عرض مشاركة واحدة
قديم 02-27-2010, 07:45 AM   رقم المشاركة : 2
الكاتب

OM_SULTAN

المشرف العام

OM_SULTAN غير متواجد حالياً


الملف الشخصي








OM_SULTAN غير متواجد حالياً


رد: متن الحكم العطائية ويليه المناجاة والمكاتبات





187- العِباراتُ قُوتٌ لعائِلَةِ المُسْتَمِعينَ، وَلَيْسَ لَكَ إلّا ما أنْتَ لَهُ آكِلٌ.
188- رُبَّما عَبَّرَ عَنِ المَقامِ مَنْ اسْتَشْرَفَ عَلَيْهِ، وَرُبَّما عَبَّرَ عَنْهُ مَنْ وَصَلَ إلَيْهِ، وَذلِكَ يَلْتَبِسُ إلّا عَلى صاحِبِ البَصيرَةِ.
189- لا يَنْبَغي لِلسّالِكِ أنْ يُعَبِّرَ عَنْ وارِداتِهِ؛ فإنَّ ذلِكَ يُقِلَّ عَمَلَها في قَلبِهِ وَيَمْنَعْهُ وُجودَ الصِّدْقِ مَعَ رَبِّهِ.

190- لا تَمُدَّنَ يَدَكَ إلى الأخْذِ مِنَ الخَلائِقِ، إلّا أنْ تَرى أنَّ المُعْطِيَ فِيهِمْ مَوْلاكَ. فإنْ كُنْتَ كَذلِكَ فَخُذْ ما وافَقَ العِلْمَ.

191- رُبَّما اسْتَحْيا العارِفُ أنْ يَرفَعَ حاجَتَهُ إلى مَوْلاهُ اكْتِفاءً بِمَشيئَتِهِ. فَكَيْفَ لا يَسْتَحْيي أنْ يَرْفَعَها إلى خَليقَتِهِ.

192- إذا التَبَسَ عَلَيْكَ أمْرانِ فانْظُرْ أثْقَلَهُما عَلى النَّفْسِ فَاتَّبِعْهُ، فَإنَّهُ لا يَثْقُلُ عَلَيْها إلّا ما كانَ حَقّاً.

193- مِنْ عَلاماتِ اتِّباعِِ الهَوى المُسارَعَةُ إلى نَوافِلِ الخَيْراتِ، وَالتَّكاسُلُ عَنِ القِيامِ بِالواجِباتِ.

194- قَيَّدَ الطّاعاتِ بِأعْيانِ الأوْقاتِ كَيْ لا يَمنَعَكَ عَنها وُجودُ التَّسْويفِ. وَوَسَّعَ عَلَيْكَ الوَقْتَ كَيْ تَبْقى لَكَ حِصَّةُ الاخْتِيارِ.

195- عَلِمَ قِلَّةَ نُهوضِ العِبادِ إلى مُعامَلَتِهِ، فَأوْجَبَ عَلَيْهِمْ وُجودَ طاعَتِهِ، فَساقَهُمْ إلَيْهِ بِسَلاسِلِ الإيْجابِ. "عَجِبَ رَبُّكَ مِنْ قَوْمٍ يُساقونَ إلى الجَنَّةِ بِالسَّلاسِلِ".

196- أوْجَبَ عَلَيْكَ وُجودَ خِدْمَتِهِ، وَما أوْجَبَ عَلَيْكَ إلا دُخولَ جَنَّتِهِ.

197- مَنْ اسْتَغْرَبَ أنْ يُنْقِذَهُ اللهُ مِنْ شَهْوَتِهِ، وَأنْ يُخْرِجَهُ مِنْ وُجودِ غَفْلَتِهِ. فَقَدِ اسْتَعْجَزَ القُدْرَةَ الإلهِيَّة، {وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا}.

198- رُبَّما وَرَدَتِ الظُّلَمُ عَلَيْكَ، لِيُعَرِّفَكَ قَدْرَ ما مَنَّ بِهِ عَلَيْكَ.

199- مَنْ لَمْ يَعْرِفْ قَدْرَ النِّعَمِ بِوجْدانِها عَرَفَها بِوُجودِ فُقْدانِها.

200- لا تُدْهِشْكَ وارِداتُ النِّعَمِ عَنِ القِيامِ بِحُقوقِ شُكْرِكَ. فإنَّ ذلِكَ مِمّا يَحُطُّ مِنْ وُجودِ قَدْرِكَ.

201- تَمَكُّنُ حَلاوَةِ الهَوى مِنَ القَلْبِ هُوَ الدّاءُ العُضالُ.

202- لا يُخْرِجُ الشَّهْوَةَ مِنَ القَلْبِ إلّا خُوْفٌ مُزْعِجٌ أوْ شَوْقٌ مُقْلِقٌ.

203- كَما لا يُحِبُّ العَمَلَ المُشْتَرَكَ لا يُحِبُ القَلْبَ المُشْتَرَكَ. العَمَلُ المُشْتَرَكُ هُوَ لا يَقْبَلُهُ، والقَلْبُ المُشْتَرَكُ لا يُقْبِلُ عَليّهِ.

204- أنْوارٌ أُذِنَ لَها في الوُصولِ وَأَْنوارٌ أُذِنَ لَها في الدُّخولِ.

205- رُبَّما وَرَدَتْ عَلَيْكَ الأنْوارُ فَوَجَدَتِ القَلْبَ مَحْشُوّاً بِصُوَرِ الآثارِ فَارْتَحَلَتْ مِنْ حَيْثُ نَزَلَتْ.

206- فَرِّغْ قَلْبَكَ مِنَ الأَغْيارِ تَمْلأهُ بِالمَعارِفِ والأسْرارِ.

207- لا تَسْتَبْطِيءْ مِنْه النَّوالَ، وَلكِنِ اسْتَبْطيءْ مِنْ نَفْسِكَ وُجودَ الإقْبالِ.

208- حُقوقٌ في الأوْقاتِ يُمْكِنُ قَضاؤها، وَحُقوقٌ في الأوْقاتِ لا يُمْكِنُ قَضاؤها. إذْ ما مِنْ وَقْتٍ يَرِدُ إلا وللهِ عَلَيْكَ فيهِ حَقٌ جَديدٌ وَأَمْرٌ أكيدٌ. فَكَيْفَ تَقْضي فيهِ حَقَّ غَيْرِهِ وَأنْتَ لَمْ تَقْضِ حَقَّ اللهِ فيهِ؟!

209- ما فاتَكَ مِنْ عُمُركَ لا عِوَضَ لَهُ، وَما حَصَلَ لَكَ مِنْهُ لا قيمَةَ لَهُ.

210- ما أحْبَبْتَ شَيئاً إلا كُنْتَ لَهُ عَبْداً، وَهُوَ لا يُحِبُّ أنْ تَكونَ لِغَيْرِهِ عَبْداً.

211- لا تَنْفَعُهُ طاعَتُكَ وَلا تَضُرُّهُ مَعْصِيَتُكَ. وإنَّما أمَرَكَ بِهذِهِ وَنَهاكَ عَنْ هذِهِ لِما يَعودُ عَلَيْكَ.

212- لا يَزيدُ في عِزِّهِ إقْبالُ مَنْ أَقْبَلَ، وَلا يَنْقُصُ مِنْ عِزِّهِ إدْبارُ مَنْ أدْبَرَ.

213- وُصولُكَ إلى اللهِ وُصولُكَ إلى العِلْمِ بِهِ، وَإلّا فَجَلَّ رَبُّنا أنْ يَتَّصِلَ بِهِ شَيْءٌ أوْ يَتَّصِلَ هُوَ بِشَيْءٍ.

214- قُرْبُكَ مِنْهُ أنْ تَكونَ مُشاهِداً لِقُرْبِهِ، وَإلّا فَمِنْ أيْنَ أنْتَ وَوجودُ قُرْبِهِ؟!

215- الحَقائِقُ تَرِدُ في حالِ التَّجَلّي مُجْمَلَةٌ، وَبَعْدَ الوَعيِ يَكونُ البَيانُ. {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ. ثُمَّ أن عَلَيْنَا بَيَانَهُ}.

216- مَتى وَرَدَتِ الوارِداتُ الإلهيَّةُ إلَيْكَ هَدَمَتِ العَوائِدَ عَلَيْكَ، {إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا}.

217- الوارِدُ يًأتي مِنْ حَضْرَةِ قَهّارٍ، لِأجْلِ ذلِكَ لا يُصادِمُهُ شَيْءٌ إلّا دَمَغَهُ {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ}.

218- كَيْفَ يَحْتَجِبُ الحَقُّ بِشَيْءٍ وَالَّذي يَحْتَجِبُ بِهِ هُوَ فيهِ ظاهِرٌ، وَمَوجودٌ حاضِرٌ.

219- لا تَيأسْ مِنْ قَبولِ عَمَلٍ لَمْ تَجِدْ فيهِ وُجودَ الحُضورِ. فَرُبَّما قَبِلَ مِنَ العَمَلِ ما لَمْ تُدْرِكْ ثَمَرَتَهُ عاجِلاً.

220- لا تُزَكِّيَنَّ وارِداً لا تَعْلَمُ ثَمَرَتَهُ، فَليْسَ المُرادُ مِنَ السَّحابَةِ الإمْطارَ، وإنَّما المُرادُ مِنْها وُجودُ الإثْمارِ.

221- لا تَطْلُبَنَّ بَقاءَ الوارِداتِ بَعْدَ أنْ بَسَطَتْ أنْوارَها وَأُوْدَعَتْ أسْرارَها، فَلَكَ في اللهِ غِنىً عَنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَلَيْسَ يُغْنيكَ عَنْهُ شَيْءٌ.

222- تَطَلُّعُكَ إلى بَقاءِ غَيْرِهِ دَليلٌ عَلى عَدَمِ وِجْدانِكَ لَهُ. وَاسْتيحاشُكَ لِفُقْدانِ ما سواهُ دَليلٌ عَلى عَدَمِ وُصْلَتِكَ بِهِ.

223- النَّعيمُ وإنْ تَنَوَّعَتْ مَظاهِرُهُ إنَّما هُوَ بِشُهودِهِ وَاقْتِرابِهِ. وَالعَذابٌ وَإنْ تَنَوَّعَتْ مَظاهِرُهُ إنَّما هُوَ لِوجودِ حِجابِهِ. فَسَبَبُ العَذابِ وُجودُ الحِجْابِ، وإتْمامُ النَّعيمِ بِالنَّظَرِ إلى وَجْهِ اللهِ الكَريمِ.

224- ما تجَِدُهُ القُلوبُ مِنَ الهُمومِ وَالأحْزانِ فلِأَجْلِ ما مُنِعَتْهُ مِنْ وُجودِ العَيانِ.

225- مِنْ تَمامِ النِّعْمَةِ عَلَيْكَ أنْ يَرْزُقَكَ ما يَكْفيكَ وَيَمْنَعَكَ ما يُطْغيكَ.

226- لِيَقِلَّ ما تَفْرَحُ بِهِ، يَقِلَّ ما تَحْزَنُ عَلَيْهِ.

227- إنْ أرَدْتَ أنْ لا تُعْزَلَ فَلا تَتَولَّ وِلايَةً لا تَدومُ لَكَ.

228- إنْ رَغَّبَتْكَ البِداياتُ زَهَّدَتْكَ النِهاياتُ. إنْ دَعاكَ إلَيْها ظاهِرٌ نَهاكَ عَنْها باطِنٌ.

229- إنَّما جَعَلَها مَحَلَّا للأَغْيارِ وَمَعْدِناً لِوُجودِ الأكْدارِ تَزهيداً لَكَ فيها.

230- عَلِمَ أنَّكَ لا تَقْبَلُ النُّصْحَ المُجَرَّدَ، فَذَوَّقَكَ مِنْ ذَواقِها ما يُسَهِّلُ عَلَيْكَ وُجودَ فِراقِها.

231- العِلْمُ النّافِعُ هُوَ الَّذيِ يَنَبِسِطُ في الصَّدْرِ شُعاعُهُ ويُكَشَفُ بِهِ عَنِ القَلْبِ قِناعُهُ.

232- خَيرُ عِلْمٍ ما كانَتِ الخَشيَةُ مَعَهُ.

233- العِلْمُ إنْ قارَنَتْهُ الخَشْيَةُ فَلَكَ، وَإلّا فَعَلَيْكَ.

234- مَتى آلَمَكَ عَدَمُ إقْبالِ النّاسِ عَلَيْكَ أوْ تَوَجُهُهُمْ بِالذَّمِّ إلَيْكَ، فَارْجِعْ إلى عِلْمِ اللهِ فيكَ، فَإنْ كانَ لا يُقْنِعُكَ عِلْمُهُ فَمُصيبَتُكَ بِعَدَمِ قَناعَتِكَ بِعِلْمِهِ أشَدُّ مِنْ مُصيبَتِكَ بِوُجودِ الأذى مِنْهُمْ.

235- إنَّما أجْرى الأذى عَلى أيْديهِمْ كَيْ لا تَكونَ ساكنِاً إلَيْهِمْ. أرادَ أنْ يُزْعِجَكَ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ حَتى لا يَشْغَلَكَ عَنْهُ شَيْءٌ.

236- إذا عَلِمْتَ أنَّ الشَّيْطانَ لا يَغْفُلُ عَنْكَ فَلا تَغْفُلْ أنْتَ عَمَّنْ ناصِيَتُكَ بِيَدِهِ.

237- جَعلَهُ لَكَ عَدّواً لِيَحُوشَكَ بِهِ إلَيْهِ، وَحَرَّكَ عَلَيْكَ النَّفْسَ لِيَدومَ إقْبالُكَ عَلَيْهِ.

238- مَنْ أثْبَتَ لِنَفْسِهِ تَواضُعاً فَهُوَ المُتَكَبِّرُ حَقّاً. إذْ لَيْسَ التَّواضُعُ إلّا عَنْ رِفْعَهٍ. فَمَتى أثْبَتَّ لِنَفِسَكَ تَواضُعاً فَأنْتَ المُتَكَبِّرُ حَقّاً.

239- لَيْسَ المُتَواضِعُ الَّذي إذا تَواضَعَ رَأى أنَّهُ فَوْقَ ما صَنَعَ. وَلكِنَّ المُتَواضِعَ الَّذي إذا تَواضَعَ رَأى أنَّهُ دُونَ ما صَنَعَ.

240- التَّواضُعُ الحَقيقيُّ هُوَ ما كانَ ناشِئاً عَنْ شُهودِ عَظَمَتِهِ وَتَجَلّي صِفَتِهِ.

241- لا يُخْرِجُكَ عَنِ الوَصْفِ إلا شُهودُ الوَصْفِ.

242- المُؤْمِنُ يَشْغَلُهُ الثَّناءُ عَلى اللهِ عَنْ أنْ يَكونَ لِنَفْسِهِ شاكِراً. وَتَشْغَلُهُ حُقوقُ اللهِ عَنْ أنْ يَكونَ لِحُظوظِهِ ذاكِراً.

243- لَيْسَ المُحِبُّ الَّذي يَرْجو مِنْ مَحْبوبِهِ عِوَضاً أوْ يَطْلُبُ مِنهُ غَرَضاً، فَإنَّ المُحِبَّ مَنْ يَبْذُلُ لَكَ، لَيْسَ المُحِبُّ مَنْ تَبْذُلُ لَهُ.
244- لَوْلا مَيادينُ النُّفوسِ ما تَحَقَّقَ سَيْرُ السّائِرينَ. إذْ لا مَسافَةَ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ حَتى تَطْوِيَها رِحْلَتُكَ. وَلا قَطيعَةَ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ تَمْحُوَهاوُصْلَتُكَ.
245- جَعَلَكَ في العالَمِ المُتَوَسِّطِ بَينَ مُلْكِهِ وَمَلَكوتِهِ لِيُعَلِّمَكَ جَلالَةَ قَدْرِكَ بَيْنَ مَخْلوقاتِهِ، وَأنَّكَ جَوْهَرَةٌ تَنْطَوي عَلَيْكَ أصْدافُ مُكَوَّناتِهِ.
246- إنَّما وَسِعَكَ الكَونُ مِنْ حَيْثُ جُثْمانِيَّتُكَ وَلَمْ يَسَعْكَ مِنْ حَيْثُ ثُبوتِ رُوحانيَّتِكَ.
247- الكائِنُ في الكَونِ، وَلَمْ تُفْتَحْ لَهُ مَيادينُ الغُيوبِ، مَسْجونٌ بِمُحيطاتِهِ، وَمَحْصورٌ في هَيْكَلِ ذاتِهِ.
248- أنْتَ مَعَ الأكْوانِ ما لَمْ تَشْهَدِ المُكَوِّنَ، فَإذا شَهِدْتَهُ كانَتِ الأكْوانُ مَعَكَ.
249- لا يَلْزَمُ مِنْ ثُبوتِ الخُصوصِيَّةِ عَدَمُ وَصْفِ البَشَريَّةِ، إنَّما مَثَلُ الخُصوصِيَّةِ كإشْراقِ شَمْسِ النَّهارِ ظَهَرَتْ في الأُفُقِ وَلَيْسَتْ مِنْهُ. تارَةً تُشْرِقُ شُموسُ أوصْافِهِ عَلى لَيْلِ وُجودِكَ. وَتارَةً يَقْبِضُ ذلِكَ عَنْكَ فَيَرُدُّكَ إلى حُدودِكَ، فَالنَّهارُ لَيْسَ مِنْكَ وَإلَيْكَ، وَلكِنَّهُ وارِدٌ عَلَيْكَ.
250- دَلَّ بِوُجودِ آثارِهِ عَلى وُجودِ أسْمائِهِ. وبِوجودِ أسْمائِهِ عَلى ثُبوتِ أوصْافِهِ، وَبِثُبوتِِ أوْصافِهِ عَلى وُجودِ ذاتِهِ. إذْ مُحالٌ أنْ يَقومَ الوَصْفُ بِنَفْسِهِ. فأرْبابُ الجَذْبِ يَكْشِفُ لَهُمْ عَنْ كَمالِ ذاتِهِ، ثُمَّ يَرُدُّهُمْ إلى شُهودِ صِفاتِهِ، ثُمَّ يُرْجِعُهُمْ إلى التَّعَلُّقِ بأسْمائِهِ، ثُمَّ يَرُدُّهُمْ إلى شُهودِ آثارِهِ. وَالسّالِكونَ عَلى عَكْسِ هذا. فَنِهايَةُ السّالِكينَ بِدايَةُ المَجْذوبينَ، وَبِدايَةُ السّالكينَ نِهايَةُ المَجْذوبينَ؛ لكِنْ لا بِمَعْنىً واحِدٍ؛ فَرُبَّما التَقَيا في الطَّريقِ، هذا في تَرَقّيهِ وهذا في تَدَلّيهِ.
251- لا يُعْلَمُ قَدْرُ أنْوارِ القُلوبَ والأسْرارَ إلّا في غَيْبِ المَلَكوتِ. كَما لا تَظْهَرُ أنْوارُ السَّماءِ إلّا في شَهادَةِ المُلْكِ.
252- وِجْدانُ ثَمَراتِ الطّاعاتِ عاجِلاً بَشائِرُ العامِلينَ بِوُجودِ الجَزاءِ عَلَيْها آجِلاً.
253- كَيْفَ تَطْلُبُ العِوَضَ عَلى عَمَلٍ هُوَ مُتَصَدِّقٌ بِهِ عَليكَ، أمْ كَيْفَ تَطْلُبُ الجَزاءَ عَلى صِدْقٍ هُوَ مُهْديهِ إلَيْكَ؟!
254- قَوْمٌ تَسْبِقُ أنْوارُهُمْ أذْكارَهُمْ، وَقَوْمٌ تَسْبِقُ أذْكارُهُمْ أنْوارَهُمْ، وَقَوْمٌ تَتَساوى أذْكارُهُمْ وَأنْوارُهُمْ، وَقَوْمٌ لا أذْكارَ وَلا أنْوارَ.. نَعوذُ بِاللهِ مِنْ ذلِكَ.
255- ذاكِرٌ ذَكَرَ لِيَسْتَنيرَ قَلْبُهُ فَكانَ ذاكِراً، وَذاكِرٌ اسْتَنارَ قَلْبُهُ فَكانَ ذاكِراً، وَالَّذي اسْتَوَتْ أذْكارُهُ وَأنْوارُهُ فَبِذِكْرِهِ يُهْتَدى وَبِنورِهِ يُقْتَدى.
256- ما كانَ ظَاهِرُ ذِكرٍ إلا عَنْ باطِنِ شُهودٍ وَفِكْرٍ.
257- أشْهَدَكَ مِنْ قَبْلِ أنْ يَِسْتَشْهِدَكَ فَنَطَقَتْ بِإلهيَّتِهِ الظَّواهِرُ، وَتَحَقَّقَتْ بأَحَدِيَّتِهِ القُلْوبُ والسَّرائِرُ.
258- أكْرَمَكَ اللهُ بِكراماتٍ ثَلاثٍ: جَعَلَكَ ذاكِراً لَهُ، وَلَوْلا فَضْلُهُ لَمْ تَكُنْ أهْلاً لِجَرَيانِ ذِكْرِهِ عَلَيْكَ، وَجَعَلَكَ مَذْكوراً بِهِ، إذْ حَقَّقَ نِسْبَتَهُ لَدَيْكَ، وَجَعَلَكَ مَذْكوراً عِنْدَهُ فَتَمَّمَ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ.
259- رُبَّ عُمُرٍ اتَّسَعَتْ آمادُهُ وَقَلَّتْ أمْدادُهُ، وَرُبَّ عُمُرٍ قَليلَةٌ آمادُهُ كَثيرَةٌ أمْدادُهُ.
260- مَنْ بُورِكَ لَهُ في عُمُرِهِ أدْرَكَ في يَسيرٍ مِنَ الزَّمَنِ مِنْ مِنَنِ اللهِ تَعالى ما لا يَدْخُلُ تَحْتَ دَوائِرِ العِبارَةِ وَلا تَلْحَقُهُ الإشارَةِ.
261- الخِذْلانُ كُلُّ الخِذْلانِ أَنْ تَتَفَرَّغَ مِنْ الشَّواغِلِ ثُمَّ لا تَتَوَجَّهَ إلَيْهِ، وَتَقِلَّ عَوائِقُكَ ثُمَّ لا تَرْحَلَ إلَيْهِ.
262- الفِكْرَةُ سَيْرُ القَلْبِ في مَيادينِ الأَغْيارِ.
263- الفِكْرَةُ سِراجُ القَلْبِ، فَإذا ذَهَبَتْ فَلا إضاءَةَ لَهُ.
264- الفِكْرَةُ فِكْرَتانِ: فِكْرَةُ تَصْديقٍ وَإيمانٍ، وَفِكْرَةُ شُهودٍ وَعِيانٍ. فَالأُولى لِأَرْبابِ الاعْتِبارِ، وَالثّانِيَةُ لِأَرْبابِ الشُّهودِ وَالاسْتِبْصارِ.









المناجاة



وَقالَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ في مُناجاتِهِ:





إِلهِي، أَنا الفَقِيرُ فِي غِنايَ، فَكَيْفَ لا أَكُونُ فَقِيراً فِي فَقْرِي؟!

إِلهِي، أَنا الجاهِلُ فِي عِلْمِي، فَكَيْفَ لا أَكُونُ جَهُولاً فِي جَهْلِي؟!
إِلهِي، إِنَّ اخْتِلافَ تَدْبِيرِكَ وَسُرْعَةَ حُلولِ مَقادِيرِكَ مَنَعا عِبادَكَ العارِفِينَ بِكَ

عَنِ السُّكُونِ إِلى عَطاءٍ وَاليَّأْسِ مِنْكَ فِي بَلاءٍ.



إِلهِي، مِنِّي ما يَلِيقُ بِلُؤْمِي، وَمِنْكَ ما يَلِيقُ بِكَرَمِكَ.

إِلهِي وَصَفْتَ نَفْسَكَ بِاللُّطْفِ وَالرَّأْفَةِ بِي قَبْلَ وُجُودِ ضَعْفِي،

أَفَتَمْنَعُنِي مِنْهُما بَعْدَ وَجُودِ ضَعْفِي؟!
إِلهِي، إِنْ ظَهَرَتِ المَحاسِنُ مِنِّي فَبِفَضْلِكَ، وَلَكَ المِنَّةُ عَلَيَّ.

وَإِنْ ظَهَرَتِ المَساوِيُ مِنِّي فَبِعَدْلِكَ، وَلَكَ الحُجَّةُ عَلَيَّ.

إِلهِي، كَيْفَ تَكِلُنِي إلى نَفْسي وَقَدْ تَوَكَّلْتَ لِي؟!

وَكَيْفَ أُضامُ وَأَنْتَ النَّاصِرُ لِي، أَمْ كَيْفَ أَخِيبُ وَأَنْتَ الحَفِيُّ بِي؟!
ها أَنا أَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِفَقْرِي إِلَيْكَ.

وَكَيْفَ أَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِما هُوَ مَحالٌ أَنْ يَصِلَ إِلَيْكَ؟!

أَمْ كَيْفَ أَشْكُو إِلَيْكَ حالِي وَهُوَ لا يَخْفى عَلَيْكَ؟!

أَمْ كَيْفَ أُتَرْجِمُ بِمَقالِي وَهُوَ مِنْكَ بَرَزَ إِلَيْكَ؟!

أَمْ كَيْفَ تُخَيِّبْ آمالِي وَهِي قَدْ وَفَدَتْ إِلَيْكَ؟!

أَمْ كَيْفَ لا تُحْسِنُ أَحْوالِي وَبِكَ قامَتْ إِلَيْكَ؟!


إِلهِي، ما أَلْطَفَكَ بِي مَعَ عَظِيمِ جَهْلِي، وَما أَرْحَمَكَ بِي مَعَ قَبِيحِ فِعْلِي!

إِلهِي، ما أَقْرَبَكَ مِنِّي وَما أَبْعَدَنِي عَنْكَ!

إِلهِي، ما أَرْأَفَكَ بِي، فَما الَّذِي يَحْجُبُنِي عَنْكَ؟!
إِلهِي، عَلِمْتُ بِاخْتِلافِ الآثارِ وَتَنَقُّلاتِ الأطْوارِ

أَنَّ مُرادَكَ مِنِّي أَنْ تَتَعَرَّفَ إِلَيَّ فِي كُلِّ شَيءٍ حَتَّى لا أَجْهَلَكَ فِي شَيءٍ.

إِلهِي، كُلَّما أَخْرَسَنِي لُؤْمِي أَنْطَقَنِي كَرَمُكَ. وَكُلَّما آيَسَتْنِي أَوْصافِي أَطْمَعَتْني مِنَنُكَ.

إِلهِي، مَنْ كانَتْ مَحاسِنُهُ مَسَاوِيَ فَكَيْفَ لا تَكُونُ مَساوِؤُهُ مَساوِيَ؟!

وَمَنْ كانَتْ حَقائِقُهُ دَعاوي فَكَيْفَ لا تَكُونُ دَعاواهُ دَعاوي؟!

إِلهِي، حُكْمُكَ النَّافِذُ وَمَشِيئَتُكَ القاهِرَةُ لَمْ يَتْرُكا لِذِي مَقالٍ مَقالاً، وَلا لِذِي حالٍ حالاً.

إِلهِي، كَمْ مِنْ طاعَةٍ بنَيْتُها وَحالَةٍ شَيَّدْتُها هَدَمَ اعْتِمادِي عَلَيْها عَدْلُكَ، بَلْ أَقالَنِي مِنْها فَضْلُكَ!

إِلهِي، إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنِّي وَإِنْ لَمْ تَدُمِ الطَّاعَةُ مِنِّي فِعْلاً جَزْما، فَقَدْ دامَتْ مَحَبَّةً وَعَزْما.

إِلهِي، كَيْفَ أَعْزِمُ وَأَنْتَ القاهِرُ، وَكَيْفَ لا أَعْزِمُ وَأَنْتَ الآمِرُ؟!
إِلهِي، تَرَدُّدي فِي الآثارِ يُوجِبُ بُعْدَ المَزارِ، فاجْمَعْنِي عَلَيْكَ بِخِدْمَةٍ تُوصِلُنِي إِلَيْكَ.

إِلهِي، كَيْفَ يُسْتَدَلُّ عَلَيْكَ بِما هُوَ فِي وُجُودِهِ مُفْتَقِرٌ إِلَيْكَ؟!

أَيَكُونُ لِغَيْرِكَ مِنَ الظُّهُورِ ما لَيْسَ لَكَ حَتَّى يَكُونَ هُوَ المُظْهِرَ لَكَ؟!
مَتى غِبْتَ حَتَّى تَحْتاجَ إِلى دَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَيْكَ!
وَمَتى بَعُدْتَ حَتَّى تَكُونَ الآثارُ هِيَ الَّتِي تُوصِلُ إِلَيْكَ؟!
عَمِيَتْ عَيْنٌ لا تَراكَ عَلَيْها رَقِيباً. وَخَسِرَتْ صَفْقَةُ عَبْدٍ لَمْ تَجْعَلَ لَهُ مِنْ حُبِّكَ نَصِيباً.

إِلهِي، أَمَرْتَ بِالرُّجُوعِ إِلى الآثارِ فَارْجِعْنِي إِلَيْهاَ بِكِسْوَةِ الأنْوارِ وَهِدايَةِ الاِسْتِبْصارِ..
حَتَّى أَرْجِعَ إِلَيْكَ مِنْها كَما دَخَلْتُ إِلَيْكَ مِنْها:
مَصُونَ السِّرِّ عَنْ النَّظَرِ إِلَيْها، وَمَرْفُوعَ الهِمَّةِ عَنِ الاِعْتِمادِ عَلَيْها.
إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ.
إِلهِي، هذا ذُلِّي ظاهِرٌ بَيْنَ يَدَيْكَ.
وَهذا حالِي لا يَخْفى عَلَيْكَ.
مِنْكَ أَطْلُبُ الوُصُولَ إِلَيْكَ، وَبِكَ أَسْتَدِلُّ عَلَيْكَ.
فَاهْدِنِي بِنُورِكَ إِلَيْكَ. وَأَقِمْنِي بِصِدْقِ العُبُودِيَّةِ بَيْنَ يَدَيْكَ.
إِلهِي، عَلِّمْنِي مِنْ عِلْمِكَ المَخْزُونِ، وَصُنِّي بِسِرِّ اسْمِكَ المَصُونِ.
إِلهِي، حَقِّقْنِي بِحَقائِقِ أَهْلِ القُرْبِ. وَاسْلُكَ بِي مَسَالِكَ أَهْلِ الجَذْبِ.
إِلهِي، أَغْنِنِي بِتَدْبِيرِكَ لِي عَنْ تَدْبِيرِي، وَبِاخْتِيارِكَ عَنْ اخْتِيارِي. وَأوْقِفْنِي عَلى مَراكِزِ اضْطِرارِي.
إِلهِي، أَخْرِجْنِي مِنْ ذُلِّ نَفْسِي وَطَهِّرْنِي مِنْ شَكِّي وَشِرْكِي قَبْلَ حُلُولِ رَمْسِي.
بِكَ أَنْتَصِرُ فَانْصُرْنِي، وَعَلَيْكَ أَتَوَكَّلُ فَلا تَكِلْنِي، وَإِيَّاكَ أَسْأَلُ فَلا تُخَيِّبْنِي،
وَفِي فَضْلِكَ أَرْغَبُ فَلا تَحْرِمْنِي، وَبِجَنابِكَ أَنْتَسِبُ فَلا تُبْعِدْنِي، وَبِبابِكَ أَقِفُ فَلا تَطْرُدْنِي.
إِلهِي، تَقَدَّسَ رِضاكَ أَنْ تَكُونَ لَهُ عِلَّةٌ مِنْكَ. فَكَيْفَ تَكُونُ لَهُ عِلَّةٌ مِنِّي؟!
إِلهِي، أَنْتَ الغَنِيُّ بِذاتِكَ عَنْ أَنْ يَصِلَ إِلَيْكَ النَّفْعُ مِنْكَ. فَكَيْفَ لا تَكُونُ غَنِيّا عَنِّي؟!
إِلهِي، إِنَّ القَضاء وَالقَدَرَ غَلَبَني. وَإِنَّ الهَوى بِوَثائِقِ الشَّهْوَةِ أَسَرَنِي ..
فَكُنْ أَنْتَ النَّصِيرَ لِي حَتَّى تَنْصُرَنِي وَتَنْصُرَ بِي. وَأَغْنِنِي بِفَضْلِكَ حَتَّى اسْتَغْنِي بِكَ عَنْ طَلَبِي.
أَنْتَ الَّذِي أَشْرَقْتَ الأنْوارَ فِي قُلُوبِ أَوْلِيائِكَ حَتَّى عَرَفُوكَ وَوَحَّدُوكَ.
وَأَنْتَ الَّذِي أَزَلْتَ الأَغْيارَ عَنْ قُلُوبِ أَحِبَّائِكَ حَتَّى لَمْ يُحِبُّوا سِواكَ. وَلَمْ يَلْجَأَوا إِلى غَيْرِكَ.
أَنْتَ المُوْنِسُ لَهُمْ حَيْثُ أَوْحَشَتْهُمُ العَوالِمُ. وَأَنْتَ الَّذِي هَدَيْتَهُمْ حَيْثُ اسْتَبانَتْ لَهُمْ المَعالِمُ.
ماذا وَجَدَ مَنْ فَقَدَكَ وَما الَّذِي فَقَدَ مَنْ وَجَدَكَ؟!
لَقَدْ خابَ مَنْ رَضِيَ دُونَكَ بَدَلاً، وَلَقَدْ خَسِرَ مَنْ بَغى عَنْكَ مُتَحَوَّلاً.
كَيْفَ يُرْجى سِواكَ وَأَنْتَ ما قَطَعْتَ الإحْسانَ؟!
وَكَيْفَ يُطْلَبُ مِنْ غَيْرِكَ وَأَنْتَ ما بَدَّلْتَ عادَةَ الاِمْتِنانِ؟!
يا مَنْ أَذاقَ أَحِبّاءَهُ حَلاوَةَ مُؤانَسَتِهِ فَقامُوا بَيْنَ يَدَيْهِ مُتَمَلِّقِينَ.
وَيا مَنْ أَلْبَسَ أَوْلِياءهُ مَلابِسَ هَيْبَتِهِ فَقامُوا بِعِزَّتِهِ مُسْتَعِزّينَ.
أَنْتَ الذَّاكِرُ قَبْلَ الذَّاكِرِينَ، وَأَنْتَ البادِيُ بِالإحْسانِ قَبْلَ تَوَجُّهِ العابِدِينَ،
وَأَنْتَ الجَوادُ بِالعَطاءِ قَبْلَ طَلَبِ الطَّالِبِينَ، وَأَنْتَ الوَهَّابُ، ثُمَّ لِما وَهَبْتَ لَنا مِنَ المُسْتَقْرِضِينَ.

إِلهِي، اطْلُبْنِي بِرَحْمَتِكَ حَتَّى أَصِلَ إِلَيْكَ.
وَاجْذُبْنِي بِمَنِّكَ حَتَّى أُقْبِلَ عَلَيْكَ.
إِلهِي، إِنَّ رَجائِي لا يَنْقَطِعُ عَنْكَ وَإِنْ عَصَيْتُكَ.
كَما أَنَّ خَوْفِي لا يُزايِلُنِي وَإِنْ أَطَعْتُكَ.
فَقَدْ دَفَعَتْنِي العَوالِمُ إِلَيْكَ. وَقَدْ أَوْقَفَنِي عِلْمِي بِكَرَمِكَ عَلَيْكَ.
إِلهِي، كَيْفَ أَخِيبُ وَأَنْتَ أَمَلِي، أَمْ كَيْفَ اُهانُ وَعَلَيْكَ مُتَّكَلِي؟!
إِلهِي، كَيْفَ أسْتَعِزُّ وَفِي الذِّلَّةِ أَرْكَزْتَنِي، أَمْ كَيْفَ لا أَسْتَعِزُّ وَإِلَيْكَ نَسَبْتَنِي؟!
إِلهِي، كَيْفَ لا أَفْتَقِرُ وَأَنْتَ الَّذِي فِي الفَقْرِ أَقَمْتَنِي!
أَمْ كَيفَ أَفْتَقِرُ وَأَنْتَ الَّذِي بِجُودِكَ أَغْنَيْتَنِي!
وَأَنْتَ الَّذِي لا إِلهَ غَيْرُكَ، تَعَرَّفْتَ لِكُلِّ شَيءٍ فَما جَهِلَكَ شَيءٌ.
وَأَنْتَ الَّذِي تَعَرَّفْتَ إِلَيَّ فِي كُلِّ شَيءٍ فَرَأَيْتُكَ ظاهِراً فِي كُلِّ شَيءٍ وَأَنْتَ الظَّاهِرُ لِكُلِّ شَيءٍ .
يا مَنْ اسْتَوى بِرَحْمانِيَّتِه عَلى عَرْشِهِ، فَصارَ العَرْشُ غَيْباً فِي رَحْمانِيَّتِهِ. كَما صارَتِ العَوالِمُ غَيْباً في عَرْشِهِ.
مَحَقْتَ الآثارَ بِالآثارِ، وَمَحَوْتَ الأَغْيارَ بِمُحِيطاتِ أَفْلاكِ الأنْوارِ.
يا مَنْ احْتَجَبَ فِي سُرادِقاتِ عِزِّهِ عَنْ أَنْ تُدْرِكَهُ الأبْصارُ.
يا مَنْ تَجَلّى بِكَمالِ بَهائِهِ فَتَحَقَّقَتْ عَظَمَتَهُ الأسْرارُ.

كَيْفَ تَخْفى وَأَنْتَ الظَّاهِرُ؟!

أَمْ كَيْفَ تَغِيبُ وَأَنْتَ الرَّقِيبُ الحاضِرُ؟!
إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيٍْ قَدِيرٌ

وَالحَمْدُ للهِ
وَحْدَهُ.

المُكاتَبات

وَمِمّا كَتَبَ بِهِ إلى بَعْضِ إخوانِهِ:


أمّا بَعْدُ،
فإنَّ البِداياتِ مَجلاةُ النِّهاياتِ. وإنَّ مَنْ كانَتْ بِاللهِ بِدايَتُهُ كانَتْ إلَيْهِ نِهايَتُهُ. والمُشْتَغَلُ بِهِ هُوَ الَّذي أَحْبَبْتَهُ وَسارَعْتَ إليهِ، والمُشْتَغَلُ عَنْهُ هُوَ المُؤْثَرُ عَلَيهِ. وَإنَّ مَنْ أَيْقَنَ أَنَّ اللهَ يَطْلُبُهُ صَدَقَ الطَّلَبَ إليهِ. وَمَنْ عَلِمَ أَنَّ الأُمُورَ بِيَدِ اللهِ انْجَمَعَ بِالتَّوَكُّلِ عَلِيْهِ. وأَنَّهُ لا بُدَّ لِبِناءِ هذا الوُجودِ أَنْ تَنْهَدِمَ دَعائِمُهُ. وأَنْ تُسْلَبَ كَرائِمُهُ. فالعاقِلُ مَنْ كانَ بِما هُوَ أبْقى، أَفْرَحَ مِنْهُ بِما هُوَ يَفْنى. قَدْ أَشْرَقَ نُورُهُ وَظَهَرَتْ تَباشيرُهُ، فَصَدَفَ عَنْ هذِهِ الدّارِ مُغْضِياً، وَأَعْرَضَ عَنْها مُوَلِّياً. فَلَمْ يَتَّخِذْها وَطَناً وَلا جَعَلَها سَكَناً. بَلْ أَنْهَضَ الهِمَّةَ فيها إلى اللهِ، وَسارَ فيها مُسْتَعيناً بِهِ في القُدومِ عَلَيْهِ. فَما زالَتْ مَطِيَّةُ عَزْمِهِ لا يَقِرُّ قَرارُها، دائِماً تَسْيارُها، إلى أَنْ أناخَتْ بِحَضْرَةِ القُدْسِ وَبِساطِ الأُنْسِ، مَحَلِّ المُفاتَحَةِ وَالموُاجَهَةِ وَالمجُالَسَةِ وَالمحُادَثَةِ وَالمُشاهَدَةِ وَالمُطالَعَةِ. فَصارَتْ الحَضْرَةُ مُعَشَّشَ قُلوبِهِمْ؛ إليْها يأْوونَ، وَفيها يَسْكُنونَ. فإِنْ نَزَلوا إلى سَماءِ الحُقوقِ أَوْ أَرْضِ الحُظوظِ فَبِالإذْنِ وَالتَّمْكينِ وَالرُّسوخِ في اليَقينِ. فَلَمْ يَنْزِلوا إلى الحُقوقِ بِسوءِ الأَدَبِ وَالغَفْلَةِ، وَلا إلى الحُظوظِ بِالشَّهْوَةِ وَالمُتْعَةِ. بَلْ دَخَلوا في ذَلِكِ كُلِّهِ بِالله وَلله وَمِنَ اللهِ وَإلى اللهِ. {وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْني مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْني مُخْرَجَ صِدْقٍ}، لِيَكونَ نَظَري إلى حَوْلِكَ وَقُوَّتِكَ إِذا أَدْخَلْتَني، وَاسْتِسْلامي إلَيْكَ إذا أَخْرَجْتَني. {وَاجْعَلْ لي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصيراً} يَنْصُرُني وَيَنْصُرُ بي وَلا يَنْصُرُ عَليَّ؛ يَنْصُرُني عَلى شُهودِ نَفْسي وَيُفْنيني عَنْ دائِرَةِ حِسِّي.


وَمِمّا كَتَبَ إلى بَعْضِهِمْ:

إنْ كانَتْ عَينُ القَلْبِ تَنْظُرُ إلى أَنَّ اللهَ واحِدٌ في مِنَّتِهِ، فَالشَريعَةُ تَقْتَضي أَنَّهُ لا بُدَّ مِنْ شُكْرِ خَليقَتِهِ. وإنَّ النّاسَ في ذلِكَ عَلى أَقسامٍ ثَلاثَةٍ:

- غافِلٌ مُنْهَمِكٌ في غَفْلَتِهِ، قَوِيَتْ دائِرَةُ حِسِّهِ، وِانْطَمَسَتْ حَضْرَةُ قُدْسِهِ، فَنَظَرَ الإحْسانَ مِنَ المَخْلوقينَ وَلَمْ يَشْهَدْهُ مِنْ رَبِّ العالَمينَ. إمّا اعْتِقاداً فَشِرْكُهُ جَلِيٌّ. وإمّا اسْتِناداً فَشِرْكُهُ خَفِيٌّ.


- وَصاحِبُ حَقيقَةٍ غَابَ عَنِ الخَلْقِ بِشُهودِ المَلِكِ الحَقِّ، وَفَنِيَ عَنِ الأَسْبابِ بِشُهودِ مُسَبِّبِ الأَسْبابِ. فَهذا عَبْدٌ مُواجَهٌ بِالحَقيقَةِ، ظاهِرٌ عَليهِ سَناها، سالِكٌ للطَّريقَةِ، قَدِ اسْتَولى عَلى مَداها. غَيرَ أَنَّهُ غَريقُ الأَنْوارِ وَمَطْموسُ الآثارِ، قَدْ غَلَبَ سُكْرُهُ على صَحْوِهِ، وَجَمْعُهُ عَلى فَرْقِهِ، وَفَناؤهُ عَلى بَقائه، وَغَيْبَتُهُ عَلى حُضورِهِ.

- وَأَكْمَلُ مِنْهُ عَبْدٌ شَرِبَ فَازْدادَ صَحواً، وَغابَ فازْدادَ حُضوراً. فَلا جَمْعُةُ يَحْجُِبُهُ عَنْ فَرْقِهِ، وَلا فَرْقُهُ يَحْجُِبُهُ عَنْ جَمْعِهِ. وَلا فَناؤهُ يَصْرِفُهُ عَنْ بَقائِهِ، وَلا بَقاؤهُ يَصُدُّهُ عَنْ فَنَائِهِ. يُعْطي كُلَّ ذي قِسْطٍ قِسْطَهُ، وَيُوفي كُلَّ ذي حَقٍ حَقَّهُ .


وَقَدْ قَالَ أَبو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ لِعائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها لَمّا نَزَلَتْ بَراءَتُها مِنَ الإِفْكِ عَلى لِسانِ رَسولِ الله صَلّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّمَ: "يا عائِشَةُ اشْكُري رَسولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّمَ". فَقالَتْ: "وَاللهِ لا أَشْكُرُ إلا اللهَ".

دَلّها أَبو بَكْرٍ عَلى المَقامِ الأَكْمَلِ؛ مَقامِ البَقاءِ المُقْتَضي لإثْباتِ الآثار. وَقَدْ قالَ اللهُ تَعالى: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ}. وَقالَ صَلَواتُ اللهِ وَسَلامُهُ عَليهِ: (لا يَشْكُرُ اللهَ مَنْ لا يَشْكُرُ النّاسَ). وَكَانَتْ هِيَ في ذَلِكَ الوَقْتِ مُصْطَلِمَةً عَنْ شَاهِدِها، غَائِبَةً عَنْ الآثارِ، فَلَمْ تَشْهَدْ إلا الواحِدَ القَهَّارَ.


وَقالَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ لَمّا سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ صَلَواتُ اللهِ وَسَلامُهُ عَلَيْهِ: (وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيني في الصَّلاةِ) هَلْ ذلِكَ خَاصٌ بِالنَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم أَمْ لِغَيْرِهِ مِنُْه مَشَرَبٌ وَنَصيبٌ. فَأَجابَ:

إنّ قُرَّةَ العَينِ بالشُّهودِ عَلى قَدْرِ المَعْرِفَةِ بِالمَشْهودِ. فَالرَّسولُ صَلّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ مَعْرِفَةُ غَيْرِهِ كَمَعْرِفَتِهِ، وَلَيْسِ قُرَّةُ عَيْنٍ كَقُرَّةِ عَيْنِهِ. وَإنَّما قُلنا أنّ قُرَّةَ عَيْنِهِ في صَلاتِهِ بِشُهودِهِ جَلالَ مَشهودِهِ لأَنَّهُ عَليهِ السَّلامُ قَدْ أشارَ إلى ذَلِكَ بِقَولِهِ: "في الصَّلاةِ"، وَلَمْ يَقُلْ: "بِالصَّلاةِ". إذْ هُوَ صَلَواتُ اللهِ وَسَلامُهُ عَليهِ لا تَقَرُّ عَيْنُهُ بِغَيْرِ رَبِّهِ. وَكَيْفَ وَهُوَ يَدُلُّ عَلى هَذا المَقامِ وَيَأْمُرُ بِهِ مَنْ سِواهُ بِقَوْلِهِ: (اُعْبُدِ اللهَ كَأَنَّكَ تَراهُ). وَمُحالٌ أَنْ يَراهُ وَيَشْهَدَ مَعَهُ سِواهُ.

فَإِنْ قالَ قائِلٌ: قَدْ تَكُونُ قُرَّةُ العَيْنِ بالصّلاةِ لأَنَّها فَضْلٌ مِنْ عَيْنِ مِنَّةِ اللهِ. فَكَيفَ لا يَفْرَحُ بِها! وَكَيفَ لا تَكونُ قُرَّةُ العَيْنِ بِها؟! وَقَدْ قالَ سُبحانَه: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا}. فَاعْلَمْ أَنَّ الآيَةَ قَدْ أَوْمَأَتْ إلى الجَوابِ لِمَنْ تَدَبَّرَ سِرَّ هذا الخِطابِ. وَإذْ قالَ: {فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا}، وَما قالَ: "فَبِذلِكَ فَافْرَحْ يا مُحَمَّدُ". قُلْ لَهُمْ: فَلْيَفْرَحُوا بالإحْسانِ وَالتَّفَضُّلِ، وَلْيَكُنْ فَرَحُكَ أَنْتَ بِالمُتَفَضِّلِ. كَما قالَ في الآية الأُخْرى: {قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ} (الأنعام:91).


وَقالَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مِمّا كَتَبَ بِهِ لبَعْضِ إخوانِهِ:


النّاسُ في وُرودِ المِنَنِ عَلى ثَلاثَةِ أَقْسامٍ:

- فَرِحٌ بِالمِنَنِ لا مِنْ حَيْثُ مُهْديها وَمُنِشيها، وَلكِنْ بِوجودِ مُتْعَتِهِ فيها، فَهذا مِنَ الغافِلينَ. يَصْدُقُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعالى: {حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ} (الأنعام:44).

- وَفَرِحٌ بِالمِنَنِ مِنْ حَيْثُ أنَّهُ شَهِدَها مِنّةً مِمَّنْ أَرْسَلَها، وَنِعْمَةً مِمَّنْ أَوْصَلَها. يَصْدُقُ عَليهَ قَوْلُهُ تَعالى: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} (يونس: 58).

- وَفَرِحٌ باللهِ، ما شَغَلَهُ مِنَ المِنَنِ ظَاهِرُ مُتْعَتِها وَلا باطِنُ مِنَّتِها، بَلْ شَغَلَهُ النَّظَرُ إلى اللهِ عَمّا سِواهُ. وَانْجَمَعَ عَلَيْهِ فَلا يَشْهَدُ إلا إيّاهُ. يَصْدُقُ عَلَيْهَ قَوْلُهُ تَعالى: {قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ}. وَقَدْ أَوْحى اللهُ تَعالى إلى داوُدَ عَلَيْهِ السَّلامُ: (يا داوُدُ، قُلْ للصِّديقينَ: بي فَلْيَفْرَحوا، وَبِذِكْري فَلْيَتَنَعَّموا".

وَاللهُ تَعالى يَجْعَلُ فَرَحَنا وَإيّاكُمْ بِهِ وَبِالرِّضا مِنْهُ، وَأَنْ يَجْعَلَنا مِنْ أَهْلِ الفَهْمِ عَنْهُ، وَأَنْ لا يَجْعَلَنا مِنَ الغافِلينَ، وَأَنْ يَسْلُكَ بِنا مَسْلَكَ المُتَّقينَ .. بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ.

مِمّا كَتَبَ بِهِ لبَعْضِ إخوانِهِ:

وَبَعْدُ فَلا أرى شَيْئا أَنْفَعَ لَكَ مِنْ أُمورٍ أَرْبَعَةٍ:

الاسْتِسْلامُ إلى اللهِ.

وَالتَّضَرُّعُ إلَيْهِ.

وَحُسْنُ الظَّنِّ بِهِ.

وَتَجْديدُ التَّوْبَةِ إلَيْهِ وَلَوْ عُدْتَ إلى الذَّنْبِ في اليَوْمِ سَبْعينَ مَرَّةً.

فَفي الاسْتِسْلامِ إلَيْهِ الرّاحَةُ مِنْ التَّدْبيرِ مَعَهُ عاجِلاً. وَالظَّفَرُ بِالْمِّنَّةِ العُظْمى آجِلاً. وَالسَّلامَةُ مِنَ الشِّرْكِ بِالْمُنازَعَةِ. وَمِنْ أيْنَ لَكَ أنْ تُنازِعَهُ فيما لا تَمْلِكُهُ مَعَهُ؟! وَأَلْقِ نَفْسَكَ في مَمْلَكَتِهِ فَإنَّكَ قَليلٌ في كَثيرِها. وَصَغيرٌ في كَبيرِها، يُدَبَِّرُكَ كَما يُدَبِّرُها. فَلا تَخْرُجْ عَمّا هُوَ لَكَ مْنَ العُبودِيَّةِ، إلى ما لَيْسَ لَكَ مِنِ ادِّعاءِ وَصْفِ الرُبوبِيَّةِ. فَإنَّ التَّدْبيرَ وَالاخْتِيارِ مْنْ كَبائِرِ القُلوبِ وَالأسْرارِ. وَتَجِدُ ذلِكَ في كِتابِ اللهِ تَعالى، قالَ اللهُ تَعالى: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} (القصص: 68).

وَأمَّا التَّضَرُّعُ إلى اللهِ تَعالى فَفيهَ نُزولُ الزَّوائِدِ، وَرَفْعُ الشَّدائِدِ، وَالانْطِواءِ في أَرْدِيَةِ المِنَنِ، وَالسَّلامَةَ مِنْ المِحَنِ. فَتُعَوَّضُ جَزاءَ ذلِكَ أَنْ يَتَوَلّى مَوْلاكَ الدَّفْعَ عَنْ نَفْسِكِ في المضارِّ، وَالجَلْبَ لَكَ في المَسارِّ. وَهُوَ البَابُ الأعْظَمُ، وَالسَّبيلُ الأقْوَمُ. يُؤَثِّرُ مَعَ الكُفْرانِ، فَكَيْفَ لا يُؤَثِّرُ مَعَ الإيمانِ، ! ألَمْ تَسْمَعْ قَوْلَهُ تَعالى:

{وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُوراً} (الإسراء: 67). أَيْ: فَأَجابَكُمْ، وَهُوَ البابُ الَّذي جَعَلَهُ اللهُ تعالى بَيْنَهُ وَبَيْنَ عِبادِهِ. تَرِدُ وارِداتُ الألْطافِ عَلى مَنْ تَوَجَّهَ إلَيْهِ. وَتَتَوالى المِنَنُ عَلى مَنْ وَقَفَ بِهِ عَلْيهِ. وَيصْلُ إلى حَقيقَةِ العِنايَةِ مَنْ دَخَلَ مِنْهُ إلَيْهِ. وَمَتى فَتَحَ عَلَيْكَ بِهِ فَتَحَ عَلَيْكَ مِنْ كُلِّ خَيْراتِهِ، وَأوْسَعِ هِباتِهِ. وَتَجِدُ ذلِكَ في كِتابِ اللهِ تَعالى: {فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا} (الأنعام: 43).

وَأمّا حُسْنُ الظَّنِّ بِاللهِ فَبَخٍ بَخٍ بِمَنْ مَنَّ اللهُ عَلَيْهِ بِها. فَمَنْ وَجَدَها لَمْ يَفْقِدْ مِنَ الخَيْرِ شَيْئاً، وَمَنْ فَقَدَها لَمْ يَجِدْ مِنْهُ شَيْئاً. لا تَجِدُ لَكَ عُذْراً عِنْدَ اللهِ أنْفَعَ لَكَ مِنْها، وَلا أجْدى. وَلا تَجْدُ أَدَلَّ عَلى اللهِ مِنْها، وَلا أَهْدى. تُعَلِّمُكَ عَنِ اللهِ بِما يُريدُ أَنْ يَصْنَعَهُ مَعَكَ. وَتُبَشِّرُكَ بِبَشائِرَ لا تَقْرَأُ سُطورَها العَيْنانِ. وَلا يُتَرْجِمُ عَنْها اللِّسانُ. وَتَجْدُ ذلِكَ في سُنَّةِ رَسولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حاكِيا عَنِ الله: "أنا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدي بِي".


وَأمّا تَجْديدُ التَّوْبَةِ إلَيْهِ، فَهِيَ عَيْنُ كُلِّ رُتْبَةٍ ومَقامٍ، أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ، باطِنِهِ وَظاهِرِهِ. لا مَزِيَّةَ لِمَنْ فَقَدَها، وَلا فَقْدَ لِمَنْ وَجَدَها. مِفْتاحُ كُلِّ خَيْرٍ، ظاهِرٍ وَباطِنٍ. رُوحُ المَقاماتِ وَسَبَبُ الوِلاياتِ. وَلَوِ اسْتَوَتْ تَوْبَةُ القُطْبِ وَالصّالِحِ لاسْتِواءِ مَقامِهِما لَمْ يَرْتَفِعْ عَنْهُ رَفيعُ المَقامِ لِرِفْعَةِ شَأنِهِ، وَلِعَظيمِ إيْقانِهِ. لَمْ يَجْعَلِ الحَقُّ سُبْحانَهُ وَتَعالى رُتْبَةً دونَها، إلّا الظُلْمَ، فَقال سُبْحانَهُ وَتَعالى: {وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (الحجرات: 11).

فَهِيَ مَطْلوبَةٌ مِنْ كُلِّ رَسولٍ وَنَبِيٍّ، وَصِدِّيقٍ وَوَلِيٍّ، وَبارٍّ تَقِيٍّ، وَفاجِرٍ غَوِيٍّ، وَكافِرٍ شَقِيٍ. وَتَجْدُ ذلِكَ في كِتابِ اللهِ تَعالى، قالَ اللهُ سُبْحانَهُ وَتَعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ} (النساء: 1). فَتَقْواهُ بِالتَّوْبَةِ إلَيْهِ، والنَّدَمِ بَيْنَ يَدَيْهِ. فَأَهْلُ الشُّرورِ تَوْبَتُهُمْ بِالخُروجِ مِنْ شُرورِهِمْ، وَأَهْلُ الخُيورِ تَوْبَتُهُمْ بِعَدَمِ الوُقوفِ مَعَ خُيورِهِمْ، وِرْداً كانَتْ أَوْ وارِداً، كِلاهُما مَعَ عَدَمِ الوُقوفِ مَعَهُما واحِدٌ. {مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ} (الحج: 78). وإنَّ مِنْ مِلَةِ إبْراهيمَ عَدَمَ الوُقوفِ مَعَ الفَانِياتِ، وَالانْقِطاعَ عَنْ نَظَرِ الكائِناتِ. قالَ اللهُ سُبْحانَهُ وَتَعالى مُخْبِراً عَنْهُ: {لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ} (الأنعام:76).

وَبِالجُمْلَةِ، مَنْ لَمْ يَنْفَعْهُ القَليلُ، لَمْ يَنْفَعْهُ الكَثيرُ. وَمَنْ لَمْ تَنْفَعْهُ الإِشارَةُ، لَمْ تَنْفَعْ فيهَ العِبارَةُ. وَإِذا أَفْهَمَكَ اللهُ، لَمْ يَنْقَطِعْ سَماعُكَ، وَلَمْ يَتَحَيَّنِ انْتِفاعُكَ.

فَهَّمَنا اللهُ وَإيَّاكَ عَنْهُ، وَأَسْمَعَنا وَإيَّاكَ مِنْهُ، وَقَطَعَنا عَنْ كُلِّ شَيْءٍ سِواهُ، وَأَدْخَلَنا في كَنَفِهِ وَحِماهُ، وَجَعَلَنا مِمَّن بَصَّرَهُ وَهَداهُ، وَإلى كَنَفِهِ آواهُ، وَلا شَتَّتَ قُلوبَنا، وَجَمَعَ عَلَيْهِ هُمومَنا، وَأَزالَ بِالوُصولِ كُروبَنا، آمينَ.


وَالسَّلامَةُ عَلى الجَماعَةِ أَجْمَعينَ وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلى سَيِّدِ المُرْسَلينَ.

تَمَّ بِحَمْدِ اللهِ

هناك نفس الكتاب اذا اردت تحميله
Cant See Links


التوقيع :

لااله الا الله محمد رسول الله
laa ilaaha ilaa allaah muhameed rasoolullah

which means
None is Worthy of Worship But Allah and Muhammed is
the Messenger of Allah

قال تعالى:
(إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي
الألْبَابِ *الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي
خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ*)

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( خيركم من تعلم القرآن وعلمه ))

ذكرى الله في الصباح والمساء
remembrance allah at morning and evening
Fortress of the Muslimحصن المسلم باللغة الانجليزية

ONLINE ISLAMIC BOOKS
http://www.kitabosunnah.com/islamibo...he-muslim.html




http://dalil-alhaj.com/en/index.htm









رد مع اقتباس