عرض مشاركة واحدة
قديم 04-30-2010, 03:00 PM   رقم المشاركة : 5
الكاتب

أفاق الفكر

مراقب

مراقب

أفاق الفكر غير متواجد حالياً


الملف الشخصي








أفاق الفكر غير متواجد حالياً


رد: معارك الحجاب.. وصعود نجم الحشمة


(الحلقة الخامسة)
الحجـــــاب.. جوابــاً عــــلى خيبــات السـياســــة (5)


في 29 يونيو/حزيران من العام ,1972 نشرت صحيفة ‘’الأضواء’’ البحرينية [1] في عددها 350 صوراً من ضمن نشاطات ‘’كلية الخليج الصناعية’’ (جامعة البحرين بكليتي إدارة الأعمال والهندسة لاحقاً)، تضم مجموعة من الطلبة يرقصون على أنغام الموسيقى. كان الرقص مختلطاً، وكانت الفتيات (الغالبية منهن) يلبسن ‘’تنانير’’ بالغة القصر، منحسرة عن الركبة بما يزيد ربما عن الشبر. لم تنشر الصحيفة هذه الصورة من باب لفت الانتباه إلى ما يحدث في الكلية، ولا إلى ما ترتديه الطالبات، فقد كان هذا أمرا طبيعيا (سلك البلد) في تلك الفترة، وكانت هذه هي الموضة السائدة، ولم يكن أحد - إلا القلائل في تلك الفترة - يستنكرون أو يستنكفون هذا اللباس الذي لو ظهرت به فتاة اليوم لرميت بأوصاف مسيئة لها، تتناول عفافها ومسلكها.

في تلك الفترة التي شهدت نهايات فترة التحرر العالمية، وموجة ‘’الهيبيين’’ العالمية[2] كانت الحركة الهيبية في أواخر الستينات وأوائل السبعينات أكبر حركة احتجاج شبابي يعرفها الغرب، وانتقلت بتلاوينها المختلفة أيضاً إلى الوطن العربي، وإن بأقل حدة بالطبع لما كان في الغرب من مبالغة في كل أشكال كسر المعتاد. في تلك الفترة من الزمن، لم يكن الكثير يدركون أن هذا ‘’التطرف’’ في الخروج عن السائد سوف ينقلب في غضون سنوات قليلة فقط إلى نوع آخر من الممارسة الاجتماعية، تدعو إلى الحشمة، ثم المبالغة في الحشمة، باسم الدين هذه المرة. هناك من يرى أن الحجاب في البحرين كما في الكثير من الدول الخليجية انتشر بشكل كبير بعد الثورة الإسلامية في إيران (1979)، ولكن هذا المفهوم يراه آخرون أنه غير كامل، لأن موضوع ‘’الصحوة الإسلامية’’ كان قد بدأ قبل ذلك بسنوات كثيرة، إذ قيل أنه بدأ في النصف الثاني من القرن العشرين، مع وضع سيد قطب، وأبو الأعلى المودودي للكثير من الكتب والمؤلفات والرسائل التي صاغت الإسلام السياسي بشكل مختلف عما كان يتلقاه الأسلاف قبل ذلك.

بذور «الصحوة» والحجاب

كان تيار الإخوان المسلمين يتصاعد في مصر وإن تلقى بعض الضربات القاسية التي حجّمت دوره وانتشاره، فقد كان العامل السياسي - وليس الديني - هو ما سيطر على طبيعة الصراع بين التيار الناصري والإخواني في تلك الفترة. وظل الإخوان المسلمون - تحت قيادة حسن الهضيبي - يحاولون مسايرة الواقع السياسي في مصر، وعدم الاصطدام بالحكومة حتى اعتقل سيد قطب (أحد أبرز أقطاب التنظير الإخواني الجديد في مصر) وأعدم في فجر الاثنين 29 أغسطس/آب ,1966 فانشق جناح آخر من الحركة، وصار يعرف بحركة الجهاد الإسلامي التي امتدت جذورها إلى خارج مصر. كانت الأراضي الخارجية مهيأة أيضاً لاستنبات هذه الأفكار الذاهبة في العنف، والتي أدت - في مصر - إلى اغتيال الرئيس محمد أنور السادات، وبعض كبار المسؤولين في حوادث متفرقة، إضافة إلى الكثير من العمليات المسلحة التي جرت في مصر وخارجها تحت الغطاء العقائدي ذاته.


ويعتقد معظم المحللين السياسيين أن هناك عوامل عديدة ساهمت في هذا النشاط منها فشل حركات القوميين العرب والتيار الشيوعي من تحقيق أي تقدم ملموس في الواقع الاقتصادي المتردي في كثير من الدول العربية إضافة إلى قيام الجمهورية الإسلامية في إيران والتدخل السوفيتي في أفغانستان وصعود محمد ضياء الحق إلى السلطة في باكستان وحرب الخليج[3].

لكن، كان لنجاح الثورة الإسلامية في إيران دور مهم في الانحياز إلى التدين العام، وعدم النظر - في بدايات الأمر - إلى الجناح الذي انطلقت منه الثورة، فقد لقيت دعماً قوياً من الكثير من القطاعات الثورية والمتطلعة إلى الثورة، وجاش في نفسها أنه ما دام نظام الشاه المرعب والمتماسك والمدعوم من الولايات المتحدة قد تهاوى من قبل الشعب، فأي نظام يمكن أن يصمد أمام قوة الإسلام والصحوة الإسلامية؟.

توحدت التوجهات الإسلامية في تلك المرحلة المبكرة من السبعينات، وتصاعدت مع نجاح الثورة الإسلامية في إيران، وما أن هدأت فورة الحماس حتى التفت كلٌّ إلى ذاتيته، وبدأت مسابقات من نوع آخر في الاستقطاب. مع النصف الأول من الثمانينات، بات من الواضح أن الشارع يتحول بشكل متسارع إلى ‘’الأسلمة’’ في ظل انحسار وتراجع التيارات الأخرى التي كانت مسيطرة على الساحة قبل ذلك، وساعدت على ذلك الخيبات والنكسات التي تعرضت لها التيارات الليبرالية واليسارية والقومية على أكثر من صعيد، والملاحقات التي طالتهم على امتداد الوطن العربي والإسلامي، وتحول عدد كبير منهم إلى الفكر الإسلامي الجديد، فيما فضل البعض الآخر العيش بسلام واعتبار مرحلة الانتماء من مراحل التاريخ الذي ولى.

في هذه الفترة أيضاً أكد المنتمون إلى التيار الإسلامي (تيار الصحوة) التفسير الإسلامي للتاريخ، فقد سبقتهم قراءات مختلفة وتفسيرات متعددة لتاريخ المنطقة والأحداث التي مرت فيها، إذ رآه القوميون أنه تاريخ عربي وحسب، فيما رآه المؤرخون الشيوعيون من وجهة التجاذبات السياسية والعسكرية، وغلبوا العوامل الاقتصادية والصراع الطبقي على كل العوامل الأخرى. أما المؤرخون العلمانيون فكان جل همّهم إبعاد العامل الديني عن سير أحداث التاريخ، وصبّوا جهودهم على إعادة منح التاريخ الجاهلي رونقاً مختلفاً، على اعتبار أنه البــذرة الأساسيــة لعصر النهضة العربية وأن الإسلام يأتي مـــن ضمــن سياق هذا التطور وليس عاملاً مؤثراً فيه. [4]

التجارب الأولى للحجاب في البحرين

توحَّد ذوو التوجهات الإسلامية في البدايات، ورأوا أن هناك ‘’أعداء’’ للدين كله لا بد من دحرهم في البداية حتى يستتب الأمر للدين الإسلامي على المستوى الاجتماعي على الأقل، وبالتالي فقد كانت الدعوة إلى الصحوة وتغيير الأنماط السابقة من العيش والتفكير لا تستثني أحداً، ولا تستقطب أحداً بعينه، وهذا ما جعل الحجاب ينتشر في البحرين بالتزامن - تقريباً - بين أتباع المذهبين الأساسيين، وإن كانت لكل منهما آلياته الخاصة، وأذرعه ومؤسساته التي هي حكر عليه.

لذا تقول زهراء مرادي الناشطة السياسية التي خاضت معترك الانتخابات التشريعية الأخيرة، في سردها تجربتها مع الحجاب ‘’تأثرت كثيراً بعزيزة جلال المير، وآمال (معلمتان) في مدرسة زنوبيا، فبدأنا نلبس الحجاب بشكل يقترب مما نحن عليه اليوم’’.

يظل اسم عزيزة وأختها سعاد المير يترددان عند البحث في مسألة بداية ظهور الحجاب هنا، فلا يزال الاسمان يترددان في سياق ‘’الرائدات’’ في هذا الشأن، وإن أخذت الأختان طابعاً هادئاً من الناحية الاجتماعية والفاعلية السياسية في الوقت الراهن. فالحديث يدور عن أكثر من 30 عاماً مضت حينما كان الحجاب شيئاً غير مألوف، وغير مشاهَد في البحرين على العموم، إذ كانت العباءة - في تلك الفترة - مقصورة على كبيرات السن، أو أنها تتخذ لدى بعض الفتيات للف أجسامهن بها فقط كشكل اجتماعي خصوصاً في المدن ولا تُلبَس العباءة بوصفها أداة لازمة للستر أو تنفيذاً لحكم ديني.

النصف الثاني من السبعينات

تشير الطبيبة هيفاء محمود (واحدة من اللاتي ارتدين الحجاب مبكراً) ‘’أعتقد أنني رأيت الحجاب لأول مرة في السبعينات.. ربما في النصف الثاني من السبعينات، أي بين العامين 1976-,1977 وكانت معلماتي من أمثال سعاد المير، وسلوى محمد يوسف (وهي ابنة خالة المير)، هما أول من رأيتهما ترتديان الحجاب، وبدأتا تنشران الحجاب كجانب دعوي’’.

بعدما كان الحجاب غريباً، ترى سعاد المير اليوم أن الفكر الماركسي - على حد تعبيرها - نشاز، إذ تقول متحدثة عن ظاهرة عدم الالتزام الشرعي في الملبس العام للفتيات ‘’جاء هذا الفكر النشاز إلى مجتمعنا البحريني المسلم المحافظ بفعل انتشار الفكر الماركسي والاشتراكي وغيرها من الأنظمة والنظريات في تلك السنين، وتبعته حركات تحرر المرأة التي كان ظاهرها تحرير المرأة من الحجاب، بينما باطنها تحرير الناس من دينهم الإسلامي وخداعهم بشعارات عجفاء وتعبيرات رنانة خاوية’’.

تضيف ‘’كانت غالبية الناس في تلك الفترة لا تعرف المفهوم الصحيح للإسلام بأنه عبادة وقيادة وخُلق وعقيدة وسياسة واقتصاد وشريعة وقانون، إنما كان فهمهم للإسلام يقتصر على كونه عبادة فقط، أي: صلِّ صلاتك وافعل ما شئت’’.

تربط المير الصحوة الإسلامية في القرن العشرين بظهور الإخوان المسلمين في مصر، فهي تشير إلى أنه ‘’بفضل الصحوة الإسلامية في مصر في عشرينات القرن الماضي، ووصول هذه الصحوة إلى البحرين في أربعينات القرن الماضي (تأسيس نادي الإصلاح في 1941)، بدأت تؤتي ثمارها في سبعينات القرن العشرين’’. تتابع ‘’إذن، بفضل الصحوة الإسلامية التي عدلت مفهوم الإسلام في أذهان المسلمين، بدأ الناس يفيقون من غفلتهم ويحكّمون العقل، ويرجعون إلى التزامهم الديني بعد أن كادت النظريات الدخيلة الفاسدة أن تفسد عليهم حياتهم بإفسادها لدينهم، ولكن هيهات، قال الله تعالى (إنّا نحن نزلنا الذكر وإنّا له لحافظون)’’.

هوامش

[1] صحيفة ‘’الاضواء’’اسبوعية اسسها الراحل محمود المردي عام 1965وتوقفت عن الصدور في ديسمبر/كانون الاول1993
[2] ينقل جوزف داغر معنى ‘’هيبي’’ من قاموس ويبستر الانجليزي بقوله ‘’وجدت التعريف لكلمة ‘’هيبي’’: شخص يعارض أو يتصدى للمعايير والعادات والتقاليد المتعارف عليها في المجتمع. وهم يطالبون بالليبرالية المبالغة في المقاربات الاجتماعية والسياسية وانماط الحياة اليومية’’. (صحيفة ‘’الحياة’’ اللندنية - 24 يناير/كانون الثاني 2004).
[3] ويكيبيديا - الموسوعة الحرة.
[4] المصدر نفسه.

ما تقولــــه المعاجـــم

؟ ‘’الحجاب: السِّتر، حجب الشيء يحجبه حجباً وحجاباً: إذا اكتنَّ من وراء حجاب، وامرأة محجوبة: قد سُترت بستر.
والحجاب: اسم ما احتُجب به، وكل ما حال بين شيئين: حجاب، والجمع حُجُب، لا غير’’.
لسان العرب - ابن منظور
؟ الحِجَابُ: اسْمُ ما حَجَبْتَ به شَيْئيْنِ، وجَمْعُه: حُجُبٌ. وحَجَبَه عن الأمْرِ: حَجَزَه. واحْتَجَبَ فلانٌ: اكْتَنَّ من وَراءِ الحِجَابِ.
المحيط في اللغة - الصاحب بن عباد
؟ حَجَبَ الشيء يَحْجُبُه حَجْبا وحِجابا، وحَجَّبَه: ستره.
وقد احتَجَبَ وتحجَّبَ. والحِجابُ: ما احتُجِبَ به.
وكل ما حال بين شيئين حِجابٌ، والجمع حُجُبٌ لا غير، وقوله تعالى: (و من بيننا وبينك حِجابٌ) ومعناه: ومن بيننا وبينك حاجز في النحلة والدين، وهو مثل قوله: (قلوبُنا في أكِنَّةٍ) إلا أن معنى هذا أنا لا نوافقك في مذهب. وكل شيء منع شيئا فقد حجَبَه، كما تحجُبُ الأم الإخوة عن فريضتها.
المحكم والمحيط الأعظم - ابن سيده
؟ حَجَبَهُ حَجْباً وحِجاباً: سَتَرَهُ، كَحَجَّبَهُ، وقَدِ احْتَجَبَ وتَحَجَّبَ. (..) والحِجابُ: ما احْتُجِبَ به، جمعه: حُجُبٌ.
القاموس المحيط - الفيروزابادي
؟ الحَجْب: كُلٌّ شيءٍ مَنَعَ شَيئاً من شيءٍ فقد حَجَبَه حَجْباً. (..) والحِجابُ، اسمٌ: ما حَجَبْتَ به شيئاً عن شيءٍ، ويجمع على: حُجُب
العين - الخليل بن أحمد


حيرة الأزياء.. الحشمة والاقتصاد

لم يتغير الحجاب وحده في البحرين، بل تغيرت أيضاً نوعيات الملابس التي ترتديها الفتيات.. في البداية، كان التردد كبيراً في الزي العملي الذي يمكّن الفتاة المتحجبة من الدراسة والعمل من دون أن تنتقد من قبل رافضي حجابها، وبقيت تلبس حتى نهاية السبعينات التنورة الطويلة والقميص، ولكن هناك من انتقد أن القميص الذي يحزَّم، ‘’يصف’’ الجسم والخصر، ولما سرى هذا الرأي حتى على إسدال القميص الطويل إلى ما تحت الخصر بمسافة.

في النصف الأول من الثمانينات سرت موضة ‘’البالطو’’ الملون، وهو قطعة قماش واحدة تنسدل بدون تفاصيل واضحة، لا تصف الجسم بشكل محدد.

حتى هذا الزي جرى انتقاده أيضاً أنه يبقي الأكتاف واضحة، فيتبين جزء من تفاصيل جسد المرأة بما ينبئ عن بقية التفاصيل الأخرى المراد إخفاؤها.

في هذه الفترة، ظلت فتيات القرى مائلات أكثر للبس العباءة التقليدية فوق الملابس، حتى ظهرت العباءة البالطو التي اعتبرها قطاع كبير من النساء أنها حل عملي واقتصادي أيضاً، فهو يقوم مقام العباءة والبالطو ويتخذ من السواد لوناً له ويغنيهن عن تواتر شراء الملابس الجديدة التي تكون في هذه الحالة غير مهمة تفاصيلها وجدتها ما دامت مخبأة تحت هذا الساتر.

انطبق على البالطو العباءة ما انطبق على البالطو الثمانيني من انتقادات ‘’الوصف’’ للجسم، ففضلت فتيات متحجبات العباءة التقليدية السابقة كونه ‘’أستر’’.


رد مع اقتباس