عرض مشاركة واحدة
قديم 07-15-2004, 09:16 PM   رقم المشاركة : 3
الكاتب

الزوار


الملف الشخصي









شغف للمعرفة

وبدأ الشغف للجديد يسيطر على النعمان: أصبح المقصود عندي هو التطلع ومعرفة الجديد، تعلم الجغرافيا والتاريخ وغير ذلك، وحين بدأت وقع في يدي كتاب “طبائع الاستبداد” لعبدالرحمن الكواكبي، وكتاب “هدي الرسول” لمحمد أبو زيد، كنت قد انتقلت من كتب الفقه إلى مرحلة السنة، إلى الفكر الإسلامي الخالص، الدراسة الأولى كانت دراسة إسلامية ولكن محشوة بالخرافة، فانتقلنا إلى مرحلة الديانة الإسلامية المجردة من الخرافة، وجاء كتاب طبائع الاستبداد وطبائع المستبد، ذلك المستبد الذي يريد أن يضع قدمه على أفواه الملايين ويريد من الأمة أن تعيش كبقر الجنة لا يطمحون ولا يرمحون، لا يريد أن يعرف الشعب كلمة لا إله إلا الله، بل يريد أن يخضعهم لإرادته. هذا وصف المستبد، وكانت الشعلة الثانية ماذا أعمل؟ من أين لي الكتب؟ كان الأستاذ حيدرة قد جلب معه الكتب العديدة وتركها وذهب، ابتدأت أقرأ فيها، وإذا بكتب التاريخ فيها شرح لحضارة العالم الإسلامي، بقيت اقرأ وألتهم الكلمات وأغيب الفصول غيباً، مثل غرائب الغرب لمحمد كرد علي، كنت أغيب الفصول غيباً عن تطورات الشرق والغرب، وأول شيء قمت به أن عملت لإعادة الأستاذ حيدرة، أعدت له المنزل وحشدنا الطلاب وأطلقنا لهم الحرية، وقمت أنا بتدريس اللغة العربية بأسلوب حديث.


لكن التغيير الذي بدأ النعمان يؤمن به لقي مقاومة لدى أهالي القرية والمناطق المجاورة لذبحان التي كانت ترسل أبناءها لتعلم أصول الدين على يد النعمان: حدثت مقاومة لنا (...) بدأنا نهيئ الأمور لهم شيئاً فشيئاً وإذا بمدرسة الحجرية تنشأ وتؤثر وتشتهر، ثم أنشأنا مكتبة، وبدأت الأمور تسير رويداً رويداً، إلى أن دخلنا في صراع مع الحكومة، كان لا بد من أن يحدثوا لنا فتنة، ولا بد من أن يفصلوا هذا البلد كما فصل لبنان وسوريا، جاء أحد أبناء الإمام إلى الحجرية (الأمير القاسم بن الإمام يحيي حميد الدين الذي زار الحجرية ومعه الأمير علي الوزير في سنة 1935) وقال ذبحان هذه ستكون كلبنان، وذهب إلى الإمام الذي أمر بسحب الأستاذ حيدرة فأخرجوه حالاً، وأتوا بمعلمين آخرين إلى المدرسة.


بعد ذلك ذهب النعمان للدراسة في الأزهر: ذهبت إلى الأزهر، استقبلت هناك وامتحنوني، وكان الامتحان قراءة آيات من القرآن، أخذت أقرأ، ولما قرأت دهشوا وقالوا ما شاء الله، بارك الله فيك، قالوا لي تعرف اللغة العربية والنحو، قلت اعرف لكن ليس مثلكم، فقالوا لي يجب أن تنتسب حالاً، وسجلوا اسمي ودخلت الأزهر، هناك في الأزهر يوجد قسم يسمونه القسم العام تستطيع فيه أن تأخذ الشهادة خلال سنة، تسأل عن المواد التي ستمتحن فيها ومن ثم تحضر نفسك للامتحان، ويعطونك الشهادة العالمية اندمجت في الأزهر وفي المجتمع.

ورغم بعده عنها ظلت اليمن في عقله وقلبه، وفي مصر ترسخت لديه فكرة المقاومة ضد الأسرة الحاكمة بعدما شاهد معالم التحضر والتقدم في مصر والتعليم الذي كان يتلقاه فيها: دخلت روح المقاومة للوضع في اليمن، كنت قد تشربت بها وخرجت من اليمن لأن الحكام فيها لم يمكنوننا من العلم، ولأني كنت عرفت الاستبداد الذي يسود في البلاد.

يروي الأستاذ النعمان قصة لقائه بالصحافي محمد علي طاهر، الفلسطيني المقيم في مصر والملقب ب أبي الحسن، حيث كانت الجريدة التي يصدرها الأخير تقرأ في اليمن، وكان يتصور النعمان أن كل من يخرج من اليمن سيكتب عنه أبو الحسن، بخاصة وأنه كان يكتب عن الظلم في اليمن أثناء ماكان الأستاذ النعمان يتواجد في اليمن.

يقول النعمان: كان يتصور لي بمجرد أن يخرج الإنسان من اليمن سيكتب عنه أبو الحسن، وأبو الحسن هذا هو محمد علي طاهر، فلسطيني من يافا، كان يصدر جريدة اسمها الشورى، أصدرها في يافا سنة ،1924 وانتقل بها فيما بعد إلى مصر، وكانت الجريدة الوحيدة التي تصل إلى كل الأقطار العربية وتنشر الأخبار، وكان الكتاب فيها من كبار الكتاب، ومنهم الأمير شكيب أرسلان وعبدالله الجابري، وأمين الحسيني.

التقى بأبي الحسن أثناء تواجده في مصر: زرت أبو الحسن في مكتبه، وحين دخلت إلى مكتبه كان عنده رجال من المكافحين الأولين من أجل استقلال الجزائر وتونس، وكان الرجل يتمتع بشجاعة نادرة، ولذلك تنتشر جريدته خارج مصر، وكانت الحملات تشن على الجريدة من الإنكليز والفرنسيين لإيقافها، فكان الإنسان يتصور أية قوة وراء هذا الرجل تعطيه هذا القدر من المهابة والتأثير، دخلت على المكتب، وكنت أرى كيف يتحدث الناس في خارج اليمن، فأنا من اليمن، وفي اليمن كنت اعتبر من العلماء الكبار، ولكن في قرارة نفسي كنت أؤمن بأنني من أبناء المجتمع، أو أنني ينبغي أن أعمل من أجل حياة المجتمع، فبقيت أجلس بتواضع، كتب في جريدته بهذه المناسبة يقول: زارنا أحمد محمد نعمان من ذبحان، وصادف أنني في وقت سابق على هذه الزيارة جمعت تبرعات لفلسطين من أشخاص وأرسلتها إليه ووقعت الرسالة باسم أحمد محمد نعمان اليمن ويبدو أنني أضفت ذبحان أيضاً، فتذكر وسألني: أنت من ذبحان؟ قلت له: نعم، قال لي: أهلاً وسهلاً، وكانوا يدخلون، الأمير شكيب أرسلان، وغيره، يجلسون كلهم وأنا أجلس في مكان متواضع، وأستمع إليهم وعماذا يتحدثون وماذا يقولون، ولم أتكلم بشيء، أخشى أن أتكلم بكلام لا يناسب الوضع، ولكن عندما أخذوا يتناقشون أردت الكلام، وأحسست أنني إذا تكلمت العامية لن يفهموا عامية اليمن، وأنا لن أفهم عاميتهم، فتكلمت بالعربية الفصحى، قالوا لي: هل هذه لغة اليمن. قلت لهم: نعم، قالوا: ما شاء الله. اليمنيون الذين قرأوا اسمي في الجريدة، وكنت مشهوراً في اليمن بأنني علامة كبير، كتبوا إلى أبو الحسن يقولون له انهم بعد ذلك لن يكتبوا للجريدة عن اليمن شيئاً، لأن عندكم العلامة أحمد محمد نعمان، خذ أحوال اليمن منه، فلما أتيت إليه حسب العادة، قال لي: يا نعمان عرفناك، قم إلى هنا، قلت له: حيث ما انتهى بك المجلس أجلس، قال: أبدا، هنا مجلسك، بقيت أجلس مستمعاً دائماً، وكان الزعماء الكبار يأتون، وكان هو ديكتاتوراً يقعد على كرسيه لا يتكلم أحد غيره، يفتح الكلام والناس يستمعون بصمت، وكنت أراقبه كيف يقابل من يتكلم معه ويقول له: اسكت، لا تتكلم، هكذا بهذه اللهجة القاسية كان يتكلم معهم والناس صامتون، إلى أن جاء يوم إلى عنده محمد الغانم ويوسف مشاري، فلما انتهى الموعد هم أحدهم بالرحيل، فقال له: أتخرج؟ دخلت بإذني وتخرج بإذني، هكذا كان ديكتاتوراً على الكبير والصغير.



لقاء مع شكيب ارسلان

ويتذكر النعمان لقاءه الأول بالأمير شكيب أرسلان: صادفت الأمير شكيب أرسلان هناك وصاحبته لفترة، كانت يده ترتعش حتى عجز عن الكتابة، وكنت أجدها حاجة عظيمة جداً عندما يقترن اسمي بالأمير شكيب أرسلان، أمير البيان، كان يملي علي رسائله وأنا أكتب، يرى الخط السليم ويسر بي (... )، وغادر الأمير شكيب أرسلان إلى جنيف، وعندما وصل إلى جنيف أرسل إلي رسالة يقول فيها يا ولدي أريد أن تصل إلى هنا لكي تساعدني في الكتابة وسأخصص لك 10 جنيهات شهرياً مكافأة لك، وكان ذلك في سنة 1939 قبل اندلاع الحرب العالمية الثانية، ثم قال لي: ستقوم بتعليم أولادي اللغة العربية وفي الوقت نفسه ستتعلم هنا اللغة الفرنسية.

لم يكتب لهذه السفرية النجاح، فحين أراد السفر إلى سويسرا لمقابلة شكيب أرسلان لم يكن يعلم أنه يجب الحصول على جواز سفر، فقد كتب لنفسه ورقة مثلما جاء إلى مصر بورقة من الإمام: وصلت إلى السفارة السويسرية أعطيتهم جواز السفر، وكان عبارة عن ورقة كتبتها بنفسي، وليس من الأوراق التي يعطيها الإمام باسم جواز سفر، رتبت الجواز لنفسي، ولكن لم يقبلوا هذا الجواز في السفارة السويسرية، لأنه ورقة غير معروفة، ذهبت إلى أبو الحسن وأخبرته بأن السفارة السويسرية لم تقبلني، فقال لي: كيف يقبلونك وأنت تحمل هذه الورقة وليس لديك جواز سفر؟ ولم أكن أعرف ذلك من قبل. فما قدمته للسفارة كان مجرد ورقة بخط يدي، حتى الإمضاء أمضيته أنا، لهذا السبب لم يقبل.

لم يسافر النعمان لمقابلة أرسلان، وبقي في مصر للدراسة لحين قيام الحرب العالمية الثانية، وظل أبو الحسن ينفق عليه حتى قامت الثورة المصرية العام 1953: في مصر بقيت أنشر في الصحف، وحسنت علاقتي بولي العهد الذي أصبح بعد 1948 الإمام أحمد، وحاول بنفسه استمالتي، وكان يرسل لي بعض النقود لمساعدتي على الدراسة.

كانت علاقة النعمان بالإمام أحمد تعود إلى أيام المدرسة في الحجرية: بدأت علاقتي به منذ أن بدأنا في الحجرية نحن والأستاذ حيدرة واستمرت العلاقة الى ان اصبح ولي العهد بعد الهزيمة التي لقيتها المملكة المتوكلية سنة 1934 أميراً في تعز، “فلما وصل تعز سنة 1938 سأل عني وعلم أنني في مصر فكتب إلي، فوعدته بأننا سنواصل إصدار صحيفة من هناك اسمها اليمن الخضراء لأن جريدة أبو الحسن توقفت بعد أن طاردها الإنجليز وأعتقل أبو الحسن.

عاد الأستاذ النعمان إلى اليمن بعد اعتقال أبو الحسن، بخاصة أن ولي العهد أحمد الذي كان يكاتبه من قبل قد نحى أولاد الوزير الذين كانوا يحكمون الحجرية واستلم الحكم، فغادر مصر بجواز مصري عن طريق ميناء جدة وعاد إلى اليمن بروح مختلفة.

لقد أراد النعمان ترويض الحاكم الجديد في تعز والنأي عن مواجهة النظام، ويعترف ذلك بصراحة عندما قال: رجعت إلى اليمن وخطبت بين الرجال أذكر الحضارة الفاسدة، النساء السافرات، والأمير أحمد يبكي في المحراب من التأثر بالخطبة، وأخذ يشكرني لأنني كنت أشيد باليمن التي حماها الله من الاستعمار ولم ترفع فيها راية أجنبية، لماذا قلت ذلك؟ لأنني فهمت الوضع، قلت ذلك لأستقر، فسلموني إدارة المعارف، أصبحت مدير المعارف، وأقام أحمد في تعز فكان ولياً للعهد وحاكماً لمنطقة تعز، ويعتبر نائباً للإمام.

عندما تولى إدارة المعارف أنشأ النعمان كتاتيب في القرى على أساس البرنامج الذي يحوي تعليم القرآن وما يتعلق بالصلاة من الوضوء والطهارة، ثم محبة الإمام ووجوب طاعته على الناس وموالاته، كان النعمان يعتقد أن ولي العهد أحمد، مع تجاوبه ومشاركته في المساجلات الأدبية أنهم ربما يستطيعون في بعض المناسبات إقناعه بإدخال العلوم واستقدام المدرسين من الخارج، وإرسال البعثات، لكنه كان من الواضح أنه كان بين الحكام والخارج وحشة، فقد كان الحكام يعتقدون أن اليمن إذا فتحت الأبواب للخارج سيكون ذلك مصدراً لثورة على الوضع في اليمن، سيما وأنهم كانوا يسمعون عن مطالبة الشعوب بالديمقراطية والحرية وعن التقدم في مصر والعراق عن طريق الصحف التي كانت تأتي خفية عن طريق عدن، ثم بدأ الراديو يظهر ولكنه كان محصوراً بالإمام، وبولي العهد وبعض المسؤولين.

Cant See Links


رد مع اقتباس