آخر 10 مشاركات
الخبيصه الاماراتيه (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 1 - المشاهدات : 20786 - الوقت: 09:09 PM - التاريخ: 01-13-2024)           »          حلوى المغلي بدقيق الرز (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 0 - المشاهدات : 14613 - الوقت: 03:16 PM - التاريخ: 12-11-2023)           »          دروس اللغة التركية (الكاتـب : عمر نجاتي - مشاركات : 0 - المشاهدات : 20775 - الوقت: 11:25 AM - التاريخ: 08-21-2023)           »          فيتامين يساعد على التئام الجروح وطرق أخرى (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 0 - المشاهدات : 22203 - الوقت: 08:31 PM - التاريخ: 07-15-2023)           »          صناعة العود المعطر في المنزل (الكاتـب : أفاق الفكر - آخر مشاركة : OM_SULTAN - مشاركات : 4 - المشاهدات : 56265 - الوقت: 10:57 PM - التاريخ: 11-06-2022)           »          كحل الصراي وكحل الاثمد وزينت المرأة قديما من التراث (الكاتـب : Omna_Hawaa - آخر مشاركة : OM_SULTAN - مشاركات : 2 - المشاهدات : 51379 - الوقت: 10:46 PM - التاريخ: 11-06-2022)           »          كيفية استخدام البخور السائل(وطريقة البخور السائل) (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 2 - المشاهدات : 43271 - الوقت: 10:36 PM - التاريخ: 11-06-2022)           »          جددي بخورك (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 0 - المشاهدات : 25678 - الوقت: 10:25 PM - التاريخ: 11-06-2022)           »          عطور الإمارات صناعة تراثية (الكاتـب : OM_SULTAN - مشاركات : 0 - المشاهدات : 26058 - الوقت: 10:21 PM - التاريخ: 11-06-2022)           »          خلطات للعطور خاصة (الكاتـب : أفاق : الاداره - آخر مشاركة : OM_SULTAN - مشاركات : 1 - المشاهدات : 31954 - الوقت: 10:12 PM - التاريخ: 11-06-2022)

إضافة رد
 
أدوات الموضوع تقييم الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 07-01-2007, 01:40 AM   رقم المشاركة : 1
الكاتب

أفاق الفكر

مراقب

مراقب

أفاق الفكر غير متواجد حالياً


الملف الشخصي








أفاق الفكر غير متواجد حالياً


بريق اللغة في رواية وميض البرق

بريق اللغة في رواية وميض البرق



اللغة هي الكهرباء التي تهز مفاصل الكلام.. هي الروح التي تسري في جسد العبارة والجملة.. اللغة هي اللون الذي يطرز اللوحة الكلامية بألوان الطيف.. هي الاشعاع الداخلي هي الموسيقى التي تخاطب وجدان المتلقي عزف اللغة هو أجمل آلات العزف ايقاعاً فترقص له الروح والوجدان.
وهذا هو سر تباين فنون الكتابة.. فهناك لغة خشبية جامدة متحجرة، لغة ملحية تسيل على الورق بطعمها السبخ، وهناك لغة عسلية المذاق خمرية الانتشاء والنشوة.

اللغة هي الصوت الانثوي الذي يثير رغبة روحانية غير مدنسة.

ولغة الكُتَّاب والشعراء هي شبيهة بالألحان.. فألحان جرير الشعرية غير ألحان عمر بن ابي ربيعة. وألحان عمر أبو ريشة غير ألحان نزار قباني وألحان طه حسين النثرية غير الحان نجيب محفوظ والحان ياسين رفاعية غير الحان زكريا تامر مثلاً.

والشعرية في لغة ياسين هي شعرية عملية أي ليست شعرية نمطية سائدة فتضفي على الرواية جواً رومانسياً شاملاً بقدر ما هي لغة ذات موقف وذات دلالة وذات وظيفة فاللغة لديه تبلغ سموها في حالة التوتر أو الالفة أو الحنين أو العشق.. ولكن النص يعود إلى طبيعته العملية التلقائية وفقاً للحالة الوظيفية وهذا يعني ان اللغة بشكل عام في الرواية هي لغة عملية لغة ذات تقنية، انها داخل الرواية مثل الآلات الموسيقية داخل اللحن الشامل فكل آلة لها دورها ولها بعدها النغمي أي ان اللغة مرتبطة بالدال والمدلول حسب "مرادية" النص وليس حسب إرادة اللغة في ذاتها وبوضوح انها كمشهد موسيقي أو مقطع غنائي في فيلم. وهذا أيضاً لا يعني ان اللغة متنافرة بل هي متساوقة ومتسقة ولكنها تشبه النسيج في السجادة ذات الصور الملونة.. نسيج موحد ولغة ذات أطياف مختلفة.. وهذا دليل على ديناميكية اللغة وقدرة الكاتب على وحدة الايقاع مع اختلاف النغم ومن ثم فإنها لغة منضبطة لا تني ولا تفتر ولا تضعف.. لغة متجددة تتحرك بانفعال وتفاعل مع المشهد لذلك فهي تشدك وتغريك بالمتابعة ومطاردة النص مع عدم التعالي في الأداء. فهي ليست لغة استعراضية تجنح نحو الغموض أو التعقيد اللفظي أو المعنوي كما يفعل بعض الروائيين أو القصاصين من أجل البحث عن هالة من الهيبة المفتعلة حيث يستغلق النص أحياناً على استيعاب القارئ فَيُثَمن النص من خلال عجزه عن استيعابه، إذ يظن بعض القراء ان هذا دلالة على العمق وقدرة الكاتب على الذهاب إلى عوالم من الارتقاء لا يصل إليها ذهن المتلقي الا بصعوبة ومثل هذا الافتعال إنما هو في بعض الأحيان افتعال تحايلي لمحاولة استلاب القارئ أمام عظمة الكاتب. أما الأستاذ ياسين فهو منسجم مع نصه ومع قارئه كما هو منسجم مع ذاته لأنه يكتب بلغة واثقة.. لغة واضحة وطرية ولا يجد فيها القارئ تلك المنغصات أو تلك المماحكات التي تدعو إلى السأم والاختلال في عملية التلقي واستيعاب النص والكشف عن خباياه، واستجلاء المغيب داخله.

لنستمع إلى تتابع اللغة ولهاثها الحار في هذا المشهد:

"ظننت وأنا أحدق في السقف أنه يهبط عليّ، رويدا رويدا. ها هو يقترب مني ويطبق علي، ها هي الجدران تقترب ضاق المكان أصبح أكثر ضيقاً من يدفع هذه الجدران ..تهوي.. ألهث، ضاقت أنفاسي ..دقات قلبي تقرع في اذني كالطبل".

هذا نص متوتر توتراً بناءَ، يتداخل ويضيق وينهار على صاحبه في ايقاع زمني متراتب على ان الاحساس بالزمن أحياناً لدى الروائي ياسين ينداح في دائرة اللازمن بمعنى ان الزمن يكون داخلياً ويكون خارجياً وأحياناً يكون غير موجود أو هو موجود في اللاموجود يقول: "الزمن هذا الشيء الافتراضي للعين الذي نؤوله تأويلات مختلفة في الانتظار المحض.. تصبح الدقائق كالشهور والسنين تنظر إلى معصمك عشرات المرات وتتنبه وكأن عقارب الساعة لا تمشي.. كأنها توقفت لتنتقم منك، ليس الزمن الذي يتباطأ بل أنت.. أنت".

هنا يصبح الإنسان هو الزمن والزمن هو الإنسان في تعادليه ممتزجة بواقع نفسي تخيلي محرق جعل الإنسان والزمن يحترقان خارج الوجود والحدود.

يرسم لنا الفنان الروائي ياسين لوحة نموذجية للوحة نموذجية أخرى هي التقابل ما بين الجمال المتحرك الحي المتدفق النابض.. والجمال الإبداعي أي المزج بين خلقين.. خلق إبداعي إلهي جمالي نوراني وخلق ابداعي لفنان يرسم بطلة الرواية "الزوجة" التي حباها الخالق جمالاً أجمل من ان ترسمه ريشة الفنان ولكن الفنان المبهور باللوحة الحية يبلغ ذروة نقائه وشفافيته ليحاول نفث شيء من روحه المتسامية بالجمال ليصنع لوحة تبعث البطلة فيها النبض والتوهج والحرارة وطفرة الشباب.. ويتم إنجاز اللوحة النموذج، وتظل معلقة لا تهمد ولا تجمد ولا تظهر عليها علامات الاعياء وإنما هي تأخذ جدتها وتفتحها من زمن التفتح والألق متوشحة بروح الصبا الدافق.. وبعد ثلاثين عاماً يعود الفنان لرسم البطلة بعد ان اكتست بغبار السنين والأوجاع، والشحوب الغسقي، لجسد صار يذوي ويهرم وتنطفئ فيه قناديل الصبا قنديلاً قنديلا.. حتى يكاد يعتم، وتوضع الصورة مقابل الصورة ،ويوضع النص مقابل النص، وتوضع الحياة مقابل الموت وتوضع البداية مقابل النهاية.. وفي غمرة هذه الدراما الساكنة الحزينة يموت الفنان.. باعث الحياة في الطبيعة والأشياء وذلك بسبب الفن نفسه. فمواد الألوان السامة تتسرب إلى رئته فتتآكل الرئة ويتآكل الفنان ويندمج رماده في صحن ألوانه.. تماماً كالبطلة يضمحل جمالها في شحوب الوجع.


والموت عند الروائي يشكل معضلة داخلية، فكما ان الموت أزمة وجودية يعيشها كل الخلق إلاّ أنها حالة أرق وقلق ليس خوفاً من مواجهة الموت وإنما من حكاية الموت ذاتها.. الحكاية السرمدية والحكاية "الشخصية" حكاية الموت المعضلة الدائمة والهاجس الذي يستبطن العقل والروح.

ها هو الروائي يلتقي مع الموت وجهاً لوجه في طائرة تعطلت عجلاتها وسوف تزحف على المدرج وقد تنفجر وفي لحظات الفجيعة وشخوص الموت وظهوره على المسرح، وحين يموت من حوله من الركاب قبل نزول الموت، أبي هو الا ان يواجهه، إلاّ ان يصبح شاهداً على موت نفسه، ولكن رحمة الله هبطت مع هبوط الطائرة فكانت النجاة.


وهذا ما جعل هاجس موت الموت أكثر الحاحاً، ليتحول هذا الهاجس الوجداني الجاثم في تجاويف العقل والقلب إلى لون من ألوان الأمنيات ذات البعد الفلسفي، يقول: "كم هي فكرة رائعة ان يموت الموت فلا تعود ترى وجهه البغيض يموت مثلما أمات ملايين البشر.. حقاً متى يموت الموت"؟

لكنه يعود في استدراك فلسفي ان "الموت رحمة.. لولاه لتحول البشر إلى وحوش حقيقيين يفترس بعضهم بعضاً"، أي ان الموت في نظره هنا رحمة فلو لم يكن موجوداً فإن العدالة والتوازن الكوني يستدعيانه.. وهنا يصبح الموت كأنه جزء حتمي أو ضروري لبقاء الحياة واستمرارها، ذلك الاستمرار الغامض الذي يشبه الحلم إلى درجة ان المرء في بعض حالات التهادن معه يمكنه ان يدرأ الموت عنه فيمنع بكفه رصاصة يطلقها متوحش عليه. والحلم هنا هو الدرع الذي يحمي البقاء والوجود من الفناء "الموت". فالحلم يقول الروائي: "يعيد النفس إلى وحدتها لا بمعنى التوحد بل بمعنى الربط والتكامل والتماسك، أنت بحاجة دائمة إلى هذا النوع من الأحلام كي ترمم نفسك من جديد. في الحلم تنتابك مشاهد كثيرة.. تحلق كطائر وتسبح كسمكة. الحلم يشعرك بأنك لست شكلاً ثابتاً.. انك فيه تعبر الجسر إلى المعبر الكامن في روح الله". انتهى.

والمؤلف لا يؤمن هنا بوحدة الوجود أو الكمونية والحلولية بقدر ما يؤمن بأن الحلم يدخلك في بلورة الصفاء والبقاء في عالم الشفافية حتى مع الموت.

والحلول والتشبث بالمكان عند الروائي ياسين يخرج عن حدود الألفة والتعايش إلى درجة العشق والوله.. فالمكان لديه أقرب شيء إلى المخدع الذي يفوح برائحة المرأة، يقول: "أنا الشبابيك، أنا الستائر، أنا هذه الصور، أنا هذه اللوحات المعلقة.. كأن هناك من نومني تنويماً مغناطيسياً، وقال لي: كن البيت فصرت، أقول أنا البيت، أنا المسكون ولست الساكن، أريد أن أفتح الباب وأخرج، فأخشى أن يمشي البيت وينهار البناء" إلى هذه الدرجة من الهشاشة والتهشيم الوجداني يرتبط المؤلف بالمكان، وهو إنما يمثل ارتباطه بالحياة، بالأرض، بالجذور، أنه مربوط بالمكان كأمراس كتان امرئ القيس المشدودة في الجبل، والراوي لا يريد أن يشعرك بأنه خارج جاذبية المكان، وأنه يدور في أفلاك التيه والتخبط والحيرة، وضياع الدليل.. انه يريد أن يحل في المكان ويحل المكان فيه ديمومة الحلم الاسطوري الذي لا يمكن أن يتحقق في الواقع، وكل ما يمكن أن نحققه هو أن نتمناه لنظل معه في حالة من ديمومة التمني.

هذه هي فلسفة عشق المكان عند المؤلف في نظري..

ويتماهى السرد لدى الراوي ياسين في لعبة اللغة ولعبة الحياة مع ماهية الحياة ذاتها.. فبقدر ما في الحياة من متع، وفورة شباب، وتوقد فتوة، واستغراق في اللذة في لحظات الانتشاء بخمرة الصبابة، وطفرات الرغبة والجموح نحو تحقيق المزيد من مضمار الفتوة البكر، وامتداد هذه الفتوة الجموح إلى ما بعد الكهولة... نجد أن الحياة تغدو فاترة وربما منهكة تتحول تدريجياً إلى الاتجاه الآخر ابتداء من الدخول أو التنبه إلى بعض أضواء الحكمة، حيث يتحول السرد إلى نقل مسرود من راو آخر لم يتعلم الحكمة أو الفلسفة من أحد وإنما من الحياة، لأنه خلق فيلسوفاً بالفطرة، ذلك هو والد الراوي، حيث تستيقظ في ذاكرة الراوي "ياسين" تلك الحكايات والروايات المأثورة حول ماهية الحياة ذاتها، والدخول في أعماقها، وكشف جوهرها، وذلك استجابة لحالة الاستدعاء في داخل الراوي التي أوحت له بإحياء هذه الحكم المطمورة في أعماق الذاكرة، فهو لم يسرد حكاية بطولة والده، ولا فروسيته ولا صراعه في معترك الحياة، وإنما كان الاستدعاء والنبش والحفر هو عن ماهية الوجود في تلك القصص. وهنا يجنح بنا المؤلف لموقفه من الحياة ذاتها، حيث تظهر علامات السلبية تجاهها، ولا نقول اليأس منها، وذلك في حكاية موت الأرنب البري الأبيض وهو يحتضر في يد الصياد صديقه المزهو بصيدته بينما هو يقف موقفاً مغايراً، فالنشوة لدى الصياد هي الحزن واليأس عند الراوي بسبب عذابات ذلك الكائن البري الذي مات أخوه أو شبيهه بين يدي حفيدته، التي استنكرت الموت بفطرتها التلقائية، وراحت تسأل أسئلة مبعثرة بمنطقها المبعثر، وقد تحول الجد الحاني إلى شبه عدو لحفيدته، وتكبر المعضلة لديه فهو لم يتمكن من تفسير لعبة الفناء والموت منذ سقوط ذلك الطفل من بين يدي أمه إلى موت الأرنب بين يدي الطفلة، إلا تفسيراً غامضاً وغير جاد، وهو الانتصار على الموت، لكنه يأخذ حيزاً من الوعي بهذه الحالة فهو دائماً يحاول أن يكون مع الحياة لا مع الموت، مع الانتصار لا مع الهزيمة، إلى درجة تجعله يندمج مثلاً في لعبة كرة القدم، يتحيز للمهزوم حتى ينتصر، بل يخوض المعركة بنفسه مع المغلوب من أجل الانتصار، فيصاب ويحمل على المحفة حيناً، ويقف أحياناً يذود عن المرمى خشية الهزيمة، فإذا انتصر فريق على آخر، تخلى عن المنتصر حتى ينهزم وكأنه يريد أن يقف على الحياد، وهو في الواقع لا يريد الحياد وإنما يخشى من الموت.. موت المهزوم، يريد هذه التعادلية المستحيلة. ولكن اللغة هنا لا تحايد وإنما هي جياشة متوالية متواكبة مع الحالة النفسية للكاتب، تعلو، وتنخفض، تضطرب، وتهدأ، يسرع نبضاً ثم يعود إلى وضعه تماماً، كما هي حياة الإنسان في حالة ذعره وحالة أمانه..

ونجد المؤلف يخرج من حالة الإنسان المتحايل في مواجهة الحياة ليدرك أنه لن ينتصر في النهاية على الموت، لأنه فشل في انتصاره على كائن ضعيف وهو الذباب.

يدخلنا الراوي في مشهد مثير لصراعه مع ذبابة.. هذه الذبابة الضئيلة الصغيرة، الحقيرة، تؤذيه إيذاء منكراً، وتبعث به عبثاً منكراً. فمرة تلدغ كفه، ومرة تقف على أنفه، ومرة على طعامه، ومرة على رأس أصبعه، وهو يحاول طردها، يحاول هشها، يحاول قتلها، فيتعب ويتصبب عرقاً.. فتختفي. ويعتقد أنه قضى عليها وانتصر، وريثما يتنفس الصعداء تظهر بحقد وكراهية.. "اختفت فتنفست الصعداء ظننت للوهلة أنني قضيت عليها ولم تمض لحظات حتى ظهرت من جديد تكيد بي وهي تطير حول وجهي مقتربة من عيني، شعرت بقسوة الهزيمة، أنا الذي أتباهى بانتصاراتي هزمتني ذبابة.. شعرت كم أنا ضعيف وهزيل لا قيمة لي..."، نعم هذا هو الإنسان القوي بجبروته وينهزم أمام ذبابة.. "وقد ضعف الطالب والمطلوب".. لكن حالة الهزيمة أمام جبروت الإنسان تحول هذا الكائن الضعيف إلى حالة من حالات التورم، والكبر، والتضخم التخيلي الوهمي، إلى درجة أن الذبابة تصبح بحجم الحمار، وكأنها دجاجة الأعشى حينما ثمل بخمرته حين قال:

شَربتُ الراح بالقَلتءين حتى

حسبت دجاجة مرت حمارا

لكن الراوي هنا ليس ثملاً بالخمرة وإنما بوهمه وبضعفه الوجودي.. ضعفه أمام سكرات الموت، هادم اللذات الذي اختطف أخاه الجميل الذكي، الشاعري الألفاظ والملامح.. الموت الذي دفن أباه، النموذج الصلب الذي لم يكن ينحني لشيء إلا أمام حانيات الدهر التي أودت به، وألحقت به أمه التي كان يدفن همومه ومتاعبه في أحضانها، فإذا هو يهيل عليها التراب.. وزوجته التي عشقها روحاً وجسداً إلى درجة أنه كان يتخيلها وهي في الحياة بين يديه طائراً من طيور الجنة.. زوجته الآن تخطر بخفة ورشاقة نحو ما يخافه ونحو ما يحذره، يخف أن تطير ملاكه من بين كفيه كما طارت تلك الحمامة البيضاء في ذلك الفضاء السماوي العلوي الشفاف. ولكن حمامته "زوجته" تخرج من عشها أو من نعشها، "غرفة العمليات"، تخرج كدرة وهاجة من محارة بيضاء، تخرج وعليها ضوء الوهن، ذلك الضوء الشفيف، المشع، الرقراق، الذي يملأ الروح بالطمأنينة والخوف معاً.. الطمأنينة بالحياة والخوف من ذلك اللمعان سريع الرحيل.. كلمعان حبات المطر، وقطرات الطل، التي لا تلبث أن تتبخر ملحقة إلى السماء في البعيد.. البعيد.

يقول: "أردت أن ألمسها.. خفت أن ألمس فراغاً لكنها زوجتي بلحمها ودمها بابتسامتها العذبة.. ظللت أتراجع إلى الوراء.. حيرة هائلة اجتاحتني.. اقتربت مني بكل جمالها الآسر هامسة: ما بك..؟ ألم تشتق إليّ..؟ استندت إلى الجدار وأنا أتهاوى". وفعلاً تلاشت فيما بعد تلك القطرة البيضاء في سرعة تشبه وميض البرق.

بالمجمل فإن لغة الأستاذ ياسين لغة مومضة دفاقة، سارية في مفاصل النص.. في نص المكان.. وفي نص الزمان.. وفي النص الوصفي التخيلي.

في نص بهجة الحياة، ولحظات الاحتضار. في نص السفر والرحيل.. في نص العودة والإياب. إنها لغة مرتعدة مرتعشة متوهجة توهج ذلك البرق الذي سرى في ذهنية ذلك البدوي الذي غاب وما آب وإنما أجهده الحنين والأنين والذكريات التي اشعلت المكان والزمان.

سرى البرق من نجد فجدد تذكاري

عهوداً بحزوى والعذيب وذي قار

أيا جيرة بالمأزمين خيامكم

عليكم سلام الله من نازح الدار

وعليك سلام الله يا ياسين وعلى لغتك، وروحك، وسمائك الهاطلة بالإبداع والعطاء..

المصدر
Cant See Links


التوقيع :




لا اله الا الله رب السموات السبع ورب العرش العظيم








رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:23 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.4, Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir