني شهر جمادي الأولى خرجت التجريدة إلى الكرك مقدمان من الامراء وهما الامير شهاب الدين بن صبح والامير سيف الدين قلاوون في أبهة عظيمة وتجمل وجيوش وبقارات وإزعاج كثيرة
وفي صبيحة يوم الأثنين الحادي والعشرين منه قتل بسوق الخيل حسن بن الشيخ السكاكيني على ما ظهر منه من الرفض الدال على الكفر المحض شهد عليه عند القاضي شرف الدين المالكي بشهادات كثيرة تدل على كفره وأنه رافضي جلد فمن ذلك تكفير الشيخين رضي الله عنهما وقذفه أمي المؤمنين عائشة وحفصة رضي الله عنهما وزعم أن جبريل غلط فأوحى إلى محمد وإنما كان مرسلا إلى على وغير ذلك من الأقوال البالطة القبيحة قبحه الله وقد فعل وكان والده الشيخ محمد السكاكيني يعرف مذهب الرافضة والشيعة جيدا وكانت له اسئلة على مذهب اهل الخير ونظم في ذلك قصيدة أجابه فيها شيخنا الامام العلامة شيخ الاسلام بن يتيمة رحمه الله وذكر غير واحد من أصحاب الشيخ أن السكاكيني مامات حتى رجع عن مذهبه وصار إلى قول أهل السنة فالله أعلم وأخبرت أن ولده حسنا هذا القبيح كان قد اراد قتل أبيه لما أظهر السنة
وفي ليلة الاثنين خامس شهر رجب وصل بدن الأمير سيف الدين تنكز نائب الشام كان إلى تربته التي الى جانب جامعة الذي أنشأه ظاهر باب النصر بدمشق نقل من الاسكندرية بعد ثلاث سنين ونصف أو أكثر بشافعة ابنته زوجة الناصر عند ولده السلطان الملك الصالح فأذن في ذلك وأرادوا أن يدفن بمدرسته بالقدس الشريف فلم يمكن فجيء به إلى تربته بدمشق وعملت له الختم وحضر القضاة والأعيان رحمه الله
وفي يوم الثلاثاء حادي عشر شعبان المبارك توفي صاحبنا الامير صلاح الدين يوسف التكريتي ابن اخي الصاحب تقي الدين بن توبة الوزير بمنزلة بالقصاعين كان شابا من أبناء الأربعين ذا ذكاء وفطنة وكلام وبصيرة جيدة وكان كثير المحبة إلى الشيخ تقي الدين بن تيمية رحمه الله ولأصحابه خصوصا ولكل من يراه من أهل العلم عموما وكان فيه إيثار وإحسان ومحبة الفقراء والصالحين ودفن بتربتهم بسفح قاسيون رحمه الله وفي يوم السبت الخامس عشر منه جاءت زلزلة بدمشق لم يشعر بها كثير من الناس لخفتها ولله الحمد والمنة ثم تواترت الاخبار بأنها شعثت في بلاد حلب شيئا كثيرا من العمران حتى سقط بعض الابراج بقلعة حلب وكثير من دورها ومساجدها ومشاهدها وجدرانها وأما في القلاع حولها فكثير جدا وذكروا ان مدينة منبج لم يبق منها إلا القليل وأن عامة السكانين بها هلكوا تحت الردم رحمهم الله
وفي اواخر شهر شوال خرجت التجاريد إلى الكرك وهما أميران مقدمان الأمير علاء الدين فراسنقر والأمير الحاج بيد مر واشتهر في هذه الأيام أن أمر الكرك قد ضعف وتفاقم عليهم الأمر وضاقت الارزاق عندهم جدا ونزل منها جماعات من رؤسائها وخاصكية الأمير أحمد بن الناصر مخامرين عليه فسيروا من الصبح الى قلاوون وصحبتهم مقدمون من الحلقة إلى الديار المصرية واخبروا أن الحواصل عند أحمد قد قلت جدا فالله المسئول أن يحسن العاقبة
وفي ليلة الأربعاء الثامن والعشرين من شهر ذي الحجة توفي القاضي الامام العلامة برهان الدين ابن عبدالحق شيخ الحنفية وقاضي القضاة بالديار المصرية مدة طويلة بعد ابن الحريري ثم عزل وأقام بدمشق ودرس في أيام تغردمر بالعذراوية لولده القاضي امين الدين فذكر بها الدرس يوم الاحد قبل وفاة والده بثلاثة أيام وكان موت برهان الدين رحمه الله ببستانه من أراضي الارزة بطريق الصالحية ودفن من الغد بسفح قاسيون بمقبرة الشيخ ابي عمر رحمه الله وصلى عليه بالجامع المظفري وحضر جنازته القضاة والاعيان والأكبار رحمه الله
*2* ثم دخلت سنة خمس وأربعين وسبعمائة
@ استهلت هذه السنة وسلطان الديار المصرية والديار الشامية وما يتعلق بذلك الملك الصالح بن إسماعيل بن السلطان الملك الناصر محمد بن الملك المنصور قلاوون وقضاته بالديار المصرية والشامية هم المذكورون في السنة المتقدمة ونائبه بمصر الحاج سيف الدين ووزيره المتقدم ذكره وناظر الخاص القاضي مكين الدين وناظر الجيوش القاضي علم الدين ابن القطب والمحتسب المتقدم وشاد الدواوين علم الدين الناصري وشاد الأوقاف الأمير حسام الدين النجيبي ووكيل بيت المال القاضي علاء الدين شرنوخ وناظر الخزانة القاضي تقي الدين بن أبي الطيب وبقية المباشرين والنظارهم المتقدم ذكرهم وكاتب السر القاضي بدر الدين بن فضل الله كاتب السر والقاضي أمين الدين ابن القلانسي والقاضي شهاب الدين بن القيسراني والقاضي شرف الدين بن شمس الدين بن الشهاب محمود والقاضي علاء الدين شرنوخ
شهر المحرم أول السبت استهل والحصار واقع بقلعة الكرك وأما البلد فأخذو استنيب فيه الأمير سيف الدين قبليه قدم اليها من الديار المصرية والتجاريد من الديار المصرية ومن دمشق محيطون بالقلعة والناصر احمد بن الناصر ممتنع من التسليم ومن الاجابة إلى الانابة ومن الدخول في طاعة أخيه وقد تفاقمت الامور وطالت الحروب وقتل خلق كثير بسبب ذلك من الجيوش ومن أهل الكرك وقد توجهت القضية إلى خير إن شاء الله وقبل ذلك بأيام يسيرة هرب من قلعة
الكرك الامير سيف الدين أبو بكر بن بهادرآص الذي كان أسر في أوائل حصار الكرك وجماعة من مماليك الناصر احمد كان اتهمهم بقتل الشهيب احمد الذي كان يعتنى به ويحبه واستبشر الجيوش بنزول أبي بكر من عنده وسلامته من يده وجهز إلى الديار المصرية معظما وهذا والمجانيق الثلاثة سلطة على القلعة من البلد تضرب عليها ليلا ونهارا وتدمر في بنائها من داخل فإن سورها لا يؤثر فيه شيء بالكلية ثم ذكر ان الحصار فتر ولكن مع الاحتياط على أن لا يدخل إلى القلعة ميرة ولا شيء مما يتسعينون به على المقام فيها فالله المسؤول أن يحسن العقابة وفي يوم الاربعاء الخامس والعشرين من صفر قدم البريد مسرعا من الكرك فأخبر بفتح القلعة وان بابها احرق وأن جماعة الأمير أحمد بن الناصر استغاثوا بالأمان وخرج أحمد مقيدا وسير على البريد إلى الديار المصرية وذلك يوم الاثنين بعدا لظهر الثالث والعشرين من هذا الشهر ولله عاقبة الأمور وفي صبيحة يوم الجمعة رابع ربيع الاول دقت البشائر بالقلعة وزينت البلد عن مرسوم السلطان الملك الصالح سرورا بفتح البلد واجتماع الكلمة عليه واستمرت الزينة إلى يوم الاثنين سابعه فرسم برفعها بعد الظهر فتشوش كثير من العوام وأرجف بعض الناس بأن أحمد قد ظهر أمره وبايعه الأمراء الذين هم عنده وليس لذلك حقيقة ودخلت الأطلاب من الكرك صبيحة يوم الأحد ثالث عشر ربيع الاول بالطبلخانات والجيوش واشتهر إعدام احمد بن الناصر
وفي يوم الجمعة حادي عشر ربيع الأول صلى بالجامع الأموي على الشيخ أمين الدين أبي حيان النحوي شيخ البلاد المصرية من مدة طويلة وكانت وفاته بمصر عن تسعين سنة وخمسة أشهر ثم اشتهر في ربيع الآخر قتل السلطان أحمد وحز رأسه وقطع يديه ودفن جثته بالكرك وحمل رأسه إلى أخيه الملك الصالح إسماعيل وحضر بين يديه في الرابع والعشرين من هذا الشهر ففرح الناس بذلك ودخل الشيخ أحمد الزرعي على السلطان الملك الصالح فطلب منه أشياء كثيرة من تبطيل المظالم ومكوسات وإطلاق طبلخانات للأمير ناصر الدين بن بكناش وإطلاق أمراء محبوسين بقلعة دمشق وغير ذلك فأجابه إلى جميع ذلك وكان جملة المراسيم التي أجيب فيها بضع وثلاثين مرسوما فلما كان آخر شهر ربيع الآخر قدمت المراسيم التي سألها الشيخ أحمد من الملك الصالح فأمضيت كلها أو كثير منها وافرج عن صلاح الدين بن الملك الكامل والامير سيف الدين بلو في يوم الخميس سلخ هذا الشهر ثم روجع في كثير منها وتوقف حالها
وفي هذا الشهر عملت منارة خارج باب الفرج وفتحت مدرسة كانت دارا قديمة فجعلت مدرسة للحنفية ومسجدا وعملت طهارة عامة ومصلى للناس وكل ذلك منسوب إلى الامير سيف الدين تقطم الخليلي أمير حاجب كان وهو الذي جدد الدار المعروفة به اليوم بالقصاعين
وفي ليلة الاثنين عاشر جمادي الآخرة ترفى صاحبنا المحدث تقي الدين محمد بن صدر الدين سليمان الجعبري زوج بنت الشيخ جمال الدين المزي والد شرف الدين عبد الله وجمال الدين إبراهيم وغيرهم وكان فقيها بالمدارس وشاهدا تحت الساعات وغيرها وعنده فضيلة جيدة في قراءة الحديث وشيء من العربية وله نظم مستحسن انقطع يومين وبعض الثالث وتوفي في الليلة المذكورة في وسط الليل وكنت عنده وقت العشاء الآخرة ليلتئذ وحدثني وضاحكني وكان خفيف الروح رحمه الله ثم توفي في بقية ليلته رحمه الله وكان أشهدني عليه بالتوبة من جميع ما يسخط الله عز وجل وأنه عازم على ترك الشهود أيضا رحمه الله صلى عليه ظهر يوم الاثنين ودفن بمقابر باب الصغير عند أبويه رحمهم الله
وفي يوم الجمعة ثاني عشرين شهر رجب خطب القاضي عماد الدين بن العز الحنفي بجامع تنكز خارج باب النصر عن نزول الشيخ نجم الدين علي بن داود القفجاري له عن ذلك وايضا نائب السلطنة الامير سيف الدين تغردمر وحضوره عنده في الجامع المذكور يومئذ
وفي يوم الجمعة تاسع عشرين رجب توفي القاضي الامام العالم جلال الدين أبو العباس أحمد ابن قاضي القضاة حسام الدين الرومي الحنفي وصلى عليه بعد صلاة الجمعة بمسجد دمشق وحضره القضاة والأعيان ودفن بالمدرسة التي أنشأها إلى جانب الزردكاش قريبا في الخاتونية الجوانية وكان قد ولى قضاء قضاة الحنفية في أيام ولاية أبيه الديار المصرية وكان مولده سنة أحدى وخمسين وستمائة وقدم الشام مع ابيه فأقاموا بها ثم لما ولى الملك المنصور لاجين ولى أباه قضاء الديار المصرية وولده هذا قضاء الشام ثم إنه عزل بعد ذلك واستمر على ثلاث مدراس من خيار مدارس الحنفية ثم حصل له صمم في آخر عمره وكان ممتعا بحواسه سواه وقواه وكان يذاكر في العلم وغير ذلك
وفي يوم الأربعاء الرابع والعشرين من شعبان توفي الشيخ نجم الدين علي بن داود القفجاري خطيب جامع تنكز ومدرس الظاهرية وقد نزل عنها قبل وفاته بقليل للقاضي عماد الدين بن العز الحنفي وصلى عليه بالجامع المذكور بعد صلاة الظهر يومئذ وعند باب النصر وعند جامع جراح ودفن بمقبرة ابن الشيرجي عند والده وحضره القضاة والاعيان وكان استاذا في النحو وله علوم أخر لكن كان نهاية في النحو والتصريف
وفي هذا اليوم توفي الشيخ الصالح العابد الناسك الشيخ عبد الله الضرير الزرعي وصلى عليه بعد الظهر بالجامع الأموي وبباب النصر وعند مقابر الصوفية ودفن بها قريبا من الشيخ تقي الدين ابن تيمية رحمه الله وكان كثير التلاوة حسنها وصحيحها كثير العبادة يقرئ الناس من دهر طويل ويقوم بهم العشر الأخير من رمضان في محراب الحنابلة بالجامع الأموي رحمه الله
وفي يوم الجمعة ثاني شهر رمضان المعظم توفي الشيخ الامام العالم العامل العابد الزاهد الورع أبو عمر بن أبي الوليد المالكي إمام محراب الصحابة الذي للمالكية وصلى عليه بعد الصلاة وحضر جنازته خلق كثير وجم غفير وتأسف الناس عليه وعلى صلاحه وفتاويه النافعة الكثيرة ودفن إلى جانب قبر أبيه واخيه إلى جانب قبر أبي الغندلاوي المالكي قريبا من مسجد التاريخ رحمه الله وولى مكانه في المحراب ولده وهو طفل صغير فاستنيب له إلى حين صلاحيته جبره ورحم اباه
وفي صبيحة ليلة الثلاثاء سادس رمضان وقع ثلج عظيم لم ير مثله بدمشق من مدة طويلة وكان الناس محتاجين إلى مطر فلله الحمد والمنة وتكاثف الثلج على الأسطحة وتراكم حتى أعيي الناس أمره ونقلوه عن الاسطحة إلى الأزقة يحمل ثم نودي بالأمر بازالته من الطرقات فإنه سدها وتعطلت معايش كثير من الناس فعوض الله الضعفاء بعملهم في الثلج ولحق الناس كلفة كبيرة وغرماة كثيرة فإنا لله وإنا اليه راجعون
وفي يوم الجمعة الثالث والعشرين من رمضان صلى بالجامع الأموي على نائب وهو الأمير علاء الدين الجاولي وقد تقدم شيء من ترجمته رحمه الله
وفي أول شوال يوم عيد الفطر وقع فيه ثلج عظيم بحيث لم يمكن الخطيب من الوصول إلى المصلى ولا خرج نائب السلطنة بل اجتمع الأمراء والقضاة بدار السعادة وحضر الخطيب فصل بهم العيد بها وكثير من الناس صلوا العيد في البيوت
وفي يوم الأحد الحادي والعشرين من ذي الحجة درس قاضي القضاة تقي الدين السبكي الشافعي بالشامية البرانية عن الشيخ شمس الدين ابن النقيب رحمه الله وحضر عنده القضاة والاعيان والأمراء وخلق من الفضلاء وأخذ في قوله تعالى قال رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب وما بعدها وفي ذي الحجة استفتى في قتل كلاب البلد فكتب جماعةمن أهل البلد في ذلك فرسم باخراجهم يوم الجمعة من البلد الخامس والعشرين منه لكن إلى الخندق ظاهر باب الصغير وكان الاولى قتلهم بالكلية وإحراقهم لئلا تنتن الناس بريحهم على ما أفتى به الامام مالك بن أنس من جواز قتل الكلاب ببلدة معينة للمصلحة إذا رأى الامام ذلك ولا يعارض ذلك النهي عن قتل الكلاب ولهذا كان عثمان بن عفان يأمر في خطبته بقتل الكلاب وذبح الحمام
*2* ثم دخلت سنة ست وأربعين وسبعمائة
@ استهلت هذه السنة وسلطان المسلمين بالديار المصرية والشامية والحرمين والبلاد الحلبية وأعمال ذلك الملك الصالح عماد الدين إسماعيل بن الناصر بن المنصور وقضاته بالديار المصرية والشامية هم المذكورون أيضا وفي يوم الجمعة سادس عشر محرم كملت عمارة الجامع الذي بالمزة الفوقانية الذي جدده وأنشأه الأمير بهاء الدين المرجاني الذي بنى والده مسجد الخيف بمنى وهو جامع حسن متسع فيه روح وإنشراح تقبل الله من بانيه وعقدت فيه الجمعة بجمع كثير وجم غفير من أهل المزة ومن حضر من أهل البلد وكنت أنا الخطيب يعني الشيخ عماد الدين المصنف تغمده الله برحمته ولله الحمد والمنة ووقع كلام وبحث في اشتراط المحلل في المسابقة وكان سببه أن الشيخ شمس الدين ابن قيم الجوزية صنف فيه مصنفا من قبل ذلك ونصر فيه ما ذهب اليه الشيخ تقي الدين بن تيمية في ذلك ثم صار يفتى به جماعة من الترك ولا يعزوه إلى الشيخ تقي الدين بن تيمية فاعتقد من اعتقد أنه قوله وهو مخالف للأئمة الاربعة فحصل عليه إنكار في ذلك وطلبه القاضي الشافعي وحصل كلام في ذلك وانفصل الحال على أن أظهر الشيخ شمس الدين بن قيم الجوزية الموافقة للجمهور
نة ست وأربعين وسبعمائة
@ استهلت هذه السنة وسلطان المسلمين بالديار المصرية والشامية والحرمين والبلاد الحلبية وأعمال ذلك الملك الصالح عماد الدين إسماعيل بن الناصر بن المنصور وقضاته بالديار المصرية والشامية هم المذكورون أيضا وفي يوم الجمعة سادس عشر محرم كملت عمارة الجامع الذي بالمزة الفوقانية الذي جدده وأنشأه الأمير بهاء الدين المرجاني الذي بنى والده مسجد الخيف بمنى وهو جامع حسن متسع فيه روح وإنشراح تقبل الله من بانيه وعقدت فيه الجمعة بجمع كثير وجم غفير من أهل المزة ومن حضر من أهل البلد وكنت أنا الخطيب يعني الشيخ عماد الدين المصنف تغمده الله برحمته ولله الحمد والمنة ووقع كلام وبحث في اشتراط المحلل في المسابقة وكان سببه أن الشيخ شمس الدين ابن قيم الجوزية صنف فيه مصنفا من قبل ذلك ونصر فيه ما ذهب اليه الشيخ تقي الدين بن تيمية في ذلك ثم صار يفتى به جماعة من الترك ولا يعزوه إلى الشيخ تقي الدين بن تيمية فاعتقد من اعتقد أنه قوله وهو مخالف للأئمة الاربعة فحصل عليه إنكار في ذلك وطلبه القاضي الشافعي وحصل كلام في ذلك وانفصل الحال على أن أظهر الشيخ شمس الدين بن قيم الجوزية الموافقة للجمهور


التوقيع :


اللهم صل على سيدنا محمد عبدك ونبيك ورسولك
النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم تسليما عدد مااحاط به علمك
وخط به قلمك واحصاه كتابك
وارض اللهم عن سادتنا ابي بكر وعمر وعثمان وعلي
وعن الصحابة أجمعين وعن التابعين وتابعيهم بإحسان الى يوم الدين





رد مع اقتباس
قديم 09-01-2006, 11:29 PM   رقم المشاركة : 15
الكاتب

أفاق : الاداره

مراقب

مراقب

أفاق : الاداره غير متواجد حالياً


الملف الشخصي









أفاق : الاداره غير متواجد حالياً


مشاركة: البداية والنهاية الجزء الرابع عشر


*3* الشيخ نجم الدين القباني الحموي
@ عبد الرحمن بن الحسن بن يحيى اللخمي القباني قرية من قرى اشمون الرمان أقام بحماة في زاوية بزار ويلتمس دعاؤه كان عابدا ورعا زاهدا آمرا بالمعروف وناهيا عن المنكر حسن الطريقة إلى أن توفي بها آخر نهار الاثنين رابع عشر رجب عن ست وستين سنة وكانت جنازته حافلة هائلة جدا ودفن شمالي حماة كان عنده فضيلة واشتغل على مذهب الامام احمد بن حنبل وله كلام حسن يؤثر عنه رحمه الله
*3* الشيخ فتح الدين بن سيد الناس
@ الحافظ العلامة البارع فتح الدين بن أبي الفتح محمد بن الامام ابي عمرو محمد بن الامام الحافظ الخطيب ابي بكر محمد بن أحمد بن عبد الله بن محمد بن يحيى بن سيد الناس الربعي اليعمري الاندلسي الاشبيلي ثم المصري ولد في العشر الاول من ذي الحجة سنة إحدى وسبعين وستمائة وسمع الكثير وأجاز له الرواية عنهم جماعات من المشايخ ودخل دمشق سنة تسعين فسمع من الكندي وغيره واشتغل بالعلم فبرع وساد أقرانه في علوم شتى من الحديث والفقه والنحو من العربية وعلم السير والتواريخ وغير ذلك من الفنون وقد جمع سيرة حسنة في مجلدين وشرح قطعة حسنة من أول جامع الترمذي رأيت منها مجلدا بخطه الحسن وقد حرر وحبر وافاد وأجاد ولم يسلم من بعض الانتقاد وله الشعر الرائق الفائق والنثر الموافق والبلاغة التامة وحسن الترصيف والتصنيف وجودة البديهة وحسن الطوية وله العقيدة السلفية الموضوعة على الاي والاخبار ولااثار والاقتفاء بالاثار النبوية ويذكر عنه سوء أدب في أشياء أخر سامحه الله فيها وله مدائح في رسو الله صلى الله عليه وسلم حسان وكان شيخ الحديث بالظاهرية بمصر وخطب بجامع الخندق ولم يكن في مصر في مجموعة مثله في حفظ الاسانيد والمتون والعلل والفقه والملح والاشعار والحكايات توفي فجأة يوم السبت حادي عشر شعبان وصلى عليه من الغد وكانت جنازته حافلة ودفن عند ابن أبي جمرة رحمه الله
*3* القاضي مجد الدين بن حرمي
@ ابن قاسم بن يوسف العامري الفاقوسي الشافعي وكيل بيت المال ومدرس الشافعي وغيره كانت له همة ونهضة وعلت سنه وهو مع ذلك يحفظ ويشغل ويشتغل ويلقي الدروس من حفظه إلى ان توفي ثاني ذي الحجة وولى تدريس الشافعي بعده شمس الدين ابن القماح والقطبية بهاء الدين ابن عقيل والوكلة نجم الدين الاسعردي المحتسب
وهو كان وكيل بيت الظاهر
*2* ثم دخلت سنة خمس وثلاثين وسبعمائة
@ استهلت وحكام البلاد هم المذكورون في التي قبلها وناظر الجامع عز الدين ابن المنجا والمحتسب عماد الدين الشيرازي وغيرهم وفي مستهل المحرم يوم الخميس درس بأم الصالح الشيخ خطيب تبرور عوضا عن قاضي القضاة شهاب الدين ابن المجد وحضر عنده القضاة والاعيان وفي سادس المحرم رجع مهنا بن عيسى من عند السلطان فتلقاه النائب والجيش وعاد إلى أهله في عز وعافية وفيه أمر السلطان بعمارة جامع القلعة وتوسيعه وعمارة جامع مصر العتيق وقدم إلى دمشق القاضي جمال الدين محمد بن عماد الدين ابن الاثير كاتب سربها عوضا عن ابن الشهاب محمود ووقع في هذا الشهر والذي بعده موت كثير في الناس بالخانوق
وفي ربيع الاول مسك الامير نجم الدين بن الزيبق مشد الدواوين وصودر وبيعت خيوله وحوصاله وتولاه بعده سيف الدين ثمر مملوك بكتمر الحاجب وهو مشد الزكاة وفيه كملت عمارة حمام الامير شمس الدين حمزه الذي تمكن عند تنكز بعد ناصر الدين الدوادار ثم وقعت الشناعة عليه بسبب ظلمه في عمارة هذا الحمام فقابله النائب على ذلك وانتصف للناس منه وضربه بين يديه وضربه بالبندق بيده في وجهه وسائر جسده ثم أودعه القلعة ثم نقله إلى بحيرة طبرية فغرقه فيها وعزل الامير جمال الدين نائب الكرك عن نيابة طرابلس حسب سؤاله في ذلك وراح إليها طيغال وقد نائب الكرك إلى دمشق وقد رسم له بالاقامة في سلخد فلما تلقاه نائب السلطنة والجيش نزل في دار السعادة واخذ سيفه بها ونقل إلى القلعة ثم نقل إلى صفت ثم إلى الاسكندرية ثم كان آخر العهد به وفي جمادي الاولى احتيط على دار الامير بكتمر الحاجب الحسامي بالقاهرة ونبشت وأخذ منها شيء كثير جدا وكان جد أولاده نائب الكرك المذكور وفي يوم السبت تاسع جمادي الاخرة باشر حسام الدين أبو بكر ابن الأمير عز الدين أيبك التجيبي شد الاوقاف عوضا عن ابن بكتاش اعتقل وخلع على المتولي وهنأه الناس وفي منتصف هذا الشهر علق الستر الجديد على خزانة المصحف العثماني وهو من خز طوله ثمانية أذرع وعرضه أربعة أذرع ونصف غرم عليه أربعة آلاف وخمسمائة وعمل في مدة سنة ونصف
وخرج الركب الشامي يوم الخميس تاسع شوال وأميره علاء الدين المرسي وقاضيه شهاب الدين الظاهري وفيه رجع جيش حلب إليها وكانوا عشرة آلاف سوى من تبعهم من التركمان وكانوا في بلاد أذنة وطرسوس وإياس وقد خربوا وقتلوا خلقا كثيرا ولم يعدم منهم سوى رجل واحد غرق بنهر جاهان ولكن كان قتل الكفار من كان عندهم من المسلمين نحوا من ألف رجل يوم عيد الفطر فانا لله وإنا إليه راجعون
وفيه وقع حريق عظيم بحماة فاحترق منه أسواق كثيرة وأملاك وأوقاف وهلكت أموال لاتحصر وكذلك احترق أكثر مدينة أنطاكية فتألم المسلمون لذلك وفي ذي الحجة خرب المسجد الذي كان في الطريق بين باب النصر وبين باب الجابية عن حكم القضاة بأمر نائب السلطنة وبني غريبة مسجد حسن أحسن وأنفع من الاول وتوفي فيها من الاعيان :
*3* الشيخ الصالح المعمر رئيس المؤذنين بجامع دمشق
@ برهان الدين إبراهيم بن محمد بن أحمد بن محمد الواني ولد سنة ثلاث وأربعين وستمائة وسمع الحديث وروى وكان حسن الصوت والشكل محببا إلى العوام توفي يوم الخميس سادس صفر ودفن بباب الصغير وقام من بعده في الرياسة ولده أمين الدين محمد الواني المحدث المفيد وتوفي بعده ببضع وأربعين يوما رحمهما الله
*3* الكاتب المطبق المجود المحرر
@ بهاء الدين محمود ابن خطيب بعلبك محيي الدين محمد بن عبد الرحيم بن عبد الوهاب السلمي ولد سنة ثمان وثمانين وستمائة واعتني بهذه الصناعة فبرع فيها وتقدم على أهل زمانه قاطبة في النسخ وبقية الأقلام وكان سحن الشكل طيب الاخلاق طيب الصوت حسن التودد توفي في سلخ ربيع الاول ودفن بتربة الشيخ ابي عمر رحمه الله
*3* علاء الدين السنجاري
@ واقف دار القرآن عند باب الناطفانيين شمالي الاموي بدمشق علي بن إسماعيل بن محمود كان احد التجار الصدق الاخيار ذوي اليسار المسارعين إلى الخيرات توفي بالقاهرة ليلة الخميس ثالث عشر جمادي الاخرة ودفن عند قبر القاضي شمس الدين بن الحريري
*3* العدل نجم الدين التاجر
@ عبد الرحيم بن أبي القاسم عبد الرحمن الرحبي باني التربة المشهورة بالمزة وقد جعل لها مسجدا ووقف عليها أوقافا دارة وصدقات هناك وكان من أخيار أبناء جنسه عدل مرضى عند جميع الحكام وترك اولادا وأموالا جمة ودارا هائلة وبساتين بالمزة وكان وفاته يوم الاربعاء سابع عشرين جمادي الاخرة ودفن بتربته المذكورة بالمزة رحمه الله
*3* الشيخ الامام الحافظ قطب الدين
@ ابو محمد عبدالكريم بن عبدالنور بن منير بن عبدالكريم بن علي بن عبدالحق بن عبدالصمد بن عبدالنور الحلبي الاصل ثم المصري أحد مشاهير المحدثين بها والقائمين بحفظ الحديث وروايته وتدوينه وشرحه والكلام عليه ولد سنة اربع وستين وستمائة بحلب وقرأ القرآن بالروايات وسمع الحديث وقرأ الشاطبية والألفية وبرع في فن الحديث وكان حنفي المذهب وكتب كثيرا وصنف شرحا لأكثر البخاري وجمع تاريخا لمصر ولم يكملهما وتكلم على السيرة التي جمعها الحافظ عبد الغني وخرج لنفسه أربعين حديثا متبانة الاسناد وكان حسن الاخلاق مطرحا للكلفة طاهر اللسان كثير المطالعة والاشتغال إلى أن توفي يوم الأحد سلخ رجب ودفن من الغد مستهل شعبان عند خاله نصر المنبجي وخلف تسعة أولاد رحمه الله
*3* القاضي الامام زين الدين أبو محمد
@ عبد الكافي بن علي بن تمام بن يوسف السبكي قاضي المحلة ووالده العلامة قاضي القضاة تقي الدين السبكي الشافعي سمع من ابن الانماطي وابن خطيب المزة وحدث وتوفي تاسع شعبان وتبعته زوجته ناصرية بنت القاضي جمال الدين إبراهيم بن الحسين السبكي ودفنت بالقرافة وقد سمعت من ابن الصابوني شيئا من سنن النسائي وكذلك ابنتها محمدية وقد توفيت قبلها
*3* تاج الدين علي بن إبراهيم
@ ابن عبد الكريم المصري ويعرف بكاتب قطلبك وهو والد العلامة فخر الدين شيخ الشافعية ومدرسهم في عدة مدارس ووالده هذا لم يزل في الخدمة والكتابة إلى أن توفي عنده بالعادلية الصغيرة ليلة الثلاثاء ثالث عشر شعبان وصلى عليه من الغد بالجامع ودفن بباب الصغير
*3* الشيخ الصالح عبد الكافي
@ ويعرف بعبيد ابن أبي الرجال بن حسين بن سلطان بن خليفة المنيني ويعرف بابن أبي الازرق مولده في سنة أربع وأربعين وستمائة بقريته من بلاد بعلبك ثم أقام بقرية منين وكان مشهورا بالصلاح وقرئ عليه شيء من الحديث وجاوز التسعين
*3* الشيخ محمد بن عبدالحق
@ ابن شعبان بن علي الأنصاري المعروف بالسياح له زاوية بسفح قاسيون بالوادي الشمالي مشهورة به كان قد بلغ التسعين وسمع الحديث وأسمعه كانت له معرفة بالامور وعنده بعض مكاشفة وهو رجل حسن توفي أواخر شوال من هذه السنة
*3* الامير سلطان العرب
@ حسام الدين مهنا بن عيسى بن مهنا أمير العرب بالشام وهم يزعمون أنهم من سلالة جعفر بن يحيى بن خالد البرمكي من ذرية الولد الذي جاء من العباسة اخت الرشيد فالله أعلم
وقد كان كبير القدر محترما عند الملوك كلهم بالشام ومصر والعراق وكان دينا خيرا متحيزا للحق وخلف أولادا وورثة وأموالا كثيرة وقد بلغ سنا عالية وكان يحب الشيخ تقي الدين بن تيمية حبا زائدا هو وذريته وعربه وله عندهم منزلة وحرمة وإكرام يسمعون قوله ويمتثلونه وهو الذي نهاهم أن يغير بعضهم على بعض وعرفهم أن ذلك حرام وله في ذلك مصنف جليل
وكان وفاة مهنا هذا ببلاد سلمية في ثامن عشر ذي القعدة ودفن هناك رحمه الله
*3* الشيخ الزاهد فضل العلجوني
@ فضل بن عيسى بن قنديل العجلوني الحبنلي المقيم بالمسمارية أصله من بلاد حبراحي كان متقللا من الدنيا يلبس ثيابا طوالا وعمامة هائلة وهي بأرخص الاثمان وكان يعرف تعبير الرؤيا ويقصد لذلك وكان لا يقبل من أحد شيئا وقد عرضت عليه وظائف بجوامك كثيرة فلم يقبلها بل رضي بالرغيد الهني من العيش الخشن إلى ان توفي في ذي الحجة وله تحو تسعين سنة ودفن بالقرب من قبر الشيخ تقي الدين بن تيمية رحمهما الله وكانت جنازته حافلة جدا
*2* ثم دخلت سنة ست وثلاثين وسبعمائة
@ استهلت بيوم الجمعة والحكام هم المذكورون في التي قبلها وفي أول يوم منها ركب تنكز إلى قلعة جعبر ومعه الجيش والمناجنيق فغابوا شهرا وخمسة ايام وعادوا سالمين وفي ثامن صفر فتحت الخانقاه التي أنشأها سيف الدين قوصون الناصري خارج باب القرافة وتولى مشيختها الشيخ شمس الدين الأصبهاني المتكلم وفي عاشر صفر خرج ابن جملة من السجن بالقلعة وجاءت الاخبار بموت ملك التتار أبي سعيد بن خربندا بن أرغون بن أبغا بن هولاكوبن تولى بن جنكزخان في يوم الخميس ثاني عشر ربيع الاخر بدار السلطنة بقراباغ وهي منزلهم في الشتاء ثم نقل إلى تربته بمدينته التي أنشاها قريبا من السلطانية مدينة أبيه وقد كان من خيار ملوك التتار واحسنهم طريقة واثبتهم على السنة واقومهم بها وقد عز اهل السنة بزمانه وذلت الرافضة بخلاف دولة أبيه ثم من بعده لم يقم للتتار قائمة بل اختلفوا فتفرقوا شذر مذر إلى زماننا هذا وكان القائم من بعده بالأمر ارتكاوون من ذرية أبغا ولم يستمر له الأمر إلا قليلا
وفي يوم الاربعاء عاشر جمادي الأولى درس بالناصرية الجوانية بدر الدين الأردبيلي عوضا عن كمال الدين ابن الشيرازي توفي وحضر عنده القضاة وفيه درس بالظاهرية البرانية الشيخ الامام المقري سيف الدين أبو بكر الحريري عوضا عن بدر الدين الأردبيلي تركها لما حصلت له الناصرية الجوانية وبعده بيوم درس بالنجيبية كاتبه إسماعيل ابن كثير عوضا عن الشيخ جمال الدين ابن قاضي الزبداني تركها حين تعين له تدريس الظاهرية الجوانية وحضر عنده القضاة والاعيان كان درسا حافلا أثنى عليه الحاضرون وتعجبوا من جمعه وترتيبه وكان ذلك في تفسير قوله تعالى إنما يخشى الله من عباده العلماء وإنساق الكلام إلى مسألة ربا الفضل وفي يوم الاحد رابع عشرة ذكر الدرس بالظاهرية المذكورة ابن قاضي الزبداني عوضا عن علاء الدين ابن القلانسي توفي وحضر عنده القضاة والأعيان وكان يوما مطيرا
وفي أول جمادي الاخرة وقع غلاء شديد بديار مصر واشتد ذلك إلى شهر رمضان وتوجه خلق كثير في رجب إلى مكة نحوا من ألفين وخمسمائة منهم عز الدين ابن جماعة وفخر الدين النويري وحسن السلامي وأبو الفتح السلامي وخلق وفي رجب كملت عمارة جسر باب الفرج وعمل عليه باسورة ورسم باستمرار فتحه إلى بعد العشاء الآخرة كبقية سائر الأبواب وكان قبل ذلك يغلق من المغرب وفي سلخ رجب أقيمت الجمعة بالجامع الذي أنشاه نجم الدين ابن خيلخان تجاه باب كيسان من القبلة وخطب فيه الشيخ الامام العلامة شمس الدين ابن قيم الجوزية وفي ثاني شعبان باشر كتابة السر بدمشق القاضي علم الدين محمد بن قطب الدين أحمد بن مفضل عوضا عن كمال الدين ابن الأثير عزل وراح إلى مصر وفي يوم الأربعاء رابع رمضان ذكر الدرس بالأمينية الشيخ بهاء الدين ابن إمام المشهد عوضا عن علاء الدين بن القلانسي وفي العشرين منه خلع على الصدر نجم الدين بن أبي الطيب بنظر الخزانة مضافا إلىما بيده من وكالة بيت المال بعد وفاة ابن القلانسي بشهور وخرج الركب الشامي يوم الاثنين ثامن شوال واميره قطلودمر الخليلي وممن حج فيه قاضي طرابلس محيي الدين بن جهبل والفخر المصري وأبن قاضي الزبداني وابن العز الحنفي وابن غانم والسخاوي وابن قيم الجوزية وناصر الدين بن البربوه الحنفي وجاءت الأخبار بوقعة جرت بين التتار قتل فيها خلق كثير منهم وانتصر على باشا وسلطانه الذي كان قد أقامه وهو موسى كاوون على اربا كاوون وأصحابه فقتل هو ووزيره ابن رشيد الدولة وجرت خطوب كثيرة طويلة وضربت البشائر بدمشق
وفي ذي القعدة خلع على ناظر الجامع الشيخ عز الدين بن المنجا بسب إكماله البطائن في الرواق الشمالي والغربي والشرقي ولم يكن قبل ذلك له بطائن وفي يوم الاربعاء سابع الحجة ذكر الدرس بالشبلية القاضي نجم الدين ابن قاضي القضاة عماد الدين الطرسوسي الحنفي وهو ابن سبع عشرة سنة وحضر عنده القضاة والأعيان وشكروا من فضله ونباهته وفرحوا لأبيه فيه وفيها عزل ابن النقيب عن قضاء حلب ووليها ابن خطيب جسرين وولى الحسبة بالقاهرة ضياء الدين يوسف بن أبي بكر بن محمد خطيب بيت الأبار خلع عليه السطان وفي ذي القعدة رسم السلطان باعتقال الخليفة المستكفي وأهله وأن يمنعوا من الاجتماع فآل أمرهم كما كان أيام الظاهر والمنصور وممن توفي فيها من الاعيان :
*3* السلطان أبو سعيد ابن خربندا
@ وكان اخر من اجتمع شمل التتار عليه ثم تفرقوا من بعده
*3* الشيخ البندنيجي
@ شمس الدين علي بن محمد بن ممدود بن عيسى البندنيجي الصوفي قدم علينا من بغداد شيخنا كبيرا راويا لأشياء كثيرة فيها صحيح مسلم والترمذي وغير ذلك وعنده فوائد ولد سنة اربع وأربعين وستمائة وكان والده محدثا فأسمعه أشياء كثيرة على مشايخ عدة وكان موته بدمشق رابع المحرم
*3* قاضي قضاة بغداد
@ قطب الدين أبو الفضائل محمد بن عمر بن الفضل التبريزي الشافعي المعروف بالأحوس سمع شيئا من الحديث واشتغل بالفقه والأصول والمنطق والعربية والمعاني والبيان كان بارعا في فنون كثيرة ودرس بالمستنصرية بعد العاقولي وفي مدارس كبار وكان حسن الخلق كثير الخير على الفقراء والضعفاء متواضعا يكتب حسنا أيضا توفي في آخر المحرم ودفن بتربة له عند داره ببغداد رحمه الله
*3* الامير صارم الدين
@ ابراهيم بن محمد بن أبي القاسم بن أبي الزهر المعروف بالمغزال كانت له مطالعة وعنده شيء من التاريخ ويحاضر جيدا ولما توفي يوم الجمعة وقت الصلاة السادس والعشرين من المحرم دفن بتربة له عند حمام العديم
*3* الامير علاء الدين مغلطاي الخازن
@ نائب القلعة وصاحب التربة تجاه الجامع المظفري من الغرب كان رجلا جيدا له أوقاف وبر وصدقات توفي يوم الجمعة بكرة عاشر صفر ودفن بتربته المذكورة
*3* القاضي كمال الدين
@ أحمد بن محمد بن محمد بن عبد الله بن هبة الله بن الشيرازي الدمشقي ولد سنة سبعين وسمع الحديث وتفقه على الشيخ تاج الدين الفزاري الشيخ زين الدين الفارقي وحفظ مختصر المزني ودرس في وقت بالبادرائية وفي وقت بالشامية البرانية ثم ولي تدريس الناصرية الجوانية مدة سنين إلى حين وفاته وكان صدرا كبيرا ذكر لقضاء قضاة دمشق غير مرة وكان حسن المباشرة والشكل توفي في ثالث صفر ودفن بتربتهم بسفح قاسيون رحمه الله
*3* الامير ناصر الدين
@ محمد بن الملك المسعود جلال الدين عبد الله بن الملك الصالح إسماعيل بن العادل كان شيخا مسنا قد اعتنى بصحيح البخاري يختصره وله فهم جيد ولديه فضيلة وكان يسكن المزة وبها توفي ليلة السبت خامس عشرين صفر وله أربع وسبعون سنة ودفن بتربتهم بالمزة رحمه الله
*3* علاء الدين
@ علي بن شرف الدين محمد بن القلانسي قاضي العسكر ووكيل بيت المال وموقع الدست ومدرس الامينية والظاهرية وغير ذلك من المناصب ثم سلبها كلها سوى التدريسين وبقي معزولا إلى حين أن توفي بكرة السبت خامس وعشرين صفر ودفن بتربتهم
*3* عز الدين أحمد بن الشيخ زين الدين
@ محمد بن أحمد بن محمود العقيلي ويعرف بابن القلانسي محتسب دمشق وناظر الخزانة كان محمود المباشرة ثم عزل الحسبة واستمر بالخزانة إلى أن توفي يوم الاثنين تاسع عشر جمادي الاولى ودفن بقاسيون
*3* الشيخ علي بن أبي المجد بن شرف بن أحمد الحمصي
@ ثم الدمشقي مؤذن البربوة خمسا وأربعين سنة وله ديوان شعروتعاليق وأشياء كثيرة مما ينكر أمرها وكان محلولا في دينه توفي جمادي الاولى أيضا
*3* الامير شهاب الدين بن برق
@ متولي دمشق شهد جنازته خلق كثير توفي ثاني شعبان ودفن بالصالحية واثنى عليه الناس
*3* الأمير فخر الدين ابن الشمس لؤلؤ
@ متولى البر كان مشكورا أيضا توفي رابع شعبان وكان شيخا كبيرا توفي ببستانه ببيت لهيا ودفن بتربته هناك وترك ذرية كثيرة رحمه الله
*3* عماد الدين إسماعيل
@ ابن شرف الدين محمد بن الوزير فتح الدين عبد الله بن محمد بن أحمد بن خالد بن صغير بن القيسراني أحد كتاب الدست وكان من خيار الناس محببا إلى الفقراء والصالحين وفيه مروءة كثيرة وكتب بمصر ثم صار إلى حلب كاتب سرها ثم انتقل إلى دمشق فأقام بها إلى أن مات ليلة الاحد ثالث عشر القعدة وصلى عليه من الغد بجامع دمشق ودفن بالصوفية عن خمس وستين سنة وقد سمع شيئا من الحديث على الابرقوهي وغيره
وفي ذي القعدة توفي شهاب الدين ابن القديسة المحدث بطريق الحجاز الشريف وفي ذي الحجة توفي الشمس محمد المؤذن المعروف بالنجار ويعرف بالبتي وكان يتكلم ونشد في المحافل والله سبحانه أعلم
*2* ثم دخلت سنة سبع وثلاثين وسبعمائة
@ استهلت بيوم الجمعة والخليفة المستكفي بالله قد اعتقله السلطان الملك الناصر ومنعه من الاجتماع بالناس ونائب الشام تنكز بن عبد الله الناصري والقضاة والمباشرون هم المذكورون في التي قبلها سوى كاتب السر فإنه علم الدين بن القطب ووالي البر الأمير بدر الدين بن قطلوبك ابن شنشنكير ووالي المدينة حسام الدين طرقطاي الجوكنداري
وفي أول يوم منها يوم الجمعة وصلت الاخبار بأن على باشا كسر جيشه وقيل إنه قتل ووصلت كتب الحجاج في الثاني والعشرين من المحرم تصف مشقة كثيرة حصلت للحجاج من موت الجمال وإلقاء الأحمال ومشى كثير من النساء والرجال فإنا لله وإنا إليه راجعون والحمد لله على كل حال
وفي آخر المحرم قدم إلى دمشق القاضي حسام الدين حسن بن محمد الغوري قاضي بغداد وكان والوزير نجم الدين محمود بن علي بن شروان الكردي وشرف الدين عثمان بن حسن البلدي فأقاموا ثلاثة أيام ثم توجهوا إلى مصر فحصل لهم قبول تام من السلطان فاستقضى الاول على الحنفية كما سيأتي واستوزر الثاني وأمر الثالث وفي يوم عاشوراء احضر شمس الدين محمد بن الشيخ شهاب الدين بن اللبان الفقيه الشافعي إلى مجلس الحكم الجلالي وحضر معه شهاب الدين بن فضل الله مجد الدين الاقصرائي شيخ الشيوخ وشهاب الدين الأصبهاني فادعى عليه بأشياء منكرة من الحلول والاتحاد والغلو في القرمطة وغير ذلك فأقر ببعضها فحكم عليه بحقن دمه ثم توسط في أمره وأبقيت عليه جهاته ومنع من الكلام على الناس وقام في صفه جماعة من الأمراء والأعيان وفي صفر احترق بقصر حجاج حريق عظيم أتلف دورا ودكاكين عديدة وفي ربيع الاول ولد للسلطان ولد فدقت البشائر وزينت البلد أياما وفي منتصف ربيع الاخر أمر الامير صارم الدين إبراهيم الحاجب الساكن تجاه جامع كريم الدين طبلخاناه وهو من كبار أصحاب الشيخ تقي الدين رحمه الله وله مقاصد حسنة صالحة وهو في نفسه رجل جيد وفيه أفرج عن الخليفة المستكفي وأطلق من البرج في حادي عشرين ربيع الاخر ولزم بيته وفي يوم الجمعة عشرين جمادي الاخرة اقيمت الجمعة في جامعين بمصر أحدهما أنشاه الأمير عز الدين أيدمر بن عبد الله الخطيري مات بعد ذلك باثني عشر يوما رحمه الله والثاني أنشأته امرأة يقال لها الست حدق دادة السلطان الناصر عند قنطرة السباع وفي شعبان سافر القاضي شهاب الدين أحمد بن شرف بن منصور النائب في الحكم بدمشق إلى قضاء طرابلس وناب بعده الشيخ شهاب الدين أحمد بن النقيب البعلبكي وفيه خلع على عز الدين بن جماعة بوكالة بيت المال بمصر وعلى ضياء الدين ابن خطيب بيت الابار بالحسبة بالقاهرة مع ما بيده من نظر الاوقاف وغيره وفيه أمر الأمير ناظر القدس بطبلخاناه ثم عاد إلى القدس
وفي عاشر رمضان قدمت من مصر مقدمتان ألفان إلى دمشق سائرة إلى بلاد سيس وفيهم علاء الدين فاجتمع به أهل العلم وهو من افاضل الحنفية وله مصنفات في الحديث وغيره
وخرج الركب الشامي يوم الاثنين عاشر شوال وأميره بهادر قبجق وقاضية محيي الدين الطرابلسي مدرس الحمصية وفي الركب تقي الدين شيخ الشيوخ وعماد الدين ابن الشيرازي ونجم الدين الطرسوسي وجمال الدين المرداوي وصاحبه شمس الدين ابن مفلح والصدر المالكي والشرف ابن القيسراني والشيخ خالد المقيم عند دار الطعم وجمال الدين بن الشهاب محمود
وفي ذي القعدة وصلت الاخبار بان الجيش تسلموا من بلاد سيس سبع قلاع وحصل لهم خير كثير ولله الحمد وفرح المسلمون بذلك وفيه كانت وقعة هائلة بين التتار انتصر فيها الشيخ وذووه وفيها نفي السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون الخليفة وأهله وذويه وكانوا قريبا من مائة نفس إلى بلاد قوص ورتب لهم هناك ما يقوم بمصالحهم فإنا لله وإنا إليه راجعون وممن توفي فيها من الاعيان :
*3* الشيخ علاء الدين بن غانم
@ أبو الحسن علي بن محمد بن سليمان بن حمائل بن علي المقدسي أحد الكبار المشهورين بالفضائل وحسن الترسل وكثرة الادب والاشعار والمروءة التامة مولده سنة إحدى وخمسين وستمائة وسمع الحديث الكثير وحفظ القرآن والتنبيه وباشر الجهات وقصده الناس في الامور المهات وكان كثير الاحسان إلى الخاص والعام توفي مرجعه في الحج في منزلة تبوك يوم الخميس ثالث عشر المحرم ودفن هناك رحمه الله ثم تبعه أخوه شهاب الدين أحمد في شهر رمضان وكان اصغر منه سنا بسنة وكان فاضلا أيضا بارعا كثير الدعابة
*3* الشرف محمود الحريري
@ المؤذن بالجامع الموي بنى حماما بالنيرب ومات في آخر المحرم
*3* الشيخ الصالح العابد
@ ناصر الدين بن الشيخ إبراهيم بن معضاد بن شداد بن ماجد بن مالك الجعبري ثم المصري ولد سنة خمسين وستمائة بقلعة جعبر وسمع صحيح مسلم وغيره وكان يتكلم على الناس ويعظهم ويستحضر أشياء كثيرة من التفسير وغيره كان فيه صلاح وعبادة توفي في الرابع والعشرين من المحرم ودفن بزاويتهم عند والده خارج باب النصر
*3* الشيخ شهاب الدين عبدا لحق الحنفي
@ أحمد بن علي بن أحمد بن علي بن يوسف بن قاضي ! الحنفيين ويعرف بابن عبدالحق الحنفي شيخ المذهب ومدرس الحنفية وغيرها وكان بارعا فاضلا دينا توفي في ربيع الاول
*3* الشيخ عماد الدين
@ إبراهيم بن علي بن عبدالرحمن بن عبدالمنعم بن نعمة المقدسي النابلسي الحنبلي الامام العالم العابد شيخ الحنابلة بها وفقيههم من مدة طويلة توفي في ربيع الاول
*3* الشيخ الامام العابد الناسك
@ محب الدين عبد الله بن احمد بن المحب عبد الله بن أحمد بن أبي بكر محمد بن إبراهيم بن أحمد بن عبدالرحمن بن إسماعيل بن منصور المقدسي الحنبلي سمع الكثير وقرأ بنفسه وكتب الطباق وانتفع الناس به وكانت له مجالس وعظ من الكتاب والسنة في الجامع الاموي وغيره وله صوت طيب بالقراءة جدا وعليه روح وسكينة ووقار وكانت مواعيده مفيدة ينتفع بها الناس وكان شيخ الاسلام تقي الدين ابن تيمية يحبه ويحب قراءته توفي يوم الاثنين سابع ربيع الاول وكانت جنازته حافلة ودفن بقاسيون وشهد الناس له بخير رحمه الله تعالى وبلغ خمسا وخسمين سنة
*3* المحدث البارع المحصل المفيد المخرج المجيد
@ ناصر الدين محمد بن طغربل بن عبد الله الصيرفي أبوه الخوارزمي الاصل سمع الكثير وقرأ بنفسه وكان سريع القراءة وقرأ الكتب الكبار والصغار وجمع وخرج شيئا كثيرا وكان بارعا في هذا الشأن رحل فأدركته منيته بحماة يوم السبت ثاني ربيع الاول ودفن من الغد بمقابر طيبة رحمه الله
*3* شيخنا الامام العالم العابد
@ شمس الدين أبو محمد عبد الله بن العفيف محمد بن الشيخ تقي الدين يوسف بن عبد المنعم بن نعمة المقدسي النابلسي الحنبلي إمام مسجد الحنابلة بها ولد سنة سبع واربعين وستمائة وسمع الكثير وكان كثير العبادة حسن الصوت عليه البهاء والوقار وسحن الشكل والسمت قرأت عليه عام ثلاث وثلاثين وسبعمائة مرجعنا من القدس كثيرا من الأجزاء والفوائد وهو والد صاحبنا الشيخ جمال الدين يوسف أحد مفتية الحنابلة وغيرهم والمشهورين بالخير والصلاح توفي يوم الخميس ثاني عشرين ربيع الاخر ودفن هناك رحمه الله
*3* الشيخ محمد بن عبد الله بن المجد
@ إبراهيم المرشدي المقيم بمنية مرشد يقصده الناس للزيارة ويضيف الناس على حسب مراتبهم وينفق نفقات كثيرة جدا ولم يكن يأخذ من أحد شيئا فيما يبدو للناس والله أعلم بحاله وأصله من قرية دهروط وأقام بالقاهرة مدة واشتغل بها ويقال إنه قرأ التنبيه في الفقه ثم انقطع بمنية مرشد واشتهر أمره في الناس وحج مرات وكان إذا دخل القاهرة يزدحم عليه الناس ثم كانت وفاته يوم الخميس ثامن رمضان ودفن بزاويته وصلى عليه بالقاهرة ودمشق وغيرها
*3* الامير أسد الدين
@ عبد القادر بن المغيث عبدالعزيز بن الملك المعظم عيسى بن العادل ولد سنة ثنتين وأربعين وستمائة وسمع الكثير وأسمع وكان يأتي كل سنة من مصر إلى دمشق ويكرم أهل الحديث ولم يبق من بعده من بني أيوب أعلا سنا منه توفي بالرملة في سلخ رمضان رحمه الله
*3* الشيخ الصالح الفاضل
@ حسن بن إبراهيم بن حسن الحاكي الحكري إمام مسجده هناك ومذكر الناس في كل جمعة ولديه فضائل وفي كلامه نفع كثير إلى أن توفي في العشرين من شوال ولم ير الناس مثل جنازته بديار مصر رحمه الله تعالى
*2* ثم دخلت سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة
@ استهلت بيوم الاربعاء والخليفة المستكفي منفي ببلاد قوص ومعه أهله وذووه ومن يلوذ به وسلطان البلاد الملك الناصر محمد بن الملك المنصور ولا نائب بديار مصر ولا وزير ونائبه بدمشق تنكز وقضاة البلاد ونوابها ومباشروها هم المذكورون في التي قبلها وفي ثالث ربيع الاول رسم السلطان بتسفير علي ومحمد ابني داود بن سليمان بن داود بن العاضد آخر خلفاء الفاطميين إلى الفيوم يقيمون به وفي يوم الجمعة ثاني عشر ربيع الآخر عزل القاضي علم الدين بن القطب عن كتابة السر وضرب وصودر ونكب بسببه القاضي فخر الدين المصري وعزل عن مدرسته الدولعية وأخذها ابن جملة والعادلية الصغيرة باشرها ابن النقيب ورسم عليه بالعذراوية مائة يوم وأخذ شيء من ماله
وفي ليلة الاحد ثالث عشرين ربيع الاول بعدالمغرب هبت ريح شديدة بمصر وأعقبها رعد وبرق وبرد بقدر الجوز وهذا شيء لم يشاهدوا مثله من أعصار متطاولة بتلك البلاد وفي عاشر جمادي الاولى استهل الغيث بمكة من أول الليل فلما انتصف الليل جاء سيل عظيم هائل لم ير مثله من دهر طويل فخرب دورا كثيرة نحوا من ثلاثين أو أكثر وغرق جماعة وكسر أبواب المسجد ودخل الكعبة وارتفع فيها نحوا من ذراع أو أكثر وجرى أمر عظيم حكاه الشيخ عفيف الدين الطبري وفي سابع عشرين من جمادي الاولى عزل القاضي جلال الدين عن قضاء مصر واتفق وصلو خبر موت قاضي الشام ابن المجد بعد أن عزل بيسير فولاه السلطان قضاء الشام فسار إليها راجعا عودا على بدء ثم عزل السلطان برهان الدين بن عبدالحق قاضي الحنفية وعزل قاضي الحنابلة تقي الدين ورسم على ولده صدر الدين بأداء ديون الناس إليهم وكانت قريبا من ثلاثمائة ألف فلما كان يوم الاثنين تاسع عشر جمادي الاخرة بعد سفر جلال الدين بخمسة أيام طلب السلطان أعيان الفقهاء إلى بين يديه فسألهم عن من يصلح للقضاء بمصر فوقع الاختيار على القاضي عز الدين ابن جماعة فولاه في الساعة الراهنة وولى قضاء الحنفية لحسام الدين حسن بن محمد الغوري قاضي بغداد وخرجا من بين يديه إلى المدرسة الصالحية وعليهما الخلع ونزل عز الدين بن جماعة من دار الحديث الكاملية لصاحبه الشيخ عماد الدين الدمياطي فدرس فيها واورد حديث إنما الاعمال النيات بسنده وتكلم عليه وعزل أكثر نواب الحكم واستمر بعضهم واستمر بالمنادي الذي أشار بتوليته ولما كان يوم خامس عشرين منه ولى قضاء الحنابلة الامام العالم موفق الدين ابو محمد عبدالله بن محمد بن عبد الملك المقدسي عوضا عن المعزول ولم يبق من القضاة سوى الاخنائي المالكي
وفي رمضان فتحت الصبابية التي أنشأها شمس الدين بن تقي الدين بان الصباب التاجر دار قرآن ودار حديث وقد كانت خربة شنيعة قبل ذلك وفي رمضان باشر علاء الدين علي ابن القاضي محيي الدين بن فضل الله كتابة السر بمصر بعد وفاة أبيه كما سيأتي ترجمته وخلع عليه وعلى أخيه بدر الدين ورسم لهما أن يحضرا مجلس السلطان وذهب أخوه شهاب الدين إلى الحج
وفي هذا الشهر سقط بالجانب الغربي من مصر بردكا لبيض وكالرمان فأتلف شيئا كثيرا ذكر ذلك البرزالي ونقله من كتاب الشهاب الدمياطي وفي ثالث عشرين رمضان درس بالقبة المنصورية بمشيخة الحديث شهاب الدين العسجدي عوضا عن زين الدين الكنائي توفي فأرود حديثا من مسند الشافعي بروايته عن الجاولي بسنده ثم صرف عنها بالحجة بالشيخ اثير الدين أبي حيان فساق حديثا عن شخيه ابن الزبير ودعا للسلطان وحضر عنده القضاة والاعيان وكان مجلسا حافلا وفي ذي القعدة حضر تدريس الشامية البرانية قاضي القضاة شمس الدين ابن النقيب عوضا عن القاضي جمال الدين ابن جملة توفي وحضر خلق كثير من الفقهاء والاعيان وكان مجلسا حافلا وفي ثاني ذي الحجة درس بالعادلية الصغيرة تاج الدين عبد الرحيم ابن قاضي القضاة جلال الدين القزويني عوضا عن الشيخ شمس الدين بن النقيب بحكم ولايته الشامية البرانية وحضر عنده القضاة والاعيان وفي هذا الشهر درس القاضي صدر الدين بن القاضي جلال الدين بالاتابكية وأخوه الخطيب بدر الدين بالغزالية والعادلية نيابة عن أبيه انتهى والله اعلم وممن توفي فيها من الاعيان :
*3* الامير الكبير بدر الدين محمد بن فخر الدين عيسى بن التركماني
@ باني جامع المقياس بديار مصر في ايام وزارته بها ثم عزل أميرا إلى الشام ثم رجع إلى مصر إلى أن توفي بها في خامس ربيع الاخر وتوفي بالحسينية وكان مشكورا رحمه الله انتهى
*3* قاضي القضاة شهاب الدين
@ محمد بن المجد بن عبد الله بن الحسين بن علي الرازي الاربلي الاصل ثم الدمشقي الشافعي قاضي الشفاعية بدمشق ولد سنة ثنتين وستين وستمائة واشتغل وبرع وحصل وأفتى سنة ثلاث وتسعين ودرس بالاقبالية ثم الرواحية وتربة أم الصالح وولى وكلة بيت المال ثم صار قاضي قضاة الشام إلى أن توفي بمستهل جمادي الاولى بالمدرسة العادلية ودفن بمقابر باب الصغير رحمه الله
*3* الشيخ الامام العالم بن المرحل
@ زين الدين محمد بن عبد الله ابن الشيخ زين الدين عمر بن مكي بن عبدالصمد بن المرسل مدرس الشامية البرانية والعذراوية بدمشق وكان قبل ذلك بمشهد الحسين وكان فاضلا بارعا فقيها أصوليا مناظرا حسن الشكل طيب الاخلاق دينا صينا وناب في وقت بدمشق عن علم الدين الاخنائي فحمدت سيرته كانت وفاته ليلة الاربعاء تاسع عشر رجب ودفن من الغد عند مسجد الديان في تربة لهم هناك وحضر جنازته القاضي جلال الدين وكان قد قدم من الديار المصرية له يومان فقط وقدم بعده القاضي برهان الدين عبدالحق بخمسة أيام هو وأهله وأولاده أيضا وباشر بعده تدريس الشامية البرانية قاضي القضاة جمال الدين ابن جملة ثم كانت وفاته بعده بشهور وذلك يوم الخميس رابع عشر ذي القعدة وهذه ترجمته في تاريخ الشيخ علم الدين البرزالي
*3* قاضي القضاة جمال الدين الصالحي
@ جمال الدين أبو المحاسن يوسف بن إبراهيم بن جملة بن مسلم بن همام بن حسين بن يوسف الصالحي الشافعي المحجي ! والده بالمدرسة السرورية وصلى عليه عقيب الظهر يوم الخميس رابع عشر ذي الحجة ودفن بسفح قاسيون ومولده في أوائل سنة ثنتين وثمانين وستمائة وسمع من ابن البخاري وغيره وحدث وكان رجلا فاضلا في فنون اشتغل وحصل وأفتى وأعاد ودرس وله فضائل جمة ومباحث وفوائد وهمة عالية وحرمة وافرة وفيه تودد وإحسان وقضاء للحقوق وولى القضاء بدمشق نيابة واستقلالا ودرس بمدارس كبار ومات هو مدرس الشامية البرانية وحضر جنازته خلق كثير من الاعيان رحمه الله
*3* شيخ الاسلام قاضي القضاة ابن البارري
@ شرف الدين أبو القاسم هبة الله ابن قاضي القضاة نجم الدين عبد الرحيم بن القاضي شمس الدين ابي الطاهر إبراهيم بن هبة الله بن مسلم بن هبة الله الجهيني الحموي المعرو بابن البارزي قاضي القضاة بحماة صاحب التصانيف الكثيرة المفيدة في الفنون العديدة ولد في خامس رمضان سنة خمس وأربعين وستمائة وسمع الكثير وحصل فنونا كثيرة وصنف كتبا جما كثيرة وكان حسن الأخلاق كثير المحاضرة حسن الاعتقاد في الصالحين وكان معظما عند الناس وأذن لجماعة من البلد في الافتاء وعمى في آخر عمره وهو يحكم مع ذلك مدة ثم نزل عن المنصب لحفيده نجم الدين عبدالرحيم بن إبراهيم وهو في ذلك لا يقطع نظره عن المنصب وكانت وفاته ليلة الاربعاء العشرين من ذي القعدة بعد أن صلى العشاء والوتر فلم تفته فريضة ولا نافلة وصلى عليه من الغد ودفن بعقبة نقيرين وله من العمر ثلاث وتسعون سنة
*3* الشيخ الامام العالم
@ شهاب الدين أحمد بن البرهان شيخ الحنفية بحلب شارح الجامع الكبير وكان رجلا صالحا منقطعا عن الناس وانتفع الناس به وكانت وفاته ليلة الجمعة الثامن والعشرين من رجب وكانت له معرفة بالعربية والقراءات ومشاركات في علوم أخر رحمه الله والله اعلم
*3* القاضي محيي الدين بن فضل الله كاتب السر
@ هو ابو المعالي يحيى بن فضل الله بن المحلي بن دعجان بن خلف العدوى العمري ولد في حادي عشر شوال سنة خمس وأربعين وستمائة بالكرك وسمع الحديث وأسمعه وكان صدرا كبيرا معظما في الدولة في حياة أخيه شرف الدين وبعده وكتب السر بالشام وبالديار المصرية وكانت وفاته ليلة الاربعاء تاسع رمضان بديار مصر ودفن من الغد بالقرافة وتولى المنصب بعده ولده علاء الدين وهو أصغر أولاده الثلاثة المعينين لهذا المنصب
*3* الشيخ الأمام العلامة ابن الكتاني
@ زين الدين ابن الكتاني شيخ الشافعية بديار مصر وهو أبو حفص عمر بن أبي الحزم بن عبدالرحمن بن يونس الدمشقي الأصل ولد بالقاهرة في حدود سنة ثلاث خمسين وستمائة واشتغل بدمشق ثم رحل إلى مصر واستوطنها وتولى بها بعض الأقضية بالحكر ثم ناب عن الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد فحمدت سيرته ودرس بمدارس كبار ولى ميشخة دار الحديث بالقبة المنصورية وكان بارعا فاضلا عنده فوائد كثيرة جدا غير أنه كان سيء الأخلاق منقبضا عن الناس لم يتزوج قط وكان حسن الشكل بهي المنظر ياكل الطيبات ويلبس اللين من الثياب وله فوائد وفوائد وزوائد على الروضة وغيرها وكان فيه استهتار لبعض العلماء فالله يسامحه وكانت وفاته يوم الثلاثاء المنتصف من رمضان ودفن بالقرافة رحمه الله انتهى
*3* الشيخ الامام العلامة ابن القويع
@ ركن الدين بن القريع أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن بن يوسف بن عبدالرحمن بن عبد الجليل الوسي الهاشمي الجعفري التونسي المالكي المعروف بابن القويع كان من اعيان الفضلاء وسادة الاذكياء ممن جمع الفنون الكثيرة والعلوم الاخروية الدينية الشرعية الطيبة وكان مدرسا بالمنكود مرية وله وظيفة في المارستان المنصوري وبها توفي في بكرة السابع عشر من ذي الحجة وترك مالا وأثاثا ورثه بيت المال
وهذا آخر ما أرخه شيخنا الحافظ علم الدين البرزالي في كتابه الذي ذيل به على تاريخ الشيخ شهاب الدين ابي شامة المقدسي وقد ذيلت على تاريخه إلى زماننا هذا وكان فراغي من الانتقاء من تاريخه في يوم الاربعاء العشرين من جمادي الاخرة من سنة إحدى وخمسين وسبعمائة احسن الله خاتمتها آمين وإلى هنا انتهى ما كتبته من لدن خلق آدم إلى زماننا هذا ولله الحمد والمنة وما أحسن ما قال الحريري
وإن تجد عيبا فسد الخللا * فجل من لا عيب فيه وعلا
كتبه إسماعيل بن كثير بن صنو القرشي الشافعي عفا الله تعالى عنه آمين
*2* ثم دخلت سنة تسع وثلاثين وسبعمائة
@ استهلت وسلطان الاسلام والمسلمين بالديار المصرية وما والاها والديار الشامية وما والاها والحرمين الشريفين الملك الناصر محمد بن الملك المنصور قلاوون ولا نائب له ولا وزير أيضا بمصر وقاضة مصر أما الشافعي فقاضي القضاة عز الدين ابن قاضي القشاة صدر الدين محمد بن إبراهيم بن جماعة وأما الحنفي فقاضي القضاة حسام الدين الغوري حسن بن محمد وأما المالكي فتقي الدين الاخنائي وأما الحنبلي فموفق الدين بن نجا المقدسي ونائب الشام الامير سيف الدين تنكز وقضاته جلال الدين القزويني الشافعي المعزول عن الديار المصرية والحنفي عماد الدين الطرسوسي والمالكي شرف الدين الهمداني والحنبلي علاء الدين بن المنجا التنوخي
ومما حدث في هذه السنة إكمال دار الحديث السكرية وباشر مشيخة الحديث بها الشيخ الامام الحافظ مؤرخ الاسلام محمد بن شمس الدين محمد بن أحمد الذهبي وقرر فيها ثلاثون محدثا لكل منهم جراية وجامكية كل شهر سبعة دراهم ونصف رطل خبز وقرر للشيخ ثلاثون رطل خبز وقرر فيها ثلاثون نفرا يقرؤون القرآن لكل عشرة شيخ ولكل واحد من القراء نظير ما للمحدثين ورتب لها إمام وقارئ حديث ونواب ولقارئ الحديث عشرون درهما وثمان أواق خبز وجاءت في غاية الحسن في شكالاتها وبنائها وهي نجاه دار الذهب التي أنشأها الواقف الأمير تنكز ووقف عليها عدة أماكن منها سوق القشاشيين بباب الفرج طوله عشرون ذراعا شرقا وغربا سماه في كتاب الوقف وبندر زيدين وحمام بحمص وهو الحمام القديم ووقف عليها حصصا في قرايا أخر ولكنه تغلب على ما عدا القشاشيين وبندر زيدين وحمام حمص
وفيها قدم القاضي تقي الدين علي بن عبد الكافي السبكي الشافعي من الديار المصرية حاكما على دمشق وأعمالها وفرح الناس به ودخل الناس يسلمون عليه لعلمه وديانته وأمانته ونزل بالعادلية الكبيرة على عادة من تقدمه ودرس بالغزالية والاتابكية واستناب ابن عمه القاضي بهاء الدين أبو البقاء ثم استناب ابن عمه أبا الفتح وكانت ولايته الشام بعد وفاة قاضي القضاة جلال الدين محمد بن عبد الرحيم القزويني الشافعي على ما سيأتي بيانه في الوفيات من هذه السنة
وممن توفي فيها من الاعيان في المحرم سنة تسع وثلاثين وسبعمائة
*3* العلامة قاضي القضاة فخر الدين
@ عثمان بن الزين علي بن عثمان الحلبي ابن خطيب جسرين الشافعي ولي قضاء حلب وكان إماما صنف شرح مختصر ابن الحاجب في الفقه وشرح البديع لابن الساعاتي وله فوائد غزيرة ومصنفات جليلة تولى حلب بعد عزل الشيخ ابن النقيب ثم طلبه السلطان فمات هو وولده الكمال وله بضع وسبعون سنة وممن توفي فيها

*3* قاضي القضاة جلال الدين محمد بن عبد الرحمن
@ القزويني الشافعي قدم هو وأخوه أيام التتر من بلادهم إلى دمشق وهما فاضلان بعدالتسعين وستمائة فدرس إمام الدين في تربة أم الصالح وأعاد جلال الدين بالبادرائية عند الشيخ برهان الدين ابن الشيخ تاج الدين شيخ الشافعية ثم تقلبت بهم الاحوال إلى أن ولي إمام الدين قضاء الشفاعية بدمشق انتزع له من يد القاضي بدر الدين ابن جماعة ثم هرب سنة قازان إلى الديار المصرية مع الناس فمات هنالك وأعيد ابن جماعة إلى القضاء وخلت خطابة البلد سنة ثلاث وسبعمائة فوليها جلال الدين المذكور ثم ولي القضاء بدمشق سنة خمس وعشرين مع الخطابة ثم انتقل إلى الديار المصرية سنة سبع وعشرين بعد أن عجز قاضي القضاة بدر الدين بن جماعة بسبب الضرر في عينيه فلما كان في سنة ثمان وثلاثين تعصب عليه السلطان اللمك الناصر بسبب أمور يطول شرحها ونفاه إلى الشام واتفق موت قاضي القضاة شهاب الدين بن المجد عبد الله كما تقدم فولاه السلطان قضاء الشام عودا على بدء فاستناب ولده بدر الدين على نيابة القضاء الذي هو خطيب دمشق كانت وفاته في أواخر هذه السنة ودفن بالصوفية وكانت له يد طولى في المعاني والبيان ويفتى كثيرا وله مصنفات في المعاني مصنف مشهور اسمه للتخليص اختصر فيه المفتاح للسكاكي وكان مجموع الفضائل مات وكان عمره قريبا من السبعين أو جاوزها وممن توفي فيها رابع الحجة يوم الاحد
*3* الشيخ الأمام الحافظ ابن البرزالي
@ علم الدين أبو محمد القاسم بن محمد بن البرزالي مؤرخ الشام الشافعي ولد سنة وفاة الشيخ ابن أبي شامة سنة خمس وستين وستمائة وقد كتب تاريخا ذيل به على الشيخ شهاب الدين من حين وفاته ومولد البرزالي إلى أن توفي في هذه السنة وهو محرم فغسل وكفن ولم يستر رأسه وحمله الناس على نعشه وهم يبكون حوله وكان يوما مشهودا وسمع الكثير أزيد من ألف شيخ وخرج له المحدث شمس الدين ابن سعد مشيخة لم يكملها وقرأ شيئا كثيرا وأسمع شيئا كثيرا وكان له خط حسن وخلق حسن وهو مشكور عند القضاة ومشايخه أهل العلم سمعت العلامة ابن تيمية يقول نقل البرزالي نقر في حجر وكان أصحابه من كل الطوائف يحبونه ويكرمونه وكان له أولاد ماتوا قبله وكتبت ابنته فاطمة البخاري في ثلاثة عشر مجلدا فقابله لها كان يقرأ فيه على الحافظ المزي تحت القبة حتى صارت نسختها أصلا معتمدا يكتب منها الناس وكان شيخ حديث بالنورية
وفيها وقف كتبه بدار الحديث السنية وبدار الحديث القوصية وفي الجامع وغيره وعلى كراسي الحديث وكان متواضعا محببا إلى الناس متوددا إليهم توفي عن اربع وسبعين سنة رحمه الله
*3* المؤرخ شمس الدين
@ محمد بن إبراهيم الجوزي جمع تاريخا حافلا كتب فيه أشياء يستفيد منها الحافظ كالمزي والذهبي والبرزالي يكتبون عنه ويعتمدون على نقله وكان شيخا قد جاوز الثمانين وثقل سمعه وضعف خطه وهو والد الشيخ ناصر الدين محمد واخوه مجد الدين
*2* ثم دخلت سنة أربعين وسبعمائة
@ استهلت هذه السنة وسلطان المسلمين الملك الناصر وولاته وقضاته المذكورون في التي قبلها إلا الشافعي بالشام فتوفي القزويني وتولى العلامة السبكي ومما وقع الحوادث العظيمة الهائلة أن جماعة من رؤس النصارى اجتمعوا في كنيستهم وجمعوا من بيتهم مالا جزيلا فدفعوه إلى راهبين قدما عليها من بلاد الروم يحسنان صنعة النفط اسم أحدهما ملاني والاخر عازر فعملا كحطا من نفط وتلطفا حتى عملاه لا يظهر تأثيره لا بعد أربع ساعات وأكثر من ذلك فوضعا في شقوق دكاكين التجار في سوق الرجال عند الدهشة في عدة دكاكين من آخر النهار بحيث لا يشعر أحد بهما وهما في زي المسلمين فلما كان في أثناء الليل لم يشعر الناس إلا والنار قد عملت في تلك الدكاكين حتى تعلقت في دباربزينات المأذنة الشرقية المتجهة للسوق المذكور وأحرقت درابزينات وجاء نائب السلطنة تنكز والأمراء أمراء الألوف وصعدوا المنارة وهي تشعل نارا واحترسوا عن الجامع فلم ينله شيء من الحريق ولله الحمد والمنة وأما المأذنة فإنها تفجرت احجارها واحترقت السقالات التي تدل السلالم فهدمت وأعيد بناؤها بحجارة جدد وهي المنارة الشرقية التي جاء في الحديث أنه ينزل عليها عيسى ابن مريم كما سيأتي الكلام عليه في نزول عيسى عليه السلام والبلد محاصر بالدجال
والمقصود أن النصارى بعد ليال عمدوا إلىناحية الجامع من المغرب إلى القيسارية بكمالها وبما فيها من الأقواس والعدد فإنا لله وإنا إليه راجعون وتطاير شرر النار إلى ما حول القيسارية من الدور والمساكن والمدارس واحترق جانب من المدرسة الأمينية إلى جانب المدرسة المذكور وما كان مقصودهم الا وصول النار إلى معبد المسلمين فحال الله بينهم وبين ما يرومون وجاء نائب السلطنة والأمراء وحالوا بين الحريق والمسجد جزاهم الله خيرا ولما تحقق نائب السلطنة أن هذا من فعلهم أمر بمسك رؤس النصارى فأمسك منهم نحوا من ستين رجلا فأخذوا بالمصادرات والضرب والعقوبات وأنواع المثلات ثم بعد ذلك صلب منهم أزيد من عشرة على الجمال وطاف بهم في أرجاء البلاد وجعلوا يتماوتون واحدا بعد واحد ثم أحرقوا بالنار حتى صاروا رمادا لعنهم الله انتهى والله أعلم
*3* سبب مسك تنكز
@ لما كان يوم الثلاثاء الرابع والعشرين من ذي الحجة جاء الامير طشتمر من صغد مسرعا وركب جيش دمشق ملبسا ودخل نائب السلطنة من قصره مسرعا إلى دار السعادة وجاء الجيش فوقفوا على باب النصر وكان أراد أن يلبس ويقابل فعذلوه في ذلك وقالوا المصلحة الخروج إلى السلطان سامعا مطيعا فخرج بلا سلاح فلما برز إلى ظاهر البلد التف عليه الفخري وغيره وأخذوه وذهبوا به إلى ناحية الكسوة فلما كان عند قبة يلبغا نزلوا وقيدوه وخصاياه من قصره ثم ركب البريد وهو مقيد وساروا به إلى السلطان فلما وصل أمر بمسيره إلى الاسكندرية وسألوا عن ودائعه فأقر ببعض ثم عوقب حتى أقر بالباقي ثم قتلوه ودفنوه بالاسكندرية ثم نقلوه إلى تربته بدمشق رحمه الله وقد جاوز الستين وكان عادلا مهيبا عفيف الفرج واليد والناس في أيامه في غاية الرخص والأمن والصيانة فرحمه الله وبل بالرحمة ثراه
وله أوقاف كثيرة من ذلك مرستان بصغد وجامع بنابلس وعجلون وجامع بدمشق ودار حديث بالقدس ودمشق ومدرسة وخانقاه بالقدس ورباط وسوق موقوف على المسجد الاقصى وفتح شباكا في المسجد انتهى والله تعالى أعلم وممن توفي فيها من الاعيان:
*3* أمير المؤمنين المستكفي بالله
@ أبو الربيع سليمان بن الحاكم بأمر الله بن العباس أحمد بن أبي علي الحسن بن أبي بكر بن علي ابن أمير المؤمنين المسترشد بالله الهاشمي العباسي البغدادي الأصل والمولد مولده سنة ثلاث وثمانين وستمائة أو في التي قبلها وقرأ واشتغل قليلا وعهد إليه أبوه بالأمر وخطب له عند وفاة والده سنة إحدى وسبعمائة وفوض جميع ما يتعلق به من الحل والعقد إلى السلطان الملك الناصر وسار إلى غزو التتر فشهد مصاف شقحب ودخل دمشق في شعبان سنة اثنتين وسبعمائة وهو راكب مع السلطان وجميع كبراء الجيش مشاة ولما أعرض السلطان عن الامر وانعزل بالكرك النمس الأمراء من المستكفي أن يسلطن من ينهض بالملك فقلد الملك المظفر ركن الدين بيبرس الجاشنكير وعقد له اللواء وألبسه خلعة السلطنة ثم عاد الناصر إلى مصر وعذر الخليفة في فعله ثم غضب عليه وسيره إلى قوص فتوفى في هذه السنة في قوص في مستهل شعبان
*2* ثم دخلت سنة إحدى واربعين وسبعمائة
@ استهلت يوم الاربعاء وسلطان المسلمين الملك الناصر محمد بن الملك المنصور قلاوون وقضاته بمصر هم المذكورون في التي قبلها وليس في دمشق نائب سلطنة وإنما الذي يسد الامور الامير سيف الدين طشتمر الملقب بالحمص الأخضر الذي جاء بالقبض على الأمير سيف الدين تنكز ثم جاء المرسوم بالرجوع إلى صغد فركب من آخر النهار وتوجه إلى بلده وحواصل الأمير تنكز تحت الحوطة كما هي
وفي صبيحة يوم السبت رابع المحرم من السنة المذكورة قدم من الديار المصرية خمسة امراء الامير سيف الدين بشتك الناصري ومعه برصبغا الحاجب وطاشار الدويدار وبنعراوبطا فنزل بشتاك بالقصر الابلق والميادين وليس معه من مماليكه إلا القليل وإنما جاء لتجديد البيعة إلى السلطان لما توهموا من ممالأة بعض الأمراء لنائب الشام المنفصل وللحوطة على حواصل الأمير سيف الدين تنكز المنفصل عن نيابة الشام وتجهيزها للديار المصرية وفي صبيحة يوم الاثنين سادسه دخل الامير علاء الدين الطنبغا إلى دمشق نائبا وتلقاه الناس وبشتك والأمراء المصريون ونزلوا إلى عتبته فقبلوا العتبة الشريفة ورجعوا معه إلى دار السعادة وقرئ تقليده وفي يوم الاثنين ثالث عشرة مسك من الأمراء المقدمين أميران كبيران الجي بغا العادلي وطنبغا الحجي ورفعا إلى القعلة المنصورة واحتيط على حواصلهما وفي يوم الثلاثاء تحملوا بيت ملك الأمراء سيف الدين تنكز وأهله وأولاده إلى الديار المصرية وفي يوم الأربعاء خامس عشرة ركب نائب السلطنة الامير علاء الدين طنبغا ومعه الأمير سيف الدين بشتك الناصري والحاجة رقطية وسيف الدين قطلوبغا الفخري
وجماعة من الأمراء المقدمين واجتمعوا بسوق الخيل واستدعوا بمملوكي الأمير سيف الدين تنكز وهما جغاي وطغاي فأمر بتوسيطهما فوسطا وعلقا على الخشب ونودي عليهما هذا جزاء من تجاسر على السلطان الناصر
وفي يوم الثلاثاء الحادي والعشرين من هذا الشهر كانت وفاة الامير سيف الدين تنكز نائب الشام بقلعة اسكندرية قيل مخنوقا وقيل مسموما وهو الأصح وقيل غير ذلك وتأسف الناس عليه كثيرا وطال حزنهم عليه وفي كل وقت يتذكرون ما كان منه من الهيبة والصيانة والغيرة على حريم المسلمين ومحارم الاسلام ومن إقامته على ذوي الحاجات وغيرهم ويشتد تأسفهم عليه رحمه الله وقد أخبر القاضي أمين الدين ابن القلانسي رحمه الله شيخنا الحافظ العلامة عماد الدين ابن كثير رحمه الله أن الامير سيف الدين تنكز مسك يوم الثلاثاء ودخل مصر يوم الثلاثاء ودخل الاسكندرية يوم الثلاثاء وتوفي يوم الثلاثاء وصلى عبيه بالاسكندرية ودفن بمقبرتها في الثالث والعشرين من المحرم بالقرب من قبر القباري وكانت له جنازة جيدة
وفي يوم الخميس سابع شهر صفر قدم الامير سيف الدين طشتمر الذي مسك تنكز إلى دمشق فنزل بوطأة برزة بجيشه ومن معه ثم توجه إلى حلب المحروسة نائبا بها عوضا عن الطنبغا المنفصل عنها وفي صبيحة يوم الخميس ثالث عشر ربيع الاول نودي في البلد بجنازة الشيخ الصالح العابد الناسك القدوة الشيخ محمد بن تمام توفي بالصالحية فذهب الناس إلى جنازته إلى الجامع المظفري واجتمع الناس على صلاة الظهر فضاق الجامع المذكور عن أن يسعهم وصلى الناس في الطرقات وأرجاء الصالحية وكان الجمع كثيرا جدا لم يشهد الناس جنازة بعد جنازة الشيخ تقي الدين بن تيمية مثلها لكثرة من حضرها من الناس رجالا ونساء وفيهم القضاة والاعيان والأمراء وجمهور الناس يقاربون عشرين ألفا وانتظر الناس نائب السلطنة فاشتغل بكتاب ورد عليه من الديار المصرية فصلى عليه الشيخ بعد صلاة الظهر بالجامع المظفري ودفن عند اخيه
في تربة بين تربة الموفق وبين تربة الشيخ ابي عمر رحمهم الله وإيانا وفي أول شهر جمادي الاولى توفيت الشيخة العابدة الصالحة العالمة قارئة القرآن أم فاطمة عائشة بنت إبراهيم بن صديق زوجة شيخنا الحافظ جمال الدين المزي عشية يوم الثلاثاء مستهل هذا الشهر وصلى عليها بالجامع صبيحة يوم الاربعاء ودفنت بمقابر الصوفية غربي قبر الشيخ تقي الدين بن تيمية رحمهم الله كانت عديمة النظير في نساء زمانها لكثرة عبادتها وتلاوتها وإقرائها القرآن العظيم بفصاحة وبلاغة وأداء صحيح يعجز كثير من الرجال عن تجويده وختمت نساء كثيرا وقرأ عليها من النساء خلق وانتفعن بها وبصلاحها ودينها وزهدها في الدنيا وتقللها منها مع طول العمر بلغت ثمانين سنة أنفقتها في طاعة الله صلاة وتلاوة وكان الشيخ محسنا إليها مطيعا لا يكاد يخالفها لحبه لها طبعا وشرعا فرحمها الله وقدس روحها ونور مضجها بالرحمة آمين
وفي يوم الاربعاء الحادي والعشرين منه درس بمدرسة الشيخ أبي عمر بسفح قاسيون الشيخ الامام شمس الدين محمد بن أحمد بن عبدالهادي المقدسي الحنبلي في التدريس البكتمري عوضا عن القاضي برهان الدين الزرعي وحضر عنده المقادسة وكبار الحنابلة ولم يتمكن أهل المدينة من الحضور لكثرة المطر والوحل يومئذ وتكامل عمارة المنارة الشرقية في الجامع الأموي في العشر الاخير من رمضان واستحسن الناس بناءها وإتقانها وذكر بعضهم أنه لم يبن في الاسلام منارة مثلها ولله الحمد ووقع لكثير من الناس في غالب ظنونهم أنها المنارة البيضاء الشرقية التي ذكرت في حديث النواس بن سمعان في نزول عيسى ابن مريم على المنارة البيضاء في شرقي دمشق فلعل لفظ الحديث انقلب على بعض الرواة وإنما كان على المنارة الشرقية بدمشق وهذه المنارة مشهورة بالشرقية بمقابلتها أختها الغربية والله سبحانه وتعالى أعلم
وفي يوم الثلاثاء سلخ شهر شوال عقد مجلس في دار العدل بدار السعادة وحضرته يومئذ واجتمع القضاة والاعيان على العادة وأحضر يومئذ عثمان الدكاكي قبحه الله تعالى وادعى عليه بعظائم من القول لم يؤثر مثلها عن الحلاج ولا عن ابن أبي الغدافر السلقماني وقامت عليه البينة بدعوى الآلهية
لعنه الله وأشياء أخر من التنقيص بالانبياء ومخالطته أرباب الريب نم الباجريقية وغيرهم من الاتحادية عليهم لعائن الله ووقع منه في المجلس من إساءة الأدب على القاضي الحنبلي وتضمن ذلك تكفيره من المالكية أيضا فادعى أن له دوافع وقوادح في بعض الشهود فرد إلى السجن مقيدا مغلولا مقبوحا أمكن الله منه بقوته وتأييده ثم لما كان يوم الثلاثاء الحادي والعشرين من ذي القعدة أحضر عثمان الدكاكي المذكور إلى دار السعادة واقيم إلى بين يدي الامراء والقضاة وسئل عن القوادح في الشهود فعجز فلم يقدر وعجز عن ذلك فتوجه عليه الحكم فسئل القاضي المالكي الحكم عليه فحمد الله وأثنى عليه وصلى على رسوله ثم حكم باراقة دمه وإن تاب فأخذ المذكور فضربت رقبته بدمشق بسوق الخيل ونودي عليه هذا جزءا من يكون على مذهب الاتحادية وكان يوما مشهودا بدار السعادة حضر خلق من الاعيان والمشايخ وحضر شيخنا جمال الدين المزي الحافظ وشيخنا الحافظ شمس الدين الذهبي وتكلما وحرضا في القضية جدا وشهدا بزندقة المذكور بالاستفاضة وكذا الشيخ زين الدين أخو الشيخ تقي الدين بن تيمية وخرجا القضاة الثلاثة المالكي والحنفي والحنبلي وهم نفذوا حكمه في المجلس فحضورا قتل المذكور وكنت مباشرا لجميع ذلك من أوله إلى آخره
وفي يوم الجمعة الثامن والعشرين من ذي القعدة أفرج عن الاميرين العقيلين بالقلعة وهما طنبغا حجا والجي بغا وكذلك افرج عن خزاندارية تنكز الذين تأخروا بالقلعة وفرح الناس بذلك
*3* ذكر وفاة الملك الناصر محمد بن قلاوون
@ في صبيحة يوم الاربعاء السابع والعشرين من ذي الحجة قدم إلى دمشق الامير سيف الدين قطلوبغا الفخري فخرج نائب السلطنة وعامة الأمراء لتلقيه وكان قدومه على خيل البريد فأخبر بوفاة السلطان الملك الناصر كانت وفاته يوم الاربعاء آخره وأنه صلى عليه ليلة الجمعة بعد العشاء ودفن مع ابيه الملك المنصور على ولده ! اتوك وكان قبل موته أخذ العهد لابنه سيف الدين ابي بكر ولقبه بالملك المنصور فلما دفن السلطان يلية الجمعة حضره من الأمراء قليل وكان قد ولى عليه الأمير علم الدين الجاولي ورجل آخر منسوب إلى الصلاح يقال له الشيخ عمر بن محمد بن إبراهيم الجعبري وشخص آخر من الجبارية ودفن كما ذكرنا ولم يحضر ولده ولي عهده دفنه ولم يخرج من القلعة ليلتئذ عن مشورة الأمراء لئلا يتخبط الناس وصلى عليه القاضي عز الدين بن جماعة إماما والجاولي وايدغمش وأمير آخر والقاضي بهاء الدين بن حامد بن قاضي دمشق السبكي وجلس الملك المنصور سيف الدنيا والدين ابو المعالي أبو بكر على سرير المملكة وفي صبيحة يوم الخميس الحادي والعشرين من ذي الحجة سنة إحدى وأربعين وسبعمائة بايعه
الجيش المصري وقدم الفخري لأخذ البيعة من الشاميين ونزل بالقصر الابلق وبايع الناس للملك المنصور بن الناصر بن المنصور ودقت البشائر بالقلعة المنصورة بدمشق صبيحة يوم الخميس الثامن والعشرين منه وفرح الناس بالملك الجديد وترحموا على الملك ودعوا له وتاسفوا عليه رحمه الله
*2* ثم دخلت سنة إثنتين وأربعين وسبعمائة
@ استهلت بيوم الاحد وسلطان الاسلام بالديار المصرية والبلاد الشامية وما والاها الملك المنصور سيف الدين أبو بكر بن الملك السلطان الناصر ناصر الدين محمد بن السلطان الملك المنصور سيف الدين قلاوون الصالحي ونائب الشام الامير علاء الدين طنبغا وقضاة الشام ومصرهم المذكورون في التي قبلها وكذا المباشرون سوى الولاة شهر الله المحرم
*3* ولاية الخليفة الحاكم بأمر الله
@ وفي هذا اليوم بويع بالخلافة أمير المؤمنين أبو القاسم أحمد بن المستكفي بالله أبي الربيع سليمان العباسي ولبس السواد وجلس مع الملك المنصور على سرير المملكة وألبسه خلعة سوداء أيضا فجلسا وعليهما السواد وخطب الخليفة يومئذ خطبة بليغة فصيحة مشتملة على أشياء من المواعظ والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وخلع يومئذ على جماعة من الأمراء والاعيان وكان يوما مشهودا وكان أبو القاسم هذا قد عهد إليه أبوه بالخلافة ولكن لم يمكنه الناصر من ذلك وولى أبا إسحاق إبراهيم ابن أخي أبي الربيع ولقبه الواثق بالله وخطب له بالقاهرة جمعة واحدة فعزله المنصور وقرر أبا القاسم هذا وأمضى العهد ولقبه المستنصر بالله كما ذكرنا
وفي يوم الاحد ثامن المحرم مسك الامير سيف الدين بشتك الناصري آخر النهار وكان قد كتب تقليده بنيابة الشام وخلع عليه بذلك وبرز ثقله ثم دخل على الملك المنصور ليودعه فرحب به واجلسه واحضر طعاما وأكلا ونأسف الملك على فراقه وقال تذهب وتتركني وحدي ثم قام لتوديعه وذهب بشتك من بين يديه ثماني خطوات أو نحوها ثم تقدم إليه ثلاثة نفر فقطع أحدهم سيفه من سوطه بسكين ووضع الاخر يده على فمه وكتفه الاخر وقيدوه وذلك كله بحضرة السلطان ثم غيب ولم يدر أحد إلى أين صار ثم قالوا لمماليكه اذهبوا انتتم فائتوا بمركوب الامير غدا فهو بائت عند السلطان وأصبح السلطان وجلس على سرير المملكة وأمر بمسك جماعة من الأمراء وتسعة من الكبار واحتاطوا على حواصله وأمواله وأملاكه فيقال إنه وجد عنده من الذهب ألف ألف دينار وسبعمائة الف دينار
*3* وفاة شيخنا الحافظ أبي الحجاج المزي
@ تمرض أياما يسيرة مرضا لا يشغله عن شهود الجماعة وحضور الدروس وإسماع الحديث فلما كان يوم الجمعة حادي عشر صفر أسمع الحديث إلى قريب وقت الصلاة ثم دخل منزله ليتوضأ ويذهب للصلاة فاعترضه في باطنه مغص عظيم ظن أنه قولنج وما كان إلا طاعون فلم يقدر على حضور الصلاة فلما فرغنا من الصلاة أخبرت بانه منقطع فذهبت إليه فدخلت عليه فإذا هويرتعد رعدة شديدة من قوة الالم الذي هو فيه فسألته عن حاله فجعل يكرر الحمد الله ثم أخبرني بما حصل له من المرض الشديد وصلى الظهر بنفسه ودخل إلى الطهارة وتوضأ على البركة وهو في قوة الوجع ثم اتصل به هذا الحال إلى الغد من يوم السبت فلما كان وقت الظهر لم أكن حاضره إذ ذاك لكن أخبرتنا بنته زينب زوجتي أنه لما أذن الظهر تغير ذهنه قليلا فقالت يا أبة أذن الظهر فذكر الله وقال اريد أن اصلي فتيمم وصلى ثم اضطجع فجعل يقرأ آية الكرسي حتى جعل لا يفيض بها لسانه ثم قبضت روحه بين الصلاتين رحمه الله يوم السبت ثاني عشر صفر فلم يمكن تجهيزه تلك الليلة فلما كان من الغد يوم الاحد ثالث عشر صفر صبيحة ذلك اليوم غسل وكفن وصلى عليه بالجامع الاموي وحضر القضاة والاعيان وخلائق لا يحصون كثرة وخرج بجنازته من باب النصر وخرج نائب السلطنة الامير علاء الدين طنبغا ومعه ديوان السلطان والصاحب وكاتب السر وغيرهم من الامراء فصلوا علي خارج باب النصر أمهم عليه القاضي تقي الدين السبكي الشافعي وهو الذي صلى عليه بالجامع الاموي ثم ذهب به إلى مقابر الصوفية فدفن هناك إلى جانب زوجته المرأة الصالحة الحافظة لكتاب الله عائشة بن إبراهيم بن صديق غربي قبر الشيخ تقي الدين بن تيمية رحمهم الله أجمعين
*3* كائنة غريبة جدا
@ قدم يوم الاربعاء الثلاثين من صفر أمير من الديار المصرية ومعه البيعة للملك الاشرف علاء الدين كحك بن الملك الناصر وذلك بعد عزل أخيه المنصور لما صدر عنه من الافعال التي ذكر أنه تعاطاها من شرب المسكر وغشيان المنكرات وتعاطى ما لا يليق به ومعاشرة الخاصكية من المردان وغيرهم فتمالأ على خلعه كبار الأمراء لما رأوا الأمر تفاقم إلى الفساد العريض فأحضروا الخليفة الحاكم بأمر الله أبي الربيع سليمان فأثبت بين يديه ما نسب إلى الملك المنصور المذكور من الامور فحينئذ خلعه وخلعه الأمراء الكبار وغيرهم واستبدلوا مكانه اخاه هذا المذكور وسيروه إذ ذاك إلى قوص مضيقا عليه ومع إخوة له ثلاثة وقيل أكثر وأجلسوا الملك الأشرف هذا على السرير وناب له الأمير سيف الدين قوصون الناصري واستمرت الامور على السداد وجاءت إلى الشام فبايعه الأمراء يوم الأربعاء المذكور وضربت البشائر عشية الخميس مستهل ربيع الاو وخطب له بدمشق يوم الجمعة بحضرة نائب السلطنة والقضاة والامراء
وفي يوم الاربعاء سابع عشر ربيع الاول حضر بدار الحديث الاشرفية قاضي القضاة تقي الدين السبكي عوضا عن شيخنا الحافظ جمال الدين المزي ومشيخة دار الحديث النورية عوضا عن ابنه رحمه الله وفي شهر جمادي الاولى اشتهر أن نائب حلب الأمير سيف الدين طشتمر الملقب بالحمص الأخضر قائم في نصرة ابن السلطان الامير أحمد الذي بالكرك وأنه يستخدم لذلك ويجمع الجموع فالله أعلم وفي العشر الثاني منه وصلت الجيوش صحبة الامير سيف الدين قطلوبغا الفخري إلى الكرك في طلب ابن السلطان الامير أحمد وفي هذا الشهر كثر الكلام في امر الأمير أحمد بن الناصر الذي بالكرك بسبب محاصرة الجيش الذي صحبة الفخري له واشتهر أن نائب حلب الأمير سيف الدين طشتمر الملقب بالحمص الأخضر قائم بجنب اولاد السلطان الذين أخرجوا من الديار المصرية إلى الصعيد وفي القيام بالمدافعة عن الأمير أحمد ليصرف عنه الجيش وترك حصاره وعزم بالذهاب إلى الكرك لنصرة أحمد ابن استاذه وتهيأ له نائب الشام بدمشق ونادى في الجيش لملتقاه ومدافعته عما يريد من إقامة الفتنة وشق العصا واهتم الجند لذلك وتأهبوا واستعدوا ولحقهم في ذلك كلفة كثيرة وانزعج الناس بسبب ذلك وتخوفوا ان تكون فتنة وحسبوا إن وقع قتال بينهم أن تقوم العشيرات في الجبال وحوران وتتعطل مصالح الزراعات وغير ذلك ثم قدم من حلب صاحب السلطان في الرسلية إلى نائب دمشق الامير علاء الدين الطنبغا ومع مشافهة فاستمع لها فبعث معه صاحب الميسرة أمان الساقي فذهبا إلى حلب ثم رجعا في أواخر جمادي الآخرة وتوجها إلى الديار المصرية واشتهر أن الأمر على ما هو عليه حتى توافق على ما ذكر من رجوع أولاد الملك الناصر إلى مصر ما عدا المنصور وأن يخلى عن محاصرة الكرك
وفي العشر الأخير من جمادي الاولى توفي مظفر الدين موسى بن مهنا ملك العرب ودف بتدمر وفي صبيحة يوم الثلاثاء ثاني جمادي الاخرة عند طلوع الشمس توفي الخطيب بدر الدين محمد بن القاضي جلال الدين القزويني بدار الخطابة بعد رجوعه من الديار المصرية كما قدمنا فخطب جمعة واحدة وصلى بالناس إلى ليلة الجمعة الأخرى ثم مرض فخطب عنه أخوه تاج الدين عبدالرحيم على العادة ثلاثة جمع وهو مريض إلى أن توفي يومئذ وتأسف الناس عليه لحسن شكله وصباحة وجهه وحسن ملتقاه وتواضعه واجتمع الناس للصلاة عليه للظهر فتأخر تجهيزه إلى العصر فصلى عليه بالجامع قاضي القضاة تقي الدين السبكي وخرج به الناس إلى الصوفية وكانت جنازته حافلة جدا فدفن عند أبيه بالتربة التي أنشأها الخطيب بدر الدين هناك رحمه الله
وفي يوم الجمعة خامس الشهر بعد الصلاة خرج نائب السلطنة الأمير علاء الدين الطنبغا وجميع الجيش قاصدين للبلاد الحلبية للقبض على نائب حلب الأمير سيف الدين طشتمر لأجل ما أظهر من القيام مع ابن السلطان الأمير أحمد الذي في الكرك وخرج الناس في يوم شديد المطر كثير الوحل وكان يوما مشهدا عصيبا أحسن الله العقابة وأمر القاضي تقي الدين السبكي الخطيب المؤذنين بزيادة أذكار على الذي كان سنه فيهم الخطيب بدر الدين من التسبيح والتحميد والتهليل الكثير ثلاثا وثلاثين فزادهم السبكي قبل ذلك استغفر الله العظيم ثلاثا اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت ياذا الجلال والاكرام ثم أثبت ما في صحيح مسلم بعد صلاتي الصبح والمغرب اللهم اجرنا من النار سبعا اعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق ثلاثا وكانوا قبل تلك السنوات قد زادوا بعد التأذين الآية ليلة الجمعة والتسليم على رسول الله صلى الله عليه وسلم يبتدئ الرئيس منفردا ثم يعيد عليه الجماعة بطريقة حسنة وصار ذلك سببا لاجتماع الناس في صحن الجامع لاستماع ذلك وكلما كان المتبدىء حسن الصوت كانت الجماعة أكثر اجتماعا ولكن طال بسبب ذلك الفصل وتأخرت الصلاة عن أول وقتها انتهى
*3* كائنة غريبة جدا
@ وفي ليلة الاحد عشية السبت نزل الامير سيف الدين قطلوبغا الفخري بظاهر دمشق بين الجسورة وميدان الحصى بالاطلاب الذين جاءوا معه من البلاد المصرية لمحاصرة الكرك للقبض على ابن السلطان الأمير احمد بن الناصر فمكثوا على الثنية محاصرين مضيقين عليه إلى ان توجه نائب الشام إلى حلب ومضت هذه الأيام المذكورة فما درى الناس إلا وقد جاء الفخري وجموعه وقد بايعوا الأمير أحمد وسموه الناصر بن النصار وخلعوا بيعة أخيه الملك الأشرف علاء الدين كجك واعتلوا بصغره وذكروا إن أتابكة الامير سيف الدين قوصون الناصري قد عدى على ابني السلطان فقتلهما خنقا ببلاد الصعيد جهز اليهما من تولى ذلك وهما الملك المنصور أبو بكر ورمضان فتنكر الامير بسبب ذلك قالوا هذا يريد ان يجتاح هذا البيت ليتمكن هو من أخذ المملكة فحموا لذلك وبايعوا ابن استاذهم وجاءوا في الذهاب خلف الجيش ليكونوا عونا للأمير سيف الدين طشتمر نائب حلب ومن معه وقد كتبوا إلى الامراء يستميلونهم إلى هذا ولما نزلوا بظاهر دمشق خرج إليهم من بدمشق من الاكابر والقضاة والمباشرين مثل والي البر ووالي المدينة وابن سمندار وغيرهم فلما كان الصباح خرج أهالي دمشق عن بكرة ابيهم على عادتهم في قدوم السلاطين ودخلو الحجاج بل أكثر من ذلك من بعض الوجوه وخرج القضاة والصاحب والاعيان والولاة وغيرهم ودخل الامير سيف الدين قطلوبغا في دست نيابة السلطنة التي فوضها إليه الملك الناصر الجديد وعن يمينه الشافعي وعن شماله الحنفي على العادة والجيش كله محدق به في الحديد والعقارات والبوقات والنشابة السلطانية والسناجق الخليفية والسلطانية تخفق والناس في الدعاء والثناء للفخري وهم في غاية الاستبشار والفرح وربما نال بعض جهلة الناس من النائب الآخر الذي ذهب إلى حلب ودخلت الأطلاب بعده على ترتيبهم وكان يوما مشهودا فنزل شرقي دمشق قريبا من خان لاجين وبعث في هذا اليوم فرسم على القضاة والصاحب وأخذ من أموال الايتام وغيرها خمسمائة ألف وعوضهم عن ذلك بقرية من بيت المال وكتب بذلك سجلات واستخدم جيدا وانضاف إليه من الأمراء الذين كانوا قد تخلفوا بدمشق جماعة منهم تمر الساقي مقدم وابن قراسنقر وابن الكامل وابن المعظم وابن البلدي وغيرهم وبايع هؤلاء كلهم مع مباشري دمشق للملك الناصر بن الناصر وأقام الفخري على خان لاجين وخرج المتعيشون بالصنائع إلى عندهم وضربت البشائر بالقلعة صبيحة يوم الثلاثاء سادس عشر الشهر ونودي بالبلد إن سلطانكم الملك الناصر احمد بن الناصر محمد بن قلاوون ونائبكم سيف الدين قطلوبغا الفخري وفرح كثير من الناس بذلك وانضاف اليه نائب صغد وبايعه نائب بعلبك واستخدموا له رجالا وجندا ورجع إليه الأمير سيف الدين سنجر الجمقدار رأس الميمنة بدمشق وكان قد تأخر في السفر عن تائب دمشق علاء الدين الطنبغا بسبب مرض عرض له فلما قدم الفخري رجع اليه وبايع الناصر ابن الناصر ثم كاتب نائب حماة تغردمر الذي ناب بمصر للملك المنصور فأجابه إلى ذلك وقدم على العسكر يوم السبت السابع والعشرين من الشهر المذكور في تجمل عظيم وخزائن كثيرة وثقل هائل
وفي صبحية يوم الاحد الثامن والعشرين من الشهر المذكور كسفت الشمس قبل الظهر وفي صبيحة يوم الاثنين التاسع والعشرين من جمادي الآخرة قدم نائب غزة الأمير آق سنقر في جيش غزة وهو قريب من ألفين فدخلوا دمشق وقت الفجر وغدوا إلى معسكر الفخري فانضافوا إليهم ففرحوا بهم كثيرا وصار في قريب من خمسة آلاف مقاتل أو يزيدون
استهل شهر رجب الفرد والجماعة من أكابر التجار مطلوبون بسبب أموال طلبها منهم الفخري يقوى بها جيشه الذي معه ومبلغ ذلك الذي أراده منهم ألف ألف درهم ومعه مرسوم الناصر بن الناصر ببيع املاك الامير سيف الدين قوصون إتابك الملك الاشرف علاء الدين كجك ابن الناصر التي بالشام بسبب إبائه عن مبايعة أحمد بن الناصر فأشار على الفخري من أشار بأن يباع للتجار من أملاك الخاص ويجعل مال قوصون من الخاص فرسم بذلك وأن يباع للتجار قرية دوية قومت بألف ألف وخمسمائة ألف ثم لطف الله وأفرج عنهم بعد ليلتين او ثلاث وتعوضوا عن ذلك بحواصل قوصون واستمر الفخري بمن معه ومن اضيف إليه من الأمراء والاجناد مقيمين بثنية العقاب واستخدم من رجال البقاع جماعة كثيرة أكثر من ألف رام واميرهم يحفظ افواه الطرق وأزف قدوم الامير علاء الدين طنبغا بمن معه من عساكر دمشق وجمهور الحلبيين وطائفة الطرابلسيين وتأهب هؤلاء لهم فلما كان الحادي من الشهر اشتهر ان الطتبغا وصل إلى القسطل وبعث طلائعه فالتقت بطلائع الفخري ولم يكن بينهم قتال ولله الحمد والمنة وأرسل الفخري إلى
القضاة ونوابهم وجماعة من الفقهاء فخرجوا ورجع الشافعي من اثناء الطريق فلما وصلوا أمرهم بالسعي بينه وبين الطنبغا في الصلح وأن يوافق الفخري في أمره وأن يبايع الناصر بن الناصر فأبى فردهم إليه غير مرة وكل ذلك يمتنع عليهم فلما كان يوم الاثنين رابع عشرة عند العصر جاء يريد إلى متولي البلد عند العصر من جهة الفخري يأمره بغلق أبواب البلد فغلقت الأبواب وذلك لان العساكر توجهوا وتواقفوا للقتال فإنا لله وإنا أليه راجعون
وذلك أن الطنبغا لما علم أن جماعة قطلوبغا على ثنية العقاب دار الذروة من ناحية المعيصرة وجاء بالجيوش من هناك فاستدار له الامير سيف الدين قطلوبغا الفخري بجماعته إلى ناحيته ووقف له في طريقه وحال بينه وبين الوصول إلى البلد وانزعج الناس انزعاجا عظيما وغلقت القياسر والاسواق وخاف الناس بعضهم من بعض أن يكون نهب فركب متوولي البلد الامير ناصر الدين بن بكباشي ومعه أولاده ونوابه والرجالة فسار في البلد وسكن الناس ودعوا له فلما كان قريب المغرب فتح لهم باب الجابية ليدخل من هو من أهل البلد فجرت في الباب على ما قيل زحمة عظيمة وتسخط الجند على الناس في هذه الليلة واتفق انها ليلة الميلاد وبات المسلمون مهمومون بسبب العسكر واختلافهم فأصبحت أبواب البلد مغلقة في يوم الثلاثاء سوى باب الجابية والأمر على ما هو عليه فلما كان عشية هذا اليوم تقارب الجيشان واجتمع الطنبغا وأمراؤه واتفق أمراء دمشق وجمهورهم الذين هم معه على أن لا يقاتلو مسلما ولا يسلوا في وجه الفخري وأصحابه سيفا وكان قضاة الشام قد ذهبوا اليه مرارا للصلح فيأبي عليهم إلا الاستمرار على ما هو عليه وقويت نفسه عليه انتهى والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب
*3* عجيبة من عجائب الدهر
@ فبات الناس متقابلين في هذه الليلة وليس بين الجيشين إلا مقدار ميلين او ثلاثة وكانت ليلة مطيرة فما أصبح الصبح إلا وقد ذهب من جماعة الطنبغا إلى الفخري خلق كثير من أجناد الحلفاء ومن الأمراء والاعيان وطلعت الشمس وارتفعت قليلا فنفذ الطنبغا القضاة وبعض الأمراء إلى الفخري يتهدده ويتوعده ويقوى نفسه عليه فما ساروا عنه قليلا إلا ساقت العساكر من الميمنة والميسرة ومن القلب ومن كل جانب مقفرين إلى الفخري وذلك لما هم فيه من ضيق العيش وقلة ما بأيديهم من الاطعمة وعلف الدواب وكثرة ما معهم من الكلف فرأوا أن هذا حال يطول عليهم ومقتوا أمرهم غاية المقت وتطايبت قلوبهم وقلوب اولئك مع أهل البلد على كراهته لقوة نفسه فيما لا يجدي عليه ولا عليهم شيئا فبايعوا على المخامرة عليه فلم يبق معه سوى حاشيته في أقل من ساعة واحدة فلما رأى الحال على هذه الصفة كر راجعا هاربا من حيث جاء وصحبته الأمير سيف الدين رقطبة نائب طرابلس وأميران آخران والتقت العساكر والأمراء وجاءت البشارة إلى دمشق قبل الظهر ففرح الناس فرحا شديدا جدا الرجال والنساء والولدان حتى من لا نوبة له ودقت البشائر بالقلعة المنصورة فأرسلوا في طلب من هرب وجلس الفخري هنالك بقية اليوم يحلف الأمراء على أمره الذي جاء له فحلفوا له ودخل دمشق عشية يوم الخميس في أبهة عظيمة وحرمة وافرة فنزل القصر الأبلق ونزل الامير تغردمر بالميدان الكبير ونزل عماري بدار السعادة وأخرجوا الموساوي الذي كان معتقلا بالقلعة وجعلوه مشدا على حوطات حواصل الطنبغا وكان قد تغضب الفخري على جماعةمن الامراء منهم الامير حسام الدين السمقدار أمير حاجب بسبب أنه صاحب لعلاء الدين الطنبغا فلما وقع ما وقع هرب فيمن هرب ولكن لم يأت الفخري بل دخل البلد فتوسط في الامر لم يذهب مع ذاك ولا جاء مع هذا ثم إنه استدرك ما فاته فرجع من البار إلى الفخري وقيل بل رسم عليه حين جاء وهو مهموم جدا ثم إنه اعطى منديل الامان وكان معهم كاتب السر القاضي شهاب الدين بن فضل الله ثم أفرج عنهم ومنهم الامير سيف الدين حفطية كان شديد الحنق عليه فأطلقه من يومه وأعاده إلى الحجوبية وأظهر مكارم أخلاق عظيمة ورياسة كبيرة وكان للقاضي علاء الدين بن المنجا قاضي قضاة الحنابلة في هذه الكائنة سعى مشكور ومراجعة كبيرة للأمير علاء الدين الطنبغا حتى خيف عليه منه وخاطر بنفسه معه فأنجح الله مقصده وسلمه منه وكبت عدوه ولله الحمد والمنة
وفي يوم السبت السادس والعشرين منه قلد قضاء العساكر المنصورة الشيخ فخر الدين بن الصائغ عوضا عن القاضي الحنفي الذي كان مع النائب المنفصل وذلك أنهم نقموا عليه إفتاءه الطنبغا بقتال الفخري وفرح بولايته أصحاب الشيخ تقي الدين بن تيمية رحمه الله وذلك لأنه من أخص من صحبه قديما وأخذ عنه فوائد كثيرة وعلوما
وفي يوم الأربعاء سلخ رجب آخر النهار قدم الامير قماري من عند الملك الناصر بن الناصر من الكرك وأخبره بما جرى من أمرهم وأمر الطنبغا ففرح بذلك واخبر قماري بقدوم السلطان ففرح الناس بذلك واستعدوا له بآلات المملكة وكثرت مطالبته أرباب الاموال والذمة بالجزية وفي مستهل رجب من هذه السنة ركب الفخري في دست النيابة بالموكب المنصور وهو أول ركوبه فيه وإلى جانبه قماري وعلى قماري خلعة هائلة وكثر دعاء الناس للفخري يومئذ وكان يوما مشهودا وفي هذا اليوم خرج جماعة من المقدمين الالوف إلى الكرك بأخبار ابن السلطان بما جرى منهم تغردمر وإقبغا عبدا لواحد وهو الساقي وميكلي بغا وغيرهم وفي يوم السبت ثالثة ستدعى الفخري القاضي الشافعي وألح عليه في أحضار الكتب في سلة الحكم التي كانت أخذت من عند الشيخ تقي الدين ابن تيمية رحمه الله من القلعة المنصورة في أيام جلال الدين القزويني فأحضرها القاضي بعد جهد ومدافعة وخاف على نفسه منه فقبضها منه الفخري بالقصر وأذن له في الانصراف من عنده وهو متغضب عليه وربما هم بعزله لممانعته إياها وربما قال قائل هذه فيها كلام يتعلق بمسألة الزيارة فقال الفخري كان الشيخ أعلم بالله وبرسوله منكم واستبشر الفخري باحضارها إليه واستدعى بأخي الشيخ زين الدين عبد الرحمن وبالشيخ شمس الدين عبدالرحمن بن قيم الجوزية وكان له سعي مشكور فيها فهنأهما باحضاره الكتب وبيت الكتب تلك الليلة في خزانته للتبرك وصلى به الشيخ زين الدين اخو الشيخ صلاة المغرب بالقصر وأكرمه الفخري إكراما زائدا لمحبته الشيخ رحمه الله
وفي يوم الاحد رابعة دقت البشائر بالقلعة وفي باب الميدان لقدوم بشير بالقبض على قوصون بالديار المصرية واجتمع الناس لذلك واستبشر كثير منهم بذلك وأقبل جماعة من الامراء إلى الكرك لطاعة الناصر بن الناصر واجتمعوا مع الامراء الشاميين عند الكرك وطلبوا منه أن ينزل إليهم فابى وتوهم أن هذه الامور كلها مكيدة ليقبضوه ويسلموه إلى قوصون وطلب منهم أن ينظر في أمره وردهم إلى دمشق وفي هذه الايام وما قبلها وما بعدها أخذ الفخري من جماعة التجار بالاسواق وغيرها زكاة أموالهم سنة فتحصل من ذلك زيادة على مائة ألف وسبعة آلاف وصودر أهل الذمة بقريب من ذلك زيادة على الجزية التي اخذت منهم عن ثلاث سنين سلفا وتعجيلا ثم نودي في البلد يوم الاثنين الحادي والعشرين من الشهر مناداة صادرة من الفخري برفع الظلامات والطلبات واسقاط ما تبقى من الزكاة والمصادرة غير انهم احتاطوا على جماعة من المشاة المكثرين ليشتروا منهم بعض أملاك الخاص والبرهان بن بشارة الحنفي تحت المصادرة والعقوبة على طلب المال الذي وجده في طميرة وجدها فيما ذكر عنه والله أعلم
وفي يوم الجمعة الرابع والعشرين منه بعد الصلاة دخل الامراء الستة الذين توجهوا نحو الكرك لطلب السلطان أن يقدم إلى دمشق فأبى عليهم في هذا الشهر ووعدهم وقتا آخر فرجعوا وخرج الفخري لتلقيهم فاجتمعوا قبلي جامع القبيبات الكريمي ودخلوا كلهم إلى دمشق في جمع كثير من الاتراك الامراء والجند وعليهم خمدة لعدم قدوم السلطان أيده الله وفي يوم الاحد قدم البريد خلف قماري وغيره من الامراء يطلبهم إلى الكرك واشتهر أن السلطان رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام وهو يأمره بالنزول من الكرك وقبول المملكة فانشرح الناس لذلك
وتوفي الشيخ عمر بن أبي بكر بن اليثمي البسطي يوم الاربعاء التاسع والعشرين كان رجلا صالحا كثير التلاوة والصلاة والصدقة وحضور مجالس الذكر والحديث له همة وصولة على الفقراء المتشبهين بالصالحين وليسوا منهم سمع الحديث من الشيخ فخر الدين بن البخاري وغيره وقرأت عليه عن ابن البخاري مختصر المشيخة ولازم مجالس الشيخ تقي الدين بن تيمية رحمه الله وانتفع به ودفن بمقابر باب الصغير
وفي شهر رمضان المعظم أوله يوم الجمعة كان قد نودي في الجيش آن الرحيل لملتقى السلطان في سابع الشهر ثم تأخر ذلك إلى بعد العشر ثم جاء كتاب من السلطان بتأخر ذلك إلى بعد العيد وقدم في عاشر الشهر علاء الدين بن تقي الدين الحنفي ومع ولاية من السلطان الناصر بنظر البيمارستان النوري ومشيخة الربوة ومرتب على الجهات السلطانية وكان قد قدم قبله القاضي شهاب الدين بن البارزي بقضاء حمص من السلطان أيده الله تعالى ففرح الناس بذلك حيث تكلم السلطان في المملكة وباشر وأمر وولي ووقع ولله الحمد وفي يوم الاربعاء ثالث عشره دخل الامير سيف الدين طشتمر الملقب بالحمص الاخضر من البلاد الحلبية إلى دمشق المحروسة وتلقاه الفخري والأمراء والجيش بكماله ودخل في أبهة حسنة ودعا له الناس وفرحوا بقدومه بعد شتاته في البلاد وهربه من بين يدي الطنبغا حين قصده إلى حلب كما تقدم ذكره
وفي يوم الخميس رابع عشرة خرجت الجيوش من دمشق قاصدين إلى غزة لنظرة السلطان حين يخرج من الكرك السعيد فخرج يومئذ مقدمان تغردمر واقبغا عبد الواحد فبرزا إلى الكسوة فلما كان يوم السبت خرج الفخري ومعه طشتمر وجمهور الامراء ولم يقم بعده بدمشق إلا من احتيج لمقامهم لمهمات المملكة وخرج مع القضاة الاربعة وقاضي العساكر والموقعين والمصاحب وكاتب الجيش وخلق كثير
وتوفي الشيخ الصالح العابد الناسك احمد بن الملقب بالقصيدة ليلة الاحد الرابع والعشرين من رمضان وصلى عليه بجامع شكر ودفن بالصوفية قريبا من قبر الشيخ جمال الدين المزي تغمدهما الله برحمته وكان فيه صلاح كثير ومواظبة على الصلاة في جماعة وأمر بمعروف ونهى عن منكر مشكورا عند الناس بالخير وكان يكثر من خدمة المرضى بالمارستان وغيره وفيه إيثار وقناعة وتزهد كثير وله أحوال مشهورة رحمه الله وإيانا
واشتهر في أواخر الشهر المذكور أن السلطان الملك الناصر شهاب الدين أحمد خرج من الكرك المحروس صحبة جماعة من العرب والاتراك قاصدا إلى الديار المصرية ثم تحرر خروجه منها في يوم الاثنين ثامن عشر الشهر المذكور فدخل الديار المصرية بعد ايام هذا والجيش صامدون اليه فلما تحقق دخوله مصر حثوا في السير إلى الديار المصرية وبعث يستحثهم أيضا واشتهر أنه لم يجلس على سرير الملك حتى يقدم الامراء الشاميون صحبة نائبه الامير سيف الدين قطلوبغا الفخري ولهذا لم تدق البشائر بالقلاع الشامية ولا غيرها فيما بلغنا وجاءت الكتب والاخبار من الديار المصرية بان يوم الاثنين عاشر شوال كان إجلاس السلطان الملك الناصر شهاب الدين أحمد على سرير المملكة صعد هو والخليفة الحاكم بأمر الله أبو العباس أحمد بن المستكفي فوق المنبر وهما لابسان السواد والقضاة تحتهما على درج المنبر بحسب منازلهم فخطب الخليفة وخلع الاشرف كجك وولى هذا الناصر وكان يوما مشهودا وأظهر ولايته لطشتمر نيابة مصر والفخري دمشق وأيد غمش حلب فالله أعلم ودقت البشائر بدمشق ليلة الجمعة الحادي والعشرين من الشهر المذكور واستمرت إلى يوم الاثنين مستهل ذي القعدة وزينت البلد يوم الاحد ثالث عشرين منه واحتفل الناس بالزينة
وفي يوم الخميس المذكور دخل الامير سيف الدين الملك أحد الرؤس المشهورة بمصر إلى دمشق في طلب نيابة حماة حرسها الله تعالى فلما كان يوم الجمعة بعد الصلاة ورد البريد من الديار المصرية فأخبر أن طشتمر الحمص الاخضر مسك فتعجب الناس من هذه الكائنة كثيرا فخرج من بدمشق من أعيان الامراء أمير الحج وغيره وخيم بوطأة برزة وخرج إلى الحج امير فأخبره بذلك وامروه عن مرسوم السلطان أن ينوب بدمشق حتى يأتي المرسوم بما يعتمد أمير الحج فأجاب إلى ذلك وركب في الموكب يوم السبت السادس منه وأما الفخري فإنه لما تنسم هذا الخبر وتحققه وهو بالزعقة فرفى طائفة من مماليكه قريب من ستين أو أكثر فاحترق وساق سوقا حثيثا وجاءه الطلب من روائه من الديار المصرية في نحو من ألف فارس صحبة الاميرين الطنبغا المارداني ويبلغا التحتاوي ! ففاتهما وسبق واعترض له نائب غزة في جنده فلم يقدر عليه فسلطوا عليه العشيرات ينهبوه فلم يقدروا عليه إلا في شيء يسير وقتل منهم خلقا وقصد نحو صاحبه فيما يزعم الامير سيف الدين ايدغمش نائب حلب راجيا منه أن ينصره وأن يوافقه على ما قام بنفسه فلما وصل أكرمه وانزله وبات عنده فلما أصبح قبض عليه وقيده ورده على البريد إلى الديار المصرية ومعه التراسيم من الأمراء وغيرهم
ولما كان يوم الاثنين سلخ ذي القعدة خرج السلطان الملك الناصر شهاب الدين أحمد بن الناصر محمد بن المنصور من الديار المصرية في طائفة من الجيش قاصدا إلى الكرك المحروس ومعه أموال جزيلة وحواصل واشياء كثيرة فدخلها يوم الثلاثاء من ذي الحجة وصحبته طشتمر في محفة ممرضا والفخري مقيدا فاعتقلا بالكرك المحروس وطلب السلطان آلات من أخشاب ونحوها وحدادين وصناع ونحوها لاصلاح مهمات بالكرك وطلب أشياء كثيرة من دمشق فحملت اليه ولما كان يوم الاحد السابع والعشرين من ذي الحجة ورد الخبر بأن الامير ركن الدين بيبرس الاحمدي النائب بصغد ركب في مماليكه وخدمه ومن أطاعه وخرج منها فارا بنفسه من القبض عليه وذكر ان نائب غزة قصده ليقبض عليه بمرسوم السلطان ورد عليه من الكرك فهرب الاحمدي بسبب ذلك ولما وصل الخبر الى دمشق وليس بها نائب انزعج الامراء لذلك واجمتعوا بدار السعادة وضربوا في ذلك مشورة ثم جردوا إلى ناحية بعلبك اميرا ليصدوه عن الذهاب إلى البرية فلما أصبح الصباح من يوم الاثنين جاء الخبر بأنه في نواحي الكسوة ولامانع من خلاصة فركبوا كلهم ونادى المنادي من تأخر من الجند عن هذا النفير ! شنق واستوثقوا في الخروج وقصدوا ناحية الكسوة وبعثوا الرسل اليه فذكر اعتذارا في خروجه وتخلص منهم وذهب يوم ذلك ورجعوا وقد كانوا ملبسين في يم حار وليس معهم من الازواد مايكفيهم سوى يومهم ذلك فلما كانت ليلة الثلاثاء ركب الامراء في طلبه من ناحية ثنية العقاب فرجعوا في اليوم الثاني وهو في صحبتهم ونزل في القصور التي بناها تنكز رحمه الله في طريق داريا فأقام بها واجروا عليه مرتبا كاملا من الشعير والغنم وما يحتاج إليه مثله ومعه مماليكه وخدمه فلما كان يوم الثلاثاء سادس المحرم ورد كتاب من جهة السلطان فقرئ على الأمراء بدار السعادة يتضمن إكرامه واحترامه والصفح عنه لتقدم خدمة على السلطان الملك الناصر وابنه الملك المنصور ولما كان يوم الأربعاء سابع المحرم جاء كتاب إلى الأمير ركن الدين بيبرس نائب الغيبة ابن الحاجب المش بالقبض على الاحمدي فركب الجيش ملبسين يوم الخميس وأوكبوا بسوق الخيل وراسلوه وقد ركب في مماليكه بالعدد وأظهر الامتناع فكان جوابه أن لا أسمع ولا أطيع إلا لمن هو ملك الديار المصرية فاما من هو مقيم بالكرك ويصدر عنه ما يقال عنه من الافاعيل التي قد سارت بها الركبان فلا فلما بلغ الامراء هذا توقفوا في أمره وسكنوا ورجعوا إلى منازلهم ورجع هو إلى قصره
*2* ثم دخلت سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة
@ استهلت هذه السنة المباركة وسلطان المسلمين الملك الناصر ناصر الدين محمد بن الملك المنصور قلاوون وهو مقيم بالكرك قد حاز الحوصال السلطانية من قلعة الجبل إلى قلعة الكرك ونائبه الديار المصرية الامير سيف الدين آقسنقر السلارى الذي كان نائبا بغزة وقضاة الديار المصرية هم المذكورون في السنة الماضية سوى القاضي الحنفي وأما دمشق فليس لها نائب إلى حنيئذ غير ان الامير ركن الدين بيبرس الحاجب كان استنابه الفخري بدمشق نائب غيبته فهو الذي يسد الامور مع الحاجب ألمش وتمر المهمندار والامير سيف الدين الملقب بحلاوة والي البر والامير ناصر الدين ابن ركباس متولي البلد هؤلاء الذين يسدون الأشغال والامور السلطانية والقضاة هم الذين ذكرناها في السنة الخالية وخطيب البلد تاج الدين عبدالرحيم بن القاضي جلال الدين القزويني وكاتب السر القاضي شهاب الدين بن فضل الله واستهلت هذه السنة والأمير ركن الدين بيبرس الاحمدي نازل بقصر تنكز بطريق داريا وكتب السلطان واردة في كل وقت بالاحتياط عليه والقبض وأن يمسك ويرسل إلى الكرك هذا والأمراء يتوانون في أمره ويسوفون المراسيم وقتا بعد وقت وحينا بعد حين ويحملهم على ذلك أن الاحمدي لا ذنب له ومتى مسكه تطرف إلى غيره مع أن السلطان يبلغهم عنه احوال لا ترضيهم من اللعب والاجتماع مع الاراذل والاطراف ببلد الكرك مع قتله الفخري وطشتمر قتلا فظيعا وسلبه أهلهما وسلبه لما على الحريم من الثياب والحلى وإخراجهم في أسوإ حال من الكرك وتقريبه النصارى وحضورهم عنده فحمل الامراء هذه الصفات على أن بعثوا احدهم يكشف أمره فلم يصل اليه ورجع هاربا خائفا فلما رجع وأخبر الأمراء انزعجوا وتشوشوا كثيرا واجتمعوا بسوق الخيل مرارا وضربوا مشورة بينهم فاتفقوا على أن يخلعوه فكتبوا إلى المصريين بذلك واعلموا نائب حلب ايدغمش ونواب البلاد وبقوا متوهمين من هذا الحال كثيرا ومترددين ومنهم من يصانع في الظاهر وليس معهم في الباطن وقالوا لا سمع له ولا طاعة حتى يرجع إلى الديار المصرية ويجلس على سرير المملكة وجاء كتابه اليهم يعيبهم ويعنقهم في ذلك فلم يفد وركب الاحمدي في الموكب وركبوا عن يمينه وشماله وراحوا اليه إلى القصر فسلموا عليه وخدموه وتفاقم الامر وعظم الخطب وحملوا هموما عظيمة خوفا من أن يذهب الى الديار المصرية فيلف عليه المصريون فيتلف الشاميين فحمل الناس همهم فالله هو المسئول أن يحسن العاقبة فلما كان يوم الاحد السادس والعشرين من المحرم ورد مقدم البريدية ومعه كتب المصريين بأنه لم بلغهم خبر الشاميين كان عندهم من أمر السلطان اضعاف ما حصل عند الشاميين فبادروا إلى ما كانوا عزموا عليه ولكن ترددوا خوفا من الشاميين أن يخالفوهم فيه ويتقدموا في صحبة السلطان لقتالهم فلما أطمأنوا من جهة الشاميين صمموا على عزمهم فخلعوا الناصر أحمد وملكوا عليهم أخاه الملك الصالح إسماعيل ابن الناصر محمد بن المنصور جعله الله مباركا على المسلمين وأجلسوه على السرير يوم الثلاثاء العشرين من المحرم المذكور وجاء كتابه مسلما على أمراء الشام ومقدميه وجاءت كتب الامراء على الامراء بالسلام والاخبار بذلك ففرح المسلمون وأمراء الشام والخاصة والعامة بذلك فرحا شديدا ودقت البشائر بالقلعة المنصورة يومئذ ورسم بتزيين البلد فزين الناس صبيحة الثلاثاء السابع والعشرين منه ولما كان يوم الجمعة سلخ المحرم خطب بدمشق للملك الصالح عماد الدنيا والدين إسماعيل بن الناصر بن المنصور
وفي يوم الخميس سادس صفر درس بالصدرية صاحبنا الامام العلامة شمس الدين محمد بن أبي بكر بن أيوب الذرعي إمام الجوزية وحضر عنده الشيخ عز الدين بن المنجا الذي نزل له عنها وجماعة من الفضلاء وفي يوم الاثنين سادس عشر صفر دخل الامير سيف الدين تغردمر من الديار المصرية إلى دمشق ذاهبا إلى نيابة حلب المحروسة فنزل بالقابون
وفي يوم الثلاثاء ثامن عشر صفر توفي الشيخ الامام العالم العامل الزاهد عبد الله بن أبي الوليد المقري المالكي إمام المالكية هو وأخوه أبو عمرو بالجامع الاموي بمحراب الصحابة توفي ببستان بقية السحف وصلى عليه بالمصلى ودفن عند ابيه رحمهما الله بمقابر باب الصغير وحضر جنازته الأعيان والفقهاء والقضاة وكان رجلا صالحا مجمعا على ديانته وجلالته رحمه الله
وفي يوم الخميس العشرين من صفر دخل الامير ايدغمش نائب السلطنة بدمشق ودخل اليها من ناحية القابون قادما من حلب وتلقاه الجيش بكماله وعليه خلعة النيابة واحتفل الناس له وأشعلوا الشموع وخرج أهل الذمة من اليهود والنصارى يدعون له ومعهم الشموع وكان يوما مشهودا وصلى يوم الجمعة بالمقصورة من الجامع الأموي ومعه الأمراء والقضاة وقرئ تقليده هناك على السدة وعليه خلعته ومعه الأمير سيف الدين ملكتم الرحولي وعليه خلعة ايضا
وفي يوم الثلاثاء الخامس والعشرين من صفر دخل الامير علم الدين الجاولي دمشق المحروسة ذاهبا الى نيابة حماة المحروسة وتلقاه نائب السلطنة والأمراء إلى مسجد القدم وراح فنزل بالقابون وخرج القضاة والأعيان إليه وسمع عليه من مسند الشافعي فإنه يرويه وله فيه عمل ورتبه ترتيبا حسنا ورأيته وشرحه أيضا وله أوقاف عل الشافعية وغيرهم
وفي يوم الجمعة الثامن والعشرين منه عقد مجلس بعد الصلاة بالشباك الكمالي من مشهد عثمان بسبب القاضي فخر الدين المصري وصدر الدين عبدالكريم ابن القاضي جلال الدين القزويني بسبب العادلية الصغيرة فاتفق الحال على أن نزل صدر الدين عن تدريسها ونزل فخر الدين عن مائة وخمسين على الجامع وفي يوم الاحد سلخ الشهر المذكور حضر القاضي فخر الدين المصري ودرس بالعادلية الصغيرة وحضر الناس عنده على العادة وأخذ في قوله تعالى هذه بضاعتنا ردت الينا وفي آخر شهر ربيع الاول جاء المرسوم من الديار المصرية بأن يخرج تجريدة من دمشق بصحبة الامير حسام الدين السمقدار لحصار الكرك الذي تحصن فيه ابن السلطان احمد واستحوذ على ما عنده من الاموال التي أخذها من الخزائن من ديار مصر وبرز المنجنيق من القلعة إلى قبل جامع القبيبات فنصب هناك وخرج الناس للتفرج عليه ورمى به ومن نيتهم أن يستصحبوه معهم للحصار
وفي يوم الاربعاء ثاني ربيع الآخر قدم الامير علاء الدين الطنبغا المارداني من الديار المصرية على قاعدته وعادته وفي يوم االخميس عاشره دخل إلى دمشق الاميران الكبيران ركن الدين بيبرس الاحمدي من طرابلس وعلم الدين الجاولي من حماة سحرا وحضرا الموكب ووقفا مكتفين لنائب السلطنة الاحمدي عن يمينه والجاولي عن يساره ونزلا ظاهر البلد ثم بعد ايام يسيرة توجه
الاحمدي إلى الديار المصرية على عادته وقاعدته رأس مشورة وتوجه الجاولي إلى غزة المحروسة نائبا عليها وكان الامير بدر الدين مسعود بن الخطير على إمرة الطبلخانات بدمشق وفي يوم الخميس رابع عشرة خرجت التجريدة من دمشق سحرا إلى مدينة الكرك والامير شهاب الدين بن صبح والي الولاة بحوران مشد المجانيق وخرج الامير سيف الدين بهادر الشمس الملقب بحلاوة والي البر بدمشق الى ولاية الولاة بحوران وفي يوم الجمعة ثامن عشرة وقع بين النائب والقاضي الشافعي بسبب كتاب ورد من الديار المصرية فيه الوصاة بالقاضي السبكي المذكور ومعه التوقيع بالخطابة له مضافا إلى القضاء وخلعة من الديار المصرية فتغيظ عليه النائب لأجل اولاد الجلال لأنهم عندهم عائلة كثيرة وهم فقراء وقد نهاه عن السعي في ذلك فتقدم إليه يومئذ أن لا يصلي عنده في الشباك الكمالي فنهض من هناك وصلى في الغزالية وفي يوم الاحد العشرين منه دخل دمشق الامير سيف الدين اريغا زوج ابنة السلطان الملك الناصر مجتازا ذاهبا إلى طرابلس نائبا بها في تجمل وأبهة ونجائب وجنائب وعدة وسرك كامل وفي يوم الخميس الرابع والعشرين منه دخل الامير بدر الدين ابن الخطيري معزولا عن نيابة غزة المحروسة فأصبح يوم الخيمس فركب في الموكب وسير مع نائب السلطنة ونزل في داره وراح الناس للسلام عليه وفي يوم الثلاثاء ثالث عشر صفر زينت البلد لعافية السلطان الملك الصالح لمرض أصابه ثم شفى منه وفي يوم الجمعة السادس عشرينه قبل العصر ورد البريد من الديار المصرية بطلب قاضي القضاة تقي الدين السبكي اليها حاكمها بها فذهب الناس للسلام عليه ولتوديعه وذلك بعد ما أرجف الناس به كثيرا واشتهر انه سينعقد له مجلس للدعوى عليه بما دفعه من مال الايتام إلى الطنبغا وإلي الفخري وكتبت فتوى عليه بذلك في تغريمه وداروا بها على المفتيين فلم يكتب لهم احد فيها غير القاضي جلال الدين بن حسام الدين الحنفي رأيت خطه عليها وحده بعدالصلاة وسئلت في الافتاء عليها فامتنعت لما فيها من التشويش على الحاكم وفي أول مرسوم نائب السلطان أن يتأمل المفتون هذا السؤال ويفتوا بما يقتضيه حكم الشرع الشريف وكانوا له في نية عجيبة ففرج الله عنه بطلبه إلى الديار المصرية فسار إليها صحبة البريد ليلة الأحد وخرج الكبراء والاعيان لتوديعه وفي خدمته استهل جمادي الاخرة والتجريدة عمالة الى الكرك والجيش المجردون من الحلقة قريب من ألف ويزيدون ولما كان يوم الثلاثاء رابعه بعد الظهر مات الأمير علاء الدين ايدغمش نائب السلطنة بالشام المحروس في دار وحده في دار السعادة فدخلوا عليه وكشفوا أمره وأحصروا وخشوا أن يكون اعتراه سكتة ويقال إنه شفى فالله أعلم فانتظروا به إلى الغد احتياطا فلما أصبح الناس اجتمعوا للصلاة عليه فصلى عليه خارج باب النصر حيث يصلى على الجنائر وذهبوا به إلى نحو القبلة ورام بعض اهله أن يدفن في تربة غبريال إلى جانب جامع القبيبات فلم يمكن ذلك فدفن قبلي الجامع على حافة الطريق ولم يتهيأ دفنه إلا إلى بعدالظهر من يومئذ وعملوا عنده ختمة ليلة الجمعة رحمه الله وسامحه
واشتهر في اوائل هذا الشهر أن الحصار عمال على الكرك وأن أهل الكرك خرجت طائفة منهم فقتل منهم خلق كثير وقتل من الجيش واحد في ! الصار فنزل القاضي وجماعة ومعهم شيء من الجوهر وتراضوا على أن يسلموا البلد فلما أصبح أهل الحصن تحصنوا ونصبوا المجانيق واستعدوا فلما كان بعد أيام رموا منجنيق الجيش فكسروا السهم الذي له وعجزوا عن نقله فحرقوه برأي أمراء المقدمين وجرت امور فظيعة فالله يحسن العاقبة
ثم وقعت في أواخر هذا الشهر بين الجيش وأهل الكرك وقعة أخرى وذلك أن جماعة من رجال الكرك خرجوا إلى الجيش ورموهم بالنشاب فخرج الجيش لهم من الخيام ورجعوا مشاة ملبسين بالسلاح فقتلوا من أهل الكرك جماعة من النصارى وغيرهم وجرح من العسكر خلق وقتل واحد أو اثنان وأسر الأمير سيف الدين أبو بكر بن بهادر آص وقتل امير العرب وأسر آخرون فاعتقلوا بالكرك وجرت أمور منكرة ثم بعدها تعرض العسكر راجعين إلى بلادهم لم ينالوا مرادهم منها وذلك انهم رقهم البرد الشديد وقلة الزاد وحاصروا أولئك شديدا بلا فائدة فإن البلد بريد متطاولة ومجانيق ويشق على الجيش الاقامة هناك في كوانين والمنجنيق الذي حملوه معهم كسر فرجعوا ليتأهبوا لذلك
ولما كان في يوم الأربعاء الخامس والعشرين منه قدم من الديار المصرية على البريد القاضي بدر الدين بن فضل الله كاتبا على السر عوضا عن أخيه القاضي شهاب الدين ومعه كتب بالاحتياط على حواصل أخيه شهاب الدين وعلى حواصل القاضي عماد الدين ابن الشيرازي المحتسب فاحتيط على أموالهما وأخرج من في ديارهما من الحرم وضربت الأخشاب على الابواب ورسم على المحتسب بالعذراوية فسأل أن يحول إلى دار الحديث الاشرفية فحلو إليها وأما القاضي شهاب الدين فكان قد خرج ليلتقي الامير سيف الدين تغردمر الحموي الذي جاء تقليده بنيابة الشام بدمشق وكان بحلب وجاء هذا الامر وهو في أثناء الطريق فرسم برجعته ليصادر هو والمحتسب ولم يدر الناس ما ذنبهما
وفي يوم الاحد ثامن شهر رجب آخر النهار رجع قاضي القضاء تقي الدين السبكي إلى دمشق على القضاء ومعه تقليد بالخطابة أيضا وذهب الناس اليه للسلام عليه ودخل نائب السلطنة الأمير سيف الدين تغردمر الحموي بعد العصر الخامس عشرينه من حلب فتلقاه الأمراء إلى طريق القابون ودعا له الناس دعاء كثيرا وأحبوه لبغضهم النائب الذي كان قبله وهو علاء الدين ايدغمش سامحه الله تعالى فنزل بدار السعادة وحضر الموكب صبيحة يوم الاثنين واجتمع طائفة من العامة وسألوه أن لا يغير عليهم خطيبهم تاج الدين عبد الرحيم ابن جلال الدين فلم يلتفت إليهم بل عمل على تقليد القاضي تقي الدين السبكي الخطابة لبس الخلعة واكثر العوام لما سمعوا بذلك الغوغاء وصاروا يجتمعون حلقا حلقا بعدالصلوات ويكثرون الفرحة في ذلك لما منع ابن الجلال ولكن بقي هذا لم يباشر السبكي في المحراب واشتهر عن العوام كلام كثير وتوعدوا السبكي بالسفاهة عليه إن خطب وضاق بذلك ذرعا ونهوا عن ذلك فلم ينتهوا وقيل لهم ولكثير منهم الواجب عليكم السمع والطاعة لأولي الامر ولو أمر عليكم عبد حبشي فلم يرعووا فلما كان يوم الجمعة العشرين منه اشتهر بين العامة بأن القاضي نزل عن الخطابة لابن الجلال ففرح العوام بذلك وحشدوا في الجامع وجاء نائب السلطنة إلى المقوصرة والأمراء معه وخطب ابن الجلال على العادة وفرح الناس بذلك وأكثروا من الكلام ووالهرج ولما سلم عليهم الخطيب حين صعد ردوا عليه ردا بليغا وتكلفوا في ذلك وأظهرا بغضة القاضي السبكي وتجاهروا بذلك وأسمعوه كلاما كثيرا ولما قضيت الصلاة قرئ تقليد النيابة على السدة وخرج الناس فرحى يخطيبهم لكونه استمر عليهم واجتمعوا عليه يسلمون ويدعون له
وفي يوم الاربعاء ثالث شعبان درس القاضي برهان الدين بن عبدالحق بالمدرسة العذراوية بمرسوم سلطاني بتوليته وعزل القفجاري وعقد لهما مجلس يوم الثلاثاء بدار العدل فرجح جانب القاضي برهان الدين لحاجته وكونه لا وظيفة له
وفي يوم الجمعة توفي الشيخ شهاب الدين احمد ابن الجزري احد المسندين المكثرين الصالحين مات عن خمس وتسعين سنة رحمه الله وصلى عليه يوم الجمعة بالجامع المظفري ودفن بالرواحية وفي يوم الاربعاء السابع عشر منه توفي الشيخ الامام العالم العابد الناسك الصالح الشيخ شمس الدين محمد بن الزرير خطيب الجامع الكريمي بالقبيبات وصلى عليه بعد الظهر يومئذ بالجامع المذكور ودفن قبلي الجامع المذكور إلى جانب الطريق من الشرق رحمه الله
واشتهر في أوائل رمضان ان مولودا ولد له رأسان وأربع أيد وأحضر إلى بين يدي نائب السلطنة وذهب الناس للنظر إليه في محلة ظاهر باب الفراديس يقال لها حكى الوزير وكنت فيمن ذهب إليه في جماعة من الفقهاء يوم الخميس ثالث الشهر المذكور بعد العصر فأحضره أبوه وأسم ابيه سعادة وهو رجل من أهل الجبل فنظرت إليه فإذا هما ولدان مستقلان فكل قد اشتبكت
افخاذهما بعضهما ببعض وركب كل واحد منهما ودخل في الآخر والتحمت فصارت جثة واحدة وهماميتان فقالوا احدهما ذكر الآخر أنثى وهما ميتان حال رؤيتي إليهما وقالوا إنه تأخر موت أحدهما عن الآخر بيومين او نحوهما وكتب بذلك محضر جماعة من الشهود
وفي هذا اليوم احتيط على اربعة من الامراء وهم ابناء الكامل صلاح الدين محمد امير طبلخانات وغياث الدين محمد امير عشرة وعلاء الدين علي وابن ايبك الطويل طبلخانات أيضا وصلاح الدين خليل بن بلبان طرنا طبلخانات أيضا وذلك بسبب أنهم اتهموا على ممالأة الملك احمد بن الناصر الذي في الكرك ومكاتبته والله أعلم بحالهم فقيدوا وحملوا إلى القلعة المنصورة من باب اليسر مقابل باب دار السعادة الثلاث الطبلخانات والغياث من بابها الكبير وفرق بينهم في الاماكن وخرج المحمل يوم الخميس خمس عشرة ولبس الخطيب ابن الجلال خلعة استقرار الخطابة في هذا اليوم وركب بها مع القضاة على عادة الخطباء
وفي هذا الشهر نصب المنجنيق الكبير على باب الميدان الاخضر وطول اكتافه ثمانية عشر ذراعا وطول سهمه سبعة وعشرون ذراعا وخرج الناس للفرجة عليه ورمى به في يوم السبت حجرا زنته ستين رطلا فبلغ إلى مقابلة القصر من الميدان الكبير وذكر معلم المجانيق أنه ليس في حصون الاسلام مثله وأنه عمله الحاج محمد الصالحي ليكون بالكرك فقدر الله انه خرج ليحاصر به الكرك فالله يحسن العاقبة وفي أواخره أيضا مسك أربعة أمراء وهم أقبغا عبد الواحد الذي كان مباشرا الاستدارية للملك الناصر الكبير فصودر في أيام ابنه المنصور وأخرج إلى الشام فناب بحمص فسار سيرة غير مرضية وذمه الناس وعزل عنها وأعطى تقدمة ألف بدمشق وجعل رأس الميمنة فلما كان في هذه الأيام اتهم بممالأة السلطان أحمد بن الناصر الذي بالكرك فمسك وحمل إلى القلعة ومعه الأمير سيف الدين بلو والأمير سيف الدين سلامش وكلهم بطبلخانات فرفعوا إلى القعلة المنصورة فالله يحسن العاقبة
وفي هذا الشهر خرج قضاء حمص عن نيابة دمشق بمرسوم سلطاني مجدد للقاضي شهاب الدين البارزي وذلك بعد مناقشة كثيرة وقعت بينه وبين قاضي القضاة تقي الدين السبكي وانتصر له بعض الدولة واستخرج له المرسوم المذكور وفيه أيضا افرد قضاء القدس الشريف أيضا باسم القاضي شمس الدين بن سالم الذي كان مباشرها مدة طويلة قبل ذلك نيابة ثم عزل عنها وبقي مقيما ببلده غزة ثم أعيد اليها مستقلا بها في هذا الوقت وفي هذا الشهر رجع القاضي شهاب الدين ابن فضل الله من الديار المصرية ومعه تقويع بالمرتب الذي كان له اولا كل شهر ألف درهم وأقام بعمارته التي أنشأها بسفح قاسيون شرقي الصالحية بقرب حمام النحاس
وفي صبيحة مستهل ذي القعدة خرج المنجنيق قاصدا إلى الكرك على الجمال والعجل وصحبته الامير صارم الدين إبراهيم المسبقي أمير حاجب كان في الدولة السكرية هو المقدم عليه يحوطه ويحفظه ويتولى تسييره بطلبه وأصحابه وتجهز الجيش للذهاب إلى الكرك وتأهبوا أتم الجهاز وبرزت أثقالهم إلى ظاهر البلد وضربت الخيام فالله يحسن العاقبة
وفي يوم الاثنين رابعه توفي الطوشي سبل الدولة كافور السكري ودفن صبيحة يوم الثلاثاء خامسة في تربته التي أنشاها قديما ظاهر باب الجابية تجاه تربة الطواشي ظهير الدين الخازن بالقلعة كان قبيل مسجد الدبان رحمه الله وكان قديما للصاحب تقي الدين توبة التكريتي ثم اشتراه تنكز بعد مدة طويلة من ابني أخيه صلاح الدين وشرف الدين بمبلغ جيد وعوضهما إقطاعا بزيادة على ما كان بأيديهما وذلك رغبة في أمواله التي حصلها من ابواب السلطنة وقد تعصب عليه استاذه تنكز رحمه الله في وقت وصودر وجرت عليه فصول ثم سلم بعد ذلك ولما مات ترك اموالا جزيلة وأوقافا رحمه الله وخرجت التجريدة يوم الاربعاء سادسة والمقدم عليها الامير بدر الدين بن الخطير ومعه مقدم آخر وهو الامير علاء الدين بن قراسنقر وفي يوم السبت سلخ هذا الشهر توفي الشاب الحسن شهاب الدين أحمد بن فرج المؤذن بمأذنة العروس وكان شهيرا بحسن الصوت ذا حظوة عظيمة عند اهل البلد وكان رحمه الله كما في النفس وزيادة في حسن الصوت الرخيم المطرب وليس في القراء ولا في المؤذنين قريب منه ولا من يدانيه في وقته وكان في آخر وقته على طريقة حسنة وعمل صالح وانقطاع عن الناس وإقبال على شأن نفسه فرحمه الله وأكرم مثواه وصلى عليه بعد الظهر يومئذ ودفن عند اخيه بمقبرة الصوفية
وفي يوم الخميس خامس ذي الحجة توفي الشيخ بدر الدين بن نصحان شيخ القراء السبع في البلد الشهير بذلك وصلى عليه بالجامع بعدالظهر يومئذ ودفن بباب الفراديس رحمه الله
وفي يوم الأحد تاسعة وهو يوم عرفة حضر الاقراء بتربة أم الصالح عوضا عن الشيخ بدر الدين ابن نصحان القاضي شهاب الدين أحمد بن النقيب البعلبكي وحضر عنده جماعة من الفضلاء وبعض القضاة وكان حضوره بغتة وكان متمرضا فألقى شيئا من القراءات والاعراب عند قوله تعالى ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خيرا لأنفسهم وفي أواخر هذا الشهر غلا السعر جدا وقل الخبز وازدحم الناس على الافران زحمة عظيمة وبيع خبز الشعير المخلوط بالزيوان والنقارة وبلغت الغرارة بمائة وستة وثمانين درهما وتقلص السعر جدا حتى بيع الخبز كل رطل بدرهم وفوق ذلك بيسير ودونه بحسب طيبه ورداءته فانا لله وإنا إليه راجعون وكثر السؤال وجاع العيال وضعف كثير من الأسباب والاحوال ولكن لطف الله عظيم فإن الناس مترقبون مغلا
هائلا لم يسمع بمثله من مدة سنين عديدة وقد اقترب أوانه وشرع كثير من البلاد في حصاد الشعير وبعض القمح مع كثرة الفول وبوادر التوت فلولا ذلك لكان غير ذلك ولكن لطف الله بعباده وهو الحاكم المتصرف الفعال لما يريد لا إله إلا هو
*2* ثم دخلت سنة أربع وأربعين وسبعمائة
@ استهلت هذه السنة وسلطان المسلمين الملك الناصر عماد الدنيا والدين إسماعيل ابن الملك الناصر ناصر الدين محمد بن الملك المنصور سيف الدين قلاوون الصالحي ونائبه بالديار المصرية الامير سيف الدين آقسنقر السلاري وقضاته هم هم المتقدم ذكرهم في العام الماضي ونائبه بدمشق الامير سيف الدين تغردمر الحموي وقضاته هم المتقدم ذكرهم وكذلك الصاحب والخطيب وناظر الجامع ولخزانة ومشد الاوقاف وولاية المدينة
استهلت والجيوش المصرية والشامية محيطة بحصن الكرك محاصرون ويبالغون في امره والمنجنيق منصوب وأنواع آلات الحصار كثيرة وقد رسم بتجريدة من مصر والشام أيضا تخرج إليها وفي يوم الخميس عاشر صفر دخلت التجريدة من الكرك إلى دمشق واستمرت التجريدة الجديدة على الكرك ألفان من مصر وألفان من الشام والمنجنيق منقوض موضوع عند الجيش خارج الكرك والأمور متوقفة على وبرد الحصار بعد رجوع الأحمدي إلى مصر
وفي يوم السبت ثاني ربيع الاول توفي السيد الشريف عماد الدين الخشاب بالكوشك في درب السيرجي جوار المدرسة العزية وصلى عليه ضحى بالجامع الأموي ودفن بمقابر باب الصغير وكان رجلا شهما كثير العبادة والمحبة للسنة وأهلها ممن واظب الشيخ تقي الدين بن تيمية رحمه الله وانتفع به وكان من جملة أنصاره واعوانه على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو الذي بعثه إلى صيدنا يامع بعض القسيسين فلوث يده بالعذرة وضرب اللحمة التي يعظمونها هنالك واهانها غاية الاهانة لقوة إيمانه وشجاعته رحمه الله وإيانا
وفي يوم الخميس سابعه اجتمع الصاحب ومشد الدواوين ووكيل بيت المال ومشد الاوقاف ومباشر والجامع ومعهم العمالين بالقول والمعاول يحفرون إلى جانب السارية عند باب مشهد على تحت تلك الصخرة التي كانت هناك وذلك عن قول رجل جاهل زعم أن هناك مالا مدفونا فشاوروا نائب السلطنة فامرهم بالحفر واجتمع الناس والعامة فأمرهم فأخرجوا وأغلقت أبواب الجامع كلها ليتمكنوا من الحفر ثم حفروا ثانيا وثالثا فلم يجدوا شيئا إلا التراب المحض واشتهر هذا الحفير في البلد وقصده الناس للنظر إليه والتعجب من أمره وانفصل الحال على أن حبس هذا الزاعم لهذا المحال وطم الحفير كما كان
وفي يوم الاثنين ثامن عشر ربيع الأول قدم قاضي حلب ناصر الدين بن الخشاب على البريد مجتازا إلى دمشق فنزل بالعادلية الكبيرة وأخبر أنه صلى على المحدث البارع الفاضل الحافظ شمس الدين محمد بن علي بن أيبك السروجي المصري يوم الجمعة ثامن هذا الشهر بحلب رحمه الله ومولده سنة خمس عشرة وسبعمائة وكان قد أتقن طرفا جيدا في علم الحديث وحفظ أسماء الرجال وجمع وخرج
وفي مستهل ربيع الآخر وقع حريق عظيم بسفح قاسيون احترق به سوق الصالحية الذي بالقرب من جامع المظفري وكانت جملة الدكاكين التي احترقت قريبا من مائة وعشرين دكانا ولم ير حريق من زمان أكبر منه ولا أعظم فانا لله وإنا إليه راجعون وفي يوم الجمعة سادسة رسم بأن يذكر بالصلاة يوم الجمعة في سائر مواذن البلد كما يذكر في مواذن الجامع ففعل ذلك وفي يوم الثلاثاء عاشره طلب من القاضي تقي الدين السبكي قاضي قضاة الشافعية أن يقرض ديوان السلطان شيئا من أموال الغياب التي تحت يده فامتنع من ذلك امتناعا كثيرا فجاء شاد الدواوين وبعض حاشية نائب السلطنة ففتحوا مخزن الأيتام وأخذوا منه خمسين ألف درهم قهرا ودفعوها إلى بعض العرب عما كان تأخر له في الديوان السلطان ووقع أمر كثير لم يعهد مثله
وفي يوم الأربعاء عاشر جمادي الأولى توفي صاحبنا الشيخ الامام العالم العلامة الناقد البارع في فنون العلوم شمس الدين محمد بن الشيخ عماد الدين أحمد بن عبدالهادي المقدسي الحنبلي تغمده الله برحمته وأسكنه بحبوحة جنته مرض قريبا من ثلاثة أشهر بقرحة وحمى سل ثم تفاقم أمره وأفرط به إسهال وتزايد ضعفه إلى أن توفي يومئذ قبل أذان العصر فأخبرني والده أن آخر كلامه أن قال أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين فصلى عليه يوم الخميس بالجامع المظفري وحضر جنازته قضاة البلد وأعيان الناس من العلماء والأمراء والتجار والعامة وكانت جنازته حافلة مليحة عليها ضوء ونور ودفن بالروضة إلى جانب قبر السيف ابن المجد رحمهما الله تعالى وكان مولده في رجب سنة خمس وسبعمائة فلم يبلغ الأربعين وحصل من العلوم مالا يبلغه الشيوخ الكبار وتفنن في الحديث والنحو والتصريف والفقه والتفسير والاصلين والتاريخ والقراءات وله مجاميع وتعاليق مفيدة كثيرة وكان حافظا جيدا لأسماء الرجال وطرق الحديث عارفا بالجرح والتعديل بصيرا بعلل الحديث حسن الفهم له جيد المذاكرة صحيح الذهن مستقيما على طريقة السلف واتباع الكتاب والسنة مثابرا على فعل الخيرات
وفي يوم الثلاثاء سلخه درس بمحراب الحنابلة صاحبنا الشيخ الامام العلامة شرف الدين بن القاضي شرف الدين الحنبلي في حلقة الثلثاء عوضا عن القاضي تقي الدين بن الحافظ رحمه الله وحضر عنده القضاء والفضلاء وكان درسا حسنا أخذ في قوله تعالى إن الله يأمر بالعدل والاحسان وخرج إلى مسألة تفضيل بعض الأولاد وفي يوم الخميس ثاني شهر جمادي الأولى خرجت التجريدة إلى الكرك مقدمان من الامراء وهما الامير شهاب الدين بن صبح والامير سيف الدين قلاوون في أبهة عظيمة وتجمل وجيوش وبقارات وإزعاج كثيرة
وفي صبيحة يوم الأثنين الحادي والعشرين منه قتل بسوق الخيل حسن بن الشيخ السكاكيني على ما ظهر منه من الرفض الدال على الكفر المحض شهد عليه عند القاضي شرف الدين المالكي بشهادات كثيرة تدل على كفره وأنه رافضي جلد فمن ذلك تكفير الشيخين رضي الله عنهما وقذفه أمي المؤمنين عائشة وحفصة رضي الله عنهما وزعم أن جبريل غلط فأوحى إلى محمد وإنما كان مرسلا إلى على وغير ذلك من الأقوال البالطة القبيحة قبحه الله وقد فعل وكان والده الشيخ محمد السكاكيني يعرف مذهب الرافضة والشيعة جيدا وكانت له اسئلة على مذهب اهل الخير ونظم في ذلك قصيدة أجابه فيها شيخنا الامام العلامة شيخ الاسلام بن يتيمة رحمه الله وذكر غير واحد من أصحاب الشيخ أن السكاكيني مامات حتى رجع عن مذهبه وصار إلى قول أهل السنة فالله أعلم وأخبرت أن ولده حسنا هذا القبيح كان قد اراد قتل أبيه لما أظهر السنة

وفي ليلة الاثنين خامس شهر رجب وصل بدن الأمير سيف الدين تنكز نائب الشام كان إلى تربته التي الى جانب جامعة الذي أنشأه ظاهر باب النصر بدمشق نقل من الاسكندرية بعد ثلاث سنين ونصف أو أكثر بشافعة ابنته زوجة الناصر عند ولده السلطان الملك الصالح فأذن في ذلك وأرادوا أن يدفن بمدرسته بالقدس الشريف فلم يمكن فجيء به إلى تربته بدمشق وعملت له الختم وحضر القضاة والأعيان رحمه الله
وفي يوم الثلاثاء حادي عشر شعبان المبارك توفي صاحبنا الامير صلاح الدين يوسف التكريتي ابن اخي الصاحب تقي الدين بن توبة الوزير بمنزلة بالقصاعين كان شابا من أبناء الأربعين ذا ذكاء وفطنة وكلام وبصيرة جيدة وكان كثير المحبة إلى الشيخ تقي الدين بن تيمية رحمه الله ولأصحابه خصوصا ولكل من يراه من أهل العلم عموما وكان فيه إيثار وإحسان ومحبة الفقراء والصالحين ودفن بتربتهم بسفح قاسيون رحمه الله وفي يوم السبت الخامس عشر منه جاءت زلزلة بدمشق لم يشعر بها كثير من الناس لخفتها ولله الحمد والمنة ثم تواترت الاخبار بأنها شعثت في بلاد حلب شيئا كثيرا من العمران حتى سقط بعض الابراج بقلعة حلب وكثير من دورها ومساجدها ومشاهدها وجدرانها وأما في القلاع حولها فكثير جدا وذكروا ان مدينة منبج لم يبق منها إلا القليل وأن عامة السكانين بها هلكوا تحت الردم رحمهم الله
وفي اواخر شهر شوال خرجت التجاريد إلى الكرك وهما أميران مقدمان الأمير علاء الدين فراسنقر والأمير الحاج بيد مر واشتهر في هذه الأيام أن أمر الكرك قد ضعف وتفاقم عليهم الأمر وضاقت الارزاق عندهم جدا ونزل منها جماعات من رؤسائها وخاصكية الأمير أحمد بن الناصر مخامرين عليه فسيروا من الصبح الى قلاوون وصحبتهم مقدمون من الحلقة إلى الديار المصرية واخبروا أن الحواصل عند أحمد قد قلت جدا فالله المسئول أن يحسن العاقبة
وفي ليلة الأربعاء الثامن والعشرين من شهر ذي الحجة توفي القاضي الامام العلامة برهان الدين ابن عبدالحق شيخ الحنفية وقاضي القضاة بالديار المصرية مدة طويلة بعد ابن الحريري ثم عزل وأقام بدمشق ودرس في أيام تغردمر بالعذراوية لولده القاضي امين الدين فذكر بها الدرس يوم الاحد قبل وفاة والده بثلاثة أيام وكان موت برهان الدين رحمه الله ببستانه من أراضي الارزة بطريق الصالحية ودفن من الغد بسفح قاسيون بمقبرة الشيخ ابي عمر رحمه الله وصلى عليه بالجامع المظفري وحضر جنازته القضاة والاعيان والأكبار رحمه الله
*2* ثم دخلت سنة خمس وأربعين وسبعمائة
@ استهلت هذه السنة وسلطان الديار المصرية والديار الشامية وما يتعلق بذلك الملك الصالح بن إسماعيل بن السلطان الملك الناصر محمد بن الملك المنصور قلاوون وقضاته بالديار المصرية والشامية هم المذكورون في السنة المتقدمة ونائبه بمصر الحاج سيف الدين ووزيره المتقدم ذكره وناظر الخاص القاضي مكين الدين وناظر الجيوش القاضي علم الدين ابن القطب والمحتسب المتقدم وشاد الدواوين علم الدين الناصري وشاد الأوقاف الأمير حسام الدين النجيبي ووكيل بيت المال القاضي علاء الدين شرنوخ وناظر الخزانة القاضي تقي الدين بن أبي الطيب وبقية المباشرين والنظارهم المتقدم ذكرهم وكاتب السر القاضي بدر الدين بن فضل الله كاتب السر والقاضي أمين الدين ابن القلانسي والقاضي شهاب الدين بن القيسراني والقاضي شرف الدين بن شمس الدين بن الشهاب محمود والقاضي علاء الدين شرنوخ
شهر المحرم أول السبت استهل والحصار واقع بقلعة الكرك وأما البلد فأخذو استنيب فيه الأمير سيف الدين قبليه قدم اليها من الديار المصرية والتجاريد من الديار المصرية ومن دمشق محيطون بالقلعة والناصر احمد بن الناصر ممتنع من التسليم ومن الاجابة إلى الانابة ومن الدخول في طاعة أخيه وقد تفاقمت الامور وطالت الحروب وقتل خلق كثير بسبب ذلك من الجيوش ومن أهل الكرك وقد توجهت القضية إلى خير إن شاء الله وقبل ذلك بأيام يسيرة هرب من قلعة
الكرك الامير سيف الدين أبو بكر بن بهادرآص الذي كان أسر في أوائل حصار الكرك وجماعة من مماليك الناصر احمد كان اتهمهم بقتل الشهيب احمد الذي كان يعتنى به ويحبه واستبشر الجيوش بنزول أبي بكر من عنده وسلامته من يده وجهز إلى الديار المصرية معظما وهذا والمجانيق الثلاثة سلطة على القلعة من البلد تضرب عليها ليلا ونهارا وتدمر في بنائها من داخل فإن سورها لا يؤثر فيه شيء بالكلية ثم ذكر ان الحصار فتر ولكن مع الاحتياط على أن لا يدخل إلى القلعة ميرة ولا شيء مما يتسعينون به على المقام فيها فالله المسؤول أن يحسن العقابة وفي يوم الاربعاء الخامس والعشرين من صفر قدم البريد مسرعا من الكرك فأخبر بفتح القلعة وان بابها احرق وأن جماعة الأمير أحمد بن الناصر استغاثوا بالأمان وخرج أحمد مقيدا وسير على البريد إلى الديار المصرية وذلك يوم الاثنين بعدا لظهر الثالث والعشرين من هذا الشهر ولله عاقبة الأمور وفي صبيحة يوم الجمعة رابع ربيع الاول دقت البشائر بالقلعة وزينت البلد عن مرسوم السلطان الملك الصالح سرورا بفتح البلد واجتماع الكلمة عليه واستمرت الزينة إلى يوم الاثنين سابعه فرسم برفعها بعد الظهر فتشوش كثير من العوام وأرجف بعض الناس بأن أحمد قد ظهر أمره وبايعه الأمراء الذين هم عنده وليس لذلك حقيقة ودخلت الأطلاب من الكرك صبيحة يوم الأحد ثالث عشر ربيع الاول بالطبلخانات والجيوش واشتهر إعدام احمد بن الناصر
وفي يوم الجمعة حادي عشر ربيع الأول صلى بالجامع الأموي على الشيخ أمين الدين أبي حيان النحوي شيخ البلاد المصرية من مدة طويلة وكانت وفاته بمصر عن تسعين سنة وخمسة أشهر ثم اشتهر في ربيع الآخر قتل السلطان أحمد وحز رأسه وقطع يديه ودفن جثته بالكرك وحمل رأسه إلى أخيه الملك الصالح إسماعيل وحضر بين يديه في الرابع والعشرين من هذا الشهر ففرح الناس بذلك ودخل الشيخ أحمد الزرعي على السلطان الملك الصالح فطلب منه أشياء كثيرة من تبطيل المظالم ومكوسات وإطلاق طبلخانات للأمير ناصر الدين بن بكناش وإطلاق أمراء محبوسين بقلعة دمشق وغير ذلك فأجابه إلى جميع ذلك وكان جملة المراسيم التي أجيب فيها بضع وثلاثين مرسوما فلما كان آخر شهر ربيع الآخر قدمت المراسيم التي سألها الشيخ أحمد من الملك الصالح فأمضيت كلها أو كثير منها وافرج عن صلاح الدين بن الملك الكامل والامير سيف الدين بلو في يوم الخميس سلخ هذا الشهر ثم روجع في كثير منها وتوقف حالها
وفي هذا الشهر عملت منارة خارج باب الفرج وفتحت مدرسة كانت دارا قديمة فجعلت مدرسة للحنفية ومسجدا وعملت طهارة عامة ومصلى للناس وكل ذلك منسوب إلى الامير سيف الدين تقطم الخليلي أمير حاجب كان وهو الذي جدد الدار المعروفة به اليوم بالقصاعين
وفي ليلة الاثنين عاشر جمادي الآخرة ترفى صاحبنا المحدث تقي الدين محمد بن صدر الدين سليمان الجعبري زوج بنت الشيخ جمال الدين المزي والد شرف الدين عبد الله وجمال الدين إبراهيم وغيرهم وكان فقيها بالمدارس وشاهدا تحت الساعات وغيرها وعنده فضيلة جيدة في قراءة الحديث وشيء من العربية وله نظم مستحسن انقطع يومين وبعض الثالث وتوفي في الليلة المذكورة في وسط الليل وكنت عنده وقت العشاء الآخرة ليلتئذ وحدثني وضاحكني وكان خفيف الروح رحمه الله ثم توفي في بقية ليلته رحمه الله وكان أشهدني عليه بالتوبة من جميع ما يسخط الله عز وجل وأنه عازم على ترك الشهود أيضا رحمه الله صلى عليه ظهر يوم الاثنين ودفن بمقابر باب الصغير عند أبويه رحمهم الله
وفي يوم الجمعة ثاني عشرين شهر رجب خطب القاضي عماد الدين بن العز الحنفي بجامع تنكز خارج باب النصر عن نزول الشيخ نجم الدين علي بن داود القفجاري له عن ذلك وايضا نائب السلطنة الامير سيف الدين تغردمر وحضوره عنده في الجامع المذكور يومئذ
وفي يوم الجمعة تاسع عشرين رجب توفي القاضي الامام العالم جلال الدين أبو العباس أحمد ابن قاضي القضاة حسام الدين الرومي الحنفي وصلى عليه بعد صلاة الجمعة بمسجد دمشق وحضره القضاة والأعيان ودفن بالمدرسة التي أنشأها إلى جانب الزردكاش قريبا في الخاتونية الجوانية وكان قد ولى قضاء قضاة الحنفية في أيام ولاية أبيه الديار المصرية وكان مولده سنة أحدى وخمسين وستمائة وقدم الشام مع ابيه فأقاموا بها ثم لما ولى الملك المنصور لاجين ولى أباه قضاء الديار المصرية وولده هذا قضاء الشام ثم إنه عزل بعد ذلك واستمر على ثلاث مدراس من خيار مدارس الحنفية ثم حصل له صمم في آخر عمره وكان ممتعا بحواسه سواه وقواه وكان يذاكر في العلم وغير ذلك
وفي يوم الأربعاء الرابع والعشرين من شعبان توفي الشيخ نجم الدين علي بن داود القفجاري خطيب جامع تنكز ومدرس الظاهرية وقد نزل عنها قبل وفاته بقليل للقاضي عماد الدين بن العز الحنفي وصلى عليه بالجامع المذكور بعد صلاة الظهر يومئذ وعند باب النصر وعند جامع جراح ودفن بمقبرة ابن الشيرجي عند والده وحضره القضاة والاعيان وكان استاذا في النحو وله علوم أخر لكن كان نهاية في النحو والتصريف
وفي هذا اليوم توفي الشيخ الصالح العابد الناسك الشيخ عبد الله الضرير الزرعي وصلى عليه بعد الظهر بالجامع الأموي وبباب النصر وعند مقابر الصوفية ودفن بها قريبا من الشيخ تقي الدين ابن تيمية رحمه الله وكان كثير التلاوة حسنها وصحيحها كثير العبادة يقرئ الناس من دهر طويل ويقوم بهم العشر الأخير من رمضان في محراب الحنابلة بالجامع الأموي رحمه الله
وفي يوم الجمعة ثاني شهر رمضان المعظم توفي الشيخ الامام العالم العامل العابد الزاهد الورع أبو عمر بن أبي الوليد المالكي إمام محراب الصحابة الذي للمالكية وصلى عليه بعد الصلاة وحضر جنازته خلق كثير وجم غفير وتأسف الناس عليه وعلى صلاحه وفتاويه النافعة الكثيرة ودفن إلى جانب قبر أبيه واخيه إلى جانب قبر أبي الغندلاوي المالكي قريبا من مسجد التاريخ رحمه الله وولى مكانه في المحراب ولده وهو طفل صغير فاستنيب له إلى حين صلاحيته جبره ورحم اباه
وفي صبيحة ليلة الثلاثاء سادس رمضان وقع ثلج عظيم لم ير مثله بدمشق من مدة طويلة وكان الناس محتاجين إلى مطر فلله الحمد والمنة وتكاثف الثلج على الأسطحة وتراكم حتى أعيي الناس أمره ونقلوه عن الاسطحة إلى الأزقة يحمل ثم نودي بالأمر بازالته من الطرقات فإنه سدها وتعطلت معايش كثير من الناس فعوض الله الضعفاء بعملهم في الثلج ولحق الناس كلفة كبيرة وغرماة كثيرة فإنا لله وإنا اليه راجعون
وفي يوم الجمعة الثالث والعشرين من رمضان صلى بالجامع الأموي على نائب وهو الأمير علاء الدين الجاولي وقد تقدم شيء من ترجمته رحمه الله
وفي أول شوال يوم عيد الفطر وقع فيه ثلج عظيم بحيث لم يمكن الخطيب من الوصول إلى المصلى ولا خرج نائب السلطنة بل اجتمع الأمراء والقضاة بدار السعادة وحضر الخطيب فصل بهم العيد بها وكثير من الناس صلوا العيد في البيوت
وفي يوم الأحد الحادي والعشرين من ذي الحجة درس قاضي القضاة تقي الدين السبكي الشافعي بالشامية البرانية عن الشيخ شمس الدين ابن النقيب رحمه الله وحضر عنده القضاة والاعيان والأمراء وخلق من الفضلاء وأخذ في قوله تعالى قال رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب وما بعدها وفي ذي الحجة استفتى في قتل كلاب البلد فكتب جماعةمن أهل البلد في ذلك فرسم باخراجهم يوم الجمعة من البلد الخامس والعشرين منه لكن إلى الخندق ظاهر باب الصغير وكان الاولى قتلهم بالكلية وإحراقهم لئلا تنتن الناس بريحهم على ما أفتى به الامام مالك بن أنس من جواز قتل الكلاب ببلدة معينة للمصلحة إذا رأى الامام ذلك ولا يعارض ذلك النهي عن قتل الكلاب ولهذا كان عثمان بن عفان يأمر في خطبته بقتل الكلاب وذبح الحمام
*2* ثم دخلت س
*3* الشيخ نجم الدين القباني الحموي
@ عبد الرحمن بن الحسن بن يحيى اللخمي القباني قرية من قرى اشمون الرمان أقام بحماة في زاوية بزار ويلتمس دعاؤه كان عابدا ورعا زاهدا آمرا بالمعروف وناهيا عن المنكر حسن الطريقة إلى أن توفي بها آخر نهار الاثنين رابع عشر رجب عن ست وستين سنة وكانت جنازته حافلة هائلة جدا ودفن شمالي حماة كان عنده فضيلة واشتغل على مذهب الامام احمد بن حنبل وله كلام حسن يؤثر عنه رحمه الله
*3* الشيخ فتح الدين بن سيد الناس
@ الحافظ العلامة البارع فتح الدين بن أبي الفتح محمد بن الامام ابي عمرو محمد بن الامام الحافظ الخطيب ابي بكر محمد بن أحمد بن عبد الله بن محمد بن يحيى بن سيد الناس الربعي اليعمري الاندلسي الاشبيلي ثم المصري ولد في العشر الاول من ذي الحجة سنة إحدى وسبعين وستمائة وسمع الكثير وأجاز له الرواية عنهم جماعات من المشايخ ودخل دمشق سنة تسعين فسمع من الكندي وغيره واشتغل بالعلم فبرع وساد أقرانه في علوم شتى من الحديث والفقه والنحو من العربية وعلم السير والتواريخ وغير ذلك من الفنون وقد جمع سيرة حسنة في مجلدين وشرح قطعة حسنة من أول جامع الترمذي رأيت منها مجلدا بخطه الحسن وقد حرر وحبر وافاد وأجاد ولم يسلم من بعض الانتقاد وله الشعر الرائق الفائق والنثر الموافق والبلاغة التامة وحسن الترصيف والتصنيف وجودة البديهة وحسن الطوية وله العقيدة السلفية الموضوعة على الاي والاخبار ولااثار والاقتفاء بالاثار النبوية ويذكر عنه سوء أدب في أشياء أخر سامحه الله فيها وله مدائح في رسو الله صلى الله عليه وسلم حسان وكان شيخ الحديث بالظاهرية بمصر وخطب بجامع الخندق ولم يكن في مصر في مجموعة مثله في حفظ الاسانيد والمتون والعلل والفقه والملح والاشعار والحكايات توفي فجأة يوم السبت حادي عشر شعبان وصلى عليه من الغد وكانت جنازته حافلة ودفن عند ابن أبي جمرة رحمه الله
*3* القاضي مجد الدين بن حرمي
@ ابن قاسم بن يوسف العامري الفاقوسي الشافعي وكيل بيت المال ومدرس الشافعي وغيره كانت له همة ونهضة وعلت سنه وهو مع ذلك يحفظ ويشغل ويشتغل ويلقي الدروس من حفظه إلى ان توفي ثاني ذي الحجة وولى تدريس الشافعي بعده شمس الدين ابن القماح والقطبية بهاء الدين ابن عقيل والوكلة نجم الدين الاسعردي المحتسب
وهو كان وكيل بيت الظاهر
*2* ثم دخلت سنة خمس وثلاثين وسبعمائة
@ استهلت وحكام البلاد هم المذكورون في التي قبلها وناظر الجامع عز الدين ابن المنجا والمحتسب عماد الدين الشيرازي وغيرهم وفي مستهل المحرم يوم الخميس درس بأم الصالح الشيخ خطيب تبرور عوضا عن قاضي القضاة شهاب الدين ابن المجد وحضر عنده القضاة والاعيان وفي سادس المحرم رجع مهنا بن عيسى من عند السلطان فتلقاه النائب والجيش وعاد إلى أهله في عز وعافية وفيه أمر السلطان بعمارة جامع القلعة وتوسيعه وعمارة جامع مصر العتيق وقدم إلى دمشق القاضي جمال الدين محمد بن عماد الدين ابن الاثير كاتب سربها عوضا عن ابن الشهاب محمود ووقع في هذا الشهر والذي بعده موت كثير في الناس بالخانوق
وفي ربيع الاول مسك الامير نجم الدين بن الزيبق مشد الدواوين وصودر وبيعت خيوله وحوصاله وتولاه بعده سيف الدين ثمر مملوك بكتمر الحاجب وهو مشد الزكاة وفيه كملت عمارة حمام الامير شمس الدين حمزه الذي تمكن عند تنكز بعد ناصر الدين الدوادار ثم وقعت الشناعة عليه بسبب ظلمه في عمارة هذا الحمام فقابله النائب على ذلك وانتصف للناس منه وضربه بين يديه وضربه بالبندق بيده في وجهه وسائر جسده ثم أودعه القلعة ثم نقله إلى بحيرة طبرية فغرقه فيها وعزل الامير جمال الدين نائب الكرك عن نيابة طرابلس حسب سؤاله في ذلك وراح إليها طيغال وقد نائب الكرك إلى دمشق وقد رسم له بالاقامة في سلخد فلما تلقاه نائب السلطنة والجيش نزل في دار السعادة واخذ سيفه بها ونقل إلى القلعة ثم نقل إلى صفت ثم إلى الاسكندرية ثم كان آخر العهد به وفي جمادي الاولى احتيط على دار الامير بكتمر الحاجب الحسامي بالقاهرة ونبشت وأخذ منها شيء كثير جدا وكان جد أولاده نائب الكرك المذكور وفي يوم السبت تاسع جمادي الاخرة باشر حسام الدين أبو بكر ابن الأمير عز الدين أيبك التجيبي شد الاوقاف عوضا عن ابن بكتاش اعتقل وخلع على المتولي وهنأه الناس وفي منتصف هذا الشهر علق الستر الجديد على خزانة المصحف العثماني وهو من خز طوله ثمانية أذرع وعرضه أربعة أذرع ونصف غرم عليه أربعة آلاف وخمسمائة وعمل في مدة سنة ونصف
وخرج الركب الشامي يوم الخميس تاسع شوال وأميره علاء الدين المرسي وقاضيه شهاب الدين الظاهري وفيه رجع جيش حلب إليها وكانوا عشرة آلاف سوى من تبعهم من التركمان وكانوا في بلاد أذنة وطرسوس وإياس وقد خربوا وقتلوا خلقا كثيرا ولم يعدم منهم سوى رجل واحد غرق بنهر جاهان ولكن كان قتل الكفار من كان عندهم من المسلمين نحوا من ألف رجل يوم عيد الفطر فانا لله وإنا إليه راجعون
وفيه وقع حريق عظيم بحماة فاحترق منه أسواق كثيرة وأملاك وأوقاف وهلكت أموال لاتحصر وكذلك احترق أكثر مدينة أنطاكية فتألم المسلمون لذلك وفي ذي الحجة خرب المسجد الذي كان في الطريق بين باب النصر وبين باب الجابية عن حكم القضاة بأمر نائب السلطنة وبني غريبة مسجد حسن أحسن وأنفع من الاول وتوفي فيها من الاعيان :
*3* الشيخ الصالح المعمر رئيس المؤذنين بجامع دمشق
@ برهان الدين إبراهيم بن محمد بن أحمد بن محمد الواني ولد سنة ثلاث وأربعين وستمائة وسمع الحديث وروى وكان حسن الصوت والشكل محببا إلى العوام توفي يوم الخميس سادس صفر ودفن بباب الصغير وقام من بعده في الرياسة ولده أمين الدين محمد الواني المحدث المفيد وتوفي بعده ببضع وأربعين يوما رحمهما الله
*3* الكاتب المطبق المجود المحرر
@ بهاء الدين محمود ابن خطيب بعلبك محيي الدين محمد بن عبد الرحيم بن عبد الوهاب السلمي ولد سنة ثمان وثمانين وستمائة واعتني بهذه الصناعة فبرع فيها وتقدم على أهل زمانه قاطبة في النسخ وبقية الأقلام وكان سحن الشكل طيب الاخلاق طيب الصوت حسن التودد توفي في سلخ ربيع الاول ودفن بتربة الشيخ ابي عمر رحمه الله
*3* علاء الدين السنجاري
@ واقف دار القرآن عند باب الناطفانيين شمالي الاموي بدمشق علي بن إسماعيل بن محمود كان احد التجار الصدق الاخيار ذوي اليسار المسارعين إلى الخيرات توفي بالقاهرة ليلة الخميس ثالث عشر جمادي الاخرة ودفن عند قبر القاضي شمس الدين بن الحريري
*3* العدل نجم الدين التاجر
@ عبد الرحيم بن أبي القاسم عبد الرحمن الرحبي باني التربة المشهورة بالمزة وقد جعل لها مسجدا ووقف عليها أوقافا دارة وصدقات هناك وكان من أخيار أبناء جنسه عدل مرضى عند جميع الحكام وترك اولادا وأموالا جمة ودارا هائلة وبساتين بالمزة وكان وفاته يوم الاربعاء سابع عشرين جمادي الاخرة ودفن بتربته المذكورة بالمزة رحمه الله
*3* الشيخ الامام الحافظ قطب الدين
@ ابو محمد عبدالكريم بن عبدالنور بن منير بن عبدالكريم بن علي بن عبدالحق بن عبدالصمد بن عبدالنور الحلبي الاصل ثم المصري أحد مشاهير المحدثين بها والقائمين بحفظ الحديث وروايته وتدوينه وشرحه والكلام عليه ولد سنة اربع وستين وستمائة بحلب وقرأ القرآن بالروايات وسمع الحديث وقرأ الشاطبية والألفية وبرع في فن الحديث وكان حنفي المذهب وكتب كثيرا وصنف شرحا لأكثر البخاري وجمع تاريخا لمصر ولم يكملهما وتكلم على السيرة التي جمعها الحافظ عبد الغني وخرج لنفسه أربعين حديثا متبانة الاسناد وكان حسن الاخلاق مطرحا للكلفة طاهر اللسان كثير المطالعة والاشتغال إلى أن توفي يوم الأحد سلخ رجب ودفن من الغد مستهل شعبان عند خاله نصر المنبجي وخلف تسعة أولاد رحمه الله
*3* القاضي الامام زين الدين أبو محمد
@ عبد الكافي بن علي بن تمام بن يوسف السبكي قاضي المحلة ووالده العلامة قاضي القضاة تقي الدين السبكي الشافعي سمع من ابن الانماطي وابن خطيب المزة وحدث وتوفي تاسع شعبان وتبعته زوجته ناصرية بنت القاضي جمال الدين إبراهيم بن الحسين السبكي ودفنت بالقرافة وقد سمعت من ابن الصابوني شيئا من سنن النسائي وكذلك ابنتها محمدية وقد توفيت قبلها
*3* تاج الدين علي بن إبراهيم
@ ابن عبد الكريم المصري ويعرف بكاتب قطلبك وهو والد العلامة فخر الدين شيخ الشافعية ومدرسهم في عدة مدارس ووالده هذا لم يزل في الخدمة والكتابة إلى أن توفي عنده بالعادلية الصغيرة ليلة الثلاثاء ثالث عشر شعبان وصلى عليه من الغد بالجامع ودفن بباب الصغير
*3* الشيخ الصالح عبد الكافي
@ ويعرف بعبيد ابن أبي الرجال بن حسين بن سلطان بن خليفة المنيني ويعرف بابن أبي الازرق مولده في سنة أربع وأربعين وستمائة بقريته من بلاد بعلبك ثم أقام بقرية منين وكان مشهورا بالصلاح وقرئ عليه شيء من الحديث وجاوز التسعين
*3* الشيخ محمد بن عبدالحق
@ ابن شعبان بن علي الأنصاري المعروف بالسياح له زاوية بسفح قاسيون بالوادي الشمالي مشهورة به كان قد بلغ التسعين وسمع الحديث وأسمعه كانت له معرفة بالامور وعنده بعض مكاشفة وهو رجل حسن توفي أواخر شوال من هذه السنة
*3* الامير سلطان العرب
@ حسام الدين مهنا بن عيسى بن مهنا أمير العرب بالشام وهم يزعمون أنهم من سلالة جعفر بن يحيى بن خالد البرمكي من ذرية الولد الذي جاء من العباسة اخت الرشيد فالله أعلم
وقد كان كبير القدر محترما عند الملوك كلهم بالشام ومصر والعراق وكان دينا خيرا متحيزا للحق وخلف أولادا وورثة وأموالا كثيرة وقد بلغ سنا عالية وكان يحب الشيخ تقي الدين بن تيمية حبا زائدا هو وذريته وعربه وله عندهم منزلة وحرمة وإكرام يسمعون قوله ويمتثلونه وهو الذي نهاهم أن يغير بعضهم على بعض وعرفهم أن ذلك حرام وله في ذلك مصنف جليل
وكان وفاة مهنا هذا ببلاد سلمية في ثامن عشر ذي القعدة ودفن هناك رحمه الله
*3* الشيخ الزاهد فضل العلجوني
@ فضل بن عيسى بن قنديل العجلوني الحبنلي المقيم بالمسمارية أصله من بلاد حبراحي كان متقللا من الدنيا يلبس ثيابا طوالا وعمامة هائلة وهي بأرخص الاثمان وكان يعرف تعبير الرؤيا ويقصد لذلك وكان لا يقبل من أحد شيئا وقد عرضت عليه وظائف بجوامك كثيرة فلم يقبلها بل رضي بالرغيد الهني من العيش الخشن إلى ان توفي في ذي الحجة وله تحو تسعين سنة ودفن بالقرب من قبر الشيخ تقي الدين بن تيمية رحمهما الله وكانت جنازته حافلة جدا
*2* ثم دخلت سنة ست وثلاثين وسبعمائة
@ استهلت بيوم الجمعة والحكام هم المذكورون في التي قبلها وفي أول يوم منها ركب تنكز إلى قلعة جعبر ومعه الجيش والمناجنيق فغابوا شهرا وخمسة ايام وعادوا سالمين وفي ثامن صفر فتحت الخانقاه التي أنشأها سيف الدين قوصون الناصري خارج باب القرافة وتولى مشيختها الشيخ شمس الدين الأصبهاني المتكلم وفي عاشر صفر خرج ابن جملة من السجن بالقلعة وجاءت الاخبار بموت ملك التتار أبي سعيد بن خربندا بن أرغون بن أبغا بن هولاكوبن تولى بن جنكزخان في يوم الخميس ثاني عشر ربيع الاخر بدار السلطنة بقراباغ وهي منزلهم في الشتاء ثم نقل إلى تربته بمدينته التي أنشاها قريبا من السلطانية مدينة أبيه وقد كان من خيار ملوك التتار واحسنهم طريقة واثبتهم على السنة واقومهم بها وقد عز اهل السنة بزمانه وذلت الرافضة بخلاف دولة أبيه ثم من بعده لم يقم للتتار قائمة بل اختلفوا فتفرقوا شذر مذر إلى زماننا هذا وكان القائم من بعده بالأمر ارتكاوون من ذرية أبغا ولم يستمر له الأمر إلا قليلا
وفي يوم الاربعاء عاشر جمادي الأولى درس بالناصرية الجوانية بدر الدين الأردبيلي عوضا عن كمال الدين ابن الشيرازي توفي وحضر عنده القضاة وفيه درس بالظاهرية البرانية الشيخ الامام المقري سيف الدين أبو بكر الحريري عوضا عن بدر الدين الأردبيلي تركها لما حصلت له الناصرية الجوانية وبعده بيوم درس بالنجيبية كاتبه إسماعيل ابن كثير عوضا عن الشيخ جمال الدين ابن قاضي الزبداني تركها حين تعين له تدريس الظاهرية الجوانية وحضر عنده القضاة والاعيان كان درسا حافلا أثنى عليه الحاضرون وتعجبوا من جمعه وترتيبه وكان ذلك في تفسير قوله تعالى إنما يخشى الله من عباده العلماء وإنساق الكلام إلى مسألة ربا الفضل وفي يوم الاحد رابع عشرة ذكر الدرس بالظاهرية المذكورة ابن قاضي الزبداني عوضا عن علاء الدين ابن القلانسي توفي وحضر عنده القضاة والأعيان وكان يوما مطيرا
وفي أول جمادي الاخرة وقع غلاء شديد بديار مصر واشتد ذلك إلى شهر رمضان وتوجه خلق كثير في رجب إلى مكة نحوا من ألفين وخمسمائة منهم عز الدين ابن جماعة وفخر الدين النويري وحسن السلامي وأبو الفتح السلامي وخلق وفي رجب كملت عمارة جسر باب الفرج وعمل عليه باسورة ورسم باستمرار فتحه إلى بعد العشاء الآخرة كبقية سائر الأبواب وكان قبل ذلك يغلق من المغرب وفي سلخ رجب أقيمت الجمعة بالجامع الذي أنشاه نجم الدين ابن خيلخان تجاه باب كيسان من القبلة وخطب فيه الشيخ الامام العلامة شمس الدين ابن قيم الجوزية وفي ثاني شعبان باشر كتابة السر بدمشق القاضي علم الدين محمد بن قطب الدين أحمد بن مفضل عوضا عن كمال الدين ابن الأثير عزل وراح إلى مصر وفي يوم الأربعاء رابع رمضان ذكر الدرس بالأمينية الشيخ بهاء الدين ابن إمام المشهد عوضا عن علاء الدين بن القلانسي وفي العشرين منه خلع على الصدر نجم الدين بن أبي الطيب بنظر الخزانة مضافا إلىما بيده من وكالة بيت المال بعد وفاة ابن القلانسي بشهور وخرج الركب الشامي يوم الاثنين ثامن شوال واميره قطلودمر الخليلي وممن حج فيه قاضي طرابلس محيي الدين بن جهبل والفخر المصري وأبن قاضي الزبداني وابن العز الحنفي وابن غانم والسخاوي وابن قيم الجوزية وناصر الدين بن البربوه الحنفي وجاءت الأخبار بوقعة جرت بين التتار قتل فيها خلق كثير منهم وانتصر على باشا وسلطانه الذي كان قد أقامه وهو موسى كاوون على اربا كاوون وأصحابه فقتل هو ووزيره ابن رشيد الدولة وجرت خطوب كثيرة طويلة وضربت البشائر بدمشق
وفي ذي القعدة خلع على ناظر الجامع الشيخ عز الدين بن المنجا بسب إكماله البطائن في الرواق الشمالي والغربي والشرقي ولم يكن قبل ذلك له بطائن وفي يوم الاربعاء سابع الحجة ذكر الدرس بالشبلية القاضي نجم الدين ابن قاضي القضاة عماد الدين الطرسوسي الحنفي وهو ابن سبع عشرة سنة وحضر عنده القضاة والأعيان وشكروا من فضله ونباهته وفرحوا لأبيه فيه وفيها عزل ابن النقيب عن قضاء حلب ووليها ابن خطيب جسرين وولى الحسبة بالقاهرة ضياء الدين يوسف بن أبي بكر بن محمد خطيب بيت الأبار خلع عليه السطان وفي ذي القعدة رسم السلطان باعتقال الخليفة المستكفي وأهله وأن يمنعوا من الاجتماع فآل أمرهم كما كان أيام الظاهر والمنصور وممن توفي فيها من الاعيان :
*3* السلطان أبو سعيد ابن خربندا
@ وكان اخر من اجتمع شمل التتار عليه ثم تفرقوا من بعده
*3* الشيخ البندنيجي
@ شمس الدين علي بن محمد بن ممدود بن عيسى البندنيجي الصوفي قدم علينا من بغداد شيخنا كبيرا راويا لأشياء كثيرة فيها صحيح مسلم والترمذي وغير ذلك وعنده فوائد ولد سنة اربع وأربعين وستمائة وكان والده محدثا فأسمعه أشياء كثيرة على مشايخ عدة وكان موته بدمشق رابع المحرم
*3* قاضي قضاة بغداد
@ قطب الدين أبو الفضائل محمد بن عمر بن الفضل التبريزي الشافعي المعروف بالأحوس سمع شيئا من الحديث واشتغل بالفقه والأصول والمنطق والعربية والمعاني والبيان كان بارعا في فنون كثيرة ودرس بالمستنصرية بعد العاقولي وفي مدارس كبار وكان حسن الخلق كثير الخير على الفقراء والضعفاء متواضعا يكتب حسنا أيضا توفي في آخر المحرم ودفن بتربة له عند داره ببغداد رحمه الله
*3* الامير صارم الدين
@ ابراهيم بن محمد بن أبي القاسم بن أبي الزهر المعروف بالمغزال كانت له مطالعة وعنده شيء من التاريخ ويحاضر جيدا ولما توفي يوم الجمعة وقت الصلاة السادس والعشرين من المحرم دفن بتربة له عند حمام العديم
*3* الامير علاء الدين مغلطاي الخازن
@ نائب القلعة وصاحب التربة تجاه الجامع المظفري من الغرب كان رجلا جيدا له أوقاف وبر وصدقات توفي يوم الجمعة بكرة عاشر صفر ودفن بتربته المذكورة
*3* القاضي كمال الدين
@ أحمد بن محمد بن محمد بن عبد الله بن هبة الله بن الشيرازي الدمشقي ولد سنة سبعين وسمع الحديث وتفقه على الشيخ تاج الدين الفزاري الشيخ زين الدين الفارقي وحفظ مختصر المزني ودرس في وقت بالبادرائية وفي وقت بالشامية البرانية ثم ولي تدريس الناصرية الجوانية مدة سنين إلى حين وفاته وكان صدرا كبيرا ذكر لقضاء قضاة دمشق غير مرة وكان حسن المباشرة والشكل توفي في ثالث صفر ودفن بتربتهم بسفح قاسيون رحمه الله
*3* الامير ناصر الدين
@ محمد بن الملك المسعود جلال الدين عبد الله بن الملك الصالح إسماعيل بن العادل كان شيخا مسنا قد اعتنى بصحيح البخاري يختصره وله فهم جيد ولديه فضيلة وكان يسكن المزة وبها توفي ليلة السبت خامس عشرين صفر وله أربع وسبعون سنة ودفن بتربتهم بالمزة رحمه الله
*3* علاء الدين
@ علي بن شرف الدين محمد بن القلانسي قاضي العسكر ووكيل بيت المال وموقع الدست ومدرس الامينية والظاهرية وغير ذلك من المناصب ثم سلبها كلها سوى التدريسين وبقي معزولا إلى حين أن توفي بكرة السبت خامس وعشرين صفر ودفن بتربتهم
*3* عز الدين أحمد بن الشيخ زين الدين
@ محمد بن أحمد بن محمود العقيلي ويعرف بابن القلانسي محتسب دمشق وناظر الخزانة كان محمود المباشرة ثم عزل الحسبة واستمر بالخزانة إلى أن توفي يوم الاثنين تاسع عشر جمادي الاولى ودفن بقاسيون
*3* الشيخ علي بن أبي المجد بن شرف بن أحمد الحمصي
@ ثم الدمشقي مؤذن البربوة خمسا وأربعين سنة وله ديوان شعروتعاليق وأشياء كثيرة مما ينكر أمرها وكان محلولا في دينه توفي جمادي الاولى أيضا
*3* الامير شهاب الدين بن برق
@ متولي دمشق شهد جنازته خلق كثير توفي ثاني شعبان ودفن بالصالحية واثنى عليه الناس
*3* الأمير فخر الدين ابن الشمس لؤلؤ
@ متولى البر كان مشكورا أيضا توفي رابع شعبان وكان شيخا كبيرا توفي ببستانه ببيت لهيا ودفن بتربته هناك وترك ذرية كثيرة رحمه الله
*3* عماد الدين إسماعيل
@ ابن شرف الدين محمد بن الوزير فتح الدين عبد الله بن محمد بن أحمد بن خالد بن صغير بن القيسراني أحد كتاب الدست وكان من خيار الناس محببا إلى الفقراء والصالحين وفيه مروءة كثيرة وكتب بمصر ثم صار إلى حلب كاتب سرها ثم انتقل إلى دمشق فأقام بها إلى أن مات ليلة الاحد ثالث عشر القعدة وصلى عليه من الغد بجامع دمشق ودفن بالصوفية عن خمس وستين سنة وقد سمع شيئا من الحديث على الابرقوهي وغيره
وفي ذي القعدة توفي شهاب الدين ابن القديسة المحدث بطريق الحجاز الشريف وفي ذي الحجة توفي الشمس محمد المؤذن المعروف بالنجار ويعرف بالبتي وكان يتكلم ونشد في المحافل والله سبحانه أعلم
*2* ثم دخلت سنة سبع وثلاثين وسبعمائة
@ استهلت بيوم الجمعة والخليفة المستكفي بالله قد اعتقله السلطان الملك الناصر ومنعه من الاجتماع بالناس ونائب الشام تنكز بن عبد الله الناصري والقضاة والمباشرون هم المذكورون في التي قبلها سوى كاتب السر فإنه علم الدين بن القطب ووالي البر الأمير بدر الدين بن قطلوبك ابن شنشنكير ووالي المدينة حسام الدين طرقطاي الجوكنداري
وفي أول يوم منها يوم الجمعة وصلت الاخبار بأن على باشا كسر جيشه وقيل إنه قتل ووصلت كتب الحجاج في الثاني والعشرين من المحرم تصف مشقة كثيرة حصلت للحجاج من موت الجمال وإلقاء الأحمال ومشى كثير من النساء والرجال فإنا لله وإنا إليه راجعون والحمد لله على كل حال
وفي آخر المحرم قدم إلى دمشق القاضي حسام الدين حسن بن محمد الغوري قاضي بغداد وكان والوزير نجم الدين محمود بن علي بن شروان الكردي وشرف الدين عثمان بن حسن البلدي فأقاموا ثلاثة أيام ثم توجهوا إلى مصر فحصل لهم قبول تام من السلطان فاستقضى الاول على الحنفية كما سيأتي واستوزر الثاني وأمر الثالث وفي يوم عاشوراء احضر شمس الدين محمد بن الشيخ شهاب الدين بن اللبان الفقيه الشافعي إلى مجلس الحكم الجلالي وحضر معه شهاب الدين بن فضل الله مجد الدين الاقصرائي شيخ الشيوخ وشهاب الدين الأصبهاني فادعى عليه بأشياء منكرة من الحلول والاتحاد والغلو في القرمطة وغير ذلك فأقر ببعضها فحكم عليه بحقن دمه ثم توسط في أمره وأبقيت عليه جهاته ومنع من الكلام على الناس وقام في صفه جماعة من الأمراء والأعيان وفي صفر احترق بقصر حجاج حريق عظيم أتلف دورا ودكاكين عديدة وفي ربيع الاول ولد للسلطان ولد فدقت البشائر وزينت البلد أياما وفي منتصف ربيع الاخر أمر الامير صارم الدين إبراهيم الحاجب الساكن تجاه جامع كريم الدين طبلخاناه وهو من كبار أصحاب الشيخ تقي الدين رحمه الله وله مقاصد حسنة صالحة وهو في نفسه رجل جيد وفيه أفرج عن الخليفة المستكفي وأطلق من البرج في حادي عشرين ربيع الاخر ولزم بيته وفي يوم الجمعة عشرين جمادي الاخرة اقيمت الجمعة في جامعين بمصر أحدهما أنشاه الأمير عز الدين أيدمر بن عبد الله الخطيري مات بعد ذلك باثني عشر يوما رحمه الله والثاني أنشأته امرأة يقال لها الست حدق دادة السلطان الناصر عند قنطرة السباع وفي شعبان سافر القاضي شهاب الدين أحمد بن شرف بن منصور النائب في الحكم بدمشق إلى قضاء طرابلس وناب بعده الشيخ شهاب الدين أحمد بن النقيب البعلبكي وفيه خلع على عز الدين بن جماعة بوكالة بيت المال بمصر وعلى ضياء الدين ابن خطيب بيت الابار بالحسبة بالقاهرة مع ما بيده من نظر الاوقاف وغيره وفيه أمر الأمير ناظر القدس بطبلخاناه ثم عاد إلى القدس
وفي عاشر رمضان قدمت من مصر مقدمتان ألفان إلى دمشق سائرة إلى بلاد سيس وفيهم علاء الدين فاجتمع به أهل العلم وهو من افاضل الحنفية وله مصنفات في الحديث وغيره
وخرج الركب الشامي يوم الاثنين عاشر شوال وأميره بهادر قبجق وقاضية محيي الدين الطرابلسي مدرس الحمصية وفي الركب تقي الدين شيخ الشيوخ وعماد الدين ابن الشيرازي ونجم الدين الطرسوسي وجمال الدين المرداوي وصاحبه شمس الدين ابن مفلح والصدر المالكي والشرف ابن القيسراني والشيخ خالد المقيم عند دار الطعم وجمال الدين بن الشهاب محمود
وفي ذي القعدة وصلت الاخبار بان الجيش تسلموا من بلاد سيس سبع قلاع وحصل لهم خير كثير ولله الحمد وفرح المسلمون بذلك وفيه كانت وقعة هائلة بين التتار انتصر فيها الشيخ وذووه وفيها نفي السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون الخليفة وأهله وذويه وكانوا قريبا من مائة نفس إلى بلاد قوص ورتب لهم هناك ما يقوم بمصالحهم فإنا لله وإنا إليه راجعون وممن توفي فيها من الاعيان :
*3* الشيخ علاء الدين بن غانم
@ أبو الحسن علي بن محمد بن سليمان بن حمائل بن علي المقدسي أحد الكبار المشهورين بالفضائل وحسن الترسل وكثرة الادب والاشعار والمروءة التامة مولده سنة إحدى وخمسين وستمائة وسمع الحديث الكثير وحفظ القرآن والتنبيه وباشر الجهات وقصده الناس في الامور المهات وكان كثير الاحسان إلى الخاص والعام توفي مرجعه في الحج في منزلة تبوك يوم الخميس ثالث عشر المحرم ودفن هناك رحمه الله ثم تبعه أخوه شهاب الدين أحمد في شهر رمضان وكان اصغر منه سنا بسنة وكان فاضلا أيضا بارعا كثير الدعابة
*3* الشرف محمود الحريري
@ المؤذن بالجامع الموي بنى حماما بالنيرب ومات في آخر المحرم
*3* الشيخ الصالح العابد
@ ناصر الدين بن الشيخ إبراهيم بن معضاد بن شداد بن ماجد بن مالك الجعبري ثم المصري ولد سنة خمسين وستمائة بقلعة جعبر وسمع صحيح مسلم وغيره وكان يتكلم على الناس ويعظهم ويستحضر أشياء كثيرة من التفسير وغيره كان فيه صلاح وعبادة توفي في الرابع والعشرين من المحرم ودفن بزاويتهم عند والده خارج باب النصر
*3* الشيخ شهاب الدين عبدا لحق الحنفي
@ أحمد بن علي بن أحمد بن علي بن يوسف بن قاضي ! الحنفيين ويعرف بابن عبدالحق الحنفي شيخ المذهب ومدرس الحنفية وغيرها وكان بارعا فاضلا دينا توفي في ربيع الاول
*3* الشيخ عماد الدين
@ إبراهيم بن علي بن عبدالرحمن بن عبدالمنعم بن نعمة المقدسي النابلسي الحنبلي الامام العالم العابد شيخ الحنابلة بها وفقيههم من مدة طويلة توفي في ربيع الاول
*3* الشيخ الامام العابد الناسك
@ محب الدين عبد الله بن احمد بن المحب عبد الله بن أحمد بن أبي بكر محمد بن إبراهيم بن أحمد بن عبدالرحمن بن إسماعيل بن منصور المقدسي الحنبلي سمع الكثير وقرأ بنفسه وكتب الطباق وانتفع الناس به وكانت له مجالس وعظ من الكتاب والسنة في الجامع الاموي وغيره وله صوت طيب بالقراءة جدا وعليه روح وسكينة ووقار وكانت مواعيده مفيدة ينتفع بها الناس وكان شيخ الاسلام تقي الدين ابن تيمية يحبه ويحب قراءته توفي يوم الاثنين سابع ربيع الاول وكانت جنازته حافلة ودفن بقاسيون وشهد الناس له بخير رحمه الله تعالى وبلغ خمسا وخسمين سنة
*3* المحدث البارع المحصل المفيد المخرج المجيد
@ ناصر الدين محمد بن طغربل بن عبد الله الصيرفي أبوه الخوارزمي الاصل سمع الكثير وقرأ بنفسه وكان سريع القراءة وقرأ الكتب الكبار والصغار وجمع وخرج شيئا كثيرا وكان بارعا في هذا الشأن رحل فأدركته منيته بحماة يوم السبت ثاني ربيع الاول ودفن من الغد بمقابر طيبة رحمه الله
*3* شيخنا الامام العالم العابد
@ شمس الدين أبو محمد عبد الله بن العفيف محمد بن الشيخ تقي الدين يوسف بن عبد المنعم بن نعمة المقدسي النابلسي الحنبلي إمام مسجد الحنابلة بها ولد سنة سبع واربعين وستمائة وسمع الكثير وكان كثير العبادة حسن الصوت عليه البهاء والوقار وسحن الشكل والسمت قرأت عليه عام ثلاث وثلاثين وسبعمائة مرجعنا من القدس كثيرا من الأجزاء والفوائد وهو والد صاحبنا الشيخ جمال الدين يوسف أحد مفتية الحنابلة وغيرهم والمشهورين بالخير والصلاح توفي يوم الخميس ثاني عشرين ربيع الاخر ودفن هناك رحمه الله
*3* الشيخ محمد بن عبد الله بن المجد
@ إبراهيم المرشدي المقيم بمنية مرشد يقصده الناس للزيارة ويضيف الناس على حسب مراتبهم وينفق نفقات كثيرة جدا ولم يكن يأخذ من أحد شيئا فيما يبدو للناس والله أعلم بحاله وأصله من قرية دهروط وأقام بالقاهرة مدة واشتغل بها ويقال إنه قرأ التنبيه في الفقه ثم انقطع بمنية مرشد واشتهر أمره في الناس وحج مرات وكان إذا دخل القاهرة يزدحم عليه الناس ثم كانت وفاته يوم الخميس ثامن رمضان ودفن بزاويته وصلى عليه بالقاهرة ودمشق وغيرها
*3* الامير أسد الدين
@ عبد القادر بن المغيث عبدالعزيز بن الملك المعظم عيسى بن العادل ولد سنة ثنتين وأربعين وستمائة وسمع الكثير وأسمع وكان يأتي كل سنة من مصر إلى دمشق ويكرم أهل الحديث ولم يبق من بعده من بني أيوب أعلا سنا منه توفي بالرملة في سلخ رمضان رحمه الله
*3* الشيخ الصالح الفاضل
@ حسن بن إبراهيم بن حسن الحاكي الحكري إمام مسجده هناك ومذكر الناس في كل جمعة ولديه فضائل وفي كلامه نفع كثير إلى أن توفي في العشرين من شوال ولم ير الناس مثل جنازته بديار مصر رحمه الله تعالى
*2* ثم دخلت سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة
@ استهلت بيوم الاربعاء والخليفة المستكفي منفي ببلاد قوص ومعه أهله وذووه ومن يلوذ به وسلطان البلاد الملك الناصر محمد بن الملك المنصور ولا نائب بديار مصر ولا وزير ونائبه بدمشق تنكز وقضاة البلاد ونوابها ومباشروها هم المذكورون في التي قبلها وفي ثالث ربيع الاول رسم السلطان بتسفير علي ومحمد ابني داود بن سليمان بن داود بن العاضد آخر خلفاء الفاطميين إلى الفيوم يقيمون به وفي يوم الجمعة ثاني عشر ربيع الآخر عزل القاضي علم الدين بن القطب عن كتابة السر وضرب وصودر ونكب بسببه القاضي فخر الدين المصري وعزل عن مدرسته الدولعية وأخذها ابن جملة والعادلية الصغيرة باشرها ابن النقيب ورسم عليه بالعذراوية مائة يوم وأخذ شيء من ماله
وفي ليلة الاحد ثالث عشرين ربيع الاول بعدالمغرب هبت ريح شديدة بمصر وأعقبها رعد وبرق وبرد بقدر الجوز وهذا شيء لم يشاهدوا مثله من أعصار متطاولة بتلك البلاد وفي عاشر جمادي الاولى استهل الغيث بمكة من أول الليل فلما انتصف الليل جاء سيل عظيم هائل لم ير مثله من دهر طويل فخرب دورا كثيرة نحوا من ثلاثين أو أكثر وغرق جماعة وكسر أبواب المسجد ودخل الكعبة وارتفع فيها نحوا من ذراع أو أكثر وجرى أمر عظيم حكاه الشيخ عفيف الدين الطبري وفي سابع عشرين من جمادي الاولى عزل القاضي جلال الدين عن قضاء مصر واتفق وصلو خبر موت قاضي الشام ابن المجد بعد أن عزل بيسير فولاه السلطان قضاء الشام فسار إليها راجعا عودا على بدء ثم عزل السلطان برهان الدين بن عبدالحق قاضي الحنفية وعزل قاضي الحنابلة تقي الدين ورسم على ولده صدر الدين بأداء ديون الناس إليهم وكانت قريبا من ثلاثمائة ألف فلما كان يوم الاثنين تاسع عشر جمادي الاخرة بعد سفر جلال الدين بخمسة أيام طلب السلطان أعيان الفقهاء إلى بين يديه فسألهم عن من يصلح للقضاء بمصر فوقع الاختيار على القاضي عز الدين ابن جماعة فولاه في الساعة الراهنة وولى قضاء الحنفية لحسام الدين حسن بن محمد الغوري قاضي بغداد وخرجا من بين يديه إلى المدرسة الصالحية وعليهما الخلع ونزل عز الدين بن جماعة من دار الحديث الكاملية لصاحبه الشيخ عماد الدين الدمياطي فدرس فيها واورد حديث إنما الاعمال النيات بسنده وتكلم عليه وعزل أكثر نواب الحكم واستمر بعضهم واستمر بالمنادي الذي أشار بتوليته ولما كان يوم خامس عشرين منه ولى قضاء الحنابلة الامام العالم موفق الدين ابو محمد عبدالله بن محمد بن عبد الملك المقدسي عوضا عن المعزول ولم يبق من القضاة سوى الاخنائي المالكي
وفي رمضان فتحت الصبابية التي أنشأها شمس الدين بن تقي الدين بان الصباب التاجر دار قرآن ودار حديث وقد كانت خربة شنيعة قبل ذلك وفي رمضان باشر علاء الدين علي ابن القاضي محيي الدين بن فضل الله كتابة السر بمصر بعد وفاة أبيه كما سيأتي ترجمته وخلع عليه وعلى أخيه بدر الدين ورسم لهما أن يحضرا مجلس السلطان وذهب أخوه شهاب الدين إلى الحج
وفي هذا الشهر سقط بالجانب الغربي من مصر بردكا لبيض وكالرمان فأتلف شيئا كثيرا ذكر ذلك البرزالي ونقله من كتاب الشهاب الدمياطي وفي ثالث عشرين رمضان درس بالقبة المنصورية بمشيخة الحديث شهاب الدين العسجدي عوضا عن زين الدين الكنائي توفي فأرود حديثا من مسند الشافعي بروايته عن الجاولي بسنده ثم صرف عنها بالحجة بالشيخ اثير الدين أبي حيان فساق حديثا عن شخيه ابن الزبير ودعا للسلطان وحضر عنده القضاة والاعيان وكان مجلسا حافلا وفي ذي القعدة حضر تدريس الشامية البرانية قاضي القضاة شمس الدين ابن النقيب عوضا عن القاضي جمال الدين ابن جملة توفي وحضر خلق كثير من الفقهاء والاعيان وكان مجلسا حافلا وفي ثاني ذي الحجة درس بالعادلية الصغيرة تاج الدين عبد الرحيم ابن قاضي القضاة جلال الدين القزويني عوضا عن الشيخ شمس الدين بن النقيب بحكم ولايته الشامية البرانية وحضر عنده القضاة والاعيان وفي هذا الشهر درس القاضي صدر الدين بن القاضي جلال الدين بالاتابكية وأخوه الخطيب بدر الدين بالغزالية والعادلية نيابة عن أبيه انتهى والله اعلم وممن توفي فيها من الاعيان :
*3* الامير الكبير بدر الدين محمد بن فخر الدين عيسى بن التركماني
@ باني جامع المقياس بديار مصر في ايام وزارته بها ثم عزل أميرا إلى الشام ثم رجع إلى مصر إلى أن توفي بها في خامس ربيع الاخر وتوفي بالحسينية وكان مشكورا رحمه الله انتهى
*3* قاضي القضاة شهاب الدين
@ محمد بن المجد بن عبد الله بن الحسين بن علي الرازي الاربلي الاصل ثم الدمشقي الشافعي قاضي الشفاعية بدمشق ولد سنة ثنتين وستين وستمائة واشتغل وبرع وحصل وأفتى سنة ثلاث وتسعين ودرس بالاقبالية ثم الرواحية وتربة أم الصالح وولى وكلة بيت المال ثم صار قاضي قضاة الشام إلى أن توفي بمستهل جمادي الاولى بالمدرسة العادلية ودفن بمقابر باب الصغير رحمه الله
*3* الشيخ الامام العالم بن المرحل
@ زين الدين محمد بن عبد الله ابن الشيخ زين الدين عمر بن مكي بن عبدالصمد بن المرسل مدرس الشامية البرانية والعذراوية بدمشق وكان قبل ذلك بمشهد الحسين وكان فاضلا بارعا فقيها أصوليا مناظرا حسن الشكل طيب الاخلاق دينا صينا وناب في وقت بدمشق عن علم الدين الاخنائي فحمدت سيرته كانت وفاته ليلة الاربعاء تاسع عشر رجب ودفن من الغد عند مسجد الديان في تربة لهم هناك وحضر جنازته القاضي جلال الدين وكان قد قدم من الديار المصرية له يومان فقط وقدم بعده القاضي برهان الدين عبدالحق بخمسة أيام هو وأهله وأولاده أيضا وباشر بعده تدريس الشامية البرانية قاضي القضاة جمال الدين ابن جملة ثم كانت وفاته بعده بشهور وذلك يوم الخميس رابع عشر ذي القعدة وهذه ترجمته في تاريخ الشيخ علم الدين البرزالي
*3* قاضي القضاة جمال الدين الصالحي
@ جمال الدين أبو المحاسن يوسف بن إبراهيم بن جملة بن مسلم بن همام بن حسين بن يوسف الصالحي الشافعي المحجي ! والده بالمدرسة السرورية وصلى عليه عقيب الظهر يوم الخميس رابع عشر ذي الحجة ودفن بسفح قاسيون ومولده في أوائل سنة ثنتين وثمانين وستمائة وسمع من ابن البخاري وغيره وحدث وكان رجلا فاضلا في فنون اشتغل وحصل وأفتى وأعاد ودرس وله فضائل جمة ومباحث وفوائد وهمة عالية وحرمة وافرة وفيه تودد وإحسان وقضاء للحقوق وولى القضاء بدمشق نيابة واستقلالا ودرس بمدارس كبار ومات هو مدرس الشامية البرانية وحضر جنازته خلق كثير من الاعيان رحمه الله
*3* شيخ الاسلام قاضي القضاة ابن البارري
@ شرف الدين أبو القاسم هبة الله ابن قاضي القضاة نجم الدين عبد الرحيم بن القاضي شمس الدين ابي الطاهر إبراهيم بن هبة الله بن مسلم بن هبة الله الجهيني الحموي المعرو بابن البارزي قاضي القضاة بحماة صاحب التصانيف الكثيرة المفيدة في الفنون العديدة ولد في خامس رمضان سنة خمس وأربعين وستمائة وسمع الكثير وحصل فنونا كثيرة وصنف كتبا جما كثيرة وكان حسن الأخلاق كثير المحاضرة حسن الاعتقاد في الصالحين وكان معظما عند الناس وأذن لجماعة من البلد في الافتاء وعمى في آخر عمره وهو يحكم مع ذلك مدة ثم نزل عن المنصب لحفيده نجم الدين عبدالرحيم بن إبراهيم وهو في ذلك لا يقطع نظره عن المنصب وكانت وفاته ليلة الاربعاء العشرين من ذي القعدة بعد أن صلى العشاء والوتر فلم تفته فريضة ولا نافلة وصلى عليه من الغد ودفن بعقبة نقيرين وله من العمر ثلاث وتسعون سنة
*3* الشيخ الامام العالم
@ شهاب الدين أحمد بن البرهان شيخ الحنفية بحلب شارح الجامع الكبير وكان رجلا صالحا منقطعا عن الناس وانتفع الناس به وكانت وفاته ليلة الجمعة الثامن والعشرين من رجب وكانت له معرفة بالعربية والقراءات ومشاركات في علوم أخر رحمه الله والله اعلم
*3* القاضي محيي الدين بن فضل الله كاتب السر
@ هو ابو المعالي يحيى بن فضل الله بن المحلي بن دعجان بن خلف العدوى العمري ولد في حادي عشر شوال سنة خمس وأربعين وستمائة بالكرك وسمع الحديث وأسمعه وكان صدرا كبيرا معظما في الدولة في حياة أخيه شرف الدين وبعده وكتب السر بالشام وبالديار المصرية وكانت وفاته ليلة الاربعاء تاسع رمضان بديار مصر ودفن من الغد بالقرافة وتولى المنصب بعده ولده علاء الدين وهو أصغر أولاده الثلاثة المعينين لهذا المنصب
*3* الشيخ الأمام العلامة ابن الكتاني
@ زين الدين ابن الكتاني شيخ الشافعية بديار مصر وهو أبو حفص عمر بن أبي الحزم بن عبدالرحمن بن يونس الدمشقي الأصل ولد بالقاهرة في حدود سنة ثلاث خمسين وستمائة واشتغل بدمشق ثم رحل إلى مصر واستوطنها وتولى بها بعض الأقضية بالحكر ثم ناب عن الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد فحمدت سيرته ودرس بمدارس كبار ولى ميشخة دار الحديث بالقبة المنصورية وكان بارعا فاضلا عنده فوائد كثيرة جدا غير أنه كان سيء الأخلاق منقبضا عن الناس لم يتزوج قط وكان حسن الشكل بهي المنظر ياكل الطيبات ويلبس اللين من الثياب وله فوائد وفوائد وزوائد على الروضة وغيرها وكان فيه استهتار لبعض العلماء فالله يسامحه وكانت وفاته يوم الثلاثاء المنتصف من رمضان ودفن بالقرافة رحمه الله انتهى
*3* الشيخ الامام العلامة ابن القويع
@ ركن الدين بن القريع أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن بن يوسف بن عبدالرحمن بن عبد الجليل الوسي الهاشمي الجعفري التونسي المالكي المعروف بابن القويع كان من اعيان الفضلاء وسادة الاذكياء ممن جمع الفنون الكثيرة والعلوم الاخروية الدينية الشرعية الطيبة وكان مدرسا بالمنكود مرية وله وظيفة في المارستان المنصوري وبها توفي في بكرة السابع عشر من ذي الحجة وترك مالا وأثاثا ورثه بيت المال
وهذا آخر ما أرخه شيخنا الحافظ علم الدين البرزالي في كتابه الذي ذيل به على تاريخ الشيخ شهاب الدين ابي شامة المقدسي وقد ذيلت على تاريخه إلى زماننا هذا وكان فراغي من الانتقاء من تاريخه في يوم الاربعاء العشرين من جمادي الاخرة من سنة إحدى وخمسين وسبعمائة احسن الله خاتمتها آمين وإلى هنا انتهى ما كتبته من لدن خلق آدم إلى زماننا هذا ولله الحمد والمنة وما أحسن ما قال الحريري
وإن تجد عيبا فسد الخللا * فجل من لا عيب فيه وعلا
كتبه إسماعيل بن كثير بن صنو القرشي الشافعي عفا الله تعالى عنه آمين
*2* ثم دخلت سنة تسع وثلاثين وسبعمائة
@ استهلت وسلطان الاسلام والمسلمين بالديار المصرية وما والاها والديار الشامية وما والاها والحرمين الشريفين الملك الناصر محمد بن الملك المنصور قلاوون ولا نائب له ولا وزير أيضا بمصر وقاضة مصر أما الشافعي فقاضي القضاة عز الدين ابن قاضي القشاة صدر الدين محمد بن إبراهيم بن جماعة وأما الحنفي فقاضي القضاة حسام الدين الغوري حسن بن محمد وأما المالكي فتقي الدين الاخنائي وأما الحنبلي فموفق الدين بن نجا المقدسي ونائب الشام الامير سيف الدين تنكز وقضاته جلال الدين القزويني الشافعي المعزول عن الديار المصرية والحنفي عماد الدين الطرسوسي والمالكي شرف الدين الهمداني والحنبلي علاء الدين بن المنجا التنوخي
ومما حدث في هذه السنة إكمال دار الحديث السكرية وباشر مشيخة الحديث بها الشيخ الامام الحافظ مؤرخ الاسلام محمد بن شمس الدين محمد بن أحمد الذهبي وقرر فيها ثلاثون محدثا لكل منهم جراية وجامكية كل شهر سبعة دراهم ونصف رطل خبز وقرر للشيخ ثلاثون رطل خبز وقرر فيها ثلاثون نفرا يقرؤون القرآن لكل عشرة شيخ ولكل واحد من القراء نظير ما للمحدثين ورتب لها إمام وقارئ حديث ونواب ولقارئ الحديث عشرون درهما وثمان أواق خبز وجاءت في غاية الحسن في شكالاتها وبنائها وهي نجاه دار الذهب التي أنشأها الواقف الأمير تنكز ووقف عليها عدة أماكن منها سوق القشاشيين بباب الفرج طوله عشرون ذراعا شرقا وغربا سماه في كتاب الوقف وبندر زيدين وحمام بحمص وهو الحمام القديم ووقف عليها حصصا في قرايا أخر ولكنه تغلب على ما عدا القشاشيين وبندر زيدين وحمام حمص
وفيها قدم القاضي تقي الدين علي بن عبد الكافي السبكي الشافعي من الديار المصرية حاكما على دمشق وأعمالها وفرح الناس به ودخل الناس يسلمون عليه لعلمه وديانته وأمانته ونزل بالعادلية الكبيرة على عادة من تقدمه ودرس بالغزالية والاتابكية واستناب ابن عمه القاضي بهاء الدين أبو البقاء ثم استناب ابن عمه أبا الفتح وكانت ولايته الشام بعد وفاة قاضي القضاة جلال الدين محمد بن عبد الرحيم القزويني الشافعي على ما سيأتي بيانه في الوفيات من هذه السنة
وممن توفي فيها من الاعيان في المحرم سنة تسع وثلاثين وسبعمائة
*3* العلامة قاضي القضاة فخر الدين
@ عثمان بن الزين علي بن عثمان الحلبي ابن خطيب جسرين الشافعي ولي قضاء حلب وكان إماما صنف شرح مختصر ابن الحاجب في الفقه وشرح البديع لابن الساعاتي وله فوائد غزيرة ومصنفات جليلة تولى حلب بعد عزل الشيخ ابن النقيب ثم طلبه السلطان فمات هو وولده الكمال وله بضع وسبعون سنة وممن توفي فيها
*3* قاضي القضاة جلال الدين محمد بن عبد الرحمن
@ القزويني الشافعي قدم هو وأخوه أيام التتر من بلادهم إلى دمشق وهما فاضلان بعدالتسعين وستمائة فدرس إمام الدين في تربة أم الصالح وأعاد جلال الدين بالبادرائية عند الشيخ برهان الدين ابن الشيخ تاج الدين شيخ الشافعية ثم تقلبت بهم الاحوال إلى أن ولي إمام الدين قضاء الشفاعية بدمشق انتزع له من يد القاضي بدر الدين ابن جماعة ثم هرب سنة قازان إلى الديار المصرية مع الناس فمات هنالك وأعيد ابن جماعة إلى القضاء وخلت خطابة البلد سنة ثلاث وسبعمائة فوليها جلال الدين المذكور ثم ولي القضاء بدمشق سنة خمس وعشرين مع الخطابة ثم انتقل إلى الديار المصرية سنة سبع وعشرين بعد أن عجز قاضي القضاة بدر الدين بن جماعة بسبب الضرر في عينيه فلما كان في سنة ثمان وثلاثين تعصب عليه السلطان اللمك الناصر بسبب أمور يطول شرحها ونفاه إلى الشام واتفق موت قاضي القضاة شهاب الدين بن المجد عبد الله كما تقدم فولاه السلطان قضاء الشام عودا على بدء فاستناب ولده بدر الدين على نيابة القضاء الذي هو خطيب دمشق كانت وفاته في أواخر هذه السنة ودفن بالصوفية وكانت له يد طولى في المعاني والبيان ويفتى كثيرا وله مصنفات في المعاني مصنف مشهور اسمه للتخليص اختصر فيه المفتاح للسكاكي وكان مجموع الفضائل مات وكان عمره قريبا من السبعين أو جاوزها وممن توفي فيها رابع الحجة يوم الاحد
*3* الشيخ الأمام الحافظ ابن البرزالي
@ علم الدين أبو محمد القاسم بن محمد بن البرزالي مؤرخ الشام الشافعي ولد سنة وفاة الشيخ ابن أبي شامة سنة خمس وستين وستمائة وقد كتب تاريخا ذيل به على الشيخ شهاب الدين من حين وفاته ومولد البرزالي إلى أن توفي في هذه السنة وهو محرم فغسل وكفن ولم يستر رأسه وحمله الناس على نعشه وهم يبكون حوله وكان يوما مشهودا وسمع الكثير أزيد من ألف شيخ وخرج له المحدث شمس الدين ابن سعد مشيخة لم يكملها وقرأ شيئا كثيرا وأسمع شيئا كثيرا وكان له خط حسن وخلق حسن وهو مشكور عند القضاة ومشايخه أهل العلم سمعت العلامة ابن تيمية يقول نقل البرزالي نقر في حجر وكان أصحابه من كل الطوائف يحبونه ويكرمونه وكان له أولاد ماتوا قبله وكتبت ابنته فاطمة البخاري في ثلاثة عشر مجلدا فقابله لها كان يقرأ فيه على الحافظ المزي تحت القبة حتى صارت نسختها أصلا معتمدا يكتب منها الناس وكان شيخ حديث بالنورية
وفيها وقف كتبه بدار الحديث السنية وبدار الحديث القوصية وفي الجامع وغيره وعلى كراسي الحديث وكان متواضعا محببا إلى الناس متوددا إليهم توفي عن اربع وسبعين سنة رحمه الله
*3* المؤرخ شمس الدين
@ محمد بن إبراهيم الجوزي جمع تاريخا حافلا كتب فيه أشياء يستفيد منها الحافظ كالمزي والذهبي والبرزالي يكتبون عنه ويعتمدون على نقله وكان شيخا قد جاوز الثمانين وثقل سمعه وضعف خطه وهو والد الشيخ ناصر الدين محمد واخوه مجد الدين
*2* ثم دخلت سنة أربعين وسبعمائة
@ استهلت هذه السنة وسلطان المسلمين الملك الناصر وولاته وقضاته المذكورون في التي قبلها إلا الشافعي بالشام فتوفي القزويني وتولى العلامة السبكي ومما وقع الحوادث العظيمة الهائلة أن جماعة من رؤس النصارى اجتمعوا في كنيستهم وجمعوا من بيتهم مالا جزيلا فدفعوه إلى راهبين قدما عليها من بلاد الروم يحسنان صنعة النفط اسم أحدهما ملاني والاخر عازر فعملا كحطا من نفط وتلطفا حتى عملاه لا يظهر تأثيره لا بعد أربع ساعات وأكثر من ذلك فوضعا في شقوق دكاكين التجار في سوق الرجال عند الدهشة في عدة دكاكين من آخر النهار بحيث لا يشعر أحد بهما وهما في زي المسلمين فلما كان في أثناء الليل لم يشعر الناس إلا والنار قد عملت في تلك الدكاكين حتى تعلقت في دباربزينات المأذنة الشرقية المتجهة للسوق المذكور وأحرقت درابزينات وجاء نائب السلطنة تنكز والأمراء أمراء الألوف وصعدوا المنارة وهي تشعل نارا واحترسوا عن الجامع فلم ينله شيء من الحريق ولله الحمد والمنة وأما المأذنة فإنها تفجرت احجارها واحترقت السقالات التي تدل السلالم فهدمت وأعيد بناؤها بحجارة جدد وهي المنارة الشرقية التي جاء في الحديث أنه ينزل عليها عيسى ابن مريم كما سيأتي الكلام عليه في نزول عيسى عليه السلام والبلد محاصر بالدجال
والمقصود أن النصارى بعد ليال عمدوا إلىناحية الجامع من المغرب إلى القيسارية بكمالها وبما فيها من الأقواس والعدد فإنا لله وإنا إليه راجعون وتطاير شرر النار إلى ما حول القيسارية من الدور والمساكن والمدارس واحترق جانب من المدرسة الأمينية إلى جانب المدرسة المذكور وما كان مقصودهم الا وصول النار إلى معبد المسلمين فحال الله بينهم وبين ما يرومون وجاء نائب السلطنة والأمراء وحالوا بين الحريق والمسجد جزاهم الله خيرا ولما تحقق نائب السلطنة أن هذا من فعلهم أمر بمسك رؤس النصارى فأمسك منهم نحوا من ستين رجلا فأخذوا بالمصادرات والضرب والعقوبات وأنواع المثلات ثم بعد ذلك صلب منهم أزيد من عشرة على الجمال وطاف بهم في أرجاء البلاد وجعلوا يتماوتون واحدا بعد واحد ثم أحرقوا بالنار حتى صاروا رمادا لعنهم الله انتهى والله أعلم
*3* سبب مسك تنكز
@ لما كان يوم الثلاثاء الرابع والعشرين من ذي الحجة جاء الامير طشتمر من صغد مسرعا وركب جيش دمشق ملبسا ودخل نائب السلطنة من قصره مسرعا إلى دار السعادة وجاء الجيش فوقفوا على باب النصر وكان أراد أن يلبس ويقابل فعذلوه في ذلك وقالوا المصلحة الخروج إلى السلطان سامعا مطيعا فخرج بلا سلاح فلما برز إلى ظاهر البلد التف عليه الفخري وغيره وأخذوه وذهبوا به إلى ناحية الكسوة فلما كان عند قبة يلبغا نزلوا وقيدوه وخصاياه من قصره ثم ركب البريد وهو مقيد وساروا به إلى السلطان فلما وصل أمر بمسيره إلى الاسكندرية وسألوا عن ودائعه فأقر ببعض ثم عوقب حتى أقر بالباقي ثم قتلوه ودفنوه بالاسكندرية ثم نقلوه إلى تربته بدمشق رحمه الله وقد جاوز الستين وكان عادلا مهيبا عفيف الفرج واليد والناس في أيامه في غاية الرخص والأمن والصيانة فرحمه الله وبل بالرحمة ثراه
وله أوقاف كثيرة من ذلك مرستان بصغد وجامع بنابلس وعجلون وجامع بدمشق ودار حديث بالقدس ودمشق ومدرسة وخانقاه بالقدس ورباط وسوق موقوف على المسجد الاقصى وفتح شباكا في المسجد انتهى والله تعالى أعلم وممن توفي فيها من الاعيان:
*3* أمير المؤمنين المستكفي بالله
@ أبو الربيع سليمان بن الحاكم بأمر الله بن العباس أحمد بن أبي علي الحسن بن أبي بكر بن علي ابن أمير المؤمنين المسترشد بالله الهاشمي العباسي البغدادي الأصل والمولد مولده سنة ثلاث وثمانين وستمائة أو في التي قبلها وقرأ واشتغل قليلا وعهد إليه أبوه بالأمر وخطب له عند وفاة والده سنة إحدى وسبعمائة وفوض جميع ما يتعلق به من الحل والعقد إلى السلطان الملك الناصر وسار إلى غزو التتر فشهد مصاف شقحب ودخل دمشق في شعبان سنة اثنتين وسبعمائة وهو راكب مع السلطان وجميع كبراء الجيش مشاة ولما أعرض السلطان عن الامر وانعزل بالكرك النمس الأمراء من المستكفي أن يسلطن من ينهض بالملك فقلد الملك المظفر ركن الدين بيبرس الجاشنكير وعقد له اللواء وألبسه خلعة السلطنة ثم عاد الناصر إلى مصر وعذر الخليفة في فعله ثم غضب عليه وسيره إلى قوص فتوفى في هذه السنة في قوص في مستهل شعبان
*2* ثم دخلت سنة إحدى واربعين وسبعمائة
@ استهلت يوم الاربعاء وسلطان المسلمين الملك الناصر محمد بن الملك المنصور قلاوون وقضاته بمصر هم المذكورون في التي قبلها وليس في دمشق نائب سلطنة وإنما الذي يسد الامور الامير سيف الدين طشتمر الملقب بالحمص الأخضر الذي جاء بالقبض على الأمير سيف الدين تنكز ثم جاء المرسوم بالرجوع إلى صغد فركب من آخر النهار وتوجه إلى بلده وحواصل الأمير تنكز تحت الحوطة كما هي
وفي صبيحة يوم السبت رابع المحرم من السنة المذكورة قدم من الديار المصرية خمسة امراء الامير سيف الدين بشتك الناصري ومعه برصبغا الحاجب وطاشار الدويدار وبنعراوبطا فنزل بشتاك بالقصر الابلق والميادين وليس معه من مماليكه إلا القليل وإنما جاء لتجديد البيعة إلى السلطان لما توهموا من ممالأة بعض الأمراء لنائب الشام المنفصل وللحوطة على حواصل الأمير سيف الدين تنكز المنفصل عن نيابة الشام وتجهيزها للديار المصرية وفي صبيحة يوم الاثنين سادسه دخل الامير علاء الدين الطنبغا إلى دمشق نائبا وتلقاه الناس وبشتك والأمراء المصريون ونزلوا إلى عتبته فقبلوا العتبة الشريفة ورجعوا معه إلى دار السعادة وقرئ تقليده وفي يوم الاثنين ثالث عشرة مسك من الأمراء المقدمين أميران كبيران الجي بغا العادلي وطنبغا الحجي ورفعا إلى القعلة المنصورة واحتيط على حواصلهما وفي يوم الثلاثاء تحملوا بيت ملك الأمراء سيف الدين تنكز وأهله وأولاده إلى الديار المصرية وفي يوم الأربعاء خامس عشرة ركب نائب السلطنة الامير علاء الدين طنبغا ومعه الأمير سيف الدين بشتك الناصري والحاجة رقطية وسيف الدين قطلوبغا الفخري
وجماعة من الأمراء المقدمين واجتمعوا بسوق الخيل واستدعوا بمملوكي الأمير سيف الدين تنكز وهما جغاي وطغاي فأمر بتوسيطهما فوسطا وعلقا على الخشب ونودي عليهما هذا جزاء من تجاسر على السلطان الناصر
وفي يوم الثلاثاء الحادي والعشرين من هذا الشهر كانت وفاة الامير سيف الدين تنكز نائب الشام بقلعة اسكندرية قيل مخنوقا وقيل مسموما وهو الأصح وقيل غير ذلك وتأسف الناس عليه كثيرا وطال حزنهم عليه وفي كل وقت يتذكرون ما كان منه من الهيبة والصيانة والغيرة على حريم المسلمين ومحارم الاسلام ومن إقامته على ذوي الحاجات وغيرهم ويشتد تأسفهم عليه رحمه الله وقد أخبر القاضي أمين الدين ابن القلانسي رحمه الله شيخنا الحافظ العلامة عماد الدين ابن كثير رحمه الله أن الامير سيف الدين تنكز مسك يوم الثلاثاء ودخل مصر يوم الثلاثاء ودخل الاسكندرية يوم الثلاثاء وتوفي يوم الثلاثاء وصلى عبيه بالاسكندرية ودفن بمقبرتها في الثالث والعشرين من المحرم بالقرب من قبر القباري وكانت له جنازة جيدة
وفي يوم الخميس سابع شهر صفر قدم الامير سيف الدين طشتمر الذي مسك تنكز إلى دمشق فنزل بوطأة برزة بجيشه ومن معه ثم توجه إلى حلب المحروسة نائبا بها عوضا عن الطنبغا المنفصل عنها وفي صبيحة يوم الخميس ثالث عشر ربيع الاول نودي في البلد بجنازة الشيخ الصالح العابد الناسك القدوة الشيخ محمد بن تمام توفي بالصالحية فذهب الناس إلى جنازته إلى الجامع المظفري واجتمع الناس على صلاة الظهر فضاق الجامع المذكور عن أن يسعهم وصلى الناس في الطرقات وأرجاء الصالحية وكان الجمع كثيرا جدا لم يشهد الناس جنازة بعد جنازة الشيخ تقي الدين بن تيمية مثلها لكثرة من حضرها من الناس رجالا ونساء وفيهم القضاة والاعيان والأمراء وجمهور الناس يقاربون عشرين ألفا وانتظر الناس نائب السلطنة فاشتغل بكتاب ورد عليه من الديار المصرية فصلى عليه الشيخ بعد صلاة الظهر بالجامع المظفري ودفن عند اخيه
في تربة بين تربة الموفق وبين تربة الشيخ ابي عمر رحمهم الله وإيانا وفي أول شهر جمادي الاولى توفيت الشيخة العابدة الصالحة العالمة قارئة القرآن أم فاطمة عائشة بنت إبراهيم بن صديق زوجة شيخنا الحافظ جمال الدين المزي عشية يوم الثلاثاء مستهل هذا الشهر وصلى عليها بالجامع صبيحة يوم الاربعاء ودفنت بمقابر الصوفية غربي قبر الشيخ تقي الدين بن تيمية رحمهم الله كانت عديمة النظير في نساء زمانها لكثرة عبادتها وتلاوتها وإقرائها القرآن العظيم بفصاحة وبلاغة وأداء صحيح يعجز كثير من الرجال عن تجويده وختمت نساء كثيرا وقرأ عليها من النساء خلق وانتفعن بها وبصلاحها ودينها وزهدها في الدنيا وتقللها منها مع طول العمر بلغت ثمانين سنة أنفقتها في طاعة الله صلاة وتلاوة وكان الشيخ محسنا إليها مطيعا لا يكاد يخالفها لحبه لها طبعا وشرعا فرحمها الله وقدس روحها ونور مضجها بالرحمة آمين
وفي يوم الاربعاء الحادي والعشرين منه درس بمدرسة الشيخ أبي عمر بسفح قاسيون الشيخ الامام شمس الدين محمد بن أحمد بن عبدالهادي المقدسي الحنبلي في التدريس البكتمري عوضا عن القاضي برهان الدين الزرعي وحضر عنده المقادسة وكبار الحنابلة ولم يتمكن أهل المدينة من الحضور لكثرة المطر والوحل يومئذ وتكامل عمارة المنارة الشرقية في الجامع الأموي في العشر الاخير من رمضان واستحسن الناس بناءها وإتقانها وذكر بعضهم أنه لم يبن في الاسلام منارة مثلها ولله الحمد ووقع لكثير من الناس في غالب ظنونهم أنها المنارة البيضاء الشرقية التي ذكرت في حديث النواس بن سمعان في نزول عيسى ابن مريم على المنارة البيضاء في شرقي دمشق فلعل لفظ الحديث انقلب على بعض الرواة وإنما كان على المنارة الشرقية بدمشق وهذه المنارة مشهورة بالشرقية بمقابلتها أختها الغربية والله سبحانه وتعالى أعلم
وفي يوم الثلاثاء سلخ شهر شوال عقد مجلس في دار العدل بدار السعادة وحضرته يومئذ واجتمع القضاة والاعيان على العادة وأحضر يومئذ عثمان الدكاكي قبحه الله تعالى وادعى عليه بعظائم من القول لم يؤثر مثلها عن الحلاج ولا عن ابن أبي الغدافر السلقماني وقامت عليه البينة بدعوى الآلهية
لعنه الله وأشياء أخر من التنقيص بالانبياء ومخالطته أرباب الريب نم الباجريقية وغيرهم من الاتحادية عليهم لعائن الله ووقع منه في المجلس من إساءة الأدب على القاضي الحنبلي وتضمن ذلك تكفيره من المالكية أيضا فادعى أن له دوافع وقوادح في بعض الشهود فرد إلى السجن مقيدا مغلولا مقبوحا أمكن الله منه بقوته وتأييده ثم لما كان يوم الثلاثاء الحادي والعشرين من ذي القعدة أحضر عثمان الدكاكي المذكور إلى دار السعادة واقيم إلى بين يدي الامراء والقضاة وسئل عن القوادح في الشهود فعجز فلم يقدر وعجز عن ذلك فتوجه عليه الحكم فسئل القاضي المالكي الحكم عليه فحمد الله وأثنى عليه وصلى على رسوله ثم حكم باراقة دمه وإن تاب فأخذ المذكور فضربت رقبته بدمشق بسوق الخيل ونودي عليه هذا جزءا من يكون على مذهب الاتحادية وكان يوما مشهودا بدار السعادة حضر خلق من الاعيان والمشايخ وحضر شيخنا جمال الدين المزي الحافظ وشيخنا الحافظ شمس الدين الذهبي وتكلما وحرضا في القضية جدا وشهدا بزندقة المذكور بالاستفاضة وكذا الشيخ زين الدين أخو الشيخ تقي الدين بن تيمية وخرجا القضاة الثلاثة المالكي والحنفي والحنبلي وهم نفذوا حكمه في المجلس فحضورا قتل المذكور وكنت مباشرا لجميع ذلك من أوله إلى آخره
وفي يوم الجمعة الثامن والعشرين من ذي القعدة أفرج عن الاميرين العقيلين بالقلعة وهما طنبغا حجا والجي بغا وكذلك افرج عن خزاندارية تنكز الذين تأخروا بالقلعة وفرح الناس بذلك
*3* ذكر وفاة الملك الناصر محمد بن قلاوون
@ في صبيحة يوم الاربعاء السابع والعشرين من ذي الحجة قدم إلى دمشق الامير سيف الدين قطلوبغا الفخري فخرج نائب السلطنة وعامة الأمراء لتلقيه وكان قدومه على خيل البريد فأخبر بوفاة السلطان الملك الناصر كانت وفاته يوم الاربعاء آخره وأنه صلى عليه ليلة الجمعة بعد العشاء ودفن مع ابيه الملك المنصور على ولده ! اتوك وكان قبل موته أخذ العهد لابنه سيف الدين ابي بكر ولقبه بالملك المنصور فلما دفن السلطان يلية الجمعة حضره من الأمراء قليل وكان قد ولى عليه الأمير علم الدين الجاولي ورجل آخر منسوب إلى الصلاح يقال له الشيخ عمر بن محمد بن إبراهيم الجعبري وشخص آخر من الجبارية ودفن كما ذكرنا ولم يحضر ولده ولي عهده دفنه ولم يخرج من القلعة ليلتئذ عن مشورة الأمراء لئلا يتخبط الناس وصلى عليه القاضي عز الدين بن جماعة إماما والجاولي وايدغمش وأمير آخر والقاضي بهاء الدين بن حامد بن قاضي دمشق السبكي وجلس الملك المنصور سيف الدنيا والدين ابو المعالي أبو بكر على سرير المملكة وفي صبيحة يوم الخميس الحادي والعشرين من ذي الحجة سنة إحدى وأربعين وسبعمائة بايعه
الجيش المصري وقدم الفخري لأخذ البيعة من الشاميين ونزل بالقصر الابلق وبايع الناس للملك المنصور بن الناصر بن المنصور ودقت البشائر بالقلعة المنصورة بدمشق صبيحة يوم الخميس الثامن والعشرين منه وفرح الناس بالملك الجديد وترحموا على الملك ودعوا له وتاسفوا عليه رحمه الله
*2* ثم دخلت سنة إثنتين وأربعين وسبعمائة
@ استهلت بيوم الاحد وسلطان الاسلام بالديار المصرية والبلاد الشامية وما والاها الملك المنصور سيف الدين أبو بكر بن الملك السلطان الناصر ناصر الدين محمد بن السلطان الملك المنصور سيف الدين قلاوون الصالحي ونائب الشام الامير علاء الدين طنبغا وقضاة الشام ومصرهم المذكورون في التي قبلها وكذا المباشرون سوى الولاة شهر الله المحرم
*3* ولاية الخليفة الحاكم بأمر الله
@ وفي هذا اليوم بويع بالخلافة أمير المؤمنين أبو القاسم أحمد بن المستكفي بالله أبي الربيع سليمان العباسي ولبس السواد وجلس مع الملك المنصور على سرير المملكة وألبسه خلعة سوداء أيضا فجلسا وعليهما السواد وخطب الخليفة يومئذ خطبة بليغة فصيحة مشتملة على أشياء من المواعظ والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وخلع يومئذ على جماعة من الأمراء والاعيان وكان يوما مشهودا وكان أبو القاسم هذا قد عهد إليه أبوه بالخلافة ولكن لم يمكنه الناصر من ذلك وولى أبا إسحاق إبراهيم ابن أخي أبي الربيع ولقبه الواثق بالله وخطب له بالقاهرة جمعة واحدة فعزله المنصور وقرر أبا القاسم هذا وأمضى العهد ولقبه المستنصر بالله كما ذكرنا
وفي يوم الاحد ثامن المحرم مسك الامير سيف الدين بشتك الناصري آخر النهار وكان قد كتب تقليده بنيابة الشام وخلع عليه بذلك وبرز ثقله ثم دخل على الملك المنصور ليودعه فرحب به واجلسه واحضر طعاما وأكلا ونأسف الملك على فراقه وقال تذهب وتتركني وحدي ثم قام لتوديعه وذهب بشتك من بين يديه ثماني خطوات أو نحوها ثم تقدم إليه ثلاثة نفر فقطع أحدهم سيفه من سوطه بسكين ووضع الاخر يده على فمه وكتفه الاخر وقيدوه وذلك كله بحضرة السلطان ثم غيب ولم يدر أحد إلى أين صار ثم قالوا لمماليكه اذهبوا انتتم فائتوا بمركوب الامير غدا فهو بائت عند السلطان وأصبح السلطان وجلس على سرير المملكة وأمر بمسك جماعة من الأمراء وتسعة من الكبار واحتاطوا على حواصله وأمواله وأملاكه فيقال إنه وجد عنده من الذهب ألف ألف دينار وسبعمائة الف دينار
*3* وفاة شيخنا الحافظ أبي الحجاج المزي
@ تمرض أياما يسيرة مرضا لا يشغله عن شهود الجماعة وحضور الدروس وإسماع الحديث فلما كان يوم الجمعة حادي عشر صفر أسمع الحديث إلى قريب وقت الصلاة ثم دخل منزله ليتوضأ ويذهب للصلاة فاعترضه في باطنه مغص عظيم ظن أنه قولنج وما كان إلا طاعون فلم يقدر على حضور الصلاة فلما فرغنا من الصلاة أخبرت بانه منقطع فذهبت إليه فدخلت عليه فإذا هويرتعد رعدة شديدة من قوة الالم الذي هو فيه فسألته عن حاله فجعل يكرر الحمد الله ثم أخبرني بما حصل له من المرض الشديد وصلى الظهر بنفسه ودخل إلى الطهارة وتوضأ على البركة وهو في قوة الوجع ثم اتصل به هذا الحال إلى الغد من يوم السبت فلما كان وقت الظهر لم أكن حاضره إذ ذاك لكن أخبرتنا بنته زينب زوجتي أنه لما أذن الظهر تغير ذهنه قليلا فقالت يا أبة أذن الظهر فذكر الله وقال اريد أن اصلي فتيمم وصلى ثم اضطجع فجعل يقرأ آية الكرسي حتى جعل لا يفيض بها لسانه ثم قبضت روحه بين الصلاتين رحمه الله يوم السبت ثاني عشر صفر فلم يمكن تجهيزه تلك الليلة فلما كان من الغد يوم الاحد ثالث عشر صفر صبيحة ذلك اليوم غسل وكفن وصلى عليه بالجامع الاموي وحضر القضاة والاعيان وخلائق لا يحصون كثرة وخرج بجنازته من باب النصر وخرج نائب السلطنة الامير علاء الدين طنبغا ومعه ديوان السلطان والصاحب وكاتب السر وغيرهم من الامراء فصلوا علي خارج باب النصر أمهم عليه القاضي تقي الدين السبكي الشافعي وهو الذي صلى عليه بالجامع الاموي ثم ذهب به إلى مقابر الصوفية فدفن هناك إلى جانب زوجته المرأة الصالحة الحافظة لكتاب الله عائشة بن إبراهيم بن صديق غربي قبر الشيخ تقي الدين بن تيمية رحمهم الله أجمعين
*3* كائنة غريبة جدا
@ قدم يوم الاربعاء الثلاثين من صفر أمير من الديار المصرية ومعه البيعة للملك الاشرف علاء الدين كحك بن الملك الناصر وذلك بعد عزل أخيه المنصور لما صدر عنه من الافعال التي ذكر أنه تعاطاها من شرب المسكر وغشيان المنكرات وتعاطى ما لا يليق به ومعاشرة الخاصكية من المردان وغيرهم فتمالأ على خلعه كبار الأمراء لما رأوا الأمر تفاقم إلى الفساد العريض فأحضروا الخليفة الحاكم بأمر الله أبي الربيع سليمان فأثبت بين يديه ما نسب إلى الملك المنصور المذكور من الامور فحينئذ خلعه وخلعه الأمراء الكبار وغيرهم واستبدلوا مكانه اخاه هذا المذكور وسيروه إذ ذاك إلى قوص مضيقا عليه ومع إخوة له ثلاثة وقيل أكثر وأجلسوا الملك الأشرف هذا على السرير وناب له الأمير سيف الدين قوصون الناصري واستمرت الامور على السداد وجاءت إلى الشام فبايعه الأمراء يوم الأربعاء المذكور وضربت البشائر عشية الخميس مستهل ربيع الاو وخطب له بدمشق يوم الجمعة بحضرة نائب السلطنة والقضاة والامراء
وفي يوم الاربعاء سابع عشر ربيع الاول حضر بدار الحديث الاشرفية قاضي القضاة تقي الدين السبكي عوضا عن شيخنا الحافظ جمال الدين المزي ومشيخة دار الحديث النورية عوضا عن ابنه رحمه الله وفي شهر جمادي الاولى اشتهر أن نائب حلب الأمير سيف الدين طشتمر الملقب بالحمص الأخضر قائم في نصرة ابن السلطان الامير أحمد الذي بالكرك وأنه يستخدم لذلك ويجمع الجموع فالله أعلم وفي العشر الثاني منه وصلت الجيوش صحبة الامير سيف الدين قطلوبغا الفخري إلى الكرك في طلب ابن السلطان الامير أحمد وفي هذا الشهر كثر الكلام في امر الأمير أحمد بن الناصر الذي بالكرك بسبب محاصرة الجيش الذي صحبة الفخري له واشتهر أن نائب حلب الأمير سيف الدين طشتمر الملقب بالحمص الأخضر قائم بجنب اولاد السلطان الذين أخرجوا من الديار المصرية إلى الصعيد وفي القيام بالمدافعة عن الأمير أحمد ليصرف عنه الجيش وترك حصاره وعزم بالذهاب إلى الكرك لنصرة أحمد ابن استاذه وتهيأ له نائب الشام بدمشق ونادى في الجيش لملتقاه ومدافعته عما يريد من إقامة الفتنة وشق العصا واهتم الجند لذلك وتأهبوا واستعدوا ولحقهم في ذلك كلفة كثيرة وانزعج الناس بسبب ذلك وتخوفوا ان تكون فتنة وحسبوا إن وقع قتال بينهم أن تقوم العشيرات في الجبال وحوران وتتعطل مصالح الزراعات وغير ذلك ثم قدم من حلب صاحب السلطان في الرسلية إلى نائب دمشق الامير علاء الدين الطنبغا ومع مشافهة فاستمع لها فبعث معه صاحب الميسرة أمان الساقي فذهبا إلى حلب ثم رجعا في أواخر جمادي الآخرة وتوجها إلى الديار المصرية واشتهر أن الأمر على ما هو عليه حتى توافق على ما ذكر من رجوع أولاد الملك الناصر إلى مصر ما عدا المنصور وأن يخلى عن محاصرة الكرك
وفي العشر الأخير من جمادي الاولى توفي مظفر الدين موسى بن مهنا ملك العرب ودف بتدمر وفي صبيحة يوم الثلاثاء ثاني جمادي الاخرة عند طلوع الشمس توفي الخطيب بدر الدين محمد بن القاضي جلال الدين القزويني بدار الخطابة بعد رجوعه من الديار المصرية كما قدمنا فخطب جمعة واحدة وصلى بالناس إلى ليلة الجمعة الأخرى ثم مرض فخطب عنه أخوه تاج الدين عبدالرحيم على العادة ثلاثة جمع وهو مريض إلى أن توفي يومئذ وتأسف الناس عليه لحسن شكله وصباحة وجهه وحسن ملتقاه وتواضعه واجتمع الناس للصلاة عليه للظهر فتأخر تجهيزه إلى العصر فصلى عليه بالجامع قاضي القضاة تقي الدين السبكي وخرج به الناس إلى الصوفية وكانت جنازته حافلة جدا فدفن عند أبيه بالتربة التي أنشأها الخطيب بدر الدين هناك رحمه الله
وفي يوم الجمعة خامس الشهر بعد الصلاة خرج نائب السلطنة الأمير علاء الدين الطنبغا وجميع الجيش قاصدين للبلاد الحلبية للقبض على نائب حلب الأمير سيف الدين طشتمر لأجل ما أظهر من القيام مع ابن السلطان الأمير أحمد الذي في الكرك وخرج الناس في يوم شديد المطر كثير الوحل وكان يوما مشهدا عصيبا أحسن الله العقابة وأمر القاضي تقي الدين السبكي الخطيب المؤذنين بزيادة أذكار على الذي كان سنه فيهم الخطيب بدر الدين من التسبيح والتحميد والتهليل الكثير ثلاثا وثلاثين فزادهم السبكي قبل ذلك استغفر الله العظيم ثلاثا اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت ياذا الجلال والاكرام ثم أثبت ما في صحيح مسلم بعد صلاتي الصبح والمغرب اللهم اجرنا من النار سبعا اعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق ثلاثا وكانوا قبل تلك السنوات قد زادوا بعد التأذين الآية ليلة الجمعة والتسليم على رسول الله صلى الله عليه وسلم يبتدئ الرئيس منفردا ثم يعيد عليه الجماعة بطريقة حسنة وصار ذلك سببا لاجتماع الناس في صحن الجامع لاستماع ذلك وكلما كان المتبدىء حسن الصوت كانت الجماعة أكثر اجتماعا ولكن طال بسبب ذلك الفصل وتأخرت الصلاة عن أول وقتها انتهى
*3* كائنة غريبة جدا
@ وفي ليلة الاحد عشية السبت نزل الامير سيف الدين قطلوبغا الفخري بظاهر دمشق بين الجسورة وميدان الحصى بالاطلاب الذين جاءوا معه من البلاد المصرية لمحاصرة الكرك للقبض على ابن السلطان الأمير احمد بن الناصر فمكثوا على الثنية محاصرين مضيقين عليه إلى ان توجه نائب الشام إلى حلب ومضت هذه الأيام المذكورة فما درى الناس إلا وقد جاء الفخري وجموعه وقد بايعوا الأمير أحمد وسموه الناصر بن النصار وخلعوا بيعة أخيه الملك الأشرف علاء الدين كجك واعتلوا بصغره وذكروا إن أتابكة الامير سيف الدين قوصون الناصري قد عدى على ابني السلطان فقتلهما خنقا ببلاد الصعيد جهز اليهما من تولى ذلك وهما الملك المنصور أبو بكر ورمضان فتنكر الامير بسبب ذلك قالوا هذا يريد ان يجتاح هذا البيت ليتمكن هو من أخذ المملكة فحموا لذلك وبايعوا ابن استاذهم وجاءوا في الذهاب خلف الجيش ليكونوا عونا للأمير سيف الدين طشتمر نائب حلب ومن معه وقد كتبوا إلى الامراء يستميلونهم إلى هذا ولما نزلوا بظاهر دمشق خرج إليهم من بدمشق من الاكابر والقضاة والمباشرين مثل والي البر ووالي المدينة وابن سمندار وغيرهم فلما كان الصباح خرج أهالي دمشق عن بكرة ابيهم على عادتهم في قدوم السلاطين ودخلو الحجاج بل أكثر من ذلك من بعض الوجوه وخرج القضاة والصاحب والاعيان والولاة وغيرهم ودخل الامير سيف الدين قطلوبغا في دست نيابة السلطنة التي فوضها إليه الملك الناصر الجديد وعن يمينه الشافعي وعن شماله الحنفي على العادة والجيش كله محدق به في الحديد والعقارات والبوقات والنشابة السلطانية والسناجق الخليفية والسلطانية تخفق والناس في الدعاء والثناء للفخري وهم في غاية الاستبشار والفرح وربما نال بعض جهلة الناس من النائب الآخر الذي ذهب إلى حلب ودخلت الأطلاب بعده على ترتيبهم وكان يوما مشهودا فنزل شرقي دمشق قريبا من خان لاجين وبعث في هذا اليوم فرسم على القضاة والصاحب وأخذ من أموال الايتام وغيرها خمسمائة ألف وعوضهم عن ذلك بقرية من بيت المال وكتب بذلك سجلات واستخدم جيدا وانضاف إليه من الأمراء الذين كانوا قد تخلفوا بدمشق جماعة منهم تمر الساقي مقدم وابن قراسنقر وابن الكامل وابن المعظم وابن البلدي وغيرهم وبايع هؤلاء كلهم مع مباشري دمشق للملك الناصر بن الناصر وأقام الفخري على خان لاجين وخرج المتعيشون بالصنائع إلى عندهم وضربت البشائر بالقلعة صبيحة يوم الثلاثاء سادس عشر الشهر ونودي بالبلد إن سلطانكم الملك الناصر احمد بن الناصر محمد بن قلاوون ونائبكم سيف الدين قطلوبغا الفخري وفرح كثير من الناس بذلك وانضاف اليه نائب صغد وبايعه نائب بعلبك واستخدموا له رجالا وجندا ورجع إليه الأمير سيف الدين سنجر الجمقدار رأس الميمنة بدمشق وكان قد تأخر في السفر عن تائب دمشق علاء الدين الطنبغا بسبب مرض عرض له فلما قدم الفخري رجع اليه وبايع الناصر ابن الناصر ثم كاتب نائب حماة تغردمر الذي ناب بمصر للملك المنصور فأجابه إلى ذلك وقدم على العسكر يوم السبت السابع والعشرين من الشهر المذكور في تجمل عظيم وخزائن كثيرة وثقل هائل
وفي صبحية يوم الاحد الثامن والعشرين من الشهر المذكور كسفت الشمس قبل الظهر وفي صبيحة يوم الاثنين التاسع والعشرين من جمادي الآخرة قدم نائب غزة الأمير آق سنقر في جيش غزة وهو قريب من ألفين فدخلوا دمشق وقت الفجر وغدوا إلى معسكر الفخري فانضافوا إليهم ففرحوا بهم كثيرا وصار في قريب من خمسة آلاف مقاتل أو يزيدون
استهل شهر رجب الفرد والجماعة من أكابر التجار مطلوبون بسبب أموال طلبها منهم الفخري يقوى بها جيشه الذي معه ومبلغ ذلك الذي أراده منهم ألف ألف درهم ومعه مرسوم الناصر بن الناصر ببيع املاك الامير سيف الدين قوصون إتابك الملك الاشرف علاء الدين كجك ابن الناصر التي بالشام بسبب إبائه عن مبايعة أحمد بن الناصر فأشار على الفخري من أشار بأن يباع للتجار من أملاك الخاص ويجعل مال قوصون من الخاص فرسم بذلك وأن يباع للتجار قرية دوية قومت بألف ألف وخمسمائة ألف ثم لطف الله وأفرج عنهم بعد ليلتين او ثلاث وتعوضوا عن ذلك بحواصل قوصون واستمر الفخري بمن معه ومن اضيف إليه من الأمراء والاجناد مقيمين بثنية العقاب واستخدم من رجال البقاع جماعة كثيرة أكثر من ألف رام واميرهم يحفظ افواه الطرق وأزف قدوم الامير علاء الدين طنبغا بمن معه من عساكر دمشق وجمهور الحلبيين وطائفة الطرابلسيين وتأهب هؤلاء لهم فلما كان الحادي من الشهر اشتهر ان الطتبغا وصل إلى القسطل وبعث طلائعه فالتقت بطلائع الفخري ولم يكن بينهم قتال ولله الحمد والمنة وأرسل الفخري إلى
القضاة ونوابهم وجماعة من الفقهاء فخرجوا ورجع الشافعي من اثناء الطريق فلما وصلوا أمرهم بالسعي بينه وبين الطنبغا في الصلح وأن يوافق الفخري في أمره وأن يبايع الناصر بن الناصر فأبى فردهم إليه غير مرة وكل ذلك يمتنع عليهم فلما كان يوم الاثنين رابع عشرة عند العصر جاء يريد إلى متولي البلد عند العصر من جهة الفخري يأمره بغلق أبواب البلد فغلقت الأبواب وذلك لان العساكر توجهوا وتواقفوا للقتال فإنا لله وإنا أليه راجعون
وذلك أن الطنبغا لما علم أن جماعة قطلوبغا على ثنية العقاب دار الذروة من ناحية المعيصرة وجاء بالجيوش من هناك فاستدار له الامير سيف الدين قطلوبغا الفخري بجماعته إلى ناحيته ووقف له في طريقه وحال بينه وبين الوصول إلى البلد وانزعج الناس انزعاجا عظيما وغلقت القياسر والاسواق وخاف الناس بعضهم من بعض أن يكون نهب فركب متوولي البلد الامير ناصر الدين بن بكباشي ومعه أولاده ونوابه والرجالة فسار في البلد وسكن الناس ودعوا له فلما كان قريب المغرب فتح لهم باب الجابية ليدخل من هو من أهل البلد فجرت في الباب على ما قيل زحمة عظيمة وتسخط الجند على الناس في هذه الليلة واتفق انها ليلة الميلاد وبات المسلمون مهمومون بسبب العسكر واختلافهم فأصبحت أبواب البلد مغلقة في يوم الثلاثاء سوى باب الجابية والأمر على ما هو عليه فلما كان عشية هذا اليوم تقارب الجيشان واجتمع الطنبغا وأمراؤه واتفق أمراء دمشق وجمهورهم الذين هم معه على أن لا يقاتلو مسلما ولا يسلوا في وجه الفخري وأصحابه سيفا وكان قضاة الشام قد ذهبوا اليه مرارا للصلح فيأبي عليهم إلا الاستمرار على ما هو عليه وقويت نفسه عليه انتهى والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب
*3* عجيبة من عجائب الدهر
@ فبات الناس متقابلين في هذه الليلة وليس بين الجيشين إلا مقدار ميلين او ثلاثة وكانت ليلة مطيرة فما أصبح الصبح إلا وقد ذهب من جماعة الطنبغا إلى الفخري خلق كثير من أجناد الحلفاء ومن الأمراء والاعيان وطلعت الشمس وارتفعت قليلا فنفذ الطنبغا القضاة وبعض الأمراء إلى الفخري يتهدده ويتوعده ويقوى نفسه عليه فما ساروا عنه قليلا إلا ساقت العساكر من الميمنة والميسرة ومن القلب ومن كل جانب مقفرين إلى الفخري وذلك لما هم فيه من ضيق العيش وقلة ما بأيديهم من الاطعمة وعلف الدواب وكثرة ما معهم من الكلف فرأوا أن هذا حال يطول عليهم ومقتوا أمرهم غاية المقت وتطايبت قلوبهم وقلوب اولئك مع أهل البلد على كراهته لقوة نفسه فيما لا يجدي عليه ولا عليهم شيئا فبايعوا على المخامرة عليه فلم يبق معه سوى حاشيته في أقل من ساعة واحدة فلما رأى الحال على هذه الصفة كر راجعا هاربا من حيث جاء وصحبته الأمير سيف الدين رقطبة نائب طرابلس وأميران آخران والتقت العساكر والأمراء وجاءت البشارة إلى دمشق قبل الظهر ففرح الناس فرحا شديدا جدا الرجال والنساء والولدان حتى من لا نوبة له ودقت البشائر بالقلعة المنصورة فأرسلوا في طلب من هرب وجلس الفخري هنالك بقية اليوم يحلف الأمراء على أمره الذي جاء له فحلفوا له ودخل دمشق عشية يوم الخميس في أبهة عظيمة وحرمة وافرة فنزل القصر الأبلق ونزل الامير تغردمر بالميدان الكبير ونزل عماري بدار السعادة وأخرجوا الموساوي الذي كان معتقلا بالقلعة وجعلوه مشدا على حوطات حواصل الطنبغا وكان قد تغضب الفخري على جماعةمن الامراء منهم الامير حسام الدين السمقدار أمير حاجب بسبب أنه صاحب لعلاء الدين الطنبغا فلما وقع ما وقع هرب فيمن هرب ولكن لم يأت الفخري بل دخل البلد فتوسط في الامر لم يذهب مع ذاك ولا جاء مع هذا ثم إنه استدرك ما فاته فرجع من البار إلى الفخري وقيل بل رسم عليه حين جاء وهو مهموم جدا ثم إنه اعطى منديل الامان وكان معهم كاتب السر القاضي شهاب الدين بن فضل الله ثم أفرج عنهم ومنهم الامير سيف الدين حفطية كان شديد الحنق عليه فأطلقه من يومه وأعاده إلى الحجوبية وأظهر مكارم أخلاق عظيمة ورياسة كبيرة وكان للقاضي علاء الدين بن المنجا قاضي قضاة الحنابلة في هذه الكائنة سعى مشكور ومراجعة كبيرة للأمير علاء الدين الطنبغا حتى خيف عليه منه وخاطر بنفسه معه فأنجح الله مقصده وسلمه منه وكبت عدوه ولله الحمد والمنة
وفي يوم السبت السادس والعشرين منه قلد قضاء العساكر المنصورة الشيخ فخر الدين بن الصائغ عوضا عن القاضي الحنفي الذي كان مع النائب المنفصل وذلك أنهم نقموا عليه إفتاءه الطنبغا بقتال الفخري وفرح بولايته أصحاب الشيخ تقي الدين بن تيمية رحمه الله وذلك لأنه من أخص من صحبه قديما وأخذ عنه فوائد كثيرة وعلوما
وفي يوم الأربعاء سلخ رجب آخر النهار قدم الامير قماري من عند الملك الناصر بن الناصر من الكرك وأخبره بما جرى من أمرهم وأمر الطنبغا ففرح بذلك واخبر قماري بقدوم السلطان ففرح الناس بذلك واستعدوا له بآلات المملكة وكثرت مطالبته أرباب الاموال والذمة بالجزية وفي مستهل رجب من هذه السنة ركب الفخري في دست النيابة بالموكب المنصور وهو أول ركوبه فيه وإلى جانبه قماري وعلى قماري خلعة هائلة وكثر دعاء الناس للفخري يومئذ وكان يوما مشهودا وفي هذا اليوم خرج جماعة من المقدمين الالوف إلى الكرك بأخبار ابن السلطان بما جرى منهم تغردمر وإقبغا عبدا لواحد وهو الساقي وميكلي بغا وغيرهم وفي يوم السبت ثالثة ستدعى الفخري القاضي الشافعي وألح عليه في أحضار الكتب في سلة الحكم التي كانت أخذت من عند الشيخ تقي الدين ابن تيمية رحمه الله من القلعة المنصورة في أيام جلال الدين القزويني فأحضرها القاضي بعد جهد ومدافعة وخاف على نفسه منه فقبضها منه الفخري بالقصر وأذن له في الانصراف من عنده وهو متغضب عليه وربما هم بعزله لممانعته إياها وربما قال قائل هذه فيها كلام يتعلق بمسألة الزيارة فقال الفخري كان الشيخ أعلم بالله وبرسوله منكم واستبشر الفخري باحضارها إليه واستدعى بأخي الشيخ زين الدين عبد الرحمن وبالشيخ شمس الدين عبدالرحمن بن قيم الجوزية وكان له سعي مشكور فيها فهنأهما باحضاره الكتب وبيت الكتب تلك الليلة في خزانته للتبرك وصلى به الشيخ زين الدين اخو الشيخ صلاة المغرب بالقصر وأكرمه الفخري إكراما زائدا لمحبته الشيخ رحمه الله
وفي يوم الاحد رابعة دقت البشائر بالقلعة وفي باب الميدان لقدوم بشير بالقبض على قوصون بالديار المصرية واجتمع الناس لذلك واستبشر كثير منهم بذلك وأقبل جماعة من الامراء إلى الكرك لطاعة الناصر بن الناصر واجتمعوا مع الامراء الشاميين عند الكرك وطلبوا منه أن ينزل إليهم فابى وتوهم أن هذه الامور كلها مكيدة ليقبضوه ويسلموه إلى قوصون وطلب منهم أن ينظر في أمره وردهم إلى دمشق وفي هذه الايام وما قبلها وما بعدها أخذ الفخري من جماعة التجار بالاسواق وغيرها زكاة أموالهم سنة فتحصل من ذلك زيادة على مائة ألف وسبعة آلاف وصودر أهل الذمة بقريب من ذلك زيادة على الجزية التي اخذت منهم عن ثلاث سنين سلفا وتعجيلا ثم نودي في البلد يوم الاثنين الحادي والعشرين من الشهر مناداة صادرة من الفخري برفع الظلامات والطلبات واسقاط ما تبقى من الزكاة والمصادرة غير انهم احتاطوا على جماعة من المشاة المكثرين ليشتروا منهم بعض أملاك الخاص والبرهان بن بشارة الحنفي تحت المصادرة والعقوبة على طلب المال الذي وجده في طميرة وجدها فيما ذكر عنه والله أعلم
وفي يوم الجمعة الرابع والعشرين منه بعد الصلاة دخل الامراء الستة الذين توجهوا نحو الكرك لطلب السلطان أن يقدم إلى دمشق فأبى عليهم في هذا الشهر ووعدهم وقتا آخر فرجعوا وخرج الفخري لتلقيهم فاجتمعوا قبلي جامع القبيبات الكريمي ودخلوا كلهم إلى دمشق في جمع كثير من الاتراك الامراء والجند وعليهم خمدة لعدم قدوم السلطان أيده الله وفي يوم الاحد قدم البريد خلف قماري وغيره من الامراء يطلبهم إلى الكرك واشتهر أن السلطان رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام وهو يأمره بالنزول من الكرك وقبول المملكة فانشرح الناس لذلك
وتوفي الشيخ عمر بن أبي بكر بن اليثمي البسطي يوم الاربعاء التاسع والعشرين كان رجلا صالحا كثير التلاوة والصلاة والصدقة وحضور مجالس الذكر والحديث له همة وصولة على الفقراء المتشبهين بالصالحين وليسوا منهم سمع الحديث من الشيخ فخر الدين بن البخاري وغيره وقرأت عليه عن ابن البخاري مختصر المشيخة ولازم مجالس الشيخ تقي الدين بن تيمية رحمه الله وانتفع به ودفن بمقابر باب الصغير
وفي شهر رمضان المعظم أوله يوم الجمعة كان قد نودي في الجيش آن الرحيل لملتقى السلطان في سابع الشهر ثم تأخر ذلك إلى بعد العشر ثم جاء كتاب من السلطان بتأخر ذلك إلى بعد العيد وقدم في عاشر الشهر علاء الدين بن تقي الدين الحنفي ومع ولاية من السلطان الناصر بنظر البيمارستان النوري ومشيخة الربوة ومرتب على الجهات السلطانية وكان قد قدم قبله القاضي شهاب الدين بن البارزي بقضاء حمص من السلطان أيده الله تعالى ففرح الناس بذلك حيث تكلم السلطان في المملكة وباشر وأمر وولي ووقع ولله الحمد وفي يوم الاربعاء ثالث عشره دخل الامير سيف الدين طشتمر الملقب بالحمص الاخضر من البلاد الحلبية إلى دمشق المحروسة وتلقاه الفخري والأمراء والجيش بكماله ودخل في أبهة حسنة ودعا له الناس وفرحوا بقدومه بعد شتاته في البلاد وهربه من بين يدي الطنبغا حين قصده إلى حلب كما تقدم ذكره
وفي يوم الخميس رابع عشرة خرجت الجيوش من دمشق قاصدين إلى غزة لنظرة السلطان حين يخرج من الكرك السعيد فخرج يومئذ مقدمان تغردمر واقبغا عبد الواحد فبرزا إلى الكسوة فلما كان يوم السبت خرج الفخري ومعه طشتمر وجمهور الامراء ولم يقم بعده بدمشق إلا من احتيج لمقامهم لمهمات المملكة وخرج مع القضاة الاربعة وقاضي العساكر والموقعين والمصاحب وكاتب الجيش وخلق كثير
وتوفي الشيخ الصالح العابد الناسك احمد بن الملقب بالقصيدة ليلة الاحد الرابع والعشرين من رمضان وصلى عليه بجامع شكر ودفن بالصوفية قريبا من قبر الشيخ جمال الدين المزي تغمدهما الله برحمته وكان فيه صلاح كثير ومواظبة على الصلاة في جماعة وأمر بمعروف ونهى عن منكر مشكورا عند الناس بالخير وكان يكثر من خدمة المرضى بالمارستان وغيره وفيه إيثار وقناعة وتزهد كثير وله أحوال مشهورة رحمه الله وإيانا
واشتهر في أواخر الشهر المذكور أن السلطان الملك الناصر شهاب الدين أحمد خرج من الكرك المحروس صحبة جماعة من العرب والاتراك قاصدا إلى الديار المصرية ثم تحرر خروجه منها في يوم الاثنين ثامن عشر الشهر المذكور فدخل الديار المصرية بعد ايام هذا والجيش صامدون اليه فلما تحقق دخوله مصر حثوا في السير إلى الديار المصرية وبعث يستحثهم أيضا واشتهر أنه لم يجلس على سرير الملك حتى يقدم الامراء الشاميون صحبة نائبه الامير سيف الدين قطلوبغا الفخري ولهذا لم تدق البشائر بالقلاع الشامية ولا غيرها فيما بلغنا وجاءت الكتب والاخبار من الديار المصرية بان يوم الاثنين عاشر شوال كان إجلاس السلطان الملك الناصر شهاب الدين أحمد على سرير المملكة صعد هو والخليفة الحاكم بأمر الله أبو العباس أحمد بن المستكفي فوق المنبر وهما لابسان السواد والقضاة تحتهما على درج المنبر بحسب منازلهم فخطب الخليفة وخلع الاشرف كجك وولى هذا الناصر وكان يوما مشهودا وأظهر ولايته لطشتمر نيابة مصر والفخري دمشق وأيد غمش حلب فالله أعلم ودقت البشائر بدمشق ليلة الجمعة الحادي والعشرين من الشهر المذكور واستمرت إلى يوم الاثنين مستهل ذي القعدة وزينت البلد يوم الاحد ثالث عشرين منه واحتفل الناس بالزينة
وفي يوم الخميس المذكور دخل الامير سيف الدين الملك أحد الرؤس المشهورة بمصر إلى دمشق في طلب نيابة حماة حرسها الله تعالى فلما كان يوم الجمعة بعد الصلاة ورد البريد من الديار المصرية فأخبر أن طشتمر الحمص الاخضر مسك فتعجب الناس من هذه الكائنة كثيرا فخرج من بدمشق من أعيان الامراء أمير الحج وغيره وخيم بوطأة برزة وخرج إلى الحج امير فأخبره بذلك وامروه عن مرسوم السلطان أن ينوب بدمشق حتى يأتي المرسوم بما يعتمد أمير الحج فأجاب إلى ذلك وركب في الموكب يوم السبت السادس منه وأما الفخري فإنه لما تنسم هذا الخبر وتحققه وهو بالزعقة فرفى طائفة من مماليكه قريب من ستين أو أكثر فاحترق وساق سوقا حثيثا وجاءه الطلب من روائه من الديار المصرية في نحو من ألف فارس صحبة الاميرين الطنبغا المارداني ويبلغا التحتاوي ! ففاتهما وسبق واعترض له نائب غزة في جنده فلم يقدر عليه فسلطوا عليه العشيرات ينهبوه فلم يقدروا عليه إلا في شيء يسير وقتل منهم خلقا وقصد نحو صاحبه فيما يزعم الامير سيف الدين ايدغمش نائب حلب راجيا منه أن ينصره وأن يوافقه على ما قام بنفسه فلما وصل أكرمه وانزله وبات عنده فلما أصبح قبض عليه وقيده ورده على البريد إلى الديار المصرية ومعه التراسيم من الأمراء وغيرهم
ولما كان يوم الاثنين سلخ ذي القعدة خرج السلطان الملك الناصر شهاب الدين أحمد بن الناصر محمد بن المنصور من الديار المصرية في طائفة من الجيش قاصدا إلى الكرك المحروس ومعه أموال جزيلة وحواصل واشياء كثيرة فدخلها يوم الثلاثاء من ذي الحجة وصحبته طشتمر في محفة ممرضا والفخري مقيدا فاعتقلا بالكرك المحروس وطلب السلطان آلات من أخشاب ونحوها وحدادين وصناع ونحوها لاصلاح مهمات بالكرك وطلب أشياء كثيرة من دمشق فحملت اليه ولما كان يوم الاحد السابع والعشرين من ذي الحجة ورد الخبر بأن الامير ركن الدين بيبرس الاحمدي النائب بصغد ركب في مماليكه وخدمه ومن أطاعه وخرج منها فارا بنفسه من القبض عليه وذكر ان نائب غزة قصده ليقبض عليه بمرسوم السلطان ورد عليه من الكرك فهرب الاحمدي بسبب ذلك ولما وصل الخبر الى دمشق وليس بها نائب انزعج الامراء لذلك واجمتعوا بدار السعادة وضربوا في ذلك مشورة ثم جردوا إلى ناحية بعلبك اميرا ليصدوه عن الذهاب إلى البرية فلما أصبح الصباح من يوم الاثنين جاء الخبر بأنه في نواحي الكسوة ولامانع من خلاصة فركبوا كلهم ونادى المنادي من تأخر من الجند عن هذا النفير ! شنق واستوثقوا في الخروج وقصدوا ناحية الكسوة وبعثوا الرسل اليه فذكر اعتذارا في خروجه وتخلص منهم وذهب يوم ذلك ورجعوا وقد كانوا ملبسين في يم حار وليس معهم من الازواد مايكفيهم سوى يومهم ذلك فلما كانت ليلة الثلاثاء ركب الامراء في طلبه من ناحية ثنية العقاب فرجعوا في اليوم الثاني وهو في صحبتهم ونزل في القصور التي بناها تنكز رحمه الله في طريق داريا فأقام بها واجروا عليه مرتبا كاملا من الشعير والغنم وما يحتاج إليه مثله ومعه مماليكه وخدمه فلما كان يوم الثلاثاء سادس المحرم ورد كتاب من جهة السلطان فقرئ على الأمراء بدار السعادة يتضمن إكرامه واحترامه والصفح عنه لتقدم خدمة على السلطان الملك الناصر وابنه الملك المنصور ولما كان يوم الأربعاء سابع المحرم جاء كتاب إلى الأمير ركن الدين بيبرس نائب الغيبة ابن الحاجب المش بالقبض على الاحمدي فركب الجيش ملبسين يوم الخميس وأوكبوا بسوق الخيل وراسلوه وقد ركب في مماليكه بالعدد وأظهر الامتناع فكان جوابه أن لا أسمع ولا أطيع إلا لمن هو ملك الديار المصرية فاما من هو مقيم بالكرك ويصدر عنه ما يقال عنه من الافاعيل التي قد سارت بها الركبان فلا فلما بلغ الامراء هذا توقفوا في أمره وسكنوا ورجعوا إلى منازلهم ورجع هو إلى قصره
*2* ثم دخلت سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة
@ استهلت هذه السنة المباركة وسلطان المسلمين الملك الناصر ناصر الدين محمد بن الملك المنصور قلاوون وهو مقيم بالكرك قد حاز الحوصال السلطانية من قلعة الجبل إلى قلعة الكرك ونائبه الديار المصرية الامير سيف الدين آقسنقر السلارى الذي كان نائبا بغزة وقضاة الديار المصرية هم المذكورون في السنة الماضية سوى القاضي الحنفي وأما دمشق فليس لها نائب إلى حنيئذ غير ان الامير ركن الدين بيبرس الحاجب كان استنابه الفخري بدمشق نائب غيبته فهو الذي يسد الامور مع الحاجب ألمش وتمر المهمندار والامير سيف الدين الملقب بحلاوة والي البر والامير ناصر الدين ابن ركباس متولي البلد هؤلاء الذين يسدون الأشغال والامور السلطانية والقضاة هم الذين ذكرناها في السنة الخالية وخطيب البلد تاج الدين عبدالرحيم بن القاضي جلال الدين القزويني وكاتب السر القاضي شهاب الدين بن فضل الله واستهلت هذه السنة والأمير ركن الدين بيبرس الاحمدي نازل بقصر تنكز بطريق داريا وكتب السلطان واردة في كل وقت بالاحتياط عليه والقبض وأن يمسك ويرسل إلى الكرك هذا والأمراء يتوانون في أمره ويسوفون المراسيم وقتا بعد وقت وحينا بعد حين ويحملهم على ذلك أن الاحمدي لا ذنب له ومتى مسكه تطرف إلى غيره مع أن السلطان يبلغهم عنه احوال لا ترضيهم من اللعب والاجتماع مع الاراذل والاطراف ببلد الكرك مع قتله الفخري وطشتمر قتلا فظيعا وسلبه أهلهما وسلبه لما على الحريم من الثياب والحلى وإخراجهم في أسوإ حال من الكرك وتقريبه النصارى وحضورهم عنده فحمل الامراء هذه الصفات على أن بعثوا احدهم يكشف أمره فلم يصل اليه ورجع هاربا خائفا فلما رجع وأخبر الأمراء انزعجوا وتشوشوا كثيرا واجتمعوا بسوق الخيل مرارا وضربوا مشورة بينهم فاتفقوا على أن يخلعوه فكتبوا إلى المصريين بذلك واعلموا نائب حلب ايدغمش ونواب البلاد وبقوا متوهمين من هذا الحال كثيرا ومترددين ومنهم من يصانع في الظاهر وليس معهم في الباطن وقالوا لا سمع له ولا طاعة حتى يرجع إلى الديار المصرية ويجلس على سرير المملكة وجاء كتابه اليهم يعيبهم ويعنقهم في ذلك فلم يفد وركب الاحمدي في الموكب وركبوا عن يمينه وشماله وراحوا اليه إلى القصر فسلموا عليه وخدموه وتفاقم الامر وعظم الخطب وحملوا هموما عظيمة خوفا من أن يذهب الى الديار المصرية فيلف عليه المصريون فيتلف الشاميين فحمل الناس همهم فالله هو المسئول أن يحسن العاقبة فلما كان يوم الاحد السادس والعشرين من المحرم ورد مقدم البريدية ومعه كتب المصريين بأنه لم بلغهم خبر الشاميين كان عندهم من أمر السلطان اضعاف ما حصل عند الشاميين فبادروا إلى ما كانوا عزموا عليه ولكن ترددوا خوفا من الشاميين أن يخالفوهم فيه ويتقدموا في صحبة السلطان لقتالهم فلما أطمأنوا من جهة الشاميين صمموا على عزمهم فخلعوا الناصر أحمد وملكوا عليهم أخاه الملك الصالح إسماعيل ابن الناصر محمد بن المنصور جعله الله مباركا على المسلمين وأجلسوه على السرير يوم الثلاثاء العشرين من المحرم المذكور وجاء كتابه مسلما على أمراء الشام ومقدميه وجاءت كتب الامراء على الامراء بالسلام والاخبار بذلك ففرح المسلمون وأمراء الشام والخاصة والعامة بذلك فرحا شديدا ودقت البشائر بالقلعة المنصورة يومئذ ورسم بتزيين البلد فزين الناس صبيحة الثلاثاء السابع والعشرين منه ولما كان يوم الجمعة سلخ المحرم خطب بدمشق للملك الصالح عماد الدنيا والدين إسماعيل بن الناصر بن المنصور
وفي يوم الخميس سادس صفر درس بالصدرية صاحبنا الامام العلامة شمس الدين محمد بن أبي بكر بن أيوب الذرعي إمام الجوزية وحضر عنده الشيخ عز الدين بن المنجا الذي نزل له عنها وجماعة من الفضلاء وفي يوم الاثنين سادس عشر صفر دخل الامير سيف الدين تغردمر من الديار المصرية إلى دمشق ذاهبا إلى نيابة حلب المحروسة فنزل بالقابون
وفي يوم الثلاثاء ثامن عشر صفر توفي الشيخ الامام العالم العامل الزاهد عبد الله بن أبي الوليد المقري المالكي إمام المالكية هو وأخوه أبو عمرو بالجامع الاموي بمحراب الصحابة توفي ببستان بقية السحف وصلى عليه بالمصلى ودفن عند ابيه رحمهما الله بمقابر باب الصغير وحضر جنازته الأعيان والفقهاء والقضاة وكان رجلا صالحا مجمعا على ديانته وجلالته رحمه الله
وفي يوم الخميس العشرين من صفر دخل الامير ايدغمش نائب السلطنة بدمشق ودخل اليها من ناحية القابون قادما من حلب وتلقاه الجيش بكماله وعليه خلعة النيابة واحتفل الناس له وأشعلوا الشموع وخرج أهل الذمة من اليهود والنصارى يدعون له ومعهم الشموع وكان يوما مشهودا وصلى يوم الجمعة بالمقصورة من الجامع الأموي ومعه الأمراء والقضاة وقرئ تقليده هناك على السدة وعليه خلعته ومعه الأمير سيف الدين ملكتم الرحولي وعليه خلعة ايضا
وفي يوم الثلاثاء الخامس والعشرين من صفر دخل الامير علم الدين الجاولي دمشق المحروسة ذاهبا الى نيابة حماة المحروسة وتلقاه نائب السلطنة والأمراء إلى مسجد القدم وراح فنزل بالقابون وخرج القضاة والأعيان إليه وسمع عليه من مسند الشافعي فإنه يرويه وله فيه عمل ورتبه ترتيبا حسنا ورأيته وشرحه أيضا وله أوقاف عل الشافعية وغيرهم
وفي يوم الجمعة الثامن والعشرين منه عقد مجلس بعد الصلاة بالشباك الكمالي من مشهد عثمان بسبب القاضي فخر الدين المصري وصدر الدين عبدالكريم ابن القاضي جلال الدين القزويني بسبب العادلية الصغيرة فاتفق الحال على أن نزل صدر الدين عن تدريسها ونزل فخر الدين عن مائة وخمسين على الجامع وفي يوم الاحد سلخ الشهر المذكور حضر القاضي فخر الدين المصري ودرس بالعادلية الصغيرة وحضر الناس عنده على العادة وأخذ في قوله تعالى هذه بضاعتنا ردت الينا وفي آخر شهر ربيع الاول جاء المرسوم من الديار المصرية بأن يخرج تجريدة من دمشق بصحبة الامير حسام الدين السمقدار لحصار الكرك الذي تحصن فيه ابن السلطان احمد واستحوذ على ما عنده من الاموال التي أخذها من الخزائن من ديار مصر وبرز المنجنيق من القلعة إلى قبل جامع القبيبات فنصب هناك وخرج الناس للتفرج عليه ورمى به ومن نيتهم أن يستصحبوه معهم للحصار
وفي يوم الاربعاء ثاني ربيع الآخر قدم الامير علاء الدين الطنبغا المارداني من الديار المصرية على قاعدته وعادته وفي يوم االخميس عاشره دخل إلى دمشق الاميران الكبيران ركن الدين بيبرس الاحمدي من طرابلس وعلم الدين الجاولي من حماة سحرا وحضرا الموكب ووقفا مكتفين لنائب السلطنة الاحمدي عن يمينه والجاولي عن يساره ونزلا ظاهر البلد ثم بعد ايام يسيرة توجه
الاحمدي إلى الديار المصرية على عادته وقاعدته رأس مشورة وتوجه الجاولي إلى غزة المحروسة نائبا عليها وكان الامير بدر الدين مسعود بن الخطير على إمرة الطبلخانات بدمشق وفي يوم الخميس رابع عشرة خرجت التجريدة من دمشق سحرا إلى مدينة الكرك والامير شهاب الدين بن صبح والي الولاة بحوران مشد المجانيق وخرج الامير سيف الدين بهادر الشمس الملقب بحلاوة والي البر بدمشق الى ولاية الولاة بحوران وفي يوم الجمعة ثامن عشرة وقع بين النائب والقاضي الشافعي بسبب كتاب ورد من الديار المصرية فيه الوصاة بالقاضي السبكي المذكور ومعه التوقيع بالخطابة له مضافا إلى القضاء وخلعة من الديار المصرية فتغيظ عليه النائب لأجل اولاد الجلال لأنهم عندهم عائلة كثيرة وهم فقراء وقد نهاه عن السعي في ذلك فتقدم إليه يومئذ أن لا يصلي عنده في الشباك الكمالي فنهض من هناك وصلى في الغزالية وفي يوم الاحد العشرين منه دخل دمشق الامير سيف الدين اريغا زوج ابنة السلطان الملك الناصر مجتازا ذاهبا إلى طرابلس نائبا بها في تجمل وأبهة ونجائب وجنائب وعدة وسرك كامل وفي يوم الخميس الرابع والعشرين منه دخل الامير بدر الدين ابن الخطيري معزولا عن نيابة غزة المحروسة فأصبح يوم الخيمس فركب في الموكب وسير مع نائب السلطنة ونزل في داره وراح الناس للسلام عليه وفي يوم الثلاثاء ثالث عشر صفر زينت البلد لعافية السلطان الملك الصالح لمرض أصابه ثم شفى منه وفي يوم الجمعة السادس عشرينه قبل العصر ورد البريد من الديار المصرية بطلب قاضي القضاة تقي الدين السبكي اليها حاكمها بها فذهب الناس للسلام عليه ولتوديعه وذلك بعد ما أرجف الناس به كثيرا واشتهر انه سينعقد له مجلس للدعوى عليه بما دفعه من مال الايتام إلى الطنبغا وإلي الفخري وكتبت فتوى عليه بذلك في تغريمه وداروا بها على المفتيين فلم يكتب لهم احد فيها غير القاضي جلال الدين بن حسام الدين الحنفي رأيت خطه عليها وحده بعدالصلاة وسئلت في الافتاء عليها فامتنعت لما فيها من التشويش على الحاكم وفي أول مرسوم نائب السلطان أن يتأمل المفتون هذا السؤال ويفتوا بما يقتضيه حكم الشرع الشريف وكانوا له في نية عجيبة ففرج الله عنه بطلبه إلى الديار المصرية فسار إليها صحبة البريد ليلة الأحد وخرج الكبراء والاعيان لتوديعه وفي خدمته استهل جمادي الاخرة والتجريدة عمالة الى الكرك والجيش المجردون من الحلقة قريب من ألف ويزيدون ولما كان يوم الثلاثاء رابعه بعد الظهر مات الأمير علاء الدين ايدغمش نائب السلطنة بالشام المحروس في دار وحده في دار السعادة فدخلوا عليه وكشفوا أمره وأحصروا وخشوا أن يكون اعتراه سكتة ويقال إنه شفى فالله أعلم فانتظروا به إلى الغد احتياطا فلما أصبح الناس اجتمعوا للصلاة عليه فصلى عليه خارج باب النصر حيث يصلى على الجنائر وذهبوا به إلى نحو القبلة ورام بعض اهله أن يدفن في تربة غبريال إلى جانب جامع القبيبات فلم يمكن ذلك فدفن قبلي الجامع على حافة الطريق ولم يتهيأ دفنه إلا إلى بعدالظهر من يومئذ وعملوا عنده ختمة ليلة الجمعة رحمه الله وسامحه
واشتهر في اوائل هذا الشهر أن الحصار عمال على الكرك وأن أهل الكرك خرجت طائفة منهم فقتل منهم خلق كثير وقتل من الجيش واحد في ! الصار فنزل القاضي وجماعة ومعهم شيء من الجوهر وتراضوا على أن يسلموا البلد فلما أصبح أهل الحصن تحصنوا ونصبوا المجانيق واستعدوا فلما كان بعد أيام رموا منجنيق الجيش فكسروا السهم الذي له وعجزوا عن نقله فحرقوه برأي أمراء المقدمين وجرت امور فظيعة فالله يحسن العاقبة
ثم وقعت في أواخر هذا الشهر بين الجيش وأهل الكرك وقعة أخرى وذلك أن جماعة من رجال الكرك خرجوا إلى الجيش ورموهم بالنشاب فخرج الجيش لهم من الخيام ورجعوا مشاة ملبسين بالسلاح فقتلوا من أهل الكرك جماعة من النصارى وغيرهم وجرح من العسكر خلق وقتل واحد أو اثنان وأسر الأمير سيف الدين أبو بكر بن بهادر آص وقتل امير العرب وأسر آخرون فاعتقلوا بالكرك وجرت أمور منكرة ثم بعدها تعرض العسكر راجعين إلى بلادهم لم ينالوا مرادهم منها وذلك انهم رقهم البرد الشديد وقلة الزاد وحاصروا أولئك شديدا بلا فائدة فإن البلد بريد متطاولة ومجانيق ويشق على الجيش الاقامة هناك في كوانين والمنجنيق الذي حملوه معهم كسر فرجعوا ليتأهبوا لذلك
ولما كان في يوم الأربعاء الخامس والعشرين منه قدم من الديار المصرية على البريد القاضي بدر الدين بن فضل الله كاتبا على السر عوضا عن أخيه القاضي شهاب الدين ومعه كتب بالاحتياط على حواصل أخيه شهاب الدين وعلى حواصل القاضي عماد الدين ابن الشيرازي المحتسب فاحتيط على أموالهما وأخرج من في ديارهما من الحرم وضربت الأخشاب على الابواب ورسم على المحتسب بالعذراوية فسأل أن يحول إلى دار الحديث الاشرفية فحلو إليها وأما القاضي شهاب الدين فكان قد خرج ليلتقي الامير سيف الدين تغردمر الحموي الذي جاء تقليده بنيابة الشام بدمشق وكان بحلب وجاء هذا الامر وهو في أثناء الطريق فرسم برجعته ليصادر هو والمحتسب ولم يدر الناس ما ذنبهما
وفي يوم الاحد ثامن شهر رجب آخر النهار رجع قاضي القضاء تقي الدين السبكي إلى دمشق على القضاء ومعه تقليد بالخطابة أيضا وذهب الناس اليه للسلام عليه ودخل نائب السلطنة الأمير سيف الدين تغردمر الحموي بعد العصر الخامس عشرينه من حلب فتلقاه الأمراء إلى طريق القابون ودعا له الناس دعاء كثيرا وأحبوه لبغضهم النائب الذي كان قبله وهو علاء الدين ايدغمش سامحه الله تعالى فنزل بدار السعادة وحضر الموكب صبيحة يوم الاثنين واجتمع طائفة من العامة وسألوه أن لا يغير عليهم خطيبهم تاج الدين عبد الرحيم ابن جلال الدين فلم يلتفت إليهم بل عمل على تقليد القاضي تقي الدين السبكي الخطابة لبس الخلعة واكثر العوام لما سمعوا بذلك الغوغاء وصاروا يجتمعون حلقا حلقا بعدالصلوات ويكثرون الفرحة في ذلك لما منع ابن الجلال ولكن بقي هذا لم يباشر السبكي في المحراب واشتهر عن العوام كلام كثير وتوعدوا السبكي بالسفاهة عليه إن خطب وضاق بذلك ذرعا ونهوا عن ذلك فلم ينتهوا وقيل لهم ولكثير منهم الواجب عليكم السمع والطاعة لأولي الامر ولو أمر عليكم عبد حبشي فلم يرعووا فلما كان يوم الجمعة العشرين منه اشتهر بين العامة بأن القاضي نزل عن الخطابة لابن الجلال ففرح العوام بذلك وحشدوا في الجامع وجاء نائب السلطنة إلى المقوصرة والأمراء معه وخطب ابن الجلال على العادة وفرح الناس بذلك وأكثروا من الكلام ووالهرج ولما سلم عليهم الخطيب حين صعد ردوا عليه ردا بليغا وتكلفوا في ذلك وأظهرا بغضة القاضي السبكي وتجاهروا بذلك وأسمعوه كلاما كثيرا ولما قضيت الصلاة قرئ تقليد النيابة على السدة وخرج الناس فرحى يخطيبهم لكونه استمر عليهم واجتمعوا عليه يسلمون ويدعون له
وفي يوم الاربعاء ثالث شعبان درس القاضي برهان الدين بن عبدالحق بالمدرسة العذراوية بمرسوم سلطاني بتوليته وعزل القفجاري وعقد لهما مجلس يوم الثلاثاء بدار العدل فرجح جانب القاضي برهان الدين لحاجته وكونه لا وظيفة له
وفي يوم الجمعة توفي الشيخ شهاب الدين احمد ابن الجزري احد المسندين المكثرين الصالحين مات عن خمس وتسعين سنة رحمه الله وصلى عليه يوم الجمعة بالجامع المظفري ودفن بالرواحية وفي يوم الاربعاء السابع عشر منه توفي الشيخ الامام العالم العابد الناسك الصالح الشيخ شمس الدين محمد بن الزرير خطيب الجامع الكريمي بالقبيبات وصلى عليه بعد الظهر يومئذ بالجامع المذكور ودفن قبلي الجامع المذكور إلى جانب الطريق من الشرق رحمه الله
واشتهر في أوائل رمضان ان مولودا ولد له رأسان وأربع أيد وأحضر إلى بين يدي نائب السلطنة وذهب الناس للنظر إليه في محلة ظاهر باب الفراديس يقال لها حكى الوزير وكنت فيمن ذهب إليه في جماعة من الفقهاء يوم الخميس ثالث الشهر المذكور بعد العصر فأحضره أبوه وأسم ابيه سعادة وهو رجل من أهل الجبل فنظرت إليه فإذا هما ولدان مستقلان فكل قد اشتبكت
افخاذهما بعضهما ببعض وركب كل واحد منهما ودخل في الآخر والتحمت فصارت جثة واحدة وهماميتان فقالوا احدهما ذكر الآخر أنثى وهما ميتان حال رؤيتي إليهما وقالوا إنه تأخر موت أحدهما عن الآخر بيومين او نحوهما وكتب بذلك محضر جماعة من الشهود
وفي هذا اليوم احتيط على اربعة من الامراء وهم ابناء الكامل صلاح الدين محمد امير طبلخانات وغياث الدين محمد امير عشرة وعلاء الدين علي وابن ايبك الطويل طبلخانات أيضا وصلاح الدين خليل بن بلبان طرنا طبلخانات أيضا وذلك بسبب أنهم اتهموا على ممالأة الملك احمد بن الناصر الذي في الكرك ومكاتبته والله أعلم بحالهم فقيدوا وحملوا إلى القلعة المنصورة من باب اليسر مقابل باب دار السعادة الثلاث الطبلخانات والغياث من بابها الكبير وفرق بينهم في الاماكن وخرج المحمل يوم الخميس خمس عشرة ولبس الخطيب ابن الجلال خلعة استقرار الخطابة في هذا اليوم وركب بها مع القضاة على عادة الخطباء
وفي هذا الشهر نصب المنجنيق الكبير على باب الميدان الاخضر وطول اكتافه ثمانية عشر ذراعا وطول سهمه سبعة وعشرون ذراعا وخرج الناس للفرجة عليه ورمى به في يوم السبت حجرا زنته ستين رطلا فبلغ إلى مقابلة القصر من الميدان الكبير وذكر معلم المجانيق أنه ليس في حصون الاسلام مثله وأنه عمله الحاج محمد الصالحي ليكون بالكرك فقدر الله انه خرج ليحاصر به الكرك فالله يحسن العاقبة وفي أواخره أيضا مسك أربعة أمراء وهم أقبغا عبد الواحد الذي كان مباشرا الاستدارية للملك الناصر الكبير فصودر في أيام ابنه المنصور وأخرج إلى الشام فناب بحمص فسار سيرة غير مرضية وذمه الناس وعزل عنها وأعطى تقدمة ألف بدمشق وجعل رأس الميمنة فلما كان في هذه الأيام اتهم بممالأة السلطان أحمد بن الناصر الذي بالكرك فمسك وحمل إلى القلعة ومعه الأمير سيف الدين بلو والأمير سيف الدين سلامش وكلهم بطبلخانات فرفعوا إلى القعلة المنصورة فالله يحسن العاقبة
وفي هذا الشهر خرج قضاء حمص عن نيابة دمشق بمرسوم سلطاني مجدد للقاضي شهاب الدين البارزي وذلك بعد مناقشة كثيرة وقعت بينه وبين قاضي القضاة تقي الدين السبكي وانتصر له بعض الدولة واستخرج له المرسوم المذكور وفيه أيضا افرد قضاء القدس الشريف أيضا باسم القاضي شمس الدين بن سالم الذي كان مباشرها مدة طويلة قبل ذلك نيابة ثم عزل عنها وبقي مقيما ببلده غزة ثم أعيد اليها مستقلا بها في هذا الوقت وفي هذا الشهر رجع القاضي شهاب الدين ابن فضل الله من الديار المصرية ومعه تقويع بالمرتب الذي كان له اولا كل شهر ألف درهم وأقام بعمارته التي أنشأها بسفح قاسيون شرقي الصالحية بقرب حمام النحاس
وفي صبيحة مستهل ذي القعدة خرج المنجنيق قاصدا إلى الكرك على الجمال والعجل وصحبته الامير صارم الدين إبراهيم المسبقي أمير حاجب كان في الدولة السكرية هو المقدم عليه يحوطه ويحفظه ويتولى تسييره بطلبه وأصحابه وتجهز الجيش للذهاب إلى الكرك وتأهبوا أتم الجهاز وبرزت أثقالهم إلى ظاهر البلد وضربت الخيام فالله يحسن العاقبة
وفي يوم الاثنين رابعه توفي الطوشي سبل الدولة كافور السكري ودفن صبيحة يوم الثلاثاء خامسة في تربته التي أنشاها قديما ظاهر باب الجابية تجاه تربة الطواشي ظهير الدين الخازن بالقلعة كان قبيل مسجد الدبان رحمه الله وكان قديما للصاحب تقي الدين توبة التكريتي ثم اشتراه تنكز بعد مدة طويلة من ابني أخيه صلاح الدين وشرف الدين بمبلغ جيد وعوضهما إقطاعا بزيادة على ما كان بأيديهما وذلك رغبة في أمواله التي حصلها من ابواب السلطنة وقد تعصب عليه استاذه تنكز رحمه الله في وقت وصودر وجرت عليه فصول ثم سلم بعد ذلك ولما مات ترك اموالا جزيلة وأوقافا رحمه الله وخرجت التجريدة يوم الاربعاء سادسة والمقدم عليها الامير بدر الدين بن الخطير ومعه مقدم آخر وهو الامير علاء الدين بن قراسنقر وفي يوم السبت سلخ هذا الشهر توفي الشاب الحسن شهاب الدين أحمد بن فرج المؤذن بمأذنة العروس وكان شهيرا بحسن الصوت ذا حظوة عظيمة عند اهل البلد وكان رحمه الله كما في النفس وزيادة في حسن الصوت الرخيم المطرب وليس في القراء ولا في المؤذنين قريب منه ولا من يدانيه في وقته وكان في آخر وقته على طريقة حسنة وعمل صالح وانقطاع عن الناس وإقبال على شأن نفسه فرحمه الله وأكرم مثواه وصلى عليه بعد الظهر يومئذ ودفن عند اخيه بمقبرة الصوفية
وفي يوم الخميس خامس ذي الحجة توفي الشيخ بدر الدين بن نصحان شيخ القراء السبع في البلد الشهير بذلك وصلى عليه بالجامع بعدالظهر يومئذ ودفن بباب الفراديس رحمه الله
وفي يوم الأحد تاسعة وهو يوم عرفة حضر الاقراء بتربة أم الصالح عوضا عن الشيخ بدر الدين ابن نصحان القاضي شهاب الدين أحمد بن النقيب البعلبكي وحضر عنده جماعة من الفضلاء وبعض القضاة وكان حضوره بغتة وكان متمرضا فألقى شيئا من القراءات والاعراب عند قوله تعالى ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خيرا لأنفسهم وفي أواخر هذا الشهر غلا السعر جدا وقل الخبز وازدحم الناس على الافران زحمة عظيمة وبيع خبز الشعير المخلوط بالزيوان والنقارة وبلغت الغرارة بمائة وستة وثمانين درهما وتقلص السعر جدا حتى بيع الخبز كل رطل بدرهم وفوق ذلك بيسير ودونه بحسب طيبه ورداءته فانا لله وإنا إليه راجعون وكثر السؤال وجاع العيال وضعف كثير من الأسباب والاحوال ولكن لطف الله عظيم فإن الناس مترقبون مغلا
هائلا لم يسمع بمثله من مدة سنين عديدة وقد اقترب أوانه وشرع كثير من البلاد في حصاد الشعير وبعض القمح مع كثرة الفول وبوادر التوت فلولا ذلك لكان غير ذلك ولكن لطف الله بعباده وهو الحاكم المتصرف الفعال لما يريد لا إله إلا هو
*2* ثم دخلت سنة أربع وأربعين وسبعمائة
@ استهلت هذه السنة وسلطان المسلمين الملك الناصر عماد الدنيا والدين إسماعيل ابن الملك الناصر ناصر الدين محمد بن الملك المنصور سيف الدين قلاوون الصالحي ونائبه بالديار المصرية الامير سيف الدين آقسنقر السلاري وقضاته هم هم المتقدم ذكرهم في العام الماضي ونائبه بدمشق الامير سيف الدين تغردمر الحموي وقضاته هم المتقدم ذكرهم وكذلك الصاحب والخطيب وناظر الجامع ولخزانة ومشد الاوقاف وولاية المدينة
استهلت والجيوش المصرية والشامية محيطة بحصن الكرك محاصرون ويبالغون في امره والمنجنيق منصوب وأنواع آلات الحصار كثيرة وقد رسم بتجريدة من مصر والشام أيضا تخرج إليها وفي يوم الخميس عاشر صفر دخلت التجريدة من الكرك إلى دمشق واستمرت التجريدة الجديدة على الكرك ألفان من مصر وألفان من الشام والمنجنيق منقوض موضوع عند الجيش خارج الكرك والأمور متوقفة على وبرد الحصار بعد رجوع الأحمدي إلى مصر
وفي يوم السبت ثاني ربيع الاول توفي السيد الشريف عماد الدين الخشاب بالكوشك في درب السيرجي جوار المدرسة العزية وصلى عليه ضحى بالجامع الأموي ودفن بمقابر باب الصغير وكان رجلا شهما كثير العبادة والمحبة للسنة وأهلها ممن واظب الشيخ تقي الدين بن تيمية رحمه الله وانتفع به وكان من جملة أنصاره واعوانه على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو الذي بعثه إلى صيدنا يامع بعض القسيسين فلوث يده بالعذرة وضرب اللحمة التي يعظمونها هنالك واهانها غاية الاهانة لقوة إيمانه وشجاعته رحمه الله وإيانا
وفي يوم الخميس سابعه اجتمع الصاحب ومشد الدواوين ووكيل بيت المال ومشد الاوقاف ومباشر والجامع ومعهم العمالين بالقول والمعاول يحفرون إلى جانب السارية عند باب مشهد على تحت تلك الصخرة التي كانت هناك وذلك عن قول رجل جاهل زعم أن هناك مالا مدفونا فشاوروا نائب السلطنة فامرهم بالحفر واجتمع الناس والعامة فأمرهم فأخرجوا وأغلقت أبواب الجامع كلها ليتمكنوا من الحفر ثم حفروا ثانيا وثالثا فلم يجدوا شيئا إلا التراب المحض واشتهر هذا الحفير في البلد وقصده الناس للنظر إليه والتعجب من أمره وانفصل الحال على أن حبس هذا الزاعم لهذا المحال وطم الحفير كما كان
وفي يوم الاثنين ثامن عشر ربيع الأول قدم قاضي حلب ناصر الدين بن الخشاب على البريد مجتازا إلى دمشق فنزل بالعادلية الكبيرة وأخبر أنه صلى على المحدث البارع الفاضل الحافظ شمس الدين محمد بن علي بن أيبك السروجي المصري يوم الجمعة ثامن هذا الشهر بحلب رحمه الله ومولده سنة خمس عشرة وسبعمائة وكان قد أتقن طرفا جيدا في علم الحديث وحفظ أسماء الرجال وجمع وخرج
وفي مستهل ربيع الآخر وقع حريق عظيم بسفح قاسيون احترق به سوق الصالحية الذي بالقرب من جامع المظفري وكانت جملة الدكاكين التي احترقت قريبا من مائة وعشرين دكانا ولم ير حريق من زمان أكبر منه ولا أعظم فانا لله وإنا إليه راجعون وفي يوم الجمعة سادسة رسم بأن يذكر بالصلاة يوم الجمعة في سائر مواذن البلد كما يذكر في مواذن الجامع ففعل ذلك وفي يوم الثلاثاء عاشره طلب من القاضي تقي الدين السبكي قاضي قضاة الشافعية أن يقرض ديوان السلطان شيئا من أموال الغياب التي تحت يده فامتنع من ذلك امتناعا كثيرا فجاء شاد الدواوين وبعض حاشية نائب السلطنة ففتحوا مخزن الأيتام وأخذوا منه خمسين ألف درهم قهرا ودفعوها إلى بعض العرب عما كان تأخر له في الديوان السلطان ووقع أمر كثير لم يعهد مثله
وفي يوم الأربعاء عاشر جمادي الأولى توفي صاحبنا الشيخ الامام العالم العلامة الناقد البارع في فنون العلوم شمس الدين محمد بن الشيخ عماد الدين أحمد بن عبدالهادي المقدسي الحنبلي تغمده الله برحمته وأسكنه بحبوحة جنته مرض قريبا من ثلاثة أشهر بقرحة وحمى سل ثم تفاقم أمره وأفرط به إسهال وتزايد ضعفه إلى أن توفي يومئذ قبل أذان العصر فأخبرني والده أن آخر كلامه أن قال أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين فصلى عليه يوم الخميس بالجامع المظفري وحضر جنازته قضاة البلد وأعيان الناس من العلماء والأمراء والتجار والعامة وكانت جنازته حافلة مليحة عليها ضوء ونور ودفن بالروضة إلى جانب قبر السيف ابن المجد رحمهما الله تعالى وكان مولده في رجب سنة خمس وسبعمائة فلم يبلغ الأربعين وحصل من العلوم مالا يبلغه الشيوخ الكبار وتفنن في الحديث والنحو والتصريف والفقه والتفسير والاصلين والتاريخ والقراءات وله مجاميع وتعاليق مفيدة كثيرة وكان حافظا جيدا لأسماء الرجال وطرق الحديث عارفا بالجرح والتعديل بصيرا بعلل الحديث حسن الفهم له جيد المذاكرة صحيح الذهن مستقيما على طريقة السلف واتباع الكتاب والسنة مثابرا على فعل الخيرات
وفي يوم الثلاثاء سلخه درس بمحراب الحنابلة صاحبنا الشيخ الامام العلامة شرف الدين بن القاضي شرف الدين الحنبلي في حلقة الثلثاء عوضا عن القاضي تقي الدين بن الحافظ رحمه الله وحضر عنده القضاء والفضلاء وكان درسا حسنا أخذ في قوله تعالى إن الله يأمر بالعدل والاحسان وخرج إلى مسألة تفضيل بعض الأولاد وفي يوم الخميس ثاني شهر جمادي الأولى خرجت التجريدة إلى الكرك مقدمان من الامراء وهما الامير شهاب الدين بن صبح والامير سيف الدين قلاوون في أبهة عظيمة وتجمل وجيوش وبقارات وإزعاج كثيرة
وفي صبيحة يوم الأثنين الحادي والعشرين منه قتل بسوق الخيل حسن بن الشيخ السكاكيني على ما ظهر منه من الرفض الدال على الكفر المحض شهد عليه عند القاضي شرف الدين المالكي بشهادات كثيرة تدل على كفره وأنه رافضي جلد فمن ذلك تكفير الشيخين رضي الله عنهما وقذفه أمي المؤمنين عائشة وحفصة رضي الله عنهما وزعم أن جبريل غلط فأوحى إلى محمد وإنما كان مرسلا إلى على وغير ذلك من الأقوال البالطة القبيحة قبحه الله وقد فعل وكان والده الشيخ محمد السكاكيني يعرف مذهب الرافضة والشيعة جيدا وكانت له اسئلة على مذهب اهل الخير ونظم في ذلك قصيدة أجابه فيها شيخنا الامام العلامة شيخ الاسلام بن يتيمة رحمه الله وذكر غير واحد من أصحاب الشيخ أن السكاكيني مامات حتى رجع عن مذهبه وصار إلى قول أهل السنة فالله أعلم وأخبرت أن ولده حسنا هذا القبيح كان قد اراد قتل أبيه لما أظهر السنة
وفي ليلة الاثنين خامس شهر رجب وصل بدن الأمير سيف الدين تنكز نائب الشام كان إلى تربته التي الى جانب جامعة الذي أنشأه ظاهر باب النصر بدمشق نقل من الاسكندرية بعد ثلاث سنين ونصف أو أكثر بشافعة ابنته زوجة الناصر عند ولده السلطان الملك الصالح فأذن في ذلك وأرادوا أن يدفن بمدرسته بالقدس الشريف فلم يمكن فجيء به إلى تربته بدمشق وعملت له الختم وحضر القضاة والأعيان رحمه الله
وفي يوم الثلاثاء حادي عشر شعبان المبارك توفي صاحبنا الامير صلاح الدين يوسف التكريتي ابن اخي الصاحب تقي الدين بن توبة الوزير بمنزلة بالقصاعين كان شابا من أبناء الأربعين ذا ذكاء وفطنة وكلام وبصيرة جيدة وكان كثير المحبة إلى الشيخ تقي الدين بن تيمية رحمه الله ولأصحابه خصوصا ولكل من يراه من أهل العلم عموما وكان فيه إيثار وإحسان ومحبة الفقراء والصالحين ودفن بتربتهم بسفح قاسيون رحمه الله وفي يوم السبت الخامس عشر منه جاءت زلزلة بدمشق لم يشعر بها كثير من الناس لخفتها ولله الحمد والمنة ثم تواترت الاخبار بأنها شعثت في بلاد حلب شيئا كثيرا من العمران حتى سقط بعض الابراج بقلعة حلب وكثير من دورها ومساجدها ومشاهدها وجدرانها وأما في القلاع حولها فكثير جدا وذكروا ان مدينة منبج لم يبق منها إلا القليل وأن عامة السكانين بها هلكوا تحت الردم رحمهم الله
وفي اواخر شهر شوال خرجت التجاريد إلى الكرك وهما أميران مقدمان الأمير علاء الدين فراسنقر والأمير الحاج بيد مر واشتهر في هذه الأيام أن أمر الكرك قد ضعف وتفاقم عليهم الأمر وضاقت الارزاق عندهم جدا ونزل منها جماعات من رؤسائها وخاصكية الأمير أحمد بن الناصر مخامرين عليه فسيروا من الصبح الى قلاوون وصحبتهم مقدمون من الحلقة إلى الديار المصرية واخبروا أن الحواصل عند أحمد قد قلت جدا فالله المسئول أن يحسن العاقبة
وفي ليلة الأربعاء الثامن والعشرين من شهر ذي الحجة توفي القاضي الامام العلامة برهان الدين ابن عبدالحق شيخ الحنفية وقاضي القضاة بالديار المصرية مدة طويلة بعد ابن الحريري ثم عزل وأقام بدمشق ودرس في أيام تغردمر بالعذراوية لولده القاضي امين الدين فذكر بها الدرس يوم الاحد قبل وفاة والده بثلاثة أيام وكان موت برهان الدين رحمه الله ببستانه من أراضي الارزة بطريق الصالحية ودفن من الغد بسفح قاسيون بمقبرة الشيخ ابي عمر رحمه الله وصلى عليه بالجامع المظفري وحضر جنازته القضاة والاعيان والأكبار رحمه الله
*2* ثم دخلت سنة خمس وأربعين وسبعمائة
@ استهلت هذه السنة وسلطان الديار المصرية والديار الشامية وما يتعلق بذلك الملك الصالح بن إسماعيل بن السلطان الملك الناصر محمد بن الملك المنصور قلاوون وقضاته بالديار المصرية والشامية هم المذكورون في السنة المتقدمة ونائبه بمصر الحاج سيف الدين ووزيره المتقدم ذكره وناظر الخاص القاضي مكين الدين وناظر الجيوش القاضي علم الدين ابن القطب والمحتسب المتقدم وشاد الدواوين علم الدين الناصري وشاد الأوقاف الأمير حسام الدين النجيبي ووكيل بيت المال القاضي علاء الدين شرنوخ وناظر الخزانة القاضي تقي الدين بن أبي الطيب وبقية المباشرين والنظارهم المتقدم ذكرهم وكاتب السر القاضي بدر الدين بن فضل الله كاتب السر والقاضي أمين الدين ابن القلانسي والقاضي شهاب الدين بن القيسراني والقاضي شرف الدين بن شمس الدين بن الشهاب محمود والقاضي علاء الدين شرنوخ
شهر المحرم أول السبت استهل والحصار واقع بقلعة الكرك وأما البلد فأخذو استنيب فيه الأمير سيف الدين قبليه قدم اليها من الديار المصرية والتجاريد من الديار المصرية ومن دمشق محيطون بالقلعة والناصر احمد بن الناصر ممتنع من التسليم ومن الاجابة إلى الانابة ومن الدخول في طاعة أخيه وقد تفاقمت الامور وطالت الحروب وقتل خلق كثير بسبب ذلك من الجيوش ومن أهل الكرك وقد توجهت القضية إلى خير إن شاء الله وقبل ذلك بأيام يسيرة هرب من قلعة
الكرك الامير سيف الدين أبو بكر بن بهادرآص الذي كان أسر في أوائل حصار الكرك وجماعة من مماليك الناصر احمد كان اتهمهم بقتل الشهيب احمد الذي كان يعتنى به ويحبه واستبشر الجيوش بنزول أبي بكر من عنده وسلامته من يده وجهز إلى الديار المصرية معظما وهذا والمجانيق الثلاثة سلطة على القلعة من البلد تضرب عليها ليلا ونهارا وتدمر في بنائها من داخل فإن سورها لا يؤثر فيه شيء بالكلية ثم ذكر ان الحصار فتر ولكن مع الاحتياط على أن لا يدخل إلى القلعة ميرة ولا شيء مما يتسعينون به على المقام فيها فالله المسؤول أن يحسن العقابة وفي يوم الاربعاء الخامس والعشرين من صفر قدم البريد مسرعا من الكرك فأخبر بفتح القلعة وان بابها احرق وأن جماعة الأمير أحمد بن الناصر استغاثوا بالأمان وخرج أحمد مقيدا وسير على البريد إلى الديار المصرية وذلك يوم الاثنين بعدا لظهر الثالث والعشرين من هذا الشهر ولله عاقبة الأمور وفي صبيحة يوم الجمعة رابع ربيع الاول دقت البشائر بالقلعة وزينت البلد عن مرسوم السلطان الملك الصالح سرورا بفتح البلد واجتماع الكلمة عليه واستمرت الزينة إلى يوم الاثنين سابعه فرسم برفعها بعد الظهر فتشوش كثير من العوام وأرجف بعض الناس بأن أحمد قد ظهر أمره وبايعه الأمراء الذين هم عنده وليس لذلك حقيقة ودخلت الأطلاب من الكرك صبيحة يوم الأحد ثالث عشر ربيع الاول بالطبلخانات والجيوش واشتهر إعدام احمد بن الناصر
وفي يوم الجمعة حادي عشر ربيع الأول صلى بالجامع الأموي على الشيخ أمين الدين أبي حيان النحوي شيخ البلاد المصرية من مدة طويلة وكانت وفاته بمصر عن تسعين سنة وخمسة أشهر ثم اشتهر في ربيع الآخر قتل السلطان أحمد وحز رأسه وقطع يديه ودفن جثته بالكرك وحمل رأسه إلى أخيه الملك الصالح إسماعيل وحضر بين يديه في الرابع والعشرين من هذا الشهر ففرح الناس بذلك ودخل الشيخ أحمد الزرعي على السلطان الملك الصالح فطلب منه أشياء كثيرة من تبطيل المظالم ومكوسات وإطلاق طبلخانات للأمير ناصر الدين بن بكناش وإطلاق أمراء محبوسين بقلعة دمشق وغير ذلك فأجابه إلى جميع ذلك وكان جملة المراسيم التي أجيب فيها بضع وثلاثين مرسوما فلما كان آخر شهر ربيع الآخر قدمت المراسيم التي سألها الشيخ أحمد من الملك الصالح فأمضيت كلها أو كثير منها وافرج عن صلاح الدين بن الملك الكامل والامير سيف الدين بلو في يوم الخميس سلخ هذا الشهر ثم روجع في كثير منها وتوقف حالها
وفي هذا الشهر عملت منارة خارج باب الفرج وفتحت مدرسة كانت دارا قديمة فجعلت مدرسة للحنفية ومسجدا وعملت طهارة عامة ومصلى للناس وكل ذلك منسوب إلى الامير سيف الدين تقطم الخليلي أمير حاجب كان وهو الذي جدد الدار المعروفة به اليوم بالقصاعين
وفي ليلة الاثنين عاشر جمادي الآخرة ترفى صاحبنا المحدث تقي الدين محمد بن صدر الدين سليمان الجعبري زوج بنت الشيخ جمال الدين المزي والد شرف الدين عبد الله وجمال الدين إبراهيم وغيرهم وكان فقيها بالمدارس وشاهدا تحت الساعات وغيرها وعنده فضيلة جيدة في قراءة الحديث وشيء من العربية وله نظم مستحسن انقطع يومين وبعض الثالث وتوفي في الليلة المذكورة في وسط الليل وكنت عنده وقت العشاء الآخرة ليلتئذ وحدثني وضاحكني وكان خفيف الروح رحمه الله ثم توفي في بقية ليلته رحمه الله وكان أشهدني عليه بالتوبة من جميع ما يسخط الله عز وجل وأنه عازم على ترك الشهود أيضا رحمه الله صلى عليه ظهر يوم الاثنين ودفن بمقابر باب الصغير عند أبويه رحمهم الله
وفي يوم الجمعة ثاني عشرين شهر رجب خطب القاضي عماد الدين بن العز الحنفي بجامع تنكز خارج باب النصر عن نزول الشيخ نجم الدين علي بن داود القفجاري له عن ذلك وايضا نائب السلطنة الامير سيف الدين تغردمر وحضوره عنده في الجامع المذكور يومئذ
وفي يوم الجمعة تاسع عشرين رجب توفي القاضي الامام العالم جلال الدين أبو العباس أحمد ابن قاضي القضاة حسام الدين الرومي الحنفي وصلى عليه بعد صلاة الجمعة بمسجد دمشق وحضره القضاة والأعيان ودفن بالمدرسة التي أنشأها إلى جانب الزردكاش قريبا في الخاتونية الجوانية وكان قد ولى قضاء قضاة الحنفية في أيام ولاية أبيه الديار المصرية وكان مولده سنة أحدى وخمسين وستمائة وقدم الشام مع ابيه فأقاموا بها ثم لما ولى الملك المنصور لاجين ولى أباه قضاء الديار المصرية وولده هذا قضاء الشام ثم إنه عزل بعد ذلك واستمر على ثلاث مدراس من خيار مدارس الحنفية ثم حصل له صمم في آخر عمره وكان ممتعا بحواسه سواه وقواه وكان يذاكر في العلم وغير ذلك
وفي يوم الأربعاء الرابع والعشرين من شعبان توفي الشيخ نجم الدين علي بن داود القفجاري خطيب جامع تنكز ومدرس الظاهرية وقد نزل عنها قبل وفاته بقليل للقاضي عماد الدين بن العز الحنفي وصلى عليه بالجامع المذكور بعد صلاة الظهر يومئذ وعند باب النصر وعند جامع جراح ودفن بمقبرة ابن الشيرجي عند والده وحضره القضاة والاعيان وكان استاذا في النحو وله علوم أخر لكن كان نهاية في النحو والتصريف
وفي هذا اليوم توفي الشيخ الصالح العابد الناسك الشيخ عبد الله الضرير الزرعي وصلى عليه بعد الظهر بالجامع الأموي وبباب النصر وعند مقابر الصوفية ودفن بها قريبا من الشيخ تقي الدين ابن تيمية رحمه الله وكان كثير التلاوة حسنها وصحيحها كثير العبادة يقرئ الناس من دهر طويل ويقوم بهم العشر الأخير من رمضان في محراب الحنابلة بالجامع الأموي رحمه الله
وفي يوم الجمعة ثاني شهر رمضان المعظم توفي الشيخ الامام العالم العامل العابد الزاهد الورع أبو عمر بن أبي الوليد المالكي إمام محراب الصحابة الذي للمالكية وصلى عليه بعد الصلاة وحضر جنازته خلق كثير وجم غفير وتأسف الناس عليه وعلى صلاحه وفتاويه النافعة الكثيرة ودفن إلى جانب قبر أبيه واخيه إلى جانب قبر أبي الغندلاوي المالكي قريبا من مسجد التاريخ رحمه الله وولى مكانه في المحراب ولده وهو طفل صغير فاستنيب له إلى حين صلاحيته جبره ورحم اباه
وفي صبيحة ليلة الثلاثاء سادس رمضان وقع ثلج عظيم لم ير مثله بدمشق من مدة طويلة وكان الناس محتاجين إلى مطر فلله الحمد والمنة وتكاثف الثلج على الأسطحة وتراكم حتى أعيي الناس أمره ونقلوه عن الاسطحة إلى الأزقة يحمل ثم نودي بالأمر بازالته من الطرقات فإنه سدها وتعطلت معايش كثير من الناس فعوض الله الضعفاء بعملهم في الثلج ولحق الناس كلفة كبيرة وغرماة كثيرة فإنا لله وإنا اليه راجعون
وفي يوم الجمعة الثالث والعشرين من رمضان صلى بالجامع الأموي على نائب وهو الأمير علاء الدين الجاولي وقد تقدم شيء من ترجمته رحمه الله
وفي أول شوال يوم عيد الفطر وقع فيه ثلج عظيم بحيث لم يمكن الخطيب من الوصول إلى المصلى ولا خرج نائب السلطنة بل اجتمع الأمراء والقضاة بدار السعادة وحضر الخطيب فصل بهم العيد بها وكثير من الناس صلوا العيد في البيوت
وفي يوم الأحد الحادي والعشرين من ذي الحجة درس قاضي القضاة تقي الدين السبكي الشافعي بالشامية البرانية عن الشيخ شمس الدين ابن النقيب رحمه الله وحضر عنده القضاة والاعيان والأمراء وخلق من الفضلاء وأخذ في قوله تعالى قال رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب وما بعدها وفي ذي الحجة استفتى في قتل كلاب البلد فكتب جماعةمن أهل البلد في ذلك فرسم باخراجهم يوم الجمعة من البلد الخامس والعشرين منه لكن إلى الخندق ظاهر باب الصغير وكان الاولى قتلهم بالكلية وإحراقهم لئلا تنتن الناس بريحهم على ما أفتى به الامام مالك بن أنس من جواز قتل الكلاب ببلدة معينة للمصلحة إذا رأى الامام ذلك ولا يعارض ذلك النهي عن قتل الكلاب ولهذا كان عثمان بن عفان يأمر في خطبته بقتل الكلاب وذبح الحمام
*2* ثم دخلت سنة ست وأربعين وسبعمائة
@ استهلت هذه السنة وسلطان المسلمين بالديار المصرية والشامية والحرمين والبلاد الحلبية وأعمال ذلك الملك الصالح عماد الدين إسماعيل بن الناصر بن المنصور وقضاته بالديار المصرية والشامية هم المذكورون أيضا وفي يوم الجمعة سادس عشر محرم كملت عمارة الجامع الذي بالمزة الفوقانية الذي جدده وأنشأه الأمير بهاء الدين المرجاني الذي بنى والده مسجد الخيف بمنى وهو جامع حسن متسع فيه روح وإنشراح تقبل الله من بانيه وعقدت فيه الجمعة بجمع كثير وجم غفير من أهل المزة ومن حضر من أهل البلد وكنت أنا الخطيب يعني الشيخ عماد الدين المصنف تغمده الله برحمته ولله الحمد والمنة ووقع كلام وبحث في اشتراط المحلل في المسابقة وكان سببه أن الشيخ شمس الدين ابن قيم الجوزية صنف فيه مصنفا من قبل ذلك ونصر فيه ما ذهب اليه الشيخ تقي الدين بن تيمية في ذلك ثم صار يفتى به جماعة من الترك ولا يعزوه إلى الشيخ تقي الدين بن تيمية فاعتقد من اعتقد أنه قوله وهو مخالف للأئمة الاربعة فحصل عليه إنكار في ذلك وطلبه القاضي الشافعي وحصل كلام في ذلك وانفصل الحال على أن أظهر الشيخ شمس الدين بن قيم الجوزية الموافقة للجمهور
نة ست وأربعين وسبعمائة
@ استهلت هذه السنة وسلطان المسلمين بالديار المصرية والشامية والحرمين والبلاد الحلبية وأعمال ذلك الملك الصالح عماد الدين إسماعيل بن الناصر بن المنصور وقضاته بالديار المصرية والشامية هم المذكورون أيضا وفي يوم الجمعة سادس عشر محرم كملت عمارة الجامع الذي بالمزة الفوقانية الذي جدده وأنشأه الأمير بهاء الدين المرجاني الذي بنى والده مسجد الخيف بمنى وهو جامع حسن متسع فيه روح وإنشراح تقبل الله من بانيه وعقدت فيه الجمعة بجمع كثير وجم غفير من أهل المزة ومن حضر من أهل البلد وكنت أنا الخطيب يعني الشيخ عماد الدين المصنف تغمده الله برحمته ولله الحمد والمنة ووقع كلام وبحث في اشتراط المحلل في المسابقة وكان سببه أن الشيخ شمس الدين ابن قيم الجوزية صنف فيه مصنفا من قبل ذلك ونصر فيه ما ذهب اليه الشيخ تقي الدين بن تيمية في ذلك ثم صار يفتى به جماعة من الترك ولا يعزوه إلى الشيخ تقي الدين بن تيمية فاعتقد من اعتقد أنه قوله وهو مخالف للأئمة الاربعة فحصل عليه إنكار في ذلك وطلبه القاضي الشافعي وحصل كلام في ذلك وانفصل الحال على أن أظهر الشيخ شمس الدين بن قيم الجوزية الموافقة للجمهور


التوقيع :


اللهم صل على سيدنا محمد عبدك ونبيك ورسولك
النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم تسليما عدد مااحاط به علمك
وخط به قلمك واحصاه كتابك
وارض اللهم عن سادتنا ابي بكر وعمر وعثمان وعلي
وعن الصحابة أجمعين وعن التابعين وتابعيهم بإحسان الى يوم الدين





رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:04 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.4, Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir