العودة   منتديات أفـــاق دبـــي الثقافيـــة > كليةالشريعة College of Sharia > سنة اولى كلية

آخر 10 مشاركات
الخبيصه الاماراتيه (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 1 - المشاهدات : 20971 - الوقت: 09:09 PM - التاريخ: 01-13-2024)           »          حلوى المغلي بدقيق الرز (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 0 - المشاهدات : 14756 - الوقت: 03:16 PM - التاريخ: 12-11-2023)           »          دروس اللغة التركية (الكاتـب : عمر نجاتي - مشاركات : 0 - المشاهدات : 20919 - الوقت: 11:25 AM - التاريخ: 08-21-2023)           »          فيتامين يساعد على التئام الجروح وطرق أخرى (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 0 - المشاهدات : 22320 - الوقت: 08:31 PM - التاريخ: 07-15-2023)           »          صناعة العود المعطر في المنزل (الكاتـب : أفاق الفكر - آخر مشاركة : OM_SULTAN - مشاركات : 4 - المشاهدات : 56385 - الوقت: 10:57 PM - التاريخ: 11-06-2022)           »          كحل الصراي وكحل الاثمد وزينت المرأة قديما من التراث (الكاتـب : Omna_Hawaa - آخر مشاركة : OM_SULTAN - مشاركات : 2 - المشاهدات : 51478 - الوقت: 10:46 PM - التاريخ: 11-06-2022)           »          كيفية استخدام البخور السائل(وطريقة البخور السائل) (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 2 - المشاهدات : 43385 - الوقت: 10:36 PM - التاريخ: 11-06-2022)           »          جددي بخورك (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 0 - المشاهدات : 25773 - الوقت: 10:25 PM - التاريخ: 11-06-2022)           »          عطور الإمارات صناعة تراثية (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 0 - المشاهدات : 26156 - الوقت: 10:21 PM - التاريخ: 11-06-2022)           »          خلطات للعطور خاصة (الكاتـب : أفاق : الاداره - آخر مشاركة : OM_SULTAN - مشاركات : 1 - المشاهدات : 32053 - الوقت: 10:12 PM - التاريخ: 11-06-2022)

إضافة رد
 
أدوات الموضوع تقييم الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 03-20-2007, 10:45 PM   رقم المشاركة : 1
الكاتب

أفاق : الاداره

مراقب

مراقب

أفاق : الاداره غير متواجد حالياً


الملف الشخصي









أفاق : الاداره غير متواجد حالياً


كتاب الإبهاج في شرح المنهاج

صدر هذا الكتاب آليا بواسطة الموسوعة الشاملة


الصفحة السابقة // الصفحة التالية

الكتاب : كتاب الإبهاج في شرح المنهاج

كتاب الإبهاج في شرح المنهاج


بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم قال الشيخ الإمام العالم العلامة القدوة المحقق الحافظ شيخ الإسلام بقية العلماء الأعلام قدوة الأئمة آ آخر المجتهدين حجة الله على العالمين سيدنا ومولانا قاضي القضاة تقي الدين أبو الحسن علي بن عبد الكافي بن علي بن علي بن تمام بن سوار بن سوار بن مسوار الأنصاري الخزرجي الشافعي نضر الله وجهه قاضي القضاة بالشام المحروس قال رحمه الله تعالى الحمد لله الذي أسس بنيان دينه على أثبت قواعد وأعلى أعلام ملته فخضعت لها أعناق كل جاحد وأحكم أصول شريعته فأعيا تفريعها كل معاند ورفع قدر علمائها فعد كل واحد منهم بألف كما عد ألف من غيرهم بواحد أحمده على نعمه التي عمت كل صادر ووارد واعترف بالعجز عن شكره ولا يبلغ معشار عشره حمد كل حامد وأستغفره استغفار عبد في بحر الذنوب راكد لا يجد ملجأ من الله إلا إليه قد أحاطت به الشدائد وقعد له عدوه بالمراصد وسولت له نفسه بالمكايد وغلب عليه هواه الفاسد ونادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين وأنك أنت الإله الواحد وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له توحيدا أنا له في صميم القلب واجد وعليه في الدنيا والآخرة شاهد وأصفه بما وصف به نفسه من صفات الكمال والمحامد وأنزهه عن كل ما لا يليق بحاله وأقدس له عن وضر التشبيه والتعطيل ما تكنه القلوب من العقائد و أستودعه ذلك ليوم لا يجزى فيه ولد ولا والد وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي قدره على جميع الخلائق صاعد وشرفه بين البرية ناهد المصطفى من خير القبائل الأماجد والمجتبى من خير البطون الأقارب والأباعد المبرأ في نسبه

(1/1)


--------------------------------------------------------------------------------

وذاته عن كل شين يتعلق به حاسد المقدم على الأنبياء والمرسلين والملائكة المقربين في جميع المشاهد والمبعوث إلى كل إنسي وجني والمنقذ لهم من ربقة الشيطان المارد الهادي إلى سبيل الرشاد ولولاه لم يكن أحد منا براشد صلى الله عليه وسلم ما سجد لله ساجد ودام في الجنان خالد ورضي الله على أصحابه الذين كل منهم في الله جاهد مجاهد وحامي حوزة الدين من كل مارق في الدين مجالد الذين قاموا بجلالة نبيه في جميع المعاهد وشيدوا أركان دينه وحفظوا شرائعه في جميع المصادر والموارد وقاموا بأعباء الملة الحنيفية وذبوا عنها كل زائد وحموا حماها عن الشبهات ووقفوا عند حدودها تحصيلا للمصالح ودرأ للمفاسد رضي الله عنهم أجمعين وعن جميع علماء المسلمين الذين خلفوا الصحابة والتابعين في تمهيد القواعد واستخراج الفوائد وضبط الأصول الشوارد وتبيين الأدلة والمقاصد والتوسع في علوم القرآن التي يتيه في بحارها كل عالم ناقد ومعرفة السنة ولا يخطئ بعضها إلا من هو أسهد الليل مكايد وقد تجرد لذلك في المائة الثانية جماعة من العلماء ما منهم إلا من جاهد وجاهد وكد ودأب ونصب واجتهد والله لسعيه شاهد وكان من أعظمهم منة على من بعده من طلاب الفوائد الإمام الشافعي رضي الله عنه فإن له أجمل العوائد لجمعه بين الحديث والفقه وكان غيره يقتصر منهما على واحد ولبناية كلامه على أصول هو أول من صنفها لما سأله ابن مهدي فصنف له الرسالة وكم فيها من الفوائد فهو أول من صنف في أصول الفقه لا يمتري في ذلك إلا معاند
فائدة علم الأصول وإن علم أصول الفقه وهو من أعظم العلوم ثلاثة أصناف عقلية محضة كالحساب والهندسة والنجوم والطب ولغوية كعلم اللغة والنحو والتصريف والعروض والقوافي والبيان وهي علوم القرآن والسنة وتوابعهما ولا ريب في أن الشريعة أشرف الأصناف الثلاثة في الوسائل والمقاصد وأشرف العلوم الشرعية بعد الاعتقاد الصحيح وأنفعها معرفة الأحكام التي

(1/2)


--------------------------------------------------------------------------------

تجب للمعبود على العابد ومعرفة ذلك بالتقليد ونقل الفروع المجردة تستفرغ جمام الذهن ولا ينشرح الصدر له لعدم أخذه بالدليل وأين سامع الخبر من المشاهد وأين أجر من يأتي بالعبادة لفتوى إمامه أنها واجبة أو سنة من الذي يأتي بها وقد ثلج صدره عن الله ورسوله بأن ذلك دينه تالله إن أجر هذا لزائد وهذا لا يحصل إلا بالاجتهاد ولا يكمل فيه إلا الواحد بعد الواحد وكل العلماء في حضيض عنه إلا من نغلغل بأصل الفقه وكرع من مناهله الصافية بكل الموارد وسبح في بحره ودرى من الإله وبات يعل به وطرفه ساهد وإني لم أزل منذ نشأت محبا في هذا العلم مولعا بالبحث فيه مع كل زائد وقد أكثر الناس من التصنيف فيه فكم من تصنيف فيه مبسوط ومختصر وناقص وزائد ومن أحسن مختصراته كتاب المنهاج في الوصول إلى العلم الأصول الذي صنفه القاضي الفاضل ناصر الدين عبد الله بن عمر بن محمد البيضاوي رحمه الله فلقد أحسن فيه المعاقد وقد قرئ على مرات كثيرة من جماعات حتى سمحت أقرأه من كثرة الموارد وانتشرت طلبته فلم أقتنع من واحد وفي هذا الوقت شرع في الاشتغال به ولدي أبو حامد أعطاه الله من خير الدنيا والآخرة ما هو قاصد وزاده مما ليس في حسابه كل خير إنه الكريم الماجد فأحببت أن أضع له شرحا لينتفع هو وغيره به إن شاء الله وعسى دعوة من أخ في الله تنفعني وأنا في القبر راقد وسميته الإبهاج في شرح المنهاج وأخذت هذا الاسم من قول ذي الرمة تزداد للعين إبهاجا إذا سفرت ومخرج العبن فيها يلتفت وذلك من قصيدته التي قرأتها على أبي محمد الحسن عبد الكريم سبط زيادة في سنة سبع وسبعمائة عن عيسى بن عبد العزيز بن عيسى قال أخبرنا السلفي قال أخبرنا جعفر السراج قال أخبرنا الحسن بن علي الجوهري قال

(1/3)


--------------------------------------------------------------------------------

قرأت على أبي الحسن علي بن عيسى الرماني قال سمعت ديوان ذي الرمة على أبي بكر دريد عن أبي حاتم عن الأصمعي عن أبي عمرو بن العلاء عن ذي الرمة واسمه غيلان ابن عقبة العدوي فإن قلت قد عظمت أصول الفقه وهل هو إلا نبذ جمعت من علوم متفرقة نبذة من النحو وهي الكلام في معاني الحروف التي يحتاج إليها الفقيه والكلام في الاستفتاء وما أشبه ذلك ونبذة من علم الكلام وهي الكلام في الحسن والقبيح والكلام في الحكم الشرعي وأقسامه وبعض الكلام في النسخ وأفعاله ونحو ذلك ونبذة من اللغة وهي الكلام في معنى الأمر والنهي وصيغ العموم والمجمل والمبين والمطلق والمقيد وما أشبه ذلك ونبذة من علم الحديث وهي الكلا في الأخبار والعارف بهذه العلوم لا يحتاج إلى أصول الفقه في الإحاطة بها فلم يبق من أصول الفقه إلا الكلام في الإجماع وهو من أصول الدين أيضا وبعض الكلام في القياس والتعارض مما يستقل به الفقيه فصارت فائدة الأصول بالذات قليلة جدا بحيث لو جرد الذي ينفرد به ما كان إلا شيئا يسيرا قلت ليس كذلك فإن الإصوليين دققوا في فهم أشياء من كلام العرب لم يصل إليها النحاة ولا اللغويون فإن كلام العرب متسع جدا والنظر فيه متشعب فكتب اللغة تضبط الألفاظ ومعانيها الظاهرة دون المعاني الدقيقة التي تحتاج إلى نظر الأصول واستقراء زائد على استقراء اللغوي مثاله ودلالة صيغة أفعل على الوجوب ولا تفعل على التحريم وكون كل وإخوتها للعموم يوما أشبه ذلك مما ذكر السائل أنه من اللغة لو فتشت كتب اللغة لم تجد فيها شفاء في ذلك ولا تعرضا لما ذكره الأصوليون وكذلك كتب النحو لو طلبت معنى الاستثناء وأن الإخراج هل هو قبل الحكم أبو بعد الحكم ونحو ذلك من الدقائق التي تعرض لها الأصوليون وأخذوها باستقراء خاص من كلام العرب وأدلة خاصة لا تقتضيها صناعة النحو فهذا ونحوه مما تكفل به أصول الفقه ولا ينكر أن له استمداد من تلك العلوم ولكن تلك الأشياء التي استمدها

(1/4)


--------------------------------------------------------------------------------

منها لم تذكر فيه بالذات بل بالعرض والمذكور فيه بالذات ما أشرنا إليه مما لا يوجد إلا فيه ولا يصل إلى فهمها إلى من يلتف به فإن قلت قد كانت العلماء في الصحابة والتابعين وأتباع التابعين من أكابر المجتهدين ولم يكن هذا العلم حتى جاء الشافعي وصنف فيه فكيف تجعله شرطا في الاجتهاد قلت الصحابة ومن بعدهم كانوا عارفين به بطباعهم كما كانوا عارفين النحو بطباعهم قبل مجئ الخليل وسيبويه فكانت ألسنتهم قويمة وأذهانهم مستقيمة وفهمهم لظاهر كلام العرب ودقيقه عتيد لأنهم أهله الذي يؤخذ عنهم وأما بعدهم فقد فسرت الألسن وتغيرت الفهوم فيحتاج إليه كما يحتاج إلى النحو شروط المجتهد واعلم أن كمال رتبة الاجتهاد تتوقف على ثلاثة أشياء أحدها التأليف في العلوم التي يتهذب بها الذهن كالعربية وأصول الفقه وما يحتاج إليه من العلوم العقلية في صيانة الذهن عن الخطأ بحيث تصير هذه العلوم ملكة الشخص فإذ ذاك يثق بفهمه لدلالات الألفاظ من حيث هي هي وتحريره تصحيح الأدلة من فاسدها والذي نشير إليه من العربية وأصول الفقه كانت الصحابة أعلم به منا من غير تعلم وغاية المتعلم منا أن يصل إلى بعض فهمهم وقد يخطئ وقد يصيب الثاني الإحاطة بمعظم قواعد الشريعة حتى يعرف أن الدليل الذي ينظر فيه مخالف لها أو موافق الثالث أن يكون له منة الممارسة والتبع لمقاصد الشريعة ما يكسبه قوة يفهم منها مراد الشرع من ذلك وما يناسب أن يكون حكما له في ذلك المحل وإن لم يصرح به كما أن من عاشر ملكا ومارس أحواله وخبر أموره إذا سئل عن رأيه في القضية الفلانية يغلب على ظنه ما يقوله فيها وإن لم يصرح له به

(1/5)


--------------------------------------------------------------------------------

لكن بمعرفته بأخلاقه وما يناسبها من تلك القضية فإذا وصل الشخص إلى هذه الرتبة وحصل على الأشياء الثلاثة فقد حاز رتبة الكاملين في الاجتهاد ولا يشترط العلم بأحوال الرواة من حيث هو فإن الصحابة كانوا مجتهدين ولم يحتاجوا إلى ذلك وإنما الذين بعدهم يحتاجون إلى ذلك في إيقاع الاجتهاد لا في حصول الصفة لهم وذاك العلم بمواقع الإجماع والاختلاف وكان محل الكلام على هذا في أواخر الكتاب ولكنا تعجلناه هنا ومن المعلوم أن الصحابة كانوا أكمل الناس في هذه الأشياء الثلاثة أما الأول فبطباعهم وأما الثاني والثالث فلمشاهدتهم الوحي ومعرفتهم بأحوال النبي صلى الله عليه وسلم ولما كان الفقه مستندا إلى الكتاب والسنة ويحتاج الفقيه في أخذه منهما إلى قواعد جمعت تلك القواعد في علم وسميته أصول الفقه وهي تسمية صحيحة مطابقة لتوقف الفقه عليها وتلك القواعد منها ما لا يعرف إلا من الشرع ومنها ما يعرف من اللغة بزيادة على ما تصدى له النحاة واللغويون فالذي لا يعرف إلا من الشرع إثبات كون الخبر الواحد حجة وكون الإجماع حجة والقياس حجة وكثير من المسائل التي تذكر فيه والذي يعرف من اللغة ما يذكر فيه من دلالات الألفاظ اللغوية وما فيه من علم الكلام ونحوه فاقتضاه انجرار الكلام إليه وتوقف فهم بعض مسائل هذا العلم عليه وهأنا أبتدئ في شرح هذا الكتاب مستعينا بالله تعالى وذلك في يوم الاثنين ثامن شهر ربيع الأول سنة خمس وثلاثين وسبعمائة وإلى الله أتضرع وأنا أسأل أن ينفع به بمنه وكرمه إنه قريب مجيب

(1/6)


--------------------------------------------------------------------------------

شرح ديباجة الكتاب تقدس من تمجد بالعظمة والجلال تقدس أي تطهر ومن أسمائه تعالى التي نطق بها القرآن القدوس وفيه لغتان ضم القاف وهي أشهر وكان س يقول بفتحها وأصل الكلمة من القدس بضم الدال وبسكونها وهو الطهارة سمي جبريل روح القدس لطهارته في تبليغ الوحي إلى الرسل عليهم السلام والأرض المقدسة المطهرة وبيت المقدس بيت الطهارة من الذنوب لتطهيره من الكفار بالمسلمين وقال تعالى ونقدس لك أي نقدسك إن جعلت اللام زائدة أو نقدس أنفسنا لك إن لم ترض زيادتها ومعنى تقديس الله تنزيهه من كل ما لا يليق بكماله سبحانه وتعالى فنزهه عن كل وصف يدركه حس أو يصوره خيال وهم أو يختلج به ضميره وننزهه عن كل ما نسبه إليه المبطلون من الشركاء والأنداد والصحابة والأولاد وعن كل محال نسبه إليه أهل الضلال مما يشير إلى نقص أو يومئ إلى عيب ولولا ما وقع فيه أهل الكفر والضلال من ذلك لكان الأدب بنا تنزيه عن أن ننطق بنفي ذلك عنه لأن نفي الوجود يكاد يوهم بإمكان الوجود وتطرق العيب والنقص إليه محال لا يخطر بالبال تصوره فضلا عن كونه ينفيه

(1/7)


--------------------------------------------------------------------------------

ويقدره وقولنا تنزيهه عن كل ما لا يليق بكماله عبارة محررة من قول من يقول بأوصاف الكمال فإن أكثر ما يتصور الناس من أوصاف الكمال ما هو كمال لأنفسهم كعلمهم وسمعهم وبصرهم والله تعالى منزه عنها فإن صفاته تعالى لا تشبه صفات البشر وعلمه وسمعه وبصره مباين لسمعهم وبصرهم وعلمهم فتنزيه كثير من الجهال يحتاج إلى تنزيه ومجامع التقديس أن تقدسه عن الشركاء والأضداد والنظير والولد وإحاطة الأبصار والحاجة إلى غيره وغير ذلك مما يستحيل عليه وأكثر الناس يعتقدون أن معنى القدوس الطاهر ولا شك أنه يدل على ذلك ولكنه ليس كل معناه فإن بناء طاهر لازم وقدوس مأخوذ من فعل متعد فمعناه مطهر بكسر الهاء أي أنه تعالى مقدس لنفسه بإخباره عنها التوحيد والإجلال والإكرام واستحالة النقائض عليه وعجز الأوهام عنه وخالق الأدلة على ذلك ومقدس لخلقه عن اعتقادهم فيه ما لا يليق بذاته والأول صفة ذات والثاني والثالث صفتا فعل وعن ابن عباس وقتادة القدس الذي منه البركات إذا عرفت ذلك فقوله تقدس لا يجوز أن يكون مطاوعا لقدس فإن المطاوع شرطه التأثر مثل كسرته فتكسر وذلك مفقود هنا والتقديس هنا مثل التصديق في أن المراد منه الإخبار عن الصدق فلا يأتي منه مضارع لكن يصح استعمال تقدس لموافقة المجرد وقال الراجز الحمد لله العلي القادس ومن جملة معاني تفعل أن يوافق المجرد وإن لم ينطق بالمجرد ههنا في الفعل وقد قال القرافي في قوله تبارك وتعالى أن معناه تقدس وللمصنف في القرآن أسوة في استعماله تقدس وكذلك السهيلي وهو من المتقنين في العلم وقع في كلامه تقدس سبحانه عن مضاهاة الأجسام وقدوس مثل سبوح كان س يفتح أولهما والمشهور الضم فيها والتسبيح التنزيه ولم يرد السبوح في القرآن ولا في حديث أبي هريرة ولكن جاء التسبيح واختلف العلماء هل كونه سبوحا قدوسا يرجع إلى معنى خاص يسمى قدسا وسبحة أو وضعه بذلك يرجع إلى نفي محض وتنزيه عن النقائض ومعنى ذلك أنه هل هو صفة

(1/8)


--------------------------------------------------------------------------------

ثبوتية أو سلبية
وقوله تمجد الكلام فيه كالكلام في تقدس وهو مأخوذ من اسم المجيد وقد نطق به القرآن والسنة وأجمعت الأمة عليه والمجد معناه الشرف والعظمة والكثرة والارتفاع سمي تعالى بذلك لكثرة جلاله وشرفه وعلوه بما يخرج عن طوق البشر واختلف العلماء هل هو صفة خاصة كالعلم والقدرة أو هو عبارة عن استجماع صفات المعالي ووجوه نفي النقائص فلا كمال إلا له ولا نقص إلا وهو منزه عنه وقوله بالعظمة والجلال متعلق بتمجيد واسم العظيم نطق به القرآن والسنة وهو تعالى عظيم في ذاته وصفاته وقهره وسلطانه فكل عظيم بالنسبة إلى عظمته عدم محض واسم الجميل لم يرد في القرآن ولا في حديث أبي هريرة لكن في الحديث إن الله جميل يحب الجمال وورد أيضا في بعض طرق أبي هريرة ولما كان تعالى كاملا في ذاته وصفاته وأفعاله وصف بالجمال وهو تعالى مقدس عن الصورة وعن الصفات البشرية ومشاهدة صفة الجمال يثير المحبة ومشاهدة صفة الجلال يثير الهيبة والعظمة تثير الهيبة أيضا فلهذا قرن المصنف العظمة بالجلال لتفيده معنى زائدا على الجلال فالباء يحتمل أن تكون بمعنى في أي تمجد في عظمته وجلاله فارتفع بهما على كل عظيم وجليل ويحتمل أن تكون للسببية على معنى أنه ارتفع بعظمته وجلاله على كل شيء فلا شيء إلا وهو مجد تعالى وهو تعالى مجيد بذاته عظيم بذاته فليس المعنى أن بعض الصفات أثر في بعض وإنما لما كانت هذه الصفات تشير إلى مجموع معان وملاحظة كل منها يوجب العلم بالكمال بها حسن ذلك كله وتنزه من تفرد بالقدم والكمال التنزيه بمعنى التسبيح وقد ورد مصرحا

(1/9)


--------------------------------------------------------------------------------

به في الحديث أنه كان يصلي من الليل فلا يمر بآية فيها تنزيه لله إلا نزهه وأصل النزهة البعد وتنزيه الله تبعيده عن ما لا يليق به ولا يجوز عليه فمعنى تنزه بعد والتفرد الانفراد يقال تفرد به واستفرد به بمعنى واحد والقدم وجود لا أول له وكل شيء سوى الله وصفاته فهو حادث لوجوده أول وصفاته لا يقال فيها إنه غيره والكمال المطلق ليس إلا لله تعالى فهو الكامل في ذاته وصفاته وأفعاله وكل ما سواه مفتقر إليه والافتقار ينافي الكمال فله حدوثه عن العدم وغير ذلك مما للمخلوق من صفات النقص عن مشابهة الأشباه والأمثال ومصادمة الحدوث والزوال هذا متعلق بقوله تنزه وأما تقدس فإما أن يجعل كلاما تاما وإما أن يجعل من باب التنازع ويضمر في تقدس كما ذكره هنا والمشابهة المشاكلة والشبه الشبه والشبيه بمعنى واحد وهو ما يشبه الشيء وبينهما شبه بالتحريك وكل منها يجمع على أشباه والمثل والمثل كالشبه والشبه وهو ما يساوي الشيء ويقوم كل منهما مقام الآخر في حقيقته وما هيته كالأجسام متساوية في الجسمية وإن اختلفت بالألوان والأشكال وغيرها من الأعراض واختلافها بذلك لا يخرجها عن التماثل في الحقيقة هذا حقيقة المثلين وبه تزول شبهات يوردها المجسمة وكثير ممن وقع في التشبيه ظانا أنه سالم منه والمصادمة المماسة والمراد بها ههنا الإلصاق واللحاق والحدوث وجود مسبوق بعدم فهو ضد الأزلية والزوال طريان العدم وهو ضد الأبدية والأولية والأبدية واجبان لله تعالى لأنه يقال واجب لذاته يستحيل عليه العدم لا أولا ولا آخرا مقدر الأرزاق والآجال ومدبر الكائنات في أزل الآزال هذا مما لا يجحده مسلم ولا كافر تفرد الرب سبحانه وتعالى به وما فيه من عظيم العلم والقدرة والمنة والأزل المقدم والأزل القديم وأصل هذه الكلمة قولهم للقديم لم يزل ثم نسب إلى هذا فلم يستقم إلا باختصار قالوا يزلي ثم أبدلت الياء ألفا لأنها أخف فقالوا أزلي كما قالوا في الرمح المنسوب إلى ذي

(1/10)


--------------------------------------------------------------------------------

يزن أذني وقوله ألآزال على سبيل المبالغة في اللفظ عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال الغيب والشهادة قيل السر
والعلانية وقيل الدنيا والآخرة وقيل ما غاب عن العباد وما شهدوا وقيل الغيب المعدوم والشهادة الموجود والمدرك كأنه مشاهد والكبير الكامل في ذاته وصفاته المتقدم في المنزلة والسبق في المرتبة من كبر بضم الباء والمتعال المستعلي على كل شيء بقدرته كبر عن صفات المخلوقين وتعالى عنها نحمده على فضله المترادف المتوال على ما عمنا من الأنعام والأفضال الحمد الثناء بجميل الصفات والأفعال ولا يكون إلا بالقول سواء كان ذلك الجميل في المحمود خاصة به أو كان واصلا منه إلى غيره والثاني شكر والشكر يكون بالقول والفعل والإعتقاد فبينه وبين الحمد عموم وخصوص من وجه وبين الحمد والمدح فرق آخر أدعاه السهيلي وهو أن الحمد يشترط فيه أن يكون صادرا عن علم وأن تكون الصفات محمودة صفات كمال ولهذين الشرطين لا يوجد الحمد لغير الله والله هو المستحق الحمد على الإطلاق والمدح قد يكون عن ظن وبصفة مستحسنة وإن كان فيها نقص ما والإتيان بالنون في هذا الفعل ينبغي أن يقصد به أن جميع الخلائق حامدون وليست للتعظيم والمترادف المتتابع والمتوالي كذلك فينبغي أن يكون مقصوده بالمترادف الذي يأتي بعده في أثر بعض ليسلم من التأكيد ويفيد كثرة الفضل في الزمان الواحد واستمرار ذلك في كل زمان وفضل الله هكذا هو وفي عمنا ضمير مرفوع عائد على الموصول أي عمنا هو ومن الأنعمام والأفضال بيان لذلك في محل رفع وقد قدمنا أن بين الحمد والشكر عموما من وجه وأنهما يتفقان فيما كان منه فيسمى حمدا وشكرا وقد استعمل المصنف هذا الحمد على ما هو منة واستعمل الشكر بالقول فتوافقا في هذا المحل وإن تغايرا في وصفهما والفضل من قوله واسألوا الله من فضله ومن قوله وكان فضل الله عليك عظيما والأفضال الإحسان والتفضل وقد استعمل الفضل على خلاف النقص فيكون الثناء عليه حمدا مباينا

(1/11)


--------------------------------------------------------------------------------

للشكر لكنه ليس المراد هنا لقوله المترادف المتوال فإنهما يقتضيان الوصول إلى الغير
ونصلي على محمد الهادي إلى نور الإيمان في ظلمات الكفر والضلال معنى نصلي هنا نطلب الصلاة من الله تعالى لأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل كيف نصلي عليك قال قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل م محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد ومعنى نطلب إنشاء الطلب وكذلك نحمد معناه إنشاء الحمد وليس معناه الخبر فعطف إنشاء على إنشاء ووصفه صلى الله عليه وسلم بالهداية لقوله تعالى وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم وبين الهداية والضلال والنور والظلمات والإيمان والكفر ما لا يخفى من الطباق وعلى آله وصحبه خير صحب وآل آله صلى الله عليه وسلم بنو هاشم وبنو المطلب هذا اختيار الشافعي وأصحابه وقيل عترته وأهل بيته وقيل جميع أمته وهو قول مالك والصحيح إضافة الآل إلى مضمر كما استعمله المصنف وقال جماعة من أهل العربية لا يصح إضافته إلا إلى مظهر والصحب جمع صاحب وهو كل من رأى النبي صلى الله عليه وسلم مسلما وقيل من طالت مجالسته والصحيح الأول بخلاف التابعي لا يكفي فيه رؤية الصحابي والفرق شرف الصحبة وعظم رؤية النبي صلى الله عليه وسلم وذلك أن رؤية الصالحين لها أثر عظيم فكيف روية سيد الصالحين فإذا رآه مسلم ولو لحظة انطبع قلبه على الاستقامة لأنه بإسلامه متهيء للقبول فإذا قابل ذلك النور العظيم أشرق عليه وظهر أثره في قلبه وعلى جوارحه وقوله خير صحب وآل صحيح لأنه ليس في أصحاب الأنبياء مثل أصحاب نبينا صلى الله عليه وسلم ولأجل السجع قدم الصحب على الآل في الثاني وجاء على أحد طريقي العرب وهو رد الأول على الثاني والثاني على الأول ولولا هذا لقال خير آل وصحب فرد الأول للأول والثاني للثاني وهما طريقان للعرب جائزان

(1/12)


--------------------------------------------------------------------------------

وبعد فأولى ما تهم به الهمم العوالي وتصرف فيه الأيام والليالي تعلم المعالم الدينية والكشف عن حقائق الملة الحنيفية والغوص في تيار بحار مشكلاته والفحص عن أستار أسرار معضلاته بعد ضم الدال على الصحيح مقطوع عن الإضافة أي بعد ما سبق من التقديس والتنزيه والحمد والصلاة والعامل فيه فعل مقدر تقديره أقول وهو معطوف بالواو على نحمد ونصلي وبعده فعل آخر مقدر تقديره تنبه هو معمول القول لأجله دخلت الفاء على أولى وفي الفاء فائدة أخرى وهي رفع توهم اضافة بعد إلى أولى وقوله تهم بضم الهاء يقال هم بالأمر يهم هما أي أراده فأما بكسر الهاء فهو من الهميم وهو الدبيب والهمم جمع همة وهي الواحدة تقول همة مثل جلسة بالفتح للمرة وبالكسر للهيأة والجمع لها وإسناد الفعل للهمم وهو في الحقيقة لفاعلها من باب قولهم شعر شاعر والمعالم جمع معلم وهو ما جعل علامة للطرق والحدود مثل أعلام الحرم ومعالمه المضروبة عليه ويقال المعلم الأثر وهو راجع إلى معنى العلامة ولا خلاف في المعنى والمعالم الدينية الأدلة الشرعية وكل ما يهدي إليها وتعلمها تعرفها والملة الحنيفية هذه الملة قال صلى الله عليه وسلم بعث بالحنيفية السهلة السمحة وسميت حنيفية لأنها على ملة إبراهيم والحنيف عند العرب من كان على دين إبراهيم عليه السلام وسمي إبراهيم عليه السلام حنيفا لميله عن دين الصابئة وهم عباد الكواكب وسمى أتباعه حنفاء لذلك ولميلهم عن اليهودية والنصرانية قال تعالى ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما والملة الدين والدليل على أن هذه الملة ملة إبراهيم قوله تعالى ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم وادعى بعض العلماء أنها موافقة لها في الأصول والفروع والمشهور أنها موافقة لها في الأصول فقط وعلى هذا لا اختصاص لملة إبراهيم بذلك لأن دين الأنبياء كلهم واحد في الأصول وإنما اختلفت

(1/13)


--------------------------------------------------------------------------------

الشرائع في الفروع ويكون تسميته هذه الملة حنيفية لمخالفتها ما كان عليه أهل الشرك واليهود والنصارى كمخالفة إبراهيم من كان في زمانه من الكفار وهم الصابئة واتباعه دين الأنبياء قبله وبعده وهوالإسلام وحقائقها على هذا أصول الدين ولا تشمل أصول الفقه الذي تصدى له والمعالم الدينية شاملة له وإن جعلنا اسم الملة شاملا للأصول والفروع وكلا الأمرين أعني المعالم الدينية وحقائق الملة شاملا للأصول والفروع فيندرج فيه أصول الفقه الذي تصدى له وهو أحسن ليكون مناسبته للتصنيف الذي تصدى له أكثر ويشهد له قوله بعثت بالحنيفية السمحة فإنه يشير إلى الأصول والفروع جميعا ولا يلزم من ذلك موافقتها لشريعة إبراهيم في جميع الأشياء بل لموافقتها الأصول سميت بذلك وحقائقها على هذا جميع أحكامها ومعانيها وأسرارها والضمير في مشكلاته ومعضلاته عائد على الكشف لأن الأشكال والأعضال فيه لا فيها فإنها بينة جلية بيضاء نقية إذا ارتفع الحجاب عن الناظر رآها ولا خفاء بحسن استعاراته وترشيحها في الغوص في تيار البحار والفحص عن أستار الأسرار وكم من بحر لا يدرك له قرار وسر تتغيب في أستاره الأفكار وإن كتابنا هذا منهاج الوصول إلى علم الأصول الجامع بين المعقول والمشروع والمتوسط بين الأصول والفروع المنهاج الطريق جعل علما على هذا الكتاب والوصول إلى الشيء إنما يكون عند انتهاء طريقه فقوله منهاج الوصول معناه الطريق التي يتوصل فيها إلى الوصول إلى علم الأصول كما تقول طريق مكة أي المتوصل فيها إلى مكة فليس الوصول فيه ولكنه غايته وقوله منهاج خبر إن ويجوز إطلاق ذلك على هذا الكتاب بمعناه الأصلي غير علم لأن الاشتغال به يوصل إلى ذلك وقوله الجامع مخفوض صفة لعلم الأصول ولا خفاء في جمعه بين المعقول والمشروع فإنه نتج من نكاح نور الشرع لصافي بنات الفكر فجاء عريق الاصالة شديد البسالة وتوسطه بين الأصول أي أصول الدين والفروع وهذا يستمد من الأول ويمد الثاني

(1/14)


--------------------------------------------------------------------------------

وهو إن صغر حجمه وكبر علمه وكثرت فوائده وجلت عوائده قوله
وهو يعني هذا الكتاب وصغر بضم الغين وكذلك كبر الباء لأنه بمعنى عظم وأصل كبر بضم الباء لكبر الجثة ثم استعمل في كبر المعنى وأما كبر السن فلا يقال فيه إلا كبر بكسر الباء وراعى المطابقة بين صغر وكبر لتضادهما واجتمعا لرجوع الصغر إلى الجثة والكبر إلى المعنى والعوائد جمع عائدة وهي العطف والمنفعة يقال هذا أعود عليك من كذا أي أنفع وفلان ذو عائدة أي تعطف ونفع وإن هذا الكتاب لكما وصف جمعته رجاء أن يكون سببا لرشاد المستفيدين ونجاتي يوم الدين والله تعالى حقيق بتحقيق رجاءه وقوله حقيق بتحقيق أي خليق له وخليق وجدير وحري وحر كل ذلك بمعنى واحد وقصد المصنف التجانس بين حقيق وتحقيق وإطلاق ذلك على الله ينبئ على أن الأسماء توقيفية أولا

(1/15)


--------------------------------------------------------------------------------

تعريف أصول الفقه أصول الفقه معرفة دلائل الفقه إجمالا وكيفية الاستفادة منها وحال المستفيد هذه العبارة بعينها عبارة تارج الدين الأرموي في الحاصل ولنقدم مقدمة وهي أنه ينبغي أن يذكر في ابتداء كل علم حقيقة ذلك العلم ليتصورها الذي يريد الاشتغال به قبل الخوض فيه فمن عرف ما يطلب هان عليه ما يبذل فلا جرم احتاج إلى تعريف أصول الفقه في أوله وههنا خمسة أشياء أحدها لفظ أصول الفقه قبل أن يسمى به هذا العلم مركب من مضاف ومضاف إليه والثاني هذا اللفظ بعد أن سمي به فإنه صار اسما للعلم وكل من المضاف والمضاف إليه بهذا الاعتبار صار كالزاي والدال من زيد لا معنى له وكل مركب سمي به معنى فقد يتطابق معناه حال التركيب وحال التسمية كعبد الله مسمى به رجل فهو صادق عليه بالاعتبارين وقد لا يتطابقان كأنف الناقة مسمى به رجل ولفظ أصول الفقه مما تطابق فيه معناه حال التركيب ومعناه حال التسمية من بعض الوجوه كما سنبينه الثالث معنى أصول الفقه قبل التسمية الرابع معنى أصول الفقه بعد التسمية مع قطع النظر عن أجزاء اللفظ المطلق عليه الخامس معناه بعد التسمية مع الالتفات إلى أجزاء اللفظ المطلق عليه لأن اللفظ يدل عليه باعتبارين كما قدمناه فإذا أخذ المعنى بأحد الاعتبارين

(1/16)


--------------------------------------------------------------------------------

كان مغايرا له بالاعتبار الآخر فيصدق على المعنى المذكور أنه إضافي لقبي باعتبارين لكن صدق اللفظ عليه بالإضافة إنما هو بطريق المجاز لأنه أخص من معناه الحقيقي والحد إنما هو للمعنى دون اللفظ فالمقصود بيان المعاني الثلاثة ويعبر عن المعنى الأول بالإضافي لأن المعنى مركب من مضاف ومضاف إليه في الذهن كما أن لفظه كذلك في النطق ويعبر عن المعنى الثاني باللقبي باعتبار أنه ملقب بهذا الاسم فإن اللفظ المركب جعل اسما عليه زلقبا له وعلما كسائر أعلام الأجناس أو أسماء الأجناس فإن علم الجنس هو الذي يقصد به تمييز الجنس من غيره من غير نظر إلى أفراده واسم الجنس الذي يقصد به مسمى الجنس باعتبار وقوعه على أفراده حتى إذا دخلت عليه الألف واللام الجنسية الدالة على الحقيقة ساوى علم الجنس هذا هو الذي نختاره في الفرق بين اسم الجنس وعلم الجنس ويستنتج منه أن علم الجنس لا يثنى ولا يجمع لأنه إنما يثنى ويجمع الأفراد وجعله اسم جنس أولى من جعله علم جنس لأنه لو كان علما لما دخلت عليه الألف واللام وكذلك سائر أسماء العلوم من فقه ونحو وغير ذلك ويعبر عن المعنى الثالث بالإضافي بالاعتبارين كما سبق إذا عرفت هذه المقدمة فهمت ثلاثة مباحث أحدهما في تعريف معنى أصول الفقه التركيبي قبل التسمية ولا بد في ذلك من تعريف المضاف والمضاف إليه والإضافة لأن العلم بالمركب يتوقف على العلم بالمفرد ونبدأ ذلك بتعريف المضاف وليس كما توهم بعض الناس من أنه يعتني بالبداءة بالمضاف إليه محتجا بأن المضاف يتعرف بتعريف المضاف إليه لأنا نقول التعريف تعريف مقابل التنكير وهو الذي يكتسبه المضاف من المضاف إليه وتعريف مقابل الجهل وهو المقصود هنا وهذا لا يكتسبه المضاف من المضاف إليه فنقول الأصول جمع وتعرفه بتعريف مفرده والأصل ما يتفرع عنه غيره وهذه العبارة أحسن من قول أبي الحسين ما يبنى عليه غيره لأنه لا يقال إن الولد يبنى على الوالد ويقال إنه فرعه وأحسن من

(1/17)


--------------------------------------------------------------------------------

قول صاحب الحاصل ما منه الشيء لاشتراك من بين
الابتداء والتبعيض وأحسن من قول الإمام المحتاج إليه لأنه إن أريد بالاحتياج ما يعرف في علم الكلام من احتياج الأثر إلى المؤثر والموجود إلى الموجد لزم إطلاق الأصل على الله تعالى وإن أريد ما يتوقف عليه الشيء لزم إطلاقه على الجزء والشرط وانتفاء المانع وإن أريد ما يفهمه أهل العرف من الاحتياج لزم إطلاقه على الأكل واللبس ونحوهما وكل هذه اللوازم مستنكرة وكل هذه التعريفات للأصل بحسب اللغة وإن كان أهل اللغة لم يذكروها في كتبهم وهو مما ينبهنا على أن الأصوليين يتعرضون لأشياء لم يتعرض لها أهل اللغة وأما في العرف فالأصل مستعمل في ذلك ولم يترك أهل العرف الاستعمال في ذلك لكن العلماء يطلقونه مع ذلك على شيئين أخص منه أحدهما الدليل والثاني المحقق الذي يشك في ارتفاعه لتفرع المدلول على الدليل والاستصحاب على اليقين السابق والفقه تعريفه سيأتي في كلام المصنف والإضافة تفيد الاختصاص فإن كان المضاف اسما جامدا أفادت مطلق الاختصاص كحجر زيد وإضافة الأعلام إذا وقعت من هذا القبيل كقول الشاعر علا زيدنا يوم النقا رأس زيدكم وإن كان المضاف اسما مشتقا أفادت الإضافة اختصاص المضاف بالمضاف إليه في المعنى المشتق منه كغلام زيد تفيد اختصاص الغلام بزيد في معنى الغلامية وكانت للملك وتفيد هنا اختصاص الأصول بالفقه في معنى لفظة الأصول وهو كون الفقه متفرعا عنه وظهر بهذا أن أصول الفقه بالمعنى التركيبي ما يتفرع عنه الفقه والفقه كما يتفرع عن دليله يتفرع عن العلم بدليله فيسمى كل منهما أصلا للفقه ولا فرق في الأدلة في هذا المقام بين الإجمالية

(1/18)


--------------------------------------------------------------------------------

والتفصيلية فإن كلا منهما يتفرع الفقه عنه وعن العلم به فصار أصول الفقه بالمعنى التركيبي يشمل أربعة أشياء الأدلة الإجمالية وعلمها والأدلة التفصيلية وعلمها وهذا ليس هو المصطلح ولا يصح تعريف هذا العلم بمدلول أصول الفقه الإضافي لأنه أعم منه إلا إذا أخذ بعد التسمية كما سيأتي البحث الثاني في تعريف معنى أصول الفقه اللقبي وهو المصطلح عليه ولا شك أن كلا من الأدلة التفصيلية والعلم بها غير داخل فيه لأن ذلك من وظيفة الفقيه والخلافي فلم يوضع أصول الفقه في الاصطلاح لكل ما يحتاج إليه الفقه بل لبعض ما يحتاج كدأب أهل العرف في تخصيص الأسماء العرفية ببعض مدلولاتها في اللغة والأدلة التفصيلية مثل أقيموا الصلاة ودلالته على وجوب الصلاة ونحو ذلك ولما استفيد إخراج الأدلة التفصيلية و علمها من الوضع تبقى الإجمالية وعلمها والمراد بالإجمالبة كليات الأدلة فإن قوله أقيموا الصلاة ولا تقربوا الزنى وقاتلوا المشركين ونهيه صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء والصبيان وإطلاق الرقبة في موضع وتقييدها بالإيمان في موضع وصلاته صلى الله عليه وسلم في الكعبة وإجمال الصلاة في الآية المذكورة وبيان جبريل لها ونسخ التوجه إلى بيت المقدس والإجماع على أن بنت الابن لها السدس مع الثلث عند عدم العاصب وخبر ابن مسعود في ذلك وقياس الأرز على البر ومرسل سعيد بن المسيب في النهي عن بيع اللحم بالحيوان وقول عثمان في بيع الفراء والمصلحة المرسلة في التترس والأخذ بالأخف في دية اليهودي والاستحسان في التحليف على المصحف ونحو ذلك كلها أدلة معينة وجزئيات مشخصة والعلم بها ليس من أصول الفقه في شيء وإنما هي وظيفة الفقه ولهذه الأدلة وأمثالها كليات وهي مطلق الأمر والنهي والعموم والخصوص والإطلاق والتقييد والفعل والإجمال و التبيين والنسخ والإجماع وخبر الواحد والقياس والمرسل وقول الصحابي والمصلحة المرسلة والأخذ بالأخف والاستحسان عند من يقول به وهذه

(1/19)


--------------------------------------------------------------------------------

الكليات داخلة في الجزئيات فإن الكلي الطبيعي موجود في الخارج وفي الذهن في ضمن مشخصاته ففي الأدلة اعتباران أحدهما من حيث كونها معينة وهذه وظيفة الفقيه وهي الموصلة القريبة
إلى الفقه والفقيه قد يعرفها بأدلتها إذا كان أصوليا وقد يعرفها بالتقليد ويتسلمها من الأصول ثم هو يرتب الأحكام فمعرفتها حاصلة عنده والاعتبار الثاني من حيث كونها كلية أعني يعرف ذلك الكلي المندرج فيها وإن لم يعرف شيئا من أعيانها وهذه وظيفة الأصولي فمعلوم الأصولي الكلي ولا معرفة له بالجزئي من حيث كونه أصوليا ومعلوم الفقيه الجزئي ولا معرفة له بالكلي من حيث كونه فقيها ولا معرفة له بالكلي إلا لكونه مندرجا في الجزئي المعلوم وأما من حيث كونه كليا فلا فالأدلة الإجمالية هي الكلية سميت بذلك لأنها تعلم من حيث الجملة لا من حيث التفصيل وهي توصله بالذات إلى حكم الإجمالي مثل كون كل ما يؤمر به واجبا وكل منهي عنه حراما ونحو ذلك وهذا لا يسمى فقها في الاصطلاح ولا توصل إلى الفقه بالتفصيلي وهو معرفة سنية الوتر أو وجوبه والنهي عن بطلان بيع الغائب أو صحته مثلا إلا بواسطة فقبدية الإجمال مأخوذة في الأدلة والمعرفة معا أيضا وليست مأخوذة في الفقه ولذلك لا يلزم من النظر في الأصول حصول الفقه والحكم الكلي متوقف على الأصول توقفا ذاتيا والحكم التفصيلي وهو الفقه موقوف عليه أيضا وعلى غيره كلية قد يكون بالتقيد للأصولي كما أشرنا إليه وبهذا يظهر أن الاجتهاد في الفقه على الإطلاق شرطه الأصول ومعرفتها بالاجتهاد وأما بدون ذلك فيكون مقلدا وإن اجتهد في تفريع المسائل ثم هذه الأدلة الكلية لها حقائق في أنفسها من حيث دلالتها وتعلق العلم بها فهل وضع أصول الفقه لتلك الحقائق في أنفسها أو للعلم بها كلام المصنف يقتضي الثاني وكلام الإمام وغيره يقتضي الأول ولكل منهما وجه فإن الفقه كما يتوقف على الأدلة يتوقف على العلم بها وقد يرجح ما فعله المصنف بأن العلم بالأدلة

(1/20)


--------------------------------------------------------------------------------

لا يوصل إلى المدلول إلا بواسطة العلم بها لأن الفقه علم لكن أهل العرف يسمون المعلوم أصولا وكذلك يسمون المعلوم فقها ونقول هذا كتاب أصول وكتاب فقه والأولى جعل الأصول للأدلة والفقه للعلم لأنه أقرب إلى الاستعمال اللغوي ثم الأدلة لها اعتباران أحدهما حقيقتها في نفسها والثاني من حيث دلالتها على الفقه والمأخوذ في حد أصول الفقه والمأخوذ في حد أصول الفقه إنما هو هذا الثاني وهو مستفاد من الإضافة
في قولنا أدلة الفقه لما قدمناه أن الإضافة تفيد اختصاص المضاف بالمضاف إليه في معنى لفظة المضاف فالشرط في الأصولي معرفة أدلة الفقه من حيث دلالتها على الفقه خاصة وقد يكون لها عوارض أخرى لا يجب معرفته بها ثم معرفة الأدلة من حيث كونها أدلة لا بد معه من كيفية الاستدلال ومعظمها يذكر في باب التعارض والترجيح فجعلت جزءا آخر من أصول الفقه لتوقف الفقه عليها وليس كل أحد يتمكن من الاستدلال ولا يحصل له الفقه بمجرد علم تلك الأدلة وكيفية الاستدلال لأنها أدلة ظنية ليس بينها وبين مدلولاتها ربط عقلي فلا بد من اجتهاد يحصل به ظن الحكم فالفقه موقوف على الاجتهاد والاجتهاد له شروط يحتاج إلى بيانها فجعلت جزءا ثالثا من أصول الفقه لتوقف الفقه عليها وهذا مجموع ما يذكر في أصول الفقه الأدلة وكيفية الاستدلال وكيفية حال المستدل والإمام ومن وافقه يجعلون أصول الفقه عبارة عن الثلاثة والمصنف وطائفة يجعلونه عبارة عن معرفة الثلاثة فالمعارف الثلاثة عندهم هي أصول الفقه وقد تقدم البحث في ذلك فقول المصنف وكيفية الاستفادة معطوف على دلائل الفقه أي ومعرفة كيفية الاستفادة وكذا قوله وحال المستفيد أي ومعرفة حال المستفيد والمراد بالمستفيد المجتهد لأنه الذي يستفيد الأحكام من أدلتها ويقع في بعض النسخ حال المستدل وفي بعضها حال المستفيد فجمع بعض النساخ بينهما واقتضى هذا الغلط أن يحمل المستدل على المجتهد والمستفيد على المقلد لأنه يستفيد من المجتهد

(1/21)


--------------------------------------------------------------------------------

لكن يجوز أن يكون جزءا من أصول الفقه بخلاف الاجتهاد فإن الفقه موقوف عليه نعم إذا عرف المجتهد عرف أن من سواه مقلد وهذا جاء بالعرض لا بالقصد أعني معرفة المقلد نعم بعض الناس قد سمى علم المقلد فقها فمن هذا الوجه يحسن إدراجه في أصول الفقه لتوقف فقهه عليه وفيه فائدة لا تذكر إلا فيه وهي حكمه إذا اختلفت عليه المجتهدون ونحو ذلك وقول المصنف دلائل لو قال أدلة كان أحسن لأن فعيلا لا يجمع على
فعائل إلا شاذا وقوله إجمالا مصدر في موضع الحال أو تمييز من معرفة أو دلائل وكل منهما يصح أن يراد به على ما بينا ويزداد وعلى جعله من معرفة وجه آخر وهو أن يكون نعتا لمصدر محذوف تقديره عرفانا إجمالا وإعرابه تمييز أقوى لأنه يبين جهة الإضافة كقولك هذا أخوك رضاعة أو نسبا وهذا القيد أعني قوله إجمالا لإخراج العلم بالأدلة على التفصيل فليس من أصول الفقه ولا هو الفقه كما وقع في عبارة بعض شارحي هذا الكتاب لأن الفقه غيره بل هو يذكر في الفقه ومن وظيفة الفقيه وأصول الفقه الأدلة الإجمالية وعلمها وهل أصول الفقه بحسب الاصطلاح يصدق على القليل من ذلك والكثير أو لا يصدق إلا على المجموع اختيار الإمام الثاني فلم يجعل أصول الفقه يطلق على بعضه وهذا إنما يظهر بأخذ مضافا ومضافا إليه أما إذا أخذ إسما على هذا العلم فينبغي أن يصدق على القليل والكثير كسائر العلوم ولهذا إذا رأيت مسألة واحدة منه تقول هذا أصول فقه والاعتذار عن الجمع في لفظة الأصول بأمرين أحدهما أن بعد التسمية لا يجب المحافظة على معنى الجمع والثاني أنه جمع مضاف إلى معرفة فيعم والعموم صادق على كل فرد وكلام المصنف محتمل لما قاله الإمام ولما قلناه بالطريق المذكور وعدول المصنف عن علم إلى معرفة نقدم عليه مقدمة وهي أن المعرفة تتعلق بالذوات وهي التصور والعلم يتعلق بالنسب وهو التصديق فإن أراد أن علم الأصول تصور محض فليس كذلك لأن العلم بكون الأمر للوجوب والنهي للتحريم من أصول

(1/22)


--------------------------------------------------------------------------------

الفقه وهو تصديق فالإتيان بلفظ العلم في هذا المقام
أحسن لأنه أعم من المعرفة ولهذا ينقسم العلم إلى التصور والتصديق ويقول النحاة في العلم إذا لم يكن عرفانا ثم سواء قلنا علم أو معرفة أو أدلة أو طرق كما قال الإمام يرد على جميع ذلك سؤال قوي وهو أن الطريق ما يفضي النظر الصحيح فيه إلى علم المدلول أو ظنه والدليل ما يفضي النظر الصحيح فيه إلى المدلول وعلم الدليل أو الطريق كذلك والمدلول هنا هو الفقه لقوله أدلة الفقه أو طرق الفقه وقد قدمنا أن الفقه بحسب الاصطلاح لا يصدق إلا على معرفة الأحكام التفصيلية فيلزم من هذا أن يكون أصول الفقه معرفة أدلة الأحكام التفصيلية وأن من عرفها عرف ضرورة بما قررناه من أن النظر في الدليل يوجب العلم بالمدلول فيلزم أن يكون الأصول فقها وأن يكون كل أصولي فقيها وهذا ظاهر البطلان ولا ينجى عن هذا قيد الإجمال في المعرفة أو في الدلالة لأن الإجمالي إن كان دليلا للتفصيلي لزم من تحصيله حصوله وإن لم يكن دليلا للتفصيلي فسدت إضافته إلى الفقه لأن الفقه تفصيلي ودليل الفقه مجموع أمرين أحدهما الإجمالية والثاني التفصيلية والأول مندرج في الثاني فكل من علم الثاني علم الأول تقليدا أو اجتهادا ولا يحصل الفقه إلا بعلمهما والأصول في الأول فقط وقد سلم من هذا السؤال ابن الحاجب حيث قال إن حده لقبا العلم بالقواعد التي يتوصل بها إلى استنباط الأحكام الشرعية الفرعية عن أدلتها التفصيلية ومع ذلك يرد عليه أن من القواعد النحوية وغيرها ما هو كذلك ولم تدخل في أصول الفقه فالحد غير مانع وغير جامع أيضا لأنه أخرج الأدلة عن الأصول جملة فإن قلت هل من اعتذار عن المصنف والإمام وغيرهما في السؤال الذي قدمته قلت نعم وهو أن الأدلة التفصيلية التي يحصل عنها الفقه لها جهتان إحداهما أعيانها والثانية كلياتها وكل دليل هكذا فليست الأدلة منقسمة إلى ما هو إجمالي غير تفصيلي وتفصيلي غير إجمالي بل كلها شيء واحد له جهتان

(1/23)


--------------------------------------------------------------------------------

فالأصولي يعلمه من إحدى الجهتين والفقيه يعلمه من الأخرى ويصدق على ذي الجهتين أنه معلوم من وجه فالمراد بالأدلة التفصيلية التي هي موصلة إلى الفقه والأصولي يعرفها من جهة الإجمالي فلها اعتباران والنظر في
الدليل إنما يفيد العلم بالمدلول إذا نظر فيه على سبيل التفصيل والأصولي لم ينظر فيه كذلك فلم يحصل له الفقه لانتفاء شرط نظره لا لانتفاء كون المنظور فيه دليلا في نفسه وهذا جواب حسن مصحح لمعرفة الأدلة وإن كان جعله للأدلة صحيحا أيضا باعتبار أن للأدلة نسبتين كما قدمنا فهي باعتبار إحدى النسبتين غيرها باعتبار الأخرى هذا كله في تعريف المعنى اللقبي إذا قطعنا النظر عن أجزاء اللفظ وكذلك إذا لاحظناها مع التخصيص الذي أشرنا إليه فيما سبق فإن التعريف يحصل بما ذكره أيضا وليس من شرط الحد أن يكون بأجزاء محمولة كما ظنه بعضهم بل بأجزاء داخلة في الحقيقة وأجزاء المحدود هنا وهي المعارف الثلاث كذلك والمعرفة جنس الأصول وما أضيف إليه من الأدلة والكيفيتين فصول تقديره معرفة متعلقة بالأدلة والكيفيتين فالمتعلقة فصل وإنما جعلناه فصلا لأن التعلق داخل في ذات العلم فإن جعلته خارجا كان خاصة وكان التعريف رسما تاما البحث الثالث في الفرق بين المعاني الثلاثة وتعريفاتها وما بينها من النسب أما المعنى الأول وهو معنى أصول الفقه قبل التسمية فهو أعم مطلقا من الثاني والثالث اللذين هما بعد التسمية وتعريفه أعم من تعريفهما ولا يحصل به تعريف هذا العلم كما سبق وإطلاقه عليه إطلاق الأعم على الأخص ولم يذكر المصنف ولا غيره ممن أراد تحديد علم أصول الفقه ذلك إلا على سبيل التقدمة كما فعله الإمام فإنه ذكر المفردات ثم ذكر تعريف أصول الفقه بعد مسمى به ولذلك أخذ فيه قيد الإجمال ولو راعى مدلوله قبل التسمية لم يأخذ فيه قيد الإجمال وأما معناه اللقبي ومعناه الإضافي بعد التسمية إذا لوحظت أجزاء لفظه فهما سواء وتعريفهما سواء فسرنا الأصول بالأدلة

(1/24)


--------------------------------------------------------------------------------

أم بالمحتاج إليه فيصح على كل من التقديرين هذا أن نجعل أصول الفقه اسما للأدلة وهي محتاج إليها فيتحد المعنى اللقبي والإضافي أما الإضافي فظاهر وأما اللقبي فلتسمية الأدلة بذلك ويصح أن نجعله اسما للمعرفة فيتحدان أيضا أما اللقبي فظاهر وأما الإضافي فظاهر إن جعلنا الأصل المحتاج إليه وإن جعلناه الدليل فنكون قد سمينا به العلم بالدليل من باب تسمية العلم باسم المعلوم
فإن قلت إذا جعلنا الأصول للأدلة والتسمية للمعرفة تغاير المعنى اللقبي والإضافي قطعا فيجب أن يكون لكل منهما حد قلت ليس المراد بالإضافي معناه قبل التسمية وإلا لورد المعنى الأول وقد قدمنا أنه خارج قطعا فإنما المراد تعريف المعنى اللقبي باعتبار ملاحظة أجزاء اللفظ فلا بد أن يوجد فيها تعبير إما بمجاز أو بتخصيص حتى يوافق اللقب وحينئذ يتحد التعريفان ويستحيل أن يكون لعلم أصول الفقه المصطلح عليه حدان أحدهما باعتبار الإضافة قبل التسمية والثاني باعتبار اللقب تعريف الفقه والفقه العلم بالأحكام الشرعية العملية المكتسب من أدلتها التفصيلية في معنى الفقه بحسب اللغة ثلاثة أقوال أحدها مطلق الفهم والثاني فهم الأشياء الدقيقة والثالث فهم غرض المتكلم من كلامه وقولنا غرض المتكلم من كلامه إشارة إلى أنه زائد على مجرد دلالة اللفظ الوضعية فإنه يشترك في معرفتها الفقيه وغيره ممن عرف الوضع وبهذا الاعتبار يسلب عمن اقتصر على ذلك من الظاهرية اسم الفقيه وأما في الاصطلاح فقد ذكره المصنف والكلام عليه من وجوه أحدها قوله العلم جنس يشمل التصور والتصديق القطعي وإنما قلنا ذلك لأن العلم صفة توجب تمييزا لا يحتمل النقيض ويلزمها التعلق بمعلوم فإن كان المعلوم ذاتا أو معنى مفردا أو نسبة غير خبرية فهو التصور وإن كان نسبة خبرية فهو التصديق القطعي مثاله العالم حادث وههنا أربعة ذات العالم ومعنى الحدوث في نفسه والارتباط بينهما من غير حكم بثبوته أو بانتفائه والعلم بهذه الثلاثة

(1/25)


--------------------------------------------------------------------------------

تصور والرابع هو ثبوت ذلك الارتباط أو انتفاؤه وهو النسبة الخبرية وهو التصديق وهكذا في كل قضية موضوعها ومحمولها مفردا والارتباط بينهما نسبة تقييدية وهو من قبيل المفرد ووقوع تللك النسبة
أو عدم وقوعها أمر رابع فتعلق العلم بتلك الثلاث تصور وتعلقه بالرابع تصديق والفرق بين الثالث والرابع دقيق فإنك تقول علمت حدوث العالم بمعنى تصورته وعلمت حدوث العالم بمعنى صدقت به فالنسبة واحدة ولكن التصور علمها في نفسها والتصديق علم حصولها فحقيقة المعلوم في التصديق كحقيقة المخبر به في الخبر بل هي حقيقة واحدة إن تعلق بها الكلام سمي خبرا وإن تعلق بها العلم سمي تصديقا والتصور أخص من العلم مطلقا والتصديق أخص منه من وجه لأن التصديق قد يكون بالخبر وليس بعلم لخروجه من حد العلم وتفسير التصديق بما قلناه وهو العلم بالنفي والإثبات يصحح انقسام العلم الذي هو الإدراك إلى التصور والتصديق بخلاف ما إذا فسرناه بالحكم أو بالحكم مع التصور فلا يصح انقسام العلم إليه إلا إذا قيل إن العلم بالنفي او الإثبات حكم والمعروف أن الحكم إيقاع النسبة وكشف اللبس في ذلك أن الحكم هو نسبة أمر إلى أمر بالإثيات أو النفي وهو قسم من أقسام الكلام قد يكون بالنفس وقد يكون باللسان فإذا قلنا حكم الذهن فإنما نريد الإخبار النفساني ثم إن هذا الإخبار محتمل للتصديق والتكذيب والتصديق والتكذيب إما بالإخبار بأن يقال لقائله صدقت أو كذبت وإما بالعلم والاعتقاد فإن من علم صدق المخبر يقال له مصدق له ومن علم كذبه يقال أنه مكذب له فسمى العلم المتعلق بذلك الخبر أو بمضمون الخبر تصديقا لما قلناه لأنه مصدق له فالعلم يتعلق بالحكم أو بمضمونه لا ينقسم إليه وقولنا بمضمونه لأن العلم قد يتعلق بالنسبة الخارجية وقد يتعلق بالخبر عنها فالثاني تصديق للخبر والأول تصديق لمضمونه والحكم منه ما هو تصديق وهو الاخبار بصدق الصادق ومنه ما ليس بتصديق وهو تقييد الأحكام وأنما شاع في

(1/26)


--------------------------------------------------------------------------------

العرف إطلاق التصديقات على القضايا مطلقا لأنها قابلة لأن تصدق فكأنهم قالوا الصادقة ومن هنا يتبين أن أحق القضايا باسم التصديق ما كان مقطوعا به لأنه الذي يصدقه العلم أما المظنونة والمشكوك فيها والموهومة فلا يوثق بأيها إذا عرضت على العلم بصدقها أو بكذبها فإن أطلق عليها اسم التصديق فإنما هو بطريق احتمالها له وإنما تسمى حكما وجميع الأشياء معروضة على العلم وهو الميزان لها فالمفردات بتصورها والأحكام الصحيحة بصدقها والباطلة بصدق نقيضها

(1/27)


--------------------------------------------------------------------------------

ولما كان دائما في القضايا مصدقا لها ولنقيضها سمي تعلقه بها تصديقا وترك لفظ التكذيب للاستغناء عنه بنقيضه ولهجر لفظه وإنما سمى العلم بالصدق تصديقا لأن به يصدق فهو الأصل في الأصل في التصديق وإطلاق التصديق على الحكم بالصدق للزومه له وإطلاقه على الحكم بذلك بطريق الظن فيه بعيد وإطلاقه على الحكم مطلقا سواء كان تصديقا بخبر أم لا بعيد عن اسم التصديق وقد أطلنا في هذا لأنا لم نجد من حققه هكذا وفي العلم اصطلاح آخر خاص لا يندرج فيه التصور يقال فيه الاعتقاد الجازم المطابق لموجب وهذا هو أحد قسمي العلم العام وهو العلم التصديقي فإنا قدمنا أنه لا بد وأن يكون قطعيا فقولنا جازم مخرج الظن والشك والوهم وقولنا مطابق مخرج الجهل وقولنا لموجب مخرج التقليد ومنهم من يقول الثابت بدل قولنا لموجب لأن اعتقاد المقلد غير ثابت لأنه يمكنه اعتقاد نقيضه واليقين لا يمكن اعتقاد نقيضه وهذا النوع من العلم لا يكون معلومه إلا حكما بإسناد أمر إلى أمر محتملا للتصديق والتكذيب أو مضمون ذلك الحكم وهو وقوع تلك النسبة في نفس الأمر كما بيناه إذا عرفت الاصطلاحين في العلم فلك أن تجعله في كلام المصنف بالمعنى الأعم ويخرج التصور بما بعده وهو الذي سلكه الإمام وعليه سؤال سنورده ولك أن تجعله بالمعنى الأخص فلا يكون التصور داخلا فيه ولا يكون قوله بالأحكام مخرجا لشيء بل توطئة للشرعية وعلى كلا التقديرين لا يندرج الظن فيه ولذلك أورد عليه السؤال الذي سيأتي وقد يطلق العلم باصطلاح ثالث على الصناعة كما تقول علم النحو أي صناعته فيندرج فيه الظن واليقين وكل ما يتعلق بنظر في المعقولات لتحصيل مطلوب يسمى علما ويسمى صناعة وعلى هذا الاصطلاح لا يرد سؤال الظن لكنهم كلهم أوردوه فكأنهم لم يريدوا هذا الاصطلاح أو أرادوه ولحظوا معه معنى العلم في الأصل ويطلق النحاة العلم أيضا على المعرفة وقد أصابوا

(1/28)


--------------------------------------------------------------------------------

ولكن ليس فيها اعتقاد ولا ظن بل تصور محض ولا يجوز أن تكون هي المراد ههنا لأن الفقه تصديق لا تصور الوجه الثاني من الكلام على التعريف الباء في قوله بالأحكام ولنقدم مقدمة وهي أن علم فعل متعد بنفسه وأما الباء في قوله تعالى ألم يعلم بأن الله يرى فاحتمل زيادتها واحتمل بأن يكون علم مضمنا معنى أحاط ومما يتنبه له إن علم المتعدية إلى مفعولين لم يدخلوا الباء على واحد من مفعوليها إذا ذكرا صريحين ودخلت على أن وصلتها السادة مسدهما لدلالتها على النسبة التي هي المعلومة وهذا يقوي التضمين ويقوي قول أكثر النحويين أنها سادة مسد المفعولين ويضعف قول من يقدر معها مفعولا ثانيا لأن المفعول الأول لا يدخل عليه الباء وليس هو المعلوم أعني المخبر بعلمه إنما المخبر بعلمه نسبة الثاني إليه وإذا علمت قيام زيد بمعنى أنه قام أو يقوم جاز دخول الباء في المفعول كما يدخل على إن لأن المعلوم فيهما ثبوت النسبة وإذا كانت علم بمعنى عرف جاز دخول الباء على مفعولها وتكون زائدة كقولك عرفته وعرفت به فإن أردت غيره صح أن يكون علم على حقيقتها إذا علمت هذا فدخولها في قوله العلم بالأحكام لا بد منه أما على طريقة التضمين في الفعل فظاهر وأما على طريقة الزيادة في الفعل فلأن المصدر المعرف بالألف واللام ضعيف العمل جدا وإذا ضعف تقوى بالحرف كقوله إن كنتم للرؤيا تعبرون و مصدقا لما بين يديه وعلى كل تقدير هي متعلقة بالعلم وأما تقدير محذوف يتعلق به كقولنا العلم المتعلق بالأحكام فلا حاجة إليه إلا إذا فسرنا العلم بالصناعة فيظهر تقديره الوجه الثالث قوله بالأحكام يخرج به العلم بالذوات والصفات الحقيقية والإضافية غير الحكم والأفعال وإنما قلنا غير الحكم لأن الحكم الشرعي كلام يتعلق به فهو صفة عرضت لها الإضافة

(1/29)


--------------------------------------------------------------------------------

وهنا تنبيهات منها أن الحكم يطلق على النسبة الخبرية وهي معلوم التصديق وبه يخرج التصور كله وعلى إنشاء الأمر والنهي والتخيير ومنه الحكم الشرعي والعلم قد يتعلق به على جهة التصور ألا ترى إلى قول المصنف ولا بد للأصولي من تصور الأحكام الشرعية ليتمكن من إثباتها ونفيها وعلى هذا لا تكون الأحكام مخرجة للتصورات وإنما تخرج بقوله بعد ذلك المكتسب من أدلتها فإن التصور يكتسب من التعريفات لا من الأدلة وعلى كل من تكلم على الحد جعل قوله الأحكام مخرجا للتصورات هذا سؤال قوي وجوابه أن الحكم لفظ مشترك والمراد به ههنا المعنى الأول فإن قيل الألفاظ المشتركة لا تستعمل في الحدود من غير بيان وأيضا قال الفقه العلم بالأحكام الشرعية ثم عرف الحكم الشرعي بالخطاب فاستحال أن يكون غيره وإلا لما انتظم قلت ينتظم من جهة أنه إذا عرفت أن الحكم الشرعي الخطاب الموصوف ترتب عليه حكما بثبوت ذلك الخطاب أو نفيه وهذا هو المراد بقولنا الفقه العلم بالأحكام الشرعية وسمي شرعيا لكونه لم يعرف إلا من الشرع والمتعلق به تصديق لا تصور والمذكور في حد الحكم هو حكم الله القائم بذاته وهو طلب أو تخيير وسمي شرعيا لأنه ناشئ من الشارع والعلم المتعلق به تصور وإنما ذكر لنعرف به الحكم المذكور في حد الفقه لتعلقه به والقاضي أبو بكر يجعل حكم الله إخباره يجعله الحكم لفعل كذلك فيستغني عن هذا التكلف وأما سؤال الإشتراك فهنا قرينة تبين المراد وهي أن الفعل متعد إلى مفعولين ولا يجوز دخول الباء على مفعوله إلا إذا تضمن نسبة بنفي أو إثبات كما تقدمت الإشارة إليه في الوجه الثاني فلما دخلت الباء هنا مع لفظ العلم الذي ظاهره التعدي إلى مفعولين على لفظ الحكم الذي هو ظاهر في النسبة كان ذلك قرينة على أن المراد بالأحكام ثبوتها لا تصورها ومن هنا يتبين لك أن المطلوب من الفقه علمه هو كون الشيء واجبا أو حراما أو مباحا وهو المذكور في حد الفقه ويقرب دعوى القطع فيه

(1/30)


--------------------------------------------------------------------------------

لأن المراد العمل والمذكور في حد الحكم هو إيجاب الله أو تحريمه أو إباحته وهو صفة قائمة بذاته تعالى ويطلب تحقيقها من الأصولي لا من الفقيه والمطلوب تصورها ودعوى القطع في العلم بتعلقها بما علمه الفقيه غيره ولو قال قائل المراد بالأحكام هنا هو المذكور عند حد الحكم ونقدر بإثبات الأحكام ويستدل على هذا التقدير بما قلناه كان صحيحا والله أعلم ومن التنبيهات أن الإمام ممن ادعى أن قوله بالأحكام يخرج العلم بالذوات والصفات ثم أورد السؤال كون الفقه مظنونا فيقال إن إراد بالعلم الاعتقاد الجازم فيرد سؤال الظن ولا يحسن وأن يقال خرج بالأحكام العلم والتصديق فيصح ما ادعاه من الإخراج ولا يرد سؤال الظن لأن الظن قسم من أقسام التصديق الذي هو قسم من العلم وجواب هذا بالتزام الثاني ومنع كون الظن من أقسام العلم بيناه في الوجه الأول ومن التنبيهات أيضا أن بعض شرح من هذا الكتاب قال إن الأحكام تخرج العلم بالذوات والصفات كعلمنا بأن الأسود ذات والسواد صفة وهذه عبارة غير محررة فإن العلم بأن الأسود ذات والسواد صفة تصديق والعلم التصوري بنفس الذات ونفس الصفة متمثلة في الذهن ومن التنبيهات أن الألف واللام في الأحكام للجنس هذا هو الذي نختاره والألف واللام الجنسية إذا دخلت على جمع قيل تدل على مسمى الجمع ويصلح للإستغراق ولا يقتصر به على الواحد والاثنين محافظة على الجمع والمختار أنه متى وقصد الجنس يجوز أن يراد به بعضه إلى الواحد ولا يتعين الجمع كما لو دخلت على المفرد نعم قد تقوم قرينة تدل على مراعاة الجمع مع الجنس فيقارب بذلك المفرد على ما قلناه ويصدق على العلم بحكم مسألة واحدة من الفقه أنها فقه ولا يلزم أن يسمى العالم به فقيها لأن فعيلا صفة مبالغة مأخوذة من فقه بضم القاف إذا صار له الفقه سجية وقال بعضهم إنها للعموم والمراد التمكن أي يكون له قوة قريبة من الفعل يصدق عليه بها للعلم بجميع الأحكام إذا نظر كما هي وظيفة

(1/31)


--------------------------------------------------------------------------------

المجتهد وهذا احسن في اسم فقيه اسم الفاعل المقصود
به المبالغة لا في اسم الفقه المصدر وقال بعضهم إنها للعهد والمراد جملة غالبة بحكم أهل العرف عندها يصدق الاسم وهذا ليس بشيء ومن التنبيهات أن قولنا العلم بالأحكام يصدق على ثلاثة أشياء أحدها تصور الأحكام وقد تحيلنا في إخراجه والثاني إثباتها بمعنى اعتقاده أن الله أوجب وحرم وأباح من غير علم بأنه أوجب كذا أو حرم كذا أو أباح كذا وهذا أيضا ليس من الفقه في شيء بل هو من أصول الفقه الثالث وهو المقصود إثباتها معينة لموضوعات معينة وقد عبر بعضهم عن هذا بقوله الأحكام الجزئية وأشار إلى أن هذا لا بد من زيادته في الحد الوجه الرابع قوله الشرعية يخرج الأحكام العقلية مثل كون فعل العبد عرضا أو حسنا وغير ذلك والمراد بالشرعية ما يتوقف معرفتها على الشرع والشرع هو الحكم والشارع هو الله تعالى ورسوله مبلغ عنه فلذلك يطلق الشارع على الله وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم وبما ذكرناه يندفع قول من قال إن الأحكام العقلية شرعية باعتبار أن الله خلقها وأنها تحت قضائه وقدره وقد وقفت على شرح لهذا الكتاب فيه أن قوله الشرعية احتراز عن الأحكام العقلية وتنبيه على أن المراد الأحكام بحسب الشرع لا بحسب العقل كما هو مذهب المعتزلة وأعلم أن المعتزلة لا ينكرون أن الله تعالى هو الشارع للأحكام وإنما يقولون إن العقل يدرك أن الله شرع أحكام الأفعال بحسب ما يظهر من مصالحها ومفاسدها فهي طريق عندهم إلى العلم بالحكم الشرعي فليس قوله الشرعية تنبيها على خلاف قول المعتزلة وإن كان قول المعتزلة باطلا ولعله استند في هذا إلى قول الإمام فإنه قال قولنا الشرعية احتراز عن العلم بالأحكام العقلية كالتماثل والاختلاف والعلم بقبح الظلم وحسن الصدق عند من يقول بكونهما عقليين وكلام الإمام هذا صحيح وسعناه أن الحسن والقبح لا يدركان بالعقل عندنا فلا يحترز عنهما وأما عند المعتزلة فيدركان بالعقل وهما حكمان

(1/32)


--------------------------------------------------------------------------------

عقليان يحترز عنهما وليس العلم بهما فقها والحكم الشرعي تابع لهما على رأي المعتزلة لا عينهما فما كان حسنا جوزه الشرع وما كان قبيحا منعه
فصار عند المعتزلة حكمان أحدهما عقلي والآخر شرعي تابع له والفقه هو العلم بالثاني فلذلك احترز عن الأول عندهم وكلام هذا الشارح يقتضي أنهم يطلقون على العلم بالأحكام العقلية فقها وليس كذلك فإذا تؤمل كلام الإمام كان ردا على ما قاله هذا الشارح وهذا المعتمد وغيره من كتب المعتزلة وفيها اعتبار الأحكام الشرعية في تعريف الفقه وقال هذا الشارح أيضا إن وجه نسبة الأحكام إلى الشرع أن تعلقاتها التنجيزية أو العلم بتعلقاتها التنجيزية مستفاد من الشرع لا أن نفس الأحكام أو تعلقاتها العلمية مستفاد من الشرع فإن الشرع حادث والأحكام وتعلقاتها العلمية قديمة والقديم لا يستفاد من الحادث انتهى ما قاله وكأنه لما رأى الأصحاب يقولون لا حكم قبل الشرع وأمثال هذه العبارة قاصدين لا حكم قبل البعثة توهم أن الشرع هو البعثة فقال إنه حادث وليس كما قاله ولا كما توهمه وإنما الشرع ما قدمناه وأما قول الأصحاب فمرادهم به لا حكم قبل العلم بالشرع أو عبروا بالشرع عن البعثة على سبيل المجاز لأن بها يعرف ويظهر وهذا هو الأظهر من مرادهم وصاحب هذا الكلام لم يذكر كلام الأصحاب هذا ولكني أنا ذكرته جاحدا له ودفعته فإني استنكرت قول الشرع حادث أما سمع قوله تعالى شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا فإن كان الشرع حادثا فالحكم حادث وهو لا يقول به وإن قال به رد عليه ثم مضمون كلام هذا القائل أن يكون الأحكام في الأزل ثابتة وهي غير شرعية وهذا شيء لم يقل به أحد أما أن ذلك مضمون كلامه فلأنه صرح بأن الأحكام قديمة وفسر نسبتها إلى الشرع بشيء حادث وأما أن ذلك لم يقل به أحد فلأن الناس منهم من قال الحكم الشرعي قديم ومنهم من قال الحكم حادث أما قدم الحكم وحدوث كونه شرعيا فلا قائل به فإن قال نسميه شرعيا لأنه بصدد أن يستفاد من

(1/33)


--------------------------------------------------------------------------------

الشرع الحادث قلنا نسميه شرعيا لأنه حكم من الشارع الحقيقي القديم الوجه الخامس قوله العملية قيل يم يذكره ابن الباقلاني وذكره غيره وقال الإمام أنه احتراز عن العلم بكون الإجماع حجة والقياس حجة فإن كل ذلك أحكام
شرعية مع أن العلم بها ليس علما بكيفية عمل وأشار الغزالي إلى ما أذكره وهو تبيين أن المراد بالأحكام الشرعية هنا ما استفيد من الشرع وهو أعم من تفسير الحكم الشرعي الذي سيأتي فإنه لو أريد ذلك لاستغنى عن قوله هنا العملية وأخص من مطلق الحكم ويصير لفظ الحكم الشرعي مشتركا بين ما ذكره هنا وهناك وكان شيخنا أبو الحسن الباجي يختار أن قيد العملية احتراز عن أصول الدين لأن منه ما يثبت بالعقل وحده كوجود الباري تعالى ومنه ما يثبت بكل واحد من العقل والسمع كالوحدانية ومنه وجوب اعتقاد ذلك ومنه ما لا يثبت إلا بالسمع لقصور العقل عن معرفته فأما الأول والثاني فخرجا بقولنا الشرعية وتفسيرنا إياها بما هو متوقف على الشرع وأما الرابع فقد يقال إنه داخل في الشرعية والأولى أن يجعل هو والأولان خارجة عنها بأن يراد بالحكم الإنشائي لا الخبري ولا شيء من الثلاثة بإنشاء وأما وجوب اعتقاد ذلك فهو حكم شرعي إنشائي فإن كان ذلك لا يسمى فقها فلا بد من إخراجه وما في الحد ما يخرجه إلا القيد المذكور ويرد على إخراجها وإخراج أصول الفقه بذلك إن أريد بالعمل عمل الجوارح والقلب فلا تخرج لدخولها في أعمال القلوب وإن أريد عمل الجوارح فقط خرجت النية وكثير من المسائل التي تكلم الفقهاء فيها كالردة وغيرها مما يتعلق بالقلب ولذلك ترى الآمدي وابن الحاجب لفظ العملية وقالا الفرعية لأن النية من مسائل الفروع وإن كانت عمل القلب ولعل الفقهاء إنما ذكروا ذلك لما يترتب عليه من الصحة والبطلان والمؤاخذة المتعلقات بالأعمال كما يذكر في بعض العلوم ما يتعلق به من علم آخر ثم إن كون الإجماع حجه مثل كون الزنا سببا لوجوب الحد وقد

(1/34)


--------------------------------------------------------------------------------

منع الإمام بعد ذلك أنه حكم شرعي فعلى طريقة لا حاجة له إلى إخراجه فطريق الجواب عنه أن مراده هناك أنه ليس بحكم زائد على أبحاث الحد وكذا كون الإجماع حجة معناه إيجاب العمل به وبمقتضاه فيجب الاحتراز عنه الوجه السادس قوله المكتسب من أدلتها صفة للعلم وفي بعض النسخ المكتسبة صفة للأحكام والأول أحسن بل يتعين وإلا لاحتاج الحد إلى زيادة قوله إذا حصل بالاستدلال وعلى كلا التقديرين فهو احتراز عن علم الله تعالى وما يلقيه في قلب الملائكة والأنبياء من الأحكام من غير اكتساب واحتراز أيضا عن العلم بوجوب الصلاة والزكاة والصوم ونحوه مما هو معلوم من الدين بالضرورة لأن لفظ الفقه يشعر بالعلم بما فيه دقة ولا دقة في ذلك ولأن العوام يعلمون ذلك ولا تسمى فقهاء وقال التبريزي في هذا القسم المعلوم بالضرورة إنه فقه وإن لم يسم المتصف به فقيها فذلك لأن العلماء في اسم الفقيه عرفا كما أن لهم في اسم الفقيه عرفا وكون تلك العلوم ضرورية لا يخرجها عن كونها فقها فإن معظم علوم الصحابة شرائع الأحكام كان كذلك وهذا الذي قاله التبريزي هو المختار وإن ذلك يسمى فقها ولذلك يذكر في كتب الفقه وإنما لا يطلق على العالم به وحده اسم فقيه لما فيه من المبالغة وفقيه اسم فاعل من فقه بضم القاف إذا صار الفقه له سجية وهو وصف له في نفسه لا يتعدى إلى غيره والفقه هو مطلق الفهم وهو صفة يتعدى إلى المفهوم والضمير في أدلتها للأحكام ولو قال من أدلته لصح أيضا على ما في النسخ المشهورة من جعل المكتسب صفة للعلم الوجه السابع قوله التفصيلية جعله الجمهور احترازا عن اعتقاد المقلد فإنه اعتبار وحكم شرعي عملي مكتسب من دليل إجمالي وهو أن هذا أفتاني به المفتي وكل ما أفتاني به المفتي فهو حكم الله في حقي وهو دليل عام لا

(1/35)


--------------------------------------------------------------------------------

يختص بمسألة بعينها ومقدمته الأولى حسية والثانية إجماعية ولذلك قال الإمام هنا إن هذا القيد يخرج ما للمقلد من العلوم فجعل الحاصل عند المقلد علما وأدرجه في جنس حد الفقه وأخرجه بهذا الفصل لكنه بعد ذلك جعله قسيم العلم فإنه لغير موجب والعلم لموجب وإذا لم يكن إعتقاد المقلد علما لم يدخل في الجنس وهو قوله العلم فلا يحتاج إلى إخراجه بالفصل إلا أن يريد بالعلم الإعتقاد الجازم المطابق أعم من أن يكون لموجب أولا وهنا تم الحد وعلى النسخة التي فيها المكتسبة بالهاء لا يتم الحد هنا لأن المسائل التي يعلمها المقلد هي مستدل عليها في نفس الأمر بأدلة تفصيلية مكتسبة لغيره فلا يخرج إلا بأن تقول إذا حصلت أو حصل علمها بالاستدلال قيل الفقه من باب الظنون هذا سؤال على قوله العلم فاقتضى أنه لا شيء من الفقه بظني ونحن نبين لك أنه ظني لأنه موقوف على الظني والموقوف على الظني ظني أما كون الموقوف على الظني ظنيا فلأن الظني يحتمل العدم وعلى تقدير عدمه يعدم الموقوف عليه فلزم كونه ظنيا غير مقطوع به وأما كون الفقه موقوفا على الظني فلأنه موقوف على أدلته وأدلته نص أو إجماع أو قياس فالقياس كله ظني والإجماع اختلف فيه وعلى تسليم أنه قطعي فوصوله إلينا بالظن على أنه في غاية الندور والنص قسمان أحاد لا يفيد إلا الظن ومتواتر وهو مقطوع المتن ظنون الدلالة وإن اقترن به قرائن حتى أفاد العلم التحق بالمعلوم من الدين ضرورة وأنتم قلتم أنه لا يكون فقها ومقتضى ذلك أن يكون كل الفقه مظنونا ولا شيء منه بمعلوم على عكس ما اقتضاه الحد وفي بعض النسخ قيل من باب الظنون أي الفقه وحذفه لدلالة الكلام عليه قلنا المجتهد إذا ظن الحكم وجب عليه الفتوى والعمل به للديل القاطع على وجوب اتباع الظن فالحكم مقطوع والظن في طريقه مضمون هذا الجواب أن الفقه كله قطعي لا ظني وهذه المقالة تنسب إلى أكثر الأصوليين وحاصل كلامهم ومداره ما قاله المصنف وتقريره بالمثال أن

(1/36)


--------------------------------------------------------------------------------

نقول في الوتر مثلا الوتر يصلي على الراحلة فهو سنة فالوتر سنة والمقدمة الأولى ثابتة بخبر الواحد والثانية بالاستقراء وهما لا تفيدان إلا الظن فالنتيجة ظنية لتوقفها على الظن
وهذا الظن الذي أراده المصنف بقوله والظن في طريقه وأكثر الناس إذا وصلوا إلى هذه النتيجة وقفوا عندها واعتقدوا أنها الفقه وهو الظاهر من اصطلاح الفقهاء وعليه بنى السائل سؤاله والأصوليون لم يقفوا عند ذلك لأن الظن لا يجوز اعتماده حتى يدل عليه دليل فنظروا وراء ذلك وقالوا لما حصلت هذه النتيجة وهي اعتقاد كون الوتر سنة ظنا ركبنا قياسا آخر من مقدمتين هكذا الوتر مظنون سنيته وكل ما هو مظنون سنيته فهو سنة في حق من ظنه والمقدمة الأولى قطعية لأنها وجدانية فإن الظان يجد من نفسه الظن كما يجد الجوع والشبع والمقدمة الثانية قطعية لقيام الإجماع على أن حكم الله في كل مجتهد ما أداه إليه اجتهاده وفي حق من قلده حتى لو اعتقد خلاف الإجماع لدليل كان حكم الله في حقه إلى أن يطلع على مخالفته وهذا الإجماع نقله الشافعي في الرسالة والغزالي في المستصفى وإذا تقررت المقدمتان كانت النتيجة الوتر سنة في حق من ظنه وهي قطعية لأنها تابعة لمقدمتين قطعيتين ولا يضرها وقوع الظن في مقدمتي القياس الأول ونتيجته وهي طريق القياس الثاني لأن الظن إنما يضر إذا كان في مقدمات الدليل وهنا مقدمتا القياس قطعيتان والمظنون خارج عنهما ووجود الظن الذي هو حاصل مقدمة القياس الثاني ليس مظنونا وهذا التقرير على حسنه إنما يفيدنا القطع بوجوب العمل فلذلك اختار جماعة أن الفقه هو العلم أو الظن والإنصاف أنهما مقامان اعتقاد كون الحكم عند الله كذا لا يمكن دعوى القطع فيه واعتقاد وجوب العمل بما ظنه من ذلك دعوى القطع فيه ممكنة والفقهاء نظروا للأول والأصوليون نظروا للثاني ولا مشاححة في الاصطلاح ولم يتوارد اختلافهما على شيء واحد على أني أقول قولهم حكم الله في حق كل مجتهد ما أداه إليه

(1/37)


--------------------------------------------------------------------------------

اجتهاده سبيله أنه يجب عليه اتباعه ودعواهم الإجماع بهذا التفسير صحيح وبغير هذا التفسير ممنوع فإذا قلنا المصيب واحد والمخطيء معفو عنه لا يستمر هذا الإطلاق وإن كان بعضهم قال إنه يتعين التكليف ولكن يجب حمله على أنه يأثم بترك ما ظنه واجبا وبفعل ما ظنه حراما لجراءته على ربه بحسب اعتقاده وأما أن ذلك يصير في حقه كالواجب والحرام في نفس الأمر فلا يمكن وإذا ظن زوجه أجنبيه فوطئها يأثم ولكن أيميز إثمه أو يساوي إثم الزاني

(1/38)


--------------------------------------------------------------------------------

وقول المصنف للدليل القاطع على وجوب اتباع الظن يقربه إلى الإجماع الذي جعلناه دليل المقدمة الثانية من القياس الثاني ومنع بعض الناس قطعيا قطعية هذا الدليل ليس يجمل لأنه لا بد لنا من دليل قاطع على اتباع الظن دفعا للتسلسل أو اثبات الظن بنفسه فلا بد من قاطع أما إجماع وحده وإما مع قرائن تحتف به تفيد القطع وهذا المعنى والتقرير يحصل في كل مسألة من مسائل الفقه سواء كان دليلها نصا أم قياسا أم غيرهما مما يفيد الظن وقوله مقطوع أي مقطوع به ولكنه حذف الجار وتوسع بتعدية الفعل إلى الضمير ودليله المتفق عليه بين الأئمة الكتاب والسنة والإجماع والقياس قوله المتفق عليه إشارة إلى أن ثم أدلة مختلفا فيها وسنذكرها وقوله بين الأئمة أي المعتبرين وإلا فقد أنكر بعض الناس القياس وبعضهم الإجماع ولعله لا يسمى من أنكر ذلك إماما وهو حق لأن الإمام من يقتدى به وهؤلاء لا يقتدى بهم فلذلك طلق الأئمة ووقع في بعض النسخ الأمة والأول أصح لبعد التجوز في الثاني ولا بد للأصولي من تصور الأحكام الشرعية ليتمكن من إثباتها ونفيها لا بد أمعناه لا فراق ولذلك قال ابن عبد السلام إنه إذا حلف لا بد أن يفعل كذا ولم يفعله على الفور حنث والمختار أنها لا تفيد الفور المعروف والأصولي نسبة إلى الجمع لأنه مسمى به كالأنصاري والأنماري ولو لم يسم به لم تجز النسبة إلا إلى المفرد فيقال أصلي والحكم على الشيء بالإثبات أو النفي مسبوق يتصوره والأصولي يريد أن يثبت الوجوب مثلا للأمر والتحريم المنهى أو ينفيهما وكذلك بقية الأحكام فلذلك لا بد أن يتصورها أولا وقصد وبهذا وجه الحاجة إلى تقدم هذه المقدمة لا جرم رتبناه على مقدمة وسبعة كتب الذي يسبق إلى الذهن من لا جرم في هذا الموضع أن معناها لأجل ذلك أي لأجل ما سبق رتبناه على كتب وقد جاءت لا جرم في القرآن في خمسة مواضع متلوة بأن واسمها ولم يجئ بعدها فعل والذي ذكره المفسرون واللغويون في معناها أقوال

(1/39)


--------------------------------------------------------------------------------

أحدها أن لا نافية وجرم فعل معناه حق وأن ما في حيزه فاعلة وهذا مذهب الخليل وسيبويه والأخفش فقوله تعالى لا جرم أنهم معناه رد على الكفرة وتحقق بخسرانهم والثاني أن لا زائدة وجرم معناه كسب أي كسب لهم عملهم الندامة فإن ما في حيزها على هذا القول في موضع نصب وعلى الأول في موضع رفع الثالث أن لا جرم كلمتان ركبتا وصار معناهما حقا وكثيرا ما يقتصر المفسرون على ذلك الرابع أن لا جرم معناه لا بد وإن الواقعة بعدها في موضع نصب بإسقاط حرف الجر قال الفراء لا جرم كلمة كانت في الأصل بمعنى لا بد ولا محالة فكثر استعمالها حتى صارت بمنزلة حقا تقول لا جرم لآتينك قال الواحدي وضع موضع القسم في قولهم لا جرم لافعلن كما قالوا حقا لأفعلن وأنت إذا تأملت هذه الأقوال لم ينطبق شيء منها على معنى التعليل الذي قصده المصنف والذي يظهر أن التعليل مستفاد من ترتيب الحكم على الوصف وتصحيح كلام المصنف بأن يقدر فلا جرم أنا رتبناه فإضمار الفاء لإفادة التعليل وتقدير أن واسمها لتوافق موقعها من القرآن أو ينزل الفعل منزلة المصدر ويستغنى عن إضمار أن والتقدير فحقا رتبناه والمقدمة بكسر الدال وفتحها وهو أشهر فالكسر لأنها تقدم الناظر فيها إلى ما بعدها والفتح لأن الناظر يقدمها بين يديه إلى مقصوده هذا في مقدمة الكتاب ومقدمة الدليل أما مقدمة الجيش فلم يجعل الجوهري فيها إلا كسر الدال لأنها تقدم الجيش ووجه تقديم المقدمة في أول الكتاب كونه لا بد لكل أصولي من تصور الأحكام والكتب السبعة منها الأربعة التي قدمها الكتاب والسنة والإجماع والقياس كل منها كتاب والخامس الأدلة المختلف فيها وهذه الخمسة هي الأدلة التي تضمنها المعرفة الأولى من أصول الفقه والسادس في التعادل والتراجيح المقصود بالمعرفة الثانية

(1/40)


--------------------------------------------------------------------------------

والسابع في الاجتهاد المقصود بالمعرفة الثالثة وهذا جملة أصول الفقه أما المقدمة ففي الأحكام ومتعلقاتها وفيها بابان لما كانت متعلقات الأحكام يحتاج إليها ذكرها معها وإن لم يبين فيما سبق إلا وجه الحاجة إلى تصور الأحكام
الباب الأول في الحكم وفيه فصول الفصل الأول في تعريفه الحكم خطاب الله القديم المتعلق بأفعال المكلفين بالاقتضاء أو التخيير لما كان الكلام في الحكم الشرعي لم يحتج إلى تقييده وقد تقدم الكلام في كونه إنشائيا أو خبريا وتفسيره بالخطاب وتقسيمه إلى الاقتضاء أو التخيير يدل على أن المراد الإنشائي والخطاب مصدر خاطب يخاطب خطابا مخاطبة وفي تسمية كلام الله تعالى في الأزل خطابا خلاف قال القاضي أبو بكر الكلام يوصف بأنه خطاب دون وجود مخاطب ولذلك أجزنا أن بكون كلام الله في أزله وكلام الرسول صلى الله عليه وسلم في وقته مخاطبة على الحقيقة وأجزنا كونه أمرا أو نهيا وعلى هذا لا يقال للموصي إنه مخاطب بما يودعه وصيته ويقال أمر من تفضي إليه الوصية انتهى فعلى هذا لا يصح أن يؤخذ الخطاب في حد الحكم لأن الحكم عندنا قديم ويجب أن يقال الكلام والمصنف تبع الإمام في لفظ الخطاب وكأن الإمام رأى أنه يقال في القديم باعتبار ما يصير إليه وإذا قلنا لا يطلق الخطاب في الأزل فهو يطلق بعد ذلك عند وجود المأمور والمنهي ينبغي أن يقال إن حصل إسماعه لذلك كما في موسى عليه السلام فيسمى خطابا بلا شك وإلا فلا على قياس قول القاضي وإذا سمينا ما يحصل إسماعه خطابا فلا يخرجه ذلك عن كونه قديما على أصلنا في جواز إسماع الكلام القديم وفي بعض نسخ الكتاب خطاب الله القديم كأنه رأى أن الخطاب يطلق على الكلام

(1/41)


--------------------------------------------------------------------------------

القديم على غير مذهب القاضي وعلى الأصوات والحروف الدالة على ذلك وهي حادثة فقال القديم ليخرجها وفي بعض النسخ لم يقل القديم نظرا إلى أن الخطاب هو الكلام والكلام حقيقة في النفساني فقط وهو المشهور عند المتكلمين فلا حاجة إلى قوله القديم فحصل في الخطاب قولان أحدهما أنه الكلام وهو ما تضمن نسبة إسنادية والثاني أنه أخص منه وهو ما وجه من الكلام نحو الغير لإفادته وإضافته إلى الله بخرج خطاب غيره والمتعلق بأفعال المكلفين يخرج المتعلق بذاته تعالى والجمادات وذوات المكلفين وفعله كقوله الله لا إله إلا هو ويوم نسير الجبال ولقد خلقناكم والمراد بالمكلفين من كان بالغا عاقلا ولنا في الصبي خلاف هل هو مأمور بالصلاة والصوم بأمر الشارع أو بأمر الولي وعلى كل تقدير ليس تكليفا لأن أمر الندب لا كلفة فيه ومن رأى أنه مأمور بأمر الشرع قال في حد الحكم الخطاب المتعلق بأفعال العباد ولا يرد على المجنون لأنه لم يوجه له خطاب ومنهم من يقول بأفعال الإنسان لأن كلامنا فيما يتعلق بهم وإن كانت الملائكة والجن مكلفين لكنهم خارجون عن نظرنا وقوله بالاقتضاء أو التخيير يخرج قوله تعالى والله خلقكم وما تعملون فإنه خطاب متعلق بأعمالنا على وجه الإخبار عنها بكونها مخلوقة لكنه ليس اقتضاء ولا تخييرا فخرج عن الحد والمراد بالاقتضاء الطلب فيشمل طلب الفعل إيجابا أو ندبا وطلب الترك تحريما أو كراهة والمراد بالتخيير الإباحة قالت المعتزلة خطاب الله قديم عندكم والحكم حادث لأنه يوصف به ويكون صفة لفعل العبد ومعللا به كقولنا حلت بالنكاح وحرمت بالطلاق هذا سؤال على الحد مركب وعلى مقدمتين الأولى مسلمة وإن كانت المعتزلة لا يقولون بها فإنا نقول بقدم الكلام والثانية لا نقول نحن بها فاستدلوا عليها بثلاثة

(1/42)


--------------------------------------------------------------------------------

أحدها أن الحكم يوصف به أي بالحدوث فنقول حلت هذه المرأة بعد أن لم تكن حلالا وحرمت بعد أن لم تكن حراما والبعدية تصريح بالحدوث والثاني أنه أي الحكم يكون صفة لفعل العبد فتقول هذا الفعل حلال وهذا فعل حلال أو حرام والعبد حادث ففعله أولى أن يكون حادثا فصفة فعله أولى بأن تكون حادثة والثالث أنه أي الحكم يكون معللا به أي بالحادث كقولنا حلت بالنكاح فالنكاح علة في الحل وحرمت بالطلاق فالطلاق علة في التحريم وأيضا فموجبية الدلوك ومانعية النجاسة وصحة البيع وفساده خارجة عنها هذا سؤال ثان وهو أن الحد غير جامع والحد يجب أن يكون جامعا لجميع أفراد المحدود مانعا من دخول غيره فيه فمتى خرج منه شيء أو دخل فيه غيره فيفسد والمراد بالدلوك زوال الشمس هذا هو الصحيح وقيل غروبها وكل منهما موجب لصلاة وغيره ذكر مع ذلك شرطية الطهارة والمراد أن هذه الخمسة أحكام شرعية غير الخمسة الأولى التي تضمنها الحد وأيضا فيه الترديد وهو ينافي التحديد هذا سؤال ثالث على قوله بالاقتضاء أو التخيير أو للترديد والترديد ينافي التحديد لأن المقصود بالتحديد الإيضاح والبيان والمقصود بالترديد الشك والإبهام واعلم أن مدلول أو إما شك كقولك جاء زيد أو عمرو وإما إبهام كقوله تعالى وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين وإما تبيين قسمة كقولك العدد زوج أو فرد وإما إباحة كجالس الحسن أو ابن سيرين وإما تخيير كخذ درهما أو دينارا فالشك والإبهام منافيان للبيان بلا إشكال والتقسيم ليس فيه بيان المقسم والحد إنما يؤتى فيه بما يفيد البيان أو التخيير والإباحة لا محل لهما هنا وفيهما الترديد فلا يدخلان في الحدود قلنا الحادث التعلق هذا جواب عن الوجه الأول من تقرير المقدمة

(1/43)


--------------------------------------------------------------------------------

الثانية من السؤال الأول وهو أن الحكم يوصف بالحدوث فمنع ذلك وقال الحادث إنما هو التعلق فإذا قلنا حلت هذه المرأة بعد أن لم تكن حلالا فليس معناه أن إحلالها حدث وإنما معناه أنه تعلق بالعبد وهذا اختيار من المصنف أن التعلق حادث وهو المذكور في المحصول هنا وفي موضع آخر خلافه وهو المختار ولو كان التعلق حادثا لكان الخطاب المتعلق حادثا ضرورة أخذ التعلق قيدا فيه ويلزم على هذا أن يكون الحكم حادثا وهو قد فر منه وأن الكلام في الأزل لا يسمى حكما ومن ضرورته ألا يكون أمرا ولا نهيا ونحن لا نقول به ولا ينجى من هذا إلا أن يقال وصف الحكم في الأزل بالتعلق على سبيل الصلاحية ولكن هذا لا ضرورة إليه فالمختار أن الإحلال مثلا قديم وكذلك تعلقه وأن التعلق نسبة فهو يستدعي حصول متعلقه في العلم لا في الخارج وإنما الذي يحدث بعد ذلك الحل وهو غير الإحلال وإنما ينشأ عنه بشروط كلما وجدت وجد كما لو قلت أذنت لك أن تبيع عبدي هذا يوم الخميس فالإذن قبل الخميس موجود متعلق به وأثره يظهر يوم الخميس وعلى هذا يجب أن يحمل قولهم بحدوث التعلق فلا يكون بين الكلامين مخالفة في المعنى وكأن للتعلق طرفين من جهة المتكلم يتقدم ومن جهة المخاطب قد يتأخر والحكم متعلق بفعل العبد لا صفته كالقول المتعلق بالمعدومات هذا جواب عن قوله ويكون صفة لفعل العبد فأجاب بأن الحكم قول متعلق بالفعل لا صفة للفعل لأن معنى الإحلال قول الله رفعت الحرج عن فاعله وهذا القول صفة لله تعالى قائم بذاته متعلق بغيره لا صفة كالقول

(1/44)


--------------------------------------------------------------------------------

المتعلق بالمعدومات إذا أخبرت عنها مثلا فليس القول صفة لها وإلا لزم قيام الموجود بالمعدوم وأما كون للقديم متعلقا بالحادث فلا يمتنع والنكاح والطلاق ونحوهما معرفات له كالعالم للمصانع هذا جواب عن الدليل الثالث وهو قوله ومعللا به أي بالحادث كقولنا حلت بالنكاح وحرمت بالطلاق فأجاب بأن هذه العلل شرعية والعلل الشرعية معرفات لا مؤثرات وكأن الله تعالى قال إذا تزوج فلان بفلانة بشروط كيت وكيت فاعلموا أني حللتها له فإذا وجد النكاح بتلك الشروط عرفنا الإحلال الأزلي ويجوز أن يكون الحادث معرفا للقديم كما أن العالم يعرفنا وجود الباري سبحانه وتعالى ووحدانيته فليس علة له واسم الصانع اشتهر على ألسنة المتكلمين في هذا المثال ولم يرد في الأسماء وقرئ في الشواذ صنعه الله بالنون فمن اكتفى في الأسماء بورود الفعل يكتفي بمثل ذلك وما ذكره المصنف من الجواب يحسن إيراده على وجهين أحدهما على سبيل المنع ابتداء فيقال لا نسلم أن النكاح والطلاق ونحوهما علل وإنما هي معرفات والثاني على سبيل الاستفسار فيقال إن أردت بالعلل المعرفات فمسلم ولا يفيدك وإن أردت المؤثرات فممنوع والعلة تطلق بمعنى المعرف والداعي والمؤثر والمتكلمون ينكرون المؤثر بناء على أن الأفعال كلها من الله تعالى وهو تعالى فاعل بالاختيار لا مؤثر بالذات ولا وجود للعلة المؤثرة هذا مذهب أهل السنة والحكماء وكثير من المتكلمين غير أن أهل السنة تثبتها وإلا اختلف مدركهم وهذا تمام الأدلة الثلاثة التي قرر بها السؤال الأول


(1/45)


--------------------------------------------------------------------------------

والموجبية والمانعية أعلام الحكم لا هو وإن سلم فالمعنى بهما اقتضاء الفعل والترك وبالصحة إباحة الانتفاع وبالبطلان حرمته هذا جواب عن السؤال الثاني بأحد طريقين إما بأن تلك الأشياء التي ادعى خروجها عن الحد ليست أحكاما بل إعلاما بالحكم فلا معنى لكون الدلوك واجبا إلا أن الله تعالى أعلمنا به الوجوب ولا معنى لكون الوضوء شرطا إلا أن الله أعلمنا بعدمه بطلان الصلاة وإما بأن نسلم أنها حكم ونقول إنها ليست خارجة عن الحد بل راجعة إليه بتأويل وهو أن المعني بالموجبية اقتضاء الفعل وبالمانعية اقتضاء الترك ومعنى هذا أن موجبية الدلوك مثلا بمنزلة جعلت الدلوك معرفا لوجوب الصلاة والاقتضاء المذكور في الحد معناه وجبت الصلاة عند الدلوك وحاصل العبارتين سواء فبذلك يكون الحد جامعا وكلام المصنف ناطق بهاتين الطريقتين في الموجبية والمانعية وأما الصحة والبطلان فاقتصر فيهما على الجواب الثاني وهو رجوعهما إليه بتأويل وهو أن صحة البيع لا معنى لها إلا إباحة الانتفاع وفساده لا معنى له إلا حرمة الانتفاع وفيه نظر لأنا نعلل إباحة الانتفاع بالصحة وحرمته بالفساد والعلة غير المعلول ولأن بتمام الإيجاب والقبول تحصل الصحة ولا يباح الانتفاع حينئذ حتى يتم الخيار ويقبض ولم يذكر المصنف صحة العبادة وفسادها والسؤال وارد فيها أيضا وقد ذكر المصنف بعد هذا ما هو المعتمد في تفسير الصحة وهو أنها استتباع الغاية ومعناه أن العبادة أو العقد بحيث يترتب عليه أثره وهو الغاية المقصودة منه وغاية البيع مثلا إباحة الانتفاع فإن وقع البيع بحيث يكون كذلك كان صحيحا وإلا كان فاسدا وبهذا يصح تعليل إباحة الانتفاع بالصحة ويندفع توقف الإباحة على الخيار والقبض لأنه قد ينعقد السبب بحيث يترتب عليه مقصوده وإن توقف على شرط إذا وجد ذلك الشرط أضيف المشروط إلى السبب السابق إذا عرفت هذا فكون البيع بحيث يترتب عليه حل الانتفاع حكم ليس اقتضاء ولا تخيير فهو خارج عن

(1/46)


--------------------------------------------------------------------------------

الحد ورجوعه إليه بالطريق التي تقدمت في الدلوك وهو أن نقول الصحة نزلت منزلة قول الشارع جعلته مبيحا للانتفاع أي معرفا للإباحة والتخيير المذكور في الحد معناه إباحة الانتفاع عنده وحاصل العبارتين سواء
بقي هنا نظر آخر وهو كون البيع بحيث يترتب عليه حل الانتفاع هل هو معنى شرعي زائد على الإيجاب والقبول وسائر ما يعتبر معه أو هو تلك الأشياء فقط بغير زيادة أو مجموعهما يحصل به ذلك فإن كان الأول وهو المشهور عند الجمهور كان ذلك المعنى حكما شرعيا مفارقا لذات الدلوك مساويا لجعل الدلوك معرفا للوجوب فلذلك تعللت بطلب الطريق للثاني إذ لا يمكن إنكار كون ذلك شرعيا وإن كان الثاني وهو مقتضى كلام بعضهم ساوى الدلوك من كل وجه أمكن أن يقال حينئذ إن معنى الصحة الإعلام بإباحة الانتفاع عند اجتماع تلك الأمور وليست حكما بل إعلاما بالحكم وكذلك إن جعلنا الصحة وقوع البيع أو العبادة على وفق الوجه المشروع وقلنا إن هذا معنى عقلي لا شرعي فيأتي الطريقان أيضا في الجواب والترديد في أقسام المحدود لا في الحد هذا جواب عن السؤال الثالث وبيانه أن الترديد المنافي للتحديد هو الترديد في الحد وهنا ليس كذلك لأن الترديد إنما يكون في الحد لو كانت أو داخلة بين الجنس والفصل أو بين الفصول وههنا إنما وقعت بين أقسام الفصل الآخر وذلك أنه لما كان الخطاب المتعلق بأفعال المكلفين يشمل الاقتضاء والتخيير وغيرهما أتى بالفصل الآخر ليخرج غيرهما ويصير الفصل أحدهما من غير تعيين أعم من كونه اقتضاء أو تخييرا فهذا القدر المطلق هو الفصل ولا ترديد فيه ولكنه ينقسم إلى اقتضاء وتخيير فأتت أو بين قسميه فلا يحصل بها إخلال في الحد والفصل مساو للمحدود وكل ما كان أقساما لشيء كان أقساما لمساويه فلذلك قال المصنف إنها في أقسام المحدود ولم يكن الحد بدون أحدهما مانعا فلذلك لا بد من الفصل بأحدهما مطلقا و أو داخلة بين المعنيين وكل منهما معينا أخص من أحدهما مطلقا

(1/47)


--------------------------------------------------------------------------------

ولو وجد عبارة تشملهما أو تخرج غيرهما استراح من هذا السؤال وجوابه وقد خطر لي أن يكون الإنشاء فإنه يخرج الخبر ويشمل الاقتضاء والتخيير فيقال هذا الحكم الشرعي هو خطاب الله المتعلق بأفعال المكلفين على وجه الإنشاء
ويندرج فيه خطاب الوضع وكون الشيء سببا وشرطا ومانعا والحكم بالصحة والفساد سواء قلنا إن ذلك يرجع بتأويل إلى الاقتضاء والتخيير أم لا ويندرج فيه مثل قوله تعالى زوجناكما فتزويج الله لنبيه زينب حكم شرعي
الفصل الثاني في تقسيماته الأول الخطاب إن اقتضى الوجود ومنع النقيض فوجوب وإن لم يمنع فندب وإن اقتضى الترك ومنع النقيض فحرمة وإلا فكراهة وإن خير فإباحة لما فرغ من تعريف الحكم الشرعي شرع في تقسيمه وحذف قوله وهو من وجوه لدلالة الكلام عليه والألف واللام في الخطاب للمعهود السابق في حد الحكم وهذا التقسيم بحسب ذات الحكم والاقتضاء هو الطلب وقابل المصنف الوجود بالترك ولو جعل موضع الوجود الفعل أو موضع الترك العدم لكان أحسن من حيث اللفظ وأما المعنى ففيه تسمح على التقديرين لأن الترك فعل وجودي فلا يكون تقسيما لا للفعل ولا للوجود ولذلك قال غيره المطلوب إما فعل غير كف وإما كف وهذا بحسب حقيقة الفعل عقلا وأهل العرف يقابلون بين الفعل والترك المطلقين والأولى اعتماده في هذا التقسيم وعدم التقييد بكونه كفا وغير كف وقوله فوجوب صوابه فإيجاب فإنه الحكم والوجوب أثره تقول أوجبه الله إيجابا فوجب وجوبا وكذلك قوله حرمه صوابه تحريم ووجه الحصر بين ويرسم الواجب بأنه الذي يذم شرعا تاركه قصدا مطلقا لما ذكر الإيجاب والندب والتحريم والكراهة والإباحة في التقسيم المذكور بأن به ماهية كل واحد منها فالإيجاب طلب الفعل المانع من النقيض

(1/48)


--------------------------------------------------------------------------------

والتحريم طلب الترك المانع من النقيض والإباحة هي التخيير بين الفعل والترك ولك أن تجعل مكان المانع من النقيض الجازم في جميع المواضع فهما مترادفان والأفعال التي هي متعلق هذه الأحكام هي الواجب والمندوب والحرام والمكروه والمباح تظهر ماهيتها بذلك أيضا فيقال الواجب المطلوب الفعل طلبا جازما والمندوب المطلوب الفعل طلبا غير جازم والحرام المطلوب الترك طلبا جازما والمكروه المطلوب الترك طلبا غير جازم والمباح المخير فيه ولكنه ذكر لها رسوما أخرى تظهر بها حقائقها وبدأ بالواجب وترك ذكر الجنس وهو الفعل لدلالة الكلام عليه واكتفى بذكر الخواص فقوله الذي صفة لمحذوف أي الفعل الذي فالفعل جنس يشمل الخمسة والذي يذم تاركه أخرج المندوب والحرام والمكروه والمباح وعادة الأصوليين يقولون الذي يذم يخرج المندوب والمكروه والمباح وتاركه يخرج الحرام وكان الباجي يشرحه كذلك وأنا لا أختار هذا لأن الذي يذم وحده لا يصلح أن يكون فصلا ألا ترى أنك لو قلت الفعل الذي يذم لم بكن جنسا للمحدود ولا مفيدا للمقصود وقوله شرعا احترازا عن مذهب المعتزلة فإن عندهم الذم بالعقل فأشار بهذا إلى قاعدة الأشاعرة وهي أن الأحكام لا تثبت إلا بالشرع وقدم شرعا على تاركه حتى يتبين أن انتصابه عن يذم وقوله قصدا متعلق تاركه وهو قيد ليس في المحصول ولا في الحاصل وأراد به إدخال الواجب إذا ترك سهوا فإنه لا يذم ولا يخرجه ذلك عن الواجب ولو لم يقل ذلك لكان الرسم مطردا وغير منعكس لأن ما لا يذم تاركه قد يكون واجبا بأن يتركه سهوا وإطلاق تاركه مع ما فيه من العموم المستفاد من الإضافة يقتضي أن ما لا يذم كل تارك له ليس بواجب فقيد التارك بالقصد وكل قيد في الفصل يكثر به المحدود بخلاف زيادة الفصول فإنه ينقص بها الحدود وصار الرسم بهذا القيد مطردا منعكسا أما اطراده فلأن كل ما يذم تاركه قصدا ليس بواجب فإن قلت الساهي غير مكلف فليس الفعل في حقه واجبا فلا يوصف بترك

(1/49)


--------------------------------------------------------------------------------

الواجب قلت إما أن يكون بني هذا على رأى الفقهاء فإنهم يقولون الصلاة واجبة على الساهي والنائم ولذلك يجب القضاء عليهما وإما أن يفرض
فيهن سهى عن الصلاة بعد دخول وقتها ووجوبها عليه واستمر سهوه حتى خرج الوقت فالوجوب قد تحقق وتحقق الترك ولا معصية بسبب السهو كمن مات في أثناء الوقت لا يعصى على الصحيح فطريان السهو في أثناء الوقت كطريان الموت وكذا إذا طرأ النوم عن غلبة وإنما قيدت بقولي عن غلبة لأنه إذا قصد النوم حيث يحتمل عنده أن يستيقظ قبل خروج الوقت وألا يستيقظ والاحتمالان على السواء فإنه إذا نام يكون قد عرضها للفوات فيظهر عصيانه وهذا قلته تفقها ثم وجدته في فتاوى أبي عمرو بن الصلاح واستدل بما جاء في الحديث في العشاء أنه نهى عن النوم قبلها وإن غلب على ظنه أو يستيقظ قبل خروج الوقت فالذي يظهر جواز النوم ولا يعصى إذا استغرق به النوم على ندور حتى خرج الوقت ويحمل الحديث على ما سوى هذه الصورة أو على أنه نهى تنزيه وإن ظن أنه لا يستيقظ حرم بلا إشكال مهما نام بعد الوقت أما إذا نام قبله فلا لأن التكليف لم يتعلق به ودع من يعلم من عادته أنه لا يستيقظ إلا بعد الوقت لقول النبي صلى الله عليه وسلم إذا استيقظت فصل فإن قلت هل هذا القيد الذي زاده المصنف لا بد منه حتى يكون الحد بدونه فاسدا قلت ينبني على شيء وهو أن عدم الفعل أعم من تركه فمن مات ونام غلبه أو أقبل الوقت حتى خرج يقال في حقه لم يصل ولا يقال ترك الصلاة ومن اشتغل بضدها وهو ذاكر لها فقد تركها قصدا ومن نام عن اختيار في أثناء الوقت مع علمه من عادته ألا يستيقظ داخل في ذلك وأما الساهي وهو الذي اشتغل بضدها قاصدا لذلك الضد ولم يخطر بباله الصلاة فيقال إنه لم يصل وهل يقال

(1/50)


--------------------------------------------------------------------------------

إنه تارك الصلاة لأجل تلبسه بضدها مختارا له أولا لا يقال ذلك لعدم قصده لها فأشبه من لا ينسب إليه فعل هذا محل نظر فإن أطلقنا عليه اسم التارك فلا بد من القيد المذكور وإلا فلا حاجة إليه وهو الأولى لأن قولنا الواجب ما يذم على تركه معناه على تركه حين كونه واجبا والناس حين نسيانه لم يكن الفعل واجبا عليه فتركه الذي لم يذم عليه والوجوب لم يجتمعا في زمن واحد ولذلك أن القاضي أبو بكر وغيره من الأئمة لم يذكروا هذا القيد وقوله مطلقا متعلق أيضا بتاركه وهو قيد في الفصل زائد في المحدود كما أشرنا إليه من قبل وأن مقتضاه الإدخال لا الإخراج وقصد به إدخال الواجب الموسع والمخير وفرض الكفاية فإن كلا منها قد يتركه قصدا تركا مقيدا فلا يذم كما إذا ترك الموسع في أول الوقت وفعله في آخره وترك خصلة من خصال المخير وفعل الأخرى وترك فرض الكفاية وقام به غيره لا يأثم في الصور الثلاث وإنما يأثم في الموسع إذا ترك هو لا غيره فإنه يصح حينئذ إطلاق الترك عليه والنوع الرابع من أنواع الواجبات وهو الواجب المضيق إطلاق الترك صادق عليه حيث ترك فلا قيد فشمل كلامه الواجبات الأربعة وهذا القيد وهو قوله مطلقا قاله صاحب الحاصل وحذف قول الأصحاب على بعض الوجوه لأن به يستغنى عنه وهم يجعلون على بعض الوجوه متعلقا بذم وفائدة هذا الرسم أنه إذا لم يرد من الشارع طلب لفعل ولكن ورد ذمه أو ذم فاعله لأجله استدللنا بذلك على وجوبه والذم معروف لغة وعرفا فلا حاجة إلى تفسيره والمعتزلة فسروه بأنه قول أو فعل أو ترك قول أو ترك فعل ينبني على إيضاح حال الفاعل ولأصحابنا معهم مشاححات متكلفة وأورد في المحصول أنه يدخل في هذا التحديد السنة فإن الفقهاء قالوا إن أهل محلة إذا اتفقوا على ترك سنة الفجر بالإصرار فإنهم يحاربون بالسلاح وهذا الذي قاله في سنة الفجر لم أر من الفقهاء ولا من غيرهم من قاله غيره وإنما قالوه في الأذان والجماعة ونحوهما من الشعائر

(1/51)


--------------------------------------------------------------------------------

الظاهرة ومع ذلك الصحيح عندهم إذا قلنا بسنتيها إنهم لا يقاتلون
على تركها خلافا لأبي إسحاق المروزي ويجاب على هذا القول بأن المقاتلة على ما يدل عليه ذلك من الاستهانة بالدين المحرمة لا على ترك السنة ويرادفه الفرض وقالت الحنيفة الفرض ما ثبت بقطعي والواجب بظني قال أبو زيد الدبوسي من الحنفية الفرض والتقدير والوجوب السقوط فخصصنا اسم الفرض بما عرف وجوبه بدليل قاطع لأنه الذي يعلم من حاله أن الله قدره علينا والذي عرف وجوبه بدليل ظني نسميه بالواجب لأنه ساقط علينا ولا نسميه بالفرض لأنا لا نعلم أن الله قدره قلنا الفرض المقدر أعم من كونه علما أو ظنا والواجب هو الساقط أعم من كونه علما أو ظنا فتخصيص كل من اللفظين بأحد القسمين تحكم ولو قالوا إن هذا مجرد اصطلاح لم نشاححهم والنزاع في موافقته للأوضاع اللغوية ثم زادوا وادعوا أن الفرض والواجب مختلفان بالحقيقية وقصدهم من هذا أن الوتر واجب وليس بفرض وقراءة الفاتحة في الصلاة واجبة بالحديث وأصل القراءة فرض بقوله تعالى فاقرأوا ما تيسر منه ولو سلم لهم الاختلاف في الطريق لم

(1/52)


--------------------------------------------------------------------------------

يلزم منه الاختلاف في الحقيقة ثم لم يستمروا على ذلك وجعلوا القعدة في الصلاة فرضا ومسح ربع الرأس فرضا ولم يثبتا بقاطع وقد جاء في الحديث فريضة الصدقة يعني النصب والمقادير ويلزم الحنفية ألا يكون شيء من ذلك فرضا وألزمهم القاضي ألا يكون شيء مما ثبت وجوبه بالسنة كنية الصلاة ودية الأصابع والعاقلة فرضا وأن يكون الاشهاد عند السامع ونحوه من المندوبات الثابتة بالقرآن فرضا لما ادعوا أن الفرض ما ثبت بالقرآن والواجب ما ثبت بالسنة والمندوب ما يحمد فاعله ولا يذم تاركه لك أن تجعل ما بمعنى الذي كما قال في الواجب وأن تجعلها نكرة أي فعل وهو جنس للخمسة ويحمد فاعله خرج به المباح والحرام والمكروه ولا يذم تاركه خرج به الواجب والعموم المستفاد من النفي في قوله ولا يذم تاركه أغنى عن التقييد بقوله قصدا مطلقا وفي بعض النسخ يمدح مكان يحمد وقد تقدم الكلام في الخطبة على الحمد والمدح ولا بد من قوله شرعا وكأنه لما ذكرها في حد الواجب اكتفى به عن ذكرها في الأربعة مع إرادتها وظن شيخنا الجزري أن الناسخ أسقطها فلحقها بالأصل
ويسمى سنة ونافلة من أسمائه أيضا أنه مرغب فيه وتطوع ومستحب والترادف في هذه الأسماء عند أكثر الشافعية وجمهور الأصوليين وقال القاضي حسين من الشافعية السنة ما واظب عليه النبي صلى الله عليه وسلم والمستحب ما فعله مرة أو مرتين والتطوع ما ينشئه الإنسان باختياره ولم يردد فيه نقل وقالت المالكية السنة ما واظب النبي صلى الله عليه وسلم على فعله مظهرا له والنافلة عندهم وله رتبة من الفضيلة التي هي أنزل رتبة من السنة وللحنفية اصطلاح آخر في الفرق بين السنة والمستحب والصحيح ما قدمناه أولا لقوله صلى الله عليه وسلم من سن سنة ولقوله ولكن أنسى لأسن فانظر

(1/53)


--------------------------------------------------------------------------------

كيف جعل السنة بما يحصل نسيانا وهو أندر شيء يكون وأما المندوب فلا شك في عمومه لجميع ما ذكر والأصل المندوب إليه ولكنه حذف إليه وتوسع فيه فقبل المندوب وفي السنة اصطلاح وهو ما علم وجوبه أو ندبيته بيته بأمر النبي صلى الله عليه وسلم والحرام ما يذم شرعا فاعله فبقوله يذم فاعله خرجت الأربعة وكان ينبغي للمصنف على طريقته أن يقول قصدا لأن وطء الشبهة يصفه بعض الفقهاء بالتحريم ولا يذم عليه الصواب حذفها من الموضعين وأما قوله في الواجب مطلقا فلإدخال الواجب المخير والموسع وفرض الكفاية وليس ذلك في الحرام إلا أن الآمدي نقل خلافا في الحرام المخير فأصحابنا أثبتوه في نكاح الأختين والمعتزلة نفوه وكان الباجي يقول الحق نفيه لأن المحرم الجمع بينهما كما نطق به القرآن لا إحداهما ولا كل واحدة منهما بخلاف الواجب المخير فإن الواجب إما أحدهما وإما كل منهما على التخيير فلذلك الذي قال على بعض الوجوه في الواجب لم يذكرها في الحرام ولم يحتج المصنف إلى زيادة قيد آخر وأنا أقول في الأختين كذلك إن الحرام الجمع فقط وأثبت الحرام المخير كما أثبته القاضي أبو بكر وغيره من الأشعرية وأمثله بما إذا أعتق إحدى أمتيه فإنه يجوز له وطء إحداهما ويكون الوطء تعيينا للعتق في الأخرى وكذا إذا طلق إحدى امرأتيه وقلنا الوطء تعيين على أحد القولين ففي هذين المثالين الحرام واحدة لا بعينها

(1/54)


--------------------------------------------------------------------------------

وقسم القاضي الأفعال إلى متماثلة ومختلفة فالمتماثلة لا يتعلق الأمر باثنين مبهما ولا جمعا بلا تخيير كاللونين في مكان واحد لعدم غيرهما والمختلفان كاللون والكلام يصح الأمر والنهي عنهما جمعا وتخييرا والضدان يجوز النهي تخييرا والنهي عنهما جميعا ولا يصح الأمر بهما جميعا وصورة التحريم المخير صريحا يقول حرمت هذا أو هذا وكذا لو قال لا تفعل كذا أو لا تفعل كذا فإن قال لا تفعل أو تفعل كذا بإسقاط أو كذا أو قال لا تفعل كذا أو كذا احتمل النهي المخير والنهي عن كل منهما وهو في الثاني أظهر وعلى ذلك قوله ولا تطع منهم آثما أو كفورا وقريب من هذا في المأخذ وإن اختلفا في الصورة قولك ما ضربت زيدا أو عمرا محتمل فإن قلت ولا عمرا كان نصا في أنه لم يضرب واحدا منهما وعند عدمها لا نص ولا ظهور في ذلك والمكروه ما يمدح تاركه ولا يذم فاعله فبقوله يمدح خرج الواجب والمندوب والمباح وبقوله ولا يذم فاعله خرج الحرام وليس معنى المكروه أن الله لم يرد فعله وإنما معناه ما ذكرناه وليس هو حسنا ولا قبيحا وفي المكروه ثلاثة اصطلاحات أحدها الحرام فيقول الشافعي أكره كذا وكذا ويريد التحريم وهو غالب إطلاق المتقدمين تحرزا عن قول الله تعالى ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام فكرهوا لفظ التحريم الثاني ما نهى عنه نعي تنزيه وهو المقصود هنا الثالث ترك الأولى كترك صلاة الضحى لكثرة الفضل في فعلها والفرق بين هذا والذي قبله ورود النهي المقصود والضابط ما ورد فيه نهي مقصود يقال فيه مكروه وما لم يرد فيه نهي مقصود يقال ترك الأولى ولا يقال مكروه وقولنا مقصود احتراز من النهي التزاما فإن الأمر بالشيء ليس إلا نهيا عن ضده التزاما فالأولى مأمور به وتركه منهي عنه التزاما لا مقصودا

(1/55)


--------------------------------------------------------------------------------

والمباح ما لا يتعلق بفعله وتركه مدح ولا ذم لا بد من الإتيان بلا بين الفعل والترك وبين المدح والذم وبذلك تخرج الأحكام الأربعة فإن الواجب يتعلق بفعل مدح وبتركه ذم والحرام عكسه والمندوب يتعلق بفعله مدح ولا ذم في تركه والمكروه يتعلق بتركه مدح ولا ذم في فعله هذا تمام الرسوم وفيها زيادة على ما اقتضاه التقسيم من تعريف حقائقها وهي فائدة جليلة كما إذا رأينا فعلا لم يرد في الشرع في فعله مدح ولا ذم ولا في تركه أو ورد مدح أو ذم فيحكم بمقتضى ذلك وإن لم تأت صيغة طلب ولا تخيير وقد تقدم التنبيه على أنه لا بد من التقييد في الشرع في الكل وقد تعرض له الإمام في المندوب وصاحب الكتاب تعرض له في الواجب والحرام لأن الذم فيهما وكما أن الذم الذي ثبوته علامة الواجب والحرام هو الذم الشرعي وهو أخص من انتفاء الذم مطلقا فبدون هذا القيد يكون الرسم غير جامع لخروج المباحات التي انتفى الذم الشرعي فيها ووجد فيها ذم عقلي أو عرفي وأعني بالتقييد أن يكون كل من الوصفين المذكورين في طرفي الأحكام الثلاثة ثابتا بالشرع والتنبيه لذلك في قول المصنف المباح ما لا يتعلق بفعله وبتركه مدح ولا ذم إن أراد به عرف من الشرع انتفاء ذلك فصحيح وإن أراد أنه لم يوجد في الشرع مدح ولا ذم كذلك فلا يلزم كونه مباحا فقد يكون باقيا على حكم الأشياء قبل ورود الشرع ولذلك قال الإمام المباح ما علم فاعله أنه لا حرج في فعله ولا في تركه ولا نفع في الآخرة وقول الإمام هذا احتراز عن فعل البهيمة وغير المكلف فلا يكفي في الإباحة عدم الحكم بذلك بل الحكم بعدمه ويحتاج في المندوب والمكروه أن يأتي بقوله شرعا في طرفي الفعل والترك جميعا وتصحيح كلام المصنف أن يحمل على أنه أراد ذلك فإنه محتمل له على أني أقول إن ما لم يوجد في الشرع دليل على مدح ولا ذم في فعله ولا في تركه مباح بأدلة شرعية وإنما أورد عليه فعل غير المكلف كالساهي والنائم والبهائم وطريق الاعتذار عنه ما

(1/56)


--------------------------------------------------------------------------------

ذكرته أو يقال إنه إنما يتكلم في فعل المكلف
التقسيم الثاني للحكم باعتبار الحسن والقبيح الثاني ما نهى عنه شرعا فقبيح وإلا فحسن كالواجب والمندوب والمباح وفعل غير المكلف الحكم ينقسم بذاته إلى التحسين والتقبيح وتنقسم صفة الفعل الذي هو متعلقه إلى الحسن والقبيح ويتبع ذلك انقسام اسمه إلى حسن وقبيح فلذلك قسم الفعل إلى ما نهى عنه شرعا وهو القبيح وما لم ينه عنه شرعا وهو الحسن ومنه يعرف الحسن والقبيح والتحسين والتقبيح وإطلاق الحسن على الواجب والمندوب لا شك فيه وعلى المباح فيه خلاف والأصح إطلاقه عليه للإذن فيه والجواز الثناء على فاعله وإن لم يؤمر بالثناء عليه وفعل الله تعالى حسن باتفاق من به يعتمد لوجوب الثناء عليه وفعل ما سواه من غير المكلف كالنائم والساهي والبهيمة فيه خلاف مرتب على الخلاف في المباح وأولى بالمنع وهو الذي اختاره إمام الحرمين ولا شك في عدم إطلاق القبح في المباح وفعل غير المكلف فإذا أخرجناهما عن قسم الحسن كانا واسطة بين الحسن والقبح وأما المكروه فقال إمام الحرمين إنه ليس بحسن ولا قبيح فإن القبيح ما يذم عليه وهو لا يذم عليه والحسن ما يسوغ الثناء عليه وهذا لا يسوغ الثناء عليه ولم أر أحدا يعتمد خالف إمام الحرمين فيما قال إلا ناسا أدركناهم قالوا إنه قبيح لأنه منهى عنه والنهي أعم من نهي تحريم وتنزيه وعبارة المصنف بإطلاقها

(1/57)


--------------------------------------------------------------------------------

تقتضي ذلك وليس أخذ الحكم المذكور من هذا الإطلاق بأولى من رد هذا الإطلاق بقول إمام الحرمين فإن قلت إدراج المصنف وغيره لفعل غير المكلف لا يتعلق به الحكم لأن الحكم هو المتعلق بأفعال المكلفين قلت الفعل الذي هو متعلق الحكم والفعل الحسن بينهما عموم وخصوص من وجه فقسمنا الأول إلى حسن وغيره والحسن من هذه القسمة لا يشمل فعل غير المكلف ثم قسمنا مسمى الحسن مطلقا إلى فعل المكلف وغيره مما ليس متعلقا بالحكم فخرج من التقسيمين أن الواجب والمندوب والمباح من قسم الحسن المحكوم فيه وأن فعل غير المكلف من قسم الحسن غير المحكوم فيه وهذا شأن العام من وجه حيث وقع وإنما يلزم أن يكون المقسم إلى المقسم إلى الشيء صادقا على ذلك الشيء مطلقا إذا كان التقسيم في الأعم والأخص مطلقا والمعتزلة قالوا ما ليس للقادر عليه العالم بحاله أن يفعله وما له أن يفعله وربما قالوا الواقع على صفة توجب الذم والمدح فالحسن بتفسيرهم الأخير أخص يعني أن المعتزلة قالوا إن القبيح ما ليس للقادر عليه للعالم بحاله أن يفعله والحسن ما للقادر عليه العالم بحاله أن يفعله هذا تفسيرهم الأول والإمام نقله عن أبي الحسين واعترض عليه بأن قولك ليس له أن تفعله تقال للعاجز عن الفعل للقادر عليه إذا منع منه وإذا كان شديد النفرة وإذا زجره الشرع عنه والأولان غير مرادين ولا الثالث لأن الفعل قد يكون حسنا مع النفرة الطبيعية عنه والرابع يصير القبيح مفسرا بالمنع الشرعي يعني وهو قولنا وأنتم لا تقولون به فصار الحد غير كاشف عن مرادكم وأصل هذا أن صفة الحسن والقبح عندهم بالعقل وعندنا بالشرع فلا بد لهم من بيانها وذكر الإمام تفسيرهم الأخير أيضا عن أبي الحسين واعترض عليه بأنه يجب تفسير الاستحقاق فقد

(1/58)


--------------------------------------------------------------------------------

يقال الأثر يستحق المؤثر أي يفتقر إليه لذاته والمالك يستحق الانتفاع بملكه أي يحسن منه والأول ظاهر الفساد والثاني يقتضي تفسير الاستحقاق بالحسن مع أنه فسر الحسن بالاستحقاق حيث قال الحسن هو الذي لا يستحق فاعله الذم فيلزم الدور فإن أراد معنى ثالثا فليبينه ثم نازعهم في تفسير الذم قال وهذه الإشكالات غير واردة على قولنا والمصنف أخذ معنى الحد الثاني دون لفظه ومراده أن القبيح هو الواقع على صفة توجب الذم والحسن هو الواقع على صفة توجب المدح وفي بعض نسخ المنهاج فالحسن بتفسيرهم أخص وفي بعضها فالحسن بتفسيرهم الأخير أخص وكلاهما صحيح فإن الحسن بتفسيرهم الأخير أخص منه بتفسيرهم الأول لدخول المباح في الأول دون الأخير والحسن بتفسيرهم أخص منه بتفسيرنا لدخول فعل غير المكلف في تفسيرنا دون تفسيرهم ولم يتعرض للقبيح ما حاله على التفسيرين ولا شك أنه بالتفسير الأخير لا يقع على غير الحرام وبتفسيرهم الأول هل يختص به فيستوي على التفسيرين أو يقع عليه وعلى المكروه فيكون بتفسيرهم الأخير أخص كالحسن فيه احتمال والأقرب الأول وقد نقل إمام الحرمين عن بعض المعتزلة أنه ارتكب إطلاق القبيح على فعل البهيمة وهذا يخالف التفسيرين ولعله يرتكب ذلك في الحسن

(1/59)


--------------------------------------------------------------------------------

التقسيم الثالث للحكم إلى السبب والمسبب الثالث قيل الحكم إما سبب وإما مسبب كجعل الزنا سببا لإيجاب الجلد على الزاني فإن أريد بالسببية الإعلام فحق وتسميتها حكما بحث لفظي وإن أريد التأثير فباطل لأن الحادث لا يؤثر في القديم ولأنه مبني على أن للفعل توجب الحسن والقبح وهو باطل هذا تقسيم آخر للحكم باعتبار أنه كما يكون بالاقتضاء أو التخيير يكون بالوضع كجعل الزنا سببا وقد تقدم الكلام في هذا في تعريف الحكم وهذا التقسيم منسوب إلى الأشعرية وهو مطرد في كل حكم عرفت علته فلله فيه حكمان أحدهما الحكم بالسببية واختلف الناس في جواز القياس والثاني الحكم بالمسبب والقياس عليه جائز باتفاق القايسين واتفق الأشعرية على أنه ليس المراد من الأول كون السبب موجبا للحكم لذاته أو لصفة ذاتية بل المراد منه إما المعرف وعليه الأكثرون وإما الموجب لا لذاته أو لصفة ذاتية ولكن يجعل الشرع إياه موجبا وهو اختيار الغزالي والإمام وافق الأكثرين معنى وخالفهم لفظا وخالف العزالي معنى ولفظا وإلى موفقة الأكثرين في المعنى دون اللفظ أشار المصنف بقوله فإن أريد بالسببية الإعلام فحق وتسميتها حكما بحث لفظي وإلى مخالفة الغزالي لفظا ومعنى أشار ببقية كلامه فإن الإمام زيف كلام الغزالي من ثلاثة أوجه أحدها أن الزنا حادث والإيجاب قديم والحادث لا يؤثر في القديم

(1/60)


--------------------------------------------------------------------------------

الثاني أن الزنا قبل الجعل لم يكن مؤثرا فإن بقي بعد الجعل كما كان وجب ألا يصير مؤثرا وإن لم يبق كان إعداما لتلك الحقيقة والشيء بعد عدمه لا يكون مؤثرا الثالث أنه لو جعل الزنا علة فالصادر بعد الجعل إما الحكم فالمؤثر في الحكم هو الشارع فلم يكن الزنا مؤثرا وإما شيء يوجب الحكم فيكون المؤثر في الحكم وصفا حقيقيا وهو قول المعتزلة في الحسن والقبح وهو باطل وإن لم يكن الحكم ولا ما يوجبه فهو محال لأن الشرع لما أثر في شيء غير الحكم وغير مستلزم للحكم لم يكن لذلك الشيء تعلق بالحكم أصلا والمصنف اقتصر على الأول وأخذ أقسام الثالث لأنها صفوة الكلام قال سراج الدين ولقائل أن يقول على الأول لعلهم أرادوا جعل الزنا سببا لتعلق الحكم به وعلى الثاني أنه يجوز بقاء الحقيقة مع طريان صفة المؤثرية به وعلى الثالث أن الصادر من الشارع وهي غيرهما ولهما تعلق بالحكم ولك أن تقول على الأول إن التعلق قديم فالسؤال بحاله وعلى الثاني إن المؤثرية نسبة والمؤثر لا بد أن يشتمل على صفة حقيقية لأجلها يصدر الأثر عنه والمؤثرية بدون ذلك محال وعلى الثالث أن المؤثرية بدون صفة حقيقية محال لما سبق ومعها يوافق قول المعتزلة وكلام الإمام يرشد إلى هذا فإنه قال إن كان الصادر ما يوجب الحكم كان المؤثر في الحكم وصفا حقيقيا فدخل في قوله ما يوجب الحكم المؤثر والمؤثرية ولذلك لم يقل كان وصفا حقيقيا بل قال كان المؤثر في الحكم فأخذ الإمام على التقديرين وقال إنه هل يعقل تأثير من غير أن يكون المؤثر مؤثرا بذاته أو بصفة قائمة أو لا يعقل ذلك وعلى هذا ينبني كون العبد موجدا لفعل نفسه باقدار الله تعالى له وخلقه له ما يقتضي تأثيره في الفعل من غير أن يكون العبد مؤثرا بذاته وبصفة ذاتية فأصحابنا ينكرون ذلك ويقولون

(1/61)


--------------------------------------------------------------------------------

الصادر عنه فعل الله والمعتزلة لا يتحاشون من القول بتأثيره بذاته أو بصفة وشذوذ منا توسطوا فقالوا بمثل ما قالوا به هنا في الحكم بالسببية ويلزمهم ما لزم هذا ما يتعلق بكلام الإمام وأما المصنف وقوله أنه ينبني على أن للفعل جهات توجب الحسن والقبح فيحتاج إلى مقدمة وهي أن المعتزلة مع إجماعهم على القول بالحسن والقبح العقليين افترقوا فطائفة منهم قالوا إن الفعل لذاته يكون حسنا أو قبيحا من غير صفة وطائفة قالوا بصفة وطائفة قالوا بوجوه واعتبارات وهو الذي أشار إليه المصنف ويلزم من بطلان قولهم في ذلك بطلان قولهم في الصفة وفي الذات من طريق الأولى فما سلكه أتم في الزام مذهب المعتزلة مما سلكه الإمام في الصفة لأنه قد لا يوافق قائل هذه المقالة المعتزلة في الذات والصفة الحقيقية ويوافقهم في الوجوه والاعتبارات فإذا بين بطلان قولهم فيه بطل قوله والمراد بالوجوه أن الوطء مثلا له جهة نكاح وجهة زنا فيحسن بالأولى ويقبح بالثانية

(1/62)


--------------------------------------------------------------------------------

التقسيم الرابع للحكم باعتبار الصحة والفساد الرابع الصحة استتباع الغاية وبإزائها البطلان والفساد وغاية العبادة موافقة الأمر عند المكلمين وسقوط القضاء عند الفقهاء فصلاة من ظن أنه متطهر صحيحة على الأول لا الثاني تفسير الصحة باستتباع الغاية جيد من جهة كونه شاملا للعبادات والمعاملات إلا أن الأولى في تحرير العبارة أن يقال كون ذلك الشيء يستتبع غايته فإن استتباع الغاية يقتضي حصول التبعية وقد يتوقف ذلك على شرط كالعقد في زمن الخيار وكونه يستتبع الغاية صحيح وإن توقفت التبعية على شرط لأن معناه أنه بهذه الحيثية وتفسير المتكلمين جيد لأن الصحة في اللغة مقابلة للمرض وعلى هذا النحو ينبغي أن يكون في الاصطلاح فما وافق الأمر لا خلل فيه فيسمى صحيحا وجب قضاؤه أم لم يجب وما لم يوافق الأمر فيه خلل فيسمى فاسدا والخلاف بين الفريقين في التسمية ولا خلاف في الحكم وهو وجوب القضاء على من صلى ظانا الطهارة فتبين حدثه إذا كانت الصلاة فريضة وتسمية الفقهاء إياها فاسدة ليس لاعتبارهم سقوط القضاء في حد الصحة كما ظنه الأصوليون بل لأن شرط الصلاة الطهارة في نفس الأمر والصلاة بدون شرطها فاسدة ولا مأمور بها بل هو ظن أنه متطهر فترتب عليه الحكم بمقتضى ظنه وأمره ظاهرا بها كأمر المجتهد المخطئ بما ظنه وغايته أنه سقط عنه الإثم وأما أنه أتى بالمأمور به فلا وقولهم إن المامور به صلاة على مقتضى ظنه فممنوع بل صلاة على شروطها في نفس الأمر ويسقط عنه الإثم بظنه وجودها وقد رأينا الفقهاء قيدوا فقالوا كل من صحت صلاته صحة مغنية عن القضاء جاز الاقتداء به وهذا التقييد يقتضي انقسام الصحة إلى ما

(1/63)


--------------------------------------------------------------------------------

يغني عن القضاء وما لا يغني وقالوا فيمن لم يجد ماء ولا ترابا إنه يصلي على حسب حاله ويقضي وحكى إمام الحرمين في هذه الصلاة هل توصف بالصحة أو الفساد وجهين وهو غريب والمشهور وصفها بالصحة وكيف نأمره بالإقدام على صلاة يحكم بفسادها هذا لا عهد به وليس بمثابة الإمساك تشبها بالصائمين والفرق بين هذه الصلاة وصلاة من ظن الطهارة أن هذا عالم بحاله والظان جاهل فالعالم أتى بجميع ما كلف به الآن وبقي شرط أسقط عنه لعجزه ووجب استدراكه بعد ذلك بالقضاء والظان لم يأت بما هو الآن فريضة فالصواب أن يكون حد الصحة عند الفريقين موافقة الأمر غير أن الفقهاء يقولون ظان الطهارة مأمور بها مرفوع عنه الإثم بتركها والمتكلمون يقولون ليس مأمورا فلذلك يكون صلاته صحيحة عند المتكلمين لا الفقهاء ومن أمرناه بصلاة بلا طهارة ولا تيمم حيث يجب القضاء صحيحة على المذهبين وإن أوجب القضاء فليس كل صحيح يسقط واقتصر المصنف على غاية العبادة لذكر الخلاف ولم يذكر غاية العقود والمراد من كون العقد صحيحا عند المتكلمين على ما اقتضاه كلام القاضي أبي بكر وقوعه على وجه يوافق حكم الشرع من الإطلاق له وعند الفقهاء كونه بحبث يترتب أثره عليه وهو معنى إطلاقهم ترتب أثره والباطل هو الذي لا يترتب أثره عليه والبطلان والفساد لفظان مترادفان والإزاء والحذاء والمقابل ألفاظ مترادفة وجعل المصنف هذا تقسيما رابعا للحكم يقتضي أن الصحة والبطلان حكمان شرعيان ويكون الحكم تارة بالصحة وتارة بالبطلان وقد تقدم الكلام في رده إلى الاقتضاء والتخيير أو في كونه زائدا عليه وخالف ابن الحاجب الجمهور فقال إن الصحة والبطلان

(1/64)


--------------------------------------------------------------------------------

أو الحكم بهام أمر عقلي وقال في المنتهى القول بأن الحكم بالصحة والبطلان حكم شرعي بعيد وحجته أن الموافقة أمر عقلي وقد فسرنا الصحة بها وأورد عليه أن العقلي ما لا مدخل للشرع فيه وهذا للشرع فيه مدخل فتسميته شرعيا غير بعيد وفهم بعض من شرح كتابه أنه لا يطرد قوله في صحة العقود لأن ترتب الأثر شرعي ولا يبعد طرده لأن الصحة ليست ترتب الأثر بل كونه بحيث يترتب الأثر عليه ومعنى ذلك وقوعه على وجه مخصوص وذلك أمر عقلي لكن تسميته شرعيا باعتبار أن للشرع مدخلا كما قلنا في العبادات وأعلم أن الإمام وأتباعه ومنهم المصنف أنكروا كون الصحة حكما زائدا على الاقتضاء والتخيير وأنكروا الحكم بالسببية كما سبق في الموضعين فلم يبق للصحة معنى عندهم في العقود إلا إباحة الانتفاع وهو شرعي ومن يفسر الصحة بكونه مبيحا للانتفاع يلزمه أن يوافق الغزالي في الحكم بالسببية أو يقول إنها عقلية وحكم القاضي مثلا بصحة عقد إنما يصح إذا قصد المعنى الشرعي لأنه الذي يثبته القاضي بخلاف الأمر العقلي وليس للقاضي أن يحكم إلا بما يصح أن يكون حكما من الشارع من اقتضاء أو تخيير أو خطاب وضع إن قلنا به وإذا جعلت الصحة عقلية لم يكن للقاضي الحكم بها بل بأثر الصحيح وأبو حنيفة ما لم يشرع بأصله ووصفه كبيع الملاقيح باطلا وما شرع بأصله دون وصفه كالزنا فاسدا عند الحنفية إن كان العوضان غير قابلين للبيع كبيع الملاقيح بالدم مثلا فهو باطل قطعا وكذا إن كان المبيع وحده كبيع الملاقيح بالدراهم على الصحيح عندهم وإن كانا قابلين للبيع ولكن جاء الخلل من أمر آخر كبيع درهم بدرهمين كل من العوضين قابل للبيع والخلل من الزيادة فهو فاسد قطعا وكذا إن كان الثمن فقط كبيع ثوب بدم على الصحيح عندهم والفاسد عندهم إذا اتصل بالقبض يفيد الملك الخبيث والباطل لا يفيد شيئا وعندنا الباطل والفاسد سواء في المعنى والحكم ولا يفيد شيء منهما الملك

(1/65)


--------------------------------------------------------------------------------

والملاقيح ما في بطون الأمهات وقد علمت المراد بأصله وهو كون المبيع يصح بيعه ووصفه هو الصحيح وأما فرق أصحابنا بين الباطل والفاسد في الكتابة فلا يضرنا في نصب الخلاف في البيع ومحل الرد عليهم في ذلك كتب الفقه وكتب الخلاف
تعريف الأجزاء والأجزاء هو الأداء الكافي التعبد به وقيل سقوط القضاء ورد بأن القضاء حينئذ لم يجب لعدم الموجب فكيف سقط فإنكم تعللون سقوط القضاء به والعلة غير المعلول لما كان الإجزاء معناه قريب من معنى الصحة ذكره معها ولم يفرده بتقسيم ولكن الصحة أعم فإنها تطلق على المعاملات ولا يطلق الإجزاء في المعاملات وقوله الأداء يجب حمله على الأداء اللغوي لأن الإجزاء كما يكون في الأداء يكون في القضاء والإعادة فلو قال الفعل كان أحسن والضمير في به يعود على الأداء وما أورده من أن القضاء إذا لم يجب لا يقال سقط صحيح وهو وارد من حد الصحة بسقوط القضاء أيضا وما أورده من تعليل سقوط القضاء بالإجزاء تبع فيه الحاصل وعبارة المحصول لأنا نعلل وجوب القضاء بأن الفعل الأول لم يكن مجزئا والعلة مغايرة للمعلول فظن بعض الناس أنه انقلب على الإمام وكان الباجي يقول إنها إحدى عقد المحصول ويحتج بحلها زاعما أنه لو ادعى تعليل سقوط القضاء بالإجزاء منعه الخصم وقال هذا عين النزاع فأخذ مقابلها وأثبت التغاير بينهما وهو خارج عن محل النزاع ثم ينقل التغاير إلى محل النزاع لثبوت تغاير المقابلين ومن ضرورة ذلك تغاير مقابليهما و وأيا ما كان فقد أورد عليه أن العلة قد تكون لشيء وقد تكون لحكمنا كما إذا قلت هذا إنسان وسئلت لم حكمت عليه بذلك فتقول لأنه حيوان ناطق فالمغايرة هنا بين العلة وحكمك لا بينها وبين المحكوم به وهذا الإجزاء عن لحكمنا بسقوط القضاء لا لسقوط القضاء نفسه وليس هذا بالقوى في المحصول إيراد ثالث وهو أنه لو أتى بالفعل عند اختلال بعض

(1/66)


--------------------------------------------------------------------------------

شرائطه ثم مات لم يكن الفعل مجزئا مع سقوط القضاء ولك أن تمنع سقوط القضاء هنا بل يبقى في ذمته إن كان مفرطا وقول المصنف لعدم الموجب يعني أن القضاء إنما يجب بأمر جديد بعد خروج الوقت إذا ترك ولم يوجد وإنما يوصف به وبعدمه ما يحتمل وجهين كالصلاة لا المعرفة ورد الوديعة الصلاة تقع تارة على وجه يكفي في سقوط التعبد بها وتارة على وجه لا يكفي فوصفت بالأجزاء وبعدمه لاحتمالها للوجهين المذكورين وأما المعرفة فلا يقال فيها مجزئة وغير مجزئة لأنه إن تعلق العلم بالله تعالى فهو المعرفة وإلا فلا معرفة بل الجهل وكذلك رد الوديعة والمغصوب إن حصل إلى المالك أو وكيله برئ وإلا فلا رد وقال الأصفهاني في شرح المحصول إنه لا يقال في العبادة المندوب إليها إنها مجزئة أو غير مجزئة وهذا الذي قاله بعيد وكلام الفقهاء يقتضي أن المندوب يوصف بالإجزاء كالفرض وقد ورد في الحديث أربع لا تجزئ في الأضاحي واستدل به من قال بوجوب الأضحية وأنكر عليه


(1/67)


--------------------------------------------------------------------------------

وفي حديث أبي بردة يجزئ عنك ضبطه ابن الأثير بالوجهين بضم الياء مع الهمزة وفتحها مع الياء يقال أجزأ بمعنى كفى وجزا بمعنى قضى ولا توصف المعاملات بالأجزاء وإنما يوصف به ما كان مأمورا به فالصحة أعم محلا منه لأنها تكون في المعاملات والعبادات ولا يوصف بها أيضا إلا ما يحتمل وجهين أن يقع صحيحا وفاسدا كالصلاة والعقود فإنها إن وقعت مستجمعة الأركان والشروط كانت صحيحة وإن وقعت على غير ذلك الوجه كانت فاسدة بخلاف المعرفة ليس لها إلا وجه واحد وهو إذا جعلنا اسم الصلاة موضوعا للصحيح والفساد ظاهر وأما إذا قلنا هو موضوع للصحيح فقط ولا يطلق على الفاسد إلا مجازا فإنه لا يكون لها إلا وجه واحد فكأنهم نظروا إلى المعنى الأعم الموجب للإطلاق المجازي وجعلوه مورد التقسيم إلى الصحيح وغيره ولا يرد هذا السؤال في الإجزاء لإنقسام الصحيح إلى مجزئ وغير مجزئ كصلاة المتيمم في الحضر ونحوه وعند أبي حنيفة كل صلاة وجب قضاؤها لا يجب أداؤها وكل صلاة يجب أداؤها لا يجب قضاؤها فيستوي عنده الصحة والإجزاء فيكون انقسام العبادة إليها بالإعتبار الآخر

(1/68)


--------------------------------------------------------------------------------

التقسيم الخامس للحكم إلى الأداء والإعادة والقضاء الخامس العبادة إن وقعت في وقتها المعين ولم تسبق بأداء مختل وإلا فإعادة وإن وقعت بعده ووجد فيه سبب وجوبها فقضاء وجب أداؤه كالظهر المتروكة قصدا أو لم يجب وأمكن كصوم المسافر والمريض أو امتنع عقلا كصلاة النائم أو شرعا كصوم الحائض هذا تقسيم آخر للعبادة التي هي متعلق الحكم ويصح جعله تقسيما للحكم من جهة أن الأمر قد يكون بالإعادة وقوله العبادة يشمل الفرض والنفل فكل منهما إذا كان مؤقتا يوصف بالثلاثة وزعم بعضهم أنه لم يوصف بشيء من الثلاثة إلا الواجب وزعم بعضهم أن القضاء لا يوصف به إلا الواجب وكل ذلك خطأ والصواب أن الواجب والمندوب كل منهما يوصف بالأداء والإعادة والقضاء وقوله إن وقعت لو قال إن أوقعت كان أحسن لأن الأداء والإعادة والقضاء أنواع للإيقاع لا للوقوع لكن لك أن تنتصر لتصحيح كلامه بأن العبادة فعل الفاعل ففعلها وإيقاعها وأداؤها ووقوعها سواء وقوله في وقتها المعين الأحسن عندي في تفسيره أنه الزمان المنصوص عليه لفعلها من جهة الشرع فإن المأمور به تارة يعين الأمر وقته كالصلوات الخمس وتوابعها وصيام رمضان وزكاة الفطر فإن جميع ذلك قصد فيه زمان معين وتارة يطلب الفعل من غير تعرض للزمان وإن كان الأمر يدل على الزمان بالالتزام ومن ضرورة الفعل وقوعه في زمان ولكنه ليس مقصودا للشارع ولا مأمورا به قصدا فالقسم الأول يسمى مؤقتا والقسم الثاني يسمى غير مؤقت وسواء قلنا في القسم الثاني إن الأمر يقتضي الفور والتراخي أو كان قد

(1/69)


--------------------------------------------------------------------------------

دل على ذلك قرينة كإنقاذ الغريق ونحو ذلك وإلا فإن المقصود من هذا كله إنما هو الفعل من غير تعرض إلى الزمان والقسم الأول قصد فيه الفعل والزمان إما لمصلحة اقتضت تعيين ذلك الزمان وإما تعبدا محضا والقسم الثاني ليس فيه إلا قصد الفعل فالقسم الثاني لا يوصف فعله بأداء ولا قضاء لأنهما فرعا الوقت ولا وقت له وينبغي أن يوصف بالإعادة إذا تقدم فعل مثله على ما سأبينه ومن هذا القسم الإيمان فإنه لا وقت له والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإن كان وقته وقت سببه ولكنه ليس وقتا معينا من حيث هو وإنما هو حضوره وكذا زكاة المال إذا حال الحول كل هذه واجبات فورية غير مؤقتة وكذا الواجبات على التراخي بلا حد وقد أطلق الفقهاء على الحج الأداء متى أوقع حجة الإسلام في عمره والقضاء في صورتين احداهما إذا قضي عنه بعد موته والثانية إذا حج العبد وأفسد حجه ثم عتق فحج عن حجة الإسلام ثم عن القضاء وعندي أن إطلاقهم الأداء والقضاء في ذلك بطريق المجاز فإن الحج من القسم الثاني الذي لم يقصد فيه غير الفعل وإن وسع فيه مدة العمر عندنا أو ضيق وجب فيه الفور عند غيرنا فإن ذلك لا يصير الوقت مقصودا فيه وأما إذا أفسد حجة الإسلام وأمرناه بقضائها فقد صرحوا أن ذلك ليس بقضاء يعنون بل هو أداء معاد وإذا عرفت هذا فلنتكلم في مقصودنا وهو القسم الأول مؤقت بوقت معين سواء كان مضيقا كصوم رمضان أو موسعا كالصلاة فإن فعل في وقته فهو أداء سواء فعله مرة أخرى قبل ذلك أم لا هذا هو الذي تختاره وهو مقتضى إطلاقات الفقهاء ومقتضى كلام الأصوليين القاضي أبي بكر في التقريب والإرشاد والغزالي في المستصفى والإمام في المحصول ولكن الإمام لما أطلق ذلك ثم قال إنه إن فعل ذلك ثانيا بعد ذلك سمي إعادة ظن صاحبا الحاصل والتحصيل أن هذا مخصص للإطلاق المتقدم فقيداه وتبعهما

Cant See Links


Cant See Links


التوقيع :


اللهم صل على سيدنا محمد عبدك ونبيك ورسولك
النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم تسليما عدد مااحاط به علمك
وخط به قلمك واحصاه كتابك
وارض اللهم عن سادتنا ابي بكر وعمر وعثمان وعلي
وعن الصحابة أجمعين وعن التابعين وتابعيهم بإحسان الى يوم الدين





رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:42 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.4, Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir