آخر 10 مشاركات
الخبيصه الاماراتيه (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 1 - المشاهدات : 12039 - الوقت: 09:09 PM - التاريخ: 01-13-2024)           »          حلوى المغلي بدقيق الرز (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 0 - المشاهدات : 6886 - الوقت: 03:16 PM - التاريخ: 12-11-2023)           »          دروس اللغة التركية (الكاتـب : عمر نجاتي - مشاركات : 0 - المشاهدات : 12749 - الوقت: 11:25 AM - التاريخ: 08-21-2023)           »          فيتامين يساعد على التئام الجروح وطرق أخرى (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 0 - المشاهدات : 14068 - الوقت: 08:31 PM - التاريخ: 07-15-2023)           »          صناعة العود المعطر في المنزل (الكاتـب : أفاق الفكر - آخر مشاركة : OM_SULTAN - مشاركات : 4 - المشاهدات : 48262 - الوقت: 10:57 PM - التاريخ: 11-06-2022)           »          كحل الصراي وكحل الاثمد وزينت المرأة قديما من التراث (الكاتـب : Omna_Hawaa - آخر مشاركة : OM_SULTAN - مشاركات : 2 - المشاهدات : 43261 - الوقت: 10:46 PM - التاريخ: 11-06-2022)           »          كيفية استخدام البخور السائل(وطريقة البخور السائل) (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 2 - المشاهدات : 35610 - الوقت: 10:36 PM - التاريخ: 11-06-2022)           »          جددي بخورك (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 0 - المشاهدات : 20555 - الوقت: 10:25 PM - التاريخ: 11-06-2022)           »          عطور الإمارات صناعة تراثية (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 0 - المشاهدات : 20771 - الوقت: 10:21 PM - التاريخ: 11-06-2022)           »          خلطات للعطور خاصة (الكاتـب : أفاق : الاداره - آخر مشاركة : OM_SULTAN - مشاركات : 1 - المشاهدات : 26688 - الوقت: 10:12 PM - التاريخ: 11-06-2022)

إضافة رد
 
أدوات الموضوع تقييم الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 11-08-2008, 02:43 AM   رقم المشاركة : 16
الكاتب

أفاق الفكر

مراقب

مراقب

أفاق الفكر غير متواجد حالياً


الملف الشخصي








أفاق الفكر غير متواجد حالياً


رد: البداية والنهاية الجزء الاول

قال الإمام أحمد حدثنا وكيع حدثنا زمعة بن صالح عن سلمة بن وهرام عن عكرمة عن ابن عباس قال لما مر النبي صلى الله عليه وسلم بوادي عسفان حين حج قال يا أبا بكر أي واد هذا قال وادي عسفان قال لقد مر به هود وصالح عليهما السلام على بكرات خطمها الليف أزرهم العباء وأرديتهم النمار يلبون يحجون البيت العتيق إسناد حسن وقد تقدم في قصة نوح عليه السلام من رواية الطبراني وفيه نوح وهود وإبراهيم
*2* مرور النبي بوادي الحجر من أرض ثمود عام
@ تبوك قال الإمام أحمد حدثنا عبد الصمد حدثنا صخر بن جويرية عن نافع عن ابن عمر قال لما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس على تبوك نزل بهم الحجر عند بيوت ثمود فاستقى الناس من الآبار التي كانت تشرب منها ثمود فعجنوا منها ونصبوا القدور فأمرهم رسول الله فأهراقوا القدور وعلفوا العجين الإبل ثم ارتحل بهم حتى نزل بهم على البئر التي كانت تشرب منها الناقة ونهاهم ان يدخلوا على القوم الذين عذبوا إني أخشى أن يصيبكم مثل ما أصابهم فلا تدخلوا عليهم وقال احمد أيضا حدثنا عفان حدثنا عبد العزيز بن مسلم حدثنا عبدالله بن دينار عن عبدالله بن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بالحجر لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم أن يصيبكم مثل ما أصابهم أخرجاه في الصحيحين من غير وجه وفي بعض الروايات أنه عليه السلام لما مر بمنازلهم قنع رأسه وأسرع راحلته ونهى عن دخول منازلهم إلا أن تكونوا باكين وفي رواية فإن لم تبكوا فتباكوا خشية أن يصيبكم مثل ما أصابهم صلوات الله وسلامه عليه
وقال الإمام أحمد حدثنا يزيد بن هرون حدثنا المسعودي عن إسمعيل بن أوسط عن محمد بن أبي كبشة الأنباري عن أبيه واسمه عمرو بن سعد ويقال عامر بن سعد رضي الله عنه قال لما كان في غزوة تبوك فسارع الناس إلى أهل الحجر يدخلون عليهم فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فنادى في الناس الصلاة جامعة قال فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو ممسك بعيره وهو يقول ما تدخلون على قوم غضب الله عليهم فناداه رجل نعجب منهم يا رسول الله قال أفلا أنبئكم بأعجب من ذلك رجل من أنفسكم ينبئكم بما كان
قبلكم وما هو كائن بعدكم فاستقيموا وسددوا فإن الله لا يعبأ بعذابكم شيئا وسيأتي قوم لا يدفعون عن أنفسهم شيئا إسناد حسن ولم يخرجوه وقد ذكر أن قوم صالح كانت أعمارهم طويلة فكانوا يبنون البيوت من المدر فتخرب قبل موت الواحد منهم فنحتوا لهم بيوتا في الجبال وذكروا أن صالحا عليه السلام لما سألوه آية فأخرج الله لهم الناقة من الصخرة أمرهم بها وبالولد الذي كان في جوفها وحذرهم بأس الله إن هم نالوها بسوء وأخبرهم أنهم سيعقرونها ويكون سبب هلاكهم ذلك وذكر لهم صفة عاقرها وأنه أحمر أزرق أصهب فبعثوا القوابل في البلد متى وجدوا مولودا بهذه الصفة يقتلنه فكانوا على ذلك دهرا طويلا وانقرض جيل وأتى جيل آخر فلما كان في بعض الأعصار خطب رئيس من رؤسائهم على ابنه بنت آخر مثله في الرياسه فزوجه فولد بينهما عاقر الناقة وهو قدار بن سالف فلم تتمكن القوابل من قتله لشرف أبويه وجديه فيهم فنشأ نشأة سريعة فكان يشب في الجمعة كما يشب غيره في شهر حتى كان من أمره أن خرج مطاعا فيهم رئيسا بينهم فسولت له نفسه عقر الناقة واتبعه على ذلك ثمانية من أشرافهم وهم التسعة الذين أرادوا قتل صالح عليه السلام فلما وقع من أمرهم ما وقع من عقر الناقة وبلغ ذلك صالحا عليه السلام جاءهم باكيا عليها فتلقوه يعتذرون إليه ويقولون إن هذا لم يقع عن ملأ منا وإنما فعل هذا هؤلاء الأحداث فينا فيقال إنه أمرهم باستدراك سقبها حتى يحسنوا إليه عوضا عنها فذهبوا وراءه فصعد جبلا هناك فلما تصاعدوا فيه وراءه تعالى الجبل حتى ارتفع فلا يناله الطير وبكى الفصيل حتى سالت دموعه ثم استقبل صالحا عليه السلام ودعا ثلاث فعندها قال صالح تمتعوا في داركم ثلاثة أيام وذلك وعد غير مكذوب وأخبرهم أنهم يصبحون من غدهم صفرا ثم تحمر وجوههم في الثاني وفي اليوم الثالث تسود وجوههم فلما كان في اليوم الرابع أتتهم صيحة فيها صوت كل صاعقة فأخذتهم فأصبحوا في دارهم جاثمين وفي بعض هذا السياق نظر ومخالفة لظاهر ما يفهم من القرآن في شأنهم وقصتهم كما قدمنا والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب

*2* قصة إبراهيم خليل الرحمن
@ هو إبراهيم بن تسارخ بن ناحور بن ساروغ بن راعو ابن فالغ بن عابر بن شالح بن أرفخشذ بن سام ابن نوح عليه السلام هذا نص أهل الكتاب في كتابهم وقد أعلمت على أعمارهم تحت أسمائهم بالهندي كما ذكروه من المدد وقدمنا الكلام على عمر نوح عليه السلام فأغنى عن إعادته وحكى الحافظ
ابن عساكر في ترجمة إبراهيم الخليل من تاريخه عن إسحق بن بشر الكاهلي صاحب كتاب المبتدأ أن اسم أم إبراهيم أميلة ثم أورد عنه في خبر ولادتها له حكاية طويلة وقال الكلبي اسمها بونا بنت كربنا بن كرثى من بني أرفخشذ بن سام بن نوح
وروى ابن عساكر من غير وجه عن عكرمة أنه قال كان إبراهيم عليه السلام يكنى أبا الضيفان قالوا ولما كان عمر تارخ خمسا وسبعين سنة ولد له إبراهيم عليه السلام وناحور وهاران وولد لهاران لوط وعندهم أن إبراهيم عليه السلام هو الأوسط وان هاران مات في حياة أبيه في أرضه التي ولد فيها وهي أرض الكلدانيين يعنون أرض بابل وهذا هو الصحيح المشهور عند أهل السير والتواريخ والاخبار وصحح ذلك الحافظ ابن عساكر بعد ما روي من طريق هشام بن عمار عن الوليد عن سعيد بن عبد العزيز عن مكحول عن ابن عباس قال ولد إبراهيم بغوطة دمشق في قرية يقال لها برزة في جبل يقال له قاسيون ثم قال والصحيح أنه ولد ببابل وإنما نسب إليه هذا المقام لأنه صلى فيه إذ جاء معينا للوط عليه السلام قالوا فتزوج إبراهيم سارة وناحور ملكا ابنه هاران يعنون بابنة أخيه قالوا وكانت سارة عاقرا لا تلد قالوا وانطلق تارخ بابنه إبراهيم وامرأته سارة وابن أخيه لوط بن هاران فخرج بهم من أرض الكلدانيين إلى أرض الكنعانيين فنزلوا حران فمات فيها تارخ وله مائتان وخمسون سنة وهذا يدل على أنه لم يولد بحران وإنما مولده بأرض الكلدانيين وهي أرض بابل وما والاها ثم ارتحلوا قاصدين أرض الكنعانيين وهي بلاد بيت المقدس فأقاموا بحران وهي ارض الكشدانيين في ذلك الزمان وكذلك أرض الجزيرة والشام أيضا وكانوا يعبدون الكواكب السبعة والذين عمروا مدينة دمشق كانوا على هذا الدين يستقبلون القطب الشمالي ويعبدون الكواكب السبعة بأنواع من الفعال والمقال ولهذا كان على كل باب من أبواب دمشق السبعة القديمة هيكل بكوكب منها ويعلمون لها أعيادا وقرابين وهكذا كان أهل حران يعبدون الكواكب والأصنام وكل من كان على وجه الأرض كانوا كفارا سوى إبراهيم الخليل وامرأته وابن أخيه لوط عليهم السلام وكان الخليل عليه السلام هو الذي أزال الله به تلك الشرور وأبطل به ذاك الضلال فإن الله سبحانه وتعالى أتاه رشده في صغره وابتعثه رسولا واتخذه خليلا في كبره قال تعالى ولقد آتينا إبراهيم رشده من قبل وكنا به عالمين أي كان أهلا لذلك وقال تعالى وإبراهيم إذ قال لقومه اعبدوا الله واتقوه ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون إنما تعبدون من دون الله أوثانا وتخلقون إفكا إن الذين تعبدون من دون الله لا يملكنون لكم رزقا فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه واشكروا له إليه ترجعون وإن تكذبوا فقد كذب أمم من
قبلكم وما على الرسول إلا البلاغ المبين أولم يروا كيف يبديء الله الخلق ثم يعيده إن ذلك على الله يسير قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ثم الله ينشيء النشأة الآخرة إن الله على كل شيء قدير يعذب من يشاء ويرحم من يشاء وإليه تقلبون وما أنتم بمعجزين في الأرض ولا في السماء وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير والذين كفروا بآيات الله ولقائه أولئك يئسوا من رحمتي وأولئك لهم عذاب اليم فما كان جواب قومه إلا أن قالوا اقتلوه أو حرقوه فأنجاه الله من النار إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون وقال إنما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينكم في الحياة الدنيا ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا ومأواكم النار وما لكم من ناصرين فآمن له لوط وقال إني مهاجر إلى ربي إنه هو العزيز الحكيم ووهبنا له إسحق ويعقوب وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب وآتيناه أجره في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين ثم ذكر تعالى مناظرته لأبيه وقومه كما سنذكره إن شاء الله تعالى وكان أول دعوته لأبيه وكان أبوه ممن يعبد الأصنام لأنه أحق الناس بإخلاص النصيحة له كما قال تعالى واذكر في الكتاب إبراهيم إنه كان صديقا نبيا إذ قال لأبيه ياأبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا يا أبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني اهدك صراطا سويا يا أبت لا تعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمن عصيا يا أبت إني إخاف أن يمسك عذاب من الرحمن فتكون للشيطان وليا قال أراغب أنت عن إلهتي يا إبراهيم لئن لم تنته لأرجمنك واهجرني مليا قال سلام عليك سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفيا وأعتزلكم وما تدعون من دون الله وأدعو ربي عسى أن لا أكون بدعاء ربي شقيا فذكر تعالى ما كان بينه وبين أبيه من المحاورة والمجادلة وكيف دعا أباه إلى الحق بألطف عبارة وأحسن إشارة بين له بطلان ما هو عليه من عبادة الأوثان التي لا تسمع دعاء عابدها ولا تبصر مكانه فكيف تغني عنه شيئا أو تفعل به خيرا من رزق أو نصر ثم قال منبها على ما أعطاه الله من الهدي والعلم النافع وإن كان أصغر سنا من أبيه يا أبت إنه قد جاءني من العلم مالم يأتك فاتبعني اهدك صراطا سويا أي مستقيما واضحا سهلا حنيفا يفضي بك إلى الخير في دنياك وأخراك فلما عرض هذا الرشد عليه وأهدى هذه النصيحة إليه لم يقبلها منه ولا أخذها عنه بل تهدده وتوعده قال أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم لئن لم تنته لأرجمنك قيل بالمقال وقيل بالفعال واهجرني مليا أي واقطعني وأطل هجراني فعندها قال له إبراهيم سلام عليك أي لا يصلك مني مكروه ولا ينالك مني أذى بل أنت سالم من ناحيتي وزاده خيرا فقال سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفيا قال ابن عباس وغيره أي لطيفا يعني في أن هداني لعبادته والإخلاص له ولهذا قال وأعتزلكم وما تدعون من دون الله وأدعو ربي عسى أن لا أكون بدعاء ربي شقيا وقد استغفر له إبراهيم عليه السلام كما وعده في أدعيته فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه كما قال تعالى وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له

أنه عدو لله تبرأ منه إن إبراهيم لأواه حليم
وقال البخاري حدثنا إسمعيل ابن عبدالله حدثني أخي عبد الحميد عن ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال يلقى إبراهيم أباه آزر يوم القيامة وعلى وجه آزر قترة وغبرة فيقول له إبراهيم ألم أقل لك لا تعصني فيقول له أبوه فاليوم لا أعصيك فيقول إبراهيم يا رب إنك وعدتني أن لا تخزني يوم يبعثون وأي خزي أخزى من أبي الأبعد فيقول الله إني حرمت الجنة على الكافرين ثم يقال يا إبراهيم ما تحت رجليك فينظر فإذا هو بذبح متلطخ فيؤخذ بقوائمه فيلقى في النار هكذا رواه في قصة إبراهيم منفردا
وقال في التفسير وقال إبراهيم بن طهمان عن ابن أبي ذؤيب عن سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة وهكذا رواه النسائي عن أحمد بن حفص بن عبدالله عن أبيه عن إبراهيم بن طهمان به وقد رواه البزار من حديث حماد بن سلمة عن أيوب عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه وفي سياقه غرابة ورواه أيضا من حديث قتادة عن عقبة بن عبد الغافر عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه وقال تعالى وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر أتتخذ أصناما آلهة إني أراك وقومك في ضلال مبين هذا يدل على أن اسم أبي إبراهيم آزر وجمهور اهل النسب منهم ابن عباس على أن اسم أبيه تارح وأهل الكتاب يقولون تارخ بالخاء المعجمة فقيل إنه لقب بصنم كان يعبده اسمه آزر
وقال ابن جرير والصواب أن اسمه آزر ولعل له اسمان علمان أو أحدهما لقب والآخر علم وهذا الذي قاله محتمل والله أعلم ثم قال تعالى وكذلك نري إبراهيم ملكوت السموات والأرض وليكون من الموقنين فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربي فلما أفل قال لا أحب الآفلين فلما رأى القمر بازغا قال هذا ربي فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر فلما أفلت قال يا قوم إني بريء مما تشركون إني وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين وحاجه قومه قال أتحاجوني في الله وقد هدان ولا أخاف ما تشركون به إلا أن يشاء ربي شيئا وسع ربي كل شيء علما أفلا تتذكرون وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطانا فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء إن ربك حكيم عليم وهذا المقام مناظرة لقومه وبيان لهم أن هذه الأجرام المشاهدة من الكواكب النيرة لا تصلح للألوهية ولا أن تعبد مع الله عز وجل لأنها مخلوقة مربوبة مصنوعة مدبرة مسخرة تطلع تارة وتأفل أخرى فتغيب عن هذا العالم والرب تعالى لا يغيب عنه شيء ولا تخفى عليه خافية بل هو الدائم الباقي بلا زوال لا إله إلا هو ولا رب سواه فبين لهم أولا عدم
صلاحية الكواكب قيل هو الزهرة لذلك ترقى منها إلى القمر الذي هو أضوأ منها وأبهى من حسنها ثم ترقى إلى الشمس التي هي أشد الأجرام المشاهدة ضياء وسناء وبهاء فبين أنها مسخرة مسيرة مقدرة مربوبة كما قال تعالى ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهم إن كنتم إياه تعبدون ولهذا قال فلما رأى الشمس بازغة أي طالعة قال هذا ربي هذا أكبر فلما أفلت قال يا قوم إني بريء مما تشركون إني وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين وحاجه قومه قال أتحاجوني في الله وقد هدان ولا أخاف ما تشركون به إلا إن يشاء ربي شيئا أي لست أبالي في هذه الآلهة التي تعبدونها من دون الله فإنها لا تنفع شيئا ولا تسمع ولا تعقل بل هي مربوبة مسخرة كالكواكب ونحوها أو مصنوعة منحوتة منجورة
والظاهر ان موعظته هذه في الكواكب لأهل حران فإنهم كان يعبدونها وهذا يرد قول من زعم أنه قال هذا حين خرج من السرب لما كان صغيرا كما ذكره ابن إسحق وغيره وهو مستند إلى أخبار إسرائيلية لا يوثق بها ولا سيما إذا خالفت الحق وأما اهل بابل فكانوا يعبدون الأصنام وهم الذين ناظرهم في عبادتها وكسرها عليهم واهانها وبين بطلانها كما قال تعالى وقال إنما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينكم في الحياة الدنيا ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا ومأواكم النار وما لكم من ناصرين وقال في سورة الأنبياء ولقد آتينا إبراهيم رشده من قبل وكنا به عالمين إذ قال لأبيه وقومه ما هذه التماثيل التي انتم لها عاكفون قالوا وجدنا آباءنا لها عابدين قال لقد كنتم وآباؤكم في ضلال مبين قالوا أجئتنا بالحق أم أنت من اللاعبين قال بل ربكم رب السموات والأرض الذي فطرهن وأنا على ذلكم من الشاهدين وتالله لأكيدن أصنامكم بعد أن تولوا مدبرين فجعلهم جذاذا إلا كبيرا لهم لعلهم إليه يرجعون قالوا من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم قالوا فأتوا به على أعين الناس لعلهم يشهدون قالوا أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم قال بل فعله كبيرهم هذا فاسئلوهم إن كانوا ينطقون فرجعوا إلى أنفسهم فقالوا إنكم أنتم الظالمون ثم نكسوا على رؤسهم لقد علمت ما هؤلاء ينطقون قال أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئا ولا يضركم أف لكم ولما تعبدون من دون الله أفلا تعقلون قالوا حرقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم وأرادوا به كيدا فجعلناهم الأخسرين وقال في سورة الشعراء واتل عليهم نبأ إبراهيم إذ قال لأبيه وقومه ما تعبدون قالوا نعبد اصناما فنظل لها عاكفين قال هل يسمعونكم إذ تدعون أو ينفعونكم أو يضرون قالوا بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون قال أفرأيتم ما كنتم تعبدون أنتم وآباؤكم الاقدمون فإنهم عدو لي إلا رب العالمين الذي خلقني فهو يهدين والذي هو يطعمني ويسقين وإذا مرضت فهو يشفين والذي يميتني ثم يحيين والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين
رب هب لي حما وألحقني بالصالحين وقال تعالى في سورة الصافات وإن من شيعته لإبراهيم إذ جاء ربه بقلب سليم إذ قال لأبيه وقومه ما تعبدون ائفكا آلهة دون الله تريدون فما ظنكم برب العالمين فنظر نظرة في النجوم فقال إني سقيم فتولوا عنه مدبرين فراغ إلى آلهتهم فقال ألا تأكلون ما لكم لا تنطقون فراغ عليهم ضربا باليمين فأقبلوا إليه يزفون قال أتعبدون ما تنحتون والله خلقكم وما تعملون قالوا ابنوا له بنيانا فألقوه في الجحيم فأرادوا به كيدا فجعلناهم الأسفلين يخبر الله تعالى عن إبراهيم خليله عليه السلام أنه أنكر على قومه عبادة الأوثان وحقرها عندهم وصغرها وتنقصها فقال ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون أي معتكفون عندها وخاضعون لها قالوا وجدنا آبائنا لها عابدين ما كان حجتهم إلا صنيع الآباء والأجداد وما كانوا عليه من عبادة الأنداد قال لقد كنتم أنتم وآباؤكم في ضلال مبين كما قال تعالى إذ قال لأبيه وقومه ماذا تعبدون أئفكا آلهة دون الله تريدون فما ظنكم برب العالمين قال قتادة فما ظنكم به أنه فاعل بكم إذا لقيتموه وقد عبدتم غيره وقال لهم هل يسمعونكم إذ تدعون أو ينفعونكم أو يضرون قالوا بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون سلموا له أنها لا تسمع داعيا ولا تنفع ولا تضر شيئا وإنما الحامل لهم على عبادتها الإقتداء بأسلافهم ومن هو مثلهم في الضلال من الآباء الجهال ولهذا قال لهم أفرأيتم ما كنتم تعبدون أنتم وآباؤكم الأقدمون فإنهم عدو لي إلا رب العالمين وهذا برهان قاطع على بطلان آلهية ما ادعوه من الأصنام لانه تبرأ منها وتنقص بها فلو كانت تضر لضرته أو تؤثر لأثرت فيه قالوا أجئتنا بالحق أم أنت من اللاعبين يقولون هذا الكلام الذي تقوله لنا وتنتقص به آلهتنا وتطعن بسببه في آبائنا تقوله محقا جادا فيه أم لاعبا قال بل ربكم رب السموات والأرض الذي فطرهن وأنا على ذلكم من الشاهدين يعني بل أقول لكم ذلك جادا محقا وإنما إلهكم الله الذي لا إله إلا هو ربكم ورب كل شيء فاطر السموات والأرض الخالق لهما على غير مثال سبق فهو المستحق للعبادة وحده لا شريك له وأنا على ذلكم من الشاهدين وقوله وتالله لأكيدن أصنامكم بعد أن تولوا مدبرين أقسم ليكيدن هذه الأصنام التي يعبدونها بعد أن تولوا مدبرين إلى عيدهم قيل إنه قال هذا خفية في نفسه وقال ابن مسعود سمعه بعضهم وكان لهم عيد يذهبون إليه في كل عام مرة إلى ظاهر البلد فدعاه أبوه ليحضره فقال إني سقيم كما قال تعالى فنظر نظرة في النجوم فقال إني سقيم عرض لهم في الكلام حتى توصل إلى مقصوده من إهانة أصنامهم ونصرة دين الله الحق في بطلان ما هم عليه من عبادة الأصنام التي تستحق أن تكسر وأن تهان غاية الإهانة فلما خرجوا إلى عيدهم واستقر هو في بلدهم راغ إلى آلهتهم أي ذهب إليها مسرعا مستخفيا فوجدها في بهو عظيم وقد وضعوا بين أيديها أنواعا من الأطعمة قربانا إليها فقال لها على سبيل التهكم والإزدراء ألا تأكلون ما لكم لا تنطقون فراغ عليهم ضربا باليمين لأنها أقوى وأبطش وأسرع وأقهر فكسرها بقدوم في يده كما قال
تعالى فجعلهم جذاذا أي حطاما كسرها كلها إلا كبيرا لهم لعلهم إليه يرجعون قيل إنه وضع القدوم في يد الكبير إشارة إلى أنه غار أن تعبد معه هذه الصغار فلما رجعوا من عبدهم ووجدوا ما حل بمعبودهم قالوا من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين
وهذا فيه دليل ظاهر لهم لو كانوا يعقلون وهو ما حل بآلهتهم التي كانوا يعبدونها فلو كانت آلهة لدفعت عن أنفسها من أرادها بسوء لكنهم قالوا من جهلهم وقلة عقلهم وكثرة ضلالهم وخبالهم من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم أي يذكرها بالعيب والتنقص لها والإزدارء بها فهو المقيم عليها والكاسر لها وعلى قول ابن مسعود أي يذكرهم بقوله وتالله لأكيدن أصنامكم بعد أن تولوا مدبرين قالوا فأتوا به على أعين الناس لعلهم يشهدون أي في الملأ الأكبر على رؤس الأشهاد لعلهم يشهدون مقالته ويسمعون كلامه ويعاينون ما يحل به من الإقتصاص منه وكان هذا أكبر مقاصد الخليل عليه السلام أن يجتمع الناس كلهم فيقيم على جميع عباد الأصنام الحجة على بطلان ما هم عليه كما قال موسى عليه السلام لفرعون موعدكم يوم الزينة وأن يحشر الناس ضحى فلما اجتمعوا وجاءا به كما ذكروا قالوا أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم قال بل فعله كبيرهم هذا قيل معناه هو الحامل لي على تكسيرها وإنما عرض لهم في القول فاسئلوهم إن كانوا ينطقون وإنما أراد بقوله هذا أن يبادروا إلى القول أن هذه لا تنطق فيعترفوا بأنها جماد كسائر الجمادات فرجعوا إلى أنفسهم فقالوا إنكم أنتم الظالمون أي فعادوا على أنفسهم بالملامة فقالوا إنكم أنتم الظالمون أي في تركها لا حافظ لها ولا حارس عندها ثم نكسوا على رؤسهم قال السدي أي ثم رجعوا إلى الفتنة فعلى هذا يكون قوله إنكم أنتم الظالمون أي في عبادتها وقال قتادة أدركت القوم حيرة سوء اي فأطرقوا ثم قالوا لقد علمت ما هؤلاء ينطقون أي لقد علمت يا إبراهيم أن هذه لا تنطق فكيف تأمرنا بسؤالها فعند ذلك قال لهم الخليل عليه السلام أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئا ولا يضركم أف لكم ولما تعبدون من دون الله أفلا تعقلون كما قال فأقبلوا إليه يزفون قال مجاهد يسرعون قال أتعبدون ما تنحتون أي كيف تعبدون أصناما أنتم تنحتونها من الخشب والحجارة وتصورونها وتشكلونها كما تريدون والله خلقكم وما تعملون وسواء كانت ما مصدرية أو بمعنى الذي فمقتضى الكلام أنكم مخلوقون وهذه الأصنام مخلوقة فكيف يعبد مخلوق لمخلوق مثله فإنه ليس عبادتكم لها بأولى من عبادتها لكم وهذا باطل فالآخر باطل للتحكم إذ ليست العبادة تصلح ولا تجب إلا للخالق وحده لا شريك له قالوا ابنوا له بنيانا فألقوه في الجحيم فأرادوا به كيدا فجعلناهم الأسفلين عدلوا عن الجدال والمناظرة لما انقطعوا وغلبوا ولم تبق لهم حجة ولا شبهة إلى استعمال قوتهم وسلطانهم لينصروا ما هم عليه من سفههم وطغيانهم فكادهم الرب جل جلاله وأعلى كلمته ودينه وبرهانه كما قال
تعالى قالوا حرقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم وأرادوا به كيدا فجعلناهم الأخسرين وذلك أنهم شرعوا يجمعون حطبا من جميع ما يمكنهم من الأماكن فمكثوا مدة يجمعون له حتى أن المرأة منهم كانت إذا مرضت تنذر لئن عوفيت لتحملن حطبا لحريق إبراهيم ثم عمدوا إلى جوبة عظيمة فوضعوا فيها ذلك الحطب وأطلقوا فيه النار فاضطربت وتأججت والتهبت وعلاها شرر لم ير مثله قط ثم وضعوا إبراهيم عليه السلام في كفة منجنيق صنعه لهم رجل من الأكراد يقال له هزن وكان أول من صنع المجانيق فخسف الله به الأرض فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة ثم أخذوا يقيدونه ويكتفونه وهو يقول لا إله إلا أنت سبحانك لك الحمد ولك الملك لا شريك لك فلما وضع الخليل عليه السلام في كفة المنجنيق مقيدا مكتوفا ثم ألقوه منه إلى النار قال حسبنا الله ونعم الوكيل كما روى البخاري عن ابن عباس أنه قال حسبنا الله ونعم الوكيل قالها إبراهيم حين ألقي في النار وقالها محمد حين قيل له إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء الآية


رد مع اقتباس
قديم 11-08-2008, 02:52 AM   رقم المشاركة : 17
الكاتب

أفاق الفكر

مراقب

مراقب

أفاق الفكر غير متواجد حالياً


الملف الشخصي








أفاق الفكر غير متواجد حالياً


رد: البداية والنهاية الجزء الاول

وقال أبو يعلى حدثنا أبو هشام الرفاعي حدثنا اسحق بن سليمان عن أبي جعفر الرازي عن عاصم بن أبي النجود عن أبي صالح عن أبي هريرة قال قال صلى الله عليه وسلم لما ألقى إبراهيم في النار قال اللهم إنك في السماء واحد وأنا في الأرض واحد وأعبدك
وذكر بعض السلف أن جبريل عرض له في الهواء فقال ألك حاجة فقال أما إليك فلا ويروى عن ابن عباس وسعيد بن جبير انه قال جعل ملك المطر يقول متى أومر فأرسل المطر فكان أمر الله أسرع قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم قال علي بن أبي طالب أي لا تضريه وقال ابن عباس وأبو العالية لولا أن الله قال وسلاما على إبراهيم لأذى إبراهيم بردها وقال كعب الأحبار لم ينتفع أهل الأرض يؤمئذ بنار ولم يحرق منه سوى وثاقه وقال الضحاك يروى أن جبريل عليه السلام كان معه يمسح العرق عن وجهه لم يصبه منها شيء غيره وقال السدي كان معه أيضا ملك الظل وصار إبراهيم عليه السلام في ميل الجوبة حوله النار وهو في روضة خضراء والناس ينظرون إليه لا يقدرون على الوصول إليه ولا هو يخرج إليهم فعن أبي هريرة أنه قال أحسن كلمة قالها أبو إبراهيم إذ قال لما رأى ولده على تلك الحال نعم الرب ربك يا إبراهيم وروى ابن عساكر عن عكرمة أن أم إبراهيم نظرت إلى ابنها عليه السلام فنادته يا بني إني أريد أن أجيء إليك فادع الله أن ينجيني من حر النار حولك فقال نعم فأقبلت إليه لا يمسها شيء من حر النار فلما وصلت إليه اعتنقته وقبلته ثم عادت وعن المنهال بن عمرو أنه قال أخبرت أن إبراهيم مكث هناك إما أربعين وإما خمسين يوما وأنه قال ما كنت أياما وليالي أطيب عيشا إذ كنت فيها ووددت أن عيشي وحياتي كلها مثل إذ كنت فيها صلوات الله وسلامه عليه
فأرادوا أن ينتصروا فخذلوا وأرادوا أن يرتفعوا فاتضعوا وأرادوا أن يغلبوا فغلبوا قال الله تعالى وأرادوا به كيدا فجعلناهم الأخسرين وفي الآية الأخرى الأسفلين ففازوا بالخسارة والسفال هذا في الدنيا وأما في الآخرة فإن نارهم لا تكون عليهم بردا ولا سلاما ولا يلقون فيها تحية ولا سلاما بلى هي كما قال تعالى إنها ساءت مستقرا ومقاما
قال البخاري حدثنا عبدالله بن موسى أو ابن سلام عنه أنبأنا ابن جريج عن عبد الحميد بن جبير عن سعيد بن المسيب عن أم شريك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الوزغ وقال وكان ينفخ على إبراهيم ورواه مسلم من حديث ابن جريج وأخرجاه والنسائي وابن ماجة من حديث سفيان بن عيينة كلاهما عن عبد الحميد بن جبير بن شيبة به وقال أحمد حدثنا محمد بن بكر حدثنا ابن جريج أخبرني عبدالله بن عبدالرحمن بن أبي أمية أن نافعا مولى ابن عمر أخبره أن عائشة أخبرته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اقتلوا الوزغ فإنه كان ينفخ النار على إبراهيم قال فكانت عائشة تقتلهن وقال أحمد حدثنا إسماعيل حدثنا أيوب عن نافع أن امرأة دخلت على عائشة فإذا رمح منصوب فقالت ما هذا الرمح فقالت نقتل به الأوزاغ ثم حدثت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن إبراهيم لما ألقي في النار جعلت الدواب كلها تطفيء عنه إلا الوزغ فإنه جعل ينفخها عليه تفرد به أحمد من هذين الوجهين
وقال أحمد حدثنا عفان حدثنا جرير حدثنا نافع حدثتني سمامة مولاة الفاكه بن المغيرة قالت دخلت على عائشة فرأيت في بيتها رمحا موضوعا فقلت يا أم المؤمنين ما تصنعين بهذا الرمح قالت هذا لهذه الأوزاغ نقتلهن به فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا أن إبراهيم حين ألقي في النار لم يكن في الأرض دابة إلا تطفىء عنه النار غير الوزغ كان ينفخ عليه فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله ورواه ابن ماجة عن أبي بكر بن أبي شيبة عن يونس بن محمد عن جرير بن حازم به
*2* ذكر مناظرة إبراهيم الخليل مع من ادعى
@ الربوبية وهو أحد العبيد الضعفاء
قال الله تعالى ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه الله الملك إذ قال إبراهيم ربي الذي يحي ويميت قال أنا أحي وأميت قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر والله لا يهدي القوم الظالمين يذكر تعالى مناظرة خليله مع هذا الملك الجبار المتمرد
الذي أدعى لنفسه الربوبية فأبطل الخليل عليه السلام دليله وبين كثرة جهله وقلة عقله وألجمه الحجه وأوضح له طريق المحجة
قال المفسرون وغيرهم من علماء النسب والأخبار وهذا الملك هو ملك بابل واسمه النمرود ابن كنعان بن كوش بن سام بن نوح قاله مجاهد وقال غيره نمرود بن فالح بن عابر بن صالح بن أرفخشذ بن سام بن نوح قال مجاهد وغيره وكان أحد ملوك الدنيا فإنه قد ملك الدنيا فيما ذكروا أربعة مؤمنان وكافران فالمؤمنان ذو القرنين وسليمان والكافران النمرود وبختنصر وذكروا أن نمرود هذا استمر في ملكه أربعمائة سنة وكان قد طغا وبغا وتجبر وعتا وآثر الحياة الدنيا ولما دعاه إبراهيم الخليل إلى عبادة الله وحده لا شريك له حمله الجهل والضلال وطول الآمال على إنكار الصانع فحاج إبراهيم الخليل في ذلك وادعى لنفسه الربوبية فلما قال الخليل ربي الذي يحي ويميت قال أنا أحي وأميت
قال قتادة والسدي ومحمد بن إسحق يعني أنه إذا أتى بالرجلين قد تحتم قتلهما فإذا أمر بقتل أحدهما وعفا عن الآخر فكأنه قد أحيا هذا وأمات الآخر وهذا ليس بمعارضة للخليل بل هو كلام خارجي عن مقام المناظرة ليس بمنع ولا بمعارضة بل هو تشغيب محض وهو انقطاع في الحقيقة فإن الخليل استدل على وجود الصانع بحدوث هذه المشاهدات من إحياء الحيونات وموتها على وجود فاعل ذلك الذي لا بد من استنادها إلى وجوده ضرورة عدم قيامها بنفسها ولا بد من فاعل لهذه الحوادث المشاهدة من خلقها وتسخيرها وتسيير هذه الكواكب والرياح والسحاب والمطر وخلق هذه الحيونات التي توجد مشاهدة ثم إماتتها ولهذا قال إبراهيم ربي الذي يحي ويميت فقول هذا الملك الجاهل أنا أحي وأميت إن عنى أنه الفاعل لهذه المشاهداة فقد كابر وعاند وإن عنى ما ذكره قتادة والسدي ومحمد بن إسحق فلم يقل شيئا يتعلق بكلام الخليل إذ لم يمنع مقدمة ولا عارض الدليل
ولما كان انقطاع مناظرة هذا الملك قد تخفى على كثير من الناس ممن حضره وغيرهم ذكر دليلا آخر بين وجود الصانع وبطلان ما ادعاه النمرود وانقطاعه جهرة قال فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب أي هذه الشمس مسخرة كل يوم تطلع من المشرق كما سخرها خالقها ومسيرها وقاهرها وهو الله الذي لا إله إلا هو خالق كل شيء فإن كنت كما زعمت من أنك الذي تحي وتميت فات بهذه الشمس من المغرب فإن الذي يحي ويميت هو الذي يفعل ما يشاء ولا يمانع ولا يغالب بل قد قهر كل شيء ودان له كل شيء فإن كنت كما تزعم فافعل هذا فإن لم تفعله فلست كما زعمت وأنت تعلم وكل أحد أنك لا تقدر على شيء من هذا بل أنت أعجز وأقل من أن تخلق بعوضة أو تنصر منها فبين ضلاله وجهله وكذبه فيما ادعاه وبطلان ما سلكه وتبجح به عند جهلة قومه ولم يبق له كلام يجيب الخليل
به بل وسكت ولهذا قال فبهت الذي كفر والله لا يهدي القوم الظالمين
وقد ذكر السدي أن هذه المناظرة كانت بين إبراهيم وبين النمرود يوم خرج من النار ولم يكن اجتمع به يومئذ فكانت بينهما هذه المناظرة وقد روى عبدالرزاق عن معمر عن زيد بن أسلم أن النمرود كان عنده طعام وكان الناس يفدون إليه للميرة فوفد إبراهيم في جملة من وفد للميرة فكان بينهما هذه المناظرة ولم يعط إبراهيم من الطعام كما أعطى الناس بل خرج وليس معه شيء من الطعام فلما قرب من أهله عمد إلى كثيب من التراب فملأ منه عدليه وقال أشغل أهلي إذا قدمت عليهم فلما قدم وضع رحاله وجاء فاتكأ فنام فقامت إمرأته سارة إلى العدلين فوجدتهما ملآنين طعاما طيبا فعملت منه طعاما فلما استيقظ إبراهيم وجد الذي قد أصلحوه فقال أنى لكم هذا قالت من الذي جئت به فعرف أنه رزق رزقهموه الله عز وجل قال زيد بن أسلم وبعث الله إلى ذلك الملك الجبار ملكا يأمره بالإيمان بالله فأبى عليه ثم دعاه الثانية فأبى عليه ثم الثالثة فأبى عليه وقال اجمع جموعك وأجمع جموعي فجمع النمرود جيشه وجنوده وقت طلوع الشمس فأرسل الله عليه ذبابا من البعوض بحيث لم يروا عين الشمس وسلطها الله عليهم فأكلت لحومهم ودمائهم وتركتهم عظاما بادية ودخلت واحدة منها في منخر الملك فمكثت في منخرها أربعمائة سنة عذبه الله تعالى بها فكان يضرب رأسه بالمزارب في هذه المدة كلها حتى أهلكه الله عز وجل بها
*2* هجرة الخليل إلى بلاد الشام
@ ثم الديار المصرية واستقراره في الأرض المقدسة قال الله فآمن له لوط وقال إني مهاجر إلى ربي إنه هو العزيز الحكيم ووهبنا له إسحق ويعقوب وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب وآتيناه أجره في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين وقال تعالى ونجيناه ولوطا إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين ووهبنا له إسحق ويعقوب نافلة وكلا جعلنا صالحين وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيارت وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين لما هجر قومه في الله وهاجر من بين أظهرهم وكانت امرأته عاقرا لا يولد لها ولم يكن له من الولد أحد بل معه ابن أخيه لوط بن هاران بن آزر وهبه الله تعالى بعد ذلك الأولاد الصالحين وجعل في ذريته النبوة والكتاب فكل نبي بعث بعده فهو من ذريته وكل كتاب نزل من السماء على نبي من الأنبياء من بعده فعلى أحد نسله وعقبه خلعة من الله وكرامة له حين ترك بلاده وأهله وأقرباءه وهاجر إلى بلد يتمكن
فيها من عبادة ربه عز وجل ودعوة الخلق إليه والأرض التي قصدها بالهجرة أرض الشام وهي التي قال الله عز وجل إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين قاله أبي بن كعب وأبو العالية وقتادة وغيرهم وروى العوفي عن ابن عباس قوله إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين مكة ألم تسمع إلى قوله إن أول بيت وضع للناس للدى ببكة مباركا وهدى للعالمين
وزعم كعب الأحبار أنها حران وقد قدمنا عن نقل أهل الكتاب أنه خرج من أرض بابل هو وابن أخيه لوط وأخوه ناحور وامرأة إبراهيم سارة وامرأة أخيه ملكا فنزلوا حران فمات تارح أبو إبراهيم بها
وقال السدي انطلق إبراهيم ولوط قبل الشام فلقي إبراهيم سارة وهي ابنة ملك حران وقد طعنت على قومها في دينهم فتزوجها على أن لا يغيرها رواه ابن جرير وهو غريب والمشهور أنها ابنت عمه هاران الذي تنسب إليه حران ومن زعم أنها ابنة أخيه هاران أخت لوط كما حكاه السهيلي عن القتيبي والنقاش فقد أبعد النجعة وقال بلا علم وادعى أن تزويج بنت الأخ كان إذ ذاك مشروعا فليس له على ذلك دليل ولو
فرض أن هذا كان مشروعا في وقت كما هو منقول عن الربانيين من اليهود فإن الأنبياء لا تتعاطاه والله أعلم ثم المشهور أن إبراهيم عليه السلام لما هاجر من بابل خرج بسارة مهاجرا من بلاده كما تقدم والله أعلم وذكر أهل الكتاب أنه لما قدم الشام أوحى الله إليه إني جاعل هذه الأرض لخلفك من بعدك فابتنى إبراهيم مذبحا لله شكرا على هذه النعمة وضرب قبته شرقي بيت المقدس ثم انطلق مرتحلا إلى التيمن وأنه كان جوع أي قحط وشدة وغلاء فارتحلوا إلى مصر وذكروا قصة سارة مع ملكها وإن إبراهيم قال لها قولي أنا أخته وذكروا خدام الملك اياها هاجر ثم أخرجهم منها فرجعوا إلى بلاد التيمن يعني أرض بيت المقدس وما والاها ومعه دواب وعبيد وأموال

وقد قال البخاري حدثنا محمد بن محبوب حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن محمد عن أبي هريرة قال لم يكذب إبراهيم الا ثلاث كذبات ثنتان منهن في ذات الله قوله إني سقيم وقوله بل فعله كبيرهم هذا وقال بينا هو ذات يوم وسارة اذ أتى على جبار من الجبابرة فقيل له ههنا رجل معه امرأة من أحسن الناس فأرسل اليه وسأله عنها فقال من هذه قال أختي فأتى سارة فقال يا سارة ليس على وجه الأرض مؤمن غيري وغيرك وإن هذا سألني فأخبرته أنك أختي فلا تكذبيني فأرسل إليها فلما دخلت عليه ذهب يتناولها بيده فأخذ فقال ادعي الله لي ولا أضرك فدعت الله فأطلق ثم تناولها الثانية فأخذ مثلها أو أشد فقال ادعي الله لي ولا أضرك فدعا بعض حجبته فقال إنك لم تأتني بإنسان وإنما أتيتني بشيطان فأخدمها هاجر فأتته وهو قائم يصلي فأومأ بيده مهيم فقالت رد الله كيد الكافر أو الفاجر في نحره وأخدم هاجر قال أبو هريرة فتلك أمكم يا بني ماء السماء تفرد به من هذا الوجه موقوفا وقد رواه الحافظ أبو بكر البزار عن عمرو بن علي الفلاس عن عبدالوهاب الثقفي عن هشام بن حسان عن محمد
ابن سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن إبراهيم لم يكذب قط إلا ثلاث كذبات كل ذلك في ذات الله قوله إني سقيم وقوله بل فعله كبيرهم هذا وبينما هو يسير في أرض جبار من الجبابرة إذ نزل منزلا فأتى الجبار فقيل له إنه قد نزل ههنا رجل معه امرأة من أحسن الناس فأرسل إليه فسأله عنها فقال إنها أختي فلما رجع إليها قال إن هذا سألني عنك فقلت إنك أختي وإنه ليس اليوم مسلم غيري وغيرك وانك أختي فلا تكذبيني عنده فانطلق بها فلما ذهب يتناولها أخذ فقال ادعي الله لي ولا أضرك فدعت له فأرسل فذهب يتناولها فأخذ مثلها أو أشد منها فقال ادعي الله لي ولا أضرك فدعت فأرسل ثلاث مرات فدعا أدنى حشمه فقال إنك لم تأتني بإنسان ولكن أتيتني بشيطان أخرجها وأعطها هاجر فجاءت وإبراهيم قائم يصلي فلما أحس بها انصرف فقال مهيم فقالت كفى الله كيد الظالم وأخدمني هاجر وأخرجاه من حديث هشام ثم قال البزار لا نعلم أسنده عن محمد عن أبي هريرة الا هشام ورواه غيره موقوفا

وقال الإمام أحمد حدثنا علي بن حفص عن ورقاء هو ابن عمر اليشكري عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكذب إبراهيم الا ثلاث كذبات قوله حين دعى إلى آلهتهم فقال إني سقيم وقوله بل فعله كبيرهم هذا وقوله لسارة أنها أختي قال ودخل إبراهيم قرية فيها ملك من الملوك أو جبار من الجبابرة فقيل دخل إبراهيم الليلة بامرأة من أحسن الناس قال فأرسل إليه الملك أو الجبار من هذه معك قال أختي قال فأسل بها قال فأرسل بها إليه وقال لا تكذبي قولي فإني قد أخبرته أنك أختي إن على الأرض مؤمن غيري وغيرك فلما دخلت عليه قام إليها فأقبلت توضأ وتصلي وتقول اللهم ان كنت تعلم أني آمنت بك وبرسولك وأحصنت فرجي الا على زوجي فلا تسلط على الكافر قال فغط حتى ركض برجله قال أبو الزناد قال أبو سلمة بن عبدالرحمن عن أبي هريرة أنها قالت اللهم ان يمت يقال هي قتلته قال فارسل قال ثم قام إليها قال فقامت توضأ وتصلي وتقول اللهم إن كنت تعلم أني آمنت بك وبرسولك وأحصنت فرجي إلى على زوجي فلا تسلط على الكافر قال فغط حتى ركض برجله قال أبو الزناد وقال أبو سلمة بن عبدالرحمن عن أبي هريرة أنها قالت اللهم ان يمت يقال هي قتلته قال فأرسل قال ثم قام إليها قال فقامت توضأ وتصلي وتقول اللهم ان كنت تعلم أني آمنت بك وبرسولك وأحصنت فرجي إلا على زوجي فلا تسلط علي الكافر قال فغط حتى ركظ برجله قال أبو الزناد وقال أبو سلمة عن أبي هريرة انها قالت اللهم ان يمت يقل هي قتلته قال فارسل قال فقال في الثالثة أو الرابعة ما أرسلتم إلي إلا شيطانا ارجعوها إلى إبراهيم وأعطوها هاجر قال فرجعت فقالت لإبراهيم أشعرت أن الله رد كيد الكافرين وأخدم وليدة تفرد به أحمد من هذا الوجه وهو على شرط لصحيح وقد رواه البخاري عن أبي اليمان عن شعيب بن أبي حمزة عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم به مختصرا وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا سفيان عن علي بن زيد بن جدعان عن أبي نضرة عن أبي سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في كلمات إبراهيم الثلاث التي قال ما منها كلمة الا ما حل بها عن دين الله فقال إني سقيم وقال بل فعله كبيرهم هذا وقال للملك حين أراد امرأته هي أختي فقوله في الحديث هي أختي أي في دين الله وقوله لها إنه ليس على وجه الأرض مؤمن
غيري وغيرك يعني زوجين مؤمنين غيري وغيرك ويتعين حمله على هذا لأن لوطا كان معهم وهو نبي عليه السلام وقوله لها لما رجعت إليه مهيم معناه ما الخبر فقالت إن الله رد كيد الكافرين وفي رواية الفاجر وهو الملك وأخدم جارية وكان إبراهيم عليه السلام من وقت ذهب بها إلى الملك قام يصلي لله عز وجل ويسأله أن يدفع عن أهله وأن يرد بأس هذا الذي أراد أهله بسوء وهكذا فعلت هي أيضا فلما أراد عدو الله أن ينال منها أمرا قامت إلى وضوئها وصلاتها ودعت الله عز وجل بما تقدم من الدعاء العظيم ولهذا قال تعالى واستعينوا بالصبر والصلوة فعصمها الله وصانها لعصمة عبده ورسوله وحبيبه وخليله إبراهيم عليه السلام
وقد ذهب بعض العلماء إلى نبوة ثلاث نسوة سارة وأم موسى ومريم عليهن السلام والذي عليه الجمهور أنهن صديقات رضي الله عنهم وأرضاهن ورأيت في بعض الآثار أن الله عز وجل كشف الحجاب فيما بين إبراهيم عليه السلام وبينها فلم يزل يراها منذ خرجت من عنده إلى أن رجعت إليه وكان مشاهدا لها وهي عند الملك وكيف عصمها الله منه ليكون ذلك أطيب لقلبه وأقر لعينه وأشد لطمأنينته فإنه كان يحبها حبا شديدا لدينها وقرابتها منه وحسنها الباهر فإنه قد قيل إنه لم تكن امرأة بعد حواء إلى زمانها أحسن منها رضي الله عنها ولله الحمد والمنة
وذكر بعض أهل التواريخ أن فرعون مصر هذا كان أخا للضحاك الملك المشهور بالظلم وكان عاملا لأخيه على مصر ويقال كان اسمه سنان بن علوان بن عبيد بن عويج بن عملاق بن لاود بن سام بن نوح وذكر ابن هشام في التيجان أن الذي أرادها عمرو بن امرىء القيس بن مايلون بن سبأ وكان على مصر نقله السهيلي فالله أعلم
ثم إن الخليل عليه السلام رجع من بلاد مصر إلى أرض التيمن وهي الأرض المقدسة التي كان فيها ومعه أنعام وعبيد ومال جزيل وصحبتهم هاجر القبطية المصرية ثم إن لوطا عليه السلام نزح بماله من الأموال الجزيلة بأمر الخليل له في ذلك إلى أرض الغور بالمعروف بغور زغر فنزل بمدينة سدوم وهي أم تلك البلاد في ذلك الزمان وكان أهلها أشرارا كفارا فجارا وأوحى الله تعالى إلى إبراهيم الخليل فأمره أن يمد بصره وينظر شمالا وجنوبا وشرقا وغربا وبشره بأن هذه الأرض كلها سأجعلها لك ولخلفك إلى آخر الدهر وسأكثر ذريتك حتى يصيروا بعدد تراب الأرض وهذه البشارة اتصلت بهذه الأمة بل ما كملت ولا كانت أعظم منها في هذه الأمة المحمدية يؤيد ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها وسيبلغ ملك أمتي ما زوى لي منها قالوا ثم أن طائفة من الجبارين تسلطوا على لوط عليه السلام فأسروه وأخذوا أمواله واستاقوا أنعامه فلما بلغ
أمواله وقتل من أعداء الله ورسوله خلقا كثيرا وهزمهم وساق في آثارهم حتى وصل إلى شرقي دمشق وعسكر بظاهرها عند برزة وأظن مقام إبراهيم إنما سمي لأنه كان موقف جيش الخليل والله أعلم
ثم رجع مؤيدا منصورا إلى بلاده وتلقاه ملوك بلاد بيت المقدس معظمين له مكرمين خاضعين واستقر ببلاده صلوات الله وسلامه عليه
*2* ذكر مولد إسماعيل عليه السلام من هاجر
@ قال أهل الكتاب إن إبراهيم عليه السلام سأل الله ذرية طيبة وأن الله بشره بذلك وأنه لما كان لإبراهيم ببلاد بيت المقدس عشرون سنة قالت سارة لإبراهيم عليه السلام إن الرب قد أحرمني الولد فادخل على أمتي هذه لعل الله يرزقني منها ولدا فلما وهبتها له دخل بها إبراهيم عليه السلام فحين دخل بها حملت منه قالوا فلما حملت ارتفعت نفسها وتعاظمت على سيدتها فغارت منها سارة فشكت ذلك إلى إبراهيم فقال لها افعلي بها ما شئت فخافت هاجر فهربت فنزلت عند عين هناك فقال لها ملك من الملائكة لا تخافي فإن الله جاعل من هذا الغلام الذي حملت خيرا وأمرها بالرجوع وبشرها أنها ستلد ابنا وتسميه اسماعيل ويكون وحش الناس يده على الكل ويد الكل به ويملك جميع بلاد إخوته فشكرت الله عز وجل على ذلك وهذه البشارة إنما انطبقت على ولده محمد صلوات الله وسلامه عليه فإنه الذي سادت به العرب وملكت جميع البلاد غربا وشرقا وأتاها الله من العلم النافع والعمل الصالح ما لم تؤت أمة من الأمم قبلهم وما ذاك إلا بشرف رسولها على سائر الرسل وبركة رسالته ويمن بشارته وكماله فيما جاء به وعموم بعثته لجميع أهل الأرض ولما رجعت هاجر وضعت إسماعيل عليه السلام قالوا وولدته ولإبراهيم من العمر ست وثمانون سنة قبل مولد إسحق بثلاث عشرة سنة ولما ولد إسماعيل أوحى الله إلى إبراهيم يبشره بإسحق من سارة فخر لله ساجدا وقال له قد استجبت لك في إسماعيل وباركت عليه وكثرته ونميته جدا كثيرا ويولد له اثنا عشر عظيما وأجعله رئيسا لشعب عظيم وهذه أيضا بشارة بهذه الأمة العظيمة وهؤلاء الاثنا عشر عظيما هم الخلفاء الراشدون الاثنا عشر المبشر بهم في حديثه عبدالملك بن عمير عن جابر بن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال يكون اثنا عشر أميرا ثم قال كلمة لم أفهمها فسألت أبي ما قال قال كلهم من قريش أخرجاه في الصحيحين وفي رواية لا يزال هذا الأمر قائما وفي رواية عزيزا حتى يكون اثنا عشر خليفة كلهم من قريش فهؤلاء منهم الأئمة الأربعة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ومنهم عمر بن عبدالعزيز أيضا ومنهم بعض بني العباس وليس المراد أنهم يكونون اثني عشر نسقا بل لا بد من وجودهم وليس المراد الأئمة الاثني عشر الذي يعتقد فيهم الرافضة الذين أولهم علي بن أبي طالب وآخرهم المنتظر بسرداب سامرا وهو محمد بن الحسن العسكري فيما يزعمون فإن أولئك لم يكن فيهم أنفع من
علي وابنه الحسن بن علي حين ترك القتال وسلم الأمر لمعاوية وأخمد نار الفتنة وسكن رحى الحروب بين المسلمين والباقون من جملة الرعايا لم يكن لهم حكم على الأمة في أمر من الأمور وأما ما يعتقدونه بسرداب سامرا فذاك هوس في الرؤس وهذيان في النفوس لا حقيقة له ولا عين ولا أثر
والمقصود أن هاجر عليها السلام لما ولد لها إسماعيل اشتدت غيرة سارة منها وطلبت من الخليل أن يغيب وجهها عنها فذهب بها وبولدها فسار بهما حتى وضعهما حيث مكة اليوم ويقال إن ولدها كان إذ ذاك رضيعا فلما تركهما هناك وولى ظهره عنهما قامت إليه هاجر وتعلقت بثيابه وقالت يا إبراهيم أين تذهب وتدعنا ههنا وليس معنا ما يكفينا فلم يجبها فلما أحلت عليه وهو لا يجيبها قالت له الله أمرك بهذا قال نعم قالت فإذا لا يضيعنا وقد ذكر الشيخ أبو محمد بن أبي زيد رحمه الله في كتاب النوادر أن سارة تغضبت على هاجر فحلفت لتقطعن ثلاثة أعضاء منها فأمرها الخليل أن تثقب أذنيها وأن تخفضها فتبر قسمها قال السهيل فكانت أول من اختتن من النساء وأول من ثقبت أذنها منهن وأول من طولت ذيلها


رد مع اقتباس
قديم 11-08-2008, 02:56 AM   رقم المشاركة : 18
الكاتب

أفاق الفكر

مراقب

مراقب

أفاق الفكر غير متواجد حالياً


الملف الشخصي








أفاق الفكر غير متواجد حالياً


رد: البداية والنهاية الجزء الاول


*2* ذكر مهاجرة إبراهيم بابنة اسماعيل وأمه هاجر إلى جبال فاران

@ وهي أرض مكة وبنائه البيت العتيق


قال البخاري قال عبدالله بن محمد هو أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عبدالرزاق حدثنا معمر عن أيوب السختياني وكثير بن كثير بن المطلب بن أبي وداعة يزيد أحدهما على الآخر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال أول ما اتخذ النساء المنطق من قبل أم اسماعيل اتخذت منطقا لتعفي أثرها على سارة ثم جاء بها إبراهيم وبابنها اسماعيل وهي ترضعه حتى وضعهما عند البيت عند دوحة فوق زمزم في أعلى المسجد وليس بمكة يومئذ أحد وليس بها ماء فوضعهما هنالك ووضع عندهما جرابا فيه تمر وسقاء فيه ماء ثم قفى إبراهيم منطلقا فتبعته أم إسماعيل فقالت يا ابراهيم أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس به أنس ولا شيء فقالت له ذلك مرارا وجعل لا يلتفت إليها فقالت له الله أمرك بهذا قال نعم قالت إذا لا يضيعنا ثم رجعت فانطلق إبراهيم حتى إذا كان عند الثنية حيث لا يرونه استقبل بوجهه البيت ثم دعا بهؤلاء الدعوات ورفع يديه فقال ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند

بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون وجعلت أم إسماعيل ترضع اسماعيل وتشرب من ذلك الماء حتى إذا نفذ ما في السقاء عطشت وعطش ابنها وجعلت تنظر إليه يلتوي أو قال يتلبط فانطلقت كراهية أن تنظر إليه فوجدت الصفا أقرب جبل في الأرض يليها فقامت عليه ثم استقبلت الوادي تنظر هلى ترى أحدا فلم تر أحدا فهبطت ممن الصفا حتى إذا بلغت الوادي رفعت طرف ذراعها ثم سعت سعي الإنسان المجهود حتى إذا جاوزت الوادي ثم أتت المروة فقامت عليها ونظرت هل ترى أحدا فلم تر أحدا ففعلت ذلك سبع مرات قال ابن عباس قال النبي صلى الله عليه وسلم فلذلك سعى الناس بينهما فلما أشرفت على المروة سمعت صوتا فقالت صه تريد نفسها ثم تسمعت فسمعت أيضا فقالت قد أسمعت إن كان عندك غواث فإذا هي بالملك عند موضع زمزم فبحث بعقبه أو قال بجناحه حتى ظهر الماء فجعلت تخوضه وتقول بيدها هكذا وجعلت تغرف من الماء في سقائها وهي تفور بعد ما تغرف قال ابن عباس قال النبي صلى الله عليه وسلم يرحم الله أم اسماعيل لو تركت زمزم أو قال لو لم تغرف من الماء لكانت زمزم عينا معينا فشربت وأرضعت ولدها فقال لها الملك لا تخافي الضيعة فإن ههنا بيت الله يبني هذا الغلام وأبوه وإن الله لا يضيع أهله وكان البيت مرتفعا من الأرض كالرابية تأتيه السيول فتأخذ عن يمينه وعن شماله فكانت كذلك حتى مرت بهم رفقة من جرهم أو أهل بيت من جرهم مقبلين من طريق كذا فنزلوا في أسفل مكة فرأوا طائرا عائفا فقالوا إن هذا الطائر ليدور على الماء لعهدنا بهذا الوادي وما فيه ماء فأرسلوا جريا أو جريين فإذا هم بالماء فرجعوا فأخبروهم بالماء فأقبلوا قال وأم اسمعيل عند الماء فقالوا تأذنين لنا أن ننزل عندك قالت نعم ولكن لا حق لكم في الماء قالوا نعم قال عبدالله بن عباس قال النبي صلى الله عليه وسلم فألقى ذلك أم اسمعيل وهي تحب الانس فنزلوا وأرسلوا إلى أهليهم فنزلوا معهم حتى إذا كان بها أهل أبيات منهم وشب الغلام وتعلم العربية منهم وأنفسهم وأعجبهم حين شب فلما أدرك زوجوه امرأة منهم وماتت أم اسمعيل فجاء إبراهيم بعد ما تزوج اسمعيل يطالع تركته فلم يجد اسمعيل فسأل امرأته فقالت خرج يبتغي لنا ثم سألها عن عيشهم وهيئتهم فقالت نحن بشر في ضيق وشدة وشكت إليه قال فإذا جاء زوجك أقرئي عليه السلام وقولي له يغير عتبة بابه فلما جاء اسمعيل كأنه آنس شيئا فقال هل جاءكم من أحد فقالت نعم جاءنا شيخ كذا وكذا فسألنا عنك فأخبرته وسألني كيف عيشنا فأخبرته أنا في جهد وشدة قال فهل أوصاك بشيء قالت نعم أمرني أن أقرأ عليك السلام ويقول لك غير عتبة بابك قال ذاك أبي وأمرني أن أفارقك فالحقي بأهلك فطلقها وتزوج منهم أخرى ولبث عنهم إبراهيم ما شاء الله ثم أتاهم بعد فلم يجده فدخل على امرأته فسألها عنه فقالت خرج يبتغي لنا قال كيف أنتم وسألها عن عيشهم وهيئتهم فقالت نحن بخير وسعة وأثنت على الله فقال ما طعامكم قالت اللحم قال فما شرابكم قالت الماء قال اللهم بارك لهم في اللحم والماء
قال النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكن لهم يومئذ حب ولو كان لهم حب لدعا لهم فيه فهما لا يخلو عليهما أحد بعين مكة الا لم يوافقاه قال فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السلام ومريه يثبت عتبة بابه فلما جاء اسمعيل قال هل أتاكم من أحد قالت نعم أتانا شيخ حسن الهيئة وأثنت عليه فسألني عنك فأخبرته فسألني كيف عيشنا فأخبرته أنا بخير قال فأوصاك بشيء قالت نعم هو يقرأ عليك السلام ويأمرك أن تثبت عتبة بابك قال ذاك أبي وأمرني أن أمسكك ثم لبث عنهم ما شاء الله ثم جاء بعد ذلك واسمعيل يبري نبلالة تحت دوحة قريبا من زمزم فلما رآه قام إليه فصنعا كما يصنع الولد بالوالد والوالد بالولد ثم قال يا اسمعيل إن الله أمرني بأمر قال فاصنع ما أمرك به ربك قال وتعينني قال وأعينك قال فإن الله أمرني أن أبني ههنا بيتا وأشار إلى أكمة مرتفعة على ما حولها قال فعند ذلك رفعا القواعد من البيت فجعل اسمعيل يأتي بالحجارة وإبراهيم يبني حتى إذا ارتفع البناء جاء بهذا الحجر فوضعه له فقام عليه وهو يبني واسمعيل يناوله الحجارة وهما يقولان ربنا تقبل منا انك أنت السميع العليم قال وجعلا يبنيان حتى يدورا حول البيت وهما يقولان ربنا تقبل منا انك أنت السميع العليم ثم قال حدثنا عبدالله بن محمد حدثنا أبو عامر عبدالله بن عمرو حدثنا إبراهيم بن نافع عن كثير بن كثير عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال لما كان من إبراهيم وأهله ما كان خرج باسمعيل وأم اسمعيل ومعهم شنة فيها ماء وذكر تمامه بنحو ما تقدم وهذا الحديث من كلام ابن عباس وموشح برفع بعضه وفي بعضه غرابة وكأنه مما تلقاه ابن عباس عن الإسرائيليات وفيه أن اسمعيل كان رضيعا إذ ذاك وعند أهل التوراة أن إبراهيم أمره الله بأن يختن ولده اسمعيل وكل من عنده من العبيد وغيرهم فختنهم وذلك بعد مضي تسع وتسعين سنة من عمره فيكون عمر اسمعيل يومئذ ثلاث عشرة سنة وهذا امتثال لأمر الله عز وجل في أهله فيدل على أنه فعله على وجه الوجوب ولهذا كان الصحيح من أقوال العلماء أنه واجب على الرجال كما هو مقرر في موضعه

وقد ثبت في الحديث الذي رواه البخاري حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا مغيرة بن عبدالرحمن القرشي عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال النبي صلى الله عليه وسلم اختتن إبراهيم النبي عليه السلام وهو ابن ثمانين سنة بالقدوم تابعه عبدالرحمن بن اسحق عن أبي الزناد وتابعه عجلان عن أبي هريرة ورواه محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة وهكذا رواه مسلم عن قتيبة به وفي بعض الألفاظ اختتن إبراهيم بعد ما أتت عليه ثمانون سنة واختتن بالقدوم والقدوم هو الآلة وقيل موضع وهذا
اللفظ لا ينافي الزيادة على الثمانين والله أعلم لما سيأتي من الحديث عند ذكر وفاته عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال اختتن إبراهيم وهو ابن مائة وعشرين سنة وعاش بعد ذلك ثمانين سنة رواه ابن حبان في صحيحه وليس في هذا السياق


*2* ذكر قصة الذبيح

@ وأنه اسمعيل ولم يذكر في قد مات إبراهيم عليه السلام الا ثلاث مرات أولاهن بعد أن تزوج اسمعيل بعد موت هاجر وكيف تركهم من حين صغر الولد على ما ذكر إلى حين تزويجه لا ينظر في حالهم وقد ذكر أن الأرض كانت تطوى له وقيل إنه كان يركب البراق إذا سار إليهم فكيف يتخلف عن مطالعة حالهم وهم في غاية الضرورة الشديدة والحاجة الأكيدة وكان بعض هذا السياق متلقى من الإسرائيليات ومطرز بشيء من المرفوعات ولم يذكر فيه قصة الذبيح وقد دللنا على أن الذبيح هو اسمعيل على الصحيح في سورة الصافات

قصة الذبيح

قال الله تعالى وقال إني ذاهب إلى ربي سيهدين رب هب لي من الصالحين فبشرناه بغلام حليم فلما بلغ معه السعي قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين فلما أسلما وتله للجبين وناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا انا كذلك نجزي المحسنين إن هذا لهو البلاء المبين وفديناه بذبح عظيم وتركنا عليه في الآخرين سلام على إبراهيم كذلك نجزي المحسنين إنه من عبادنا المؤمنين وبشرناه بإسحق نبيا من الصالحين وباركنا عليه وعلى اسحق ومن ذريتهما محسن وظالم لنفسه مبين يذكر تعالى عن خليله إبراهيم أنه لما هاجر من بلاد قومه سأل ربه أن يهب له ولدا صالحا فبشره الله تعالى بغلام حليم وهو اسماعيل عليه السلام لأنه أول من ولد على رأس ست وثمانين سنة من عمر الخليل وهذا ما لا خلاف فيه بين أهل الملل لأنه أول ولده وبكره وقوله فلما بلغ معه السعي أي شب وصار يسعى في مصالحه كأبيه قال مجاهد فلما بلغ معه السعي أي شب وارتحل وأطاق ما يفعله أبوه من السعي والعمل فلما كان هذا رئى إبراهيم عليه السلام في المنام أنه يؤمر بذبح ولده هذا وفي الحديث عن ابن عباس مرفوعا رؤيا الأنبياء وحي قاله عبيد ابن عمير أيضا وهذا اختبار من الله عز وجل لخليله في أن يذبح هذا الولد العزيز الذي جاءه على كبر وقد طعن في السن بعد ما أمر بأن يسكنه هو وأمه في بلاد قفر وواد ليس به حسيس ولا أنيس ولا زرع ولا ضرع فامتثل أمر الله في ذلك وتركهما هناك ثقة بالله وتوكلا عليه فجعل الله لهما فرجا ومخرجا ورزقهما من حيث لا يحتسبان ثم لما أمر بعد هذا كله بذبح ولده هذا الذي قد أفرده عن أمر ربه وهو بكره ووحيده الذي ليس له غيره أجاب ربه وامتثل أمره وسارع إلى طاعته ثم عرض ذلك على ولده ليكون أطيب لقلبه وأهون عليه من أن يأخذه قسرا ويذبحه قهرا قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر
ماذا ترى فبادر الغلام الحليم سر والده الخليل إبراهيم فقال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين وهذا الجواب في غاية السداد والطاعة للوالد ولرب العباد قال الله تعالى فلما أسلما وتله للجبين قيل أسلما أي استسلما لأمر الله وعزما على ذلك وقيل هذا من المقدم والمؤخر والمعنى تله للجبين أي ألقاه على وجهه قيل أراد أن يذبحه من قفاه لئلا يشاهده في حال ذبحه قاله ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير وقتادة والضحاك وقيل بل أضجعه كما تضجع الذبائح وبقي طرف جبينه لاصقا بالأرض وأسلما أي سمى إبراهيم وكبر وتشهد الولد للموت قال السدي وغيره أمر السكين على حلقه فلم تقطع شيئا ويقال جعل بينها وبين حلقه صفيحة من نحاس والله أعلم فعند ذلك نودي من الله عز وجل أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا أي قد حصل المقصود من اختبارك وطاعتك ومبادرتك إلى أمر ربك وبذلك ولدك للقربان كما سمحت ببدنك للنيران وكما مالك مبذول للضيفان ولهذا قال تعالى إن هذا لهو البلاء المبين أي الاختبار الظاهر البين وقوله وفديناه بذبح عظيم أي وجعلنا فداء ذبح ولده ما يسره الله تعالى له من العوض عنه والمشهور عن الجمهور أنه كبش أبيض أعين أقرن رآه مربوطا بسمرة في ثبير قال الثوري عن عبدالله بن عثمان بن خيثم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال كبش قد رعى في الجنة أربعين خريفا وقال سعيد بن جبير كان يرتع في الجنة حتى تشقق عنه ثبير وكان عليه عهن أحمر وعن ابن عباس هبط عليه من ثبير كبش أعين أقرن له ثغاء فذبحه وهو الكبش الذي قربه ابن آدم فتقبل منه رواه ابن أبي حاتم
قال مجاهد فذبحه بمنى وقال عبيد بن عمير ذبحه بالمقام فأما ما روى عن ابن عباس أنه كان وعلا وعن الحسن أنه كان تيسا من الأروى واسمه جرير فلا يكاد يصح عنهما ثم غالب ما ههنا من الآثار مأخوذ من الإسرائيليات وفي القرآن كفاية عما جرى من الأمر العظيم والاختبار الباهر وأنه فدى بذبح عظيم وقد رود في الحديث أنه كان كبشا قال الإمام أحمد حدثنا سفيان حدثنا منصور عن خاله نافع عن صفية بنت شيبة قالت أخبرتني إمرأة من بني سليم ولدت عامة أهل دارنا قالت أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عثمان بن طلحة وقال مرة إنها سألت عثمان لم دعاك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إني كنت رأيت قرني الكبش حين دخلت البيت فنسيت أن آمرك أن تخمرهما فخمرهما فإنه لا ينبغي أن يكون في البيت شيء يشغل المصلي قال سفيان لم تزل قرنا الكبش في البيت حتى احترق البيت فاحترقا وهذا روى عن ابن عباس أن رأس الكبش لم يزل معلقا عند ميزاب الكعبة قد يبس وهذا وحده دليل على أن الذبيح اسمعيل لأنه كان وهو المقيم بمكة واسحق لا نعلم أنه قدمها في حال صغره والله أعلم
وهذا هو الظاهر من القرآن بل كأنه نص على أن الذبيح هو اسمعيل لأنه ذكر قصة الذبيح ثم قال
بعده وبشرناه باسحق نبيا من الصالحين ومن جعله حالا فقد تكلف ومستنده أنه اسحق إنما هو اسرائيليات وكتابهم فيه تحريف ولا سيما ههنا قطعا لا محيد عنه فإن عندهم أن الله أمر إبراهيم أن يذبح ابنه وحيده وفي نسخة من المعربة بكره اسحق فلفظه اسحق ههنا مقحمة مكذوبة مفتراة لأنه ليس هو الوحيد ولا البكر ذاك اسمعيل وإنما حملهم على هذا حسد العرب فإن اسمعيل أبو العرب الذين يسكنون الحجاز الذين منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم واسحق والد يعقوب وهو إسرائيل الذين ينتسبون إليه فأرادوا أن يجروا هذا الشرف إليهم فحرفوا كلام الله وزادوا فيه وهم قوم بهت ولم يقروا بأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء وقد قال بأنه اسحق طائفة كثيرة من السلف وغيرهم وإنما أخذوه والله أعلم من كعب الأحبار أو صحف أهل الكتاب وليس في ذلك حديث صحيح عن المعصوم حتى نترك لأجله ظاهر الكتاب العزيز ولا يفهم هذا من القرآن بل المفهوم بل المنطوق بل النص عند التأمل على أنه اسمعيل وما أحسن ما استدل محمد بن كعب القرظي على أنه اسمعيل وليس باسحق من قوله فبشرناها بإسحاق ومن وراء اسحق يعقوب قال فكيف تقع البشارة باسحق وأنه سيولد له يعقوب ثم يؤمر بذبح اسحق وهو صغير قبل أن يولد له هذا لا يكون لأنه يناقض البشارة المتقدمة والله أعلم
وقد اعترض السهيلي على هذا الاستدلال بما حاصله أن قوله فبشرناها بإسحاق جملة تامة وقوله ومن وراء إسحاق يعقوب جملة أخرى ليست في حيز البشارة قال لأنه لا يجوز من حيث العربية أني كون مخفوضا إلا أن يعاد معه حرف الجر فلا يجوز أن يقال مررت بزيد ومن بعده عمرو حتى يقال ومن بعده بعمر وقال فقوله ومن وراء إسحق يعقوب منصوب بفعل مضمر تقديره ووهبنا لاسحق يعقوب وفي هذا الذي قاله نظر ورجح أنه إسحاق واحتج بقوله فلما بلغ معه السعي قال واسماعيل لم يكن عنده إنما كان في حال صغره هو وأمه بحيال مكة فكيف يبلغ معه السعي وهذا أيضا فيه نظر لأنه قد روى أن الخليل كان يذهب في كثير من الأوقات راكبا البراق إلى مكة يطلع على ولده وابنه ثم يرجع والله أعلم فمن حكى القول عنه بأنه اسحق كعب الأحبار وروى عن عمر والعباس وعلي وابن مسعود ومسروق وعكرمة وسعيد بن جبير ومجاهد وعطاء والشعبي ومقاتل وعبيد بن عمر وأبي ميسرة وزيد بن أسلم وعبدالله بن شقيق والزهري والقاسم وابن أبي بردة ومكحول وعثمان بن حاضر والسدي والحسن وقتادة وأبي الهذيل وابن سابط وهو اختيار ابن جرير وهذا عجب منه وهو إحدى الروايتين عن ابن عباس ولكن الصحيح عنه وعن أكثر هؤلاء أنه إسماعيل عليه السلام قال مجاهد وسعيد الشعبي ويوسف بن مهران وعطاء وغير واحد عن ابن عباس هو إسماعيل عليه السلام وقال ابن جرير حدثني يونس أنبأنا ابن وهب أخبرني عمرو بن قيس عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس أنه قال المفدى اسماعيل وزعمت اليهود أنه اسحق وكذبت اليهود وقال عبدالله بن الامام أحمد
عن أبيه هو اسماعيل وقال ابن أبي حاتم سألت أبي عن الذبيح فقال الصحيح أنه اسماعيل عليه السلام قال ابن أبي حاتم وروى عن علي وابن عمر وأبي هريرة وأبي الطفيل وسعيد بن المسيب وسعيد بن جبير والحسن ومجاهد والشعبي ومحمد بن كعب وأبي جعفر محمد بن علي وأبي صالح أنهم قالوا الذبيح هو اسماعيل عليه السلام وحكاه البغوي أيضا عن الربيع بن أنس والكلبي وأبي عمرو بن العلاء قلت وروى عن معاوية وجاء عنه أن رجلا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم يا ابن الذبيحين فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وإليه ذهب عمر بن عبدالعزيز ومحمد بن اسحاق بن يسار وكان الحسن البصري يقول لا شك في هذا وقال محمد بن اسحاق عن بريدة عن سفيان بن فروة الأسلمي عن محمد بن كعب أنه حدثهم أنه ذلك ذلك لعمر بن عبدالعزيز وهو خليفة إذ كان معه بالشام يعني استدلاله بقوله بعد العصمة فبشرناه بإسحاق ومن وراء اسحاق يعقوب فقال له عمر إن هذا الشيء ما كنت أنظر فيه وإني لأراه كما قلت ثم أرسل إلى رجل كان عنده بالشام كان يهوديا فأسلم وحسن إسلامه وكان يرى أنه من علمائهم قال فسأله عمر بن عبدالعزيز أي ابني إبراهيم أمر بذبحه فقال اسماعيل والله يا أمير المؤمنين وإن اليهود لتعلم بذلك ولكنهم يحسدونكم معشر العرب على أن يكون أباكم الذي كان من أمر الله فيه والفضل الذي ذكره الله منه لصبره لما أمر به فهم يجحدون ذلك ويزعمون أنه اسحق لأن اسحق أبوهم وقد ذكرنا هذه المسئلة مستقصاة بأدلتها وآثارها في في كتابنا التفسير ولله الحمد والمنة

*2* مولد اسحاق

@ قال الله تعالى وبشرناه بإسحق نبيا من الصالحين وباركنا عليه وعلى اسحق ومن ذريتهما محسن وظالم لنفسه مبين وقد كانت البشارة به من الملائكة لإبراهيم وسارة لما مروا بهم مجتازين ذاهبين إلى مدائن قوم لوط ليدمروا عليهم لكفرهم وفجورهم كما سيأتي بيانه في موضعه إن شاء الله تعالى قال الله تعالى ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا سلاما قال سلام فما لبث أن جاء بعجل حنيذ فلما رأى أيديهم لا تصل إليهم نكرهم وأوجس منهم خيفة قالوا لا تخف إنا أرسلنا إلى قوم لوط وامرأته قائمة فضحكت فبشرناها باسحق ومن وراء اسحق يعقوب قالت يا ويلتي أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا إن هذا لشيء عجيب قالوا أتعجبين من أمر الله رحمت الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد وقال تعالى ونبئهم عن ضيف إبراهيم إذ دخلوا عليه فقالوا سلاما قال إنا منكم وجلون قالوا لا توجل انا نبشرك بغلام عليم قال أبشرتموني على أن مسني الكبر فبم تبشرون قالوا بشرناك بالحق فلا

تكن من القانطين قال ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون وقال تعالى هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين إذ دخلوا عليه فقالوا سلاما قال سلام قوم منكرون فراغ إلى أهله فجاء بعجل سمين فقربه إليهم قال ألا تأكلون فأوجس منهم خيفة قالوا لا تخف وبشروه بغلام عليم فأقبلت امرأته في صرة فصكت وجهها وقالت عجوز عقيم قالوا كذلك قال ربك إنه هو الحكيم العليم يذكر تعالى أن الملائكة قالوا وكانوا ثلاثة جبريل وميكائيل واسرافيل لما وردوا على الخليل حسبهم أضيافا فعاملهم معاملة الضيوف شوى لهم عجلا سمينا من خيار بقره فلما قربه إليهم وعرض عليهم لم ير لهم همة إلى الأكل بالكلية وذلك لأن الملائكة ليس فيهم قوة الحاجة إلى الطعام فنكرهم إبراهيم وأوجس منهم خيفة قالوا لا تخف إنا أرسلنا إلى قوم لوط أي لندمر عليهم فاستبشرت عند ذلك سارة غضبا لله عليهم وكانت قائمة على رؤس الأضياف كما جرت به عادة الناس من العرب وغيرهم فلما ضحكت استبشارا بذلك قال الله تعالى فبشرناها باسحق ومن وراء اسحق يعقوب أي بشرتها الملائكة بذلك فأقبلت امرأته في صرة أي في صرخة فصكت وجهها أي كما يفعل النساء عند التعجب وقالت يا ويلتي أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا أي كيف يلد مثلي وأنا كبيرة وعقيم أيضا وهذا بعلي أي زوجي شيخا تعجبت من وجود ولد والحالة هذه ولهذا قالت إن هذا لشيء عجيب قالوا أتعجبين من أمر الله رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد وكذلك تعجب إبراهيم عليه السلام استبشارا بهذه البشارة وتثبيتا لها وفرحا بها قال أبشرتموني على أن مسني الكبر فبم تبشرون قالوا بشرناك بالحق فلا تكن من القانطين أكدوا الخبر بهذه البشارة وقرروه معه فبشروهما بغلام عليم وهو اسحق وأخوه اسماعيل غلام حليم مناسب لمقامه وصبره وهكذا وصفه ربه بصدق الوعد والصبر وقال في الآية الأخرى فبشرناها باسحق ومن وراء اسحق يعقوب وهذا مما استدل به محمد بن كعب القرظي وغيره على أن الذبيح هو اسماعيل وأن اسحق لا يجوز أن يؤمر بذبحه بعد أن وقعت البشارة بوجوده ووجود ولده يعقوب المشتق من العقب من بعده

وعند أهل الكتاب أنه أحضر مع العجل الحنيذ وهو المشوي رغيفا من مكة فيه ثلاثة اكيا وسمن ولبن وعندهم أنهم أكلوا وهذا غلط محض وقيل كانوا يودون أنهم يأكلون والطعام يتلاشي في الهواء وعندهم أن الله تعالى قال لإبراهيم أما سارا امرأتك فلا يدعى اسمها سارا ولكن اسمها سارة وأبارك عليها وأعطيك منها ابنا وأباركه ويكون الشعوب وملوك الشعوب منه فخر إبراهيم على وجهه يعني ساجدا وضحك قائلا في نفسه أبعد مائة سنة يولد لي غلام أو سارة تلد وقد أتت عليها تسعون سنة وقال إبراهيم لله تعالى ليت اسماعيل يعيش قدامك فقال الله لإبراهيم بحقي إن امرأتك سارة

تلد لك غلاما وتدعو اسمه اسحق إلى مثل هذا الحين من قابل وأوثقه ميثاقي إلى الدهر ولخلفه من بعده وقد استجبت لك في اسماعيل وباركت عليه وكبرته ونميته جدا كثيرا ويولد له اثنا عشر عظيما وأجعله رئيسا لشعب عظيم وقد تكلمنا على هذا بما تقدم والله أعلم فقوله تعالى فبشرناها باسحق ومن وراء اسحق يعقوب دليل على أنها تستمتع بوجود ولدها اسحق ثم من بعده بولد ولده يعقوب أي يولد في حياتهما لتقر أعينهما به كما قرت بولده ولو لم يرد هذا لم يكن لذكر يعقوب وتخصيص التنصيص عليه من دون سائر نسل اسحق فائدة ولما عين بالذكر دل على أنهم يتمتعان به ويسران بولده كما سرا بمولد أبيه من قبله وقال تعالى ووهبنا له اسحق ويعقوب كلا هدينا وقال تعالى فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون الله وهبنا له اسحق ويعقوب وهذا إن شاء الله ظاهر قوي ويؤيده ما ثبت في الصحيحين من حديث سليمان بن مرهان الأعمش عن إبراهيم بن يزيد التيمي عن أبيه عن أبي ذر قال قلت يا رسول الله أي مسجد وضع أول قال المسجد الحرام قلت ثم أي قال المسجد الأقصى قلت كم بينهما قال أربعون سنة قلت ثم أي قال ثم حيث أدركت الصلاة فصل فكلها مسجد وعند أهل الكتاب أن يعقوب عليه السلام هو الذي أسس المسجد الأقصى وهو مسجد ايليا بيت المقدس شرفه الله وهذا متجه ويشهد له ما ذكرناه من الحديث فعلى هذا يكون بناء يعقوب وهو اسرائيل عليه السلام بعد بناء الخليل وابنه اسماعيل المسجد الحرام بأربعين سنة سواء وقد كان بناؤهما ذلك بعد وجود اسحق لأن إبراهيم عليه السلام لما دعا قال في دعائه كما قال تعالى وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمنا واجنبني وبني أن نعبد الأصنام رب إنهن أضللن كثيرا من الناس فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون ربنا إنك تعلم ما نخفي وما نعلن وما يخفى على الله من شيء في الأرض ولا في السماء الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل واسحق إن ربي لسميع الدعاء رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ربنا وتقبل دعاء ربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب وما جاء في الحديث من أن سليمان بن داود عليهما السلام لما بنى بيت المقدس سأل الله خلالا ثلاثا كما ذكرناه عند قوله رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي وكما سنورده في قصته فالمراد من ذلك والله أعلم أنه جدد بناءه كما تقدم من أن بينهما أربعين سنة ولم يقل أحد إن بين سليمان وإبراهيم أربعين سنة سوى ابن حبان في تقاسيمه وأنواع وهذا القول لم يوافق عليه ولا سبق إليه


رد مع اقتباس
قديم 11-08-2008, 03:01 AM   رقم المشاركة : 19
الكاتب

أفاق الفكر

مراقب

مراقب

أفاق الفكر غير متواجد حالياً


الملف الشخصي








أفاق الفكر غير متواجد حالياً


رد: البداية والنهاية الجزء الاول


*2* بناء البيت العتيق

@ قال الله تعالى وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت ألا تشرك بي شيئا وطهر بيتي للطائفين والقائمين والركع السجود وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ظامر يأتين من كل فج عميق وقال تعالى إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين وقال تعالى وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر قال ومن كفر فأمتعه قليلا ثم أضطره إلى عذاب النار وبئس المصير وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلوا عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم يذكر تعالى عن عبده ورسوله وصفيه وخليله إمام الحنفاء ووالد الأنبياء عليه أفضل صلاة وتسليم أنه بنى البيت العتيق الذي هو أول مسجد وضع لعموم الناس يعبدون الله فيه وبوأه الله مكانه أي أرشده إليه ودله عليه وقد روينا عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وغيره أنه أرشد إليه بوحي من الله عز وجل وقد قدمنا في صفة خلق السموات أن الكعبة بحيال البيت المعمور بحيث أنه لو سقط لسقط عليها وكذلك معابد السموات السبع كما قال بعض السلف إن في كل سماء بيتا يعبد الله فيه أهل كل سماء وهو فيها كالكعبة لأهل الارض فأمر الله تعالى إبراهيم عليه السلام أن يبني له بيتا يكون لأهل الأض كتلك المعابد لملائكة السماء وأرشده الله إلى مكان البيت المهيأ له المعين لذلك منذ خلق السموات والأرض كما ثبت في الصحيحين أن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السموات والأرض فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة ولم يجيء في خبر صحيح عن معصوم أن البيت كان مبنيا قبل الخليل عليه السلام ومن تمسك في هذا بقوله مكان البيت بناهض ولا ظاهر لأن المراد مكانه المقدر في علم الله المقر في قدرته المعظم عند الأنبياء موضعه من لدن آدم إلى زمان إبراهيم وقد ذكرنا أن آدم نصب عليه قبة وأن الملائكة قالوا له قد طفنا بهذا البيت وأن السفينة طافت به أربعين يوما أو نحو ذلك ولكن كل هذه الأخبار عن بني إسرائيل وقد قررنا أنها لا تصدق ولا تكذب فلا يحتج بها فأما إن ردها الحق فهي مردودة وقد قال الله إن أول بيت وضع
للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين أي أول بيت وضع لعموم الناس للبركة والهدى البيت الذي ببكة قيل مكة وقيل محل الكعبة فيه آيات بينات أي على أنه بناء الخليل والد الأنبياء من بعده وإمام الحنفاء من ولده الذين يقتدون به ويتمسكون بسنته ولهذا قال مقام إبراهيم أي الحجر الذي كان يقف عليه قائما لما ارتفع البناء عن قامته فوضع له ولده هذا الحجر المشهور ليرتفع عليه لما تعالى البناء وعظم الفناء كما تقدم في حديث ابن عباس الطويل وقد كان هذا الحجر ملصقا بحائط الكعبة على ما كان عليه من قديم الزمان إلى أيام عمر بن الخطاب رضي الله عنه فاخره عن البيت قليلا لئلا يشغل المصلين عنده الطائفين بالبيت واتبع عمر بن الخطاب رضي الله عنه في هذا فإنه قد وافقه ربه في أشياء منها في قوله لرسوله صلى الله عليه وسلم لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلى فأنزل الله وأتخذوا من مقام إبراهيم مصلى وقد كانت آثار قدمي الخليل باقية في الصخرة إلى أول الإسلام وقد قال أبو طالب في قصيدته اللامية المشهورة
وثور ومن أرسى ثبيرا مكانه * وراق لبر في حراء ونازل
وبالبيت حق البيت من بطن مكة * وبالله إن الله ليس بغافل
وبالحجر المسود إذ يمسحونه * إذا اكتنفوه بالضحى والأصائل
وموطيء إبراهيم في الصخر رطبة * على قدميه حافيا غير ناعل
يعني أن رجله الكريمة غاصت في الصخرة فصارت على قدر قدمه حافية لا متنعلة ولهذا قال تعالى وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل أي في حال قولهما ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم فهما في غاية الإخلاص والطاعة لله عز وجل وهما يسألان من الله السميع العليم أن يتقبل منهما ما هما فيه من الطاعة العظيمة والسعي المشكور ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم
والمقصود أن الخليل بنى أشرف المساجد في أشرف البقاع في واد غير ذي زرع ودعا لأهلها بالبركة وأن يرزقوا من الثمرات مع قلة المياه وعدم الأشجار والزروع والثمار وأن يجعله حرما محرما وآمنا محتما فاستجاب الله وله الحمد له مسألته ولبى دعوته وأتاه طلبته فقال تعالى أولم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم وقال تعالى أولم نمكن لهم حراما آمنا يجبي إليه ثمرات كل شيء رزقا من لدنا وسأل الله أن يبعث فيهم رسولا منهم أي من جنسهم وعلى لغتهم الفصيحة البليغة النصيحة لتتم عليهم النعمتان الدنيوية والدينية سعادة والاولى والأخرى وقد استجاب الله له فبعث فيهم رسولا وأي رسول ختم به أنبياءه ورسله وأكمل له من الدين ما لم يؤت أحدا قبله وعم بدعوته أهل الأرض على اختلاف أجناسهم ولغاتهم وصفاتهم في سائر الأقطار والأمصار والأعصار إلى يوم القيامة كان هذا من خصائصه من بين سائر الأنبياء لشرفه في نفسه وكمال ما أرسل به وشرف بقعته وفصاحة لغته وكمال شفقته على أمته ولطفه ورحمته وكريم محتده وعظيم مولده وطيب مصدره ومورده ولهذا استحق إبراهيم الخليل عليه السلام إذ كان باني الكعبة لأهل الأرض ان يكون منصبه ومحله وموضعه في منازل السموات ورفيع الدرجات عند البيت المعمور الذي هو كعبة اهل السماء السابعة المبارك المبرور الذي يدخله كل يوم سبعون ألفا من الملائكة يتعبدون فيه ثم لا يعودون إليه إلى يوم البعث والنشور وقد ذكرنا في التفسير من سورة البقرة صفة بناية البيت وما ورد في ذلك من الأخبار والآثار بما فيه كفاية فمن أراده فليراجعه ثم ولله الحمد فمن ذلك ما قال السدي لما أمر الله إبراهيم وإسماعيل أن يبنيا البيت ثم لم يدريا أين مكانه حتى بعث الله ريحا يقال له الخجوج لها جناحان ورأس في صورة حية فكنست لهما ما حول الكعبة عن أساس البيت الأول واتبعاها بالمعاول يحفران حتى وضعا الأساس وذلك حين يقول تعالى وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت فلما بلغا القواعد بنيا الركن قال إبراهيم لإسماعيل يا بني اطلب لي الحجر الأسود من الهند وكان أبيض ياقوتة بيضاء مثل النعامة وكان آدم هبط به من الجنة فاسود من خطايا الناس فجاءه إسماعيل بحجر فوجده عند الركن فقال يا أبتي من جاءك بهذا قال جاء به من هو أنشط منك فبنيا وهما يدعوان الله ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم وذكر ابن أبي حاتم أنه بناه من خمسة أجبل وأن ذا القرنين وكان ملك الإرض إذ ذاك مر بهما وهما يبنيانه فقال من أمركما بهذا فقال إبراهيم الله أمرنا به فقال وما يدريني بما تقول فشهدت خمسة أكبش أنه أمره بذلك فآمن وصدق

وذكر الأزرقي أنه طاف مع الخليل بالبيت وقد كانت على بناء الخليل مدة طويلة ثم بعد ذلك بنتها قريش فقصرت بها عن قواعد إبراهيم من جهة الشمال مما يلي الشام على ما هي عليه اليوم وفي الصحيحين من حديث مالك عن ابن شهاب عن سالم أن عبدالله بن محمد بن أبي بكر أخبر بن عمر عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ألم ترى إلى قومك حين بنوا الكعبة اقتصروا عن قواعد إبراهيم فقلت يا رسول
الله إلا تردها على قواعد إبراهيم فقال لولا حدثان قومك وفي رواية لولا أن قومك حديث عهد بجاهلية أو قال بكفر لانفقت كنز الكعبة في سبيل الله ولجعلت بابها بالأرض ولأدخلت فيها الحجر وقد بناها ابن الزبير رحمه الله في أيامه على ما اشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم حسبما أخبرته خالته عائشة أم المؤمنين عنه فلما قتله الحجاج في سنة ثلاث وسبعين كتب إلى عبد الملك بن مروان الخليفة إذ ذاك فاعتقدوا أن ابن الزبير إنما صنع ذلك من تلقاء نفسه فأمر بردها إلى ما كانت عليه فنقضوا الحائط الشامي وأخرجوا منها الحجر ثم سدوا الحائط وردموا الأحجار في جوف الكعبة فارتفع بابها الشرقي وسدوا الغربي بالكلية كما هو مشاهد إلى اليوم ثم لما بلغهم أن ابن الزبير إنما فعل هذا لما أخبرته عائشة أم المؤمنين ندموا على ما فعلوا وتأسفوا أن لو كانوا تركوه وما تولى من ذلك ثم لما كان في زمن المهدي بن المنصور استشار الإمام مالك بن أنس في ردها على الصفة التي بناها ابن الزبير فقال له إني اخشى أن يتخذها الملوك لعبة يعني كلما جاء ملك بناها على الصفة التي يريد فاستقر الأمر على ما هي عليه اليوم
*2* ذكر ثناء الله ورسوله الكريم على عبده وخليله إبراهيم
@ قال الله وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهم قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين لما وفى ما أمره ربه به من التكاليف العظيمة جعله للناس إماما يقتدون به ويأتمون بهديه وسأل الله أن تكون هذه الأمامة متصلة بسببه وباقية في نسبه وخالدة في عقبه فأجيب إلى ما سأل ورام وسلمت إليه الإمامة بزمام واستثنى من نيلها الظالمون واختص بها من ذريته العلماء العاملون كما قال تعالى ووهبنا له إسحق ويعقوب وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب وآتيناه أجره في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين وقال تعالى ووهبنا له إسحق ويعقوب كلا هدينا ونوحا هدينا من قبل ومن ذريته داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهرون وكذلك نجزي المحسنين وزكريا ويحيى وعيسى وإلياس كل من الصالحين وإسمعيل واليسع ويونس ولوطا وكلا فضلنا على العالمين ومن آبائهم وذرياتهم وإخوانهم واجتبيناهم وهديناهم إلى صراط مستقيم فالضمير في قوله ومن ذريته عائد على إبراهيم على المشهور ولوط وإن كان ابن أخيه إلا أنه دخل في الذرية تغليبا وهذا هو الحامل للقائل الآخر أن الضمير على نوح كما قدمنا في قصته والله أعلم وقال تعالى ولقد أرسلنا نوحا وإبراهيم وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب
الآية فكل كتاب أنزل من السماء على نبي من الأنبياء بعد إبراهيم الخليل فمن ذريته وشيعته وهذه خلعة سنية لا تضاهى ومرتبة عليه لا تباهى وذلك أنه ولد له لصلبه ولدان ذكران عظيمان إسمعيل من هاجر ثم إسحق من سارة وولد لهذا يعقوب وهو إسرائيل الذي ينتسب إليه سائر أسباطهم فكانت فيهم النبوة وكثروا جدا بحيث لا يعلم عددهم إلا الذي بعثهم واختصهم بالرسالة والنبوة حتى ختموا بعيسى ابن مريم من بني إسرائيل وأما إسمعيل عليه السلام فكانت منه العرب على اختلاف قبائلها كما سنبينه فيما بعد إن شاء الله تعالى ولم يوجد من سلالته من الأنبياء سوى خاتمهم على الإطلاق وسيدهم وفخر بني آدم في الدنيا والآخرة محمد بن عبدالله بن عبد المطلب بن هاشم القرشي الهاشمي المكي ثم المدني صلوات الله وسلامه عليه فلم يوجد من هذا الفرع الشريف والغصن المنيف سوى هذه الجوهرة الباهرة والدرة الزاهرة وواسطة العقد الفاخرة وهو السيد الذي يفتخر به أهل الجمع ويغبطه الأولون والآخرون يوم القيامة وقد ثبت عنه في صحيح مسلم كما سنورده أنه قال سأقوم مقاما يرغب إلي الخلق كلهم حتى إبراهيم فمدح إبراهيم أباء مدحة عظيمة في هذا السياق ودل كلامه على أنه أفضل الخلائق بعده عند الخلاق في هذه الحياة الدنيا ويوم يكشف عن ساق
وقال البخاري حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن منصور عن المنهال عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوذ الحسن والحسين ويقول أن أباكما كان يعوذ بهما إسماعيل وإسحاق أعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة ورواه أهل السنن من حديث منصور به وقال تعالى وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي قال فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزأ ثم ادعهم يأتينك سعيا واعلم أن الله عزيز حكيم ذكر المفسرون لهذا السؤال أسبابا بسطناها في التفسير وقررناها بأتم تقرير والحاصل أن الله عز وجل أجابه إلى ما سأل فأمره أن يعمد إلى أربعة من الطيور واختلفوا في تعينها على أقوال والمقصود حاصل على كل تقدير أمره أن يمزق لحومهن وريشهن ويخلط ذلك بعضه في بعض ثم يقسمه قسما ويجعل على كل جبل منهم جزأ ففعل ما أمر به ثم أمر أن يدعوهن بإذن ربهن فلما دعاهن جعل كل عضو يطير إلى صاحبه وكل ريشة تأتي إلى أختها حتى اجتمع بدن كل طائر على ما كان عليه وهو ينظر إلى قدرة الذي يقول للشيء كن فيكون فأتين إليه سعيا ليكون أبين له وأوضح لمشاهدته من أن يأتين طيرانا ويقال إنه أمر ان يأخذ رؤسهن في يده فجعل كل طائر يأتي فيلقي رأسه فيتركب على جثته كما كان فلا إله إلا الله وقد كان إبراهيم عليه السلام يعلم قدرة الله تعالى على إحياء الموتى علما يقينا لا يحتمل النقيض ولكن أحب ان يشاهد ذلك عيانا ويترقى من علم اليقين إلى عين اليقين فأجابه الله إلى سؤاله وأعطاه غاية مأموله وقال تعالى يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم وما أنزلت التوراة
والإنجيل إلا من بعده أفلا تعقلون ها أنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم والله يعلم وأنتم لا تعلمون ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين ينكر تعالى على أهل الكتاب من اليهود والنصارى في دعوى كل من الفريقين كون الخليل على ملتهم وطريقتهم فبرأه الله منهم وبين كثرة جهلهم وقلة عقلهم في قوله وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده أي فكيف يكون على دينكم وأنتم إنما شرع لكم ما شرع بعده بمدد متطاولة ولهذا قال أفلا تعقلون إلى أن قال ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين فبين أنه كان على دين الله الحنيف وهو القصد إلى الإخلاص والإنحراف وعمدا عن الباطل إلى الحق الذي هو مخالف لليهودية والنصرانية والمشركية كما قال تعالى ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه ولقد اصطفيناه في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسمعيل وإسحق إلها واحدا ونحن له مسلمون تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا قل بل ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسمعيل وإسحق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين احد منهم ونحن له مسلمون فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما هم في شقاق فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة ونحن له عابدون قل أتحاجوننا في الله وهو ربنا وربكم ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم ونحن له مخلصون أم يقولون إن إبراهيم وإسماعيل وإسحق ويعقوب والأسباط كانوا هودا أو نصارى قل أنتم أعلم أم الله ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله وما الله بغافل عما تعملون فنزه الله عز وجل خليله عليه السلام عن أن يكون يهوديا أو نصرانيا وبين أنه إنما كان حنيفا مسلما ولم يكن من المشركين ولهذا قال تعالى إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه يعني الذين كانوا على ملته من اتباعه في زمانه ومن تمسك بدينه من بعدهم وهذا النبي يعني محمد صلى الله عليه وسلم فإن الله شرع له الدين الحنيف الذي شرعه للخليل وكمله الله تعالى له وأعطاه ما لم يعط نبيا ولا رسولا قبله كما قال تعالى قل إني هداني ربي إلى صراط مستقيم دينا قيما ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين وقد قال تعالى إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين شاكرا لأنعمه اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم وآتيناه في الدنيا حسنة وإنه

في الآخرة لمن الصالحين ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين
وقال البخاري حدثنا إبراهيم بن موسى حدثنا هشام عن معمر عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى الصور في البيت لم يدخل حتى أمر بها فمحيت ورأى إبراهيم وإسمعيل بأيديهما الأزلام فقال قاتلهم الله والله إن يستقسما بالأزلام قط لم يخرجه مسلم وفي بعض الفاظ البخاري قاتلهم الله لقد علموا أن شيخنا لم يستقسم بها قط فقوله أمة أي قدوة إماما مهتديا داعيا إلى الخير يقتدى به فيه قانتا لله أي خاشعا له في جميع حالاته وحركاته وسكناته حنيفا أي مخلصا على بصيرة ولم يك من المشركين شاكرا لأنعمه أي قائما بشكر ربه بجميع جوارحه من قلبه ولسانه وأعماله اجتباه أي اختاره الله لنفسه واصطفاه لرسالته واتخذه خليلا وجمع له بين خيري الدنيا والآخرة وقال تعالى ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة إبراهيم حنيفا واتخذ الله إبراهيم خليلا يرغب تعالى في اتباع إبراهيم عليه السلام لأنه كان على الدين القويم والصراط المستقيم وقد قام بجميع ما أمره به ربه ومدحه تعالى بذلك فقال وإبراهيم الذي وفى ولهذا اتخذه الله خليلا والخلة هي غاية المحبة كما قال بعضهم
وقد تخللت مسلك الروح مني * وبذا سمي الخليل خليلا
وهكذا نال هذه المنزلة خاتم الأنبياء وسيد الرسل محمد صلوات الله وسلامه عليه كما ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث جندب البجلي وعبدالله بن عمرو وابن مسعود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال يا أيها الناس إن الله اتخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا وقال ايضا في آخر خطبة خطبها أيها الناس لو كنت متخذا من أهل الأرض خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ولكن صاحبكم خليل الله أخرجاه من حديث أبي سعيد وثبت أيضا من حديث عبدالله بن الزبير وابن عباس وابن مسعود وروى البخاري في صحيحه حدثنا سليمان بن حرب حدثنا شعبة عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن عمرو بن ميمون قال إن معاذا لما قدم اليمن صلى بهم الصبح فقرأ واتخذ الله إبراهيم خليلا فقال رجل من القوم لقد قرت عين أم إبراهيم وقال ابن مردويه حدثنا عبد الرحيم بن محمد بن مسلم حدثنا إسماعيل بن أحمد بن أسيد حدثنا إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني بمكة حدثنا عبدالله الحنفي حدثنا زمعة بن صالح عن سلمة بن وهرام عن عكرمة عن ابن عباس قال جلس ناس من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرونه فخرج حتى إذا دنا منهم سمعهم يتذاكرون فسمع حديثهم وإذا بعضهم يقول عجب أن الله اتخذ من خلقه خليلا فإبراهيم خليله وقال آخر ماذا بأعجب من أن الله كلم موسى تكليما وقال آخر فعيسى روح الله وكلمته وقال آخر آدم اصطفاه الله فخرج عليهم فسلم وقال قد سمعت كلامكم وعجبكم أن إبراهيم خليل الله وهو
كذلك وموسى كليمه وهو كذلك وعيسى روحه وكلمته وهو كذلك وآدم اصطفاه الله وهو كذلك ألا وإني حبيب الله ولا فخر ألا وإني أول شافع وأول مشفع ولا فخر وأنا أول من يحرك حلقة باب الجنة فيفتحه الله فيدخلنيها ومعي فقراء المؤمنين وأنا أكرم الأولين والآخرين يوم القيامة ولا فخر هذا حديث غريب من هذا الوجه وله شواهد من وجوه أخر والله أعلم وروى الحاكم في مستدركه من حديث قتادة عن عكرمة عن ابن عباس قال أتنكرون أن تكون الخلة لإبراهيم والكلام لموسى والرؤية لمحمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا محمود بن خالد المسلمي حدثنا الوليد عن إسحاق بن بشار قال لما اتخذ الله إبراهيم خليلا ألقى في قلبه الوجل حتى أن كان خفقان قلبه ليسمع من بعد كما يسمع خفقان الطير في الهواء وقال عبيد بن عمير كان إبراهيم عليه السلام يضيف الناس فخرج يوما يلتمس إنسانا يضيفه فلم يجد احدا يضيفه فرجع إلى داره فوجد فيها رجلا قائما فقال يا عبدالله ما أدخلك داري بغير إذني قال دخلتها بإذن ربها قال ومن أنت قال أنا ملك الموت أرسلني ربي إلى عبد من عباده أبشره بان الله قد اتخذه خليلا قال من هو فوالله إن أخبرتني به ثم كان بأقصى البلاد لآتينه ثم لا أبرح له جارا حتى يفرق بيننا الموت قال ذلك العبد أنت قال أنا قال نعم قال فيم اتخذني ربي خليلا قال بأنك تعطي الناس ولا تسألهم رواه ابن أبي حاتم وقد ذكره الله تعالى في القرآن كثيرا في غير ما موضع بالثناء عليه والمدح له فقيل إنه مذكور في خمسة وثلاثين موضعا منها خمسة عشر في البقرة وحدها وهو أحد أولي العزم الخمسة المنصوص على أسمائهم تخصيصا من بين سائر الأنبياء في آيتي الأحزاب والشورى وهما قوله تعالى وإذ اخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم وأخذنا منهم ميثاقا غليظا وقوله شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تفرقوا فيه الآية ثم هو أشرف أولي العزم بعد محمد صلى الله عليه وسلم وهو الذي وجده عليه السلام في السماء السابعة مسندا ظهره بالبيت المعمور الذي يدخله كل يوم سبعون ألفا من الملائكة ثم لا يعودون إليه آخر ما عليهم وما وقع في حديث شريك ابن أبي نمير عن أنس في حديث الإسراء من أن إبراهيم في السادسة وموسى في السابعة فمما انتقد على شريك في هذا الحديث والصحيح الأول


رد مع اقتباس
قديم 11-08-2008, 03:04 AM   رقم المشاركة : 20
الكاتب

أفاق الفكر

مراقب

مراقب

أفاق الفكر غير متواجد حالياً


الملف الشخصي








أفاق الفكر غير متواجد حالياً


رد: البداية والنهاية الجزء الاول

وقال أحمد حدثنا محمد بن بشر حدثنا محمد بن عمرو حدثنا أبو سلمة عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحق بن إبراهيم خليل الرحمن تفرد به أحمد
ثم مما يدل على أن إبراهيم أفضل من موسى الحديث الذي قال فيه وأخرت الثالثة ليوم يرغب إلى الخلق كلهم حتى إبراهيم رواه مسلم من حديث أبي بن كعب رضي الله عنه وهذا هو المقام المحمود
الذي أخبر عنه صلوات الله وسلامه عليه بقوله أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر ثم ذكر استشفعاع الناس بآدم ثم بنوح ثم إبراهيم ثم موسى ثم عيسى فكلهم يحيد عنها حتى يأتوا محمد صلى الله عليه وسلم فيقول أنا لها أنا لها الحديث وهكذا رواه البخاري في مواضع أخر ومسلم والنسائي من طريق عن يحيى بن سعيد القطان عن عبيد الله وهو ابن عمر العمري به
قال البخاري حدثنا علي بن عبدالله حدثنا يحيى بن سعيد حدثنا عبدالله حدثني سعيد عن أبيه عن أبي هريرة قال قيل يا رسول الله من أكرم الناس قال أتقاهم قالوا ليس عن هذا نسألك قال فيوسف نبي الله ابن نبي الله ابن نبي الله ابن خليل الله قالوا ليس عن هذا نسألك قال فعن معادن العرب تسألوني خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا ثم قال البخاري قال أبو أسامة ومعتمر عن عبيد الله عن سعيد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قلت وقد أسنده في موضع آخر من حديثهما وحديث عبدة بن سليمان والنسائي من حديث محمد بن بشر أربعتهم عن عبيد الله بن عمر عن سعيد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال أحمد حدثنا محمد بن بشر حدثنا محمد بن عمرو حدثنا أبو سلمة عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحق بن إبراهيم خليل الله تفرد به أحمد وقال البخاري حدثنا عبدة حدثنا عبد الصمد بن عبدالرحمن عن أبيه عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحق بن إبراهيم تفرد به من طريق عبدالرحمن بن عبدالله بن دينار عن أبيه عن ابن عمر به فأما الحديث الذي رواه الإمام أحمد حدثنا يحيى عن سفيان حدثني مغيرة بن النعمان عن سعيد ابن جبير عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم يحشر الناس حفاة عراة غرلا فأول من يكسى إبراهيم عليه السلام ثم قرأ كما بدأنا أول خلق نعيده فأخرجاه في الصحيحين من حديث سفيان الثوري وشعبة بن الحجاج كلاهما عن مغيرة بن النعمان النخعي الكوفي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس به وهذه الفضيلة المعينة لا تقتضي الأفضلية بالنسبة إلى ما قابلها مما ثبت لصاحب المقام المحمود الذي يغبطه به الأولون والآخرون وأما الحديث الآخر الذي قال الأمام أحمد حدثنا وكيع وأبو نعيم حدثنا سفيان هو الثوري عن مختار بن فلفل عن أنس بن مالك قال قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم يا خير البرية فقال ذاك إبراهيم فقد رواه مسلم من حديث الثوري وعبدالله بن إدريس وعلي بن مسهر ومحمد بن فضيل أربعتهم عن المختار بن فلفل وقال الترمذي حسن صحيح وهذا من باب الهضم والتواضع مع والده الخليل عليه السلام كما قال لا تفضلوني على الأنبياء وقال لا تفضلوني على موسى فإن الناس يصعقون يوم القيامة فأكون أول من يفيق فأجد موسى باطشا بقائمة العرش فلا أدري أفاق قبلي أم جوزي بصعقة الطور وهذا كله لا ينافي في ما ثبت بالتواتر عنه صلوات الله وسلامه عليه من أنه سيد ولد آدم يوم القيامة وكذلك


التوقيع :




لا اله الا الله رب السموات السبع ورب العرش العظيم








رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع تقييم هذا الموضوع
تقييم هذا الموضوع:

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:25 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.4, Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir