يقول الإمام علي «عليه السلام »: «عُمّرت البلدان بحب الأوطان وحب الوطن من الايمان».
هناك مفاهيم كثيرة ولكنها واقعية يضطر الانسان التعامل معها في حين لم تتضح صورتها مقارنة بالمثل الاسلامية الاخرى لتركيزنا في كثير من الحالات على الاهداف السامية للدين الاسلامي بعيداً عن التطبيقات العملية، على الساحة اليومية.
لذلك من الضرورة الملحة تحليل هذه المفاهيم وبيانها حتى يكون الانسان على قدر كبير من الوعي بمثل هذه المفاهيم وعنوان المؤتمر احد هذه المفاهيم.
فالمقومات الاساسية لكل دولة ثلاثة رئيسية وهي:
1ـ الوطن (الرقعة الجغرافية).
2ـ المواطن (الشعب).
3ـ السلطة (الحكومة)
فالوطن عبارة عن رقعة جغرافية يعيش عليها مجموعة من البشر وبناء على الاتفاقيات الدولية للحدود الجغرافية تم اضافة سماء والمياه الاقليمية لهذه الدولة ضمن حدودها اذا كانت هذه الدولة مطلة على احد البحار المفتوحة او المغلقة وقد عبر عن الوطن في القرآن الكريم بلفظ (البلد) (لا اقسم بهذا البلد وأنت حل بهذا البلد) وفي آية اخرى (بلدة طيبة ورب غفور).
المواطنة:
هي صفة تطلق على مجموعة من البشر يعيشون على هذه الرقعة الجغرافية من العالم ولا يشترط التجانس بين هؤلاء الناس، فمن الممكن ان يكونوا من قوميات متعددة (عربية او فارسية او تركية او هندية) وممكن ان يكونوا من ديانات مختلفة مثل (الاسلام او المسيحية او اليهودية...) ومن الممكن ان يكونوا من توجهات ومذاهب مختلفة (سنة ـ شيعة ـ ليبرالية او شيوعيين) والى آخر التصنيفات.
والمواطنة هي صفة المواطن الذي يتمتع بالحقوق ويلتزم بالواجبات الذي يفرضها عليه القانون والدستور لانتمائه لهذا الوطن.
وتشير دائرة المعارف البريطانية الى المواطنة بأنها علاقة بين الفرد والدولة كما يحددها قانون تلك الدولة وبما تتضمنه تلك العلاقة من واجبات وحقوق في تلك الدولة.
السلطة:
هو نظام الحكم الذي بواسطته يحكم هذا البلد من خلال مواطنيه حسب المواثيق والدساتير المتفق عليها من قبل هؤلاء المواطنين والسلطة تفرض على مواطنيها احترام القانون وتطبيقه لصالح المجتمع من اجل المصلحة العامة.
ونظام الحكم يختلف من بلد الى آخر فيمكن ان يكون اسلاميا، رأسماليا، اشتراكيا او نظاما يتفق عليه من قبل الشعب..
حب الوطن من الايمان:
عندما اضطر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) للهجرة من مكة الى المدينة قال عليه الصلاة والسلام كلمته المشهورة: والله انك لخير ارض الله وأحب ارض الله الي ولولا اهلك اخرجوني منك ما خرجت منك» وعندما خرج مهاجراً من مكة التفت اليها وظن انه لا يعود اليها ولا يراها بعد ذلك فأدركته رقة وبكى فأتاه جبرائيل (عليه السلام) وتلا عليه قوله تعالى: (ان الذي فرض عليك القرآن لرادك الى معاد).
ولماذا لا يحب الانسان وطنه؟ وقد عاش وترعرع فيه حتى بنى جسمه من مائه وغذائه وهوائه وتعلم فيه وعمل وكد في وطنه.
ولذلك يقول الامام علي «رضي الله عنه» «من كرم المرء حنينه الى وطنه».
واجبات المواطن:
1ـ واجب المواطن الاول هو الحفاظ على الوطن من خلال الدعوة الى المواطنة الصالحة ونشر الخير والصلاح في الوطن والتمسك بحقوقه والقيام بواجباته على احسن وجه والدعوة الى اعلاء كلمة الله على ربوع هذا الوطن العزيز.
2ـ الدفاع والذود عن هذا الوطن اذا تعرض لاي هجوم او اعتداء خارجي ولذلك يقول الامام علي «رضي الله عنه» «ما غُزي قوم قط في عقر دارهم الا ذلوا».
3ـ التعاون مع بقية المواطنين في الوطن من اجل المصلحة العامة واستقرار البلد والعمل على رفع شأن هذا البلد في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والفكرية والرياضية.. الخ، ومحاولة تجنب المجتمع الشرور والاضرار وذلك حفاظاً على ابناء البلد.
وهذا ما قام به رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عندما هاجر الى المدينة المنورة وجعل بينهم (صحيفة المدينة) التي تحدثت عن العلاقة بين المسلمين فيما بينهم وبين المسلمين واليهود من جهة اخرى، وقد بين العلامة المرحوم الشيخ محمد مهدي شمس الدين هذه الوثيقة في كتابه الاجتماع السياسي الاسلامي ويقول تعالى: (ان الله يأمر بالعدل والاحسان) ويقول الشيخ محمود شلتوت شيخ الازهر السابق: ان الامر بالعدل امر عام دون تخصيص بنوع دون نوع ولا طائفة دون طائفة لان العدل نظام الله وشرعه والناس عباده وخلقه يستوون ابيضهم واسودهم ذكرهم وانثاهم المسلم منهم وغير المسلم أمام عدله وحكمته.
ويذكر آدم معتز في دراسته عن الحضارة الاسلامية في القرن الرابع عشر ان المسلمين كانوا اكثر تسامحا من غير المسلمين من الحضارات المعاصرة لهم وان الاسلام اكثر تسامحاً مع طوائف النصارى من الدولة الرومانية الشرقية.
وعلى الدولة ان تقدم الضمانات القانونية لمنع اي تعديل على الحقوق المدنية والسياسية وكذلك ضمان الحقوق الاجتماعية والاقتصادية وان تمكن الدولة الافراد في المشاركة الفعالة في عمليات اتخاذ القرارات السياسية في المجتمع والتعبير عن رأيهم ومصالحهم وحقوقهم بحرية، وعندما كان الاسلام على وشك البزوغ قام في مكة «حلف الفضول» وذلك لنصرة المظلوم سواء من اهل مكة او زوارها وقد شهد الرسول الاكرم «صلى الله عليه وسلم» هذا الحلف وقال: «لو دعيت به في الاسلام لاجبت» ويقول الشاعر:
ان الفضول تحالفوا وتعاقدوا
ألا يقر ببطن مكة ظالم
امر عليه تعاهدوا وتواثقوا
فالجار والمعتر فيهم سالم
حقوق المواطن:
1ـ المساواة والعدالة في الحقوق بينه وبين بقية افراد الوطن ولابد ان يشعر بهذه المساواة ويلتمس هذه العدالة في جميع نواحي حياته اليومية سواء في التعليم او العلاج او فرص العمل وعدم شعور المواطن بأنه هناك تميز وطبقية بالمجتمع بسبب الجنس او الدين او اللون او اللغة او لأي سبب آخر وحينئذ سوف ينشدّ الى وطنه اكثر واكثر.
2ـ التمتع بالأمن والامان في الوطن في ظل حكم القانون ولابد ان يشعر بالامان على نفسه وماله وعرضه في ظل سلطة تعمل جاهدة على تحقيق هذا الشعور لدى مواطنيها والا فإن فقدان الأمن والامان ادى الى هجرة ملايين البشر من بلدانهم الاصلية واستقروا في دولة اخرى بعيدة بسبب افتقادهم لنعمة الامن في اوطانهم ونستشهد بقول الامام علي عليه السلام «الغنى في الغربة وطن والفقر في الوطن غربة».
3ـ تأمين فرص عمل كريمة للمواطن يستطيع من خلالها ان ينعم بالعيش ويستطيع من خلالها تلبية متطلبات حياته وحياة اسرته اليومية حتى لا يضطر الى ان يعيش فقيراً ذليلاً بدون عمل او يبحث عن المحرمات ويرتكب الجرائم في الوقت الذي افنى به عمره في خدمة هذا البلد وتعلم حتى حصل على اعلى الشهادات والمستويات الدراسية.
ومن معنى الوطن والمواطنة ننقل هذا النص من كلام الدكتور علي خليفة الكواري الوزير القطري السابق:
«وجدير بالتأكيد ان الجوانب المدنية والقانونية والسياسية من حقوق المواطنة وواجباتها ليست كافية للتعبير عن مراعاة مبدأ المواطنة هذا بالرغم من كونها ابعادا لازمة، فالى جانب ذلك هناك ايضا الحقوق الاجتماعية والاقتصادية التي لا يمكن ممارسة مبدأ المواطنة على ارض الواقع دون تقرير الحد الادنى من هذه الحقوق والضمانات للمواطن حتى يكون للمواطنة معنى ويتحقق بموجبها انتماؤه وولاؤه لوطنه وتفاعله الايجابي مع مواطنيه.
وعندها يتحقق انتماء المواطن وبالتالي ولاؤه في دولة ما تنتقل المواطنة من كونها مجرد توافق او ترتيبا سياسيا تعكسه نصوص قانونية لتصبح المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات قيمة اجتماعية وممارسة سلوكية يعبر اداؤها من قبل المواطنين عن نضج ثقافي وادراك حقيقي لفضيلة معاملة جميع المواطنين على قدم المساواة دون تمييز بينهم بسبب الدين والمذهب والعرق أو الجنس.
العرض العادي
