عرض مشاركة واحدة
قديم 11-20-2004, 03:45 PM   رقم المشاركة : 3
الكاتب

الزوار


الملف الشخصي








ومن هنا فإن العلاجات التجريبية تستخدم دون التأكد من النتيجة، وكذلك يتم علاج الأعراض دون معرفة ودون علاج السبب المرضي، فكل شيء في الطب احتمالي ونسبي، وطبقا لقاعدة اليقين فإن كل الإجراءات الطبية مسموح بها إلا إذا وجد دليل وإثبات على ضرورة منعها، أي أن الأصل في الأشياء الإباحة، والاستثناء لهذه القاعدة يكون في الحالات الجنسية والتناسلية؛ حيث إن المسائل المتعلقة بالوظائف الجنسية: الأصل فيها التحريم إلا إذا وجد دليل لإباحتها.
قاعدة الضرر: تقول هذه القاعدة: إن الضرر يُزال، علما بأنه يجب على الطبيب أصلا ألا يسبب ضررا خلال عمله طبقا للقاعدة القائلة: لا ضرر ولا ضرار، والضرر يدفع بقدر الإمكان، والضرر لا يكون قديما إلا إذا وجد دليل على ذلك، وبالتالي تجب إزالته، وكذلك الضرر لا يزال بمثله، وبالتالي فإنه لا يُستخدم علاج لإزالة ضرر ويكون لهذا العلاج أثر جانبي في نفس حجم الضرر المستخدم لإزالته. وكذلك قاعدة درء المفاسد أولى من جلب المنافع تستخدم عندما يكون التدخل الطبي المقترح له آثار جانبية، لكنه ضروري لدرء مفسدة لها نفس قيمة المنفعة، لكن إذا كانت المنفعة أهم بكثير من المفسدة فهنا يرجح السعي وراء المنفعة.

وعندما يواجه الأطباء تداخلات طبية ذات وجهين: وجه مسموح ووجه ممنوع، فإن الشريعة هنا تقول: إذا اجتمع الحلال والحرام غلب الحرام الحلال، أي يرجح التحريم على الإباحة.
وإذا واجه الأطباء موقفين ضارين؛ فالشريعة هنا تقول باختيار أهون الشرين. وكذلك الضرر الأشد يزال بالضرر الأخف، وأيضا المصالح العامة مقدمة على المصالح الخاصة.
وكذلك يُحتمل الضرر الأخص من أجل دفع الضرر الأعم. فعند وجود أمراض معدية تنتقل بالاتصال فمن حق الحكومات أن تحد من حركة المواطنين أو حتى تدمر أملاكهم التي قد تؤدي إلى نقل المرض. وفي الكثير من المواقف التي تكون فيها المفاضلة بين المنفعة والضرر صعبة نحتاج إلى صلاة استخارة.
قاعدة المشقات: وهذه القاعدة تقول: إن الضرورات تبيح المحظورات، وتعرّف المشقات بأنها: أي حالة تتلف جديا الصحة الجسدية أو العقلية إذا لم يتم حلها فورا، وهنا فإن المشقات تجلب التيسير، وهذا متوافق مع المبادئ العامة للإسلام من حيث كونه دين يسر، فالدين يسر ولن يشادّ الدينَ أحدٌ إلا غلبه. وفيما يخص تطبيق قاعدة المشقات فإنها محدودة بمقصد الشريعة، فالضرورات تقدر بقدرها، وكذلك فإن تطبيق قاعدة المشقات يكون لفترة محدودة، أي فترة مؤقتة وليست دائمة، وذلك للحفاظ على حق المريض، أي أن الاضطرار لا يبطل حق الغير.
وينتهي العمل بقاعدة المشقات بانتهاء الضرورة التي دعت إلى اللجوء إليها، أي أن ما جاز بعذر يبطل بزواله، ويمكن التعبير عن ذلك أيضا بالقول: إذا زال المانع عاد الممنوع. وأيضا لا يجوز طلب فعل أي شيء حرام من شخص آخر، أي أن ما حرُم فعله حرُم طلبه.
قاعدة العرف: وهذه القاعدة تقول إن العادات محكمات، وما يمكن اعتباره من العرف هو ما يغلب، تبعا للقول: (إنما تعتبر العادات إذا اطردت وغَلبت)، وكذلك العبرة بالغالب الشائع لا النادر. وكذلك يجب أن يكون العرف قديما وليس ظاهرة حديثة حتى يعطي الفرصة للإجماع الطبي للحكم عليه.

ضوابط الفقه في الطب

الضابط الفقهي هو قاعدة عامة تطبق على مواقف محددة في فصل ما من الشريعة، ومجال الضابط الفقهي أضيق من مجال القاعدة الفقهية حيث إن الضابط الفقهي يتعامل مع فصل واحد، لكن القاعدة تتعامل مع أكثر من فصل في الشريعة. وكذلك الاستثناءات في حالة الضوابط أقل منها في حالة القواعد.
ويجب أن يتصف الطبيب بالإتقان والإحسان بحيث يهدف إلى إحسان العمل، ويجب أن يكون لديه توازن في الأفعال والأساليب. كما يجب أن يدرك الطبيب حجم الأمانة الملقاة على عاتقه ويحاسب نفسه دائما. وقد سجل الإمام النووي في كتابه "الأذكار"[5] ثلاثين حديثا تغطي القيم التي يدور حولها الإسلام أي التي عليها "مدار الإسلام".
هذه القيم هي الخطوط الإرشادية للعمل الطبي وهي: كل عمل يعرف بالنية من ورائه[6]، من الأفضل ترك ما يريب[7]، اترك ما لا يعنيك[8]، أحبّ لغيرك ما تحب لنفسك[9]، لا تسبب ضررا[10]، أعط النصح المخلص[11]، ابتعد عن كل ما هو محرم، افعل كل ما يمكن فعله مما هو فرض، ابتعد عن المناقشات والمجادلات العقيمة[12]، تخلَّ عن شهوتك لامتلاك أغراض الدنيا والنظر لما في يد غيرك[13]، لا تقتل إلا بأحكام قضائية[14]، الادعاءات يجب أن تكون مدعمة بالدلائل[15]، في مسألة الصواب والخطأ يجب أن يتبع الضمير حتى يرتاح القلب[16]، التميز والجودة أي الإحسان في العمل[17]، حفظ اللسان[18]، الصمت أفضل من الحديث بالشر[19]، املك نفسك عند الغضب[20]، لا تنتهك حدود الله[21]، اجعل لديك وعيا وشعورا بالله في جميع الأحوال[22]، الحسنات يذهبن السيئات[23]، التواضع[24]، حافظ على الموضوعية[25]، اطلب العون من الله[26]، وابتعد عن الظلم والانتهاكات[27].
* واجب الطبيب: عند وجود طبيب واحد في مجتمع ما، ففرض عليه تقديم المنفعة الطبية، وفي حالة وجود أكثر من طبيب فإنه يكون فرض كفاية. وفي حالة بدء العلاج مع طبيب معين فإن المسئولية الفردية تبقى حتى بوجود أطباء آخرين.
* احترام استقلالية المريض: الاستقلال هنا مأخوذ من قاعدة القصد، فالمريض هو الشخص ذو النوايا الأصدق والأنقى في السيناريو الطبي، وبالتالي فهو أفضل شخص قادر على اتخاذ القرارات لمصلحته الشخصية حيث إن الأشخاص الآخرين من الممكن أن تكون لهم اعتبارات شخصية تؤدي إلى انحيازهم عند صنع القرار، ولهذا فكل القرارات يجب أن تترك للمريض، فلا يمكن اتخاذ أي إجراء طلب دون موافقة المريض، إلا في حالة عدم صلاحيته شرعيا، ففي هذه الحالة يتخذ الآخرون القرارات للمريض غير المؤهل لذلك.
* الصدق والمكاشفة: يجب على الطبيب أن يكاشف المريض بالحقيقة الكاملة حتى يتمكن من اتخاذ القرار الصحيح لحالته الصحية، ويجب على الطبيب أن يتكلم مع الأشخاص حسب عقولهم، أي أن يميز حجم المعلومات وطريقة المكاشفة التي يتعامل بها مع مريض دون الآخر.
* الخصوصية: إفشاء أسرار المريض يعارض الإخلاص في العلاقة الخاصة بين المريض والطبيب، فإفشاء أسرار المريض يدخل تحت قاعدة الضرر. وفي حالة الضرورات يندرج إفشاء الأسرار الخاصة بالمريض تحت قاعدة المشقات. ومسئولية حفظ الأسرار تقع على عاتق كلٍّ من المريض والطبيب حيث إن ستر المؤمن على نفسه واجب[28]، ويباح للطبيب إفشاء السر في حالة الشهادة في القضايا الإجرامية التي قد تنطوي على ظلم[29]، حيث لا يمكن أن يشهد الطبيب زورا وهذا لدفع الظلم[30].
* الإخلاص: وهذا الضابط يحتم على الطبيب أن يكون مخلصا، يحقق الاتفاقات، ويحافظ على العلاقات ويتصرف بثقة. فمثلا ترك المريض في أي مرحلة من مراحل العلاج دون ترتيبات بديلة يعتبر انتهاكا للإخلاص. وقد يجد الطبيب نفسه في موقف يتطلب وفاءه تجاه: إما المريض أو مكان العمل، أو بين مريضين مثل الأم والجنين وهنا يرجع الأطباء إلى المقاصد والقواعد.

اقرأ أيضا:

قتل الرحمة في ميزان الأخلاق والقانون
العلاج الجيني.. رؤية الفقه الإسلامي
الأخلاق في الحضارة الإسلامية.. كيف حفزت الحركة العلمية؟

الشريعة وإفشاء السر: الطب نموذجا
--------------------------------------------------------------------------------[*] وكيل كلية الطب لشئون الدراسات العليا والأبحاث في الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا. دكتوراه في الصحة العامة من جامعة هارفرد في أمريكا.

والورقة قدمت للمؤتمر الطبي الإسلامي الدولي، تحت عنوان (الطب والمجتمع والدين)، الذي نظمه الاتحاد العالمي للجمعيات الطبية الإسلامية، بالتعاون مع جمعية العلوم الطبية الإسلامية، في الأردن، 16-19/يوليو/2004م.
وترجمته لإسلام أون لاين.نت: سارة مدحت.

[1] Beauchamp و Childress الأخلاقيات الطبية، – الناشر: جامعة أكسفورد 1979، 1994
[2]لمزيد من التفاصيل يمكنك الرجوع إلى: أبو إسحاق الشاطبي "الموافقات في أصول الشريعة"، الناشر: دار الكتاب العالمية – بيروت
[3] لمزيد من التفاصيل يمكنك الرجوع إلى: علي أحمد الندوي ( القواعد الفقهية) دمشق 1414هـ.

[4] البخاري، كتاب البيوع، باب 2
[5] النووي، الأذكار، الناشر: دار ابن كثير – بيروت
[6] البخاري، كتاب بدء الوحي، حديث 1
[7] الترمذي، حديث رقم 2520
[8] الترمذي، حديث رقم 2318
[9] البخاري، كتاب الإيمان، حديث رقم 13
[10] الموطأ، 2:745
[11] مسلم، حديث رقم 55، أبو داود، حديث رقم 4944، النسائي، 7:152، أحمد 4:102
[12] البخاري، حديث رقم 7288، مسلم، حديث رقم 137، النسائي، 5:110
[13] ابن ماجه، حديث رقم 4102
[14] البخاري، حديث رقم 6878
[15] البخاري، حديث رقم 4552
[16] الدارمي، حديث رقم 2536
[17] مسلم، حديث رقم 1955
[18] الترمذي، حديث رقم 2619
[19] البخاري، حديث رقم 6018
[20] البخاري، 6:16
[21] الدارقطني، رقم 4:184
[22] الترمذي، حديث رقم 1988
[23] الترمذي، حديث رقم 1988
[24] البخاري، حديث رقم 3483
[25] مسلم
[26] الترمذي، حديث رقم 2518
[27] مسلم، حديث رقم 2577
[28] البخاري، كتاب الأدب، باب 60
[29] القرآن، سورة 4 آية 148 وسورة 24 آية 19
[30] مختصر البخاري حديث رقم1176

دعاء
اللهم أغفر لي و لوالدي و لأموات الموحدين
امــــين
الموقع علي الأنترنت
Cant See Links


ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله و ما نزل من الحق "


رد مع اقتباس