لـغـة : على أصح الآراء مصدر على وزن فُعلان ، كالغُفران ، بمعنى القراءة ، قال تعالى: {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} [ القيامة: 17- 18 ].
اصطلاحاً: هو كلام الله القديم(1) المعجز(2) المُنَزل على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، المكتوب بالمصاحف، المنقول بالتواتر(3)، المُُتعَّبد بتلاوته(4) .
______________________________
-1- كلام الله القديم (العقيدة )
-2- القرآن معجز بجملته ، كما أنه معجز بأي سورة منه ، ولو كانت أقصر سورة منه ، ولو عُرِّف القرآن بهذه الصفة " الكلام المعجز " لكفى ذلك لتمييزه والتعريف به . قال تعالى: { قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً} [ الإسراء : 88 ] .
-3- التواتر (مصطلح الحديث).
-4- أي أن مجرد تلاوة القرآن عبادة يثاب عليها المؤمن.
-4- الفرقان : إشارة إلى أنه يفرق بين الحق والباطل: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا} [ الفرقان: 1].
نزوله إلى اللوح المحفوظ (1) بطريقة و وقت لا يعلمها إلا الله ومن أطلعه على غيبه ، وكان جملة لا مفرقاً ، وذلك ظاهر من قوله تعالى: { بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ * فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ } [البروج: 21-22] .
التـنـزل الثاني :
النـزول من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في السماء الدنيا، ويظهر من خلال الآيات القرآنية التي يستدل بها على هذا النزول ما يُفيد بأن القرآن نزل في ليلة واحدة إلى السماء الدنيا. و وصفها القرآن الكريم : بمباركة وقال عز وجل {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ} [الدخان: 3]، وسـماها ليلة القدر - وهي في رمضان - قال تعالى: { إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ } [ القدر: 1] ، وقال سبحانه { شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ } [ البقرة: 185] ، ونزل جملة واحدة .
التـنـزل الثالث:
النـزول من السماء الدنيا من بيت العزة على قلب خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد صلّى الله عليه وسلم، وهي المرحلة الأخيرة التي شعّ منها النور على البشرية جمعاء . نزل به جبريل على قلب الرسول صلّى الله عليه وسلم منجماً (2) في ثلاث وعشرين سنة حسب الحوادث والطوارىء ، وما يتدرج من تشريع .
ولقد نسب الله القرآن إلى نفسه في عدة آيات منها:{ وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ } [ النمل: 6]. وقوله تعالى: { وَإِنْ أَحَدُُ مِّنَ الْمُشْرِكيَن اسْتَجَارِكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ الله } [التوبة :6].
______________________________
-1- عالم علوي عظيم جعله الله تعالى من أعظم المظاهر الدالة على عظمة علمه تعالى وحكمته وقدرته النافذة في الأكوان، ويختص اللوح المحفوظ بكونه مشتملاً على تسجيل ما قضى الله وقدر، وما كان وما سيكون .
- حكمـة نـزولـه جـملـة واحـدة إلى السـماء الـدنـيـا
تفخيم أمر القرآن الكريم وأمر من نزل عليه ، وذلك بإعلام سكان السماوات السبع أن هذا آخر الكتب المنـزلة على خاتم الرسل - صلّى الله عليه وسلم - لأشرف الأمم.
سرّ يرجع لإعجاز القرآن الكريم ، في ترتيب القرآن في النزول ، ثم ترتيبه في المصحف ، حيث ينظّره جبريل في سـماء الدنيا وهو على ترتيب المصحف ، ثم ينـزل بآياته تِباعاً على حسب الحوادث ، فتوضع كل آية مكانها في المصحف وفق الترتيب في اللوح المحفوظ .
تثبـيت فؤاد الرسول صلّى الله عليه وسلم وتقوية قلبه: كما قال تعالى: { كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ } [ الفرقان: 32] . فقد بُعث الرسول صلّى الله عليه وسلم في قوم جفاة، شديدة عداوتهم كما قال تعالى: { وَتُنذِرَ بِهِ قَوْمَاً لُّدّاً } [ مريم: 97]. وكانوا لا يكادون ينتهون من حملة أو مكيدة حتى يشرعوا في تدبير أخرى مثلها أو أشد منها، فكانت تنـزلات القرآن الكريم بين الفينة والأخرى تواسيه وتسليه ، وتشد أزره وعزيمته على تحمل الشدائد والمكاره .
مواجهة ما يطرأ من أمور أو حوادث تمس الدعوة: كما قال تعالى:{ وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً } [ الفرقان: 33]. وهذه حكمة جليلة لها أثرها البالغ في نجاح الدعوة ، لمواجهة الوحي نفسه للطوارىء والملمات ، ومن أهم ذلك ما يثيره المبطلون من الاعتراضات أو الشبهات ، وهو الأصل الذي صرحت به الآية الكريمة : أي لا يأتونك بسؤال عجيب أو شبهة يعارضون بها القرآن بباطلهم العجيب إلا جئناهم بما هو الحق في نفس الأمر الدامغ لباطلهم، وهو أحسن بياناً وأوضح، وأحسن كشفاً لما بعثت له.
تعهد هذه الأمة التي أنزل عليها القرآن: وذلك لصياغتها على النهج الإسلامي القرآني علماً وعملاً، وفكراً واعتقاداً وسلوكاً، تخلقاً وعرفاً. كما قال تعالى:{ وَقُرءاناً فَرَقنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ } [ الإسراء: 106]. ومن مظاهر هذا الجانب أنهم كانوا قوماً أميين لا يحسنون القراءة والكتابة ، فكانت الذاكرة عمدتهم الرئيسية ، فلو نزل القرآن الكريم جملة واحدة لعجزوا عن حفظه.
التحدي والإعجاز.
تربية للرسول صلّى الله عليه وسلم وتصبيره على أذى المشركين ، وتثبيت قلوب المؤمنين وتسليحهم بعزيمة الصبر واليقين .
Cant See Links
الوحي
تـعـريـفـه
لـغـة : الإعلام في خفاء بسرعة ، تقول: أوحيت إلى فلان إذا كلمته في خفاء .
ومن معناه اللغوي:
الإلهام الفطري للإنسان ، كالوحي إلى أم موسى ، قال تعالى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ}[اقصص:7]
الإلهام الغريزي للحيوان ، كالوحي إلى النَّحل ، قال تعالى: {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنْ اتَّخِذِي مِنْ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنْ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ} [النحل: 68].
الإشارة السريعة على سبيل الرمز والإيحاء ، قال تعالى عن زكريا: {فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنْ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا} [مريم: 11].
وسوسة الشيطان وتزيينه الشرَّ في نفس الإنسان ، قال تعالى: {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ} [ الأنعام: 121].
أمر الله إلى الملائكة في قوله تعالى: {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا} [ الأنفال: 12].
شـرعـا ً: هو كلام الله المنزل على نبي من أنبيائه بطريقة خفية سريعة ، غير معتادة للبشر.
-1- مثل الرؤيا الصالحة في المنام ، عن عائشة رضي الله عنها قالت أول ما بدىء به صلّى الله عليه وسلم الرؤيا الصالحة في النوم ، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح. (فتح الباري في شرح صحيح البخاري ، جزء رقم : 3 ).
-2- التكليم الإلهي من وراء حجاب يقظة ، قال تعالى: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء: 164].
-3- التكليم ليلة الإسراء والمعراج مباشرةً بلا واسطة [ فتح الباري 1/19].
كيفية نزول جبريل عليه السلام على الرسول صلّى الله عليه وسلم
الحالة الأولى : يأتيه مثل صلصلة الجرس (1)، وهو أشده على الرسول صلّى الله عليه وسلم، لأن هذه الحالة انسلاخ من البشرية الجسمانية واتصال بالملكية الروحانية.
الحالة الثانية : أن يتمثل له الملك رجلاً، ويأتيه في صورة بشر (2) وهذه الحالة أخف على الرسول صلّى الله عليه وسلم، لأنها عكس الحالة الأولى، فهي الملك من الروحانية المحضة إلى البشرية الجسمانية.
دليل الحالتين : روت السيدة عائشة رضي الله عنها أن الحارث بن هشام سأل النبي صلّى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله كيف يأتيك الوحي فقال: رسول الله صلّى الله عليه وسلم : " أحياناً يأتيني مثل صلصلة الجرس ، وهو أشده عليَّ فَيَفْصم عني (3) وقد وعيت عنه ما قال ، وأحياناً يتمثل لي الملك رجلاً فيكلمني فأعي ما يقول . [فتح الباري في شرح صحيح البخاري رقم: 2] .
الحالة الثالثة: النفث في الرُّوْع (4) ، ودليل هذا ما ورد عن الرسول صلّى الله عليه وسلم: " أن روح القدس نفث في رُوْعي أن نفساً لن تموت حتى تستكمل أجَلها ، وتستوعب رزقها …".
الحالة الرابعة: دوي النَّحْل(5) ، ودليله قول سيدنا عمر بن الخطاب : كان إذا نزل على رسول الله صلّى الله عليه وسلم الوحيُ يُسمَع عند وجهه دويٌ كدوي النَّحْل …
_______________________
-1- هو في الأصل صوت وقوع الحديد بعضه على بعض ، ثم أطلق على كل صوت له طنين [ فتح الباري 1/20 ]
-2- فإن جبريل عليه السلام قد تمثل في صور كثيرة ، منها : في صورة دِحية الكلبي ، وصورة أعرابي . [ فتح الباري 1/19 بتصرف ].
عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: {لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ} [ القيامة: 16] ، قال:كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم يعالج من التـنـزيـل شدة وكان يحرك شفتيه… فأنزل الله عز وجل: {لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} [القيامة: 16-17]. قال ابن عباس في ( جَمْعَهُ ) : جمعه لك في صدرك. فكان رسول الله صلّى الله عليه وسلم بعد ذلك إذا أتاه جبريل استمع ، فإذا انطلق جبريل قرأه النبي صلّى الله عليه وسلم كما كان قرأ.
كان إذا نزل عليه --صلّى الله عليه وسلم - الوحي سُمع عند وجهه دويٌّ كدوي النحل. [انظر الحالة الرابعة من القسم السابق ].
كان إذا نزل عليه -صلّى الله عليه وسلم - الوحي ثقل جسمه حتى يكاد يرضّ فخذه فخذ الجالس إلى جنبه.
عن زيد بن ثابت رضي الله عنه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم أملى عليه: {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [ النساء: 95]. فجاء ابن مكتوم وهو يُمِلُّها عليّ ، قال: يا رسول الله ، والله لو أستطيع الجهاد لجاهدت-وكان أعمى . فأنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم وفخذه على فخذي ، فثقلت عليَّ حتى خفت أن ترضّ فخذي ، ثم سُرِّيَ عنه فأنزل الله: {غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ} [النساء: 95 ].
كان إذا نزل عليه -صلّى الله عليه وسلم - الوحي بركت به راحلته ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : إن كان يوحى إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم وهو على راحلته فتضرب ، بِجِرانها(1).
_______________________
-1- الجِران : باطن عنق الناقة .
Cant See Links
الـمكي والـمدني
تـعـريـف الـمكي والـمدني
فيه ثلاث آراء :
-1- اعتبار زمن النـزول: وهو القول المشهور.
ويمتاز هذا القول بشمول تقسيمه جميع القرآن، ولا يخرج عنه شيء حتى كان عموم قولهم في المدني : ((ما نزل بعد الهجرة)) ، يشمل ما نزل بعد الهجرة في مكة نفسها في عام الفتح، أو عام حجة الوداع، مثل آية: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ}.كما يشمل ما نزل بعد الهجرة خارج المدينة في سفر من الأسفار أو غزوة من الغزوات.
فالمكي ما نزل قبل الهجرة وإن كان بالمدينة، والمدني ما نزل بعد الهجرة وإن كان بمكة، فما نزل بعد الهجرة وإن كان بمكة أو عرفة فهو مدني، كالذي نزل عام الفتح، كقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: 58] أو نزل في حجة الوداع كقوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِينًا} [المائدة: 3].
-2- اعتبار المخاطب: أن المكي ما وقع خطاباً لأهل مكة و المدني ما وقع خطاباً لأهل المدينة ، لأن الغالب على أهل مكة الكفر ، فخوطبوا بـ: { يا أَيُّها النَّاسُ } ، وكان الغالب على أهل المدينة الإيمان ، فخوطبوا بـ: { يا أيها الذين آمنوا } وإن كان غيرهم داخلاً فيه.
وهذا الضابط لا ينطبق دائماً، لأن في سورة البقرة و النساء -وهما مدنيتان- خطاًباً مكياً وهو : {يا أَيُّها النَّاسُ}.
-3 اعتبار مكان النزول: أن المكي ما نزل على النبي صلّى الله عليه وسلم بمكة ، والمدني ما نزل عليه بالمدينة ، ويترتب على هذا الرأي عدم ثنائية القسمة ، فما نزل عليه بالأسفار - مثل سورة الأنفال ، وسورة الفتح ، وسورة الحج -لا يطلق عليه مكي ولا مدني وذلك مثل ما نزل عليه بِتَبُوك وبيت المقدس.
ويدخل في مكة ضواحيها ، مِنى وعرفات ، والحُدَيْبِيَة ، ويدخل في المدينة أيضاً ضواحيها: بَدْر ، وأُحُد، وسَلْع. وكذلك يترتب على هذا الرأي أن ما نزل بمكة بعد الهجرة يكون مكياً.
يعرف بالمكي والمدني الناسخ والمنسوخ ، الذي كان من حكمة تربية القرآن الكريم في التشريع.
علم المكي والمدني يُعين الدارس على معرفة تاريخ التشريع والوقوف على سُنة الله الحكيمة في تشريعه، بتقديم الأصول على الفروع، وترسيخ الأسس الفكرية والنفسية، ثم بناء الأحكام والأوامر والنواهي عليها، مما كان له الأثر الكبير في تلقي الدعوة الإسلامية بالقبول، ومن ثم الإذعان لأحكامها.
الإستعانة بهذا العلم في تفسير القرآن الكريم وفهم معانيه.
تذوق أساليب القرآن الكريم والاستفادة منها في أسلوب الدعوة.
الوقوف على السيرة النبوية من خلال الآيات القرآنية الكريمة.
منهج سماعي: يستند إلى الرواية الصحيحة عن الصحابة والتابعين الذين عاصروا الوحي وشاهدوا نزوله، أو عن التابعين الذين تلقوا عن الصحابة وسمعوا منهم كيفية النزول ومواقفه وأحداثه.
منهج قياسي اجتهادي: يستند إلى خصائص المكي وخصائص المدني ، فإذا ورد في السورة المكية آية تحمل طابع التنزيل المدني أو تتضمن شيئاً من حوادثه قالوا: إنها مدنية ، وإذا ورد في السورة المدنية آية تحمل طابع التنزيل المكي ، أو تتضمن شيئاً من حوادثه قالوا: إنها مكية ، وهذا قياسي اجتهادي ، ولهذا نجدهم يقولون: كل سورة فيها قصص الأنبياء والأمم الخالية فهي مكية ، وكل سورة فيها فريضة أو حدّ فهي مدنية.
كل سورة فيها سجدة.
كل سورة فيها لفظ كلاّ.
كل سورة فيها يا أيُّها الناس
كل سورة فيها قصص الأنبياء والأمم الغابرة.
كل سورة فيها قصة آدم وإبليس ما عدا البقرة.
كل سورة تفتح بحروف التهجي مثل: آلم، آلر، حم، ما عدا البقرة وآل عمران.
مميزاته:
الدعوة إلى التوحيد وعبادة الله ، وذكر القيامة والجنة والنار، ومجادلة المشركين.
يفضح أعمال المشركين من سَفْك دماء، وأكل أموال اليتامى ، ووأد البنات.
قوة الألفاظ مع قصر الفواصل وإيجاز العبارة.
الإكثار من عرض قصص الأنبياء وتكذيب أقوامهم لهم للعبرة، والزجر، وتسلية للرسول صلّى الله عليه وسلم.
العودة للفهرس
كل سورة فيها فريضة أو حدّ.
كل سورة فيها ذكر المنافقين.
كل سورة فيها مجادلة أهل الكتاب.
كل سورة تبدأ بـ {يا أيها الذين آمنوا}.
مميزاته:
بيان العبادات والمعاملات، والحدود، والجهاد، والسِّلْم، والحرب، ونظام الأسرة، وقواعد الحكم، ووسائل التشريع.
مخاطبة أهل الكتاب ودعوتهم إلى الإسلام.
الكشف عن سلوك المنافقين وبيان خطرهم على الدين.
طول المقاطع والآيات في أسلوب يقرر قواعد التشريع وأهدافه ومراميه.
العودة للفهرس
أول ما نزل قوله تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [ العلق:1]. وهذا هو الصحيح.
آخر ما نزل: قوله تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ} [ البقرة:281] وهذا أقوى الآراء وأرجحها في آخر ما نزل من القرآن مطلقاً.
الأوائل والأواخر المخصوصة:
الأوائل المخصوصة:
أ- أول سورة نزلت بتمامها سورة الفاتحة.
ب- أول ما نزل في تشريع الجهاد: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ...} [الحج: 39].
جـ- أول ما نزل في تحريم الخمر: {يَسْأَلُونَكَ عَنْ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ...} [البقرة: 219].
د- أول ما نزل في الأطعمة: {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا...} [الأنعام: 145].
الأواخر المخصوصة:
أ- آخر ما نزل يذكر النساء خاصة: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى...} [آل عمران: 195].
ب- آخر ما نزل في المواريث: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلْ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ...} [النساء: 176].
جـ- آخر سورة نزلت بتمامها: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} [النصر:1].
-1 حُمِلَ من المدينة إلى الحبشة سورة مريم ، فقد ثبت أن جعفر بن أبي طالب قرأها على النَّجَاشي.
-2 بَعَثَ رسول الله صلّى الله عليه وسلم إلى جعفر بن أبي طالب بهذه الآيات إلى الحبشة {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} [آل عمران: 64] إلى قوله: {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ...} [آل عمران: 68].
و- قوله تعالى: {وَقَالُوا لا تَنفِرُوا فِي الْحَرِّ..} [التوبة: 81].
-2- من الآيات التي نزلت في الشتاء:
أ- الآيات التي في غزوة الخندق من سورة الأحزاب ، وهي قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا} [ الأحزاب: 9] حتى الآية 27.
ب- آيات الإفك: عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: إنها نزلت في يوم شات: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [النور:11-22].
ما نزل في أماكن متعددة:
ما نزل بالطائف: قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ...} [الفرقان: 45].
ما نزل ببيت المقدس: قوله تعالى: {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَانِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ} [ الزخرف : 45].
ما نزل بالحديبية: قوله تعالى: {وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَانِ} [ الرعد: 30 ].
ما نزل بالجُحْفَة: قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ} [القصص: 85 ].
Cant See Links
الأحرف السبعة
تـعـريـف الأحرف السبعة :
لـغـةً : الحرف في أصل كلام العرب معناه الطرف والجانب، وحرف السفينة والجبل جانبهما.
اصطلاحاً: الأحرف السبعة: سبعة أوجه فصيحة من اللغات والقراءات أنزل عليها القرآن الكريم.
لما كان سبيل معرفة هذا الموضوع هو النقل الثابت الصحيح عن الذي لا ينطق عن الهوى، نقدم ما يوضح المراد من الأحرف السبعة:
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت هشام بن حكيم يقرأ سورة الفرقان في حياة رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فاستمعت لقراءته، فإذا هو يقرأ على حروف كثيرة لم يُقْرِئنيها رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فكِدت أساوِره في الصلاة ، فتصَّبرت حتى سلّم ، فلَبَّبْتُهُ بردائه، فقلت من أقرأك هذه السورة التي سمعتك تقرأ، قال: أقرأنِيْها رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فقلت له: كذبت، أقرانيها على غير ما قرأت، فانطلقت به أقوده إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فقلت: إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على حروف لم تُقرئها، فقال: " أرسله، اقرأ يا هشام"، فقرأ القراءة التي سمعته، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: " كذلك أُنزلت " ثم قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم:" اقرأ يا عمر "، فقرأت التي أقرأني. فقال:"كذلك أُنزلت، إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف، فاقرؤوا ما تيسر منه ".
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: " أقرأني جبريل على حرف، فلم أزل أستزيده، ويزيدني حتى انتهى إلى سبعة أحرف ".
دلتنا النصوص على أنّ المراد بالأحرف السبعة سبع لغات نزل بها القرآن الكريم ، ونود أن ننبه بأن الأحرف السبعة ليست هي القراءات السبع المشهورة، التي يظن كثير من عامة الناس أنها الأحرف السبعة. وهو خطأ عظيم ناشىء عن الخلط وعدم التمييز بين الأحرف السبعة والقراءات.
وهذه القراءات السبع إنما عُرفت واشتُهرت في القرن الرابع ، على يد الإمام المقرىء ابن مجاهد الذي اجتهد في تأليف كتاب يجمع فيه قراءات بعض الأئمة المبرزين في القراءة، فاتفق له أن جاءت هذه القراءات سبعة موافقة لعدد الأحرف، فلو كانت الأحرف السبعة هي القراءات السبع، لكان معنى ذلك أن يكون فهم أحاديث الأحرف السبعة، بل العمل بها أيضاً متوقفاً حتى يأتي ابن مجاهد ويخرجها للناس …
وقد كثر تنبيه العلماء في مختلف العصور على التفريق بين القراءات السبع والأحرف السبعة، والتحذير من الخلط بينهما.
ذَهَب بعض العلماء إلى استخراج الأحرف السبعة بإستقراء أوجه الخلاف الواردة في قراءات القرآن كلها صحيحها وسقيمها، ثم تصنيف هذه الأوجه إلى سبعة أصناف، بينما عمد آخرون إلى التماس الأحرف السبعة في لغات العرب ، فَتَكوّن بذلك مذهبان رئيسيان، نذكر نموذجاً عن كل منهما فيما يلي:
المذهب الأول:
مذهب استقراء أوجه الخلاف في لغات العرب، وفي القراءات كلها ثم تصنيفها، وقد تعرض هذا المذهب للتنقيح على يد أنصاره الذين تتابعوا عليه، ونكتفي بأهم تنقيح وتصنيف لها فيما نرى، وهو تصنيف الإمام أبي الفضل عبد الرحمن الرازي، حيث قال: … إن كل حرف من الأحرف السبعة المنـزلة جنس ذو نوع من الاختلاف.
أحدها: اختلاف أوزان الأسماء من الواحدة،والتثنية، والجموع، والتذكير، والمبالغة :
مثل {هَلْ أتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى} [النازعات: 15] بالفتح و الإمالة في: {أتى} و {موسى} وغير ذلك من ترقيق وتفخيم وإدغام…
فهذا التأويل مما جمع شواذ القراءات ومشاهيرها ومناسيخها على موافقة الرسم ومخالفته، وكذلك سائر الكلام لا ينفك اختلافه من هذه الأجناس السبعة المتنوعة.
المذهب الثاني:
أن المراد بالأحرف السبعة لغات من لغات قبائل العرب الفصيحة. وذلك لأن المعنى الأصلي للحرف هو اللغة ، فأُنزل القرآن الكريم على سبع لغات مراعياً ما بينها من الفوارق التي لم يألفها بعض العرب،فأنزل الله القرآن الكريم بما يألف ويعرف هؤلاء وهؤلاء من أصحاب اللغات، حتى نزل في القرآن من القراءات ما يسهل على كلّ العرب ، وبذلك كان القرآن نازلاً بلسان قريش والعرب.
فهذان المذهبان أقوى ما قيل، وأرجح ما قيل في بيان المراد من الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن الكريم. حيث نرى أن المذهب الثاني أرجح وأقوى.
تعريف القراءة ضابط القراءة المقبولة أنواع القراءات حسب أسانيدها
القراءات المتواترة وقُرّاؤها أهمية الأحرف السبعة والقراءات
تعريف القراءة:
لـغـةً: مصدر لـ: قرأ
واصطلاحاً: مذهب يذهب إليه إمام من أئمة القراء، مخالفا به غيره في النطق بالقرآن الكريم مع اتفاق الروايات والطرق عنه، سواء أكانت هذه المخالفة في نطق الحروف أم في نطق هيئاتها.
هذا التعريف يعرف القراءة من حيث نسبتها للإمام المُقرئ كما ذكرنا من قبل، أما الأصل في القراءات فهو النقل بالإسناد المتواتر إلى النبي صلّى الله عليه وسلم.
والمقرئ: هو العالم بالقراءات ، التي رواها مشافهة بالتلقي عن أهلها إلى أن يبلغ النبي صلّى الله عليه وسلم.
لقد ضبط علماء القراءات القراءة المقبولة بقاعدة مشهورة متفق عليها بينهم ، وهي: كل قراءة وافقت العربية ولو بوجه، ووافقت رسم أحد المصاحف ولو احتمالا، وتواتر سندها، فهي القراءة الصحيحة.
يتبين من هذا الضابط ثلاثة شروط هي:
الشرط الأول: موافقة العربية ولو بوجه:
ومعنى هذا الشرط أن تكون القراءة موافقة لوجه من وجوه النحو، ولو كان مختلفاً فيه اختلافاً لا يضر مثله، فلا يصح مثلا الإعتراض على قراءة حمزة. {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامِ} [النساء: 1] بجر الأرحام.
الشرط الثاني: موافقة خط أحد المصاحف ولو احتمالا: وذلك أن النطق بالكلمة قد يوافق رسم المصحف تحقيقا إذا كان مطابقاً للمكتوب، وقد يوافقه احتمالاً أو تقديراً باعتبار ما عرفنا أن رسم المصحف له أصول خاصة تسمح بقراءته على أكثر من وجه. مثال ذلك: {ملك يوم الدين} رسمت {ملك} بدون ألف في جميع المصاحف، فمن قرأ: (ملك يوم الدين) بدون ألف فهو موافق للرسم تحقيقياً، ومن قرأ: {مالك} فهو موافق تقديراً، لحذف هذه الألف من الخط اختصاراً .
الشرط الثالث: تواتر السند: وهو أن تعلم القراءة من جهة راويها ومن جهة غيره ممن يبلغ عددهم التواتر في كل طبقة.
لقد قّسم علماء القراءة القراءات بحسب أسانيدها إلى ستة أقسام:
الأول: المتواتر: وهو ما نقله جمع غفير لا يمكن تواطؤهم على الكذب عن مثلهم إلى منتهى السند، وهذا النوع يشمل القراءات العشر المتواترات.
الثاني: المشهور: وهو ما صح سنده ولم يخالف الرسم ولا اللغة واشتهر عند القراء: فلم يعدوه من الغلط ولا من الشذوذ، وهذا لا تصح القراءة به، ولا يجوز رده، ولا يحل إنكاره.
الثالث: الآحاد: وهو ما صح سنده وخالف الرسم أو العربية، أو لم يشتهر الإشتهار المذكور، وهذا لا يجوز القراءة. مثل ما روى على (( رفارف حضر وعباقري حسان))، والصواب الذي عليه القراءة: {رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ} [الرحمن: 76].
الرابع: الشاذ: وهو ما لم يصح سنده ولو وافق رسم المصحف والعربية، مثل قراءة :
((مَلَكَ يومَ الدين ))، بصيغة الماضي في ((ملك )) ونصب (( يوم )) مفعولاً.
الخامس: الموضوع: وهو المختلق المكذوب.
السادس: ما يشبه المدرج من أنواع الحديث، وهو ما زيد في القراءة على وجه التفسير.
ملاحظة : الأنواع الأربعة الأخيرة لا تحل القراءة بها، ويُعاقب من قرأ بها على جهة التعبير.
من الضروري والطبيعي أن يشتهر في كل عصر جماعة من القراء، في كل طبقة من طبقات الأمة، يتفقون في حفظ القرآن، وإتقان ضبط أدائه والتفرغ لتعليمه، من عصر الصحابة، ثم التابعين، وأتباعهم وهكذا …
ولقد تجرد قوم للقراءة والأخذ، واعتنوا بضبط القراءة أتم عناية حتى صاروا في ذلك أئمة يقتدى بهم ويرحل إليهم، ويؤخذ عنهم. فكان بالمدينة: أبو جعفر يزيد بن القعقاع، ثم شيبة بن نصاح، ثم نافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم. وكان بمكة: عبد الله بن كثير، وحميد بن قيس الأعرج، ومحمد بن مُحَيْص. وكان بالكوفة: يحيى بن وثاب، وعاصم بن أبي النَّجود الأسدي، وسليمان الأعمش، ثم حمزة بن حبيب، ثم الكِسائي أبو علي بن حمزة. وكان بالبصرة: عبد الله بن أبي إسحاق، وعيسى بن عمر، وأبو عمرو بن العلاء، ثم عاصم الجحدري،ثم يعقوب الحضرمي. وكان بالشام: عبد الله بن عامر، وعطية بن قيس الكلابي، وإسماعيل بن عبد الله بن المهاجر، ثم يحيى بن الحارث الذماري، ثم شريح بن زيد الحضرمي.
ثم جاء الإمام أحمد بن موسى بن العباس المشهور بابن مجاهد المتوفى سنة ( 324هـ ) فأفرد القراءات السبع المعروفة، فدونها في كتابه: " القراءات السبعة" فاحتلت مكانتها في التدوين، وأصبح علمها مفرداً يقصدها طلاب القراءات. وقد بنى اختياره هذا على شروط عالية جداً، فلم يأخذ إلاّ عن الإمام الذي اشتهر بالضبط والأمانة، وطول العمر في ملازمة الإقراء، مع الاتفاق على الأخذ منه، والتلقي عنه ، فكان له من ذلك قراءات هؤلاء السبعة، وهم:
عبد الله بن كثير الداري المكي، (45-120 هـ).
عبد الله بن عامر اليحصبي الشامي (8-18 هـ).
عاصم بن أبي النَّجود الأسدي الكوفي، المتوفى سنة (127هـ).
أبو عمرو بن العلاء البصري، (70-154 هـ).
حمزة بن حبيب الزيات الكوفي، (8-156 هـ).
نافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم المدني، المتوفى سنة (169هـ).
أبو الحسن علي بن حمزة الكسائي النحوي الكوفي، المتوفى سنة (189هـ).
وقد علمت من مسرد أئمة الأمصار الإسلامية أن القراءات أكثر من ذلك بكثير، لكن ابن مجاهد جمع هؤلاء السبع قِراءات لشروطه التي راعاها .
وقد تابع العلماء البحث لتحديد القراءات المتواترة، حتى استقر الإعتماد العلمي، واشتهر على زيادة ثلاث قراءات أخرى ، أضيفت إلى السبع، فأصبح مجموع المتواتر من القراءات عشر قراءات ، وهذه القراءات الثلاث هي قراءات هؤلاء الأئمة:
أبو جعفر يزيد بن القعقاع المدني، المتوفى سنة (130هـ).
يعقوب بن اسحاق الحضرمي الكوفي، المتوفى سنة (205هـ).
خلف بن هشام، المتوفى سنة (229 هـ).
إن الأحرف السبعة والقراءات ظاهرة هامة جاء بها القرآن الكريم من نواح لغوية وعلمية متعددة، نوجز طائفة منها فيما يلي:
-1 زيادة فوائد جديدة في تنزيل القرآن:
ذلك أن تعدد التلاوة من قراءة إلى أخرى، ومن حرف لآخر قد تفيد معنى جديداً، مع الإيجاز بكون الآية واحدة.
ومن أمثلة ذلك قوله تعالى في آية الوضوء: {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة: 6]، قرىء: {وأرجِلَكم} بالنصب عطفاً على المغسولات السابقة، فأفاد وجوب غسل القدمين في الوضوء، وقرىء بالجر، فقيل: هو جر على المجاورة، وقيل: هو بالجر لإفادة المسح على الخفين، وهو قول جيد.
-2 إظهار فضيلة الأمة الإسلامية وقرآنها:
وذلك أن كل كتاب تقدم كتابنا نزوله، فإنما نزل بلسان واحد، وأنزل كتابنا بألسن سبعة بأيها قرأ القارىء كان تالياً لما أنزله الله تعالى.
-3 الإعجاز وإثبات الوحي:
فالقرآن الكريم كتاب هداية يحمل دعوتها إلى العالم، وهو كتاب إعجاز يتحدى ببيانه هذا العالم ، فبرهن بمعجزة بيانه عن حقيقة دعوته، ونزول القرآن بهذه الأحرف والقراءات تأكيد لهذا الإعجاز، والبرهان على أنه وحي السماء لهداية أهل الأرض من أوجه هذه الدلالة:
إن هذه الأحرف والقراءات العديدة يؤيد بعضها بعضاً من غير تناقض في المعاني والدلائل، ولا تناف في الأحكام والأوامر، فلا يخفى ما في إنزال القرآن على سبعة أحرف من عظيم البرهان وواضح الدلالة.
إن نظم القرآن المعجز، والبالغ من الدقة غايتها في اختيار مفرداته وتتابع سردها، وجملة وإحكام ترابطها، وتناغمه الموسيقي المعبر يجري عليه كل ما عرفنا من الأوجه السابقة في الأحرف والقراءات ثم يبقى حيث هو في سماء الإعجاز، لا يعتل بأفواه قارئيه، ولا يختل بآذان سامعيه، منزها أن يطرأ على كلامه الضعف أو الركاكة، أو أن يعرض له خلل أو نشاز.