عجباً !!! أين المعلقون على المقالِ بعد أن انتهيتُ منه ؟؟؟ هل جفت أقلامهم ؟
ولذلك قلتُ منذ البدايةِ في ردي رقم : " 15 " ما نصهُ :
من القضايا المهمةِ حال النقاشِ العلمي البعدُ عن العواطفِ ، ولا شك أن ما قام به الحجاجُ من سفكٍ للدماءِ ، وهدمٍ للكعبة بالمنجينق ، لا يخرجهُ عن دائرةِ الإسلامِ ، ولو حصل ذلك لكفرهُ الصحابةُ رضي اللهُ عنهم ، وقد نقل بعضُ الإخوة ممن عقبوا على المقالِ هنا بعضَ النقولِ تثبتُ تكفير بعضِ السلفِ للحجاجِ بنِ يوسف الثقفي .
فنقولُ لهم : هل تقبلون النقاش العلمي البعيد عن العاطفةِ والتشنج ؟
إن قلتم : نعم ، فإليكم الرد .ا.هـ.
في أثناءِ البحثِ في سيرةِ الحجاجِ وجدتُ أموراً ومواقفاً للحجاجِ مع الرعيةِ والعلماءِ نتممُ بها البحث ، ومنها ما يصحُ ومنها دون ذلك .
فريةً على الحجاجِ تتعلقُ بكتابِ اللهِ :
من الأمورِ التي نُقلت عن الحجاجِ أنه غير في مصحفِ عثمانَ أحد عشر حرفاً ، فما صحةُ الخبرِ الواردِ في ذلك ؟
عن عوفِ بنِ أبي جميلةَ أن الحجاجَ بنَ يوسف غيرَ في مصحفِ عثمانَ أحد عشر حرفاً . قال : كانت في البقرةِ : " لَمْ يَتَسَنَّ وَانْظُرْ " [ 259 ] بغيرِ هاءٍ ، فغيرها " لَمْ يَتَسَنَّهْ " بالهاء . وكانت في المائدةِ : " شَرِيْعَةً وَمِنْهَاجًا " [ 48 ] ، فغيرها " شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا " . وكانت في يونس : " هُوَ الَّذِي يَنْشُرُكُمْ " [ 22 ] ، فغيرهُ " يُسَيِّرُكُمْ " . وكانت في يوسف : " أَنَا آتِيْكُم بِتَأْوِيلِهِ " [ 45 ] ، فغيرها " أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ " ، وكانت في المؤمنين : " سَيَقُولُونَ لِلَّهِ لِلَّهِ لِلَّهِ " [ 85 ، 87 ، 89 ] ثلاثتهن ، فجعل الأخيرين " اللّه اللّه " . وكانت في الشعراء ، في قصة نوح : " مِنْ الْمُخْرَجِينَ " [ 116 ] ، وفي قصةِ لوط : " مِنْ الْمَرْجُومِينَ " [ 167 ] ، فغير قصةِ نوح " مِنْ الْمَرْجُومِينَ " وقصة لوط " مِنْ الْمُخْرَجِينَ " . وكانت في الزخرف : " نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعَايشَهُمْ " [ 32 ] فغيرها " مَعِيشَتَهُمْ " . وكانت في الذين كفروا " مِنْ مَاءٍ غَيْرِ يَاسِنٍ " [ محمد : 15 ] ، فغيرها " مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ " . وكانت في الحديد : " فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَاتّقَوْا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ " [ 7 ] فغيرها " وَأَنْفَقُوا " ، وكانت في إذا الشمس كورت " وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِظَنِينٍ " [ التكوير : 24 ] ، فغيرها " بِضَنِينٍ " .
أخرجهُ ابنُ أبي داود في " المصاحف " (142 ، 348) .
وفي سندِ الروايةِ عبادُ بنُ صهيب البصري ، ذكره الذهبي في " الميزان " (2/367 رقم 4122) وقال : أحدُ المتروكين ... قال ابن المديني : ذهب حديثه . وقال البخاري والنسائي وغيرهما : متروك . وقال ابنُ حبان : كان قدرياً داعيةً ، ومع ذلك يروي أشياءَ إذا سمعها المبتدىء في هذه الصناعةِ شهد له بالوضعِ .ا.هـ.
وقال الشيخُ عبدُ اللهِ الجديع في " المقدمات الأساسية في علوم القرآن " ( ص161 حاشية ) عن الخبر : هذا خبرٌ كذبٌ ، فإن مُصحف عثمانَ زمن الحجاجِ قد طبق ديارَ الإسلامِ ، وما كان الحجاجُ ليُغيِّرَ حرفاً من كتابِ اللهِ والمصاحفُ العثمانيةُ قد وقعت لكلِ الأمصارِ ، وانتسخ الناسُ منها مصاحفهم ، والقراءُ يومئذٍ من الذين يرجعُ إليهم الناسُ في القراءةِ موجودون ، فإن كان الحجاجُ غيرَ حرفاً في مصحفٍ فوالله ما كان ليقدرَ أن يفعلهُ في جميعِ تلك المصاحفِ ، وإن كان أرهب كثيراً من الناسِ يومئذٍ بظلمهِ وطغيانهِ ، فما كان ليقدر أن يصمِّتَ جميعَ أمةِ محمدٍ صلى اللهُ عليه وسلم فيُحرف القرآنَ على مرأى من جميع المسلمين ، ثم هب أن ذلك قد وقع من الحجاجِ ، فأين النقلةَ لم يجمعوا على نقلهِ ، ولماذا لم يأتِ إلا من طريقِ عبادِ بنِ صهيبٍ رجلٍ من المتروكين الهلكى ؟ كيف وقد ثبتت الأسانيدُ الدالةُ على بطلانِ هذه الحكايةِ بخصوص كتابةِ تلك الأحرفِ ؟ ومثل هذا لا يستحقُ الإطالةَ الإطالةَ بأكثرَ مما ذكرتُ لظهورِ فسادهِ .ا.هـ.
ما نسب إليهِ من غلوٍ في عثمانَ رضي اللهُ عنه :
ورد خبرٌ أن الحجاجَ كان عثمانياً غالياً فيه فلننظر فيه .
فراسةُ والدِ الحجاجِ في ابنهِ :
تفرس والدُ الحجاجِ في ابنه من خلالِ قصة نقلها الحافظُ ابن كثير في " البداية والنهاية " (9/119) نقلها عن ابنِ عساكر صاحبِ " تاريخ دمشق " فقال : وقد ذكر ابنُ عساكر في ترجمةِ سليم بن عنز قاضي مصر ، وكان من كبار التابعين ، وكان ممن شهد خطبة عمر بن الخطاب بالجابية ، وكان من الزهادةِ والعبادةِ على جانب عظيم ، وكان يختم القرآن في كل ليلة ثلاث ختمات في الصلاة وغيرها . والمقصود أن الحجاج كان مع أبيه بمصر في جامعها فاجتاز بهما سليم بن عنز هذا فنهض إليه أبو الحجاج فسلم عليه ، وقال له : إني ذاهب إلى أمير المؤمنين ، فهل من حاجة لك عنده ؟ قال : نعم ! تسأله أن يعزلني عن القضاء . فقال : سبحان الله !! والله لا أعلم قاضياً اليوم خيراً منك . ثم رجع إلى ابنه الحجاج فقال له ابنه : يا أبت أتقوم إلى رجل من تجيب وأنت ثقفي ؟ فقال له : يا بني ، والله إني لأحسب أن الناس يرحمون بهذا وأمثاله . فقال : والله ما على أمير المؤمنين أضر من هذا وأمثاله ، فقال : ولم يا بني ؟ قال : لأن هذا وأمثاله يجتمع الناس إليهم ، فيحدثونهم عن سيرة أبي بكر وعمر ، فيحقر الناس سيرة أمير المؤمنين ، ولا يرونها شيئاً عند سيرتهما ، فيخلعونه ويخرجون عليه ويبغضونه ، ولا يرون طاعته ، والله لو خلص لي من الأمر شيء لأضربن عنق هذا وأمثاله . فقال له أبوه : يا بني والله إني لأظن أن الله عزَّ و جلَّ خلقك شقياً .
علق ابنُ كثير على القصة فقال : وهذا يدل على أن أباه كان ذا وجاهة عند الخليفة ، وأنه كان ذا فراسة صحيحة ، فإنه تفرس في ابنه ما آل إليه أمره بعد ذلك .ا.هـ.
وللموضوعِ بقيةٌ إن شاءَ اللهُ تعالى ....
كتبهُ
عبد الله زُقَيْل
6 شوال 1424 هـ
كتبه
عَـبْـد الـلَّـه بن محمد زُقَـيْـل
11 رمضان 1424 هـ