بالنظر الى ما يزخر به تراث الإمارات من مادة غنية من المأثورات الشعبية التي تمثل كل إبداع فني إكتسب صفة الديمومة والاستمرار وتوارثه الأبناء عن الآباء والأجداد، فان الجهود والطاقات التي بذلت ولا زالت تبذل في سبيل حماية التراث كثيرة وهامة، وتهدف أيضاً الى إحياء ما إندثر من ملامحه المشرقة بفعل التغيرات الحضارية والاقتصادية التي خضعت لها منطقة الخليج منذ اكتشاف حقول الذهب الأسود في ربوعها
وكانت الدعوة الكريمة التي أطلقها صاحب السمو رئيس الدولة لأجل جمع التراث وتوثيقه هي النبراس الذي يقتدي به جميع أبناء الإمارات للحفاظ على موروث وطنهم وهويته العربية والإسلامية، كما جاءت هذه الدعوة لتفجر طاقات أبناء الإمارات أفراداً ومؤسسات نحو إحياء التراث وإيجاد السبل الناجحة لتوظيفه في إغناء الحياة الروحية والثقافية للمجتمع وتمكينه من الإبحار للمستقبل وهو يقف على أرض صلبة0
وفي سبيل جمع التراث والتاريخ وتوثيقه ودراسته والأخذ بالجوانب المضيئة فيه واستثماره لصالح جيل اليوم وجيل الغذ فقد قامت في أرجاء دولة الإمارات العربية المتحدة مراكز ومؤسسات ولجان وجمعيات وأقسام اتحادية محلية رسمية وأخرى أهلية متخصصة في هذا المجال تتميز باستغلاليتها وتفرغها لأعمال تدوين التراث وجمعه وإحياء ما إندثر منه0
فعلى صعيد المراكز والمؤسسات الرسمية يبرز دور مركز الوثائق والدراسات المنبثق عن المجمع الثقافي في ( أبو ظبي ) الذي يهدف الى جمع وتصوير الوثائق المتعلقة بدولة الإمارات والمنطقة ككل وجمع ما يكتب عن المنطقة بالاضافة الى توثيق النهضة المعاصرة للدولة ولدول المنطقة، كما يبرز على الصعيد نفسه دور لجنة التراث والتاريخ التي تعمل على توثيق دقيق لحياة مواطني دولة الإمارات في كافة نواحيها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والفنية والعلمية وجمع التراث القديم والمحافظة عليه
كما يبرز أيضاً دور المراكز واللجان المماثلة التابعة لدواوين أصحاب السمو أعضاء المجلس الأعلى للاتحاد حكام الامارات
وعلى الصعيد الأهلي، يبرز دور ( جمعيات الفنون الشعبية والتجديف اضافة الى الفرق الاميرية للفنون الشعبية ) المنتشرة في مختلف أرجاء الإمارات التي تهتم بنشر الفنون الشعبية الأصيلة وإحياء رياضات البحر العريقة، ويحتل ( نادي تراث الامارات وجمعية إحياء التراث الشعبي ) مكانة هامة في أعمال إحياء التراث والمحافظة على الموروثات الشعبية من خلال جمع البحوث والدراسات الخاصة بالتراث ووضع البرنامج والخطط العامة للمراكز والفروع التابعة لهم لتقوم بتنفيذها بشكل تفصيلي وخاصة في مجال رياضات الهجن، والفروسية، والرماية ، والصقور، والألعاب الشعبية، والأشغال اليدوية التي تكاد معظمها يندثر0 كما يعنون بإقامة المعارض التراثية محلياً وخارجياً وبإقامة القرى التراثية السياحية بهدف التعريف بتراث دولة الإمارات وبتاريخها وبأنماط الحياة والسلوك الاجتماعي المميز لابن البادية والمدينة في ربوع هذه البلاد، وهم بذلك يحذون حذو الوزارات والمؤسسات الاتحادية والمحلية المعنية، كوزارة الإعلام والبلديات0 إذ تقوم الأخيرة بإنشاء وإدارة المتاحف التراثية التي تجسد صوراً حية من مظاهر ومعالم متنوعة من التراث الشعبي والآثار التاريخية للبلاد0 أما وزارة الإعلام فهي على تواصل دائم من خلال أجهزتها المرئية والمسموعة والمقروءة مع كافة جوانب التراث والتاريخ فتساهم بنشره وإحيائه وتعريف أوسع قطاعات من الناس، خاصة الأجيال الجديدة، به، وتعدد جهود إحياء التراث وتتفرغ من خلال جمعيات النهضة النسائية ومراكز التنمية الاجتماعية بفروعها المختلفة في كل الإمارات حيث تنبثق عنها لجان وأنشطة تراثية، خاصة في مجال الصناعات البيئية اليدوية التقليدية المتوارثة
وعلى صعيد الجهود والاهتمامات التطوعية الفردية فلا بد من الإشارة إلى الدراسات والبحوث وجهود الجمع والتوثيق، والتحقيقات الميدانية، إضافة الى بعض الاهتمامات الفردية في مجال اقتناء وحفظ المواد التراثية المادية كالتحف والقطع الأثرية الشعبية المختلفة وغيرها
وإذا كانت الجهود التي تبذل على صعيد دولة الإمارات لحماية التراث الشعبي وجمعه وحفظه تتخذ أشكالاً وأنماطاً متعددة ومختلفة تقوم بها المؤسسات والجمعيات الرسمية والأهلية وكذلك الأفراد، فان ثمة جهوداً لا تقل أهمية باتت تفرض نفسها على الساحة العامة في الدولة تنادي بالعودة إلى الأخلاق والعادات الأصيلة التي نشأ عليها الآباء والأجداد التي من شأنها حماية أفراد المجتمع من الضياع والتهلكة في الوقت الذي غزت فيه قشور الحضارة الغربية مجتمعنا، وانتشرت بين أفراده عادات وسلوكيات دخيلة لا تمت للقيم والأخلاق والمبادئ العربية والإسلامية الأصيلة بأية صلة
ولما لهذا الأمر من أهمية بالغة، فقد دعا صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس الدولة أبناءه وكافة أفراد الأسرة الإماراتية للتقيد بالمباديء والعادات الأصيلة للمجتمع في ما يتعلق بتربية الأبناء ومواجهة مشكلاتهم الاجتماعية وفي مقدمتها مشكلة الزواج
وكان حديث صاحب السمو رئيس الدولة لأبنائه شباب الإمارات حافزاً لكفة القبائل والأسر الإماراتية بحثهم للرجوع الى الماضي والتقيد بعادات وتقاليد السلف الصالح في جميع شؤون حياتهم وخاصة الاجتماعية منها، فظهرت عادات الماضي الأصيلة في العديد من المناسبات الاجتماعية كالأعراس والاحتفالات الأخرى، كما عاد للمجالس والتجمعات في الأحياء دورها الفاعل في مناقشة القضايا الاجتماعية وتعريف الأبناء بتاريخ وسير آبائهم وأجدادهم
تلك خطوات هامة في عملية متكاملة يجب أن تستمر ليبقى الأصيل، النابض، والجميل من عاداتنا وتراثنا وفولكلورنا حافزاً دائماً معنا، ولكي لاتشغلنا قشور الحضارة، الزائف والسطحي والدخيل من العادات، عن التواصل مع قيم وإبداعات الماضي، وتوظيفها في معركة بناء الحاضر والاستعداد للمستقبل
العرض العادي
