عرض مشاركة واحدة
قديم 08-02-2012, 10:59 AM   رقم المشاركة : 4
الكاتب

أفاق الفكر

مراقب

مراقب

أفاق الفكر غير متواجد حالياً


الملف الشخصي








أفاق الفكر غير متواجد حالياً


رد: الأدب العربي في العصر الجاهلي

خصائص النثر الجاهلي:

هذا العرض السريع لفنون النثر الجاهلي، والأعلام الذين اشتهروا في كل فن، يمكن أن يخرج منه بجملة من خصائص النثر الجاهلي، الذي تناول - في مضمونه - قضايا تهم الفرد والجماعة معاً، في تلك المجتمعات القبلية التي تتحكم فيها عادات وأعراف موروثة، وتنشد أخلاقاً وشمائل وغايات لا تكاد تحيد عنها. فكان ذلك النثر، بفنونه كلها متمماً للشعر الجاهلي أيضاً في تصوير جوانب أخرى من الحياة العربية، تصويراً أقرب إلى الحقيقة والواقع، بما في تلك الحياة من مفارقات ومتناقضات. فبينما تلاحظ توجُّه القوم إلى نواح خلقية وتهذيبية، وميلهم إلى الخير والإصلاح في وصاياهم، وبعض خطبهم وحكمهم، إذ بك تؤنس منهم ارتداداً إلى الغضب والتهور، وإشادة بالأحساب والأنساب، وإشاعة للعصبيات والمفاخر القبلية، والمصالح الخاصة، في المنافرات وبعض الخطب والحكم الأخرى، ولو أدى ذلك إلى إشعال نار الحرب.

إن تصوير النثر الجاهلي لذلك كله هو تصوير أقرب إلى الحقيقة والواقع، لأن واضعي بعض تلك النصوص، أو صائغيها، قد حاولوا، بقوة ملاحظتهم ومزيد عنايتهم أن يجعلوها محاكية لأصولها الأولى، مستهدين في ذلك بقرائن مختلفة. ولهذا فإن تلك النصوص النثرية - مع ما اعترى معظمها من تغيير أو زيادة أو نقص - هي في روحها وبنائها مقاربة لأصولها الجاهلية، حتى يمكن أن يكون الحديث عن خصائص النثر الجاهلي مقارباً للحقيقة.
فهذا النثر، بفنونه المختلفة تغلب عليه العناية والتجويد، والبعد، ما أمكن، عن الهلهلة والضعف. فيأتي مرسلاً طبيعياً تارة، ومتكلفاً محلى بالسجع والتصوير البياني تارة أخرى، بحسب الفن النثري من جهة، وبحسب الحال والمقام من جهة ثانية، رغبة في تحقيق الإمتاع، أو التأثير والإقناع لدى السامع، والنفوذ إلى مكامن نفسه. ومعنى ذلك أنهم كانوا يتخيرون الكلام ويحرصون على القوة والجزالة، والتنغيم الموسيقي بين الجمل إذا احتاجوا إلى ذلك، كما في سجع الكهان والمنافرات.
ومن مراعاتهم للمقام، أن نصوصهم تترجح بين الطول والقصر، ولكل منها موضع يحسن فيه. فالخطبة نفسها قد تطول وقد تقصر، وكذلك الوصية، أما الحكم والأمثال وأسجاع الكهان فلا تخرج عن القصر والإيجاز.
ويغلب على ذلك النثر الوضوح والسهولة في ألفاظه وتراكيبه، إلا ما نجده في سجع الكهان من غرابة في الأداء، وغموض في التعبير، إمعاناً منهم في الإيهام والإبهام، وكذلك ما قد نجده من ألفاظ تبدو لنا اليوم غريبة، في طائفة من وصاياهم ومنافراتهم وبعض خطبهم، وما هي بغريبة عندهم.


منقول




رد مع اقتباس