عرض مشاركة واحدة
قديم 03-06-2010, 01:22 PM   رقم المشاركة : 2
الكاتب

fateemah

الاعضاء

fateemah غير متواجد حالياً


الملف الشخصي









fateemah غير متواجد حالياً


رد: الاتصال الإسلامي الخارجي وحوار الحضارات

لهذا بات واضحاً أن الصور ولوحات الحائط والملصقات والمواد والعروض المصورة التي تقدم بشكل فني جميل تشد انتباه الجمهور أكثر من غيرها، وقد تكسبه إلى صف ما تدعو إليه مؤدية دورها في تكوين الاتجاهات أو تغييرها(27).

د) المخُاطب : الفهم المسبق للشخصية ومراعاة اللحظة الاتصالية :إن المتلقي هو الحلقة المستهدفة في عملية الاتصال، فالقارىء هو الشخص المهم فيما نكتب، والمستمع هو الشخص المهم فيما نتحدث به ، والمشاهد هو الشخص المهم فيما نعرض. فالشخص الموجود في نهاية السلسلة هو الذي يستحق التركيز والعناية، واستناداً إلى ذلك يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار عند اتخاذ أي قرار(28) اتصالي.

وإذا كنا نلاحظ أن الاتصال الإسلامي كثيراً ما يغفل شخصية المتلقي ولا يعيره مايستحق من اهتمام، فإن ذلك يفسر لنا السبب وراء عدم إحراز بعض الجماعات أو الدول الإسلامية النجاح الاتصالي المرجو، فمثلاً "جماعة التبليغ" وهي تركز نشاطها على الاتصال المباشر مع الآخر لا نجد لها أي نجاح أو صدى يُذكر، كما لم تتمكن دول إسلامية ـ ومنها من يملك إمكانات مادية كبيرة ـ من استقطاب الرأي العام في الخارج أو إقناعه.

إن الاستراتيجية الاتصالية الناجحة لابد لها من التوفير المسبق للمعلومات الوافية عن المستهدف وتكوين صورة متكاملة عنه تشمل نمط تفكيره وطريقته في الحياة والعوامل التي تؤثر في سلوكياته واتجاهاته، ناهيك عن معرفة شواغله واهتماماته، فضلاً عمّا يحمله من أفكار مسبقة عن المتصل نفسه.

وهنا لابد من الاستعداد لاختراق الحواجز النفسية التي تحول دون تواصل الآخر وإنصاته بذهنية محايدة وقلب مفتوح.

إن التعامل مع هذا الصنف من المُخاطَبين يتطلب أن يتمتع المتصل بقدر كبير من الدقة وحسن اختيار المداخل والأساليب والرسائل، هل تُقدم معلومة دون أخرى؟ هل يُقدم الدليل لمرة واحدة أم يتم تكراره؟ هل تُقدم الحقائق دفعة واحدة أو لدفعات؟ وهل يُحتفظ بجزء منها لحين استيعاب المُخاطب ماقُدم له فيما يُترك الباقي ليتوصل هو إليه بنفسه؟

وفي كل الأحوال يجب اختيار الرمز الذي يفهمه المتلقي وإبراز العناصر المحببة أو الجذابة لديه، أو التي يسهل عليه فك رموزها، أو تلك التي تنطوي على مضمون يتناسب مع احتياجاته وشواغله واهتماماته، ففي ذلك فرص لتحقيق أقصى حد ممكن من التأثير(29).



تكييف الاتصال الإسلامي في ضوء متغيرات البيئة الدولية المعاصرة.

أ) المجتمع الدولي المعاصر وحدود حرية الاتصال : إن الغاية النهائية للاتصال الإسلامي الخارجي هي توصيل كلمة الله ونيل رضاه وتنفيذ إرادته في التبليغ والتعرف، وممارسة الإنقاذ والتعاون والشهادة على العصر، كما هو ضرورة تقتضيها المصالح والعلاقات الإنسانية العامة. وإذا كان العمل الاتصالي عند المسلم وفقاً لهذه الغاية يظل مستمراً، إلا أن متغيرات المجتمع الدولي المعاصر وهي تحدّ من حرية الاتصال وتضع على طريقه عدداً من العقبات، فإن منطق المصالح يقتضي وضع هذا المتغير بعين الاعتبار، لا سيما وأن القوة كمظلة لممارسة الاتصال لم تعد باليد في ظل اختلال موازين القوى ولا هي ممكنة أو مقبولة، من الناحية الدولية، فضلاً عن أن الاتصال لم يكن سهلاً في ظل بوابات دول حديثة قوية التنظيم والإحكام، وبالتالي فليس بوسع حركة الاتصال الإسلامي التحرك إلاّ في الحدود المتاحة والمسموح بها دولياً، كاستثمار مقولة "الحق في الاتصال" المقررة دولياً (30) ، إلى جانب الإمكانات الاتصالية الأخرى التي يتيحها النظام الدولي الراهن، وإلاّ فإن التوسل بمسالك اتصالية خارج ذلك من شأنه أن يجلب الكثير من المتاعب، بل لعله يفضي إلى حدوث إشكالات سياسية، بخاصة حين يُحسب المتصل على دولته وبالأخص حين يمثلها رسمياً.

ومن هنا فإن الحساسية التي قد يثيرها الاتصال الخارجي، لا سيما بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر وما أعقبها من إشكالات مثيرة تدعونا إلى ترسيخ الوعي بالمتغيرات الدولية، والتعرف على حدود المسموح والممكن دولياً قبل الإقدام على أي مشروع اتصالي، مع التأكيد على أن الاتصال الخارجي أضحى مسؤولية تحتاج إلى قدر رفيع من الحساسية والفكر وضبط الكلام وترييض السلوك واكتساب المهارات والفنون المتعددة، وذلك تحقيقاً لنجاح التخاطب من جهة وتجنباً لإثارة الحساسيات والمشاكل من جهة أخرى.


وبناء على ذلك لابد من إعادة النظر في بعض الأنشطة الخارجية، وفي سياسات الخطاب وأساليبه وأدواته التي كانت سائدة فيما مضى، وضرورة التوعية بقيمة الحوار والمرونة والحث على العمل وفق فن الممكن، مع التدريب على الأساليب الدبلوماسية اللائقة في هذا السياق.

وفي كل الأحوال لابد للمتصل الخارجي من الالتزام بما تلتزم به الجماعة من اعتبارات يحددها نظام العلاقات والمواثيق والعهود الدولية(31)، وذلك من أجل أن تشكل الحركة الاتصالية ظهوراً حضارياً لائقاً يستوفي مقتضيات "الواجب" "والحكمة" والتعبير عن "الشعور بالمسؤولية" الإنسانية على نحو مُحكم ومتوازن.

ب) إعادة النظر في تصنيف الآخر: إذا كان فقهاء القرن الرابع الهجري قد قسموا العالم إلى "دار الإسلام" و" دار الحرب" وفق ما اقتضته الظروف السياسية والعسكرية القائمة آنذاك، فإن ما حدث من تغير في خارطة العالم الإسلامي، وما جرى من تبدل في توزيع القوة، يدعونا اليوم إلى إعادة النظر في ذلك التقسيم. لذا نقول ـ ونحن نشير إلى البعد الخارجي ـ إنه لابد من إعادة توصيف الآخر بعيداً عن ثنائية دار الإسلام ودار الحرب، والنظر إلى الدول التي ترتبط ببلدان المسلمين بمواثيق بأنها "دول عهد" وليست دار حرب، بل إن مجرد الارتباط بواحدة منها بعلاقة دبلوماسية كاف لاعتبار تلك العلاقة عهداً يخرج تلك الدولة من صفة العدو ويُجري عليها وعلى مواطنيها مايجري على دار العهد من أحكام وحقوق على نحو ما بيناه في السابق.

أما بالنسبة للفكر التكفيري الذي لا يعترف بالآخر، حتى ولو كان فوق أرضه، فلابد من التعامل معه بصفته ظاهرة غير صحية، ولابد من الحيلولة دون ظـهوره بمظهر من يعبر عن الإسلام والمسلمين، سيما حين يُترجَم إلى عنف مروع يُزهق الأرواح ويدمر الممتلكات ويُفسد العلاقات ويضر بالدين والأمة. ولا يجوز بأية حال أن تُلتمس لأي من أفراده الأعذار. وكما يقول الدكتور محــــمد سليــم العـوا : " لايجوز للمسلمين في أوربا أو في غيرها أن يتعاطفوا مع مرتكبي هذه الأعمال بزعم أنهم مظلومون أو تحت مسميات أنها ردود أفعال، أو أنهم يقاومون العنف العالمي بعنف مثله" (32).

ج) تنويع قنوات الاتصال الخارجي وتفعيلها : تنويع قنوات الاتصال وأدواته يثري ولاشك حركة الاتصال ويعمل على تفعيل التواصل مع الآخر، ولعل الاستفادة من التطورات التقنية الهائلة من شأنه أن يدفع بالاتصال خطوات إلى الأمام.

فإلى جانب الوسائل التقليدية من كتب وصحف ومجلات ونشرات وإذاعات، ومايمكن استثماره في مجال الإعلام والسينما والأشرطة والفضائيات العابرة للقارات وغير ذلك، هناك قنوات أخرى يمكن تفعليها منها :

الحضور الخارجي لبعض الشخصيات والجماعات النوعية : بحكم المهنة أو الوظيفة أو الاهتمام تسنح لبعض الشخصيات فرص ربما تتكرر للحضور في الخارج سواء على سبيل عابر أو مؤقت أو ثابت، وهو ما يصدق على الصحفيين والمفكرين والباحثين والدبلوماسيين والرياضيين والفنانين وأئمة الدين المتجولين، إضافة إلى الجالية المغتربة.

فمن هؤلاء من يُدعى إلى مؤتمر أو ندوة دولية أو مهرجان أو معرض أو غير ذلك، وبمقدوره أن يسهم في سياق هذه المناسبة بدور فاعل في عملية الاتصال، لا سيما وأن الإعلام الأجنبي ـ الغربي على وجه الخصوص ـ لم يعد يتورع عن تقديم المسلم إلاّ وهو مقترن بالنقائص والكثير من التشويه. إنه بالإمكان عمل الكثير سواء على مستوى اللقاءات بالأقران أو مع الصحافة أو غيرها من أجهزة الإعلام الأخرى.

وبإمكان الرياضي الدولي أن يسهم في نقل القيم والمدركات الإسلامية وأن يدخل في حوارات هادفة يمكن من خلالها كشف ما هو إيجابي في تفكير المسلمين أو حياتهم ودحض ما يُعد من المفتريات أو التشويهات.

كما يمكن للفنان أن يقدم رؤيته الفنية الخاصة من خلال نقل المعاني والرؤى والرموز الإسلامية، غير اللوحة أو العمل الفني، كما باستطاعته أن يُلقي الضوء على فلسفة الفن الإسلامي وجمالياته بوجه عام، وذلك من خلال الشروح أو المحاضرات، وهذا ما يمكن أن يمارسه السينمائي وهو يتواصل مع الآخر عبر أداته البصرية التي يستطيع من خلالها تبليغ ما يريده من أفكار ودلالات لتتحول السينما وسيلة لحوار الحضارات.

ويمكن للدبلوماسيين أن يسهموا بمثل هذه الأدوار في حدود ما تسمح لهم به وظيفتهم، وما يُتاح لهم من حضور واتصال. ولعل الملحق الثقافي يمكنه الكتابة والرد والتعليق والإسهام في مختلف النقاشات التي تتصل بالإسلام والعالم الإسلامي وقضايا الحوار بين الثقافات.

ولا ننسى الإشارة إلى الدور الذي يمكن أن تضطلع به الدبلوماسية الشعبية في هذا المجال، حيث يمكن الاتصال بالعناصر الأجنبية البارزة والشخصيات المؤثرة في الرأي العام الخارجي، وحتى بمن هم في موقع صناعة القرار، والدخول معهم في حوارات ضرورية وربما مفيدة.

وتندرج ضمن الدبولماسية الشعبية الأنشطة التي تنهض بها جمعيات الصداقة والغرف التجارية المشتركة والاتحادات والجمعيات والأحزاب وغيرها.

أما أفراد الجالية الإسلامية المقيمة في الخارج، سواء بشكل دائم أو مؤقت، فيمكنهم الاضطلاع بأدوار مهمة ومتعددة، سواء على صعيد التبليغ أو التوضيح أو التعريف أو التوسط. وهؤلاء يشكلون همزة وصل بين المسلمين وغيرهم من الجماعات والشعوب الأخرى. ولعالم الدين المقيم أو المتجول في الخارج دورا بليغا في المجال المذكور.

مراكز البحوث والمؤسسات العلمية والجامعية في الخارج : مراكز البحوث والدراسات والمعاهد والجامعات التي يمكن إقامتها في البلدان الأجنبية تمثل مواقع مهمة في أوعية الاتصال والتبادل والتداول العلمي والثقافي، بخاصة مع طبقات العلماء والباحثين والنخب وأهل الرأي، كما يمكنها أن تلعب دوراً حيوياً في حوار الحضارات.

لقد أنشأت عديد من الدول الغربية مراكز ومؤسسات وجامعات في بلدان العالم العربي الإسلامي، كما بادر خلال العقود الأخيرة عدد من البلدان العربية الإسلامية إلى إقامة مثل هذه المراكز والمعاهد والمؤسسات في الخارج، وهو أمر من شأنه أن يؤتي ثماراً طيبة إذا ما كان على رأس هذه المؤسسات من يملك الرؤية ويحسن التخطيط ويجيد الاتصال بشكل فعال.

ويمكننا أن ننوه هنا بالدور المعرفي الذي لعبه " المعهد العالمي للفكر الإسلامي" في الولايات المتحدة الأمريكية الذي استطاع من خلال التزامه بهذا الدور أن يشكل له قاعدة متينة للتواصل مع العديد من جامعات الغرب ومؤسساته.

والحقيقة أن مثل هذه المراكز باستطاعتها أن تنشط في الاتصال من خلال عقد المؤتمرات العلمية والندوات الفكرية واللقاءات التي تتناول قضايا المسلمين، ومشكلات الجالية والمهاجرين، وإشكالية العلاقة مع الآخر، وما يتصل بموضوع الحوار بين الجانبين.



شبكة المعلومات العالمية ( الأنترنيت)

في ظل التطور الحاصل في تقنيات الاتصال وظهور شبكة الانترنت وانتشارها الواسع، صار من الممكن الظهور على الشبكة عبر إنشاء الكثير من المواقع التي بإمكانها خدمة أهداف الدعوة والإعلام والاتصال والحوار. والأهمية الفائقة لهذه القناة لاتنبع من مجرد سهولة الإطلال عن طريقها على عوالم الآخرين بل كون أن المستخدم لها أضحى يمارس دوره بصفته شريكاً وليس متلقياً فقط.

ولعل من المواقع الإسلامية التي يُشار إليها الموقع المسمى "ISLAM ON LINE الذي بدأ بثه باللغة الإنجليزية في 1999/10/15م من مدينة الدوحة بقطر.

ويمكن عن طريق مثل هذه المواقع تقديم المعلومات الصحيحة، وتصحيح المفاهيم الخاطئة، وتوفير الخطوط الحية للإجابة على التساؤلات المختلفة، فضلاً عن توفير خطوط تُعنى بالمناقشة والحوار دون أية عوائق رقابية أو موانع دولية.

كما لايكفي أن يكون الاتصال بالآخر عبر تأسيس المواقع التي تنتج مواداً فقط، بل لابد من دخول المسلم بنفسه إلى مواقع الآخرين والإسهام معهم في حلقات الحوار المنتشرة والدخول على المؤتمرات والندوات المفتوحة وعلى مواقع الجامعات ومراكز البحوث والمعلومات وغيرها، لا بروح المخاصمة وذهنية السجال، بل بمنهاجية وفي إطار من العلم والحكمة ولغة الحوار.

إن التزايد المستمر للمواقع الإسلامية يجب أن لا ينسينا بأن ثمة مواقع إسلامية تحكمها ثقافة الكراهية وتغلب عليها لغة الشعارات ولاتحسن غير العزف على ألحان العداوة الأبدية مستهينة بأي دعوة للتفاهم والحوار.

إنه يجب أن تطوق مثل هذه المواقع بمواقع تترجم النزعة الإنسانية واللغة الحوارية التي يبشر بها الإسلام ويسعى إلى إشاعتها بين العالمين.



الترجمة وحوار الحضارات :

لسنا بحاجة إلى التأكيد على أهمية الترجمة من اللغة القومية إلى غيرها من اللغات، ولعل الولايات المتحدة الأمريكية هي من أكثر الدول التي اهتمت بالترجمة من لغتها الإنجليزية إلى اللغات الأخرى، وقد كان اهتمامها بالعالم العربي على هذا الصعيد قد تبلور مع مبدأ أيزنهاور في العام 1953م حين نجحت الحكومة الأمريكية في عقد اتفاقية مع مصر تحت عنوان " اتفاقية التبادل الثقافي" التي ظهرت من خلالها موسسة " فرانكلين" الأمريكية ـ العربية التي اتخذت من نيويورك والقاهرة مقرين لها، ثم فتحت لها فروعاً أخرى في دمشق وبغداد، وخلال الفترة من العام 1953م إلى العام 1966م تمت ترجمة أكثر من 300 كتاب غالبيتها يروج لنمط الحياة الثقافية الأمريكية ويدعم اتجاهات الفكر الليبرالي والسياسة الأمريكية، وقد شملت هذه الترجمات موضوعات في الأدب والثقافة والتعليم والمعارف الإنسانية المختلفة.

أما على صعيد ترجمة المجلات، فقد اشتهرت مجلة " المختار" التي هي من أقدم المجلات الأمريكية وأوسعها انتشاراً والتي كانت تُقدم بمختلف لغات العالم ومنها العربية، كما نشط في المقابل الاتحاد السوفيتي والصين الشعبية على مستوى تقديم الكتب والمجلات المترجمة والمُصورة والتي تنقل نماذج أخرى من الفكر وأنماط الحياة إلى قراء من مختلف أنحاء العالم.

إن توصيل الأفكار والنماذج والصور إلى الآخرين وبلغاتهم ينطوي على قيمة اتصالية بإمكانها أن توفر فرصاً مهمة للتعريف والتفاعل، لهذا لا يصح في إطار المشروع الاتصالي أن تهمل الترجمة، فإذا كانت الترجمة من لغات الآخر مسألة حيوية، لا سيما في خضم عمليات التطور العلمي والثقافي، فهي من لغاتنا إلى لغات الآخر لا تقل حيوية بخصوص مانرجو توضيحه، وهي في وقتنا الراهن تمثل ضرورة حيث العالم ما فتىء يسمع ويقرأ عنا دون أن نكون في أكثر الأحيان نحن من يتحدث أو يكتب.

إن الاهتمام بالترجمة يجب أن يتم ثلاثة مستويات، هي :

مستوى الكم : الترجمة من اللغات الإسلامية إلى اللغات الأخرى ما زالت قليلة جداً قياساً إلى الترجمة من اللغات الأخرى إلى لغاتنا. وإذا كنا ندرك أن التثاقف المتبادل والحوار الحضاري بين الشعوب مطلوبان اليوم أكثر من أي وقت مضى، فإن ذلك تجب ممارسته على قاعدة التوازن، إذ ليس من التثاقف المتوازن أن تتدفق الترجمات باتجاه واحد لاسيما على صعيد القيم والأفكار والاتجاهات فيما لا يتلقى الطرف الآخر أي شيء من لغاتنا. فالتبادل والتداول شرط للتعارف والمثاقفة وتوسيع آفاق الحوار، وإلا فإن التدفق الأحادي الاتجاه سينشىء اختلالاً في ميزان العلاقات الثقافية. وهذا هو الحاصل حيث يفهم العربي والمسلم عن الغربي أكثر مما يفهم الغربي عن العربي والمسلم، وإذا فهم الغربي فلايكون فهمه في الغالب صحيحاً أو دقيقاً. لذا لابد أن يأخذ فعل الترجمة من العربية واللغات الإسلامية إلى اللغات الأخرى حجمه المرجو سواء عبر جهود الأفراد أو المؤسسات أو الدول.


إن مشروع الترجمة من لغاتنا إلى اللغات الأجنبية وفقاً لمنظور حضاري مسألة جد حيوية، والحقيقة أن الشرط الأساس لقيام هذا المشروع هو تأسيس مراكز متخصصة لها الإلمام التام بالمجتمعات المُستهدفة ولها القدرة على تشخيص احتياجات تلك المجتمعات من الترجمات المناسبة، كما يمكن أن تصدر عن مثل هذه المراكز والمؤسسات المجلات والدوريات المُترجمة، فضلاً عن إمكانية إشرافها على بعض الشبكات الإذاعية والتلفازية الناطقة باللغات الأجنبية أو تأجيرها ساعات من البث في الإذاعات والتلفزيونات التي يتابعها الجمهور الأجنبي أو الكتابة في كبريات الصحف الأجنبية المقروءة ولو بأجر مدفوع.

أما على مستوى الكيف، فلا بد من وعي تام بالموضوعات الضرورية وأولويات ما ينبغي ترجمته، وهذا يدعونا بداية إلى مراجعة القدر المُترجم من الفكر الإسلامي إلى اللغات الأخرى لنرى إلى أي حد هو صالح ومناسب ومعبر عن الخطاب الإسلامي الصحيح، وإلى أي حد هو كافٍ لتحقيق الأهداف الاتصالية؟

ومن الملاحظ أن قرار ترجمة كتاب ما من اللغة العربية ـ مثلاًـ إلى لغة أوربية يُتخد في أغلب الأحيان بسبب شعبية مؤلفه في العالم العربي ورواج الكتاب هناك أو بسبب موقع المؤلف في الساحة الإسلامية وفي أحيان عديدة بسبب انتمائه الفكري أو الحركي بغض النظر عن صلاحية الكتاب للمُخاطب.

لقد استعرض المستشرق "جو ستان فون جرونبوم" بعض الكتب الإسلامية ذات التوجه الحاد ليدلل على ما ذهب إليه من أن الكتابات الإسلامية الحديثة تمهد لنازية إسلامية تستهدف تدمير الغرب والإطاحة بحضارته وقد تعصف كما يزعم بالعالم كله(33).

لماذا نقدم مثل هذه الكتب غير المناسبة التي كُتبت في ظل ظروف وسياقات خاصة، وهي في كل الأحوال لاتعبر عن جوهر الدين ولا عن الفكر الإسلامي الموضوعي الذي يعكس ذهنية الحوار والتعامل بالحسنى.

إن نوعية ما يُترجم أمر من أهم موضوعات الترجمة الإسلامية، لذا لابد من وضع استراتيجية عامة للترجمة إلى اللغات الأجنبية والعمل ابتداء على وضع قائمة بالكتب والمؤلفات الملائمة، فإذا كانت هذه الكتب من التراث فيجب انتقاء ما يعبر منها عن أصالة الفكر الإسلامي وعمقه وقوته، والانصراف عن الكتب التراثية التي فقدت قيمتها أو التي لاتملك العمق أو الشمول أو الرحابة التي يختزنها جوهر ذلك الفكر.

أما إذا كان موضوع الترجمة تفسير القرآن، فكذلك من الضروري اختيار الترجمات الدقيقة الحسنة التي تكشف بأقصى قدر من الوعي مقاصد الشارع وتعبر عن إدراك عميق لمعاني كلمات الله وباللغة التي تلامس العصر ومتطلباته، ولا يختلف المطلب عند ترجمة الأعمال الفقهية أو الثقافية أو غيرها من الكتابات الإسلامية.

كل ذلك يقودنا إلى القول بأن تحديد ما هو مناسب للترجمة لا يصح أن يُترك لأهواء الأفراد أو الأحزاب أو الجماعات الخاصة، لاسيما من يفتقر منها إلى الرؤية الاتصالية المتجددة. وأنه لابد من توكيل لجان من العلماء والمفكرين والخبراء الذين يدركون واجب الدعوة ويستشرفون آفاق العصر ومقتضيات التعايش وقيمة الحوار للقيام بهذه المهمة، فضلاً عن ضرورة استقطاب مترجمين على درجة عالية من الوعي بالمهمة الحضارية للترجمة ونقل الأفكار والكلمات.

إن العديد من الكتب التي تُرجمت وأُنفق عليها الكثير من الأموال لم تكن أصلاً صالحة للنشر حتى باللغة العربية، كما أن بعضها كُتِبَ استجابة لواقع سياسي وتحديات أيديولوجية أملتها أوضاع العالم العربي المعاصر، في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي ولم يعد خطابها صالحاً لظروف العالم العربي حالياً. وكثير من هذه الكتب بل أغلبها تخاطب العقل العربي المسلم والعديد مما يترجم منها تفتقر إلى التوثيق السليم، وقد كتبت بأساليب مفعمة بالبلاغة العربية ويزخر خطابها بالإطناب والمبالغات، ولايمكن للمسلم الغربي (ناهيك عن غير المسلم) وأبناء الأجيال الجديدة أن تستجيب لها أو تتفاعل معها، إضافة إلى ذلك، فإن الكثير مما يترجم بحاجة إلى التوثيق وفي معظم الأحيان إلى إعادة تبويب أو ترتيب على الأقل(34).

إن الكثير من المؤلفات المترجمة إلى اللغات الأوروبية لم تكن لتناسب العقلية الأوربية أو الغربية، كما تتخلل أكثرها موضوعات قد تكون ميتة أو كتبت في الأصل لتعالج مشكلات خاصة بالعالم الإسلامي أو بأجزاء محددة منه، ومنها على سبيل المثال ـ ما كتبه أبو الأعلى المودودي وأبو الحسن الندوي وسيد قطب وغيرهم(35).

إن المجتمع الغربي وبخاصة الأمريكي، وهو يعيش فوبيا الإرهاب والهلع من الإسلام، يحتاج إلى ترجمات تأخذ منحى الطمأنة والتلطيف وتنمية الروابط الإنسانية، لا ترجمات تتحدث عن الصراع والمواجهة وبطريقة تدعم لدى المتلقي الأوروبي والأمريكي مقولة الإسلام القـتالي "Militant islam".

وبالإضافة إلى المضمون الفكري للعمل المُترجم هناك الجانب اللغوي والفني الذي يجدر أن ينال الاهتمام الذي يستحقه، فالإنتاج المترجم إذاما تمت صياغته بشكل مهني عال وعلى قدر جيد من الالتزام بمعايير الجودة سواء في اللغة أو الشكل أو التقنية أو الأسلوب، فإن ذلك سيكون له الأثر الإيجابي. لهذا لا بد لمشروع الترجمة أن يهتم بإحالة الموضوعات المرشحة للترجمة إلى مترجمين مؤهلين لغوياً وعلمياً وفنياً، إضافة إلى معرفتهم بالثقافة الإسلامية وإدراكهم للمنطلقات والمقاصد الشرعية، فضلاً عن الوعي برسالة الحوار والتخاطب مع الآخر.

وهنا لابد أن ننوه بما يمكن أن يسهم فيه المترجم من إضاءات يقدمها عبر التعليقات أو التوضيحات أو الهوامش التي يراها ضرورية أو مناسبة، والتي قد يستدعيها العمل المترجم وبطريقة يمكن أن تساعد المتلقي الأجنبي على سرعة الفهم وتكامله دون الوقوع في اللبس أو التلقي الخاطئ.

وأخيراً نقول إن الترجمة من اللغات الإسلامية إلى اللغات الأخرى، وبالمعايير والشروط التي ذكرناها، يمكن أن تخدم التثاقف والتفاهم بين أبناء الحضارات وتقلل من دواعي الكراهية وثقافة الصراع.




--------------------------------------------------------------------------------

(1) أمينة الصاوي ود. عبد العزيز شرف : نظرية الإعلام في الدعوة الإسلامية، مكتبة مصر، القاهرة، ص 6.

(2) إذا كان مجال الاتصال الخارجي هو ما يقع في العادة خارج الجغرافيا الإسلامية، فإنه بالإمكان ممارسته داخل حدود هذه الجغرافيا، وذلك حين يكون المُخاطب أجنبيا، كما في حالة وجود أجانب مقيمين داخل البلد الإسلامي أو زائرين ضيوفاً يحضرون مؤتمراً أو لقاء، أو كان وجودهم سياحياً أو دراسياً أو غير ذلك.

(3) سورة النحل، الآية125

(4) سورة سبأ، الآيـة 28.

(5) د. حامد ربيع، مقدمة في العلوم السلوكية، ص 263.

(6) سورة المائدة، الآية 2.

(7) سورة البقرة، الآية 143.

(8) سورة الأعراف، الآية 189.

(9) سورة التحريم، الآية 6.

(10) سورة الشعراء، الآية214 .

(11) سورة الأعراف، الآية 158.

(12) سورة سبأ، الآية 28.

(13) وفي رواية مسلم" لأن يهدي بك واحداً خير من أن يكون لك حمر النعم".

(14) انظر : د . عبد الغني النوري ود. عبد الغني عبود : نحو فلسفة عربية للتربية، دار الفكر العربي، ط 1، 1979، ص 114.

(15) سورة المائدة، الآية2 .

(16) سورة البقرة، الآية 143.

(17) مالك بن نبي: فكرة كومنولث إسلامي، مكتبة عمار، ط 2، القاهرة، 1391هـ، 1971م، ص 106.

(18) سورة آل عمران، الآية 79.

(19) د. جيهان رشتي : الأسس العلمية لنظريات الإعلام، دار الفكر العربي، القاهرة، 1975م، ص 133-132.

(20) حول هذه الصفات المطلوبة راجع تفصيلاً: د. منير حجاب : نظريات الإعلام الإسلامي، المبادىء والتطبيق، الهيئة المصرية العامة للكتاب، بدون تاريخ، ص 199-181.

(21)للتوسع راجع : المرجع السابق، ص 177-176 .

(22)انظر: د. محمود عودة : أساليب الاتصال والتغير الاجتماعي، دار النهضة، بيروت، بــــدون تاريــخ، ص 13 وص 17.

(23) سورة الحجر، الآية 2.

(24) زين العابدين الركابي : "النظرية الإسلامية في الإعلام والعلاقات الإنسانية:، في : الإعلام الإسلامي والعلاقات الإنسانية، النظرية والتطبيق، الرياض، ط 1، 1399 هـ ـ 1979، ص 326-325.

(25) راجع د. جيهان رشتي : الأسس العلمية لنظريات الإعلام، مرجع سابق، ص 358-357.

(26) زين العابدين الركابي : المرجع الأسبق، ص 313-312.

(27) أورده : د. راسم محمد الجمال : الإعلام العربي المشترك، دراسة في الإعلام الدولي العربي، مركز دراسات الوحدة العربية، 1985، ط 1، بيروت، ص 103.

(28) د. جيهان رشتي، مرجع سابق، ص 135.

(29) المرجع نفسه، ص 11، ص 64، ص 140-137.

(30) تحدث " تقرير اللجنة الدولية لدراسة مشكلات الاتصال" عن مقولة " الحق في الاتصال " بصفته حقاً في الاتصال الحر يتيح الانتفاع بالإعلام ويسمح بالمشاركة فيه على كافة المستويات الدولية والمحلية، إلاّ أن التقرير المذكور أكد على أن هذا المفهوم لم يبلغ بعد شكله النهائي على اعتبار أن حرية تدفق المعلومات وتعدد مصادرها على النحو الذي يتيح مجالاً واسعاً للاختيار لم تتوافر بعد، وبالتالي تظل المقولة المذكورة غير ذات معنى.

راجع : شون ماكير أيد وآخرون : أصوات متعددة وعالم واحد، الاتصال والمجتمع اليوم وغداً، اليونسكو، الشركة الوطنية للنشر التوزيع، الجزائر، 1981، ص 366-364.

(31) من الجدير بالإشارة هنا أن الكثير من دول العالم اليوم لم تكف عن استخدام أجهزتها المخابراتية للقيام ـ تحت غطاء الاتصال ـ بأعمال تجسسية مختلفة، وهذه ظاهرة ليست جديدة فقد عرفها نظام الاتصالات منذ أيام البعثات التبشيرية وحركات الاستكشاف والأنشطة الاستشراقية وحتى عصر الدبلوماسيين والصحفيين والأقمار الصناعية وموظفي المنظمات الدولية.

(32) راجع التصريحات في جريدة الشرق الأوسط، العدد (9245)، في 2004/3/21م، لندن، ص 16.

(33) المرجع السابق، ص 142-141.

(34) د. أنس الشيخ علي : "الأبعاد الغائبة في الخطاب الإسلامي في الغرب"، جريدة الشرق الأوسط، العدد (9138)، في 2003/12/5م.

(35) راجع : نخبة من المفكرين والكتاب : مقالات في الدعوة والإعلام الإسلامي، إعداد عمر عبيد حسنة، كتاب الأمة، العدد (38)، 1411هـ ـ 1991م، رئاســة المحــاكم الشرعـية والشؤون الدينية بدولة قطر، ص 142-141.
Cant See Links


رد مع اقتباس