عرض مشاركة واحدة
قديم 05-27-2010, 03:30 PM   رقم المشاركة : 2
الكاتب

OM_SULTAN

المشرف العام

OM_SULTAN غير متواجد حالياً


الملف الشخصي








OM_SULTAN غير متواجد حالياً


رد: ٍاصول الفقه في سؤال وجواب

س2)- ما هي أنواع الإجماع ؟


يمكن تقسيم الإجماع باعتبارين هما :-

أولاً باعتبار ذاته

وينقسم إلى :-
1)- الإجماع القولى :- وهو أن يتفق قول الجميع على حكم , بأن يقول الجميع مثلاً (( هذا حرام , أو هذا حلال )) .
2)- الإجماع العملي :- وهو أن يتعامل المجتهدون جميعاً في عصر ما بنوع من المعاملة كأن يتعاملوا بالتجارة مثلاً فإن عملهم هذا يدل على أن ما عملوه مشروع ويفيد جوازه .
3)- إجماع السكوت :- وهو أن يشتهر القول أو الفعل من البعض فيسكت الباقون عن إنكاره .
وقد اختلف العلماء على حجية إجماع السكوت فبعضهم اعتبره حجة والبعض الآخر لم يعتبره حجة وسبب الخلاف هو أن السكوت محتمل للرضا وعدمه ,
فمن رجح جانب الرضا وجزم به قال إنه حجة , ومن رجح جانب المخالفة وجزم به قال إنه لا يكون حجة .
لذلك لا يمكن إطلاق الحكم على إجماع السكوت بل لا بد من النظر في القرائن وأحوال الساكتين وملابسات المقام .

ثانياً باعتبار قوته

وينقسم إلى :-
1)- القطعي :- وهو ما يعلم وقوعه من الأمة بالضرورة كالإجماع على وجوب الصلوات الخمس وتحريم الزنى , وهذا النوع لا أحد ينكر ثبوته ولا كونه حجة , ويكفر مخالفة إذا كان ممن لا يجهله .
2)- الظني :- وهو ما لا يعلم إلا بالتبليغ والاستقراء وقد اختلف العلماء في إمكانية ثبوته , وأصح الأقوال ما قاله شيخ الإسلام ابن تيميه وهو أن الإجماع الذي ينضبط هو إجماع السلف الصالح وهم الصحابة والتابعون وتابع التابعون (( أي القرون الثلاثة المفضلة )) إذ بعدهم كثرت الاختلافات وانتشرت الأمة .

س3)- ما هي الأدلة على وحجية الإجماع ؟
قول الله تعالى { وَمَنْ يُشَاقِقْ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا } , ووجه الدلالة بهذه الآية أن الله توعد من يتبع غير سبيل المؤمنين بالعذاب الشديد , ولا يكون هذا الوعيد إلا على شيء محرم , فيكون اتباع سبيل غير المؤمنين محرماً , ويلزم من وجوب اتباع سبيل المؤمنين حجية الإجماع إذ المراد بسبيل المؤمنين ما يختارونه من قول أو فعل أو اعتقاد .
وقوله تعالى {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا }
ووجه دلالة هذه الآية أن الله امتدح هذه الأمة بأن جعلها خياراً , ولا يحسن هذا المدح إلا إذا كانوا على صواب , والصواب يجب اتباعه , وهو يدل على حجية الإجماع .
وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمََ { لَا يَجْمَعَ أُمَّتِي عَلَى ضَلَالَةٍ }
رابعاً : القياس وأنواعه

تعريف القياس

س1)- عرف القياس ؟
القياس هو حمل فرع على أصل في حكم لعلة جامعة بينهما .
ومن هذا التعريف نستنتج أن للقياس أربعة أركان هي :-
الركن الأول الأصل
وهو المحل الذي ثبت فيه الحكم , ويسمى المقيس عليه , والمشبه به , والملحق به
الركن الثاني الفرع
وهو المحل الذي لم يرد فيه نص , ويراد معرفة حكمه , ويسمى المقيس , والمشبه , والملحق .
الركن الثالث حكم الأصل
وهو الحكم الشرعي الثابت للأصل بالكتاب أو السنة أو إجماع , أما حكم الفرع فلا يعتبر ركناً لأن حكم الفرع ليس جزءاً من ماهية القياس , وإنما هو ثمرة القياس ونتجته , لأن ظهوره للمجتهد متأخر عن حكم الأصل , فهو لم يظهر له إلا بعد عملية القياس , والركن لا يتأخر عن الماهية .
الركن الرابع العلة
وهى الوصف الذي شرع الله من أجله حكم الأصل ووجده المجتهد في الفرع أيضا .
واليكم هذا المثال الذي يبين هذه الأركان الأربعة :-
وهو قوله صلى الله عليه وسلم { الْقَاتِلُ لَا يَرِثُ } فهذا الحديث يدل دلالة واضحة على أن الوارث إذا قتل موروثه ظلماً وعدواناً فإنه لا يرثه , فحرمان الوارث القاتل من الميراث حكم شرعي , فإذا بحث المجتهد عن علة هذا الحكم فإنه يجد إنها القتل المحرم , وحيثما وجدت هذه العلة غلب على ظنه وجود الحكم معها , لأن الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً .
ولذلك إذا قتل الموصى له الموصى فانه يمنع من اخذ الوصية لوجود العلة وهى (( القتل غير المشروع )) .
•فقتل الوارث موروثه : هو الأصل المنصوص على حكمه .
•ومنع القاتل من الميراث : هو حكم الأصل .
•والقتل المحرم : هو علة الحكم .
•وقتل الموصى له الموصى : هو الفرع .

س2)- ما معنى كل من (( تنقيح المناط - تخريج المناط - تحقيق المناط )) عند الأصوليين ؟

تنقيح المناط

معنى تنقيح المناط تخليصه من كل ما ليس له دخل في العلية , ويكون ذلك عندما تكون العلة منصوصاً عليها وتكون مشتملة على أوصاف متعددة ولم يوجد ما يعين أحد هذه الأوصاف للعلية .
واليكم هذا المثال الذي يبين هذا :-
قصة الأعرابي الذي جاء فزعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم واخبره بأنه جامع زوجته في نهار رمضان عمداً فأوجب عليه النبي صلى الله عليه وسلم الكفارة .
فإيجاب الكفارة حكم شرعي على الأعرابي , والذي وقع فيه الأعرابي أمور متعددة هي :-
(1)- الوقاع . (2)- كونه من الأعراب . (3)- كونه في زوجته . (4)- كونه في رمضان معين . (5)- كونه في نهار رمضان متعمداً .
فلكي يصل المجتهد إلى معرفة العلة التي أنيط بها هذا الحكم عليه أن ينقح هذه الأوصاف ويخلصها من كل مالا يصلح لأن يكون علة .
وبالبحث يتضح له أنه لا يصح واحد من تلك الأوصاف أن تكون علة لوجوب الكفارة سوى واحد , وهى الوقاع في نهار رمضان عمداً , وبذلك يتعين أن يكون هذا الوصف هو مناط الحكم الذي هو إيجاب الكفارة , غير أن الفقهاء اختلفوا في أن علة إيجاب الوقاع عمداً في نهار رمضان للكفارة , هل هو لخصوصية فيه فلا يجب في غيره بالأكل ونحوه عمداً ؟ أم إنه إنما كان علة لما فيه من انتهاك حرمة الشهر وعليه فإن الكفارة تجب في ما وجد الانتهاك ؟

تخريج المناط

هو الاجتهاد في استخراج علة الحكم المنصوص عليه , ولم تثبت علته بنص ولا إجماع , ويتم تخريج المناط بأي مسلك من مسالك العلة عدا النص والإجماع .
واليكم هذا المثال الذي يبين هذا :-
إذا ورد نص بتحريم الخمر , ولم تثبت علته بنص ولا إجماع , فإن المجتهد سيبحث عن علة التحريم , وهذا البحث يسمى تخريج المناط .
فتخريج المناط إذاً هو استنباط علة لحكم شرعي ورد به النص ولم يكن هناك نص ولا إجماع يثبت علته .

تحقيق المناط

هو البحث لغرض إثبات علة الحكم المنصوص عليه في واقعة لم ينص على حكمها .
واليكم هذه الأمثلة:-
المثال الأول )- ورد النص بان علة اعتزال النساء في المحيض هو الأذى بقوله تعالى { وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ } , فينظر المجتهد في تحقيق الأذى في النفاس , فإذا ما تحقق ثبت الحكم المنصوص عليه .
المثال الثاني )- ثبت أن علة تحريم الخمر هي الإسكار , فإذا ما أرد المجتهد أن يعرف حكم شرب النبيذ , فعليه أن يثبت أنه مسكر , فمتى ما اثبت هذه العلة ظهر الحكم .

س3)- لقد دل الكتاب والسنة وأقوال الصحابة على أن القياس أحد الأدلة التي تثبت
بها الأحكام الشرعية . اذكر هذه الأدلة ؟


الكتاب

•قوله تعالى { اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ } , والميزان ما توزن به الأمور ويقاس به بينها .
•وقوله تعالى { كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ } , فشبه الله تعالى إعادة الخلق بابتدائه .
•وقوله { وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ } , فشبه إحياء الأموات بإحياء الأرض وهذا هو القياس .

السنة

•عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ جَاءَتْ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ نَذْرٍ أَفَأَصُومُ عَنْهَا قَالَ { أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْنٌ فَقَضَيْتِيهِ أَكَانَ يُؤَدِّي ذَلِكِ عَنْهَا قَالَتْ نَعَمْ قَالَ فَصُومِي عَنْ أُمِّكِ } مسلم , ووجه الدلالة هي أن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قاس دين الله تعالى على دين الآدمي .
•عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَهُ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ امْرَأَتِي وَلَدَتْ غُلَامًا أَسْوَدَ فَقَالَ { هَلْ لَكَ مِنْ إِبِلٍ قَالَ نَعَمْ قَالَ مَا أَلْوَانُهَا قَالَ حُمْرٌ قَالَ هَلْ فِيهَا مِنْ أَوْرَقَ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَأَنَّى كَانَ ذَلِكَ قَالَ أُرَاهُ عِرْقٌ نَزَعَهُ قَالَ فَلَعَلَّ ابْنَكَ هَذَا نَزَعَهُ عِرْقٌ } البخاري , فهذا قياس مقنع لان البشر كالإبل في هذه الناحية فلا فرق .
وقد استعمل الصحابة القياس ومنها ما ذكر عن عمر بن الخطاب في كتابه إلى موسى الأشعري في القضاء .

أنواع القياس

س4)- ما هي أنواع القياس ؟
يمكن تقسيم القياس إلى ثلاثة أقسام بثلاثة اعتبارات وهى :-


باعتبار قوته وضعفه

ينقسم القياس باعتبار قوته وضعفه إلى قسمين هما :-

1)- قياس جلي :- وهو ما ثبتت علته بنص أو إجماع أو كان مقطوعاً فيه بنفي الفارق بين الأصل والفرع
من هذا التعريف يتضح أن العلة يجب أن تكون ثابتة بأحد الأمور الآتية :-
•النص وهو الكتاب والسنة .
•إجماع العلماء على أن هذه هي العلة , لأن الإجماع سبقا لنا أنه حجة ودليل شرعي فإذا اجمع العلماء على أن هذه العلة لهذا الحكم صارت كالعلة التي نص عليها الشارع .
•ما يقطع فيه (( أي يعلم علم اليقين أنه لا فرق بين الأصل والفرع )) .
واليكم هذا الأمثلة لهذه الأنواع الثلاثة :-
أولاً )- ما ثبتت علته بالنص :- وهو قياس المنع من الاستجمار بالدم النجس إلحاقاً على المنع من الاستجمار بالروثة , فإن علة حكم الأصل ثابتة بنص الدليل وهو حديث عبدا لله رضي الله عنه قال {أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يتبرز فقال ائتني بثلاثة أحجار فوجدت له حجرين وروثه حمار فامسك الحجرين وطرح الروثه وقال :-هي رجس }صححه الألباني , والرجس هي النجس .
ثانياً )- ما ثبتت علته بالإجماع :- وهو نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يقضى القاضي وهو غضبان , فإن قياس منع الحاقن من القضاء على منع الغضبان ثبتت علته بالإجماع وهي تشويش الفكر وانشغال القلب
ثالثاً )- ما كان مقطوع فيه بنفي الفارق بين الأصل والفرع :- ومثاله قياس تحريم إتلاف مال اليتيم بالبس على تحريم إتلافه بالأكل للقطع بنفي الفارق بينهما .
2)- القياس الخفي :- وهو ما ثبتت علته باستنباط ولم يقطع فيه بنفي الفارق بين الأصل والفرع .
ومثال ذلك قياس الأشنان على البر في تحريم الربا بجامع الكيل فإن التعليل بالكيل لم يثبت بنص ولا إجماع ولم يقطع فيه بنفي الفارق بين الأصل والفرع إذ من الجائز أن يفرق بينهما بأن البر مطعوم بخلاف الأشنان .

باعتبار إثبات أو نفي الحكم

ينقسم القياس باعتبار إثبات أو نفي الحكم إلى قسمين هما :-

1)- القياس الطردي :- وهو ما اقتضى إثبات الحكم في الفرع لثبوت علة الأصل فيه .
ومثال ذلك قوله صلى الله عليه وسلم { الْقَاتِلُ لَا يَرِثُ } فهذا الحديث يدل دلالة واضحة على أن الوارث إذا قتل موروثه ظلمـاً وعدواناً فإنه لا يرثه ولذلك إذا قتل الموصي له الموصي فإنه يمنع من أخذ الوصية لوجود العلة وهى (( القتل غير المشروع )) .
2)- القياس العكسي :- وهو إثبات نقيض حكم الأصل للفرع لوجود نقيض علة حكم الأصل فيه .
ومثال ذلك قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { وَفِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيَأتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكُونُ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ قَالَ أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي حَرَامٍ أَكَانَ عَلَيْهِ فِيهَا وِزْرٌ فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلَالِ كَانَ لَهُ أَجْرًا } مسلم .
فاثبت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للفرع وهو الوطء الحلال نقيض علة الأصل وهو الوطء الحرام لوجود نقيض علة حكم الأصل فيه , وإثبات للفرع أجراً لأنه وطء حلال كما أن الأصل وزراً لأنه وطء حرام .

باعتبار صحته وبطلانه

ينقسم القياس باعتبار صحته وفساده إلى ثلاثة أقسام هي :-

1)- القياس الصحيح :- وهو ما جاءت به الشريعة في الكتاب والسنة وهو الجمع بين المتماثلين ((أن تكون العلة موجودة في الفرع من غير معارض يمنع حكمها)) .
2)- القياس الفاسد :- وهو كل قياس دل النص على فساده , وكل من الحق منصوصاً بمنصوص يخالف حكمه فقياسه فاسد .
3)- قياس الشبه (( القياس المتردد فيه بين الصحة والفساد )):- وهو أن يتردد فرع بين أصلين مختلفي الحكم وفيه شبه بكل منهما , فيلحق بأكثرهما شبهاً به .
ومثال ذلك العبد هل يملك بالتمليك قياساً على الحر أو لا يملك قياساً على البهيمة ؟
إذا نظرنا إلى هذين الأصلين (( الحر والبهيمة )) وجدنا أن العبد متردد بينهما , فمن حيث أنه إنسان عاقل يثاب ويعاقب وينكح ويطلق يشبه الحر , ومن حيث أنه يباع ويرهن ويوقف ويوهب ويورث ويضمن بالقيمة ويتصرف فيه يشبه البهيمة , وقد وجد أنه من حيث التصرف المالي أكثر شبهاً بالبهيمة فالحق بها .


شروط الاستدلال بالأدلة المتفق عليها

س1)- ما هي شروط الاستدلال بالكتاب والسنة والإجماع والقياس ؟
سبق وأن عرفنا أن الكتاب والسنة والإجماع والقياس من الأدلة المتفق عليها , ولكن هناك شروطاً يجب مراعاتها عند الاستدلال بكل منها وهذه الشروط هي :-

شروط الاستدلال بالكتاب

صحت الاستدلال :- إن المستدل بالقرآن الكريم يحتاج إلى ثبوت دلالته على الحكم لأنه قد يستدل به مستدل ويكون هذا الدليل لا دلالة فيه على ما زعم .

شروط الاستدلال بالسنة
1)- صحت الدليل :-
وهى ثبوت سندها إلي النبي صلى الله عليه وسلم , لأن الأحاديث منها ما هو صحيح ومنها ما هو ضعيف .
2)- صحت الاستدلال :- لأن المستدل بالسنة يحتاج إلى ثبوت دلالته على الحكم كما هو الحال في القرآن الكريم .

شروط الاستدلال بالإجماع


1)- أن يثبت بطريق صحيح :- بأن يكون إما مشهوراً بين العلماء , أو ناقله ثقة واسع الاطلاع .
2)- ألا يسبقه خلاف مستقر :- فإن سبقه خلاف ولم يتراجع المخالف عن قوله فلا إجماع لأن الأقوال لا تبطل بموت قائليها , أما إن تراجع المخالف عن قوله ووفق ما اجمع عليه يكون إجماعاً لأن الخلاف لم يستقر .

شروط الاستدلال بالقياس

1)- أن لا يصادم دليلاً أقوى منه :- فلا اعتبار بقياس يصادم النص (( الكتاب والسنة )) أو الإجماع , ويسمى هذا القياس (( فاسد الاعتبار )) .
2)- أن يكون حكم الأصل ثابتاً بنص أو إجماع :- فإن كان ثابتاً بقياس لم يصح القياس عليه .
3)- أن يكون لحكم الأصل علة معلومة ليمكن الجمع بين الأصل والفرع فيها :- فإن كان حكم الأصل تعبدياً محضاً لم يصح القياس عليه .
4)- أن تكون العلة مشتملة على معنى مناسب للحكم يعلم من قواعد الشرع اعتباره :- ومثاله ما ثبتت علة بنص أو إجماع أو ما كان مقطوع فيه بنفي الفارق بين الأصل والفرع .
5)- أن تكون العلة موجودة في الفرع كوجودها في الأصل :- ومثال ذلك قوله صلى الله عليه وسلم { الْقَاتِلُ لَا يَرِثُ } فهذا الحديث يدل دلالة واضحة على أن الوارث إذا قتل موروثـه ظلمـاً وعدواناً فإنه لا يرثه ولذلك إذا قتل الموصي له الموصي فإنه يمنع من اخذ الوصية لوجود العلة في كلاً من الأصل والفرع وهى (( القتل غير المشروع )) .

الأدلة المختلف فيها

قول الصحابي - شرع من قبلنا- العرف - الاستحسان - المصالح المرسلة

أولا:قول الصحابي

س1)- عرف الصحابى ؟
الصحابي:- هو من اجتمع بالنبي صلى الله عليه وسلم أو راه مؤمناً به ومات على ذلك فيدخل فيه من ارتد ثم رجع إلى الإسلام .

س2)- هل قول الصحابي حجة ؟
اتفق العلماء على أن :-
1]

- قول الصحابى (( الذى لم يعرف بالأخذ عن أهل الكتاب )) قولاً لا مجال للاجتهاد فيه ولا يتعلق ببيان لغةأو شرح غريب.
2]- فعل الصحابى إذ لم يكن من قبيل الرأي .
له حكم الرفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم ويعتبر من السنة التى يجب اتباعها .
واختلفوا في قول الصحابي الذي ليس له حكم الرفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم هل هو حجة أم لا على قولين فمنهم من قال إنه حجة وعلل ذلك بأن الصحابة أقرب إلى الصواب , لكونهم شاهدوا النبي صلى الله عليه وسلم وعرفوا من أقواله وأفعاله وأحواله ما لم يعرفه أحد , ولأنهم أخلص لله نية وأبعد عن الهوى , ولأنهم خير هذه الأمة بشهادة النبي صلى الله عليه وسلم لقوله {خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ } البخاري . ولأنهم مقدمون على غيرهم في كتاب الله تعالى قال تعالى{ وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ } , وهذا يدل على أن لهم قولاً متبوعاً , فهذه الوجوه تدل على أن قول الصحابة حجة .
وقال البعض إنه لا حجة إلا فيما قاله الله ورسوله صلى الله عليه وسلم لأن الله تعالى قال {لِأَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ } , وقال تعالى {مَنْ يُطِعْ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا } , وقال تعالى { وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا } , ومعلوم أننا لو اتبعاً الصحابة لكنا أطعنا غير الرسول صلى الله عليه وسلم , أخذنا بغير ما قال الرسول صلى الله عليه وسلم , وهذا لادليل على وجوبه , وما ذكر من الأوصاف السابقة في الصحابة فنحن نؤمن بها لكن هذا لا يقتضي أن يكون ما قالوه مما لم يرد به نص حجة يجب اتباعها .
س3)- ما هو القول الراجح في حجية قول الصحابي ؟
يمكن تقسيم حجية أقوال الصحابة إلى ثلاثة أقسام حسب اختلاف أحوالهم :-
القسم الأول :- من نص الشرع على أن أقوالهم حجة فهذا واضح في أن قولهم حجة بنص الشرع .
ومثل ذلك :-
•قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { اقْتَدُوا بِاللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ } .فهذا نص في أن قولهما حجة لأنه قال اقْتَدُوا بِاللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي , وهذا لايعني أن الاقتداء بهما فيما فعلاه من سنته صلى الله عليه وسلم , إذ لو كان هذا هو المعنى لكان الحديث عديم الفائدة , لأن الاقتداء بمن أخذ بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم أمر مأمور به ولو كان الذي اقتدى به من القرن السابع أو العاشر .
•وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { َإِنْ يُطِيعُوا أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ يَرْشُدُوا } البخاري .وهذا الحديث صريح في الاقتداء بهما .
•وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسَنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ} , فهذا الحديث يدل على اتباع سنة الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واتباع سنة الخلفاء الراشدين من بعده .
القسم الثاني )- من عرفوا بالإمامة في الدين والفقه في العلم , فهؤلاء أيضا يعتبر قولهم حجة ولكن ليس مثل من نص الشرع على الاقتداء بهم.
القسم الثالث :- من لم يتصفوا بهذه الأوصاف السابقة (( القسم الأول والثاني )) . فقول هذا القسم من الصحابة ليس بحجة على القول الراجح .
وقول الصحابي الذي ذهب الأئمة إلى الاحتجاج به لا يكون مخالفاً للنص , فإذا خالف النص أخذ بالنص وترك قول الصحابي .
وهذا المثال يوضح ذلك :- كان على بن أبى طالب (( من القسم الأول )) , وابن عباس (( من القسم الثاني )) رضى الله عنهما يريان أن المرأة الحامل إذا توفى عنها زوجها اعتدت بأطول الأجلين (( الأشهر أو وضع الحمل )) فيقولان : إن وضعت قبل أربعة أشهر وعشرة أيام انتظرت حتى تتم أربعة أشهر وعشرة أيام , إن تم لها أربعة أشهر وعشرة أيام ولم تضع انتظرت حتى تضع. وقد خالف قولهما هذا النص وهو : {إن سبيعة الأسلمية نفست بعد موت زوجها بليال , فأذن لها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تتزوج}
أما إذا خالف قول الصحابي قول صحابي آخر نأخذ بالراجح منهما والراجح هو الأقرب إلى النص .

ثانياً:شرع من قبلنا

س1)- ما المراد بشرع من قبلنا ؟

المراد بشرع من قبلنا تلك الأحكام التي شرعها الله تعالى للأمم السابقة على لسان الأنبياء الذين أرسلهم الله إلى تلك الأمم , مثل سيدنا نوح وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم وعلى نبينا افضل الصلاة والتسليم .
ملاحظة :- إن المقصود من الأحكام الواردة فيما سبق هي تلك الأحكام التي قصها علينا القرآن الكريم أو جاءت على لسان الرسول صلى الله عليه وسلم , أما ماعدا ذلك من أحكام الشرائع السابقة فالإجماع منعقد على عدم العمل بها , ولذلك فلا يعمل بحكم ثبت بالتوراة أو الإنجيل ولم يرد ذكره في الكتاب ولا في السنة لأن كلاً من التوراة والإنجيل قد تعرضا للتحريف والتغيير .

س2)- هل يعتبر شرع من قبلنا شرعاً لنا أم لا ؟
للإجابة على هذا السؤال نقول إن أحكام من قبلنا تتنوع إلى ثلاثة أنواع :-
النوع الأول )- أحكام ورد في القرآن الكريم أو في السنة النبوية الشريفة ما يفيد إنها منسوخة بالنسبة لأمة محمد صلى الله عليه وسلم وهذه لا تعتبر شرعاً لنا باتفاق العلماء .
ومثال ذلك :- كان العاصي في شريعة موسى عليه السلام لا يكفر ذنبه إلا أن يقتل نفسه قال تعالى { وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمْ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ } , أما العاصي من أمة محمد صلى الله عليه وسلم فتكفيه التوبة الصادقة إلى الله تعالى ليكفر عن ذنبه .

النوع الثاني )- أحكام أقرتها الشريعة الإسلامية , ووافقت فيها الشرائع السابقة وإن اختلفت معها أحيانا في الشكل والكيفية , وقد اتفق العلماء على إنها شرعاً لنا .
مثل الصيام فإنه كان واجباً في الشرائع السابقة وقد أبقت الشريعة الإسلامية على هذا الحكم ,قال تعالى { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } , ولا شك إن كيفية أداة هذا الحكم تختلف في الشريعة الإسلامية عن الشرائع السابقة .
ومثال آخر وهو الأضحية فقد كانت مشروعة في ملة إبراهيم عليه السلام وقد أقرها الإسلام .
النوع الثالث )- أحكام قصها الله علينا في كتابه العزيز أو جاءت على لسان نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ولم يوجد في سياق النص أو في نص آخر ما يفيد أنها منسوخة عنا ولا ما يفيد أنها مقررة علينا .
وقد اختلف العلماء في الاحتجاج بها , فذهب الأكثر إلى أنها شرعاً لنا وهذا هو القول الراجح .

ثالثاً:العرف وأنواعه

س1)- ما المراد بالعرف ؟
يطلق العرف لغة على كل ما تعرفه النفس من الخير وتطمئن إليه , ويطلق أيضا على المعروف , وهو الخير والرفق والإحسان .
أما اصطلاحاً فهو ما اعتاد جمهور الناس وألفوه من فعل شاع بينهم أو لفظ تعارفوا إطلاقه على معنى خاص , بحيث لا يتبادر غيره عند سماعه .

س2)- ما الفرق بين العرف والعادة ؟
ذهب بعض الفقهاء إلى أنه لا فرق بين العادة والعرف , فهما لفظان مترادفان , وذهب المحققون منهم إلى أن العادة أعم من العرف لأنها تكون من الفرد ومن الجماعة , أما العرف فلا يكون إلا من جميع الناس أو أغلبهم .

س3)- ما الفرق بين العرف والإجماع ؟
قد يتبادر إلى الذهن أن العرف والإجماع شئ واحد , لأن كلاً منهما يتمثل في قول أو فعل طائفة من الناس , ولكن بشيء من التأمل في حقيقة كل واحد منهما ونوع الحكم المترتب عليه ومدى صلاحيته يتضح أن بينهما عدة فروق سواء من حيث الماهية أو من حيث قوة الحكم الثابت بهما , أو من حيث بقاء ذلك الحكم واستمراره .
ومن هذه الفروق ما يلي :-
1)- إن العرف يتحقق باتفاق أغلب الناس على قول أو فعل بغض النظر عن صفتهم , فهو يتحقق باتفاق المجتهدين وباتفاق غيرهم من الأميين والعوام .
أما الإجماع فلا يتحقق إلا باتفاق المجتهدين خاصة على حكم شرعي عملي , ولاعتداد باتفاق من سواهم
2)- إن العرف يتحقق باتفاق أغلب الناس ولا يتأثر بمخالفة بعضهم له .
أما الإجماع فلا يتحقق إلا باتفاق جميع المجتهدين , فإذا خالف مجتهد واحد في المسألة فإنه لا ينعقد .
3)- إن الحكم الثابت بالإجماع الصريح يكون كالحكم الثابت بالنص , فلا مجال فيه للاجتهاد , ولا يقبل التغيير بحال .
أما الحكم الثابت بالعرف فهو على خلاف ذلك .

أنواع العرف

س4)- ما هي أنواع العرف ؟
يمكن تقسيم العرف إلى ثلاثة أنواع بثلاثة اعتبارات وهى :-


النوع الأول )- القولي والعملي .
1)- العرف القولي :- وهو أن يتعارف جمهور الناس على إطلاق لفظ معين خاص بحيث إذا أطلق هذا اللفظ انصرف الذهن إلى ذلك المعنى المتعارف عليه دون حاجة إلى قرينة .
مثال ذلك :-
أ]- إطلاق لفظ الولد على الذكر دون الأنثى مع إنه في اللغة يشملهما معاً قال الله تعالى { يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ } .
ب]- إطلاق لفظ اللحم على ما عدا السمك مع إنه يسمى في اللغة لحماً يشهد لذلك قوله تعالى { وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا } , فقد سماه لحماً .
2)- العرف العملي :- وهو ما اعتاده جمهور الناس في تصرفاتهم , وساروا عليه في معاملاتهم .
مثال ذلك :-
تعارفهم على البيع بالتعاطي من غير صيغة لفظية بالإيجاب و القبول , وذلك بأن يدفع المشترى الثمن للبائع في السلع المعلومة الثمن , ويأخذ السلعة دون أن يقع منهما صيغة لفظية .
النوع الثاني )- العام والخاص .
1)- العرف العام :- وهو الذي يتعارفه أهل البلاد جميعاً في زمن من الأزمنة .
ومثال ذلك :-
تعارفهم على أن أجرة دخول الحمام لا تتعلق بمدة المكث فيه , ولا مقدار الماء المستهلك .
2)- العرف الخاص :- وهو ما كان سارياً في بعض البلدان دون باقيها , أو طائفة دون غيرها من الطوائف .
ومثال ذلك :-
تعارف أهل العراق على إطلاق لفظ الدابة على الفرس فقط .
النوع الثالث )- الصحيح والفاسد .
1)- العرف الصحيح :- وهو ما تعارف عليه الناس , وليس فيه مخلفة لنص ولا تفويت لمصلحة , ولا جلب لمفسدة .
ومثال ذلك :-
تعارف الناس على أن ما يقدمه الخاطب إلى خطيبته من ملابس ونحوها إنما هو هدية فقط وليس له علاقة بالمهر .
2)- العرف الفاسد :- وهو ما خالف نصاً شرعياً أو فوت مصلحة أو جلب مفسدة .
مثال ذلك :-
تعارف الناس على بعض العقود الربوية , وعلى بعض العادات المستنكرة التي تفعل في الأفراح والمآتم , ولا شك إن هذا النوع من العرف لا يلتفت إليه ولا يعول عليه , بل يجب محاربته والقضاء عليه .

س5)- هل يعتبر العرف حجة أم لا ؟
لا خلاف بين الفقهاء في أن العرف إذا كان مخالفاً لأدلة الشرع مناقضاً لحكمة وأهدافه , لا يعتد به بل يجب إلغاؤه , لأنه في بقائه من المفاسد ما يعلمها إلا الله , ولذلك فإن الشرع الحكيم قد ألغى جميع الأعراف الفاسدة الموجودة عند العرب قبل الإسلام مثل الطواف بالبيت عراة , ودفن البنات أحياءً , وحرمان النساء من الميراث , ونكاح الرهط , ونحو ذلك من الأعراف التي كانت قبل مجيء الإسلام .
ولا خلاف أيضا بينهم في أن العرف إذا كان صحيحاً بأن كان لا يخالف دليلاً من الأدلة الشرعية ولا قاعدة من قواعد الدين فإنه يجب الاعتداد به واعتباره .
أما إذا كان خاصاً فإنه محل خلاف بينهم , فقد ذهب فريق منهم إلى عدم الاعتداد به , وذهب فريق آخر إلى القول بوجوب الاعتماد عليه , وهذا هو القول الراجح الذي يدل عليه فعل النبي صلى الله عليه وسلم وفعل أصحابه من بعده .

س6)- ما هي شروط العمل بالعرف ؟

للعمل بالعرف شروطاً ثلاث يجب مراعاتها وهى :-
1)- أن يكون سابقاً أو مقروناً لإنشاء التصرف , فإذا حصل نزاع بين شخصين مثلاً في أي تصرف من التصرفات فإن العرف الذي يحكم به في هذا النزاع هو الموجود وقت النزاع , وبناءً على ذلك فلا يعتد بأي عرف طرأ بعد النزاع .
مثال ذلك :-
لو حلف شخص أن لا يأكل لحماً وكان عرف أهل البلد أن اللحم كل لحماً سوى السمك , فإذا ما تغير هذا العرف في هذه البلدة بعد ذلك واصبح يطلق على السمك لحماً , فإن هذا العرف المتغير لا يؤثر على هذا الشخص لأن اليمين سبق هذا العرف , وإنما يؤثر فيما يحدث بعده .
2)- أن لا يكون مخالفاً لشرط صريح , فإذا خالف العرف شرطاً صريحاً لا يعمل به .
مثال ذلك :-
إذا كان عرف أهل البلد تعجيل نصف الصداق وتأجيل النصف الآخر , واشترطت الزوجة على الزوج تعجيله كله وقبل هو هذا الشرط وجب عليه تعجيله كله , ولا يلتفت إلى العرف في هذه الحالة .
3)- أن لا يكون معطلاً لنص ولا مناقضاً لأصل شرعي فإذا كان هناك نص يمنع من فعل الشيء المتعارف عليه فإنه لا يعمل بهذا العرف .
ملاحظة :- إن السيمة المميزة للأحكام المستندة إلى العرف إنها غير ثابتة بل إنها تتغير بتغير العرف , وعلى هذا قد يتغير رأى الفقيه في القضية الواحدة بتغير العرف ويعبر الفقهاء عن هذا الاختلاف بأنه (( اختلاف عصر وزمان لا اختلاف حجة وبرهان )) .
ومثال ذلك :-
ما فعله الإمام الشافعي رحمة الله حينما جاء إلى مصر فإنه قد غير رأيه في كثير من الأحكام التي بناها على عرف أهل بغداد , وكان هذا التغير نتيجة حتمية لاعتبار عرف أهل مصر المخالف لعرف أهل بغداد .

رابعاً: الاستحسان

س1)- ما هو الاستحسان ؟
الاستحسان هو العدول بالمسألة عن حكم نظائرها إلى حكم آخر أقوى يقتضي هذا العدول .
شرح التعريف
من هذا التعريف يتضح أنه يوجد في المسألة دليلان إحداهما عام أو ظاهر والآخر خاص أو خفي وكان مقتضى هذا الظاهر إن هذه المسألة تأخذ حكم نظائرها بما دل عليه الدليل الظاهر , ولكن بعد التأمل وجد المجتهد أن الدليل الآخر أقوى و أوضح فعدل بها عن حكم نظائرها إلى حكم آخر , فهذا العدول هو المسمى بالاستحسان .

س2)- هل الاستحسان حجة أم لا ؟
ينسب إلى طائفة من الفقهاء القول بحجية الاستحسان والاعتماد عليه في إثبات الأحكام الشرعية , وينسب إلى طائفة أخر منهم القول بعدم الاحتجاج به , بل والتشنيع على من يحتج به .
ومن يقف على هذه الأقوال يتبادر إلى ذهنه أن مسألة الاستدلال بالاستحسان مسألة خلافية , ولكن بعد التدقيق يتضح أن للاستحسان نوعان هما :-
النوع الأول وهو الاستحسان الصحيح باتفاق العلماء .
وهو ترجيح دليل على دليل أو هو العمل بالدليل الأقوى أو الأبين , وهذا ما يعبر عنه الفقهاء ((العدول بحكم المسألة عن نظائرها لدليل خاص من الكتاب أو السنة )) .
النوع الثاني وهو الاستحسان الباطل باتفاق العلماء .
وهو ما استحسنه المجتهد بعقله دون استناد إلى شيء من أدلة الشريعة المعتبرة .
ومما سبق يتضح أن لفظ الاستحسان من الألفاظ المجملة فلا يصح الحكم عليها بالصحة أو الفساد إلا بعد معرفته من أي الأنواع .

س3)- ما هي أنواع الاستحسان الصحيح؟
يمكن تقسيم الاستحسان باعتبار نوع الدليل الذي ثبت به إلى :-
1)- استحسان ثبت بالنص (( القران أو السنة )) :-
مثال ما ثبت بالقرآن :-
عقد الإجارة :- فإن مقتضى القياس الظاهر أن هذا العقد لا يجوز لأن المعقود عليه غير موجود , والعقد على المعدوم يؤدى إلى الغور فيكون باطلاً , ولكن جاز استحساناً وسند هذا الاستحسان النص القرآني الكريم وذلك في قوله تعالى {عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَةَ حِجَجٍ } .
مثال ما ثبت بالس
نة :-


الأكل والشرب نسياناً في نهار رمضان :- فإن ظاهر القياس يقتضي فساد الصوم , لأن الإمساك عن المفطرات من أركان الصوم , ولكن صح الصوم استحساناً وسند هذا الاستحسان قول النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ أَكَلَ نَاسِيًا وَهُوَ صَائِمٌ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ} البخاري , فقد عدل الفقهاء عن ظاهر القياس إلى النص وهذا العدول يسمى استحسان , والنص المعدول إليه هو وجه الاستحسان ودليله .
2)- استحسان ثبت بالإجماع .ومثال ذلك :- لو اتفق شخص مع آخر على أن يصنع له شيئاً ما فإن مقتضى القياس الجلي أن هذا العقد باطلاً لأنه عقد على شيء غير موجود , وقد عدل عن مقتضى هذا القياس إلى القول بجوازه استحساناً , فقد جرى التعامل به في جميع الأعصار والأمصار دون أن ينكر أحد .
3)- استحسان ثبت بالعرف .
ومثال ذلك :- لو حلف شخص أن لا يأكل لحماً واكل سمكاً , فان مقتضى اللفظ انه يحنث لان القران سمى السمك لحماً قال تعالى { وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا } , ولكن الفقهاء نصوا على أنه لا يحنث (( إذا كان عرف أهل البلد لا يسمي السمك لحماً )) , فالعدول إلى عدم الحنث هو الاستحسان ودليله العرف .

خامساً: المصالح المرسلة

س1)- ما هي أقسام مطلق المصلحة ؟
تتنوع المصلحة من حيث اعتبار الشارع لها وعدم اعتباره إلى ثلاثة أنواع هي :-

النوع الأولى:المصلحة المعتبرة

وهي التي ورد دليل شرعي من الكتاب أو السنة أو الإجماع يفيد أن الشارع قد رعاها , فشرع من الأحكام ما يحقق تلك المصلحة .
وهذا النوع يدخل في عموم القياس , ولذلك يتفق جميع القائلين بحجية القياس على جواز التعليل به وبناء الحكم عليه .
ومثال ذلك :- ما يسمى بالضروريات الخمس وهى :-
1)- حفظ الديـن .
2)- حفظ النفس .
3)- حفظ العقل .
4)- حفظ النسب .
5)- حفظ المـال .
فمن أجل مثلاً حفظ المال وحمايته حرمت السرقة , وشرع حد قطع يد السارق .
ومن أجل حفظ النفس شرع القصاص , وحرم الاعتداء عليها .
ومن أجل حفظ العقول حرم شرب الخمر وغيرها من المسكرات وواجب الحد على شاربها .
إلى غير ذلك من المصالح التي اعتبرها الشارع وشرعت الأحكام لتحقيقها .

النوع الثاني: المصلحة الملغاة

هي المصلحة التي يرها العبد (( بنظرة القاصر )) مصلحة ولكن الشرع ألغاها و أهدرها ولم يلتفت إليها , بل جاءت الأدلة الشرعية بمنعها والنهي عنها من الكتاب أو السنة أو الإجماع أو القياس .
وإليكم هذه الأمثلة:-
1)- الاستسلام للعدو :- فقد يظهر لأول مرة أن فيه مصلحة وهى حفظ النفس من القتل , ولكن هذه المصلحة لم يعتبرها الشارع , لأن هناك مصلحة أرجح منها , وهي احتفاظ الأمة الإسلامية بالعزة والكرامة فشرع الله القتال لتحقيق هذه المصلحة العظيمة ودفعاً للمفاسد المترتبة على الخضوع والاستسلام للعدو .
2)- تعدد الزوجات :- قد يبدو لأول وهلة أن في منع تعدد الزوجات مصلحة وهي تلافي ما يحدث بين الضرائر من منازعات وخصومات قد تؤدى إلى حل الروابط بين أفراد الأسرة الواحدة , ولكن الشارع الحكيم لم يعتبر هذه المصلحة ولم يعتد بها حيث أباح التعدد , واكتفى باشتراط العدل بين الزوجات فقال تعالى { فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً } , وذلك لما يترتب على التعدد من المصالح التي لا تكاد تحصى والتي من أهمها :-
1)- كثرة النسل والتوالد الذي هو المقصود الأول من تشريع الزواج
2)- صون أصحاب الشهوات الحادة من الوقوع في رذيلة الزنا واتخاذ الخليلات .
3) - علاجاً اجتماعياً عندما يعرض للأمة نقص في رجالها وبخاصة في أعقاب الحروب .
وبهذا يدرك أن الشارع لم يلغ أية مصلحة من المصالح إلا إذا ترتب على اعتبارها ضياع مصلحة ارجح منها

النوع الثالث: المصلحة المسكوت عنها

وهى المصلحة آتى لم يرد من الشارع ما يفيد اعتبارها ولا إلغاءها .
وتسمى المصلحة المرسلة , فلمصلحة المرسلة إذ هي التي لم يشرع حكم لتحقيقها ولم يشهد لها أصل خاص بالاعتبار أو الإلغاء .
فإن شهد لها اصل خاص باعتبار دخلت في عموم القياس , وأن شهد لها بعدم الاعتبار كانت باطلة .
وإليكم هذا المثال :-
قتل الجماعة بالواحد :- فلم يرد دليل خاص باعتباره ولا بإلغائه , ولكن في قتلهم من المصلحة ما هو واضح , إذ لو لم يقتل الجماعة بالواحد عند اشتراكهم في القتل لأدى ذلك إلى إهدار الدماء , وفيه من المفاسد ما لا يخفى .


س2)- ما هي أنواع المصلحة المرسلة ؟
يمكن تقسيم المصلحة المرسلة إلى ثلاثة أقسام وذلك حسب قوتها :-
1)- المصلحة الضرورية (( درء المفاسد )) :- وهي ما كانت المصلحة فيها في محل الضرورة بحيث يترتب على تفويت هذه المصلحة تفويت شيء من الضروريات أو كلها , وهذه أعلى المصالح .
2)- المصلحة الحاجية (( جلب المصالح )) :- وهى ما كانت المصلحة فيها في محل الحاجة لا الضرورة فيحصل بتحقيق هذه المصلحة التسهيل وتحصيل المنافع , ولا يترتب على فواتها فوات شيء من الضروريات
3)- المصلحة التحسينية (( التتميمات )) :- وهي ما ليس ضروريا ولا حاجيا , ولكن من باب الجري على مكارم الأخلاق واتباع أحسن المناهج .

س3)- ما هي الأدلة على اعتبار المصلحة المرسلة ؟
من الأدلة على اعتبار المصلحة المرسلة :-
1)- عمل الصحابة رضي الله عنهم بها في وقائع كثيرة مشهورة مثل :-
أ]- استخلاف أبي بكر رضي الله عنه لعمر رضي الله عنه بعد أن أحس بدنو أجله , فلا يوجد في القرآن ولا في السنة ما يفيد ذلك , ولكن أبا بكر رضي الله عنه راعى في هذا الاستخلاف مصلحة الناس المتمثلة في حفظ كلمتهم من التفرق واختلافهم في اختيار الخليفة .
ب]- جمع القرآن في مصحف واحد في عهد أبي بكر رضي الله عنه , وليس في القرآن ولا في السنة ما يدل على ذلك , وإنما هو عمل مبني على المصلحة , وهي لمحافظة على القرآن من الضياع .

س4) - ما هي شروط العمل بالمصلحة المرسلة ؟
إن العمل بالمصلحة المرسلة أمر يجب فيه من التحفظ والحذر حتى يتحقق صحة المصلحة , ومن شروط العمل بالمصلحة المرسلة مايلي :-
1)- ألا تكون المصلحة مصادمة لنص أو إجماع .
2)- أن تعود على مقاصد بالحفظ والصيانة .
3)- ألا تكون المصلحة في الأحكام التي لا تتغير كوجوب الواجبات وتحريم المحرمات والحدود والمقدرات الشرعية .
4)- ألا تعارضها مصلحة ارجح منها أو مساوية لها , وألا يستلزم من العمل بها مفسدة أرجح منها أو مساوية لها .


رد مع اقتباس