عرض مشاركة واحدة
قديم 03-18-2012, 02:24 AM   رقم المشاركة : 2
الكاتب

أفاق الفكر

مراقب

مراقب

أفاق الفكر غير متواجد حالياً


الملف الشخصي








أفاق الفكر غير متواجد حالياً


رد: لماذا سمي يوم القيامة بهذا الاسم ؟وأسماء يوم القيامه



يوم الحسرة

من ضمن أسماء يوم القيامة: (يوم الحسرة)؛ لأن القلوب في ذلك اليوم تتقطع ندماً، وأسفاً، وحسرةً على ما فاتها من طاعة الله. يتمنى أنه قضى عمره كله في طاعة الله، ولم يقض ليلة، ولا ساعة، ولا لحظة إلا فيما يرضي الله ويحبه عز وجل، وحينما يرى السلع تقسم يوم القيامة على الناس على قدر الأثمان المقدمة، الذي يأتي بثمن يأخذ سلعته، والذي يأتي مفلساً يغمس في النار. فأهل الإيمان يأتون بثمن: إيمان، وعمل صالح؛ والسلعة الغالية: الجنة، والخاسر ما عنده شيء، ضيع أيام الفراغ التي كان يمكن أن تستغل وتملأ بالعمل الصالح والإيمان، وأوقاته ضيعها في العلم الفاسد، والكفر، والنفاق، والعصيان، ليله ونهاره في معصية الله، منشغل أربع وعشرين ساعة مع الشيطان الرجيم، فإذا مات وأُقدِم على الله عز وجل فلن يجد ثمن جنة عالية، وقصور عالية، وأنهار جارية، وزوجات جميلات، وولدان مخلدون، وثمار دانية؛ لأن هذه كلها تريد ثمناً، وليس عنده ثمن؟ مفلس، ما عنده شيء ينفعه يوم القيامة، فيتندم ويقول: لماذا هذا أخذ، وأنا ما أخذت؟ كان معي في الدنيا؟ لأنه تزودَ بالمال الذي ينفعُ هنا، وبالعمل وبالإيمان الذي ينفع هنا، وأنا ما عندي شيء، فيحصل في قلبه حسرة وندامة ما حصلت على قلب إنسان على وجه الأرض، يقول الله عز وجل: وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ [مريم:39] أنذرهم وخوفهم مما يحصل للناس من حسرة في ذلك اليوم: وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ [مريم:39]. وسمي (يوم الحسرة)؛ لشدة تحسر الخلائق وتندمهم على ما فاتهم، سواء كانوا مؤمنين أو كافرين، أما الكفار فلعدم الإيمان، يقول عز وجل: حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ [الأنعام:31]. والكفار أيضاً يتحسرون يقولون: يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ * أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ [الزمر:57-58] يقول الله لهم: بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ [الزمر:59] ويقول الله تعالى: وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ [الزمر:60] مسودة من ظلمة المعاصي أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ * وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [الزمر:60-61] نسأل الله أن ينجينا وإياكم من النار، وينجي الله من؟ الذين اتقوا: وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوا بِمَفَازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمْ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [الزمر:61]. وتبلغ الحسرة ذروتها، وتتناهى الحسرة عند أهل الضلال؛ عندما يتبرأ منهم أتباعهم والذين أضلوهم؛ لأنهم في النار لا يوجد أحد إلا وقد أضله أحد الضالين! والذي أضل الناس كلهم من البداية هو إبليس، القائد العام للعصاة والمجرمين، وهو أول من عصى الله، قال الله: فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلَّا إِبْلِيسَ [الحجر:30-31] هذا أول عاصٍ وبعدها: قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ [ص:82] أجعلهم كلهم عصاة معي، قال الله: وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [سبأ:20] فهؤلاء أول من يتبرأ منهم يوم القيامة إبليس، ويحصل عليهم بهذا حسرة وندامة لا يعلمها إلا الله. وجاء في القرآن في سورة إبراهيم ذكر ذلك، يقول عز وجل: وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [إبراهيم:22] يقول العلماء: إن هذا الكلام على أهل النار أعظم عليهم من كل عذاب في النار، عذاب قطع قلوبهم، يركب عليهم الشيطان ويقودهم كالحمير حتى يصل بهم إلى جهنم، فإذا وقعوا قال لهم: من أمركم أن تطيعوني؟ ما كان لي عليكم من سلطان، ولا أخذتكم بالقوة، وإنما دعوتكم فاستجبتم لي، فلا تلوموني ولوموا أنفسكم. وفي النار أيضاً يتبرأ شياطين الإنس من بعضهم، وهم الذين كانوا في الدنيا يدعون بعضهم إلى الكفر والضلال، وهؤلاء يقول الله فيهم: وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّأُوا مِنَّا [البقرة:167] قال الله: كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ [البقرة:167] حسرات، تتقطع قلوبهم حسرات وندماً، يقول: أنا عشت أربعين أو ستين سنة مع الشيطان، لِمَ لم أعشها مع الله؟ أنا كنت أنظر، لِمَ لم أنظر إلى ما يحبه الله؟ أنا كنت أسمع، لِمَ لم أستمع إلى ما يحبه الله؟ أنا كنت أتكلم وأخوض في المجالس، لِمَ لم أتكلم بما يحبه الله؟ أنا كنت آتي وأذر، وأقوم وأقعد، وأسهر وأنام، لماذا لم أجعل عملي كله في طاعة الله؟ قال الله: كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ [البقرة:167] هذه حسرة الكفار. أما أهل الإيمان فعندهم حسرة أيضاً، ولكن كيف يتحسرون؟ يتحسرون على أنهم ما زادوا من العمل الصالح، كل واحد يحب أن يزيد، فالذي بنى مسجداً يقول: ليتني بنيت مسجدين، والذي يصلي يقول: ليتني كنت أول شخص يدخل المسجد، والذي ما يقوم الليل يقول: يا ليتني كنت أقوم الليل، والذي كان باراً بوالديه يقول: يا ليتني بررت بهم أعظم ما دام أن طريق الجنة من عندهما، والذي كان واصلاً لرحمه غير أنه مقصر قليلاً، يقول: ليتني كنت أعلم أن ثواب صلة الرحم مثل هذا، والله ما كنت أدعها كل يوم.. لابد أن أتصل بها، ولابد أن أعطيها، ولابد أن أهدي لها، حتى أطلب منها دعوة وأنا خارج: سامحيني يا أختي.. يا عمتي.. يا خالتي، فأنا مقصر في حقك، تقول: سامحك الله، مد الله في أجلك، وسع الله في رزقك، نوَّر الله عليك، هذه الدعوات ليست سهلة عندما تأتيك من رحمك، لكن ما ظنك لو قطعت رحمك، وقالت: قطع الله رزقه، وألهب عظامه، إذا قالته الرحم، هل تدري أن هذا الدعاء لا يرد، لماذا؟ لأن (من قطع رحمه قطعه الله، ومن وصلها وصله الله). فكل واحد من أهل الإيمان وهم في الجنة يتحسرون ويتندمون على أنهم ما زادوا في العمل الصالح، وما استزادوا من أعمال البر؛ لأن أعمال البر كثيرة، ومجالات الخير واسعة، والإنسان لا يشبع من خير حتى تكون نهايته الجنة. هذا الاسم اسمه يوم الحسرة، تتقطع القلوب فيه حسرات على الجنة والتفريط في العمل الصالح في الدنيا.

الغاشية

من أسماء يوم القيامة: (الغاشية). يقول الله: هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ [الغاشية:1] أي: هل علمت وهل بلغك أخبار اليوم العظيم، يوم الغاشية الذي يغشى الناس فيه عذاب عظيم، إن الناس في ذلك اليوم ينقسمون إلى قسمين: قسم كانت وجوههم خاشعة: عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ [الغاشية:3] لكنها: تَصْلَى نَاراً حَامِيَةً [الغاشية:4] لأنها ما عملت لله، ولا سارت على منهج الله. وقسم: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ * لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * لا تَسْمَعُ فِيهَا لاغِيَةً * فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ * فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ * وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ * وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ * وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ [الغاشية:8-16]. الناس في يوم القيامة في جنة وهم أهل الإيمان، أو في نار وهم أهل العذاب، هذا يوم الغاشية، يوم يغشى الناس فيه العذاب أو تغشاهم الرحمة. وسميت غاشية؛ لأنها تغشى الناس بالأهوال والعظائم وتغمهم. ومن معانيها أيضاً: أن الكفار يغشاهم من عذاب النار، ويحيط بهم من فوقهم ومن تحت أرجلهم، يقول الله: يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ [العنكبوت:55] ويقول سبحانه: لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ [الأعراف:41] ولذا فهي غاشية تغشى أصحاب النار بالعذاب من كل اتجاه.. من فوقهم ومن تحت أرجلهم، أجارنا الله وإياكم من النار.


يوم الخلود

من أسماء هذا اليوم العظيم: (يوم الخلود). يوم الخلود إما في الجنة أو في النار؛ لأن الناس يصيرون في ذلك اليوم إلى الخلود، ليس هناك فناء كما يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: (يؤتى يوم القيامة بالموت على هيئة كبش أملح فيجعل بين الجنة والنار، ثم ينادي: يا أهل الجنة تعرفون هذا؟ قالوا: نعم. هذا الموت -مررنا عليه وعرفناه ولا ينكره أحد- ويا أهل النار تعرفون هذا؟ قالوا: نعم. هذا الموت، فيذبح الموت بين الجنة والنار، ويقال: يا أهل الجنة خلود فلا موت، ويا أهل النار خلود فلا موت). يقول أهل العلم: إن هذا الكلام بالنسبة لأهل الجنة أعظم نعيم، لماذا؟ يطمئنهم أنهم خالدون وليس هناك خروج أبداً، وهذا الكلام على أهل النار أعظم عذاب، لماذا؟ ليس هناك أمل للخروج؛ لأن أهل النار وهم في النار عندهم أمل أن يخرجوا، مثل السجين الذي عنده أمل في الخروج، لكن إذا قيل له: سجنه مؤبد، انقطع أمله، يتمنى السجين أن يقال له: تموت، ولا يقال له: تؤبد؛ لأنه يموت حقيقة، هو يموت لكن في قبر فوق الأرض، ممنوع من كل شيء، وهؤلاء في النار لا يموتون أيضاً: (خلود فلا موت)، فيكون عليهم هذا الكلام أعظم من كل عذاب. يقول الله لأهل الجنة: ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ [ق:34] والنار يقول فيهم: وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة:39] وأما أهل الإيمان فيقول الله فيهم: وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [آل عمران:107]. وهذا الكلام يدفعك إلى أن تصحح الوضع الذي أتت فيه، وتغير منطق التعامل مع نفسك ما دام أن خلودك في النار من أجل المعاصي، وتساءل عن الخلود في النار أو الجنة، هل أنا تخلدت في المعاصي أو الطاعات؟ لا. خلودك في الطاعات غير موجود مهما صليتَ فسوف تموت وتتركها، لكن من فضل الله أن يعطيك جزاءً خالداً، مع أنك ما عبدت الله بشكل خالد دائم، وكذلك بالمقابل الخلود في المعاصي: إذا خلدت نفسك في المعاصي فإن الله يخلدك في النار، وما دام أن القضية خلود في جنةٍ أو نار، فلا ينبغي لك أن تجازف من أجل شهوة عاجلة أو لذةٍ -والعياذ بالله- فانية تريحك في الدنيا، ثم تلقى الله وهو عليك ساخط، فيشقى -البعيد- شقاءً لا يسعد بعده أبداً.


يوم الحساب

من أسماء يوم القيامة: (يوم الحساب). ومعنى الحساب: المحاسبة للعباد، المحاسبة معرفة ما لك وما عليك، معرفة مركزك وسنتك المالية، ميزانيتك، أين أنت؟ الآن لا أحد يدري عنك، ولا يدري أحد في الدنيا ما نحن عليه الآن، نحن نعمل، والمحاسبة للنفس يجب أن تكون من الآن، لكن ما تنكشف لنا الأوراق إلا يوم القيامة. ولهذا أهل الإيمان يوم القيامة يقولون: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ [الأعراف:43] فيوم الحساب يؤتى بسجل الحسنات، ويؤتى بسجل السيئات، ويحاسب الإنسان على كل دقيق وجليل من تصرفاته، يؤتى بأمواله كلها، ويحاسب على كل ريال دخل أو خرج، ويؤتى بساعاته كلها، ويحاسب على كل دقيقة أين قضاها؟ كما يقول الرسول عليه الصلاة والسلام: (لا تزول قدما عبدٍ يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فِيمَ أفناه، وعن شبابه فِيمَ أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفِيمَ أنفقه، وعن علمه ماذا عمل به) هذا يوم الحساب، يقول الله عز وجل: إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [ص:26] أي ينحرفون عن منهج الله: لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ [ص:26] لأنهم نسوا يوم الحساب فضلوا عن سبيل الله، لو تذكروا يوم الحساب ما ضلوا عن سبيل الله: وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ [غافر:27] قال الإمام القرطبي : معنى الحساب: أن الله عز وجل يسجل ويحصي ويعدد على الخلق أعمالهم من إحسانٍ أو إساءة، ثم يعدد عليهم نعمه التي تقلبوا فيها: نعمة الخلق والإيجاد، والرزق والإمداد والإسعاد، والهداية والدين، ثم يقابل بعضها ببعضٍ؛ فما زاد عن الآخر حكم للزائد بحكمه الذي عينه له بالخير أو بالشر، يقول عليه الصلاة والسلام: (ما منكم من أحد إلا وسيكلمه الله ليس بينه وبينه ترجمان) هذا معنى الحساب.

الواقعة

من أسماء يوم القيامة: (الواقعة). سميت الواقعة لتحقق وقوعها، إذ لا شك في وقوعها، يقول الله عز وجل: إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ * لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ * خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ [الواقعة:1-3] (خافضة) لأهل المعاصي والكفر، (رافعة) لأهل الإيمان والعمل الصالح إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجّاً * وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسّاً [الواقعة:4-5] أي: فتتت: فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثّاً [الواقعة:6] مثل الهباء، الجبال التي ترونها عظيمة تكون مثل الهباء: وَكُنْتُمْ أَزْوَاجاً ثَلاثَةً [الواقعة:7] أقسام وفرق: فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ * وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ * وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ [الواقعة:8-10] ثلاث فرق يوم القيامة، سابقون، وأصحاب يمين، وأصحاب شمال، ولذا ينبغي أن تكون من السابقين، سَابِقْ من أجل أنك إذا سقطت! وكانت بالسقطة قريبة فتسقط في أصحاب اليمين، لكن لا تقل: أنا أريد أن أكون من أصحاب اليمين، فإذا سقطت فأين تذهب؟ مع أصحاب الشمال، هذا لا ينفع، دائماً اجعل نفسك في الأمام، لكن إذا قلت: لا والله أريد أن أكون مع أصحاب اليمين، ثم جئت ولست منهم فأين تذهب؟ ترجع إلى الخلف.. إلى جهنم مع أصحاب الشمال: وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ * فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ * وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ * لا بَارِدٍ وَلا كَرِيمٍ [الواقعة:41-44].

يوم الوعيد

من أسماء يوم القيامة: (يوم الوعيد). الوعيد هو: ما توعد الله به عباده العصاة من العذاب، يقول الله عز وجل: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ [ق:20] وحقيقة الوعيد: هو الإخبار عن العقوبة، أما الوعد: فهو الإخبار عن المكافأة، ولهذا يوم القيامة هناك وعد ووعيد، وعد لأهل الإيمان بالجنة، ووعيد لأهل الكفر والنفاق والعصيان بالنار. وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ * وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ * لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ [ق:20-22].

يوم الآزفة

من أسماء يوم القيامة: (يوم الآزفة). ومعنى الآزفة: يعني: القريبة، وسميت بالآزفة؛ لقرب وقوعها ولاقتراب حدوثها، يقول الله عز وجل: أَزِفَتِ الْآزِفَةُ * لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ [النجم:57-58] ويقول تعالى: وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ * يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ [غافر:18-19] .. يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ [غافر:18] القلب أصبح في الحنجرة من الخوف، وتعرف هذا إذا كنت في الطائرة ثم حصل هبوط مفاجئ أو مطب هوائي ماذا يحصل عندك؟ يرتفع شواك (أي: جلد رأسك)، وتحس أن قلبك تزداد نبضاته، ونفسك يكاد ينكتم لماذا؟ لأنه حدث حدثٌ صعبٌ، تتصور أن الطائرة تحطمت، وهي ما تحطمت، وإنما نزلت عشرة أمتار، أو عشرين متراً، أو خمسين متراً، وإذا كان الهبوط قوياً مفاجئاً فإن بعض الناس يموتون، ولذا يؤمر الركاب بربط الأحزمة من أجل أنه إذا حدث شيء إذا بهم على الأقل جهزوا أنفسهم. لكن يوم القيامة أهوال ليست مثل هذا الهول، أهوال يقول الله عنها: إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ * يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ [غافر:18-19]. والساعة آزفة وقريبة، ومعروف أن كل آت فهو قريب، وإن غداً لناظريه لقريب مهما بعد. والساعة بعد ظهور علاماتها تكون أكثر قرباً ووقوعها أكثر احتمالاً، إذا كانت هناك سيارة سوف تأتي -مثلاً- من الرياض ، ويعطيك شخص خبراً عنها بواسطة تليفون أو برقية، متى تصل السيارة؟ يقول لك: تحركت السيارة من الرياض الساعة السابعة صباحاً، تضرب لها زمناً قياسياً تقول: تقريباً عشر ساعات أو اثنا عشر ساعة على أبعد تقدير، فلا تذهب تنتظرها من أول الوقت، تقعد للساعة الرابعة أو الخامسة ثم تجلس في الطريق، وكلما جاءت سيارة تقول: لعلها هذه، لعلها هذه؛ لأنه أزف موعدها. أي: قرب، فإذا هو أعطاك علامات: بأن السيارة لونها كذا، أو شكلها كذا، ثم رأيت سيارة شبيهة لها قلت: هذه هي، وإذا رأيتها على ما وصف لك قلت: نعم، هذه هي، فالآن الله أخبرنا عن الساعة، وعلاماتها، وقد رأينا أكثر علاماتها، فإذن هي آتية، وكل ما هو آتٍ آت، وما أتت علامته فقد أصبح وقوعه أكثر قرباً.

يوم الجمع

من أسماء يوم القيامة: (يوم الجمع). لأن الله يجمع فيه الأولين والآخرين، فلا يستطيع أحد أن يفلت من هذا اليوم، يقول الله تبارك وتعالى في سورة الحاقة: فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ * وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً * فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ * وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ * وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ * يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ [الحاقة:13-18] لا يغيب أحد بين يدي الله، منذ خلق الله آدم إلى يوم القيامة وكلهم يحضرون؛ ولذا سمي هذا اليوم يوم الجمع، يقول عز وجل: وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ [الشورى:7] ويقول الله عز وجل: ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ * وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ * يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ * فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ * خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ * وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ [هود:103-108] نسأل الله من فضله. وسميت القيامة بيوم الجمع؛ لأن الله يجمع الخلائق من الأولين والآخرين، وحقيقةً أن يوماً يجتمع فيه الناس كلهم يوم رهيب جداً جداً، الآن إذا اجتمع الناس في يوم عرفة كم يجتمع في عرفة ؟ في الغالب أعلى مستويات الحج مليونين أو ثلاثة ملايين، ولو اجتمع أهل السعودية كلهم في يوم عرفة عشرة ملايين أو خمسة عشر مليوناً، كيف يكون الوضع في عرفة ؟ كيف يكون الزحام؟ تكون الحركة صعبة جداً، ولو اجتمع أهل قارة آسيا كلهم! لو اجتمع المسلمون كلهم -ألف مليون مسلم- في عرفة كيف يصير؟ وإذا اجتمع أربعة آلاف مليون، يعني: كل إنسان على وجه الأرض اليوم، لو اجتمعوا كلهم الآن في مكان واحد كيف يكون الوضع؟ هؤلاء الآن أربعة آلاف مليون وبعد مائة سنة لن تجد منهم أحد إلا النادر كما ورد في الحديث وهو صحيح: (أنه على رأس المائة لا يكون على وجه الأرض أحد ممن كانوا عليها). يجدد الله الأرض كلها، ويبدل وجه الناس كلهم وكل مائة سنة يأتي بمجموعة جديدة، الذي يولد اليوم بعد مائة سنة لن تلقاه، فيموت في السبعين، أو الثمانين، أو التسعين، أو المائة وهذا نادر وقليل، والنادر لا حكم له، والقاعدة أن الناس كلهم يموتون دون ذلك السن، فإذا كان في كل مائة سنة أربعة آلاف مليون فمنذ خلق الله آدم إلى يومنا هذا كم عاش؟ وكم مات؟ ومن الآن إلى يوم القيامة كم سيأتي؟ لا يعلمهم إلا الله، هؤلاء كلهم موجودون، وأنت منهم في ذلك اليوم، وأنا واحد منهم، في ذلك اليوم يكون كل منا عارياً حافياً جائعاً، في وضعٍ لا يعلمه إلا الله، والناس وقوف كلهم في ذلك الموقف مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ [القمر:8] ولا يوجد إلا مظلة الرحمن، الشمس تغلي منها أدمغة العباد، ولا يوجد إلا مظلة واحدة اسمها مظلة الرحمن، فيها سبعة أصناف من الأمة تعرفونهم في الحديث، منهم: (شاب نشأ في عبادة الله...) أسأل الله أن يجعل شباب المسلمين منهم؛ لأن هذه الصحوة التي نراها ونلمسها في الشباب تبشر بخير، ولكن نرجو الله أن يثبتهم على الإيمان، ويلهمهم الرشد في طريق صحوتهم؛ فإن هذه الصحوة ينبغي أن تسير راشدة على كتاب الله وسنة رسول الله، من غير شطط أو جنوح أو غلو؛ لأن الغلو خطر على الدعوات، ويجب أن يسعك ما وسع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن تأخذ الدين من منبعه الأصلي من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا أخذت وتمسكت بالهدي النبوي نجوت وكنت من ضمن السبعة الذين يظلهم الله في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله. وذلك اليوم العظيم -الذي هو يوم الجمع- يخففه الله على أهل الإيمان، فلا يشعرون بطوله، ولا يشعرون فيه بحزن ولا بخوف، يقول الله عز وجل: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ [فصلت:30-32].
الحاقة

من أسماء يوم القيامة: (الحاقة). سميت بالحاقة؛ لأنه يتحقق فيها الوعد والوعيد، والعذاب والنعيم الذي وعد الله به الناس الْحَاقَّةُ * مَا الْحَاقَّةُ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ * كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ [الحاقة:1-4] كذبوا بالبعث وبالنشور فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ * وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ * سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ * فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ [الحاقة:5-8]. إذا كان الله عذب ثمود بالطاغية، وعذب عاداً بالريح الصرصر العاتية، وهم كانوا كباراً في الأجسام، ضخاماً في الخلق؛ لكن مع هذا عذبهم الله: فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ [الحاقة:8] فإن من عذبهم وأهلكهم قادر على أن يهلك كل من على الأرض، ويوم القيامة يحقق الله عز وجل وعده ووعيده، يقول البخاري في صحيحه : الحاقة؛ لأن فيها الثواب والعقاب، وفيها الجزاء والوعد والوعيد.

يوم التلاق

من أسماء يوم القيامة: (يوم التلاق). لأنه تلتقي فيه الخلائق كلها، حتى إن آدم عليه السلام يلتقي بآخر من يخلق من ذريته من بنيه، آدم أول إنسان مخلوق، وآخر مخلوق من ذريته يلتقي به يوم القيامة، تلتقي الأم بولدها، والأب بولده، والأخ بأخيه، لكن كل واحد يلتقي بمن يعرفه ويفر منه عندما يراه: يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ [عبس:34-37]، كل شخص لا يريد الصديق في ذلك اليوم؛ لأن الصديق لا ينفع صديقه بل يضره، ولاحظ إذا كنت في الرياض منقطعاً وما عندك شيء تبحث عن صديق أو أحد من الجماعة أو الأقارب لعله ينفعك ويشد من أزرك، لكن يوم القيامة لا تريد أمك ولا أباك، لماذا؟ لأن كل واحد يقول في ذلك اليوم: نفسي نفسي، وورد في الحديث: (أن الأم تأتي إلى ولدها فتقول: أنا أمك؟ قال: نعم. قالت: غذيتك بلبني؟ قال: نعم. قالت: كان حجري لك مهاداً، وكنت أعطيك وتعدد عليه النعم، قال: نعم. قالت: أسألك بحق أمومتي عليك أن تعطيني حسنة واحدة ترجح ميزاني، قال: نعم أنت أمي، وغذيتني، وأعطيتني...، أسألك بحق بنوتي لك إن تعطيني أنتِ حسنة) تريد هي منه حسنة، فيريد هو منها حسنة، فيفر وهي تفر، ما أحد ينفع أحداً يوم القيامة، ولا ينفعك إلا عملك. يوم التلاق يقول الله عز وجل فيه: رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ * يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ * الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ [غافر:15-17] فالناس يلتقون يوم القيامة من أولهم إلى آخرهم. وقيل سمي (يوم التلاق)؛ لأن أهل السماء يلتقون مع أهل الأرض، ومعروف أن أهل السماء ينزلون، قال الله: وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلاً [الفرقان:25] .. فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ [الرحمن:37] ملائكة السماء الدنيا ينزلون على الأرض فيحيطون بها من جوانبها كلها، والخلائق كلهم في الوسط، ثم يأذن الله لملائكة السماء الثانية فينزلون، فيكونون أعظم من أهل السماء الدنيا، وأعظم من أهل الأرض، فيحيطون بها كلها، ثم ينزل ملائكة السماء الثالثة، فكل سماء ينزل منها من الملائكة أعظم من الذين كانوا قبلهم كلهم: وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلاً [الفرقان:25] في ذلك اليوم يلتقي أهل السماء وأهل الأرض. وقيل: سمي (يوم التلاق) لأن فيه يلتقي الخلق بالخالق تبارك وتعالى في ذلك اليوم الرهيب. وقيل: يلتقي الظالم والمظلوم، والقاتل والمقتول، والصالح والطالح، في ذلك اليوم يلقى كل عاملٍ ما عمل من خير أو شرٍ، يا عامل اعمل ما تشاء فإنك ملاقيه، لن تجد إلا ما عملت: يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ [غافر:52].

يوم التناد

من أسماء يوم القيامة: (يوم التناد). أي: إطلاق النداءات، وهذا دائماً يحصل في الكوارث، فإذا ما حصل حريق -عافى الله المسلمين- في بيت، ماذا يحصل؟ الكل يصيح، اتصلوا بالمطافي، هاتوا ماء، قربوا... ابعدوا... انظروا، هذا يصيح، وذاك يصيح، ويوم القيامة ليس حريقاً معتاداً، إنما هو حريق العالم كله، الأرض كلها تحترق، والعالم في رهبة وخوف لا يعلمه إلا الله، والناس في نداءات، وصراخ، وصياح، وأمور مشكلة عليهم، يقول الله عز وجل، كما قال مؤمن آل فرعون وهو ينصح قومه: وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ * يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ [غافر:32-33]. وسمي بذلك لكثرة ما يحصل فيه من النداء والصياح، فكل إنسان يُدعى ويُنادى باسمه للجزاء وللحساب، يسمعه أهل الموقف كلهم، وأصحاب الجنة ينادون أصحاب النار، كما قال عز وجل: وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقّاً فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقّاً قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ [الأعراف:44] وينادي أهل النار أصحاب الجنة: وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ [الأعراف:50] وأهل الأعراف ينادون وَنَادَى أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ [الأعراف:48] ويُنادى في ذلك اليوم على المؤمن: ألا إن فلان بن فلان قد سعد سعادة لا يشقى بعدها أبداً، فيبيض وجهه ويأخذ كتابه ويقول لأهل الموقف: هَاؤُمُ اقْرَأوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ [الحاقة:19-24] وينادى على الرجل من أهل النار باسمه الذي يعرف به في الدنيا يسمعه أهل الموقف: ألا إن فلان بن فلان قد شقي شقاوة لا يسعد بعدها أبداً، فيسود وجهه، ويعطى كتابه بشماله: فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ [الحاقة:25-27]. فهذا يوم النداءات.. يوم التناد، مثل يوم -ولله المثل الأعلى- ظهور النتائج في المدارس، لا توجد إلا بيانات تقرأ من الميكرفون، الناجحون من الصف السادس إلى المتوسط، الناجحون من الخامس إلى السادس، الناجحون من الثالث إلى الرابع، وتظهر قوائم ونداءات الراسبين والمكملين، ناجح وساقط فقط، هل ينفع في ذلك اليوم عمل؟ ما رأيكم لو أن أحداً من الساقطين يوم ظهور النتيجة قال: يا جماعة أريد أن أعمل الآن! يقولون له: طارت الطير بأرزاقها، ما معك إلا ما معك، كنت ذاكرت بالأمس، -أمس ذلك اليوم- ذاكر الآن واعمل صالحاً الآن قبل أن تموت، وتلقى الله في يوم النداءات، وينادى عليك بين الخلائق، فضيحة والله ما أعظم منها فضيحة، أن تدعى باسمك، ويقال: أنت شقي، ويعرف كل الناس أنك شقي وعدو لله ملعون في النار، وفخر والله عظيم -يا أخي- أن يدعوك الله على رءوس الخلائق، ويقال: إن فلاناً قد سعد سعادة لا يشقى بعدها أبداً.


يوم التغابن

من أسماء يوم القيامة: (يوم التغابن). سمي يوم التغابن لما يحصل لأهل النار فيه من الغبن حينما تفوتهم الجنة، ويدخلون النار، والغبن: شعور بالخسارة في معاوضة تجارية، هذا الغبن هو: أن تشتري سيارة بعشرين ألفاً، ثم تأتي تبيعها بخمسة آلاف، يحصل عندك غبن، تشتري عمامة من دكان بستين ريالاً، وتخرج لتراها في دكان ثانٍ نفس الموديل، والتصميم، والماركة بأربعين ريالاً، هل يحصل عندك غبن أو لا؟ فأهل الجنة يوم القيامة اشتروا الجنة بالعمل الصالح، قدموا الثمن في الدنيا واشتروا، وجاء هؤلاء ما عندهم شيء، وإذا بهم يشعرون بغبن.. اشتروا النار بالمعاصي، يشتري الأغاني والمجلة الرخيصة بنقود، يذهب إلى الخارج لكي يزني ويسكر ويخمر بنقود، اشتروا العذاب بأموالهم، ويوم القيامة يحصل لهم الغبن، يقول الله عز وجل: يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ [التغابن:9] وقد ورد أن أهل النار يؤخذون إلى طرف الجنة ثم يقال لهم: ما هذه؟ قالوا: الجنة، قالوا: وهذه منازلكم فيها لو أنكم أطعتم الله، لكنكم لما عصيتم الله أبدلكم الله عز وجل بمنازل أخرى وهي النار، فيرجعون إلى النار بغبن ما رجع به الأولون والآخرون، ويتمنون ويقولون: ربنا لو أدخلتنا النار لكان أهون من أن تدخلنا بعد أن نرى الجنة، ولكن زيادةً في العذاب، نعوذ بالله من النار!


أسماء أخرى ليوم القيامة

هذه أشهر أسماء يوم القيامة، وقد وردت أسماء وأوصاف كثيرة اشتقها العلماء من الآيات والأحاديث مثل: يوم عسير، ويوم عظيم، ويوم عبوس، ويوم مشهود، ويوم قمطرير، ويوم عقيم، وأيضاً أخذت من بعض الآيات، مثل: يوم الخزي، يوم الهوان، يوم الذل، يوم الافتقار، يوم الاحتقار، يوم الصغار، يوم الانكسار، يوم الميقات، يوم المرصاد، إلى غير ذلك من الأسماء، هذه الأسماء الكثيرة لِمَ تعددت ولِمَ كثرت ولم يكن لها اسم واحد فقط؟ يقول العلماء: كلما عظم شأن الشيء تعددت أسماؤه وصفاته، وهذا شائع في كلام العرب، الشيء الحقير ما له إلا اسم واحد فقط، لكن الشيء العظيم له أسماء كثيرة، فالأسد له أسماء كثيرة: اسمه أسد، وليث، وغضنفر؛ لأنه أسد، لكن الثعلب ما له إلا اسم واحد ثعلب ماذا نسميه؟ ابحثوا له عن اسم ثانٍ، ليس معه إلا اسم ثعلب فقط، فالشيء إذا احتقر لم يسم إلا باسم واحد، وكل ما عظم تعددت أسماؤه، وهذا شائع ومعروف في كلام العرب، ألا ترى أن السيف له أسماء كثيرة: مهند، فيصل، بتار...، له أسماء كثيرة لماذا؟ لأنه بتار، بينما الأشياء الحقيرة ليس لها إلا اسم واحد. والقيامة لعظمتها ولهولها، ولعظم أمرها؛ سماها الله عز وجل بهذه الأسماء الكثيرة، ووصفها بهذه الأوصاف المتعددة. نسأل الله الذي لا إله إلا هو أن ينجينا وإياكم من عذابه، وأن يؤمن خوفنا يوم القيام له بين يديه، وأن يجعلنا في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله، إنه ولي ذلك والقادر عليه، والله أعلم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.


Cant See Links


رد مع اقتباس