عرض مشاركة واحدة
قديم 04-30-2010, 02:56 PM   رقم المشاركة : 4
الكاتب

أفاق الفكر

مراقب

مراقب

أفاق الفكر غير متواجد حالياً


الملف الشخصي








أفاق الفكر غير متواجد حالياً


رد: معارك الحجاب.. وصعود نجم الحشمة


الحلقة الرابعة

مـوحِّــــــد الحكومـــــــة والمعارضــــــة


نقلت وسائل الإعلام العالمية ما قالت إنها تصريحات صحافية لوزير الثقافة المصري فاروق حسني وصف فيها ارتداء المرأة المصرية للحجاب بأنه ‘’عودة إلى الوراء’’.

وكانت قناة ‘’الجزيرة’’ الإخبارية وموقع ‘’راديو سوا’’ على الانترنت قد أبرزا تصريحات حسني لصحيفة ‘’المصري اليوم’’ المستقلة قال فيها ‘’إننا عاصرنا أمهاتنا وتربينا وتعلمنا على أيديهن عندما كن يذهبن إلى الجامعات والعمل دون حجاب، فلماذا نعود الآن إلى الوراء؟!’’.

وأضاف أن ‘’النساء بشعرهن الجميل كالورود التي لا يجب تغطيتها وحجبها عن الناس’’.
هذا ما فجّر قضية الحجاب من جديد في مصر، وكالعادة، اصطفت الصحف المؤيدة والمعارضة للقضية اصطفافها التاريخي المعروف، وهي المشادات المعروفة بالضرورة عند طرح هذا الموضوع بالقوة ذاتها.. ما اختلف فيها هذه المرة أن القائل شخص رسمي، وعليه الكثير من الطعون بالنسبة للإسلاميين في التوجهات الثقافية الرسمية للدولة، ومن الفنانين أيضاً، والمتعلقة بحريق أحد مسارح الأقاليم العام قبل الماضي ووفاة عدد من الجمهور خنقاً واحتراقاً فيه.

المسألة لم تبدأ بالتصريحات المنقولة عن وزير الثقافة، فقد كانت هناك معركة قبلها تخص المذيعات اللاتي قررن ارتداء الحجاب، فحجبن عن الظهور على شاشات التلفزيون المصري، فقد تم منع 24 مذيعة لهذا السبب ومنهن رانيا صوان مقدمة برنامج ‘’مساء الخير يا مصر’’، كما فصلت قائد الطائرة وملكة جمال مصر للعام 1989 من عملها لأنها قررت ارتداء الحجاب، في حين ادّعت مجموعة من الموظفات أنهن يُجبرن على خلع الحجاب في أماكن العمل، وارتدائه وهن منصرفات، وفي دار الأوبرا المصرية يُسمح لمن تريد ارتداء الحجاب طالما كانت تغني في ‘’الكورَس’’، ولكن يمنع عليهن الغناء الانفرادي إذا كن متحجبات.

الأسباب الرسمية عربياً

وزير الثقافة المصري برر بعدها رأيه أنه لم يكن للنشر، وأنه ‘’رأي ثانوي لا يمثل أي شيء، بل إنني أقول إن الإسلام يجب أن نموت في سبيله، ويمكن للواحد أن يضحي بحياته من أجله، فهل نتكلم الآن عن الحجاب، وهل يتم تجاهل إقامة 140 مسجداً عظيماً جرى ترميمها وفتحها للصلاة والعبادة، مقابل ما أقوله عن الحجاب إذ كان يعجبني أم لا’’[1].

يفصل حسني كلامه عن الحجاب عن كلامه في الدين، ويقول ‘’هو موقف عفوي وغير مقصود، يجب أن ندرك تماماً أنني - ضع تحتها ألف خط - لم أتحدث في الدين.. الحجاب ليس ركناً من الأركان الخمسة، بل أحد المظاهر الدينية.. فأنا أتحدث في مظاهر الدين وقلت إن اليوم يأتينا الحجاب المستورد’’[2].

في مسألة استيراد الحجاب من جهة، ومسألة ‘’المظهر الديني’’، يقول الوزير إن هناك دولاً لها مذاهب معينة، وأنها ترغب في نشر مذاهبها، وهناك من المصريين من يذهبون إلى تلك الدول ويأتون منها ‘’فهذا الحجاب ليس شكلاً، ولكنه تأثير، وفي النهاية مذهب جديد، وبالتالي سياسة’’[3].

هنا يقع الاتفاق - غير المنسّق ما بين الوزير المصري والكاتب في صحيفة ‘’الشرق الأوسط’’ حمد الماجد أن بعض الدول العربية لا تعارض الحجاب معارضة للدين، ولا لكونه أمراً إلهياً، ولكن لأنها تنظر بقلق كونه مؤشراً على انتشار التيار الإسلامي المعارض، ويظل الحجاب واحداً من الرموز لهذا الانتشار في أوساط النساء، في مقابل انتشار الالتحاء وارتياد المساجد لدى الرجال وبالتالي، فإن محاربة الرموز يأتي نوعاً من محاربة التيار سياسياً وليس دينياً بالضرورة.

يرى الماجد - كما يرى كثير غيره أيضاً - أن منح مسألة الحجاب هذا البعد الكبير له انعكاسات سيئة، ذلك لأن التاريخ يروي أن الدول الشيوعية التي بالغت في محاربة الأديان، اكتشفت - بعد فوات الأوان - أن الأفراد كانوا أكثر تديناً، وأن الحرب على الحجاب ستكون له آثاره السيئة ‘’لأن قوانين الطبيعة تقول إن الإنسان إذا ما منع من شيء يكون أشد حماسة إليه، وهو ما تعرفه التيارات الإسلامية وتراهن عليه’’[4].

فعل واحد وردود متباينة

منذ أن نشرت صحيفة ‘’المصري اليوم’’ تصريح وزير الثقافة المصري، بدأت ماكينات التصريحات والتلويحات في العمل بشكل متسارع وقوي، إذ تقدم عدد من نواب الإخوان المسلمين، وتلاهم خلق كثير، ومنهم نواب مستقلون وغيرهم، مطالبين بإقالة وزير الثقافة، وتم رفض أي اعتذار أو توضيح من الوزير، لما وُصف أنه مناقض للشريعة واعتداء على الدستور وعلى الحرية الشخصية.

جلسة البرلمان في 19 نوفمبر/تشرين الثاني 2006 كانت جلسة لها وقع خاص، إذ أنها كانت ستشهد في بدئها كلمة للرئيس محمد حسني مبارك، وكانت قد أتت بعيد ردود الفعل الضخمة إزاء التصريحات، توقع الكثير أن تسود اضطرابات في هذه الجلسة خصوصاً إن حضرها الوزير حسني، ولأول مرة منذ 19 عاماً، أي منذ تعيينه في هذا المنصب. يتخلف الوزير عن حضور هذه الجلسة، ويقول إنه قرر شخصياً ألا يذهب إلى تلك الجلسة، إذ كان مصاباً بالصداع وارتفاع في ضغط الدم، تحدث مع زكريا عزمي رئيس ديوان رئيس الجمهورية ‘’وقلت له عندي صداع وضغط وأنا خايف ولدي شك إذا ذهبت أن يحدث صخب شديد قبل دخول الرئيس لأننا نذهب قبله بساعة.. قال لي: فعلاً دي فكرة جيدة[5]’’.

عدم حضور الوزير ربما خفف من إيقاع الجلسة الساخنة أساساً، والتي انقسم فيها الحزب الحاكم على نفسه إزاء تصريحات الوزير، كما فعل رئيس لجنة الشؤون الدينية في المجلس وأحد أبرز كوادر الحزب الحاكم أحمد عمر هاشم الذي حذر من التهاون في مساءلة الوزير وكل من يتجرأ على دين الله، وكان ذلك - إلى جانب رئيس المجلس فتحي سرور - الذي فضل تهدئة أوضاع المجلس والرأي العام، ‘’فشهدت القاعة مباراة ساخنة بين أعضاء الحزب الحاكم وبين المعارضة، وكان الهدف المشترك هو التصريحات المرفوضة التي أدلى بها فاروق حسني، والتي وحدت المتناقضات للمرة الأولى منذ بدء مجلس الشعب أعماله في بداية العام الحالي(2006)’’[6].

فقد أطلق أعضاء الحزب الحاكم للمعارضة العنان في انتقاد الوزير وتصريحاته، بل وشاركوا في المزايدة على المواقف وذلك لعلمهم أن أي موقف دفاعي من قبلهم كان سيثير الشارع المصري الذي تجد غالبيته ربطاً شديداً بين الحجاب والدين الإسلامي، وبالتالي، فلا أحد يود أن يظهر بمظهر المحارب للدين.

أذاع التلفزيون المصري تغطية وافية لما دار من نقاشات، علق عليها الوزير حسني في حينه ‘’أنا قاعد أتفرج على عملية ذبحي في البرلمان’’، وطلب الوزير للمثول أمام لجنتي الشؤون الدينية والثقافة والإعلام، فأصدر الوزير حسني بيانا باعتكافه في البيت ورفضه المثول ما لم يرد إليه اعتباره.

خرجت مظاهرات في الشارع منتقدة الوزير ومواقفه وتصريحاته ورفضه المثول أمام ممثلي الشعب، وصفها البعض أنها عفوية، بينما قال عنها حسني إنها من أناس تم تضليلهم.

في اجتماع لاحق، اجتمع علية الأقطاب في الحزب الحاكم، وتوصلوا بعد مناقشات مطولة إلى أن ‘’يوقف الوزير تصريحاته الاستفزازية التي أثارت الشارع، يجري قادة الحزب الحاكم اتصالات بعدد من النواب المتشددين داخل الحزب لإدارة حوار معهم يفضي إلى تهدئة الأحوال، يدعى الوزير إلى اللجنة البرلمانية في الحزب يوضح فيه وجهة نظره والملابسات التي رافقت تصريحاته، ويحضر اجتماعات لجنتي الشؤون الدينية والثقافة والإعلام، تنفيذاً لقرارات مجلس الشعب[7]’’.

المعركة في مصر لم تتوقف عند الوزير ومجلس الشعب، ولكنه امتد أيضاً إلى الإخوان المسلمين وغيرهم من مناهضيهم، فكل تمسك بمواقفه ليس حباً أو بغضاً في وزير الثقافة، بل بحسب المواقف المبدئية، فكل من وقف ضد الوزير اعتبرته القوى المناهضة للأسلمة أنه ‘’إخواني’’، عندها كتب رئيس تحرير صحيفة ‘’الأسبوع’’ مصطفى بكري ‘’إن شعار ‘’إمسك إخواني’’ لن يرهبنا، فالقضية أكبر من أي تيار، ومن الغباء أن يصور البعض أن كل محجبة هي عضو ناشط في تيار الإخوان، بل إنه من السخرية أن يقال إن الحجاب جاء بناء على قرار من جماعة الأخوان في إشارة لا تخلو من دلالة سياسية[8]’’.


ومن كانوا في صف الـ «مع»

لم يخل الأمر من مؤيدين للوزير حسني، فقد قال رئيس اللجنة الدائمة لحوار الأديان السماوية في الأزهر علي السمان في مقابلة معه ‘’أرفض أن يختصر الإسلام في كلمة واحدة وهي (الحجاب) بمعنى أننا نبذل حالياً كل الجهد والوقت في هذه القضية الجدلية ونترك جانباً القيم السامية العالقة داخل الإسلام، كما أرفض معنى (حرفية الدين) أو مهنيته بقصرها على أناس بعينهم’’

وزاد قائلاً ‘’كما أنني أرفض وأقول لا يعقل أنه في لحظة غضب أن نطوي صفحة إنجاز بالكامل لرجل بعينه أو مؤسسة معينة ولا نركز إلا على كلمة قالها (...) والأهم أنه يجب أن نتصدى بالفكر للفكر بدلاً من الصوت العالي’’. والسمان واحد من الذين دأبوا على تشجيع الحوار الهادئ في أحلك الليالي، وخصوصاً مسألة الرسوم الكاريكاتيرية الدانمركية المستهزئة بالرسول محمد (ص)، وبالتالي، فمسألة الوزير والحجاب لم تكن بتلك الضخامة بالقياس.

ومن جهته، يقول جلال أمين ‘’الوزير أخطأ ولكنه لم يكفر، وهو إذا استخدم تعبيرات جرحت مشاعر كثيرات من المحجبات الفضليات، فقد قال أيضاً كلاماً طيب جروح الكثيرات الأخريات من الفُضليات غير المحجبات. أما هؤلاء الذين هاجموه بقسوة نادرة المثال من بين أعضاء مجلس الشعب (كما يظهر من وجوههم أثناء الحديث وكأنهم يريدون أن يشربوا من دمه) فقد كان أولى بهم أن يكتفوا بالعتاب أو اللوم، وأن يوجهوا غضبهم إلى أشياء أهم من هذا بكثير’’[9].

هذا ما يتوافق مع رأي مرشد الإخوان المسلمين مهدي عاكف في مصر، وربما هو الرأي الأبرز في هذا الشأن إذ يأتي من أعلى سلطة ‘’إخوانية’’ في مصر، متهمة دائماً بإثارة الشارع دينياً وسياسياً هناك، إذ قال ‘’إن الوزير فاروق حسني حرٌ فيما يقوله، وله الحق في إبداء رأيه فيما يشاء، وفي مختلف القضايا لأنه حق أصيل لكل إنسان، وبصفتي مرشداً عاماً للإخوان، أعلن أن فاروق حسني إنسان حر فيما يقول لأنه مسؤول عن كلامه’’[10]، مبرراً ذلك أنه من المعلوم أن الوزير ذو ثقافة غربية، وأنه ليس من المستغرب أن تصدر عنه هذه التصريحات، وأنه لن يكون الأول والأخير بين من يرون هذا الرأي ‘’ولكن أن نحاول محاربته والهجوم عليه لأنه أعلن رأيه في مسألة الحجاب.. فهذا لم أقبله، ونرفضه جميعاً[11]’’.

هذا ما حدث في مصر، بقي الوزير في منصبه، تراجعت - مع مرور الأيام - الأزمة وعادت المياه إلى مجاريها، وظلت قطعة القماش (الحجاب) مثار مشكلة على مر الأيام.

في البحرين، كان للحجاب قصة، لبداياته ونظرات من بدأن به، كيف وجدن السبل أمامهن ولماذا اقتنعن به، وكيف تحول الحجاب من كائن غريب إلى أن يصبح ‘’السفور’’ غريباً ربما في بعض المواقع المجتمعية؟


الهوامش[1]،[2]،[3]

من مقابلة مع وزير الثقافة فاروق حسني - روز اليوسف - 1ديسمبر/كانون الأول .2006
[4] مجلة ‘’المجلة’’ - 2ديسمبر/كانون الأول .2006
[5] روز اليوسف - مصدر سابق.
[6]،[7]،[8] صحيفة ‘’الأسبوع’’ المصرية، العدد 27 ,505 نوفمبر/تشرين الثاني .2006
[9]،[10]،[11] صحيفة ‘’العربي’’ المصرية - 26 نوفمبر/تشرين الثاني .2006

عندما يتدخل ملك بلجيكا في مسألة الحجاب
في العام ,2005 تعرضت البلجيكية الجنسية (المغربية الأصل) نعيمة أمزيل إلى أزمة كادت أن تودي بها إلى أن تصبح خارج نطاق عملها في مصنع رومري للمعلبات البحرية قرب منطقة فلاندر غرب البلاد، وذلك لأنها كانت ترتدي الحجاب.

أمزيل، واحدة من المسلمين الذي يشكلون نسبة 5,4% من إجمالي سكان البلاد البالغ عددهم عشرة ملايين نسمة، إذ لا يزيد عدد المسلمين في بلجيكا عن 450 ألفاً.

في ذلك العام، تلقى رئيس المصنع ريك ريمري رسائل تهديد من مجموعة تطلق على نفسها ‘’أحرار الفلندرز’’ الجدد يطالبونه بطرد أمزيل إذا أصرت على ارتداء الحجاب أثناء العمل ، ونعتوه بالبلجيكي السيئ الذي يتعاطف مع المسلمين ويتعاون معهم. ووجهوا تهديداً لكلٍ من ريمري وأسرته. على الفور، جمعت إحدى جمعيات المستخدمين في بلجيكا تواقيع 17000 ألف شخص تضامناً مع ريمري وأمزيل.. وفي هذا السياق قالت رابطة مديري الأعمال مخاطبة المدير ريمري ‘’لعل موقفكم الهادئ يصبح رمزاً للتسامح في مقاطعة فلاندرز’’. ولكن أمزيل فضلت الاستقالة حقناً لأي موقف يمكن أن يسيء إليها أو إلى رب عملها المتعاطف معها، خصوصاً أنها تلقت سبع رسائل تهديد بنزع الحجاب أو ترك العمل، وواحدة كانت تحتوي على رصاصتين، أي أن واحدة لها والأخرى لرئيسها.

كان ملك بلجيكا ألبير الثاني، يتابع شخصياً تطورات هذه القصة، وما أن تفاقمت وصارت آلياتها تتحرك بسرعة يخشى فيها من الانفلات، قام - بصحبة قرينته - في 19 أبريل/نيسان 2005 بزيارة شخصية للمصنع، دعا فيها بشكل شخصي وخاص الموظفة المتحجبة للحضور، حتى تظهر في وسائل الإعلام جنباً إلى جنب مع الملك، وهناك قدم إليه أحد أبناء أمزيل لوحة فنية رسمها بنفسه، كما استقبل الملك وعقيلته مئات من أطفال المدرسة الابتدائية التي يدرس فيها أبناء أمزيل في تعبير عن تعاطفهم مع زملائهم أبناء الموظفة المهددة بسبب حجابها.


رد مع اقتباس