عرض مشاركة واحدة
قديم 04-09-2004, 05:44 AM   رقم المشاركة : 1
الكاتب

الزوار


الملف الشخصي








الدعوة إلى الله وأثرها في انتشار الإسلام

الدعوة إلى الله وأثرها في انتشار الإسلام


الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره . ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه ومن سلك سبيله ، واهتدى بهداه إلى يوم الدين . أما بعد :

أما ما يتعلق بفضل الدعوة ، فكل من له أدنى إلمام بالعلم ، يعرف أن الدعوة شأنها عظيم ، وهي مهمة الرسل عليهم الصلاة والسلام ، والرسل عليهم الصلاة والسلام هم الأئمة في هذا الشأن ، وهم الأئمة في الدعوة ، وهي وظيفتهم . لأن الله جل وعلا بعثهم دعاة للحق ، وهداة للخلق عليهم الصلاة والسلام ، فكفى الدعوة شرفا ، وكفاها منزلة عظيمة أن تكون وظيفة الرسل وأتباعهم إلى يوم القيامة . قال الله تعالى في كتابه المبين : وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فبين سبحانه وتعالى أن الرسل جميعا بعثوا بهذا الأمر العظيم الدعوة إلى عبادة الله وحده ، واجتناب الطاغوت .


والمعنى أنهم بعثوا لدعوة الناس إلى إفراد الله بالعبادة ، وتخصيصه بها ، دون كل ما سواه ، وتحرير الناس من عبادة الطاغوت ، إلى عبادة الله وحده .

والطاغوت كل ما عبد من دون الله من شجر وحجر ، أما ما عبد من دون الله من الأنبياء والصالحين والملائكة فليس المعبود منهم طاغوتا ، ولكن الطاغوت هو الشيطان الذي دعا إلى ذلك وزين ذلك ، وإلا فالرسل والملائكة والصالحون يبرءون إلى الله عز وجل من عبادة من عبدهم . فالطاغوت كل ما عبد من دون الله من الجمادات ، ومن العقلاء الذين يرضون بذلك كفرعون وأشباهه ، أما من لا يرضى بذلك فالطاغوت هو الشيطان الذي دعا إلى عبادته وزينها .

وقال عز وجل : رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ فبين سبحانه وتعالى أن الرسل بعثوا مبشرين ومنذرين ، مبشرين من أطاعهم بالنصر والتأييد والجنة والكرامة ، ومنذرين من عصاهم بالخيبة والندامة والنار .

وفي بعثهم إقامة الحجة ، وقطع المعذرة ، حتى لا يقول قائل ما جاءنا من بشير ولا نذير فالله سبحانه وتعالى بعث الرسل إقامة للحجة ، وقطعا للمعذرة ، وهداية للخلق ، وبيانا للحق . وإرشادا للعباد إلى أسباب النجاة ، وتحذيرا لهم من أسباب الهلاك عليهم الصلاة والسلام فهم خير الناس وأصلح الناس ، وأنفع الناس للناس ، وقال جل وعلا : يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا فأخبر سبحانه أنه بعث هذا الرسول الكريم محمدا عليه الصلاة والسلام شاهدا ومبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله- فعلم بذلك أن وظيفة الدعوة إلى الله هي تبليغ الناس الحق ، وإرشادهم إليه ، وتحذيرهم مما يخالفه ويضاده . وهكذا أتباعهم إلى يوم القيامة . مهمتهم الدعوة إلى الله وإرشاد الناس إلى ما خلقوا له ، وتحذيرهم من أسباب الهلاك ، كما قال عز وجل : قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ فأمر الله نبيه أن يبلغ الناس أن سبيله التي هو عليها الدعوة إلى الله عز وجل ، وهكذا أتباعه هم على ذلك .

والمعنى : قل يا محمد ، أو قل يا أيها الرسول للناس : هذه سبيلي أنا ومن اتبعني . فعلم بذلك أن الرسل وأتباعهم هم أهل الدعوة ، وهم أهل البصائر ، فمن دعا على غير بصيرة فليس من أتباعهم ، ومن أهمل الدعوة فليس من أتباعهم ، وإنما أتباعهم على الحقيقة هم الدعاة إلى الله على بصيرة ، يعني أتباعهم الكمل الصادقين الذين دعوا إلى الله على بصيرة ، ولم يقصروا في ذلك ، وعملوا بما يدعون إليه ، وكل ما حصل من تقصير في الدعوة ، أو في البصيرة كان نقصا في الاتباع ، ونقصا في الإيمان وضعفا فيه ، فالواجب على الداعية إلى الله عز وجل ، أن يكون ذا بصيرة ، أي ذا علم ، فالدعوة على جهل لا تجوز أبدا ، لأن الداعية إلى الله على جهل يضر ولا ينفع ، ويخرب ولا يعمر ، ويضل ولا يهدي ، فالواجب على الدعاة إلى الله سبحانه وتعالى التأسي بالرسل بالصبر والعلم والنشاط في الدعوة : قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ فالدعوة إلى الله عز وجل هي سبيل الرسل وطريقهم عليهم الصلاة والسلام ، وفي ذلك غاية الشرف والفضل للدعاة أتباع الرسل ، المقتدين بهم ، السائرين على منهاجهم عليهم الصلاة والسلام ، ومن شرط ذلك أن يكون الداعية على بصيرة وعلم وبينة ، بما يدعو إليه ، ومما يحذر منه حتى لا يضر الناس ، وحتى لا يدعو إلى ضلالة وهو لا يدري ، أو يدعو إلى باطل وترك حق وهو لا يدري ، حتى يكون على بينة ليعرف ما يدعو إليه ، وما يدعو إلى تركه .

وقال عز وجل : ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ هذا الأمر العظيم وإن كان موجها إلى الرسول العظيم صلى الله عليه وسلم، فهو أمر للأمة جميعا ، وإن خوطب به النبي صلى الله عليه وسلم فهو الأصل والأساس ، وهو القدوة عليه الصلاة والسلام ، ولكنه مع ذلك موجه للأمة جميعا ، لأن القاعدة الشرعية أن أمته تابعة له في الأمر والنهي إلا ما دل الدليل على أنه خاص به عليه الصلاة والسلام ، فالدعوة إلى الله فرض كفاية على الجميع ، وواجب على الجميع ، قال الله جل وعلا : لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا فعلى المسلمين أن يتأسوا بنبيهم عليه الصلاة والسلام في الدعوة إلى الله ، والتوجيه إليه ، وإرشاد العباد إلى أسباب النجاة ، وتحذيرهم من أسباب الهلاك ، وفي هذه الآية العظيمة بيان كيفية الدعوة وأسلوبها ونظامها وما ينبغي للداعي أن يكون عليه : ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ قال جماعة من علماء التفسير : معنى ذلك : بالآيات والأحاديث ، يعني ادع إلى الله بآيات الله وبسنة رسول الله عليه الصلاة والسلام . لما فيها من الحكمة ، ولما فيها من الفقه والردع والبيان والإيضاح والكلمة الحكيمة هي التي فيها الردع عن الباطل ، والتوجيه إلى الخير ، وفيها الإقناع والتوجيه إلى ما فيه السعادة .


فالداعي إلى الله جل وعلا ، ينبغي له أن يتحرى في دعوته ما يقنع المدعو . ويوضح الحق . ويردعه عما يضره ، بالأسلوب الحسن الطيب ، اللين الرقيق ، ولهذا قال بعده : وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ فليكن الداعي ذا حكمة ، وذا موعظة حسنة ، عند الحاجة إليها ، فهو يوضح الحق ويبينه ، ويرشد إليه بالآيات والأحاديث الواضحة البينة الصحيحة ، حتى لا يبقى شبهة للمدعو .

ومن الحكمة إيضاح المعنى وبيانه بالأساليب المؤثرة التي يفهمها المدعو وبلغته التي يفهمها حتى لا تبقى عنده شبهة . وحتى لا يخفى عليه الحق بسبب عدم البيان . أو بسبب عدم إقناعه بلغته . أو بسبب تعارض بعض الأدلة ، وعدم بيان المرجح ، فإذا كان هناك ما يوجب الموعظة وعظ وذكر بالآيات الزواجر ، والأحاديث التي فيها الترغيب والترهيب . حتى ينتبه المدعو ويرق قلبه ، وينقاد للحق ، فالمقام قد يحتاج فيه المدعو إلى موعظة وترغيب وترهيب على حسب حاله ، وقد يكون مستعدا لقبول الحق ، فعند أقل تنبيه يقبل الحق ، وتكفيه الحكمة ، وقد يكون عنده بعض التمنع وبعض الإعراض فيحتاج إلى موعظة وإلى توجيه ، وإلى ذكر آيات الزجر والترغيب وأحاديث الزجر والترغيب والترهيب حتى يلين قلبه ، ويقبل الحق .

وقد يكون عنده شبه فيحتاج إلى جدال بالتي هي أحسن . حتى تزاح الشبهة ، ويتضح الحق ولهذا قال جل وعلا : وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ

فإذا كان المدعو عنده بعض الشبه . فعليك أيها الداعي أن توضح الحق بدلائله . وأن تزيح الشبهة بالدلائل التي تزيحها ، حتى يبقى معك المدعو على أمر بين واضح ، وليكن هذا بالتي هي أحسن؛ لأن العنف والشدة قد يضيعان الفائدة . وقد يقسو قلب المدعو بسبب ذلك ويحصل له به الإعراض والتكبر عن القبول فعليك بالرفق والجدال بالتي هي أحسن حتى يقبل منك الحق ، وحتى لا تضيع الفرصة . وتذهب الفائدة سدى . بسبب العنف والشدة ، ما دام صاحبك يريد منك الحق . ولم يظلم ولم يتعد . أما عند الظلم والتعدي فله نهج آخر . وسبيل آخر ، كما قال جل وعلا : وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فإذا كان أهل الكتاب يجادلون بالتي هي أحسن ، فالمسلمون من باب أولى أن يجادلوا بالتي هي أحسن ، لكن من ظلم ينتقل معه إلى شيء آخر ، فقد يستحق الظالم الزجر ، والتوبيخ ، وقد يستحق التأديب والسجن ، إلى غير ذلك على حسب ظلمه .

والآيات في فضل الدعوة ، والحث عليها كثيرة ، ولكن من أهم ذلك وأوضحه ما بينا . ومن هذا قوله سبحانه وتعالى : وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ففي هذه الآية الكريمة بيان أنه لا أحسن قولا ممن دعا إلى الله ، وفي ذلك غاية الحث على الدعوة ، وغاية التحريض عليها ، إذا كان لا أحسن قولا . ممن دعا إلى الله ، فحقيق بالمؤمن .



رد مع اقتباس